أبو رقية تميم بن شطارة - توجيه الأقاويل في حكم لبس المرأة للسراويل

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

لقد منّ الله تعالى على بني آدم وتفضّل عليهم بإنزال الستر وتغطية العورات، فحلى ظاهرهم بأصناف الثياب ومختلف الأصواف والجلود وأرشدهم إلى تحقيق الستر الباطني الذي هو التقوى قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26 ] وقال سبحانه ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [النحل: 81 ] وقال جل في علاه ﴿ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ﴾ [النحل: 80 ] فكان الستر من مستلزمات المنة لأنه من آلاء الله تعالى العظيمة التي دعت إليها العقول واستحسنتها طبائع البشر وجاءت رسل الله تعالى تذكر الناس به، حثا لهم على شكر نِعَم الله وآلائه.


وإن مما استقر في ديننا الحنيف الذي دعا إلى كل فضيلة وحذر من كل رذيلة أنَّ بَيْنَ الرجل والمرأة تباينا حسيا ومعنويا، قد ترتَّبت على هذا التباين أحكامٌ متعددةٌ لم يخل بابٌ فقهي إلا وفي هذا المعنى منه الكثير، ولو جُمعت لكانت دراسة قيمة يُبَيَّن فيها مدى التباين وحكمة الله تعالى في ذلك، وتُبرز العلل التي بنيت عليها هذه الأحكام حتى يعلم من ضَعُف يقينه أو قَلََّت معرفته أن الإسلام يراعي المكلَّف من جميع أموره.


ومن أمثلة التباين بين الرجل والمرأة في الإسلام ما تراه في باب اللباس الذي تتجلى فيه للناظر المنصف سعة رحمة الله تعالى بالجنسين الذكر والأنثى، وكمال علمه وحكمته التي اقتضت أن يكون كل شيء في مكانه اللائق به، فكان لكل صنف لباسٌ مُعيَّنٌ يتقلّب فيه لابسه بين رحمة الله تعالى الذي كساه بعد العري، وبين حكمة الله تعالى الذي ستره بعد الكشف.

ودليل القاعدة التي تبنى عليها هذه المسألة قوله - صلى الله عليه وسلم - " لَعَنَ اللهُ المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء "[1].

وقال في خصوص التشبه في اللباس:" لعن الله الرجلَ يلبس لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجل"[2].

والذي يهم مبحثنا من باب اللباس جزئية معينة ألا وهي حكم لبس المرأة للسراويل، لانتشاره بين النساء على اختلاف توجهاتهم، وكثُرت الأسئلة حوله بين مؤيد ومعارض، فلذلك أحببت بعد توفيق الله تعالى أن أجمع ما وقف عليه بحثي القاصر من أقوال علمائنا رحمة الله تعالى عليهم في المسألة إبرازا للأقاويل وجوابا عن حكم من سأل عن لُبس المرأة للسراويل، وكأي بحث فهو لا يخلو من صواب وعكسه وكلٌّ للخطأ عرضة، فرحم الله الناصحين وهدى الله الضالين.

وكانت الخطة على النحو التالي:

• المقدمة.
• سراويل الكفار وأمثلة من الواقع.
• سراويل الأمم وأمثلة من الواقع.
• وجوب التميز بين لباس المسلم والكافر.
• لباس المرأة المسلمة.
• لبس السراويل عند نساء العرب و القرن الأول من الإسلام.
• حكم لبس المرأة للبنطلون.
• فتاوى العلماء الأكابر في حكم لبس المرأة للبنطلون.
• تنبيه حول لبس المرأة السراويل لزوجها.

• الخاتمة.


أسأل الله تعالى أن يزيننا بزينة الإيمان كما زيننا بزينة اللباس وأسأله سبحانه شكرها وعدم كفرها وأسأله تعالى أن يهدي المسلمين والمسلمات إلى اتباع دينه واقتفاء سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -إنه سميع عليم، والله الموفق لكل خير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقدمة

اعلم رحمني الله وإياك أن اللباس من حيث المصدر على ثلاثة أوجه:

1- لباس المسلمين:

وهو ما تعارف عليه أهل الإسلام على أنه شعار لهم وسمة لدينهم موافق للنصوص ولا يعارض منها شيئا من أي وجه كان، وحقيقته ما أباحت النصوص لبسه واتخاذه سترا، إذ الشرع لا يبيح إلا ما كان فيه نفع، ولهذا كان الأصل في اللباس الإباحة بحيث يلبس المسلم ما يباح له شرعا.

2- لباس الكفار:

وهو ما تعارف عليه أهل الإسلام على أنه شعار للكفار وسمة لأديانهم، معارضٌ للنصوص لا يوافق منها شيئا من أي وجه كان، وحقيقته ما حذرت النصوص من لبسه أو اتخاذه سترا، إذ الشرع لا ينهى إلا عن ما كان فيه ضررٌ، ولهذا كان الأصل في لباس الكفار التحريم.

3- لباس الأمم:

وهو ما تعارف عليه أهل الإسلام على أنه لا يختص لا بهم ولا بغيرهم من الكفار وليس هو سمةٌ لدين معين ولا شعارٌ لأي توجه اعتقادي، فيُردُّ هذا إلى الأصل في اللباس وهو الحل ولا يُحرِّمه إلا تعلقُه بأمر محرم استصحابا للبراءة الأصلية.

فبهذا التقسيم الذي سار عليه غير واحد من علماء الإسلام يتبن أن اتخاذ اللباس ليس على إطلاقه، وأن المفهوم المعتبر فيه هو مفهوم الشرع لا غير، ولذلك فإن السراويل بحكمها نوعا من أنواع اللباس تخضع لهذا التقسيم وتندرج تحته، ولنبين لكل قسم ما يخصه من ذلك، على أن نترك القسم الأول وهو سراويل أهل الإسلام في ختام هذا الفصل لسعته وإرادة للمزيد من البيان والله الموفق.

