مهدي بوعبيد - حور العين.. أصل الأسطورة

ما زالت هناك عدة أساطير تملأ القرآن والمفاهيم الإسلامية والفقهية منها بالخصوص، و كلها تلتقي عند نفس المصادر، حيث تم اقتباسها من نفس التراث الإنساني بمروياته و ملاحمه القديمة… !!!

الإسراء و المعراج، و حادثة شق الصدر و عذاب القبر و ناكر و منكر و الثعبان الأقرع، و الحج و مناسكه و الطوفان و قصة الخلق الأولي و الخطيئة الأولى و جنة عدن و الطرد منها و النزول إلى الأرض و الولادة من عذراء ثم قصة المكافأة الإلهية بالنساء الحور العين في الحياة الآخرة.
"حلم مؤمن" لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.

و على عكس ما يعتقده المسلمون اليوم، فالقرآن ليس أول كتاب ديني مقدس يتحدث عن ما يسمى بالحور العين في جنات عدن مكافأة للمؤمنين المخلصين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الدين أو الآلهة، فقد ورد ذكرهم على سبيل المثال في الديانات الوثنية القديمة التي استوطنت شمال أوروبا (ألمانيا، النرويج، الدانمارك … ) و التي انتشرت بين قبائل الفيكينغ (Viking) و كن يسمين ب (الفالكيري Valkyrie) و هن فتيات فاتنات عذراوات يرسلهن الإله Odin لساحات المعارك لكي يحملن إليه أرواح المقاتلين الشجعان الأشداء الذين قتلوا في ساحة المعركة، ﻷخذهم إلى جنة فالهالا الأبدية (Valhalla) التي أعدها الإله لهم في العالم الآخر.

كما تتحدث الديانة الزرادشتية عن أرواح الغادات الغانيات المضيئات في السماء، و هن بنفس الوصف نسوة جميلات يعتبرن مكافأة أبطال الحروب الذين يدخلون الجنة الأبدية الوجود مع الحور والولدان، كما يرد ذكرهن في الديانات الهندوسية القديمة بنفس الصورة في نصوص الفيدا و المهابهاراتا.

وكلمة حوري في لغة أوستا (وهي من لغات الفرس القديمة).تعني الشمس وضوءها الباهر، وفي اللغة البهلوية القديمة تسمى(هور) وفي لغة الفرس الحديثة (حنور) وقد لفظها العرب (حور) (كتاب شرائع منوا فصل 5 البيت 89). فجرياً على هذه العقيدة الفارسية القديمة والتعبير الفارسي قال القرآن: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ (سورة الرحمن 55: 72). وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُون (سورة الواقعة 56: 22

و كما ترون فهاته المفاهيم العديدة التي تملأ الإسلام ليست إلا استمرارية طبيعية للموروث الإنساني القديم الذي تشاركت فيه التجمعات البشرية الأولى كملاحم أسطورية و مرويات تناقلها الناس من جيل إلى جيل، و كل منها أضاف إليها وزاد فيها و نقص منها ما يناسبه، لكن تبقى التيمة الرئيسية للأحداث ثابتة بدون تغيير، لتتحول فيما بعد لتراث إنساني مشترك، إستخدمته الأديان عندما اقتبست منه قصصا لترويها بدورها في كتبها المقدسة، لكن إستيعاب هذه الرؤية المادية البحتة يتطلب شجاعة كبيرة لوضع كل أشكال التقديس الغيبي جانبا و الإلتزام بالمنهج المادي التاريخي الذي يأخذ بالأدلة المادية الموثقة بعبدا عن محاولات التأويل العشوائي، و هي في حد ذاتها مهمة شبه مستحيلة في العالم الإسلامي اليوم، ﻷن الكهنوت الديني يتسلط على العقول و يمنعها بكل الوسائل من الخوض في مجمل هذا الجانب المعرفي، ﻷنه يعلم تمام العلم أنه متى بدأ المؤمنون يطرحون هاته الأسئلة الحساسة، فسوف يهدم بنيان المقدس الغيبي مثل قصر من الرمال، و بالتالي سوف يفقد الكهنوت أي سلطة روحية على عقول البشر، تماماً كما حدث و يحدث مع المسيحية الآن، التي باتت تتنازل كل يوم شيئاً فشيئاً، و تتراجع عن مجال نفوذها مستسلمة لسلطة العقل.

لكن تلك قصة أخرى … !!!



belle.jpg
 
أعلى