عبد الهادي التازي - البديع في تراث المغرب الأقصى الدكتور طه حسين بالمغرب

الجزء الأول

الدكتور طه حسين بالمغرب دوره في صحوة الفكر من خلال محاضراته وندواته

لقد كان محظورًا علينا أن نتصل بالمشرق إلا عبر القنوات التي تسمح السلطات الاستعمارية بالمرور منها ، وكذا فإن النشرات الواردة علينا من المشرق كانت تخضع بدورها لرقابةٍ محكمة، وحتى صُوَر قادة المشرق وزعمائه كانت تتعرض للمصادرة بل وللعقاب الصارم على امتلاكها وترويجها !
وقد وجدت نفسى ذات يوم بالسجن عام 1937م لأن الشرطة عثرت في بيتنا على رسوم لسعد زغلول وفريد وجدى وقاسم أمين ‍! لقد سألونى عن علاقتى بهؤلاء فقالوا: هل هم أخوالك أو أعمامك ؟ والحقيقة أننا كنا نتبادل سراً بعض الكتب التي تتسرب إلينا من المشرق من أمثال "حاضر العالم الإسلامى" الذى ترجمه الأستاذ عجاج نويهض وكتاب "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" للأمير شكيب أرسلان ، وياويلَ من ضبطت عنده ورقة من مثل هذه " المخدرات " !
وقد ازداد الحصار إحكاما عندما احتدت المعركة بين الوطنيين والاستعمار ، أواسط الأربعينيات، عندما طالب المغاربة باسترجاع استقلالهم ، واشتدت المواجهة أوائل الخمسينيات عندما توالت كتابات المصريين عما يجرى بالمغرب من تجاوزاتٍ خطيرة بلغت حد تهديد العاهل المغربى الملك محمد الخامس بخلعه عن العرش إن هو تمادى في مناصرة الحركة الوطنية التي تطالب بالاستقلال.
وفي أعقاب أزمة 25 فبراير 1951م توهم الاستعمار أنه سيجد في صحافة مصر ما ينفس عنه .فاستقدم الدكتور محمود عزمى عن جريدة ( الأهرام ) ليقف بنفسه على زيف " ادعاءات " الوطنيـين وأن البلاد تعـانى من الظلم والحيف، ولكن الدكتور عزمى عاد من المغرب يحمل معه أجوبة مكتوبة من لدن
العاهل المغربى ، الأجوبة كانت تُدين المحاولات الرخيصة للتفرقة بين الملك والشعب حيث نشر الاستجواب صورةً وحرفًا في جريدة الأهرام بتاريخ 27/3/1951.
وما زلت أذكر أن في صدر الحملات العنيفة التي كان الوطنيون المغاربة يوجهونها ضد الحماية أنها كانت تحرم على المغاربة فتح المدارس لنشر التعليم مع أن طه حسين وزير المعارف وقتها كان ينشئ العديد من المدارس ويقرر مجانية التعليم الثانوى ويعلن أن التعليم ضرورى للناس ضرورة الماء والهواء .
لقد كانت مصر لنا بمثابة القبس الذى يهدينا إلى الطريق ونحن نقاوم الاستعمار.
وقد ركب الاستعمار رأسه فأقدم على نفي الملك محمد الخامس، يوم 20 غشت 1953 والذي كان يصادف عيد الأضحى عند المسلمين . وهنا لم يكن من الغريب أن يسمع الناس بالمغرب أن الدكتور طه حسين يُرجع الوسام الفرنسى ( لا ليجيون دونور ) من رتبة فارس كبير احتجاجًا على ما يجرى في الجناح الآخر من العالم العربى!
ولقد كتب الدكتور طه حسين - بعد نفي الملك محمد الخامس وولي عهده وسائر أسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر - مقالا بجريدة الجمهورية عدد 29/12/1953م يحمل عنوان ( حول هوشى منه ومحمد الخامس ) .
وأردفه بمقال آخر في الجمهورية يوم 6/1/1954م حول ( محمد بن عرفة) الصنيعة التي نصبها الاستعمار عوض الملك محمد الخامس !
ثم كتب بعد أن ظهرت بوادر النصر في أعقاب الكفاح المرير الذى خاضه الشعب المغربى من أجل إرجاع مليكه ، كتب يقول : " فرض الشعب المراكشى إرادته على فرنسا فاضطرها اضطرارًا إلى أن تعترف باستقلاله وسيادته، وأكرهها إكراها على أن تفاوض السلطان الذى أنزلته عن عرشه منذ عامين ونفته إلى جزيرة نائية في أقصى المحيط ، وقدرت أنها ستجعله نكالا للثائرين بها والمتمردين عليها فلم يُغنِ عنها مكانُها الرفيع وصيتها البعيد وبأسها الشديد وسلطانها الواسع شيئا ، وإنما مضى الشعب المراكشى في ثورته وأضاف عنفًا إلى عنف " .
كانت أمثال هذه المواقف بمثابة البلسم الذى يضمد جراح المناضلين والمبعدين الذين استمروا في كفاحهم إلى أن عاد محمد الخامس من منفاه يحمل معه استرجاع المغرب لحريته واستقلاله على ما أكده الدكتور .