سراويل الكفار وأمثلة من الواقع

أما ما يختص بسراويل الكفار فهي معروفة بحكم هيأتها ومنشئها وتعلقها بطائفة أو بلد أو شعيرة عندهم، فمن ذلك:

ما يتعلق بهيأة معينة:

مثل سراويل بعد الطوائف من المغنيين وهي ما يلبسونه من الجلود البراقة باللون الأسود، وهي غالبا ما يشترك فيه الجنسان الذكر والأنثى.

ما يختص بالمنشأ:

فمن ذلك سراويل رعاة البقر في أمريكا وهي التي تعرف [بالجينز] على الرغم من كون منشأ [الجينز] إيطاليا، ولكن هذا التعلق صار ملتصقا بهذه الفئة نتيجة اشتغالها بالخيل والبقر، وإلى جانب كون هذه السراويلات قوية وضيقة تساعد لابسيها على ركوب الخيل من غير تعكر، ويطول مدة خُلُوقه.

وأما ما يتعلق ببلد معين:

فمثلا السراويلات البريطانية، ومعروف أن الجنس البريطاني ذو عقلية مخالفة لسائر أوربا يحرصون على الانفراد في كل شيء، حتى في نمط لباسهم، فتجد البدلات البريطانية المعروفة إلى جانب السراويلات والقمص التي تحمل سمة البلد المنتمي إليه اللابس.

ما يحمل شعارات معروفة عند أهلها:

كسراويل الزنوج الأمريكيين الذين يعنون بالغناء المعروف [الراب-Rap] أو بالرقص الجنوني [هيب هوب- Hip Hop] فتجد السراويل مع سعتها وضخامتها تكاد تسقط من لابسيها، بل يتعمدون إبداء الملابس الداخلية نساء ورجالا، فيعرف لابسها إما بانتسابه إلى صنف المغنين أو الراقصين أو الصنفين معا، وقد أعطى أبناء الإسلام ممن تأثروا بهذا الفكر الساقط لهذه السراويلات تسمية عجيبة تدل على شناعتها من غير تأكيد، فسموها مثلا [سروال طيحني] أو [بابا سامحني]، ولا يلبسها عندهم إلا من هو بزعمهم من الصنفين المتقدمين، وهذا والله فقدان للعقل من غير ثمن، بل صارت السراويل تنتزع منهم من غير مدافعة، وقد كنا نسمع عن أحدهم في زمن العقل قد يقتُل من يكشف سوءته، وأما الآن فما أكثر من يدفعون الأثمان الباهظة من أجل أن تظهر سوءاتهم والله المستعان.

سراويل الأمم وأمثلة من الواقع:

والمقصود بالأمم هي طوائف الناس على اختلاف دينها وبلدها، فقد تنتشر مثل هذه السراويلات وغيرها من الألبسة بينهم مما يعد مباحا في أصله إلا أن يقترن بمحرم فيلحق به، وعلى سبيل بيان مثال للباس الأمم، ما يلبس في الرجل كالجوارب [الشراب] والأحذية التي لا تحمل علامة خاصة، وما يستر به غالبا في الشتاء [كالجاكت] و [والتساخين] وهي ما يلبس على الرأس والأذنين من قطن أو صوف عند اشتداد البرد، والتبان والفنيلات وغيرهما مما هو معروف أنه يلبس لحاجة لا لإبراز معتقد أو انتساب فكري أو عقدي.

وهذا بابه واسع ولا يمكن حصره، وإنما مرجعه الإباحة في أصله من غير تعلق بمحرم فيحرم للتعلق لا للأصل.

ومن السراويل التي تدرج تحت هذا القسم ما كان فضفاضا صفيقا خاليا من انتساب فكري أو عقائدي، لا تعلق له بمذهب ولا طائفية، وأما [البنطلون] فليس على إطلاقه، لأن البنطلون في أصله لا تعرفه العرب ولا أهل الإسلام وإنما هو دخيل عليهما، فإن صار هذا الدخيل منقادا للضوابط الشرعية خاليا مما ينافي إباحته جاز لبسه.

فالنظر يكون من جهتين:

الجهة الأولى: اتصافه بالضوابط الشرعية، وجماعها أن [الصلاة تجوز فيه].

الجهة الثانية: خلوه من نزعة عقدية أو فكرية، وجماعها [أن لا ينسب صاحبها لأي نزعة].

وجوب التميز بين لباس المسلم والكافر:

