حمودة إسماعيلي - عندما تُفهم النظرات بشكل خاطئ - تحايل لغة الجسد

تعتبر العين مدخلا للمعطيات الخارجية باتجاه الدماغ، الذي يعتمد كذلك على العديد من المستقبلات غيرها حتى يتمكن من تفكيك وتحليل تلك المعطيات بغرض التعامل مع العالم الخارجي، غير أنها تظل من الرئيسيات والأكثر أهمية.. لكنها قد تخدع أحيانا، وخداعها ساهم في تشكيل الحضارات من فنون وثقافات وأديان. مايهمنا هنا ليس انخداعها انطلاقا من العالم الطبيعي (كظواهر السراب والأشباح الخ)، بل من مثيلاتها بالمحيط الإنساني أي أعين ناس آخرين.
وحتى لا يأخدنا الموضوع نحو وجهة أخرى بلغة الجسد، سننتقل مباشرة لذكر بعض المواقف :

ـ عندما تستمر امرأة (برفقة زوجها) بالنظر إليك، فهذا لا يعني (دائما) أنها ـ معجبة/مغرمة ـ بك (كما يفسر ذلك كل الرجال ويحكون الواقعة لأصدقائهم باعتبار أن المرأة خائنة بطبعها !!) ـ وحتى لو كان ظنه صحيح فإنها ليست بالغباء الذي يدفعها لكشف نفسها وكشفك (فهذا فضيحة لها !) ـ لأن الأمر لا يعدو حيلة تقوم بها بعض النساء لتحريك مشاعر زوجها وغيرته. فبما أن المتطوعين/المغفلين سيتجاوبون بسرعة مع النظرات ويحاولون التقرب (غالبا) !.. فإن هذا يخدم الموقف ليتسنى لها رؤية رد فعل زوجها حتى تتأكد من مشاعره اتجاهها ـ لأنه غالبا سيلحظ الأمر فينهرها أو يدخل في شجار مع المتطوع/القربان ـ (هذه النوعية من النساء تصفهم بدقة أغنية لنانسي عجرم اسمها "في حاجات"). أما إذا كنت صغيرا بالسن بعض الشيء فقد يكون سبب النظر (بغض النظر عما سبق) أنها وجدت شبها بينك وبين ابنها أو شقيقها الصغير، لا يعني الأمر فقط أنها مولعة بك كما توحي نرجسية البعض لهم ذلك (لأننا نجد أن الموقف إذا لم يحدث "للشخص" فإنه وقع لصديق أخبره عنه.. فإذا كانت النساء خائنات بطبعهن، فالرجال مغفلون بطبعهم !.
وكما يُقال فإن " أكبر لص على وجه الأرض هو الجمال الكائن في عيني المرأة. فعيون المرأة بحيرة جافة، ولكنها تستطيع أن تغرق أعظم السباحين" ! .

ـ عندما تنظر لأنثى وتستمر كذلك هي بالنظر إليك، فهذا لا يعني أنه حب من أول نظرة، فربما هي تنظر لكل من ينظر إليها بتلك الطريقة.. إما استغرابا من الشخص الذي ينظر لها كأنها (كائن من كوكب آخر) أو لأن لها قابلية للارتباط ـ بسبب نقص عاطفي أو ليس لها نصيب من الحب ـ لتدخل في قول خليل جبران : "البعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم وحاجتنا إلى الحب تدفعنا نحوهم، فالأيام تمضي، والعمر ينقضي، والزمن لا يقف، ويرعبنا بأن نبقى بلا رفيق". ونضيف من جهتنا كذلك أن "البعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم وحاجتنا إلى الجنـس تدفعنا نحوهم، فالأيام تمضي والكبت والتفكير في الجنس يرهقنا، فيرعبنا أن يتملكنا انحرافٌ أو جنون". ولا ننفي أنها لا/لم تحبك بل نهدف لتصحيح ظنّك أنها أحبتك دون أصدقائك - فيلزمك أن تعلم بأن قلبها (قد) يتسع لأي شخص (كيفما كان) طالما لا يعاني من "نقص مادي شديد أو تشوه خلقي" (الأمر الذي نجده قاعدة تتخدها بعض النساء/العازبات/العذروات اللاتي تجاوزن الأربعين ـ "آش من أربعين ؟! قل كدا وثلاثين !" .

