مقامات مروان العطية - "مجمع البحرين: ناصيف اليازجي"

كان اليازجي عمدة البلغاء في وقته !!!
مقامات : « مجمع البحرين » ؛ هو كتاب يشتمل على ستين مقامة على غرار مقامات الحريري وبديع الزمان الهمداني.

فمثال ناصيف اليازجي في (مجمع البحرين)؛ هو مقامات الحريري ؛ ولأنه كذلك يصفه لويس شيخو بأنه : عمدة البلغاء في وقته .

وشيوع روح المحاكاة للأساليب المتكلّفة لدى كثير من الكتّاب دفع مارون عبود إلى القول بأن اليازجي :
يستوحي الكتب القديمة، ولا يستلهم غيرها..

ولم يكن ذلك بخاف عن جورجي زيدان الذي أكّد بأنه أودع مقاماته من:
فنون الإنشاء وصناعات البديع ،ومن غريب اللغة ألفاظها المنتقاة، وأمثال العرب والآيات الشريفة، ما دلّ على طول باعه وغزارة محفوظه، وذلك فضلا عما أودعها من المسائل العلمية في كل فن، وما ضمن شرحها من تواريخ العرب وأنسابهم ووقائعهم.

ولم تكن هذه الأحكام خاطئة بحق اليازجي، فهو نفسه رسم في مقدمة كتابه :
( مجمع البحرين) الهدف الامتثالي لكتابه.

اقترن الهدف بأمرين متوازيين أراد اليازجي تحقيقهما:
الوظيفة اللغوية بتقليد أساليب القدماء، فقد أكد بأنه قد تحرّى في كتابه ما استطاع من :
الفوائد والقواعد، والغوا رب والشوارد، والأمثال الحكم والقصص التي يجري بها القلم، ويسعى لها القدم، إلى غير ذلك من نوادر التراكيب، ومحاسن الأساليب، والأسماء التي لا يعثر عليها إلاّ بعد جهد التنقير والتنقيب.

ثم المحاكاة السردية لرواد المقامات إذ يعترف بأنه جاء متطفلا على : مقام أهل الأدب من أئمة العرب، بتلفيق أحاديث تقتصر على شبه مقاماتهم من اللقب.

وذلك إنما هو حسب قوله :
ضرب من الفضول، بعد انتشار ما أبرزه أولئك الفحول. وفي الأمرين كان محاكيا من الدرجة الأولى، ومع أن مقاماته استأثرت بأهمية بالغة في عصرها؛ لأنها كانت بيانا لأحياء التقاليد الكلاسيكية للكتابة العربية، وامتدادا للجهود العظيمة في التراث النثري القديم، وبخاصة أن سؤال المغايرة لم يكن مطروحا بوضوح، فالمحاكاة هي النموذج الأمثل للإبداع في كل تصور إحيائي ..

وقبل أن نختم حديثنا لابد من ذكر مؤلفاته الأخر، وهي:
ترك ناصيف اليازجي مؤلفات متعددة شملت الصرف والنحو والبيان واللغة والمنطق والطب والتاريخ، كما ترك ديواناً شعرياً متنوع الموضوعات، ومراسلات شعرية ونثرية، وأهم هذه المؤلفات:
* « نار القرى في شرح جوف الفرا »، في الصرف والنحو.
* « فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب »، وهي رسالة في التوجيهات النحوية.
* « عقد الجمان في علم البيان ».
* « ديوان ناصيف اليازجي ».

الدكتور مروان العطية



المقامات.jpg
 
ناصيف اليازجي
المقامة البدوية

ناصيف بن عبد الله بن جنبلاط بن سعد اليازجي (1800، 1871 م) هو أديب وشاعر لبناني ولد في قرية كفر شيما، من قرى الساحل اللبناني في 25 آذار سنة 1800 م في أسرة اليازجي التي نبغ كثير من أفرادها في الفكر والأدب، وأصله من حمص.

لعب دورا كبيرا في إعادة استخدام اللغة الفصحى بين العرب في القرن التاسع عشر، عمل لدى الأسرة الشهابية كاتبا وشارك في أول ترجمة الإنجيل والعهد القديم إلى العربية في العصر الحديث. درّس في بيروت....

ترك ناصيف اليازجي مؤلفات متعددة شملت الصرف والنحو والبيان واللغة والمنطق والطب والتاريخ، كما ترك ديواناً شعرياً متنوع الموضوعات، ومراسلات شعرية ونثرية.

و منها:
* نار القرى في شرح جوف الفرا في الصرف والنحو.
* فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب وهي رسالة في التوجيهات النحوية.
* عقد الجمان في علم البيان .
* مجمع البحرين وهو يشتمل على ستين مقامة على غرار مقامات الحريري وبديع الزمان الهمداني.
* ديوان ناصيف اليازجي.
* طوق الحمامة.
* قطب الصناعة في أصول المنطق والتذكرة في أصول المنطق.
* الحجر الكريم في الطب القديم.
* فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء.
* رسالة تاريخية في أحوال لبنان في عهده الإقطاعي.
* العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب. هذبه وأكمله ابنه إبراهيم اليازجي

حكى سهيل بن عبادٍ قال:

مللت الحضر ، وملت إلى السفر ، فامتطيت ناقة تسابق الرياح ، وجعلت أخترق الهضاب والبطاح ، حتى خيم الغسق ، وتصرم الشفق ، فدفعت إلى خيمة مضروبة ، ونار مشبوبة.