وينبغى أن نتصور مدى ابتهاج المغاربة وقد أصبح في مستطاعهم أن يستقبلوا ضيفًا كبيرًا كان هو الدكتور طه حسين!
لقد غمرتنى فرحة زائدة وأنا أجد نفسى بطنجة يوم الثلاثاء 24يونيه 1958م أستقبل فيها الزائر الكريم نيابة عن وزارة التربية الوطنية وضمن الوفد المغربى الذى صحبه في خطواته .
أذكر جيدًا اجتماعنا ببيت السيد الدكتور عبد اللطيف بن جلون عامل طنجة الذى خصص استقبالاً حميمًا لعميد الأدب العربى الذى وصل ، عبر جبل طارق ، بصحبة زوجته السيدة سوزان إلى جانب كاتبه الخاص السيد فريد شحاتة .
وفي هذا الاجتماع ببيت هذا السيد العامل ، عندما كان الدكتور في جلسته الهادئة يستمتع بنسيم البحر تسلل كلبٌ ضخم الجثة من نوع ( بيرجى ) كانت تمتلكه السيدة زوجة العامل ، ومضى الكلب نحو الدكتور طه حسين ، وبدون سابق هَرِيرٍ أخذ يحتك بركبتى الدكتور !
شعرت بالضيف يفاجأ بصنيع هذا الطارئ ولكن الدكتور بما عهد من ظرف ولطف حوَّل المفاجأة إلى تعبير أدبى رفيع، وتمثل بقول حسان بن ثابت في أولاد جفنة:
يُغشون حتى ما تهر كلابهم = لا يسألون عن السواد المقبل !
قالها بصوته الجهورى المعروف وأسلم الحاضرين إلى مجلس أنسٍ جميل .
بهذا ابتدأت بالمغرب أيام طه حسين التي كانت أيام أعراس أدبية علمية رددت صداها سائر أجهزة الإعلام المكتوبة والمسموعة ، وهكذا فبعد أن قام الدكتور يوم الأربعاء 25 يونيه بزيارة للسيد الحاج أحمد بلافريج رئيس الحكومة ووزير الشؤون الخارجية ثم بزيارة وزير التربية الوطنية الحاج عمر بن عبد الجليل ، وبعد أن حضر مأدبة العشاء التي أقيمت على شرفه في بيت السيد الحاج أحمد بنانى مدير التشريفات الملكية ، والتي تميزت بحضور صاحب السمو الملكى ولى العهد آنذاك الأمير مولاى الحسن…بعد ذلك قام الدكتور طه حسين صباح اليوم الموالى الخميس 26 يونيه بمقابلة صاحب الجلالة الملك محمد الخامس حيث قرأنا في الصحيفة الرسمية"العهد الجديد"البلاغ التالى:
" حظي الدكتور طه حسين إثر وصوله إلى الرباط بمقابلة صاحب الجلالة الملك المعظم وكان الدكتور مصحوبًا بمعالى رئيس الحكومة السيد أحمد بلافريج وسفير الجمهورية العربية المتحدة السيد أسعد محاسن ، وقد حضر المقابلة السيد أحمد بنانى مدير التشريفات والسيد عبد الكريم غلاب رئيس قسم إفريقيا وأسيا بوزارة الخارجية والسيد بومهدى رئيس القسم الثقافي بنفس الوزارة والسيد عبد الهادى التازى عن وزارة التربية الوطنية" .
ويمضى البلاغ قائلاً : "وكانت المقابلة على جانب عظيم من الحفاوة والود فقد خاطب صاحب الجلالة الزائر الكريم قائلاً:إننا نرحب في شخصكم بعالم من أعلام الفكر العربى في العصر الحاضر، والمغرب متشرف بزيارتكم التي كان يتمناها منذ أمد طويل ، لمشاهدة ما يبذله من جهود في سبل البناء والانبعاث".
وأجاب الدكتور طه حسين : " إنى متأثر جدًا ، يا صاحب الجلالة ، بهذه المقابلة التي أنعمتم على بها ، ولى الشرف العظيم بالمثول بين يدى جلالتكم أنتم الذين قدتم معركة التحرير في المغرب وعانيتم كثيرًا من التضحيات والمشاق في سبل إسعاد الشعب المغربى ، والكل يعترف بالفضل العظيم الذى طوقتم به جيد العروبة بكفاحكم واستبسالكم إلى جانب الشعب المغربى الأبى " .
فعقب جلالة الملك على كلمة الدكتور قائلا : نعتبر أن كل شخص مهما كانت مرتبته ينبغي له أن يؤدى واجبه في هذا المضمار ! وإن الشعب المغربى يذكر كذلك ما قمتم به أيضا من أعمالٍ أثناء المحنة السياسية التي اجتازها المغرب ولا تزال عالقة بأذهاننا مواقفكم ومقالاتكم في الدفاع عن القضية المغربية مما كان له أكبر الوقع والتشجيع للأمة المغربية في جهادها . وزيارتكم هذه ستكون لها أكبر الفائدة بالنسبة للمثقفين المغاربة الذين يتعطشون لمناهل العلم في البلاد العربية .
