المهدي بن محمد السعيدي - المدارس العتيقة وإشعاعها الأدبي والعلمي بالمغرب

المدارس العتيقة وإشعاعها الأدبي والعلمي بالمغرب -المدرسة الإلغية بسوس نموذجا- لمؤلفه الدكتور المهدي بن محمد السعيدي، أستاذ التعليم العالي بكلية الاداب بأكادير، المغرب:
يتعرض الباحث المهدي بن محمد السعيدي في كتابه \"المدارس العتيقة وإشعاعها الأدبي والعلمي بالمغرب...\" لتاريخ الحركة التعليمية بسوس انطلاقا من نموذج متميز هو المدرسة الإلغية الواقعة في قلب بلاد جزولة –الأطلس الصغير- بوصفها وريثة التقاليد التعليمية التي شهدتها المنطقة منذ القديم، والمطعمة بالمؤثرات المغربية من الزوايا الكبرى قديما مثل زاوية تامكروت بدرعة وحديثا مثل زاوي آل ماء العينين بالسمارة ثم بتزنيت، وبالمؤسسات العلمية الكبرى كجامع القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش، والمؤثرات المشرقية من الجوامع الإسلامية الكبرى في القاهرة والحجاز والشام والعراق.
لذا فإن الكتاب يلقي الضوء على المدرسة الإلغية من خلال دورها في الاهتمام بالأدب وتشجيعه ونشره حيث كانت المدرسة الإلغية إحدى المؤسسات الفردية التي تأسس عليها الاهتمام بالأدب العربي بسوس بفضل جهود مؤسسها محمد بن عبد الله الإلغي وخلفائه من بعده، وبفضل من درس بها من الأساتذة وتعلم بها من الطلبة.
*- أسباب اختيار الموضوع

أشار الباحث في مقدمة كتابه هذا إلى مجموعة من الاعتبارات التي دعته للبحث والتنقيب في مثل هذا الموضوع منها:

*- حاجة هذه المنطقة، كغيرها من مناطق المغرب، إلى جهود الباحثين للكشف عن كثير من الجوانب المضيئة فيه، سيما وأن الكثيرين يظنون أن منطقة سوس ما هي إلا بلد بدوي أعجمي تغلب على أهله الرطانة وتبعد عنهم الفصاحة، وأنها بسبب ذلك، لا علاقة لها بالعربية و بعلومها وآدابها..

*- أهمية هذه المدرسة وإسهامها العظيم في الاهتمام بالأدب العربي ليس بين طلبتها ومن جاورها فقط، بل في سوس والحواضر المغربية الكبرى أيضا، ولا شك أن مقدار هذا الإسهام يتجلى لنا عند ذاك على مقدار الجهد المبذول بهذه المدرسة لتعلم العربية وتذوق آدابها فما بالك بالإبداع فيها.

*- خطة البحث ومنهجه

قسم الباحث هذه الدراسة إلى ثلاثة أبواب ومدخل ومقدمة وخاتمة:

تناول في المدخل التعريف بالحركة التعليمية بمنطقة سوس منذ الفتح الإسلامي حتى وقتنا الراهن، وتطور مؤسساتها بدءا بالمساجد ثم الرباطات، فالزوايا، فالمدارس العلمية. كما تتبع العوامل المساعدة على انتشارها أو المعرقلة لسيرها، محاولا رصد عصور ازدهارها وانحطاطها بتتبع تطور بناء المدارس واهتمام الناس بها، باعتباره تجليا للازدهار العلمي بالمنطقة.

وقد اختار التحقيب التاريخي، فربط تطور الحركة التعليمية بسوس بتوالي الدول المغربية التي كان لها تأثير كبير عليها، إذ كانت تشجع العلماء المدرسين، إما بالعطايا أو ظهائر التوقير والاحترام أو الوظائف المخزنية. وقد تطرق تبعا لذلك لنشأة التعليم بسوس منذ الفتح ثم في بدايات الحكم الإسلامي على عهد الأدارسة، ثم المرابطين، وتطوره الإيجابي على عهد الموحدين ثم المرينيين، وازدهاره إبان حكم السعديين الذين كان لهم اهتمام خاص بمنطقة سوس، ثم العلويين. وأخيرا تطرق لانهيار التعليم بعد الاستعمار بسبب التضييق عليه وتجاهله، وبسبب ما لحق منطقة سوس من جفاف رهيب أودى بموارد المدارس الاقتصادية.