ولكن قبل البدء في سرد ما وفق الله الوقوف عليه لا بد من التنصيص على نقطة جوهرية تكاد تكون الفاصل في هذا الباب، وهو ما يذهب إليه بعض طلبة العلم على حسب ما وصل إليه اجتهادهم، أن بعض الألبسة صارت عامة يشترك في لباسها المسلم والكافر، فهي لا تخص الكفار من جهة ولا يمكن إلحاقها بهم من جهة أخرى، فكان الأمر في نظرهم جائزا بناء على الاشتراك في اللُّبس وعلى أصل بناء حكم اللباس وهو الإباحة، ولكن الذي يناقش ليس في كونه قد انتشر أو لم ينتشر، ولهذا قلنا لا بد من موافقة الشرع في كل شيء حتى في اللباس، إذ إن المعتبر في الحكم هو الشرع لا عموم فعل الناس، فانتشار بعض الألبسة بين أوساط الناس أو قل بين الكثير منهم لا يسوِّغ لأي أحد ممن عرف روح الشريعة وما دعت إليه من لزوم مخالفة أهل الكفر أن يجيزها أو يبني على حكم الإباحة في إباحتها، لأن التعليل ببعض ما يلبسه المسلمون لم يعد مخصوصا بالكفار فيه نظر، والأولى أن يقال إنه مما عمت به البلوى؛ فكل يوم يخرج علينا الكفار بالجديد في الملابس فيتحول المسلمون -إلا من رحم الله- إلى تلك الملابس الجديدة فتصبح في نظر البعض غير مخصوصة بالكفار، وهكذا يضيع المقصد الأساسي في وجوب التميز بين المسلم والكافر، وينبذ اللباس الشرعي بين أوساط أهله بهذه العقلية، فيحل محله لباسٌ لا يَحرُم في أصله لأننا عرفنا أنه مباح ولكن التحريم من جهة ثانية قد غفل عنها الكثير، وليقولن قائل: إنما تمنعونه لعدم إلفكم له أو لأن العادة عندكم خلافه، قلنا: فإن الإلف معتبر والعادة محكمة ما داما تحت عقال الشرع، ولباس أهل الإسلام معروف لا تطغى العصرية ولا المدنية عليه، لأنه يفي بمقصد الستر مع مراعاة الزمن الذي أنت فيه، ولكن البُعد عن الدين غيَّر وجهة النظر فأصبح القبيح هو الحسن والحسن قبيحا، وهكذا المغلوب ينقاد لغالبه لا محال، ولو كان الأمر كما يُدَّعى فهل وُجِد من أهل الكفر في البلدان العظيمة عندهم كأمريكا وبريطانيا عند أولي الهيئات منهم من يلبس العمامة أو الإزار أو الثوب الأبيض [القميص] الذي كان أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فشعار الكفار الذي لم يفطن له الكثير هو [البسوا لباسنا من غير أن نلبس لباسكم]، ويا ليت كان لباسهم شرعيا ولكن ترى فيه من المخالفات الشيء الذي لا ينكره إلا المعاند، بغض النظر عن كونه لباسهم، فكون [البنطلون]أو [البدلة] مثلا جاز لبسها أو لا وما يتفرع عنها من أحكام كالصلاة فيها، والخروج أمام الناس فيها، وجَعلِها في الكفارات، ليس هو منطلق النقاش بين أهل الإسلام، ولكن النقطة الأساسية في كون هذا اللباس هل يصدق عليه التمييز بيننا وبين الكفار، ولماذا نلبسه بل ويلتزم به البعض ويلزمونه في الإدارات والشركات، ويضايقون من لا يلبسه في المدارس والجامعات، حتى تترك لباسك الشرعي النبوي الذي تجمع فيه بين الستر ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

فوالله ما هذه الألبسة التي يزعم بعضهم أنها لم تعد تختص بالكفار إلا وسيلة لزعزعة مقصد شرعي في شريعة الإسلام ألا وهو الستر، وليجدنَّ لابسها في نفسه وإن لم يبدها علانية أنها تفرق ثوب الإسلام لا محال، وأنها تجعل الناس لا تنظر إليه نظرة اشمئزاز وتقزز، فهل من يجيزه حقا يريد بذلك وجه الله تعالى ورضاه عز وجل، أم يريد به كف ألسنة الناس عن الكلام فيه وجعله كآحادهم فيجمع بين تطبيق الشريعة ورضا الناس من جهة أخرى؟؟

الجواب في قوله عليه الصلاة والسلام: [وإنما لكل امرئ ما نوى].

هكذا المغلوب مغلوب في كل شيء حتى في اللباس، وكيف بنا وقد ورثنا من أجدادنا عقيدة التوحيد والإسلام ووجوب الالتزام بأحكامه، فهل من الممكن أن لا نتوارث الأعراف والتقاليد؟ اللهم إلا أن يحدث في المسار العرفي شيئا، وهذا بالفعل الذي وقع، فنتيجة الاستعمار والغزو الغربي لبلدان الإسلام صارت عاداتهم وتقاليدهم هي عادات وتقاليد المستَعمِر لأن [الدول الغربية تعتبر اللباس جزءً من ثقافتها ومن شعاراتها الحضارية فتزهو على الأمم الأخرى بأن ثقافتها سائدة، فهي ذات صدارة وريادة، فحرصت أشد الحرص على أن تتقبل الشعوب الأخرى ثقافتها وشعاراتها طوعا أو كرها، وأكثر ما يضايقها أن تستقل الأمم الأخرى عنها وخاصة الاستقلال الثقافي، وهو من أهم مظاهر الاستقلال كما يقول علماء الأنثربولوجيا والتربية وعلم الاجتماع.

ومن اطلع على خفايا الصراع الثقافي بين الأمم يدرك سبب أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -أمته بتميزهم عن الأمم في اللباس خاصة، وكذلك نهيه عن التشبه بهم في الزِّي والعادات، ولهذا كان يرى المؤرخ ابن خلدون في دوافع تقليد المغلوب للغالبهو بلوغ الهزيمة في النفس واعتقاد الكمال في من قهرها؛ ونحن نعيش زمن هزيمة حضارية بكل المعايير ولذا يتهاون الناس في مثل تلك الشعارات التي لا يدركون معناها في تلك المرحلة لأنهم في مرحلة سبات، ولو كانت الصدارة والريادة والغلبة للمسلمين، والأمم الأخرى ذليلة مقهورة تحت سلطانهم لرأيت ملوك وسلاطين الغرب وشعوبها يرتدون زي الإسلام.

فالتشبه بهم في الملبس من مظاهر الهزيمة والذل وفقدان الثقة في النفس].
والله المستعان.