وبعد ذلك دار الحديث بين جلالة الملك المعظم والدكتور طه حسين عن ظروف السفر ، وعن البرنامج الذى وُضع لزائر المغرب الكريم . ولما لاحظ جلالته أن البرنامج ربما كان مرهقًا بالنسبة للدكتور طلب جلالته من رئيس الحكومة السيد أحمد بلافريج ألا يكون في البرنامج إجهاد وتعب على الدكتور.
وإضافةً إلى ذلك الخبر الذى عممته أجهزة الإعلام صدر بلاغ من التشريفات الملكية يقول : يعلن مدير التشريفات والأوسمة أن صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله تفضل بالإنعام على معالى الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب بالقاهرة بمناسبة زيارته أعلى درجة من وسام الكفاءة الفكرية الذى خصصه صاحب الجلالة بين الأوسمة الجديدة لذوى الكفاءة من العلماء والأدباء والأطباء والفنانين ورجال الفكر ، وإن الدكتور طه حسين أول من قلد هذا الوسام العلمى السامى .
وفي الساعة السادسة من مساء نفس اليوم أقامت وزارة الشؤون الخارجية حفل شاى كبير تكريمًا لعميد الأدب العربى بحدائق الوزارة لم يحرم الدبلوماسيين من الاستمرار فيها إلا إشفاق السيدة زوجة الدكتور على زوجها من ألا يأخذ وقته لإلقاء محاضراته حيث استمعتُ إليه يهمس في أذن بعض المشرفين على الحفل معتذرًا ومداعبًا: اعذرونى فإن من الحب ما قتل !
فعلاً كان جمهور المثقفين على موعد مع المحاضرة الأولى للزائر الكريم التي ألقاها في نفس اليوم 26 يونيه بكلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس بحضور سمو ولى عهد المملكة الأمير مولاى الحسن ، وكانت بعنوان : " الأدب العربى ومكانته بين الآداب العالمية " .
لقد غصت القاعة على سعتها بالذين كانوا في شوق بالغ إلى السيد العميد، ومازلت أذكر جيدًا أن هذا الجمهور، على سعته وتعدد اتجاهاته ، ظل كأن على رأسه الطير كما يقولون ، الكل رجالاً ونساء يصيخ بسمعه إلى ما يقول الدكتور الذى قدمه إلى هذا الجمهور الأستاذ عبد الكريم غلاب .
لقد ابتدأ الدكتور طه حسين حديثه وأنت تشعر بأن الرجل يأخذك بأسلوبه الساحر شيئًا فشيئا ليلحق بك برفق إلى الموضوع الذى تناوله من غير أن تشعر بتعبٍ في تتبع فقرات حديثه ولا بصعوبةٍ في فهم لغته . وينساق بك إلى أن يصل إلى قمة النتيجة التي يتوخاها من عرضه ، فإذا أحس أنك وصلت معه إلى ما يريد أخذ بك في العودة بتؤدة ولطف وهو يزودك في هذه الأثناء بما يدعم أطروحته غير متكلف ولا متصنع ولا مغرب فيما يأتى به من ألفاظ سلسة مغرية ، وهكذا تشعر بأنه ماض في اتجاه الانصراف حتى يصل إلى الدقيقة الأخيرة المحددة للكلام فيودعك وأنت تشعر بأنك عشت لحظاتٍ من الزمان في غاية المتعة ، وكأنَّ الساعةَ ثانيةٌ ، فإذا أضفت إلى كل هذه المنهجية الأخاذة ما حباه الله به من صوتٍ موسيقى رخيم ، ومن احترام فائق لقواعد اللغة العربية،واختيار جيد للمفردات الدالة التي يستعملها ، آمنت بأنك أمام معلمة جديرة بأن تكون القدوة للذين يُنشئون ويتحدثون، وبأنك أمام رائدٍ خبير بمعارج الطرق منها الأقرب إلى الوصول ، وقد كان يذكرنى في دعاء كان يتردد على لسان أحد مشايخنا أثناء الدرس:"اللهم ارزقنا العلم،وارزقنا القدرة على تبليغه" .
قال الدكتور على الخصوص في محاضراته:
" … لقد مرت على أدبنا العربى أطوار نستطيع فيها بحق أن نقرر أن هذا الأدب كان هو الأدب العالمى الممتاز في عصر من عصوره ، ذلك أن هذا الأدب لم يكد يخرج من جزيرة العرب حتى انتشر انتشارًا رائعًا . ولست أعرف في اللغات القديمة لغة بلغت ما بلغته اللغة العربية من القوة ومن السعة والانتشار ومن القدرة على السيطرة على العالم القديم في أكثر أجزائه .
