ابراهيم الحَيْسن - أيقونوغرافيا العُري عن الجسد ونوافذ الغواية في الفن التشكيلي

شكَّلت سنة 1863 منعطفاً رئيسياً في تاريخ رسم ونحت الأجساد العارية، حيث سيتمرَّد الفنان الانطباعي إدوارد مانيه E. Manet على هذه الأعراف عندما رسم لوحته الشهيرة “أولمبيا” Olympia التي فتحت المجال واسعاً لظهور أعمال وقطع فنية أخرى كثيرة مستوحاة من التقاليد الإغريقية ذات العلاقة بالعُري الأيقوني، ومنها لوحة “المستحمات” لبول سيزان P. Cézanne، وأجساد غوستاف كليمتG. Klimt المطروزة بالتوشيات والزخارف الدقيقة التي جعلت من لوحاته مشاهد إيروتيكية (جنسية) وصوَّراً مفعمة بالزينة المزركشة، كما في لوحات “القبلة”، “الحقيقة العارية”..إلخ. وأيضاً فتيات إيف كلاين Y. Klein الملطّخات بالطلاء الأزرق، ثم الفنان النمساوي إيغون شييل Egon Shiele (1890-1918) الذي يُبدع لوحات ملأى بالمشاهد الجنسية: رجال عُراة بجانب نساء عاريات يختلفن في البنية الجسمانية عن نساء فرناندو بوتيرو F. Botero المكتنزات وذات الهيئات البالونية الموسومة بنوع من النرجيسية الطفولية، فضلاً عن الأعمال الفوتوغرافية العديدة لفنان الدادائية مان راي Man Ray التي تثير التقزّز والاشمئزاز، بخلاف فوتوغرافيات الفنانة الإيرانية المعاصرة شادي غديريان التي تُبرز نساء عاريات قابعات خلف الحجب..

مع الإشارة كذلك إلى أعمال الفنان الفوتوغرافي الياباني نابويوشي أراكي Nabuyoshi Araki التي تجسِّد مشاهد غير معتادة، حيث يلجأ إلى قلب الأعضاء المصوَّرة داخل السند بشكل مثير للانتباه، وعلى الخصوص الأعضاء الحساسة في جسد المرأة، كالفتحة والنهدين وغير ذلك من الأعضاء التي يقدِّمها متشظية..ممزَّقة كثيراً ما أثارت حفيظة السلطة وأجهزة المراقبة ببلاده، وأيضاً أعمال الفنانة النمساوية فالي إكسبور Valie Export التي يمتزج فيها الجنس بالعنف.

لقد مَجَّدَ الرسم والنحت منذ القديم الأشكال الجسدية، وأمسى الجسد العاري مظهراً شهوانياً يُعَبِّر عن انخراط العديد من الفنانين ضمن العُريية Nudisme كنزعةٍ فنية قديمة/ جديدة تعود أصولها الأكاديمية الأولى إلى المراسم والمحترفات الغربية التي كانت تولي اهتماماً بالغاً للموديل العاري الذي يعود إلى عصر النهضة الأروبية، وفي إيطاليا بالتحديد، حيث شاع هذا النوع من الرسم..

في التجربة الفنية العربية الإسلامية، ظل التعاطي لرسم ونحت الجسد العاري خجولاً ومحتشماً واصطدم مع معضلة “الإنكار الديني” للتصوير والتجسيد التي تفاقمت في ظلّ سلطة فقهية منغلقة عَدَّت الفن التشبيهي اختراقاً للمؤسسة الدينية والأخلاقية. وقد ازداد هذا العداء الشديد للصورة في الفن العربي الإسلامي وتضاعف مع ظهور إيديولوجيا معادية لمستشرقينOrientalistes ربطوا طروحاتهم بتأويلات خاطئة لنصوص دينية ناقصة تَعتبر المصوّر شيطاناً تجب معاقبته يوم الآخرة!!



* مقتطف من دراسة سنصدرها قريبا، مدعمة بصور إيضاحية، قدَّم لها الباحث الجمالي ذ. موليم العروسي.

http://grandcarrefour.com/wp-content/uploads/2013/08/phtt.jpg
 
أعلى