دراسة محمد نجيم - زهور كرام: أكتب عندما أشعر بالامتلاء

أصدرت الروائية والناقدة المغربية الدكتورة زهور كرام روايتها الجديدة «غيثة تقطف القمر»، والتي تأتي بعد أعمال قصصية وروائية أخرى منها: «جسد ومدينة»، «قلادة قرنفل»، «مولد الروح» وذلك عن دار الأمان في الرباط.

وبمناسبة صدور هذا العمل الروائي الذي سيُحتفى به في معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب خلال الشهر المقبل، التقت «الاتحاد» مع الروائية زهور كرام، التي تحدثت عن نقاط مختلفة حول كتابها الجديد، وقالت عن جدوى روايتها «غيثة تقطف القمر»: «إن كل رواية جديدة هي تجربة مختلفة في تشخيص الحالة التي أكونها لحظة إبداعها، كتابة الرواية هي زمن خارج توقعاتي، لأني لا أقرر كتابة الرواية أو القصة القصيرة أو أي شكل تعبيري إبداعي، عكس علاقتي بالنقد الذي يعد فعلا إراديا ويستجيب لأسئلة أشتغل بها في علاقة دائمة مع النص الأدبي، علاقتي بكتابة الرواية هي علاقة صدق مع الحالة التي أكونها، عندما أشعر بنوع من الامتلاء، وأخضع لنثر ذلك الامتلاء لغة ورمزاً، دون التدخل في شكل تحرير الامتلاء وبنائه حكاية مسرودة، أشعر حينها بنوع من الاسترخاء الوجودي الذي يمدني بإدراك جديد للحياة والعالم والذات» وتضيف: «ولهذا، أعيش زمن كتابة هذا الامتلاء حالة استثنائية في وجودي، تجعلني أحيا معاني كثيرة، وحالات متعددة من الإدراك، بل أكثر من هذا، كل تجربة روائية جديدة هي اقتراب جديد من درجة من درجات الوعي الضمني الذي أملكه والذي يكون زمن الكتابة الإبداعية. وهذا الوعي هو الذي يجعلني جد متحمسة لقراءة القراء والنقاد لروايتي الجديدة «غيثة تقطف القمر»، حتى أدرك بعض مظاهر الوعي الذي كنته لحظة الإبداع، لأنه وعي غير مفكر فيه، وغير معقل.. «غيثة تقطف القمر» تجربة جديدة في تشخيص هذا الامتلاء، إنها حكاية سردية تطرح قضية الفساد بمستويات عديدة».

أبطال الرواية



وعن أبطال روايتها ومساحة حركتهم، تقول: «شخصيات عديدة تبني عالم الحكاية في الرواية، لكن الشخصية المحورية التي تلتقي حول مختلف حكايات الحكاية الكبرى هي «غيثة» الصحفية التي ترفع شعار فضح الفساد، وتقترح في مقالاتها أن تسمي أكبر فاسد بـ «السيدا»، وتتعرض لمضايقات اجتماعية وحقوقية، تتسع حكاية الفساد بدخول حكايات أخرى لشخصيات أخر مثل عمر وليلى وأمل، وكل شخصية تحمل معها أزمتها، تتداخل الحكايات وقضايا الشخصيات، في جو يثير أحياناً السخرية والعجائبية والغرائبية، وأحيانا أخرى يدفع إلى الضحك والبكاء، شخصيات الرواية ذوات موجوعة وتحمل معها جرحاً يطرح أكثر من سؤال».

بين القصة والرواية



أما عن تجربتها بين كتابة القصة القصيرة والرواية، تقول: «الرواية هي بيتي الأول، قبل النقد والقصة القصيرة، حين بدأت التعبير من خلالها مع روايتي الأولى «جسد ومدينة» سنة 1996، ثم روايتي الثانية «قلادة قرنفل» سنة 2004، ثم «غيثة تقطف القمر» 2014، لم أقرر كتابة القصة القصيرة عندما أصدرت مجموعتي القصصية «مولد الروح» سنة 2007، لكن هكذا، وجدتني أكتب نصوصاً منتهية في بنائها، مكتملة في ترتيبها السردي القصصي، أكتبها دفعة واحدة، وأشعر باسترخاء من امتلائها، وعندما وعيتها نقدياً وجدتها قصصاً قصيرة، لهذا، فالكتابة في جنس أدبي بالنسبة لي مسألة غير مفكر فيها مسبقا، إنما وضعية تشخيص امتلاء الحالة التي أكونها هي التي تمنح جنس التعبير وشكله، وهذا يسعدني لأني على الرغم من اشتغالي بالنقد، وامتلاكي خلفية ثقافية نقدية، ذات علاقة ببناء النص ونظامه وترتيب عناصره، إلا أني مع الإبداع أتركني أعيش الحالة شكلا غير مفكر فيه، لهذا، فإحساسي بإصدار رواية أو مجموعة قصصية يختلف عن إصدار كتاب نقدي، وهذا الأخير أكون مدركة لنظامه ومفاهيمه ولدي وعي بالأسئلة التي أود طرحها من خلاله، أي أكون واعية بأسئلتي التي أقترحها من أجل التفاعل معها وبها، أما مع الإبداع فإني لا أدرك من الأمر شيئاً، ولهذا أنتظر أن تصوغ القراء/القراءات الأسئلة، وتنتج لي وعيا محتملا بذاتي ووعيي وأفقي، المسألة جد مختلفة، لهذا، فأنا بين الإبداع والنقد أعيش تجارب مختلفة تجعلني أتجدد في المعنى والحياة والمعرفة».

ومن رواية «غيثة تقطف القمر» نقرأ:

الغمّة غمّت العباد.. وتطاير الغبار وحين نزل أرضا حمل معه مخدرا أتى على الأخضر واليابس، على الأطفال والحوامل، حتى شْعَيْبَة اندهش من جينة المخدر وهو العالم العارف بفنونه وأشكاله، غمّة لا يعلم العباد من أين حلّت، اعتقد البعض أنها عاصفة وتمر. قال عمر لغيثة بعدما بدأ يتقيأ دما كلما عاد من البرلمان: «إنها المحنة العظمى»، قالت له غيثة: «المحنة هي التي تعيشها، لابد أن آخذك عند الطبيب»، قال عمر لغيثة: «قد يحتل معطل مكاني»، قالت غيثة لعمر بعدما وجدته يتقيأ دماً خاثراً داكناً: «أنت ما تبقى لي.. لن أدعك تخسر صحتك»، ابتسم ومد يده إلى وجهها: «أنت أيضاً صرت نحيفة، وجهك أكله الانتظار، من تنتظرين يا غيثة، أن يتغير الوضع، أن يعدموا السيد السِّيدا؟، أن يتوجوك وسام المجد الأعظم؟، أن يمنحوني منصباً من دون ضربة شمس أمام البرلمان؟ ماذا تنتظرين؟ أنا من الأربعين قريب والشيب شيّب الروح قبل الشّعر، ماذا أنتظر؟ ماذا ننتظر نحن الذين نصطف كل صباح أمام البرلمان، نصرخ والداخل إليه ينعم بحصانة الصم والبكم؟”.
 
أعلى