قصة ايروتيكية أيهم محمود - عطر التراب

أيهم محمود
عطر التراب



أذكر أني طلبت منك أن تتعري، لم تكن هناك مقدمات لهذا الطلب الغريب، أو حتى نظرات تشي بالرغبة أو الإعجاب، كل ما أردته أن يؤثر عرينا على حوارنا الذي نجريه، أردته أن يكون صادماً في واقعيته، أدركت بحدس فطري أن العري سيمنع أفكارنا من تجميل نفسها و تحوير مساراتها إلى الطرق الآمنة و الغامضة، انتظرت دقائق عصيبة مراقباً وجهك الغارق في مسافة بين الغضب و التفكير العميق، كنت تحدقين في عيني بقسوة بالغة لدرجة أن عالمي الصغير و البسيط على العكس مما تظنين بدأ يتقشر و يتحضر للانهيار، سمعت صوت نبضي و كأنه قلب معلق في الفراغ، الصوت الرتيب لإيقاع الحياة، و أنت هذا الصمت الذي قد يعقبه نسائم تستلقي على السهول أو ربما بركان، بعيون معلقة على مدى غير منظور رحت تفكين أزرار قميصك، طرحته جانباً، وجهك الشارد في عالم آخر غير مألوف ما زال يثير قلقي، لا يوجد فيه أي تعابير، رغبة أو خوف أو تحدي، لاشيء على الإطلاق، أكملتِ ما بدأتِ و عندما انتهيت كنت أنا عارياً أيضاً و لا أذكر كيف فعلتُ ذلك، ابتسمتِ بسخرية مازالت محفورة بالنار في ذاكرتي، و أكملتِ حديثك و كان شيئاً لم يكن، شعرتُ بنبرة قاسية في كلماتكِ، كنتِ تدريجياً تميلين نحو بوح عنيف و مدمر، تحدثنا مطولاً عن رؤيتنا للحياة، أحلامكِ، مستقبلكِ كما تريه، عيناك أصبحتا أكثر حدة في استفساراتهما، و في تأمل تفاصيل جسدي، كنت عارياً بالفعل على المستوى النفسي و كان جسدكِ هجوماً لم أعتده من قبل، لم تكوني جميلة، و لم تكوني المثال الذي تخيلته دوماً عن الأنثى، لكن كنتِ لي كما تراب الأرض حالة متجذرة في النفس لا تُسبر أغوارها.

لون بشرتك المائل لسمرة غير منتظمة و غير محببة أيضاً أثار فضولي لأكتشف نفسي، و لأكتشف سر اهتمامي بحفظ الألوان التي تتوزع على جسدك، كثير من الزوائد، يبدو أن الحمل قد أنهك عضلات البطن، لكن ليس هو الملام الوحيد، يوجد عدم انتظام و تناسق بين التفاصيل المختلفة، أتعلمين؟: تشبهين صخرة تعاونت الرياح و المياه على تعريتها، لا أحد يُقدّر تعبها و صمودها و تاريخها، نتركها عادة في مكانها، لكن عندما يُلحّ علينا عطشنا الإنساني للحقيقة، نخرج من بيوتنا في رحلة إلى الطبيعة لنتصور قربها، لنتغنى بجمال تناسقها مع التراب، كنتِ أنت الصخرة، و كنتُ أنا امتداد التراب تحتك و حولك، و ددتُ لو اقتربُ منكِ متنبئاً برائحة جسدك، لكن عيناك و أمر النهي كان حاسماً فبقيت في مكاني أتابع اجترار التفاصيل و خزْنها في الذاكرة، شعرت برغبة أن أهجر البيوت لأعيش بدائياً هائماً في الطبيعة، كان مجرد خيال، و كانت معاناتي على وشك أن تبدأ.