لباس المرأة المسلمة

أما لباس المرأة المسلمة فهو اللباس الرباني الذي أنزله الله تعالى من فوق سبع سماوات أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -أن يلزم أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بلباسه قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [الأحزاب: 59 ] ولهذا فإن المرأة عليها أن تعتز بهذا اللباس الذي اختاره رب العزة لها، وأن تشكر نعمة الله عليها الذي خصها بستر على غيرها، فالله حكيم خبير عليم قد أحكم كل شيء خلقه، ووضع كل شيء في موطنه اللازم له، من غير عوج ولا حيف، ومهما تفاخر الغرب بلباس بناتهن ونسائهن، فإن عز المرأة المسلمة ومنتهى سعادتها في كون لباسها قد اختاره لها رب العالمين، فمن المحال أن يقاس اختيار الخالق مع اختيار المخلوق لمن عقل.

ولكن لما ساد الضعفُ والخور أمّةَ الإسلام، وتطاولت أعناق الجائعين إلى الغرب، صارت الكثير من النساء تفتخرن بلباس الكافرات الذي في نظرهن القاصر يحمل شعار المرأة المتحضرة التي حُفظت كرامتها وعُرف قدرها، وكيف لا - زعموا- وهي التي تشارك الرجل في حياته وتعينه على نوائبها، وهي اللبنة الأساسية للمجتمع... وقل ما شئت من الشعارات الزائفة المكذوبة التي يغسل بها دعاة الكفر والفجور عقول نساء الإسلام؛ فلبست البنت المسلمة ألوان العري وصنوف الخزي وأشكال الفجور، فاستبدلت جلباب حيائها قبل جلباب بدنها، ونزعت ستر ربها لتلتحف بزيّ لا يمتُّ إلى الإسلام بصلة لا من بعيد ولا من قريب، بل لا تعرفه الفطر السوية ولا العادات العرفية ولا حتى الأزمنة المظلمة التي مرت على دول الإسلام، ولا أوضح لهذا من زمن المغرب العربي الحبيب يوم أن كانت دول أوربا اللعينة قد أرست ذيولها فيه، فكانت النساء في ستر دائم لا يخرجن إلا لحاجة وكلهن بلباسهن التقليدي [الحايك] أو [الملاية] أو [بوعوينة] ويغطين وجوههن به أو ب- [العجار] أو [النكاب] كما في المغرب الأقصى، فما أن برز بصيص الحرية، ومنَّ الله تعالى بالعتق بعد العبودية حتى كان أول كفر لهذه النعمة بالتبرج، فخرجت النساء عاريات كاشفات لما أخفينه طيلة الاستدمار، تنشد الحرية ناسية سترها مبدية شعرها ورأسها ونحرها بله مفاتنها مصداقا لقوله تعالى ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ﴾ الآية [الزمر:8].

ولما تواصل الزمان وبعدت القلوب عن الله تعالى، وتأثر من تأثر بالحضارة الزائفة، تدرج لباس المرأة المسلمة إلى ما لا يمدح، وصارت في كل يوم تتخلى عن شيء منه أو تستبدله بما لا يقوم مقام المبدَل، حتى ظهرت أشكال جديدة وألوان من الألبسة لا هي بالمتبرجة ولا هي بالشرعية وسطٌ بين ذلك، فظهرت صورة جديدة لحجاب المرأة المسلمة، وزيد في تسميتها بالمرأة المسلمة المعتدلة، وهي التي في اللسان الشعبي عند أهل الجزائر ما يقال: [لا تجوِّع الذئب ولا تبكي الراعي] ظانة المسكينة أنها تقدر بهذا الزيّ أن تجمع بين رضا الله لها ورضا المجتمع، وما هذا إلا لضعف في إيمانهن بأن الحجاب الرباني أوفر من أي شيء وأستر من كل وجه ولكن...!!

فلباس المرأة المسلمة هو الجلباب والحياء معا، وجِماعه [ما لا يجوز للمرأة أن تخرج إلا به].

ولكن المقصود من البحث ليس بيان صفة اللباس الشرعي للمرأة، فإن هذا معلوم مقرر في غير ما كتاب، ولكنه يتناول جزئية معينة وهو لباس السراويل للنساء.

وبالنظر إلى صنوف النساء يمكن تقسيمهن إلى قسمين:

الصنف الأول: من لا يلبسن اللباس الشرعي، وهذا خارج عن موضوعنا، فلا يمكن أن نتكلم في الفرع مع تعذر تحقق الأصل كما في حالتنا هذه، فمن لم تُحقِّق الستر الأصلي وهو جلبابها الذي هو حياؤها بل هو حياتها، لا تستطيع تحقيق ما يُعين على كماله وتمامه، فالواجب على كل امرأة طَلَّقت ستر ربها أن تتقي الله في نفسها وتُرجِعَه ما دام في مدة العدة وهي الحياة والتوبة، وإلا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمْ بَعْدُ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الإِبِلِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا" [3].

الصنف الثاني: عند من يلبسن اللباس الشرعي، وهذا هو - بيت القصيد - فهل يجوز لهن لبس السراويل؟ وما هي نوع السراويل التي تُلبس؟ وهل عُهِد عند نساء السلف لبس السراويل؟

وهذا كله إن شاء الله تعالى سنلخصه في الفصول التالية والله الموفق.

لبس السراويل عند نساء العرب و القرن الأول من الإسلام

لم تشتهر السراويل عند العرب في أول أمرها، [وإنما كانَ الإزارُ غالِبَ لِباسِ رجالِها قَبلَ الإسلامِ وبعدَهُ، وكانَتِ السراويلُ قليلة لا تَكادُ تُذكَرُ في الأخبارِ إلا نادِرة، لأنها لم تكُن مِن زِيٌ العَرَبِ] وكذلك لم تعرف المرأة العربية السراويل ولا لبستها، وإنما كان لباسها الدرع وما شاكله من البز الطويل الساتر من النحر إلى الرجلين، ولهذا لم أقف - والله أعلم - على شيء يخص النساء في لباسهن مثل السراويل في زمن الجاهلية وفي أخبار نساء العرب، وكانت عادتهن أن يلبسن [النطاق] وهو إزار تحتبك به المرأة في وسطها وترسل أعلاه على أسفله تقيمه مقام السراويل، ولهذا ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال:كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يصلي في شُعُرنا ][4].