نعم كانت قبل اللغة العربية لغات قديمة أخرى انتشرت في الشرق وسيطرت على سياسته وإدارته وثقافته ،ولكنها لم تبلغ في أى وقت من الأوقات أعماق الشعوب الشرقية ولم تستطع أن تغير من نفوس الشرقيين ولا أن تغير من لغاتهم شيئًا وإنما فرضت نفسها سياسيًا فكانت لغة الحكام وكانت لغة الإدارة وكانت لغة الثقافة الرسمية ،وظلت الشعوب تتكلم لغاتها الخاصة. فالأمة اليونانية فرضت سيطرتها على الشرق عشرة قرون. لكن الشعوب ظلت محتفظةً بلغاتها الخاصة فكان المصريون محتفظين بالقبطية وكان السوريون وأهل الجزيرة والعراق محتفظين بالآرامية …
وجاء الرومان بعد اليونان فلم تستطع لغتهم اللاتينية أن تنتشر في الشرق بحال من الأحوال وإنما كان الحكام من الرومانيين … وظلت الشعوب مع ذلك محافظة على لغاتها الموروثة … إلى أن جاءت اللغة العربية بعد الفتح الإسلامى فانتشرت ودون أن يتخذ السلطان العربى أية قوة لفرضها … نظرنا فإذا هذه اللغة تنتشر شيئا فشيئًا … ولا تلبث أن تصبح هى اللغة العامة لكل البلاد التي فتحها المسلمون في الشرق والغرب . انتشرت بقوة القرآن ، وبهذه القوة وحدها استطاعت أن تكون لغة عالمية لأول مرة وبأوسع معانى هذه الكلمة ، لكن الأدب الجدير بهذه المرتبة هو الذى يستطيع أن يأخذ وأن يعطى ولا يكون منعزلاً عاكفا على نفسه . يأخذ من الآداب المختلفة ما يلائم طبيعته ، فلا يعيش منعزلا وإنما يعيش متصلا بحياة الأمم البعيدة منها ويعطيها في نفس الوقت ما يستطيع . إن كل أدب جدير بهذا الاسم يجب أن يأخذ ويعطى وأن يتأثر وأن يؤثر … "
إلى آخر هذه الأفكار التي رأينا أن من الواجب أن نخصص لها ملحقا خاصا بعد أن سجلناها من الشريط المحفوظ بالإذاعة الوطنية التي نغتنم هذه الفرصة لنشكرها على مساعدتها .
لقد سمعنا صاحب السمو الملكى ولى العهد يقول:إنه يعتز بأنه أمسى من تلامذة الدكتور طه حسين،وقد أبى إلا أن يقيم حفل استقبال أكاديمى على شرف الأستاذ الكبير في قصره الخاص بحى السويس مساء الأحد29من يونيه/11من ذى الحجة، وقد كان سموه في استقبال ضيفه ، وصحِبَه إلى المائدة التي جلس حولها رئيس الحكومة ووزير الخارجية وعدد كبير من علية الشخصيات الحكومية والدبلوماسية والأدبية بمن فيهم الأستاذ شارل أندرى جوليان عميد كلية الآداب وعدد من أعضاء ( جمعية العلماء بالمغرب ) الذين وصلوا إلى الرباط بمناسبة تقديم التهانى بعيد الأضحى لعام 1377 .
وقد كان الدكتور قبل هذا ضيفًا على السيد رئيس الحكومة في مأدبة غداء هذا اليوم أقامها على شرفه في بيته وحضرها عدد من الشخصيات السياسية والوطنية كان من بينهم الأستاذ علال الفاسى …
وقبل أن يغادر طه حسين الرباط حضر حفل استقبال كبير أقامه على شرفه في فندق حسان الأستاذ أسعد محاسن سفير الجمهورية العربية المتحدة . كما نظم الدكتور عبد العزيز الأهوانى المستشار الثقافي بالسفارة ومدير المركز الثقافي المصرى في التاسعة والنصف من نفس اليوم الأحد 29 ندوة كبرى استجابة لطلب الأدباء الذى أبدوا رغبتهم في الاتصال المباشر بالدكتور من الطلبة النابهين حيث وجهت للأستاذ عدة أسئلة حول التعريب وتيسير النحو ، وكان الدكتور يجيب عنها بصراحة أثارت إعجاب الحاضرين . الأمر الذى يعبر عنه ما تركه - رحمه الله - من آثار جد هامة حول المواضيع التي تطرق إليها والتي أصبحت محل اهتمام من المشرفين على الشؤون الثقافية ببلادنا .
وقد عالج حديث الدكتور طه حسين يوم الاثنين 30 يونيه = 12من ذى الحجة في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء بقاعة المسرح البلدى موضوع تطور الأدب العربى في مصر قديمًا وحديثًا حيث قدمه إلى الجمهور الأستاذ محمد الفاسى الذى نعت الدكتور " بشيخ الجماعة " .
وهكذا وبعد أن أكد أن فترة الحكم العثمانى كادت أن تأتى على معالم الأدب العربى في مصر بحكم أنهم أى العثمانيين قطعوا كل صلة بينها وبين العالم الخارجى شرقا وغربا ، أشاد بما قامت به دولة المماليك من خلال الاتفاقيات التي أبرمتها، والآثار التي تركتها بعد أن كان التتر أتوا على كل معالم الحضارة العربية في العراق،وهنا ذكر ما خلفه النويرى والعمرى والقلقشندى وابن منظور وابن حجر والسيوطى .
ويعتبر الدكتور طه حسين أنَّ طرق الفرنسيين أبواب مصر أيقظ المصريين وخاصة عندما ظهرت المطبعة وانتشرت بعض التجارب العلمية . وأخذ المصريون يرسلون أبناءهم إلى الخارج وأخذ الأجانب يترددون على مصر ، وبرز على الساحة تياران:التيار القديم والتيار الجديد.
وهنا طمحت النفوس إلى الاستقلال، وسمعنا عن البارودى وحافظ وشوقى وظهر النثر إلى جانب الشعر ، وشاهدنا أسبوعية " مصباح الشرق " وسمعنا بالمنفلوطى وآثاره .
