نجاة المريني - الرحلة في الأدب المغربي: أطروحة جامعية…

موضوع الأطروحة:
موضوع الرحلة موضوع شيق خصب، يكشف عن خبايا فكر الرحالة، وعن تصوراته وخواطره، في عوالم يكشفها لنفسه، فيسعد في لحظات ويشقى في أخرى، وكما أن في الرحلة متعة ولذة، ففيها مشقة وعناء، إنها البحث عن المجهول؛ في الخريطة الجغرافية والفكرية والبشرية. عالم الرحالة عالم مجهول؛ مليء بالمتناقضات، مليء بالمفاجئات، إنه عالم البحث والمعرفة في مستويات عديدة، إنه عالم تلمس – فيما أعتقد حقيقة الكون، وحقيقة الوجود في أكثر من بعد، إن الرحلة انطلاقا من الذات وانتهاء العالم الآخر المرغوب في أحببنا أم كرهنا، في تصوراتنا الخيالية المستحيل تحقيقها، أم في تصوراتنا الواقعية الممكن الإمساك بها، بل وجعلها واقعا معيشا.
***
أغراني بهذه المقدمة، الموضوع الذي قدمته الأستاذة فاطمة خليل للنقاش – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – عن الرحلة في الأدب المغربين وسأحاول في تقديم هذه الأطروحة، الحديث عن أهم النقط التي أشارت إليها الباحثة في العرض المقدم أمام اللجنة العلمية بعد سنوات من البحث والدرس والتتبع.
اهتمت الأستاذة فاطمة خليل في موضوعاتها بفن الرحلة كأدب وعلم وفن، باعتباره يتكئ على أدوات فنية، وعلى علم الجغرافيا، وعلى تدوين مجموعة من
الخواطر والتأملات التي يسجلها الرحالة مصورا مشاهد ومآثر وعادات وتقاليد كل منطقة زارها، معلقا في بعض الأحيان على ظواهر اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أثارت انتباهه، وشغلت فكره لمدة من الزمن.
أشارت الباحثة في تقديم عرضها إلى أن الموضوع أي اختارته لهذه الأطروحة يتوخى غايتين:
- الأولى: الكشف عن زوايا من الفكر والثقافة والأدب في المغرب.
- الثانية: مشروع بحث متكامل للجوانب الفكرية والثقافية والأدبية التي تتناولها الرحلة من خلال كتب الرحلات التي تطلعت عليها وصنفتها حسب موضوعاتها.
وكما جاء في العرض الذي قدمته الباحثة بين يدي اللجنة، فإنها اتبعت الخطوات الآتية:
- محاورة النصوص واستنطاقها، لإثارة القضايا التي تتضمنها كتب الرحلات.
- اعتماد الدراسة على مستويين:
المستوى الأول: يعنى معطيات النصوص كما هي.
المستوى الثاني: يعنى بالأحكام والاستنتاجات التي استخلصتها الباحثة من هذه النصوص.
- استمرار الظواهر والقضايا التي تناولتها نصوص الرحلات منذ النشأة إلى أواخر القرن الماضي.
استكناه ظواهر أدب الرحلات وقضاياها من خلال العلاقات التي استطاعت الباحثة أن ترصدها بين الرحالة الكاتب، وبين القارئ المتلقي، وبين المعطيات السياسية والاجتماعية والعلمية.
أما المنهج الذي اتبعته الباحثة فهو المنهج الوصفي والتاريخي والتحليلي لأن الهدف كما تقول: "هو تقديم النصوص وأصحابها، ثم محاولة النفاذ إلى ما تشتمل عليه من أفكار ومعلومات مع تحليلها ومقارنتها بغيرها إن أمكن، فالرغبة في تقديم ما يتعلق بنصوص الرحلة وأصحابها هي التي وجهت البحث، ورسمت معالمه، وحددت مراحله", أما محاور الموضوع، فقد توزعت كما يأتي:
- المدخل: وفيه تناولت الباحثة مفاهيم الرحلة وتعريفاتها المختلفة، معتمدة على كتب الرحلة وعلى التعريفات المعجمية الأدبية وغيرها. وبطبيعة الحال، فإن هذا المدخل سيتناول نشأة فن المرحلة وتطوره عند رواد مغاربة بأنواعها ومن ثم استخلاص مميزاتها، وقد ضم هذا المحور فصولا منها:
الفصل الأول: وخصصته للحديث عن الرحلة الحجازية وأنماطها، كرحلة ابن رشيد والعبدري وابن بطوطة.