وفي رواية [ لا يصلي في لُحُف نسائه ]. قال الشيخ ابن باز[5] رحمه الله تعالى: فالشعار ما يلي الجسد وكنَّ يتزرن بالأزر وكأن السراويل لم تنتشر بينهن ولهذا في حديث عائشة [كان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض][6]، ولو عرفت السراويل عندهم لكانت أستر وأنفع، حتى إن أهل اللغة ذكروا أن لفظة سراويل اسم مفرد أعجمي معرب جاء على وزن مفاعيل فمنع من الصرف، وجمعه سراويلات، وهو مذهب سيبويه وأكثر النحاة، وذهب بعضهم إلى أنه عربي ومفرده سروالة كما عند الأخفش وقيل سروال، والأشهر الأول كما هو مبسوط في كتب النحو واللغة[7].

ولكن الأمر لا يخص الجانب التاريخي فحسب، وإنما بغية ذلك تتبع مراحل تطور هذا النمط من اللباس، وإلا فالعادات قابلة للتغير مع مرور الزمن وذهاب الأجيال، ولذلك نجد في صدر الإسلام أن النصوص أشارت إلى سراويل المرأة وإن كانت - كما أسلفنا الذكر- غير معروفة أو بالأحرى غير منتشرة بينهن، ومن النصوص الدالة على أن المرأة المسلمة كانت تلبس السراويل ما أخرجه الحاكم في المستدرك [1788] والبيهقي في الكبرى [8827] و[8857] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب [ولتلبس بعد ذاك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو خف أو قميص].

وأخرجه أحمد [4740] وعبد الرزاق في المصنف [14236] وأبو داود [1827] دون الزيادة التي بين العارضتين وقال أبو داود عقيبه: روى هذا الحديث عن ابن إسحاق عن نافع عبدةُ بن سليمان ومحمد بن سلمة إلى قوله وما مس الورس والزعفران من الثياب ولم يذكرا ما بعده.

قال ابن النحوي المعروف بابن الملقن في البدر المنير [6/327-328] باختصار:" هَذَا الحَدِيث حسن... وَرِجَال إِسْنَاده مُحْتَج [بهم] فِي «الصَّحِيحَيْنِ» خلا محمدُ بن إِسْحَاق صَاحب «الْمَغَازِي»، فَإِنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بِهِ، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، لَا جرم، قالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَمرَاده: أَنه عَلَى شَرط مُسلم فِي ابْن إِسْحَاق؛ فَإِنَّهُ أخرج لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ، لكنه لم يخرج لَهُ مُسْتَقلاًّ، نَعَمْ أَكثر مَا عَابُوا عَلَى ابْن إِسْحَاق التَّدْلِيس، وَقد صرَّح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ من نَافِع، والمدلِّس إِذا صرَّح بِالتَّحْدِيثِ احْتُجَّ بحَديثه؛ فَيكون حَدِيثه هَذَا حسنا"[8].

ففي هذا الحديث جواز لبس المرأة للسراويل فإن المعنى ظاهر والحمد لله.

وقد رخص جمع من السلف رضوان الله تعالى عليهم للمرأة المحرمة أن تلبس ما تشاء ما لم يكن القفاز وما يغطي الوجه وما كان معصفرا وبعضهم نص على جواز لبس السراويل فمن ذلك:

• ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف [ 3 / 143 ]: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: "تلبس المحرمة ما شاءت إلا المهرود [9] المعصفر." فقولها ما شاءت يدخل في ذلك السراويل، فإن كانت في الإحرام جائزة فهي في الحل أولى.

• وروى ابن أبي شيبة [ 3 / 284 ]: حدثنا بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن عائشة قالت: "تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين ولا تنقب." وهو كسابقه.

• وروى ابن أبي شيبة [2/718]: حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن و عطاء قال: "تلبس القفازين والسراويل و لا تبرقع و لا تلثم , و تلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا".

فهذان إمامان الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح يجيزان للمرأة لبس السراويل في الإحرام ففي الحل من باب أولى كما ذكرنا.

• قال ابن أبي شيبة [ 3 / 434] قال نا العقدي عن أفلح عن القاسم قال: " تلبس المحرمة السراويل والقفازين و تخمر وجهها كله" والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذه النصوص ثبتت في الإحرام في جواز لبس السراويل عودا إلى الأصل في حلِّيَّتها للمرأة، وبهذا يتبين أن للنساء في ذلك العصر سراويلات تخصهن، ولا يظنّنّ عاقل أن المراد بالسراويل ما كان مختصا بالرجال فإن هذا أبعد ما يكون عن الفهم.

وقد رويت أخبار في استحباب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تلبس المرأة السراويل لما لها من ستر واضح، ومع كون العلة قوية في كون السراويل تستر أكثر من غيرها، إلا أنه لم يثبت من ذلك حديث صحيح عنه عليه الصلاة والسلام بل بعضها من الموضوعات الأكذوبات، ومن باب الفائدة نذكرها حتى نبين ضعفها وفي الصحيح غنية:

•حَدِيثُ عَلَيِ بنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في المرأة التي مرت بقرب البقيع فسقطت: اتَخَذِوُا السَّرَاوِيلاتِ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْتَرِ ثِيَابِكُمْ وَحَصِّنُوا بِهَا نِسَائَُكمْ إِذَا خَرَجْنَ." قال الشيخ الألباني موضوع [الضعيفة: 601].