ويبدو أن طه حسين وجد في الفرق بين سلوك القصر الملكى في مصر وسلوكه في المغرب،مما يتصل بالتواطؤ مع الاستعمار، وجد في ذلك ما يبرر لمزه للنظام الملكى في مصر . ومن هنا انتقل إلى دور الكتاب في العمل على التخلص من الاستعمار .
وفي هذا الصدد عرض لظهور حركة التمثيل بمصر .وهنا قدم توفيق الحكيم للمغاربة كما قدم إليهم عددا من الكتاب من أمثال نجيب محفوظ …
وكان المهم في هذا الحديث أنه يدعو المغاربة إلى المشاركة في ذلك الجهد من أجل إظهار الكنوز العربية . ومن المهم أن نقف مرة أخرى على التأكيد على ضرورة عدم الاكتفاء بذكر القدماء . إننا نريد -يقول طه حسين-أن نعرف ما عند الغرب أيضا ونجمع ما نعرفه عن قدمائنا وأن نكون لأنفسنا شخصيتنا الجديدة الحرة المستقلة. فلا ينبغي أن نورث أبناءنا ما ورثناه فحسب وإنما ينبغي أن نورث أبناءنا ما ورثناه وما أنتجناه نحن … " على ما سنقرأ تفاصيله من الملاحق .


وإثر هذه المحاضرة أقيم حفل حاشد على شرف الدكتور طه حسين في بيت الأستاذ الحلو وقد غص المنـزل بالحاضرين ، وغابت عنه زوجته على ما نقرؤه في مذكراتها …
وكان من طرائف ما جرى في فاس يوم الأربعاء الثانى من يوليه 1958 م أن الدكتور عزم على زيارة جامعة القرويين التي تقع في قلب المدينة القديمة والتي نعلم عن صلتها بالأزهر في ذاكرة طه حسين ، وقد طلب إلىَّ أن أختار أقرب طريق إلى الجامع واستكتمنى رغبته حتى لا تمنعه صاحبتُه من النـزول بحجة الإشفاق عليه لكن الخبر وصلها فطلبت إلىَّ أن أرافقها لتأخذ فكرة عن المسافة. الأمر الذى جعلها ترفض أن يقوم بمثل هذه المغامرة !
وعبثًا حاولنا إقناع السيدة بسهولة الطريق بل وباعتمادنا على السيارة الخاصة التي جعلها الملك تحت تصرفه ، فقد أصرت على رأيها ، وهكذا تحولت الزيارة إلى أحد فروع جامعة القرويين الذى كان يحمل اسم ( معهد الزربطانة ) حيث أقيم في حدائقه الواسعة حفل استقبال كبير حضره جميع علماء جامعة القرويين … واستجابة لرغبة الدكتور شارك في الاستقبال جوق الآلة الأندلسية التي كان الأستاذ يطرب لسماع إيقاع إحدى نوباتها : ( بطايحى رصْد الذيل ).
وقد تقدم بهذه المناسبة عدد من الخطباء الذين رحبوا بالزائر الكريم وكان منهم الشاعر الكبير الأستاذ محمد الحلوي الذى تقدم بقصيدة رائعة في نحو أربعين بيتا ، طرب لها الدكتور طه حسين ورجعت به إلى عهود الشعر الزاهرة على حد تعبيره ، جاء في أولها على ما سنرى في الملاحق :
حَقٌّ على الشِّـعْرِ أَنْ يُهْدِي عَرائِسَهُ = تَحـيَّةً لِعَميـدِ الشِّـعْرِ وَالأَدَبِ
هَفَا إِلى حِضْنِكَ الدَّافي لِـتُنْعِشَـهُ = مِثْلَ اليتيمِ الَّذِى يَهْفُو لِحضْنِ أَبِ!
وقد كان من حسن حظى ونحن بمدينة فاس ، وبالذات في فندق زالاغ ، أن ألازم الدكتور طه حسين أكثر مما لازمته في الرباط أو الدار البيضاء ، لقد كنت على صلة ولمدة تزيد على عشر سنوات بزميل لى في الدراسة كان كفيفًا: العربى الرهونى ، فكنت أعيش مع نفس الحركات والمدركات .سألنى -وكان يعرف أننى خريج جامعة القرويين - عن نصيبـي من اللغة الفرنسية؟وهل سافرت خارج المغرب ؟ وقال لى مرة ألا تفكر في الالتحاق بالجامعة العصرية ؟ وقد استغربت من سؤاله هذا أول الأمر، لاسيما وقد كان يعلم أنني أب لخمسة أطفال وأنني أعمل رئيسًا للقسم الثقافي بوزارة التربية الوطنية !! وبين الفينة والأخرى ، كأنه كان ينسى ليرجع ويتحدث عن الجامعة العصرية على ما سنرى .
ولقد كان مما أثار انتباه الدكتور طه حسين - ونحن نتتبع تساؤلاته - أنه أحيانًا يدخل في حوار مع بعض الذين يسلمون عليه ، وقد كان يستغرب من أن معظمهم كان بالسجن أيام الاستعمار . وسنرى أن الدكتور يكتب : إن الذى يزور المغرب الأقصى بعد استقلاله إنما يزور وطنًا من أوطان البطولة حقًا، فمن أعسر الأشياء وأشقها أن تتحدث إلى رجلٍ من رجال الحكم أو من رجال الثقافة أو من عامة الناس إلا عرفت أن له بالسجن عهدًا . ‍!