فقلت:

من يا ترى القوم النزول ههنا هل بهم الخوف أم الأمن لنا ؟

قد كان عن هذا الطريق لي غنى ، وإذا رجلٌ من وراء الحجاب ، قد استضحك وأجاب:

إني ميمون بني الخزام ***** وهذه ليلى ابنتي أمامي

نعم وهذا رجب غلامي ***** من رام أن يدخل في ذمامي

يأمن مـن بوائق الأيام.

قال:

فسكن مني ما جاش ، من الجاش.

ودخلت فإذا رجل أشمط الناصية ، يكتنفه الغلام والجارية. فحييت تحية ملتاح ، وجثمت جثمة مرتاح. وبات الشيخ يطرفنا بحديث يشفي الأوام ، ويشفي من السقام. إلى أن رق جلباب الظلماء ، وانشق حجاب السماء ، فنهضنا نهيم في تلك الهيماء. حتى إذا أشرفنا على فريق ، يناوح الطريق. عرض لنا لصوص قد أطلقوا الأعنة ، وأشرعوا الأسنة.

فأخذ الشيخ القلق ، وقال:

أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق.

ولما التقت العين بالعين ، على أدنى من قاب قوسين ، قال:

يا قوم هل أدلكم على تجارة ، تقوم بحق الغارة ؟

قالوا:
وما عسى أن يكون ذاك ؟ حياك الله وبياك!

فقال:
يا غلام اهبط بهم إلى مراعي الريف ، وأنا أقف هنا أراعي كاللغيف.

قال سهيل:
فلما توارى بهم أوفض الشيخ على ناقته القلوص ، حتى أتى الحي فنادى اللصوص. وطلب المراعي فانهالت في أثره الرجال ، وإذا اللصوص قد ساقوا قطعة من الجمال. فأطبقوا عليهم من كل جانب ، وأخذوهم أسرى إلى المضارب. حتى إذا أثخنوهم شدوا الوثاق ، وقد كادت أرواحهم تبلغ التراق. ثم أدخلونا إلى بيت طويل الدعائم ، في صدره شيخ. كأنه قيس بن عاصم.

فقال:
أحسنت أيها النذير فسنوفي لك الكيل ، ونعطيك ما لهؤلاء اللصوص من الأسلاب والخيل.

فابتسم الشيخ من فوره ، وقال:
جدح جوين من سويق غيره.

قال:
قد رأيت ما لا يرى ، فعند الصباح يحمد القوم السرى.

ولما كان الغد أهاب بنا داعي الأمير ، ونفحنا بصرة من الدنانير ، فضممناها إلى أسلاب اللصوص وخرجنا نجد المسير.

ولما استوى الشيخ على القتب ، أخذته هزة الطرب ، فأنشأ يقول:

أنا الخزامي سليل العرب
أذهب بين الناس كل مذهب
وألبس الجد ثـياب اللعب
وأستقي من كل برق خلب
وأتقي باللطف كل مخلب
وألتقي الرمح بلدن القصب
ولا أبالي بالفتى المجرب
لو أنه عمرو بن معدي كرب
علي درع من نسيج الأدب
تكل عنها ماضيات القضب
ولي لسان من بقايا الحقب
يقنص بالمكر أسود الهضب
والصدق ، إن ألقاك تحت العطب ،
لا خير فيه فاعتصم بالكذب

بمثل هذا كان يوصيني أبي.

قال:
فلما فرع من إنشاده ، تزمل ببجاده ، وقال:

يا قوم اتبعوا من لا يسألكم أجراً ، ولا تستطيعون بدونه نصراً.

ثم انطلق بين أيدينا كالدليل ، وهو يمزج الوخد بالذميل ، إلى أن نشرت راية الأصيل ، فنزلنا وارتبطنا الأنعام ، وأضرمنا النار للطعام. وقال الشيخ حتى دنا من ناقتي فحل العقال ، وأخذ يتخطى ويتمطى ذات اليمين وذات الشمال. فنفرت الناقة في مجاهل تلك الأرض، وجعل يستوقفها زجراً فتشتد في الركض.

فبادرت أعدو إليها حتى استأنست من النفار ، ورجعت بها أتنور تلك النار ، وإذا الشيخ قد أخذ كل ما هناك وسار.

فصفقت صفقة الأواه ، وقلت:
لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم عمدت إلى عقال ناقتي المجفلة ، وإذا طرس قد عقل به مكتوباً فيه بعد البسملة:

قل لسهيل:
لست بالمغبون ،
لولاي ذقت غصة المنون
فأنت والناقة في يميني
ملك بحق ليس بالمنون
لكن عفوت عنك كالمديون
وهبته الدين لحسن الدين

فقدم الشكر إلى ميمون!

قال:
فعجبت من أخلاقه ، وأسفت على فراقه ، ووددت على ما بي من الفاقة ، ولو مكث واستتبع الناقة.



يليه مسائل الانتقاد ابن شرف القيرواني
 
أعلى