بهاء الدين الإربلي - التذكرة الفخرية

قال محمد بن سلمة الضبي: صدرت من الحج فيممت منهلاً من المناهل فرأيت في البادية بيتاً منفرداً من البيوت فقصدته وكلمت من فيه فخرجت إلي جارية متبرقعة، فقلت: يا بنية هل لك في أن تأويني من هذا الحر، فقالت: نعم وأذنت لي حر هذا اليوم الدخول، فبينما هي تحدثني وأحدثها إذ سقط البرقع عن وجهها فرأيت وجهاً لم أر أحسن منه فجعلت أكرر النظر متعجباً فلم يكن أسرع من أن خرج علينا عجوز من خباء ملاصق لذلك الخباء، فقالت: ما جلوسك عند هذا الغزال النجدي الذي لا تأمن من خياله ولا ترجو نواله، فقالت الجارية: يا جدة دعيه يتعلل، كما قال ذو الرمة:
ولو لم يكنْ إلاّ تعلل ساعةٍ
فأقمت باقي يومي وانصرفت وفي قلبي من حبها كجمر الغضا.
قال العتبيُّ: خرجت حاجّاً فلما صرت بقباء تداعى الوفد الصقيل وإذا جارية كأن وجهها السيف الصقيل فلما أرميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها، فقلت لها: إنا سفرٌ وفينا أجرٌ فأمتعينا بالنظر إلى وجهك فانصاعت وأنا أغرف الضحك في وجهها وأنشدت:
وكنتَ متى أرسلتَ طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ
رأيتَ الذي لا كله أنتَ قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ
توبة بن الحمير، صاحب ليلى الأخيلية:
ولو أنَّ ليلى الأخيليةَ سلمتْ ... عليَّ ودوني جندلٌ وصفائحُ
لسلمتُ تسليمَ البشاشةِ أوزقا ... إليها صدىً من جانبِ القبرِ صائحُ
وأُغبطُ من ليلى بما لا أنالهُ ... ألا كلُّ ما قرت به العينُ صالحُ
آخر:
ديار تنسمتُ المنى نحو أرضها ... وطاوعني فيها الهوى والحبائبُ
ليالي لا الهجران محتكم بها ... عليَّ وضل من أهوى ولا الظنُ كاذب
محمد بن يزيد الأموي:
لا وحبيك لا أصا ... لح بالدمع مدمعا
من بلى حبه استرا ... ح وإنْ كانَ موجعا
أبو حية النميري:
كفى حزناً أني أرى الماء معرضاً ... لعيني ولكنْ لا سبيلَ إلى الوِردِ
وما كنتُ أخشى أنْ تكونَ منيتي ... بكفِّ أعزِّ الناسِ كلهم عندي
السيد الرضي:
يا سرحةً بالحزن لم ... يبللْ بغيرِ دمي ثراها
ممنوعةً لا ظلُّها ... يدنو إليّ ولا جناها
مروان بن أبي حفصة:
طرقتكَ زائرةً فحيّ خيالها ... بيضاءُ تخلطُ بالحياءِ دلالها
يقول فيها:
مالتْ بقلبكَ فاستقادَ ومثلها ... قادَ القلوبَ إلى الصبا فأمالها
وكأنما طرقتْ بنفحةِ روضةٍ ... سحّتْ بها ديمُ الربيع ظلالها
باتتْ تسائلُ في الظلامِ معرِّساً ... بالبيدِ أشعثَ لا يملُّ سؤالها
لم يأت في صفة الطيف بغريب، والناس فيه عيال على قيس بن الخطيم في قوله:
أنَّى سربتِ وكنتِ غيرَ سروبِ ... وتقربُ الأحلامُ غيرَ قريبِ
ما تمنعي يقظي فقد تؤتينهُ ... في النومِ غيرَ مصردٍ محسوبِ
كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوتُ من لهوِ امرئٍ مكذوبِ
وقد أحسن جرير في قوله:
أتنسى إذ تودِّعنا سليمى ... بفرعِ بشامةٍ سقيِ البشامُ
بنفسي مَنْ تجنُّبهُ عزيزٌ ... عليّ ومن زيارتهُ لمامُ
ومنْ أمسي وأصبح لا أراهُ ... ويطرقني إذا هجعَ النيامُ
البشام: شجر طيب الريح يستاك به، ويروى:
أتذكرُ يومَ تصقلُ عارضيها ... بفرعِ بشامةٍ سقيُ البشامُ
قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: قولهم: امرأةٌ نقية العارض، أي نقية عرض الفم، وأنشد البيت، يعني به الأسنان وما بعد الثنايا، والثنايا ليست من العارض.
وقال ابن السكيت: العارض: الناب والضرس الذي يليه، واحتج بقول ابن مقبل:
هزئتْ ميةُ أنْ ضاحكتها ... فرأتْ عارضَ عودٍ قد ثرمْ
قال: والثرم لا يكون إلاّ في الثنايا.
وأبيات جرير وإن خلت من معنىً في الطيف مبتكر فهي حلوة الألفاظ سهلة.
ولأبي عبادة البحتري في وصف الخيال الفضل على كل متقدم ومتأخر، فإنه تغلغل في أوصافه وتنوَّق في ذكره، وكان لهجاً بتكرار القول فيه، وإن كان لأبي تمام مواضع لا يجهل فضلها ولا ينكر حقها، وسأورد من شعرهما فيه، ومن أشعار غيرهما، ما يناسب الغرض في هذا المختصر الذي جمع بمزاحمة الأوقات.