ولقد كان موعد الجمهور مع المحاضرة الثالثة في اليوم الموالى ، وقد اختيرت لها أكبر قاعة في المدينة الجديدة : ( سينما لامبير ) حيث قدمه الأستاذ محمد الفاسي ، وقد كان موضوعها يتناول مشاكل الأدب العربى بعد الإسلام .
لقد خصص الحصة الأولى من محاضرته بفاس لتحية أهل فاس والإشادة بأمجاد القرويين ودورها في الحفاظ على التراث الإسلامى والهوية العربية لبلاد المغرب . " إن لمدينة فاس في قلوبنا مكانة أي مكانة فهي موئل الحضارة وموئل العلم ، وهى قلعة الإسلام الحصينة ، من أجل ذلك لا نذكرها إلا اشتقنا لزيارتها ولا نذكرها إلا ذكرنا جامعة القرويين وما يتصل بها … ونحن نقدر في أعماق نفوسنا أن جامعة القرويين هي أقدم الجامعات الإسلامية وعسى أن تكون أقدم جامعات الأرض كلها .
وقبل هذه الكلمات التي كانت بمثابة الوسام الذي حلى به صدر العاصمة العلمية للمغرب ، تفضل فشكر الاستقبال الحميم الذي خصصه علماء فاس لشخصه. " وإنني على ما سمعت من نثر رائع وشعر بارع بالأمس أذكر ما قيل قديما : " إن أعذب الشعر أكذبه " وإني لأعتذر لشاعرنا العظيم من ذكر هذه الجملة القديمة .
وبعد هذا تصدى الدكتور للموضوع الذي قدمه لرجال الفكر بالعاصمة العلمية والذي كان فعلا مثيرا وممتعا وأصيلا في الوقت ذاته :
هناك نظرية تقول : إن ظهور الإسلام أسكت الشعراء حينا من الدهر لأن القرآن بهر الناس ببلاغته وبيانه الرائع، وكان ابن خلدون أول من قررها في مقدمته وتبعه الذين أرَّخوا الآداب العربية. وعن مصداقية هذه المقولة تحدث الدكتور بصراحته المعهودة مقترحا على العلماء استعمال أفكارهم حول هذه النظرية وأمثالها.هذه المشكلة -يقول طه حسين - أحب أن أثيرها أمامكم . وإنى أرجو أن تتفكروا فيها وما أشك فيما بينى وبين نفسى في أن هذه النظرية ليست نظرية صحيحة بحال من الأحوال .
وهناك مشكلة أخرى تحتاج إلى كثير من التفكير - نلاحظ أن الحجاز - وهو موطن الوحى أصبح في عصر بنى أمية موطن الغزل والغناء والموسيقا فماذا كان وراء هذا ؟ وهنا أيضا نصح الدكتور يفتح عيون الحاضرين على أفكار في منتهى الروعة والجرأة طالبا من الأدباء أن يستعملوا أفكارهم في الوصول إلى الحقيقة … فليس يكفي- يقول الدكتور - أن نقرأ ما يكتب في الكتب ونقرره ونعيده على طلبتنا كما قرأناه ونصبح كأننا الأداة التي تحكى ما يسجل لها . وإنما وهبنا الله عقولا لنفكر بها ، ووهبنا أذواقا لنقيس بها الجيد والردىء . وسترون عندما تعيدون النظر في تاريخ الأدب العربى القديم في القرنين الأول والثانى بنوع خاص ، سترون أنكم أمام حقائق كثيرة إنَّ ما نعرفه عن تاريخنا الأدبى قليل جدا بالمقارنة مع ما نجهله .
أنا أحب - يختم الدكتور - أن أثير المشكلات وأن أثير القلق من حولى . إنى لأرجو ألا تقرؤوا كتاب الأغانى إلا لتقرؤوا ليس غير ، ولا تتخذوه وحده مصدرا للتاريخ الأدبى .
لقد كان طه حسين يقصد إلى إعطاء مثل هذه المحاضرة في مدينة تحتضن جامعة القرويين شقيقة الأزهر ، جامعة تعيش على النصوص ، وبالنصوص ، وفي أحضان النصوص ، يقصد إلى أن يحرر الناس من أن يصبحوا عبيدا للنص بدون أن يستعملوا فكرهم جيدا في فهم النص وفي البحث عما قد يوجد من مصادر ومراجع تكشف عن مصادر النص وهدفه ، إن كل الناس مخاطبون باستعمال عقولهم واستخدام مواهبهم دون تقليد ولا متابعة عمياء .وسنرى في الملاحق تفصيلا عن موضوع المحاضرة .
وقد أبى محبوه بفاس إلا أن يأخذوه إلى مصطاف إيموزار الذي لا يبعد عن المدينة إلا قليلا حيث استمتع هناك بقعدات ندية حيث كانت أيدى الترحاب والتكريم تتهاداه من زاوية إلى أخرى …
وكانت زيارته لمدينة فاس مناسبة للإعلان عن قبول الدكتور للعرض الذى التمسته منه الجامعة المغربية : أن يلقى عدة محاضرات في السنة الأكاديمية المقبلة.
