مقامات الحريري - مقامات الحريري

ثاني كتب المقامات شهرة وأجلها أثراً، لم يلق واحد منها ما لقيه من عناية العلماء به، وتنافسِ الأمراء باقتناء نسخه. قال حاجي خليفة: كتاب لا يحتاج إلى تعريف لشهرته، وقد قال الزمخشري في مدحه وهو من معاصري الحريري: أقســـــــم بالله وآياته ومشعر الحج وميقاته أن الحريري حريٌّ بأن نَكتُبَ بالتبر مقاماته وهو الكتاب الرابع من كتب المقامات حسب التسلسل التاريخي، وأولها: مقامات بديع الزمان، وثانيها: مقامات أبي النصر عبد العزيز بن عمر السعدي المتوفى سنة 405هـ وثالثها: مقامات ابن تاقيا عبد الله بن محمد المتوفى سنة 485هـ ورابعها: مقامات الحريري. ويضم خمسين مقامة، على غرار مقامات بديع الزمان، جعل الحريري بطلها الحارث بن همام البصري، وهو اسم بلا مسمى، وراويها أبا زيد السروجي وهو شخصية حقيقية، ورد البصرة وكان شيخاً بليغاً وسحر الناس بفصاحته في مسجد بني حرام وهو يسألهم أن يعينوه في فك ولده من أسر الروم. قال الحريري: فاجتمع عندي فضلاء وأخبروني بما سمعوه وتعجبوا منه، فأنشأت المقامة الحرامية، ثم بنيت عليها سائر المقامات. قال ابن الجوزي: وعرض المقامة الحرامية على الوزير أنوشروان فاستحسنها وأمر أن يضيف إليها ما شاكلها فأتمها خمسين مقامة. وعثر ابن خلكان سنة 676هـ على نسخة منها بخط الحريري، وقرأ فيها أنه ألفها للوزير جلال الدين ابن صدقة، وذلك مخالف لما أثبته في ترجمته للحريري من أنه ألفها للوزير أنوشروان بن خالد القاشاني: وزير المسترشد العباسي. ولها شروح كثيرة جداً، عدَّ منها حاجي خليفة أربعين شرحاً ونص على أن أجودها شروح أبي العباس الشريشي المتوفى سنة 619هـ، وأضخمها شرح ابن الساعي البغدادي المتوفى سنة 674هـ وهو في خمسة وعشرين مجلداً، وأقدمها: شرح أبي سعيد الحلي تلميذ الحريري، وقد قرأ شرحه عليه. طبع الكتاب لأول مرة في كلكتة من سنة 1809 إلى 1812م، ثم في باريس سنة 1822هـ بعناية (دي ساسي) مع شروح منتخبة، وفي (لايبسك) سنة 1836 وفي بولاق 1288هـ. وقد وصلتنا نسخ منه مزينة بالمنمنمات التي أبدعتها ريشة الفنان يحيى بن محمود الواسطي، فرغ منها في رمضان 634هـ. وانظر كتاب (الأثر العربي في الفكر اليهودي) إبراهيم موسى هنداوي وفيه فصل المقامات ص129 (وأهم إنتاج أدبي من هذا النوع ما لقيه الشاعر يهوذا الحريزي في القرن (12م) ويعتبر إنتاجه أشهر ما أنتج في الأدب العبري. وقد ترجم (مقامات الحريري) إلى العبرية تلبية لرغبة أصدقائه الذين شغفوا بالأدب العربي في طليطلة. وسمى ترجمته (حكايات إيتيئيل) نسبة إلى البطل الذي اختاره لمقاماته بدلاً من الاسم العربي، وقد استعاره من (سفر الأمثال: إصحاح 30) أما كتاب (مقاماته) هو فأهما المقامة (47) ص250 في وصف من لقيهم في أسفاره من يهود المشرق. وفي مقامة أخرى يذكر أسماء شعراء اليهود، وشهرة كل واحد منهم. أما عن تاريخ دخول (مقامات الحريري) إلى المغرب، فقد ذكر أبو عبد الله ابن القاضي عياض في كتابه (التعريف بالقاضي عياض) (ص109) أن بعض أصحابه سمعه يقول: (لما وصل إلى بلدنا كتاب المقامات للحريري، وكنت لم أرها قبل، لم أنم ليلة طالعتها حتى أكملت جميعها بالمطالعة) قال محقق الكتاب د. محمد بن شريفة: أما في الأندلس فقد أدخلها من أخذها مباشرة عن الحريري كما ذكر د. إحسان عباس في كتابه (تاريخ الأدب الأندلسي (ص303). وننوه هنا إلى ما ذهب إليه رفاعة الطهطاوي من أن فينيلون الفرنسي استفاد كثيراً من مقامات الحريري في كتابه (مواقع الأفلاك في وقائع تيلماك) الذي قام الطهطاوي بترجمته إلى العربية سنة 1849م. انظر مجلة العرب (س3 ص777). وفيها إشارة إلى مقامات علي مبارك، التي سماها باسم بطلها (علم الدين). وانظر خزانة الأدب: الشاهد (487).


المقامات.jpg
 
أعلى