الفصل الثاني: الرحلة السفارية: وقد تعرضت الباحثة لتفصيل القول في هذا النوع من الرحلات من حيث خصائصه ومن حيث ظهوره وتطوره، كرحلة التمكروني والغساني، وابن عثمان المكناسي.
الفصل الثالث: الرحلة السياسية، كرحلة الزرهوني والمشرفي والنميري.
الفصل الرابع: الرحلة السياحية كرحلة المقري وابن زاكور واليوسي.
المحور الثاني: وفيه تناولت الباحثة مضمون الرحلة عموما، إن يستقصي المعالم التاريخية والاجتماعية والبيئية للرحلة المغربية من خلال فصول أهمها:
الفصل الأول: المغرب العربي الكبير.
الفصل الثاني: المشرق وأوروبا في الرحلة.
المحور الثالث: وتناولت فيه الخطاب الفكري في الرحلة، ويتضمن الفصول الآتية.
الفصل الأول: التفسير والحديث.
الفصل الثاني: الفقه والتصوف.
وفي هذين الفصلين حاولت الباحثة رصد الملامح الواضحة للعلوم الدينية في كتابات الرحالة من حيث الأحكام والفتاوي والأسانيد، أما النماذج المختارة فتشكلها رحلات العبدري، والرحلة الكبرى لمحمد بن عبد السلام الناصري، ورحلة العياشي وغيرها.
المحور الرابع: ويظهر أنه مع المحور الثالث يمثلان جوهر موضوع الأطروحة، ففيهما انصب الاهتمام على الآثار الفكرية والأدبية في الرحلة، فبالإضافة إلى نقاش ما سمته الباحثة بالخطاب الفكري، فقد خصصت هذا المحور لنقاش موضوعا أدبية في الرحلة المغربية، فكانت فصوله كما يأتي:
الفصل الأول: النص الشعري، تناولت مباحث هذا الفصل نقطا رئيسية منها:
- الشعر الإخواني في المحاضرات والمسامرات والمطارحات الشعرية بين الأصدقاء والإخوان،
- شعر المدح السياسي،
- شعر المدح النبوي: وقد شكل هذا المبحث موضوعا مهما، إذ أن الرحلة في الغالب كانت وليدة وازع ديني يتمثل في أداء المناسك الدينية. يمثل شعر هذه الفترة العياشي وابن عتيق وابن ماء العينين وغيرهم، مبرزة خصائص هذا النص الشعري بصفة عامة.
الفصل الثاني: النص النثري، ويتمثل مباحثه كذلك موضوعات بعينها منها:
- الرسائل الإخوانية: ومنها ما يتضمن فكرا وجدانيا. .
أو وعظا صوفيا، أو مضمونا أدبيا، وقد لخصت الباحثة في آخر هذا المبحث خصائص رسائل الرحلة.
- الإجازة: وفيها تحدثت الباحثة عن الإجازة القرآنية والمعينة أي المحددة في موضوع ما، والإجازة العامة، ثم الإجازة باعتبارها نثرا أدبيا "له ضوابطه وميزاته التي ترتبط بالكتابة الأدبية والكتابة التاريخية، وأسلوبها الفني له مصطلحاته وعباراته المختارة" كما جاء في عرضها.
التراجم والسير: ولعلها الكتابة الأقرب إلى نفس الرحالة، إنها كما تقول الباحثة "صورة تعكس الجوانب المختلفة للرحالة العالم، فهو بحكم رحلته يبحث ويتصل، ويسمع ويتأمل، ثم يصوغ معلوماته وارتساماته في نسق شائق ليكون منها ترجمة وسيرة للأعلام الذي يتلقى بهم".