قال أبو تمام:
زار الخيال لها لا بل أزاركهُ ... فكرٌ إذا نامَ فكرُ الخلقِ لم ينمِ
ظبيٌ تقنصتهُ لما نصبتُ له ... في آخر الليلِ أشراكاً من الحلمِ
وقوله:
عادكَ الزورُ ليلةَ الرملِ من ... رملةَ بينَ الحمى وبينَ المطالِ
نمْ فما زاركَ الخيالُ ولكن ... ك بالفكرِ زرتَ طيفَ الخيالِ
وقال:
الليالي أحفى بقلبي إذا ما ... جرحتهُ النوى من الأيامِ
يا لها ليلة تنزهت الأرْ ... واحُ فيها سراً من الأجسامِ
مجلسٌ لم يكنْ لنا فيه عيبٌ ... غيرَ أنّا في دعوةِ الأحلامِ
البيت الأول أخذه المتنبي، فقال:
وكم لظلام الليل عندك من يدٍ ... تخبِّرُ أنَّ المانويّةَ تكذبُ
ضده لابن منير الطرابلسي:
ما مانَ مانيّ لولا ليل عارضهِ ... ما شدَّ حبل المنايا بالأمانيّ
قال البحتري:
وإني وإنْ ضنَّتْ عليَّ بودِّها ... لارتاح منها للخيال المؤرقِ
يعزُّ على الواشينَ لو يعلمونها ... ليالٍ لنا نزدارُ فيها ونلتقي
فكم غلةٍ للشوقِ أطفأتُ حرَّها ... بطيفٍ متى يطرقْ دجى الليل يطرقِ
أضمُّ عليهِ جفنَ عيني تعلقاً ... به عندَ إجلاءِ النعاسِ المرنّقِ
وقال:
بلى وخيالٌ من أثيلةَ كلما ... تأوَّهتُ من وجدٍ تعرَّضَ يطمعُ
إذا زورةٌ منه تقضتْ مع الكرى ... تنبَّهتُ من وجدٍ له أتفزَّعُ
ترى مقلتي مالا ترى في لقائهِ ... وتسمعُ أذني رجعَ ما ليسَ تسمعُ
ويكفيك من حقٍّ تخيُّلُ باطلٍ ... تردُّ بهِ النفسُ اللهيفَ فترجعُ
وقال:
إذا ما الكرى أهدى إليَّ خيالهُ ... شفى قربه التبريحَ أو نقعَ الصدا
إذا انتزعتهُ من يديَّ انتباهةٌ ... عددتُ حبيباً راحَ مني أو غدا
ولم أرَ مثلينا ولا مثلَ شأننا ... نعذَّبُ أيقاظاً وننعمُ هجّدا
وقال:
وليلةَ هوَّمنا مع العيسِ أرسلتْ ... بطيفِ خيالٍ يشبهُ الحقَّ باطله
فلولا بياضُ الصبحِ طالَ تشبُّثي ... بعطفيْ غزالٍ بتُّ وهناً أغازله
وقال:
أمنكَ تأوُّبُ الطيفِ الطروبِ ... حبيبٌ جاءَ يهدى من حبيبِ
تخطى رقبةَ الواشينَ كرهاً ... وبعدَ مسافةِ الخرقِ المجوبُ
يكاذبني وأصدقهُ وداداً ... ومن كلفٍ مصادقةُ الكذوبِ
أعرابي:
وخبرها الواشون أنَّ خيالها ... إذا نمتُ يغشى مضجعي ووسادي
فخفرها فرطُ الحياءِ فأرسلتْ ... تعاتبني غضبي لطولِ رقادي
وقال مهيار بن مرزويه:
في الظباء الماضين أمس غزالُ ... قالَ عنه مالا يقولُ الخيالُ
لم يزل يخدع البصيرةَ حتى ... سرّني ما يقولُ وهو محالُ
لا عدمتُ الأحلام كم نوَّلتني ... من عزيزٍ صعبٍ عليه النوالُ
هذه الأشعار قد اختلفت فيها مذاهب القوم وأكثرها يدل على شدة الحرص على النوم، لأن منهم من جعل النوم ذريعة إلى الخيال الزائر، ومنهم من أنكر زيارته لأنه أبداً ساهر، أما قول البحتري:
إذا انتزعته من يدي انتباهة
وقوله:
أراني لا أنفك في كل ليلة
فإنه يدل على نوم شديد واستغراق ما عليه مزيد إذ لا يزال الخيال في يديه فلا ينزعه إلاّ انتباهة وقد ادعى نباهةً في الوجد وأين فيه من النائم نباهةٌ. وأكثر نوماً منه القائل:
وما ليلة في الدهر إلاّ يزورني ... خيالك إلاّ ليلة لا أنامها
فهذا شعر من غلبة النعاس فنام، وجعل الطيف حجة وذريعة إلى هذا المرام، وقد أحسن مهيار في قوله ما شاء:
وابعثوا أشباحكمْ لي في الكرى ... إنْ أذنتم لجفوني أنْ تناما
والبديع الحسن في هذا قول ابن التعاويذي:
قالت أتقنعُ أنْ أزوركَ في الكرى ... فتبيتَ في حلمِ المنامِ ضجيعي
وأبيك ما سمحتْ بطيفِ خيالها ... إلاّ وقد ملكتْ عليَّ هجوعي
فهذا غايةٌ ما فوقها غاية، وله أن يحمل على الشعراء في هذا ألف راية.
شمس الدين الكوفي الواعظ:
قل لمن نال حظهُ من رقاد ... جاعلاً حجةً لطيف الخيالِ
لو تيقظت جئت نحوك لك ... ني أرسلتُ حينَ نمت مثالي
لو صدقتَ الهوى صدقتُ ولكن ... ما جزاء المحال غير المحالِ
المجد بن الظهير الإربلي وأجاد:
أأحبابنا إنْ فرَّقَ الله بيننا ... وحازكم من بعد قربكم البعادُ
فلا تبعثوا طيف الخيال مسلماً ... فما لجفوني بالذي بعدكم عهدُ
وقد قيل: إن الحَيْصَ بَيْصَ دخل على أبي المظفر يحيى بن هبيرة الوزير وهو ينشد:
زارَ الخيالُ نجيلاً مثلَ مرسلهِ ... فما شفانيَ منه الضمُّ والقبلُ
ما زارني قطُّ إلاّ كي يواقفني ... على الرقاد فينفيه ويرتحلُ
والوزير يقول: هذا والله تام وفوق التام لا بل التام جزء منه، فقال الحيص بيص: يا مولانا له تمام، فقال: انظر ما تقول، قال: نعم بشرط أن يعيده الوزير، فأعاده، فقال:
وما درى أنَّ نومي حيلةٌ نصبت ... لصيده حينَ أعيا اليقظةَ الحيلُ
فأجازه وأحسن صلته: وقد ظرف القائل في قصد ما قاله الجماعة:
أتظن أنكَ عاشقٌ ... وتبيتُ طولَ الليلِ حالمْ
الطيفُ أعشقُ منكَ إذْ ... يسري إليكَ وأنتَ نائمْ
أذكر من غزل أهل العصر فمنهم: الشيخ ظهير الدين الحنفي الإربلي الفقيه النحوي المجيد الشاعر المبرز، ضرب في قالب الإحسان فبذ الأقران، وجرى في حلبة البيان فأحرز قصب الرهان، هاجر من وطنه إلى الشام وآثر بها المقام، وشنف أسماع أهلها بما هو أحسن من الدر في النظام، وروض معالمها بما هو أزهى من حوك الغمام، من شعراء العصر يتغلب في ظني أنه، عند جمع هذا المجموع، حي يرزق، وأنشدني بعض الأصحاب من شعره في الطيف وهو حسن:
لله طيفك ما أشدَّ حفاظه ... يوفي بعهد أخي الحفاظِ وينكثُ
ليلي بزورته كخطفةِ بارقٍ ... يا ليتَ ليلي حينَ يطرقُ يمكثُ
لي كلما وافى على كبدي يدٌ ... ويدٌ بأذيالِ الدجى تتشبثُ
وقال:
هو الوجد لولا ما تجنُّ الجوانحُ ... لما روت السفحَ الدموع السوافحُ
ولولا الهوى العذري لم تذك لوعتي ... وقد عنّ برقٌ بالأبيرقٍ لائحُ
أأحبابنا كيف اللقاء وبيننا ... نوىً لم تخدْ فيه الركاب الطلائحُ
ومنها:
وأسمرُ سمرُ الخط والبيض دونه ... وحمر المنايا رعفٌ ورواشحُ
من الهيف لو لم تعطف الريح عطفه ... لما كنت فيه للنسيم أطارحُ
وقال:
وما ألذّ إلى سمعي وأطربه ... عذل إذا شابهُ اللاحي بذكركم
يسودّ مبيضّ أيامي لغيبتكم ... وتنجلي بكم عن ليليَ الظلمُ
وأستلذُّ بذلي في محبتكم ... يا من بهم يعذبُ التعذيبُ والألمُ
سُقمي شفاءٌ إذا عدتم فديتكم ... وصحتي في بعادي عنكم سقمُ
إن صوح النبت من صدري وزفرته ... فمن دماء جفوني أورقَ السلمُ
صلى إلى حبكم قلبي وطاف به ... فأنتم كعبة المشتاق والحرمُ
البيت الأول من قول أبي الشيص:
أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةَ
وقد تقدم. ومثله:
أحبّ العذول لتكراره ... حديثَ الحبيبِ على مسمعي
ومثله:
ويلذُّ لي عذلُ العذولِ لأنهُ ... أبداً يكرر ذكركم في مسمعي
وهذا كثير جداً. والبيت الثاني مأخوذ من ابن زيدون المغربي في قوله:
حالت لبعدكم أيامنا فغدتْ ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
وقال ابن الساعاتي:
كانت لياليهم شهبَ الحلي فغدت ... أيامهم وهي دهم عندما دهموا
وأبيات ابن زيدون حسنة، ومنها:
بنتم وبنا فما ابتلتْ جوانحُنا ... شوقاً إليكم ولا جفتْ مآقينا
تكادُ حينَ تناجيكم ضمائرُنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إنَّ الزمانَ الذي ما زالَ يُضحكنا ... أُنساً بقربكم قد عادَ يبكينا
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيرنا ... إذْ طالما غيَّر النأيُ المحبِّينا
واللهِ ما طلبتْ أرواحنا بدلاً ... منكم ولا انصرفتْ عنكم أمانينا
وهي طويلة.