وفي طريقه إلى تطوان يوم السبت 5 يوليه مر على مدينة القصر الكبير وهنا شعر بغياب أحد الرفاق في الرحلة وهو الزميل الراحل الدكتور عبد العزيز الأهوانى ، وسرعان ما حضر الدكتور الأهوانى فأنشده طه حسين هذا البيت الذى ارتجله:
اِسْأَلْ عَنِ القَصْرِ الكبِيرِ وَسِرِّهِ = تَجِدِ الجوَابَ لَدَى الفَتَى الأَهْوَانِى!
وفي تطوان مساء الأحد 6 يوليه الموافق 18 من ذى الحجة بقاعة إسبانيول ألقى آخر محاضرة له ، وقد قدمه الأستاذ محمد بن تاوت التطوانى رحمه الله .
لقد أثار الدكتور طه حسين هذه المرة المشاكل التي تتصل بالأدب العربى عمومًا كأزمة القراء التي عزاها إلى تعلق الناس بأمور الحياة . مركزًا على السينما ودورها في جلب الناس إليها على نحو المقهى التي تحشر الناس إليها . وقد تخلص الأستاذ العميد إلى تصنيف الأدب إلى درجتين اثنتين فإما أن يكتب للكثرة وإما أن يكتب للقلة .
وقد وقف الدكتور مقارنًا بين الأدب القديم مبديًا ما كان يتمتع به الأدباء القدامى من تشجيع وعطف وتقدير.
وينتقل الدكتور طه حسين إلى الموضوع الذى ما انفك يثيره مع الشباب قائلا : إن الشباب العربى الذى أخذ يكتسب عقلية القرن العشرين يجد الصعوبة الكبيرة في مسايرة الطريقة المتبعة في تعليم اللغة العربية وآدابها ، فإذا لم تصلح هذه اللغة وييسر هذا النحو فإننا نجد أنفسنا مسؤولين عن إعراض الشباب عن الأدب العربى بل ونعتبر محرضين لهم على ذلك ! وتأتى بعد هذا مشكلة الكتابة العربية التي تجعل الفهم قبل القراءة بدلا من أن تسبق القراءة الفهم نظرًا لعوامل الشكل والإعراب، وقد أشار في خطابه إلى القاضى المغربى ابن مَضاء الذى دعا إلى إصلاح النحو ... والذي كان أستاذنا شوقى ضيف خصص له بحثًا هامًا منذ عام 1997 .. إلى آخر الأفكار الجريئة التي أدلى بها والتي تركت لها أثرًا كبيرا في الطبقة الواعية التي كانت تصغىِ باهتمام إلى الأستاذ الجليل على ما نذكره في الملاحق .
وقد كان من المفروض أن يتجه الدكتور طه حسين إلى مدينة مراكش التي كان جمهورها ينتظره بفارغ الصبر إلا أن ارتفاع درجة الحرارة بعاصمة الجنوب ، وطول المسافة التي كانت تفصل بين الرباط ومراكش ، وعدم اشتمال السيارات آنذاك على المكيف جعلت أعضاء الهيئة المنظمة يذكرون وصية جلالة الملك محمد الخامس أن يشفقوا على الزائر الكريم حتى لا يرهقوه ولا يتعبوه ، الأمر الذى أذعن إليه أدباء مدينة مراكش على مضض .. وإلى الآن يذكرون المناسبة ويرددن قول الشاعر :
كَمَا أَبْرَقَتْ قَوْمًا عِطَاشًا غَمَامَةٌ = فَلَمَّا رَأَوْهَا أَقْشَعَتْ وَتَجلَّتِ !
لقد ظهرت عبقرية الرجل أولا في توزيع المواضيع على العواصم المغربية المذكورة فخاطب كل عاصمة بما كان ينبغي أن تخاطب به ، فهو في الرباط غيره في فاس، وهو في البيضاء غيره في تطوان .
أريد أن أخلص إلى القول : إن زيارة الدكتور طه حسين لم تكن زيارة سياحة أو راحة ولكنها كانت زيارة عمل وحركة متوالية، فمن محاضرة إلى مناظرة إلى استجواب، وقد كان الدكتور خلال كل ذلك مثل الرجل الذى لا يتعب ولا يمل ، كان يشعر بأنه يؤدى رسالة مقدسة لقوم ينتظرون منه هذه الرسالة ، قمة وقاعدة ، شبابًا وشيوخًا، ذكورًا وإناثًا ، فلم يكن هناك حديث إلا عنه وعن فكره النير وقلبه المبصر وحسه المرهف .
كنا نحس أنه يعطى كل ما عنده وبكل إخلاص ، وكنا ندرك أن الناس كانوا يتلقون أطاريحه على أنها أطاريح سليمة مسلمة ، ولذلك كانوا يتوقون إلى زيارة لاحقة استجابة لرغبة مريديه .
وإذا جاز لى أن أتحدث عن أثر هذه الزيارة التاريخية في نفسى فإننى أذكر بحق أنها كانت بالنسبة إلى منعطفا هاما في حياتى ، فقد أقنعنا الرجل بأن القاعدة العلمية التي اعتمدنا عليها في جامعة القرويين،بالرغم من أنها القاعدة الأساس ، لكنها بحاجة إلى تأثيث ، ولابد من الانفتاح على الجامعة العصرية التي تكون بمثابة النافذة المشرعة على العالم الآخر .