- النقد في الرحلة: وتحدثت فيه عن طبيعة النقد عند العبدري والعياشي.
الفصل الثالث: ويتضمن حديثا عن أساليب الرحلة من حيث:
الوصف الفني – التحليل النفسي – الحكاية لغة الرحلة.
أما الخاتمة، فهي تلخص الاستنتاجات التي توصلت إليها الباحثة بعد هذه الرحلة الشاقة والشيقة في كتب الرحلات، وأهم استنتاج استعرضته الباحثة أن "الرحالة المغربي ساهم بكيفية فعالة في أطوار الرحلة الثلاث الأولى.
- أولا: عندما كانت عبارة عن جغرافية.
- ثانيا: عندما أصبحت جغرافية مع تصوير عجائب الكون، ومزج الحقائق بالأساطير، لا ينظر في فحواها إلى لجانب العجب والطرافة.
- ثالثا: عندنا كانت رحلة برسم العلم والتعلم أولا وأخيرا".
كما أن الرحلة المغربية كما جاء في عرض الباحثة تشكل "وثيقة حضارية ثقافية" ربطت بين الشرق والغرب من خلال تنقلات الرحالة في كتابه بين عوالم عاش فيها واندمج مع سكانها وتأثر بهم وبعاداتهم، وبذلك سجل الرحالة كل المعلومات وكل الدقائق التي عرفها في كتاباته ونقلها إلى مجتمعه ليربط بين شعوب وحضارات وثقافات في لحظات مختلفة وفي ظروف متمايزة، كما أنه، بطبيعة الحال، سينقل ثقافة مجتمعه وحضارته إلى كل البلاد التي أقام بها ورحل إليها، مبينا أوجه التقارب والاختلاف، معتزا بانتمائه إلى بلدهن وبقدرته على ربط جسر للتفاعل والتلاقح بين الحضارات في المشرق والمغرب.
وذكرت الباحثة في أخر عرضها أنها جعلت للأطروحة ذيلا بأهم المصادر والمراجع التي عليها في هذا العمل من مطبوعات ومخطوطات ودوريات متعددة.
***
* ملحوظة: ذكرت الباحثة أنها وضعت مسردا عاما لمصادر الرحلة المغربية موزعا حسب أنواع الرحلات وأصحابها مع الإشارة إلى كونها مطبوعة أو مخطوطة. وقد أشارت في عرضها إلى أنها اطلعت علة ستين رحلة ما بين مخطوط ومطبوع على امتداد قورن، ممن سنة 484 هـ إلى وقتنا هذا عند كتاب مغاربة اهتموا بتدوين رحلاتهم والكتابة عن ظروفها وملابساتها.
ورغبة في تقديم صورة واضحة عن المسرد العام الذي وضعته الباحثة مستعينة ومتكئة في كثير من الأحيان على كتب البيبليوغرافيا والرحلات والطبقات، وكذلك على بعض البحوث الهامة في موضوع الرحلات والمنشورة في المجلات المتخصص، عمدت إلى إحصاء عدد الرحلات بالنسبة لكل نوع منها، وكانت كما يلي:
- الرحلة الحجازية: وتضم 86 رحلة.
- الرحلة السفارية: وتضم 14 رحلة.
- الرحلة السياسية: وتضم 14 رحلة.
- الرحلة السياسية الرسمية: وتضم 14 رحلة.
والواقع أن هذا المسرد غني، وفي حاجة إلى عناية الباحثين والطلاب كي يستفيدوا من هذه الرحلات كواجهة من واجهات الأدب العربي في المغرب الأقصى، فهي غنية من حيث مادتها، ومن حيث اتجاهاتها، ومن حيث قالبها، إن كتب الرحلة المغربية تضم ألوانا أدبية متعددة لا يمكن أن يستغني عنها الباحث في أي موضوع كان..

دعوة الحق - العدد 274 رمضان/ أبريل 1989

55.jpg
 
أعلى