وقال مجد الدين بن الظهير المذكور، وكان يهوى صبياً ذمياً فحُبس، فكتب إلى نواب إربل، وأنشد منها مسعود المذكور وكتبتها ها هنا لأنها بالغزل أشبه:
يا أمناء الملك قلبي إلى ... لقياكم مأسورُ أشواقهْ
ما فيكم إلاّ امرؤ فاضلٌ ... يزهو على الروضِ بأخلاقهْ
مسعودنا الذميّ في حبسكم ... وصبره واهٌ كميثاقهْ
أطلقتم الأدمعَ في حبسهِ ... فقيدوا الشكرَ بإطلاقهْ
ومن شعره:
إذا حانَ من شمسِ النهارِ غروبُ ... تذكرَ مشتاقٌ وحنَّ غريبُ
يحنُّ إليكم والخطوبُ تنوشهُ ... ويشتاقكم والنائباتُ تنوبُ
له أنةٌ لا يملك الحلم ردَّها ... متى هبَّ من ذاكَ الجناب جنوبُ
وقال أيضاً:
لو وجدنا إلى اللقاء سبيلا ... لشفينا بالقرب منكم غليلا
وسعينا على الجفون سراعاً ... ورأيناه في هواكم قليلا
قد سألنا القبول حمل التحيا ... ت فيا ليتها أصابت قبولا
وقال أيضاً:
إنْ عدتني عنكم عوادي الزمان ... فالهوى جاذب إليكم عناني
أو تناءت دياركم بعد قرب ... فالغرام الذي عهدتم مداني
لم يحل فيكم عن الفكر والذكر ... ر على النأي خاطري ولساني
أنا مستعذب عذابي ومختا ... ر على العزّ في هواكم هواني
وقال أيضاً:
إنْ لم أفز بلقائك المأمول ... فإليك معتلُّ النسيم رسولي
طارحتهُ وجدي عليكَ فرقَّ لي ... من حرِّ نارِ تلهفي وغليلي
وسألتهُ إبلاغَ ما في النفسِ من ... حملٍ لأخبارِ الهوى وفصولِ
وطمعتُ في رجعِ السلامِ فهل ترى ... يحظى لديه قبولهُ بقبولِ
وعقود دمعٍ كالعقيقِ حللتها ... لفراقِ حيٍّ بالعقيقِ حلولِ
أُفدي العقيقَ وساكنيه وإنْ همُ ... غدروا ولم يوفوا بعهدِ نزيلِ
وبأيمن العلمين ربُّ ملاحةٍ ... سدتْ على السلوانٌ كلَّ سبيلِ
فتانُ طرفٍ لم يدع قلباً بلا ... وجدٍ ولا جسماً بغير نحولِ
نشوان لي منه إذا نادمته ... سكران سكر شمائلٍ وشمولِ
وقال أيضاً:
غشُّ المفندِ كامنٌ في نصحه ... فأطلْ وقوفك بالغويرِ وسفحهِ
واخلع عذارك في محلٍّ ريهُ ... برذاذِ دمعِ العاشقين وسحهِ
يقول فيها:
وبيَ الذي يغنيه فاتنُ لحظهِ ... عن سيفهِ وقوامهُ عن رمحهِ
ظبيٌ يؤنس بالغرام نفاره ... ويجدّ في نهبِ القلوبِ بمزحهِ
أستعذبُ التعذيبَ في كلفي به ... والحبُّ لذةُ طعمهِ في برحهِ
البرح الشدة، وتباريح الشوق: توهجه.
يا شاهراً من جفنه عضباً غدا ... ماءُ المنيةِ بادياً في صفحهِ
ومعربداً في صحوه ومباعداً ... في قربه ومحارباً في صلحهِ
ومنها:
وسعى إليك بي العذول وإنني ... لا خيب إنْ ظفرَ العذولُ بنجحهِ
طرفي وقلبي ذا يسيل دماً وذا ... دون الورى أنتَ العليمُ بقرحهِ
فهما بحبك شاهدان وإنما ... تعديل كل منهما في جرحهِ
والقلبُ منزلكَ القديم فإنْ تجدْ ... فيه سواكَ من الأنامِ فنحهِ
وقال من أبيات:
طال انتظاري لمهديّ الخيال فوا ... فاني وما برحَ المهديّ منتظرا
فما تمتعت منه باللقاء ولا ... ملأتُ عينيَ إجلالاً له نظرا
أضحى غريميَ عذريَّ الغرام بمن ... لو العذولُ رآه جاءَ معتذرا
لاموا على الأسمرِ الممشوقِ واتخذوا ... حديثَ وجدي عليه بينهم سمرا
قوله: ما برح المهديّ منتظرا، حسنٌ مثل السحر. وقد استعمله محيي الدين يوسف بن زيلاق، رحمه الله، في موشحة قالها على طريقة المغاربة فأجاد وأكثر، وهو:
لا تخالف يا منيتي أمري ... وادع لي بالرحيقْ
ما ترى رفقتي من السكر ... ليس فيهم مفيقْ
نحن قوم من شيعة الخمر ... ونحب العتيقْ
قد رفضنا عنا أذى الحزنِ ... بسماع الوترْ
وحمانا عن ناصبِ الهمِّ ... وعدكَ المنتظرْ
فهذا غاية في معناه.