• وكذلك حَدِيثُ عَلَيِ بنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "اللهَّمَّ اغْفِرْ لِلْمُتَسَرْوِلاتِ مِنْ أُمَّتِي." وهو نفس الحديث السابق [الضعيفة: 601].

• حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "رَحِمَ اللهُ المتَسَرْوِلاتِ مِنَ النِّسَاءِ" قال الشيخ الألباني ضعيف جدا [الضعيفة: 3252].

• وفي لفظ: اللهم ارحم المتسرولات وهو كسابقيه [الضعيفة: 601].

فخلاصة الفصل أن السراويل الخاصة بالنساء عرفت عند الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولم نقف -والله أعلم- على أي خبر يُبَيِّن صفة هذه السراويلات، ولكن المسألة تبنى على صفة لباس المرأة في الشريعة الإسلامية.

ونلخصه في ما يلي:

1- أن يكون خاصا بالنساء ولا يشبه سراويلات الرجال.
2- أن يكون واسعا بحيث لا يحجم رجلي فخذ المرأة ولا عجزها ولا ساقيها.
3- أن يكون صفيقا بحيث لا ترى البشرة من ورائه.
4- أن لا يشبه لباس الكافرات بأي وجه من الوجوه.
5- أن لا يشبه لباس الفاجرات بأي وجه من الوجوه.
6- أن لا يكون لباس شهرة وهو ما انفرد عن باقي السراويلات من حيث الإفراط أو التفريط.
7- أن لا يكون اللون لونا محرما.
8- أن لا تستغني المرأة به عن لبس جلبابها، لأن السراويل وسيلة للستر لا مقصد وإنما المرأة سِترها مغلظ على الرجل ولهذا طولبت بشي أكثر منه صيانة لها ولغيرها فإنها عورة كلها والله أعلم.

حكم لبس المرأة للبنطلون

لم تعرف النساء لبس السراويل التي هي بلسان العصر [البنطلون] حتى في دول أوربا، لأن البنطلون كان يعتبر رمزا للرجل يفرق به بينه وبين المرأة، ولكن نتيجة التمدن الحضاري وتتبع ملذات الحياة والبحث عن الجديد، ظهرت في أوائل الستينات في باريس عاصمة الحضارة الأوربية نساء يرتدين السراويل، فحتى عام 1963م كانت كثير من المطاعم والمنتديات الراقية تفرض على الرائدات مغادرة المكان لأنهن يرتدين السراويل، وكانت كثير من الملابس النسائية مرفوضة لأنها تحقير للتاريخ الأوربي الذي ينبغي أن يصان خاصة من العجائز من كلا الجنسين، وبظهور المصمم اليهودي [إيف سان لوران] الذي يعتبر دون تردد المستنبط لعصر الأزياء الحديثة، غدت باريس عاصمةً للأزياء العالمية، فاستطاع [إيف سان لوران] أن يكمل مسيرة شيخه [كرستيان ديور] وأن يحول عصر الفساتين والقبعة لـ[كوكو شانيل] إلى عصر [البنطلون].

هذا الشاب اليهودي المولود بالجزائر الذي قضى حياته كلها بين الفساتين والرسوم، استطاع عام 1966م إدخال البنطلون النسائي بشكل واقعي وبذلك أسقط قيمة البنطلون الرجالي ليصبح البنطلون لباسا مشتركا، نصفه للرجل والنصف الآخر تخطفه المرأة من الرجل بقوة خضراء وثورة وردية - على قول بعضهم - وقد كان رجال فرنسا قد تقبلوا الفكرة على مضض ولكنهم مع الوقت فقدوا الحول والقوة على الرغم منه.

ولذلك كان من أهم ما قاله المصمم اليهودي [إيف] في آخر حياته قولته الشهيرة [وضعت النساء في السراويل].

هكذا كان بداية هذا المرض الخبيث في ديار الغرب حتى انتقلت العدوى إلى بلاد الإسلام، وتبع المفتونون بحضارة الغرب الزائفة أربابهم، فخرجت النساء بهذا اللباس الساقط لترمي وراء ظهرها جلباب حيائها، وهي المسكينة لا تدري أن أعداء الإسلام إنما همهم تعريتها وتخليتها من جميع ما يحفظ كرامتها، وهذا ما صرح به اليهودي نفسه حيث قال: "كان الفستان على مر العصور يخفي جمال ظهر المرأة و ب- [الجينزات] انكشف ظهر المرأة مما ثار الغرائز الرجالية خاصة اذا كانت المرأة [شحيمة لحيمة] وبهذا يشد [الجينز] مؤخرتها، وبمشيتها تبدو وكأنها [غزال بري] يحي عظام الرجال وهي رميم" [10].

وبهذا المدخل التاريخي الذي يهمنا ولو أن بعض الناس يرى أن المنبع في الشيء لا يهم مادام قد تغير وانحلت متعلقاته، ولكن الذي يقول مثل هذا القول عليه أن يعلم أن سد الطريق لا بد أن يكون في أول أمره، لأن المرض لا يقتل مباشرة وإنما يبدي أعراضه ويظهر أورامه، وهكذا نجده في مثل [البنطلون] الذي لا محال هو لباس للكافرات ولا تعرفه المسلمة، وإنما استورد من خارج البلاد يحجم عورة المرأة ويظهر مفاتنها، ويطلع أنظار المفتونين إليها، ولا يتصور أبدا في مثل البنطلون أن يلبس على غير مقاس الجسم لأن الغرض من لبسه هو إبراز ما وجب ستره حتى ولو كان صفيقا، فالبنطلون في أصله صنع لإبراز مؤخرة لابسه وإبداء مفاتنه، ولهذا فإن المقصد من الستر منتف تماما، زد على هذا فإن بعض المستقيمات - في الظاهر هداهن الله- تلبسه فيرتخي أسفل من جلبابها، فيعرف بذلك أنها تلبس بنطلونا من نوع معين، فوالله لهو أشد فتنة ممن تلبسه من غير حجاب.