وأعترف أنني من هنا أخذت أتوق إلى الالتحاق بجامعة محمد الخامس رغم اعتراض بعض زملائي بجامعة القرويين الذين كانوا يرون في ذلك ، تنقيصًا من قدر القرويين !! وقد شجعني وجود ثلة من الأساتذة المصريين الأجلاء بالرباط من أمثال الأستاذ الدكتور جمال الدين الشيال الذى وجد في مساهمتى بالمؤتمر الثالث للآثار العربية المنعقد بفاس في نوفمبر 1959م:حول ( الحروف المنقوشة بجامع القرويين ) ، وجد فيها ما يبرر ذلك وأمثال الأستاذ الدكتور أحمد مختار العبادى الذى فتح لى قلبه .
وإن نسيت فلا أنسى استقبال الدكتور طه حسين لنا في يناير 1961م بمكتبته الحافلة المرتبة في بيته ( رامتان ) ، عندما كنت بصحبة الأستاذ محمد الفاسى بمناسبة اجتماع اللجنة الثقافية للجامعة العربية في دورتها الرابعة عشرة التي أذكر أن في صدر الذين حضروها الدكتور أحمد زكى والدكتور أحمد حسن الزيات . كان الدكتور طه حسين وقتها نائبا لرئيس المجمع أحمد لطفي السيد .
لم أنس ارتياح الدكتور من سماع الأستاذ الفاسي رحمه الله يخبره بالتحاقي بجامعة محمد الخامس وتشجيعي على رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا التي كانت مفتاحي للالتحاق بجامعة الإسكندرية التي كان لها تاريخ بارز معروف مع الدكتور طه حسين.
ذكرت كل هذا الحديث اعترافا بالجميل الذى أسدته لبلادنا زيارة الدكتور طه حسين التي، كما قلت منذ البداية ، لم تكن زيارة نزهة بقدر ما كانت رحلة علمية، دامت أسبوعين وعملت على صحوة الطبقة المثقفة وتوعيتها بماضيها وتنبيهها إلى ضرورة الأخذ بمعالم الطريق الذى يضمن لها الحفاظ على ذلك الماضي حتى تواكب الركب العالمي .
لقد مرت أربعون سنة كاملة على سماعي محاضرات الدكتور طه حســين وما تزال إلى الآن ترن في أذني بوقع جرسها وقوة دلالتها وأناقة كلماتها . لقد أخذتني إليه أخذا لم أستطع أن أحمى نفسي من التمثل بها والاسترشاد بأسلوبها…
وإني لأغتنم هذه الفرصة لتقديم التوصية بتعميم المحاضرات المسجلة بصوته على المؤسسات الجامعية باعتبار تلك المحاضرات تراثا مسموعًا يعلِّم الناس كيف بمخارج الحروف ينطقون ، ولأفكارهم يرتبون ولألفاظهم ينمقون، ولمستمعيهم يحمِضون(9) ويطرفون، وبانصرافهم يشعرون ويودعون !

د.عبد الهادي التازي
عضو المجمع من المغرب


الملاحـــق

الملحق الأول : محاضرة الرباط الخميس 8 من ذي الحجة 1377هـ الموافق 26 من يونيه 1958م .
الملحق الثانى : محاضرة الدار البيضاء الاثنين 12 من ذي الحجة الموافق 30 يونيه 1958م .
الملحق الثالث : محاضرة فاس الخميس 15 من ذي الحجة 1377هـ الموافق 3 يوليه 1958م .
الملحق الرابع : محاضرة تطوان الأحد 18 من ذي الحجة 1377هـ الموافق 6 يوليه 1958م .
الملحق الخامس : قصيدة الشاعر الحلوي بفاس يوم 14 من ذي الحجة 1377هـ الموافق 2 يوليه 1958م.
الملحق السادس: استجوابه مع مجلة الإذاعة الوطنية العدد الأول يوليه 1958م.
الملحق السابع: مقال للدكتور نشرته جريدة الجمهورية في عددها ليوم29/7/1958م.
الملحق الثامن : مذكرات بقلم السيدة حرمه عن زيارته للمغرب .
الملحق التاسع : معرض لبعض اللقطات والقصاصات .

تنبيه :
لم تفتني استشارة ما كتب بالمشرق ، وبخاصة مجلة الهلال ، العدد الخاص بالدكتور فبراير 1966م - 1385هـ ، ومجلة ( الحديث ) عدد يوليه 1958م، وكذلك كتاب حول طه حسين تأليف الدكتور حمدي السكوت والدكتور مارسدن جونز ، طبعة دار الكتاب المصري اللبناني 1402هـ - 1982م ، وأخيرًا المحاضرة التي ألقاها الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية مساء يوم الاثنين 15 من ذي القعدة 1417هـ الموافق 14 من مارس 1997م تحت عنوان ( طه حسين المجمعي) بقاعة الاجتماعات الكبرى بدار المجمع بالزمالك



الدكتور عبد الهادي التازي


عبد الهادي التازي

 
أعلى