وقال ابن الحنفي:
ومهفهف مذ عاينته مقلتي ... لم يلفَ قلبي في هواه معرجا
منح الأراكة والغزالة والطلى ... ليناً وإشراقاً وطرفاً أدعجا
أحوى أباح الكأس منه مقبلاً ... عذباً وكنت إليه منه أحوجا
فأعادها سكرى بخمرة ريقه ... وأعارها من وجنتيه تأججا
وكأنما كأس المدام بكفه ... شمس النهار يقلها بدرُ الدجى
الشيخ العالم شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد بن موهوب ابن غنيمة بن غالب المستوفي الإربلي اللغوي النحوي المحدث الكاتب المؤرخ الثقة فارس الآداب المجلي في ميدانها القائل: أنا ابنُ جلا فمنْ صدَّ عن نيرانها، صاحب الرواية العالية ورب الفضائل المتوالية فاق الأوائل والأواخر بأخلاق أحسن من الروض الناضر، داره مجمع الآداب والفضائل وربعه بوفود العفاة عامر آهل، كان له ملك له حاصل صالح يخرجه على عفاته ويصرفه في صلاته، متواضع للأدباء، حدب على الغرباء، وزر لمظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب إربل، رحمه الله، ولم يأخذ منه معيشة وكان عنده في الديوان شراسة خلق، ويلقى الناس في داره بوجه سهل طلق، فعمل فيه موالياً:
ما أحسنك في البيت ... ما أوحشك خلف الكيس
وجُرح في زمانه فكتب إليه:
يا أيها الملك الذي سطواتهُ ... من فعلها تتعجب المريخُ
آيات عدلك محكم تنزيلها ... لا ناسخ فيها ولا منسوخُ
أشكو إليك وما بُليت بمثلها ... شنعاء ذكرُ حديثها تاريخُ
هي ليلة فيها ولدت وشاهدي ... فيما ادعيت القمط والتمريخُ
وقال ابن الظهير الحنفي لما هرب الذي جرحه وقد أمسكه شخص فقتله:
لئن فدى الله إسماعيل من كرمٍ ... بالذبح واستعظمته الأنسُ والجانُ
فقد فداك بإنسان ولا عجب ... أن يفتدى بجميع الناس إنسانُ
وفي زمن باتكين انقطع إلى بيته معتكفاً على آدابه وعلومه مشتغلاً بمنثوره ومنظومه إلى أن أخذت إربل في شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة فانتقل إلى الموصل وحين خرج من إربل أنشد:
فارقتكم مكرهاً لا كارهاً ويدي ... أعضُّها ندماً إذ لم أمت كمدا
والله لو أنَّ أيامي تطاوعني ... على اختياريَ ما فارقتكم أبدا
وحين وصل الموصل لقيه أمين الدين لؤلؤ أحد الأمراء الأكابر بالإكرام والاحترام ووفاه من المراعاة أتم الأقسام، وبالموصل اجتمعتُ به وكنت يومئذ صغيراً ومات، رحمه الله تعالى بها، سنة سبع وثلاثين وستمائة وله من التصنيف: شرح أبيات المفصل، مجلدان، يرد فيهما على العلم أبي القاسم بن موفق الأندلسي.

حكى لنا شيخنا رضي الدين، رحمه الله، أنه أوصى: أن لا تظهروه إلاّ بعد موتي أو موت العلم، والأمثال والأضداد، مجلدان، حذا فيهما حذو الخالديين في كتابهما: الأشباه والنظائر من الأشعار، وكتابه، رحمه الله، أجمعُ. وسر الصنعة، مجلد، ومطالع الأنوار في وصف العذار، مجلد، والنظام في الجمع بين شعري المتنبي وأبي تمام، عشر مجلدات، وغير ذلك من الكتب، وقيل: إنه عمل تاريخاً ما وقفت عليه، وديوان شعره لم يظهر لأن بدر الدين صاحب الموصل استولى على كتبه وإنما في أيدي الناس من شعره قليل فمن ذلك:
أزوركم فتكاد الأرضُ تقبض بي ... ضيقاً فأرجع من فوري فيتسعُ
خدعتموني بما أبديتموه من الح ... سنى وأكثر أسباب الهوى الخدعُ
حتى إذا علقت كفي بكم ثقةً ... أسلمتموني فلا صبر ولا جزعُ
يغرني جلدي الواهي فأتبعه ... غيّاً وينصح لي شوقاً فأمتنعُ
ليت الهوى كان لا قطعاً ولا صلةً ... فلم يكن فيه لا يأس ولا طمعُ
ومن شعره:
وعيشك ما طرفي الكليل بناظر ... سواك ولا سمعي بمصغٍ لعاذلِ
ولا حلتُ عما قد عهدت وإنني ... مشوق وإن خابت لديك وسائلي
ولكنني لما سمحتَ بجفوة ... وأسعفتَ عذالي بطيب تواصلِ
صرفت هواي عنك كي لا يرى العدى ... خضوعي وتسآلي إلى غير باذلِ
وأقصرت عما قد عهدتَ وزاجرٌ ... من النفس خير من عتاب العواذل
لقد أحسن ما شاء في قوله: وزاجر من النفس خير من ... إلى آخره، وأظنه تضميناً.