ولهذا أفتى جمع من علمائنا الأفاضل بتحريم هذا النوع من اللباس على النساء، لأنه في أصله محرم وسبيل للفتنة، حتى وإن كانت تلبسه تحت جلبابها ففيه تشبه بالكافرات وترويج لسلع الخلاعة، وإعانة على المنكر بل حتى في الصغيرات التي لا تعقِل، فالرجل المؤمن التقي يربي بناته على الحشمة والعفاف، بارتداء اللباس الشرعي وتعويدهم عليه، وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى كلام نفيس في هذا الموضوع حيث قال:" هذه السراويل ضيقة تبين حجم الأفخاذ والعجيزة بيانا كاملا تظهر مفاصلها مفصلا مفصلا، وتبين إن كانت البنت نحيفة أو سمينة، وكل هذا مما يوجب تعلق النفوس الخبيثة بها، ويدخلها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: « كاسيات عاريات ». ويقول بعض الناس: إن هذه البنت صغيرة، ولا حكم لعورتها، وهذه العلة ليست بموجبة للإباحة، وذلك لأن البنت إذا لبستها وهي صغيرة ألفتها وهي كبيرة، وإذا لبستها وهي صغيرة زال عنها الحياء، وهان عليها انكشاف أفخاذها وساقها؛ لأن هذه المواضع من البدن إذا كانت مستورة من أول الأمر، فإن المرأة تستعظم كشفها عند كبرها، وإذا كانت مكشوفة من أول الأمر لم يكن عظيما في نفسها كشفها فيما بعد، وهذا أمر معلوم بالعادة والحس أن الإنسان إذا اعتاد شيئا هان عليه، كما أننا نرى الآن أن هذه الألبسة تلبسها بنات كبيرات ينبغي عليهن الاحتجاب؛ لأن البنت إذا بلغت مبلغا يتعلق بها النظر وتطلبها النفس، فإنها تحتجب، قال الزهري رحمه الله وهو من أئمة التابعين: لا يصلح النظر إلى شيء ممن يشتهي النظر إليهن وإن كانت صغيرة."[11].

ومن تمعن في كلام الشيخ رحمه الله تعالى تبين له حقيقة هذا اللباس، وعرف تنصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليم الأولاد الشريعة ووجوب التميز في اللباس.

فتاوى العلماء الأكابر في حكم لبس المرأة للبنطلون:

وأما ما يخص [البنطلون] فمن الفتاوى المعروفة ما نقل عن أئمة هذا الزمان، أساطين العلم وحامليه ممن عُرفوا بالنصيحة للمسلمين والدفاع عن الدين: شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز بن باز و العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين وأسد السنة المحدث محمد ناصر الدين الألباني عليهم سحائب الرحمة والمغفرة المتتابعة إلى يوم الدين ما نصه:

• الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى

السؤال: ما رأيكم في لبس البنطلون بالنسبة للنساء لأنه انتشر في هذه الأزمنة ؟.

الجواب:

"الحمد لله، ننصح أن لا يلبس البنطلون لأنه من لباس الكفرة فينبغي تركه وأن لا تلبس المرأة إلا لباس بنات جنسها، بنات بلدها، ولا تشذ عنه، وتحرص على اللباس الساتر المتوسط الذي ليس فيه ضيق، ولا رقة بل يستر من غير ضيق، ولا يصف البدن، وليس فيه تشبه بالكفار، ولا بالرجال ولا تلبس ملابس الشهرة."[12].

• الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى

السؤال: ما حكم لبس البنطلون بجميع أنواعه؟

الجواب:

"أرى منع لبس المرأة للبنطلون مطلقا وإن لم يكن عندها إلا زوجها، وذلك لأنه تشبه بالرجال، فإن الذين يلبسون البنطلونات هم الرجال، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المتشبهات من النساء بالرجال."[13].

• الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى

قال الشيخ الألبانيّ رحمه الله: لا يجوز للمرأة أن يكون زيّها مشابهًا لزيّ الرجل، فلا يحلّ لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يُعرَف ب- "الجاكيت" و "البنطلون"، وإن كان هذا في الواقع أستَر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية.[14].

تنبيه حول لبس المرأة السراويل لزوجها

ومن المسائل الأخيرة التي لا بد من التنبيه عليها، ما يُذكر من جواز لبس هذه السراويل للأزواج أمام أزواجهن، ولهذا نبه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في نص جوابه أنه من التشبه المنهي عنه حتى ولو كان للزوج، وهذا الباب يتوسع فيه كثير من الأزواج بحجة أن الرائي لا يكون إلا الزوج أو بحجة أن النساء يفتنَّه في الطريق وغير ذلك من الأهاجيز الباطلة التي يسولها الشيطان لهم، حتى تراه في محلات الألبسة الساقطة يختار لامرأته من ألوان ملابس الفاسقات والكافرات، وبهذا ينجرّان سويا إلى معصية الله تعالى وهما في الحلال، وما هذا الفساد الفكري إلا جراء إطلاق عنان النظر وعدم الخوف من الله الرقيب البصير، فيسعى الزوج إلى تطبيق صورة المتبرجة الخلعة في ذات زوجه، فيفسد نفسه ويفسد زوجه فيفسد بيته، والله تعالى أمر الرجال والنساء بغض الأبصار لأنها مهيع الحرام والفواحش قال سبحانه ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30 ] وقال في حق النساء ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31 ]، وكلما أتبع الرجل النظرة تلو النظرة جسَّد صورها في ذات زوجه، حتى يمل ويكل منها، لأن عشاق الصور المتلذذين بها، يبحثون دائما عن الجديد والمزيد، وبهذه العقلية الفاسدة يبدأ الخرم في البيت الأسري وتتمزق حبال الود والمحبة بين الرجل وزوجه فيعدم الحياء، وتظهر المشاكل مع ازدياد الأيام، ولذلك نسمع من الرجال من يدعو امرأته إلى معاشرتها من دبرها، وما هذا إلا جراء معصية النظر وعدم شكر نعمة الله تعالى، وقد نسي قوله تعالى ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222 ] فيقع المحظور وتتفاقم الأمور إلى أن يصل الحد إلى الفراق المذموم، ولو كان الفراق بالمعروف لكان أمرا سهلا، ولكن الفضائح والمخازي تقرع آذان الناس من غير قدرة على ردها والله تعالى يقول ﴿ وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237 ] والله المستعان.