وقد كانت غاية الباحث من كل ذلك وضع المدرسة الإلغية في إطارها التاريخي باعتبارها حلقة في سلسلة انتشار التعليم الإسلامي بسوس، ووراثة معارف سابقاتها من المدارس السوسية، إضافة إلى مناهج وطرق التدريس.

أما الباب الأول: فقد خصصه للحديث عن تطور المدرسة الإلغية منذ بنائها حتى تدهورها مرورا بفترة ازدهارها، وذلك من خلال التعريف بالمؤسس محمد بن عبد الله الإلغي، وجوانب من شخصيته العلمية. ثم التعرض لتأسيس المدرسة على يديه، وعمله فيها مع تلاميذه الأوائل، وذلك في الفصل الثاني من هذا الباب. كما تناول في الفصل الثالث منه تطور المدرسة بعد وفاة مؤسسها، وتداولها بين ورثته، حيث تولاها أخوه علي بن عبد الله ثم أبناؤه من بعده. وربط في الفصل الرابع المدرسة الإلغية بمحيطها العلمي السوسي، حيث تحدث عن علاقاتها بمثيلاتها السوسيات من خلال المشيخة والتلمذة.

أما في الباب الثاني من هذه الدراسة فخصه : فذكر فيه الإداري والتعليمي، من خلال فصلين، ففي الفصل الأول تعرض لهذا النظام في سوس عامة من خلال أركان العملية التعليمية.. أما الفصل الثاني فقد قصره على النظام الإداري والتعليمي بالإلغية، حيث ذكر كيفية إدارتها والقوانين المتحكمة في ذلك، وعلاقة التلاميذ بالأساتذة، مع تقديم جرد مدقق بالأساتذة الذين درّسوا بها. كما تعرض للنظام التعليمي متتبعا مواد الدراسة ومناهجها.

وفي الباب الثالث : تحدث الباحث عن الحركة الأدبية بالإلغية من خلال ثلاثة فصول، تناول في الفصل الأول منه مظاهر اهتمام الإلغيين بالأدب، وتتجلى في دفع الطلبة إلى الاحتكاك بالإبداعات والمؤلفات الأدبية، وتلقينهم أهمية الأدب وفائدة محبته والولوع به، بالإضافة إلى اعتباره مسهما في إثراء الجانب الثقافي والفكري. أما الفصل الثاني فتعرض فيه للإبداع الأدبي بالمدرسة وثماره النثرية والشعرية، ودراسة موضوعاتها وأشكالها وصيغها الفنية دراسة وافية، مع الاستشهاد بنصوص مختارة من المصادر والمراجع المتوفرة لي، مع الحرص على ربط هذه الإبداعات بواقعها الاجتماعي والبيئي، خاصة في تفسير غلبة الإخوانيات على أدب تلاميذ المدرسةـ وظهور ألفاظ اللسان المحلي في قوافي أشعارهم وألفاظ منثوراتهم.

أما الفصل الثالث فخصصه لذكر إشعاع المدرسة وأثرها في تحريك الاهتمام بالأدب بمنطقة سوس والصحراء والحواضر المغربية، وقد أثرى هذا الإشعاع وساهم في نشره، اتصال تلاميذ الإلغية بأقرانهم في كل مكان حلوا به مثل سوس والصحراء ومراكش وفاس والرباط والجديدة وسطات والصويرة ومكناس... وتداول الأدبيات معهم، واطلاع كل فريق على ما لدى نظيره من إبداعات بواسطة التزاور والتراسل...

أما فيما يخص منهجية البحث فيشير الباحث إلى أنه لم يتقيد فيها بمنهج معين محدد، وإن كان المنهج الوصفي هو الغالب، ولما كان المنهج خادم المادة وكانت مادة البحث متنوعة ما بين تاريخية وتربوية وأدبية، استعان الباحث بمناهج أخرى كالمنهج التركيبي والتحليلي والتصنيفي سعيا إلى إبراز الأفكار التي استخلصها، وتأكيد النتائج التي توصل إليها..

* د. المهدي بن محمد السعيدي


1.jpg
 
أعلى