وقد أجاد ابن الحنفي الإربلي في أبيات عملها في مثل معنى البيتين الآخرين وهي:
أنس الطرفُ بالرقاد فناما ... وأطعتُ العذال واللواما
وتناسيتكم وأقصر صبّ ... لم يزل مغرماً بكم مستهاما
هدأت مني الضلوع فما أتلفُ ... وجداً ولا أذوبُ سقاما
وغريمي الملحّ صار سلواً ... بعد ما كان صبوة وغراما
كم جنيتم وكم تجنيتم ظل ... ماً وأخفرتم لصبّ ذماما
وشرعتم ديناً من الغدر منسو ... خاً وأحللتم الدماء الحراما
وشفعتم بالهجر قبح ملال ... وقلًى أورث النفوسَ الحماما
فسلبتم ولايةً كم أصارت ... في يديكم لكلِّ قلبٍ زماما
ومثل هذا:
سلوت بحمد الله عنها وأصبحت ... دواعي الهوى من أرضها لا تجيبها
ولكنني داعٍ عليها وناظرٌ ... إلى نوبِ الأيام كيف تنوبها
على أنني لا شامتٌ إنْ أصابها ... بلاءٌ ولا راضٍ بواشٍ يعيبها
وقال شرف الدين رحمه الله تعالى:
أراكم فأعرضُ عنكم وبي ... من الشوق ما بعضه قاتل
وما بي ملال ولا جفوة ... ولكنني عاشق عاقل
يشبه قول القائل، ومنه أخذ:
وأحمل شدة أثقالكم ... كما يحملُ الجملُ البازلُ
وليس سكوتي عنكم رضًى ... ولكنه غضبٌ عاقلُ
وقريب من هذا، وهو في غاية الحسن، ما أنشده الإمام الناصر، قدس الله روحه، لما توفيت الخلا طبية:
من قال مفترياً عل ... يّ سلوت كذّبه النحولُ
وجدي على ما تعهدو ... ن وإنما صبري جميلُ
ومن شعر شرف الدين، رحمه الله:
يا ليلة حتى الصباح سهرتُها ... قابلتُ فيها بدرَها بأخيهِ
سمح الزمان بها فكانت ليلة ... طاب العتابُ بها لمجتذبيهِ
أحييتها وأمتُّها عن كاشح ... ما همّه إلاّ الحديث يشيهِ
ومعانقي حلو الشمائل أهيف ... جمعتْ ملاحةُ كل شيءٍ فيهِ
يختال معتدلاً فإن ولع الصبا ... بقوامه متعرضاً يثنيهِ
نشوان تهجم بي عليه صبابتي ... ويردني ورعي فأستحييهِ
علقت يدي بعذاره وبخده ... هذا أقبله وذا أجنيهِ
حسدَ الصباحُ الليلَ لما ضمنا ... غيظاً ففرق بيننا داعيهِ
قوله:
ويردني ورعي فأستحيي
مأخوذ من قول السيد الرضي:
بتنا ضجيعين في ثوبي هوًى وتقًى ... يضمنا الشوقُ من فرعٍ إلى قدمِ
وباتَ بارقُ ذاكَ الثغرِ يوضحُ لي ... مواقعَ اللثمِ في داجٍ من الظلمِ
وقد أحسن أبو فراس التغلبي ما شاء في قوله:
وكم ليلةٍ خضتُ المنيةَ نحوها ... وما هدأتْ عينٌ ولا نامَ سامرُ
فلما خلونا يعلمُ اللهُ وحدهُ ... لقد كرمتْ نجوى وعفَّتْ سرائرُ
وبتُّ يظن الناسُ فيَّ ظنونهمْ ... وثوبيَ مما يرجمُ الناسُ طاهرُ
وللغزي مثل بيت الرضي الثاني:
حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحل بالضم نظم العقد في الظلم
تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبَّات منتثر في ضوء منتظم
والجميع مأخوذ من قول الأول:
أضاءتْ لهم أحسابُهم ووجوههُم ... دجى الليل حتى نظمَ الجزعَ ثاقبهُ
وينظر إلى هذه المعاني، وإن لم يذكر العقد والنظم وغيرهما، قول القائل:
سفرت والليل داجٍ سليمى ... فبدا للسفر فيه السبيلُ
فأضاءَ الصبح لما توارتْ ... وقفَ الركبُ وحارَ الدليلُ
وأخذت معنى بيت السيد الرضي الأول فقلت:
بتنا حليفي هوًى في عفةٍ وتقًى ... وليس إلاّ صبابات وأشواقُ
يبثّ كل امرئ منَّا لصاحبه ... حتى بدا من ضياء الصبح إشراقُ
وقال شرف الدين رحمه الله وقد أحسن في مطلعها ما شاء:
وفى ليَ دمعي يوم بانوا بوعده ... فأجريته حتى غرقتُ بمدّه
ولو لم يخالطه دم غال لونه ... لما مال حادي العيس عن قصد ورده
أأحبابنا هل ذلك العيش راجع ... بمقتبل غض الصبا مستجده
وإنَّ على الماءِ الذي تردونه ... غزالاً بجلد الماء رقة جلده
يغار ضياء البدر من نور وجهه ... وبخجل غصن البان من لين قدّه
السيد محيي الدين يوسف بن يوسف بن زيلاق الكاتب الهاشمي الموصلي، يضرب به المثل في العدالة، وله الرتبة العليا في الشرف والأصالة، فارس مبارز في حلبات الأدب، وعالم مبرز في لغة العرب بطبعٍ أخذ لطافة الهواء ورقة الماء، كأنما ظهرت له أسرار القلوب فهو يتقرب إليها بكل محبوب، شعره أحسن من الروض جاده الغمام، وأزهى من اللؤلؤ الرطب زانه النظام، وكلامه يشفي السقام ويطفي الأوام، وبديهته أسرع من الطرف وأحلى من ثمار المنى دانية القطف، حسن العشرة، كريم النفس، جامع بين أدبها وأدب الدرس، أجاز لي قبل اجتماعي به أن أروي عنه ما تصح روايته من معقول ومنقول، وكتب بذلك إليّ، وكان بيني وبينه مكاتبات ومراسلات، فلما اجتمعت به وتجاذبنا أطراف الكلام وتجارينا في وصف النثر والنظام، وعاشرته مدة فملأ سمعي ببدائع فرائده التي هي أحسن من الدرر في قلائده، وطلبت أن يأذن لي في الرواية عنه فاعتذر اعتذار خجل وأطرق إطراق وجل، وقال: يا فلان أنا والله أجلك عن هذا الهذر وأنت أولى من عذر فإني لم أكن بك خبيراً قبل الاجتماع ولا ريب أن العيان يخبر بما لا يعبر عنه السماع وقد صغّر الخبرَ الخبرُ كما يقال وعند الامتحان تظهر خبايا الرجال، وأذن بعد جهد شديد واعتذار ما عليه مزيد، وأقمنا زماناً يزيد حسناً وإحساناً ما ذممت له مشهداً ولا مغيباً، وما زال ربع أنسي به خصيباً، وفارقته مفارقة السيف لجفنه، وسحت للبين سحب جفني وجفنه، وذلك في سنة سبع وخمسين وستمائة، فقال: كأنك تنشد حين رأيتنا:
سمعت بوصف الناس هنداً فلم أزل ... أخا صبوة حتى نظرت إلى هند
فلما أراني الله هنداً وزرتها ... تمنيتُ أنْ تزداد بعداً على بعدِ
فأخذتُ الدواة وكتبت بديهاً:
أمولاي لو بالغت في وصف لوعتي ... وشوقي وما أخفيه من صادق الودّ
وأعطيت إرسال المقال وأصبحت ... فنونُ المعاني من عبيدي ومن جندي
وطاوعني نظمُ القريضِ وحوكهُ ... فجئتُ به أزهى وأسنى من العقد
ورمتُ به وصفَ الصبابةِ والأسى ... لبعدكم لم أبدِ بعضَ الذي عندي