الخاتمة

ولهذا فليتق الله كل زوج في زوجه، وليحرص على تطبيق شريعة الله تعالى في نفسه وأهله وبيته، فإن السعادة الحقيقية في طاعة الله سبحانه وانتهاج هدي نبيه - صلى الله عليه سلم -، ومن عدل عن هذا الصراط السوي نكست فطرته على قدر عدوله عنه، وليتفكر في قوله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1] فبدأ الآية بالتقوى وذكّر بنعمة الرَّحِم والزوج والأولاد وختمها بالتقوى، حتى يجعل الإنسان حياته مع زوجه وأولاده وأرحامه مبنية على تقوى الله تعالى لا على فجور وفسوق.


ولتتق الله كل امرأة في نفسها ولتحافظ على ستر ربها الذي أنزله لها من فوق سبع سماوات، ولا تتشبه بالكافرات ولا بالفاجرات ولتجعل نصب أعينها طاعة الله ومرضاته واتباع هدي نبيها الكريم صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تعالى أن يزيننا بالإيمان كما زيننا بالستر واللباس والحمد لله رب العالمين.


[1] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس وانظر صحيح الجامع رقم [5100].
[2] رواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة وانظر صحيح الجامع رقم [5095].
[3] رواه مسلم [5633] و[7296] وثبت موقوفا من حديث أبي هريرة كما في الموطأ [2652] أنه قال:" نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ."
[4] أخرجه الإمام أحمد [24742] من طريق سلمة بن علقمة التميمي عن ابن سيرين قال: نبئت أن عائشة قالت.. الحديث
وهكذا رواه هشام عن ابن سيرين عن عائشة كما عند أبي داود [368]، ورواه الأشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة كما عند أبي داود [645] والترمذي [600] والنسائي [5366] وفي الكبرى [9808] و[9809]، فخالف الأشعثُ هشامَ بن حسان القردوسي وهو من أثبت الناس في ابن سيرين وسلمة بن علقمة اللذين روياه من غير ذكر عبد الله بن شقيق، قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثت أبي بحديث حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا معاذ بن معاذ قال حدثنا الأشعث يعني بن عبد الملك الحُمراني عن محمد عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصلي في شعرنا= أو لحافنا قال أبي ما سمعت عن أشعث حديثا أنكر من هذا وأنكره أشد الإنكار." العلل ومعرفة الرجال [5982]، وانظر فتح الباري لابن رجب في [2/87]، وصححه العلامة الألباني أنظر صحيح أبي داود [393].
[5] في تعليقه على منتقى الأخبار.
[6] البخاري [295].
[7] راجع على سبيل المثال: [المنع اللمحة في شرح الملحة] لمحمد بن الحسن الصايغ [720ه-] باب ما لا ينصرف، [توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك] لابن أم قاسم المرادي [ا 749 ه-]،[شرح الكافية الشافية لابن مالك] كلها في قول ابن مالك:
ولسراويل بهذا الجمع - شبه اقتضى عموم المنع
[8] وانظر صحيح أبي داود للشيخ الألباني [1603].
[9] قال في النهاية: الثَّوبُ المَهْرُودُ: الذي يُصْبَغ بالوَرْسِ ثم بالزَّعْفَران فيَجيء لَوْنُه مِثْلَ لَوْنِ زَهْرة الحَوذَانَة.. وقيل: الثوبُ الذي يُصْبَغ بالعُروق والعُروقُ يقال لها: الهُرْدُ." [مادة هرد].
[10] مقالة على الشبكة العنكبويتة بعنوان [مصمم الأزياء الفرنسي إيف سان لوران قال "وضعت النساء في السراويل" فقلب المقاييس رأسا على عقب ومات كمدا بالافيون رغم نجاحاته الهائلة] ومن باب الفائدة ليعلم العبد مدى سعة رحمة الله به، أن هذا المصمم الذي طاشت سلعه في الأسواق وانتشرت حتى ما وراء البحار مات نتيجة المخدرات وكان دخله يقدر بأكثر من ثمان مائة مليون دولار في السنة يقول عن نفسه:" [عرفت الخوف والوحدة المريعة والاصدقاء المزيفين المتمثلين بالمهدئات والمخدرات، وسجن الاكتئاب والمراكز الصحية] وهذا مصداقا لقوله تعالى ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125 ].

[11] [ الضياء اللامع من الخطب الجوامع: الخطبة التاسعة في التحذير من بعض ملابس النساء، الطبعة: الأولى، الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، تاريخ النشر: 1408- 1988م.
[12] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله [9 / 43].
[13] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله [12/287].
[14] حجاب المرأة المسلمة 54.


e.jpg
 
أعلى