أطرقتِ برأسك أرضاً و تقدّم جذعك إلى الأمام قليلاً فتحرر النهد بفعل ثقالته، كان بائساً في نمطيته، نظرتِ أنتِ إليه، لم أستطيع تبيّن ملامح وجهك بدقة فقد كان شعرك يحجبه عني، لكن خُيّل لي رؤية ابتسامة ساخرة لكنها حزينة، لم أفهم صوتك القادم من رهبة الخوف و هو يلوّن كلمات لم أفهمها بداية، لكن فيما بعد عرفت أنك تتحدثين عن رؤاك الجسدية، عن أحلام الرغبة التي تجتاحك أحياناً، لا أعلم لماذا قررتِ مشاركتي بهذا البوح، كان هذا هو التعرّي الحقيقي، ازداد بؤس منظر الجسد العاري، جسدي و جسدك، عنوان الضعف الإنساني، حتى العصافير تملك حماية و لو بسيطة، ريش يحميها من المطر و البرد و من القبح، لكن الإنسان حين يقترفُ فعل الحقيقة يكتشف مدى هشاشته في مواجهة العالم، أنا و أنتِ اقترفنا جريمة المعرفة،جريمة البوح عن ما لا يقال عادة و يُدفن مع الإنسان، يحدث هذا كل ألف عام ربما، حدّثتني عن الرغبة المستعرة داخلك، عن الصور التي ترينها عندما تجتاحكِ النار، كنتِ حديقة من أشجار التفاح، و كنتُ أنا السقوط يليه سقوط أكبر، مع كل كلمة تخرج من فمكِ عرفتُ أنه لا سبيل للعودة إلى الجنّة التي كنتُ فيها، جنّة الجهل بما أنت فيه، و الجهل بما أنت عليه، تابعتِ رواية التفاصيل و تابعتُ مجاهدة نفسي، أيها الإله لا تفضح ضعفي، حاولت أن أفكر في أشياء مقززة، مخيفة، حاولت أن أتذكر أسوأ المواقف في حياتي، عبثاً حاولت، و بدأت ملامح التهيج تبدو على جسدي، بدأ انتصاب خجول ما لبث أن تحول حالة لم أعرفها من قبل، جسدي له حرارة الجمر و أنا في حالة انهيار كامل لفشلي في كبح كل هذه المظاهر، كنتِ تعرفين أنه لا يمكن أن أبادر بفعل عنف، لا يمكن أن أغتصب أنثى، و كنت أنتِ صادقة في رواية أفكارك و أحلامك، و صادقة أيضاً في تعابير وجهك التي لم تعطني أيّة فرصة لأجد إشارة دعوة أو قبول إلى جنون الجسد.

ترابكِ أصبح ساحراً، ألوانكِ، أجزم و دون دليل أن أجزائك الندية بلغت أقصى ما يمكن بلوغه، لم تتوقفي و تابعت السرد، ساعتان و لم تنتهِ حكايتك، و لم ينتهِ سقوطي، ولم يختفِ ألمي، أعتقد أني لن أرى جنة الجهل هذه مرة أخرى، وددت لو أتصور إلى جانبك كسائح، أو كغارق يتنفس الهواء في غابة قبل أن يعود إلى اختناقه، لكن من ذا الذي يجرؤ على تعليق جرحه صورةً على الجدار أمامه، آه يا نعمة النسيان، لكن حتى هذه النعمة وهم نرجوه دون أن نَصِلَه، ينفجر الجرح في الأوقات التي لا نعرفها، و النزف بوصلة الدمار، لا تبوحي أكثر، اصمتي، رددتها في نفسي آلاف المرات و لم تطاوعني نفسي على إسكات نبع الجمال الذي يتدفق من فمك، آه لو أستطيع احتضانك لتصمتي، لو استطيع اغتصابك، حتى هذا الفعل اغتصاب لكرامتي و لمكانتي، لصورتي عن نفسي، لصورتي أمامك، أسأل: هل تراهنين على هذا الأمر لتتأكدي من دماري؟.

كنتِ آية في الجمال، بزوائدك، باعتياد جسدك، بالشعر المنهك المرمي أمام وجهك، بغيابك الطويل في عالم لا أعرفه لكن أحس به،….. فجأة ….. صمتتْ، ارتدتْ ملابسها منهكة، صافحتْ يدي، و صافحتْ أيضاً الرجل داخلي و بكل بساطة خرجتْ من الباب و رحلتْ، لم أعد أذكر متى حدث هذا الأمر، أهو قبل ساعات أم أعوام، بعض الأصدقاء يقولون أن هذه الواقعة حدثت بالضبط قبل 5436 عاماً، لأكن صريحاً : لم أعد أذكر، رغم محاولتي المستمرة لتأريخ هذا الحدث و تفاصيله الأخرى التي أحجمت عن سردها في هذا النص، لم أعد أعرف بعدها غير الحزن و الحنين إلى الجنة التي فقدتها، كنتُ أتعمد البقاء بين الجدران و أبتعد عن الغابات و خاصة في موسم المطر، ربما لأني جزمتُ أن رائحة جسدكِ التي عبقت بصدري بعد فعل الجنس ستكون مشابهة لها، من يدري ربما هي كذلك ربما لا، و حتى التقي بك عندما أذهب في رحلة للعالم السفلي لانتزاعك من قبضة إله الموت سيكون لضياع روحي جولات و جولات، بعض المغرضين حولي يقولون أن عشتار هي التي تذهب لإنقاذ تموز، أبتسم ساخراً : إذن الآن دوري، و أخفي غصة الروح عن هؤلاء البلهاء.

.
 
أعلى