وأنشدني المولى قريضاً محبّراً ... أسالَ به سلكَ الدموع على خدّي
سمعت بوصف الناس هنداً فلم أزل ... أخا صبوة حتى نظرت إلى هند
فلما أراني الله هنداً تضاعف اشت ... ياقيَ واستسلفتُ وجداً على وجد
وهذا الذي ألقاه والشملُ جامعٌ ... فوا أسفي مما ألاقيه في البعد

وتوجهت إلى إربل وهو بالموصل على طريقته المرضيّة وحالته السنية، وكنا نتراسل بالأشعار والمعاني، ونجني ثمار الآداب على البعد دانية المجاني، إلى أن صاح بشمله غراب البين، وأصابته في سدادة العين، والله يحكم ولا معقب لحكمه، وإذا أراد أمراً هيأ أسبابه، فتنكر له الزمان، ودهمته طوارق الحدثان، وأقدمه سوء الحظ على ارتكاب الخطر، وكان له أجل منتظر، ولا بد من قدوم المنتظر، فسلم الموصل إلى العلم سنجر، وجاءت عساكر المغل وحاصرت الموصل، وأُخذ هو وأولاده في شعبان سنة ستين وستمائة فقتلوا أجمع، فعاد عزّه ذلاً، وأصبح شمله مضمحلاً، وبكاه الأدب بدمعه الماطر، وخلت من أنسه دموع البيان فليس بها صافر، فإنا لله وإنا إليه راجعون وتباً لدنيا تغدر أبداً بالكرام، وتسقي بنيها كاسات الحِمام، غدرت بآل ساسان فبادوا، وأردتْ الأكاسرة فما أبدوا ولا أعادوا، وأفنت الأوائل والأواخر، واستولت على القرون فلن تغادر، خرّبت ارمَ ذات العماد، وهدت القصر ذا الشرفات من سنداد:
وأجزرتْ سيف أشقاها أبا حسنٍ ... ومكَّنت من حسينٍ راحتي شمرِ
فليتها إذ فدتْ عمراً بخارجةٍ ... فدتْ عليّاً بمن شاءتْ من البشرِ
وقد أحسن المعري في قوله:
على أمِّ دفرٍ غضبةُ الله إنَّها ... لأجدرُ أنثى أنْ تخونَ وأنْ تُخني
كأنَّ بنيها يولدون وما لها ... حليلٌ فتخشى العارَ إنْ سمحت بابنِ
فمن شعره، رحمه الله تعالى:
بدا لنا من جبيته قمرُ ... تضل في ليل شعره الفكرُ
أحور يجلو الدجى تبسمه ... أسمر يحلو بذكره السمرُ
ظبيٌ غريرٌ في طرفه سنَة ... يلذ فيها للعاشق السهرُ
تثني الحميّا من لين قامته ... غصناً رطيباً فروعه الشعرُ
حديث عهد الشباب ما حف بال ... ريحان وردٌ في خده نضرُ
ولا رعت مقلة نبات عذا ... ريه فتحتاجُ عنه تعتذرُ
جوامع الحسن فيه ظاهرة ... فالقلب وقف عليه والبصرُ
خصر كما أثَّرَ التفرق في ... جسمي وريقٌ رضابهُ خصرُ
وقامة لدنة إذا خطرت ... هان علينا في حبها الخطرُ
وقال أيضاً، وهي غاية في معناها:
جديدُ بُرد الجمال طلعته ... محمية من طلائع الشعرِ
حياة وجدي ماء بوجنته ... ما كدرت صفوه يد الخضرِ
إن تطل الفكر في توردها ... فذاك والله موضع النظر
وقال أيضاً:
ثنى قده واختال كالأسمر اللدن ... فأيقظ سيف اللحظ من ناعس الجفن
هو الظبي إلاّ أنَّ في الظبي لفتة ... وغصن النقا لولا التعطف في الغصن
حبيب إذا ما قلت ما أحسن الورى ... فلست أرى فيه خلافاً فأستثني
أيا مالكي هل فرط وجدي شافعي ... إليك أم الإعراض من مذهب الحسنِ
فإني وإن أسكنت قلبي في لظًى ... لأرتع من خديك في جنتي عدنِ
وإن كنت قد أطلقت بالدمع عبرتي ... فإن فؤادي من جفائك في سجن
أيا صاحبيْ نجواي ما أنا منكما ... إذا لم تعيناني ولا أنتما مني
أخليتماني للأسى وادعيتما ... وفاءً فما أغنى وفاؤكما عني
ومن شعره، رحمه الله:
دعاه يشمْ برقاً على الغور لائحا ... يضيء كما هزّ الكماة الصفائحا
ولا تمنعاه أنْ يمرّ مسلماً ... على معهد قضّى به العيش صالحا
فماذا عليه لو يطارح شجوه ... حمائم فوق الأثلتين صوادحا
بعيشكما هل في النسيم سلافةٌ ... فقد راح منها القلب سكران طافحا
وهل شافهت في مرة روضة الحمى ... فإنا نرى من طيّها النشر فائحا
وقوفاً فهذا السفح نسق ربوعه ... دموعاً كما شاء الغرام سوافحا
منازل كانت للشموس مطالعاً ... وللغيد من أدم الظباء مسارحا
وقال أيضاً:
هذا فؤادي في يديك تذيبه ... غادرته غرضَ السهامِ تصيبه
زادتْ صبابتهُ فهل تُجدي له ... نفعاً إذا ما قلَّ منك نصيبهُ
ما كان يبلغ من أذاه عدوّه ... ما قد بلغتَ به وأنتَ حبيبهُ
تُهدي الشقاءَ له وأنتَ نعيمهُ ... وتزيدهُ مرضاً وأنت طبيبهُ
يا حبذا البرقُ المضيء وإنْ بدا ... بينَ الضلوع خفوقه ولهيبهُ
وسرى النسيمُ فهزَّ عطفَ صبابتي ... إذْ كانَ من جهةِ الحبيب هبوبهُ
وقال أيضاً:
روحي الفداءُ لمن ينفِّرُ راحتي ... ومسرتي أعراضهُ ونفارهُ
ظبي تضمُّ على القضيب برودهُ ... وتحل عن فلك الدجى أزرارهُ
ضاهى الربيع بوجهه فشقيقهُ ... في خده وبثغرهِ نوَّارهُ
وأمال بين البان قدّاً ناعماً ... كادت تغردُ فوقه أطيارهُ
وتشابهت إذْ قام فينا ساقياً ... ألحاظهُ ورضابهُ وعقارهُ
من أي صنفٍ شاءَ جاءَ بمسكرٍ ... يا ليتَ شعري إنها خمارهُ
يحمي غرارَ مهنّد في جفنه ... نومي فما يغشى الجفون غرارهُ
الغرار: الحدّ، وغرار السيف: حده، الغرار: النوم القليل.
تثني ثنيته القلوب إلى الهوى ... وتقيم عذر المستهام عذارهُ
قوله:
وأمال بين البان قدّاً ناعماً
قد كرره فقال من أخرى:
وماسَ وغنَّى فقلنا القضي ... ب أهيفُ يشدو عليه الحمام
وهما مأخوذان من قول الأول:
خطرت فكاد من حسن التثني ... يغرد فوق أعلاك الحمام
وأخذته أنا فقلت:
وسلام منِّي على الجوسق المم ... لوّ أُنساً وقلّ منِّي السلام
ما تذكرت حسن أغصانه إ ... لاّ تمنيت أن قلبي حمام
ولابن الحلاوي في قريب منه:
أشبهت أغصان الأراك معاطفاً ... وتركتني كحمامهن النائح
وقال أبو الفرج الوأواء يصف ليلة الوصال:
سقى الله ليلاً إذ زارَ طيفهُ ... فأفنيته حتى الصباحِ عناقا
بطيبِ نسيمٍ منه يُستحلبُ الكرى ... ولو رقدَ المخمورُ فيه أفاقا
وقال في ضدها:
أطال ليلي الصدود حتى ... أيست من غرة الصباحِ
كأنَّه إذْ دجا غدافٌ ... قد حضن الأرض بالجناحِ
الغداف: الغراب الأسود العظيم.
قال أبو الفتح محمد بن الحسن الكشاجم يصف الدواة:
سوداء مجَّت ريقتينِ فرقةٌ ... للملكِ بانيةٌ وأخرى هادمهْ
زنجية عجماءُ إلاّ أنَّها ... بجليلِ تدبيرِ البريةِ عالمهْ
وقال العاصمي:
وليلة مشرقة ... كليلةِ المعراجِ
أحييتُها بشادنٍ ... يرفلُ بالديباجِ
منتعب بعندمٍ ... مؤتزر بالعاجِ
والنجمُ في الغرب يرى ... كزئبقٍ رجراجِ
العندم: دم الأخوين، ويرفل في ثوبه رفلاً ورفولاً يعني يتبختر.
والصبحُ مثلُ صارمٍ ... يُسلُّ باستدراجِ
أي بتدريج. وقال:
مررت على رياض من شقيق ... كما خطرت كؤوس من عقيق
فذكرني الحبيب ووجنتيه ... فكدت أشقّ جيبي للشقيق
أي للحبيب.
قال جمال الدولة طلحة بن الحسن:
يا خليليَّ اسقياني ... قهوةً ذاتَ الحميا
إني عطشان جداً ... ليس لي كالخمر سقيا
وقد تقدم الزكي بن أبي الإصبع فقال في قريب منه:
غدا القد غصاً منك يعطفه الصبا ... فلا غرو أن هاجت عليه البلابل
وللحسام الحاجري الإربلي:
ومذ خبَّروني أنّ غصناً قوامه ... تيقنت أنَّ القلب مني طائرُ
وأخذه محمد بن هاشم الإربلي وأنشدني لنفسه:
يا قامة الغصن الذي ... قلبي عليه طائر
ومشرف الصدغ لقد ... جار عليّ الناظر
ولابن المرصص المصري:
لو لم يكن غصناً نضيراً قدّه ال ... مياس ما هاجت عليه بلابلي
وقال محيي الدين:
بدا سافراً فأضاء الظلام ... فلم تغنه خفية واكتتام
وقابلنا ثغره باسماً ... كما زان حسن القعود النظام
وطاف بريقته ساقياً ... كما مُزجت بالكؤوس المدام
فماس وغنَّى فقلنا القضي ... ب أهيف يشدو عليه الحمام
ملاحته أوجبت عشقه ... فليس يجوز عليه الملام
له ناظر عامل في القلوب ... يعرّف موقعه المستهام
وقال أيضاً:
عبث الدلال بعطفه الميال ... فأبان فيه سفاهة العذال
وجلا لنا وجه الغزالة وانثنى ... غضبان ملتفتاً بجيد غزال
يحمي عن العشاق مورد ريقه ال ... معسول أسمر قدَّه العسالِ
ثغرٌ لمبيض الحباب مذاقه ... حلوٌ ووجه بالملاحة حالِ
آثرت طاعته بسخط معنّفي ... ووهبت فيه هدايتي لضلالي
ولقيت أيامي بحظٍ أبيض ... لما لثمت سواد ذاك الخال
مهما نسيت فلست أنسى عيشةً ... وصلت حواشيها لنا بوصال
أيام أحكم في الحبيب مخيراً ... فأبيت لا أرضى بطيف خيال
واليوم أقنع بالنسيم إذا سرى ... وأشيم ومض البارق المتعالي
قد كنت آمل منك عطفة راحم ... ترثي لفرط تذللي وسؤالي
فحصلت منك على الإياس وليته ... لم يتبعه مرارة الترحال
فلك الأمان دنوت أم بعدَ المدى ... وهجرت أو واصلت لستُ بسال
وقال أيضاً:
لو رعى من أحبّه حين سارا ... مهجاً في يد الغرام أُسارى
أيها السائق الركائب يحملن ... الشموس الحسان والأقمارا
قف قليلاً فقد نفضت من المق ... لةِ نوراً أو زدت في القلب نارا
وكنا جلوساً فعمل، رحمه الله تعالى:
يا نار أسود قلبي ... ونور أسود عيني
وقال أجز فقلت بديهاً:
كن راحماً لمحبّ ... أباحك الأسودين
فوقع منه بموقع وحل من قلبه بموضع ونعود إلى أبياته:
رحلوا فالنهار ليل وقد أع ... هدُ ليلي بالقرب منهم نهارا
قد تقدمت أبيات مثل هذا.
لا تسمني صبراً فقد حكم البي ... ن بأني لا أملك الاصطبارا
كان يرجى السلوّ لو أنهم أب ... قوا علينا القلوب والأبصارا
حبذا ذلك الحمى وهو مأهو ... ل النواحي بآنساتٍ عذارى
كل هيفاء تخجل البان أعطا ... فا وتحكي طرف المهاة احورارا
كلما أومضت بروق ثنايا ... هن أنشأن من جفوني قطارا
هذا معنى مستعمل كثير جداً، قال ابن الساعاتي:
وكذاك لا تبسم فثغرك بارق ... والدمعُ غيثٌ ما أضاء له همى
وقال محيي الدين:
لله كم لخياله ... من نعمةٍ عندي سنيّه
وجلا محبّاً مشرقاً ... كالشمس طلعته بهيّه
وبياض ثغرٍ واضحٍ ... كالدرّ قبلتهُ شهيّه
صنمٌ عكفت على محب ... ته عكوف الجاهليّه
يبري سهاماً من جفو ... نٌ حاجباه لها حنيّه
ما أرسلت لحظاتها ... إلاّ وأثبتت الرميّه
ملكتْ محاسنه القلو ... ب فما تركن بها بقيّه
أخذ الأبيات من مهيار، وقد تقدمت أبياته، وقوله:
صنم عكفت على محبته
من المستعمل فمن ذلك قول الأبله البغدادي الشاعر:
ياله في الحسن من صنمٍ ... كلنا في جاهِ ليتهِ
ويحكى أن الخليفة الناصر، رحمه الله، سخط على مغنيته وشفع لها أحد مماليكه فرضى عنها فغنت هذه الأبيات فلما انتهت إلى هذا البيت قالت:
ياله في الحسن من صنمٍ ... كلنا في جاهِ ليتهِ
وقوله:
يبري سهاماً
مستعمل، ومثله لابن الساعاتي:
فلا ذقتما ما ذقت ساعة فُوقت ... سهام جفون عن قسيّ حواجب
وقوله:
ما أرسلت لحظاتها
مأخوذ من مهيار:
يا قاتلَ اللهُ خُلقتْ ... جوارحاً فكيفَ عادتْ أسهما
لم يدرِ منْ أينَ أصيبَ قلبهُ ... وإنما الرامي درى كيفَ رمى
وقال، رحمه الله:
فداؤك قلب لا يقل ولوعه ... وجفن أبت إلاّ الدموع جفونه
حملت غراماً منك لست أطيقه ... وأكثر واشٍ فيك لست أطيعه
فداك قلب لا يقلّ في الهوى ولوعه
وجفن عين تستهل دائماً دموعهُ
حمَّلته ثقل اشتياق ليس يستطيعهُ
وأكثر الواشي ولكن فيك لا يطيعهُ
رعاك بما يرضيك من خالص الهوى ... فؤاد بأصناف الصدود نزوعهُ
وأعطاكَ أقصى غاية من حفاظه ... وأنت بنسيان العهود تضيعهُ
رعاك صبّ للغرام والأسى جميعهُ
طالب وصل لا يزال بالجفا نزوعهُ
يصون سرّ حبّكم ودمعه يذيعهُ
ويحفظُ العهد الذي بغدركم تضييعهُ
ضلال تمنيه الخيال وقد نأى ... عن الطرف لما أن نأيت هجوعهُ
ولو أنّ وصلاً رام وصلاً لصدّه ... توقد نارٍ ضمنتها ضلوعهُ
نرجو خيالاً من مسيء حسنه شفيعهُ
وهل يزور الطيف من فارقه هجوعهُ
ولو أراد سلوةً يشفى بها موجوعهُ
ثنته نار لوعة تجنها ضلوعهُ
وقال:
لله قلب محبه كلفُ ... ومدمعٌ من جفائه يكفُ
أحوى غرير الصبا منعّمه ... مشتمل بالجمال ملتحفُ
من لي به كالهلال قابله ال ... سعد وكالغصن زانه الهيفُ
يخلف بدر الدجى وما عنه بال ... أقمار في حال تمِّها خلفُ
يثني قضيباً أوراقه الشعرُ ال ... مرسل لكن ثماره الشعفُ
نكثر من وصفنا ملاحته ... وهو من الحسن فوق ما نصفُ
يا ساكناً مقلتي له وطنٌ ... ورامياً مقلتي له هدفُ
وحاكماً لا يكادُ يرفع مظل ... وم إلى حكمه فينتصفُ
لم يبد سرى ولا وشى بغرا ... مي فيك إلاّ المدامع الذرفُ
أنكر قلبي وأنت تحبسه ... وتطلق الدمع وهو معترفُ
وقال محيي الدين، رحمه الله:
لك السلامة من وجدي ومن حرقي ... وما تعانيه أجفاني من الأرقِ
أدرت فينا كؤوس الشوق مترعة ... فأسكرتنا حميّاها فلم نفقِ
يا مظهراً بمحياه وطرته ... فضيلة الجمع بين الصبح والغسق
حمّلت مهجتي الهجران فاحتملت ... وزدتها بعده بعداً فلم تطقِ
مهما نسيت فلا أنسى زيارته ... في خفيةٍ لابساً ثوباً من الفرقِ
نشوان تستر عطفيه ذوائبه ... كما اكتسى الغصن الريان بالورقِ
يسعى إليَّ بكأس من مقبّله ... يلذ مصطبحي منها ومغتبقي
لا أسأل الليل عن بدر السماء إذا ... رقدتُ فيه وبدر الأرض معتنقي
قوله:
حمّلت مهجتي الهجران فاحتملت
ينظر إلى قول البحتري:
عدتنا عوادي البعدِ عنها وزادنا ... بها كلفاً إنَّ الوداعَ على عتبِ
وقوله:
نشوان تستر عطفيه ذوائبه
مأخوذ من ابن التعاويذي:
تجول على متنيه سودُ غدائرٍ ... كما رنَّحَ الغصنُ المرنِّحُ أوراقا
وقوله:
لا أسأل الليل عن بدر السماء
مأخوذ من بيتي المغاربة:
يا ليلُ دمْ أو لا تدمِ ... لا بدَّ لي أن أسهركْ
لو باتَ عندي قمري ... ما بتُّ أرعى قمركْ
وقال المحيي، رحمه الله:
ما أكثرتْ في الهوى عواذلهُ ... إلاّ وزادتْ به بلابلهُ
علقتهُ كالشمول ريقتهُ ... مهفهفٌ حلوةٌ شمائلهُ
أسمرُ من جفنهِ مهنّده ال ... ماضي ومن شعره حمائلهُ
تلقاهُ شاكي السلاح ناظرهُ ... سنانهُ والقوامُ عاملهُ
تنفذ درع الكميّ مقلته ال ... نجلاء فيا عجزَ من يقابلهُ
لما تشكى وشاحه قلقاً ... بخصره أخرست خلاخلهُ
وقال أيضاً:
ثنى مثل لون السمهري ولونه ... وجرَّرَ عضباً مرهفاً من جفونه
وحيَّا وقد جاء الحياء بوجهه ... فما الورد تجلوه الضحى في غصونه
وباتَ يرينا كيفَ يجتمعُ الدُّجى ... مع الصبح في أصداغه وجبينهِ
وكيفَ قرانُ الشمسِ والبدرِ كلما ... غدا يلثمُ الكأسَ الذي في يمينهِ
وبتّ أُفدِّيه بنفسٍ بذلتُها ... غراماً بمحظوظ الجمال مصونهُ
وأرخصُ دمعَ العينِ وجداً بمبسم ... يقابلهُ من دُرّه بثمينهِ
أما البيت الأول فهو من المستعمل، وقد جمعه ابن النبيه في نصف بيت وهو:
رنا وانثنى كالسيفِ والصعدةِ السمرا ... فما أكثرَ القتلى وما أرخصَ الأسرى
وقوله:
وحيَّا وقد جال الحياء بوجهه
مستعمل أيضاً، وكل الناس فيه عيال على عمر بن أبي ربيعة في قوله:
وهيَ مكنونةٌ تحيَّر منها ... في أديمِ الخدَّينِ ماءُ الشبابِ
ومثله لأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل:
أغيد ماء الشباب يرعد في ... خدَّيه لولا أديمهُ قطرا
والبيت الثالث من المتنبي:
بشعرٍ يعيدُ الليلَ والصبحُ نيرٌ ... ووجهٍ يعيدُ الصبحَ والليلُ مظلمُ
وقوله:
وكيف قران الشمس والبدر
مأخوذ من قول الحسين بن الضحاك:
كأنما نصبُ كأسهِ قمرٌ ... يكرعُ في بعضِ أنجمِ الفلك
ومنه أخذ أبو نواس:
إذا عبَّ فيها شاربُ القوم خلتهُ ... يقبِّلُ في داجٍ من الليلِ كوكبا
ومن شعري:
تجلت لنا كالبدر ليلة تمّه ... وساق الندامى للمدام يحثحثُ
فلاح لعيني الشمس والبدر قارنا ... هلالاً فقلت السعد أشكل مثلثُ
وقال رحمه الله وهي آخر شعره:
يا من حفظت له عهد الهوى .... ... فلم يرعَ لي عهدي وميثاقي
ما كنت أحسب أن يجفو عليّ وأن ... ينسى عهود صباباتي وأشواقي
جرحت قلبي ببين ما تصوّره ... وهمي وأقرحت بالتسهيد آماقي
 
أعلى