ـ عندما تردتدين ملابس جميلة، وتمشين بالشارع. قد تجدي بعض الإناث من يُطِلن النظر إليك، وهذا لا يعني أن جميعهن معجبات بملابسك ! . فالعين تستمر بالنظر لما يثير انتباهها/اعجابها، لدى فمن تطيل النظر لملابسك أو حذائك فهي بمعجبة به (لأنها إن كانت غير معجبة فلن تكثرت). لكن إطالة النظر بالوجه (وذلك بغرض تحديد صاحبه) فإنه يشير للتحدي (النظر في العينين) ـ ولتوضيح النقطة يكفي الإشارة إلى أنه في أغلب الثقافات يخفض الإنسان عينيه أمام شخصيات محددة كقيم متوارثة أو تقاليد ـ وحتى بلغة الجسد يعتبر النظر إلى منطقة العينين إما التوافق (الحب) أو التصادم (التنافس/التحدي/المجابهة) - حسب الموقف، لكنها تعني اجمالا تساوي الطرفين (تقريبا). لهذا فمن تنظر لك بالطريقة التي نتناولها (بهذه الفقرة)، كأنها تقول لك : "رغم لباسك/شكلك الجميل فأنت لست بأفضل مني !!".. ـ "من اهتم لأمرك أيتها الحمقاء المعقدة ؟!" .. هذا إلم تصدمك بكتفها (كعدوانية ناتجة عن الحقد الذي سببه الموقف/شكلك الذي وضعها في (شعور) دونية/تقليل الشأن).

ـ عندما تكون برفقة امرأة، قد تجد بعض النساء/الفتيات اللواتي يطلن النظر اليك (الامر الذي لا يقمن بفعله عندما تكون وحدك أو برفقة ذكر). هذا الأمر لا يعني أنه يغرن أو ادركن أنهن سيخسرنك كما يفسرها الكثير من الرجال. لأنه يُعرف على بعض النساء أنهن يراقبن الأخريات عندما يكن برفقة شاب، إما ليرين كيف يتصرفن (تحليل لأخطائهن حتى لا يقعن فيها أو حتى تسجيل تصرفات لأجل المحاكات إن وجدن أنفسهن بنفس الموقف). أيضا وهو الأمر المرجح، أن "النظرة" هنا تسعى المرأة من ورائها كشف سر حصول تلك الأنثى على رجل ـ بالنسبة للبعض ممن ليس لديهن نصيب من الحب (كما اشرنا سابقا) يحاولن اكتشاف ماينقصهن عن الأخريات حتى يتمكنوا من تكوين علاقات حب كذلك، وكأن لغزا يجب فكه حتى تعرف الأنثى لما يحصل بعض النساء على دعوات (زواج/ خطبة) وهي كأنها منبوذة ـ . زيادة على أن نرجسية بعض النساء وإحساسهن الزائد بثقتهن بأنفسهن، يدفهن لمحاولة جذب الذكر، حتى يُظهِرن لتلك الأنثى أنهن أفضل بكثير وبمقدورهن سلب المحبوبين/المعجبين منها بكل سهولة نظرا لجمالهن الأخاد و.. و.. و.. (فتباً لعلبة الماكياج) ! . وهذا يهدف لانتقام وتأكيد التفوق للذات (دون أن ننفي أن كثير من المغفلين ينجرفون خلف الخدعة لتأدية مسرحية يظن أنه بطلها لكن دوره سينهي ما أن يتجاوب مع حيلة أختنا "الهبلة") .
يبدو عالم النساء هادئا ومسالما لكنه يخفي حربا حيوانية باردة. فكما تقول دوروثي باركر : "الجمال مجرد طبقة خارجية، أما القبح فيكون متوغلا حتى العظام".

ـ أما بالنسبة للرجال، عندما يطيل ذكر النظر إلى أنثى وهي برفقة ذكر آخر، فهذا لايعني أنه يتألم أو جُرِح لأنها أصبحت لغيره. بل هو تتويج لذلك الذكر فالرجال يحترمون بعضهم البعض عندما يرتبط أحدهم بالأنثى الأجمل (نفس الأمر عند تحقيقه انجاز رياضي - الأمر يدخل في استعراض الرجولة والالهام) ـ باعتبار أنه يستحق النظر/الاعجاب ـ فبالنسبة للذكور، إطالة النظر لرجل مع انثى عادية يعتبر انهزاما أو شعورا بالوحدانية والرفض و .. و .. ، فغالبا ما يتجاهلون بعضهم البعض كأنه أمر عادي ولايستحق النظر، كأنه تصريح "نحن جميعا نقيم علاقات مع النساء، ومن نوع أفضل من التي معك.. فلا تتبجّح !!" . لهذا فحتى لو تمت إطالة النظر إليه (بدافع الفضول) فغالبا من دون أن يلاحظ الشخص ذلك (من زاوية لا يستطيع أن يكشف أنهم يراقبونه).

مرد هذه النقطتين الأخيرتين، إلى التربية الغبية التي تفصل بين الأنثى والذكر، فيكبران كنوعان يرى كل منهما الآخر ككائن مخالف. فتتباعد العلاقة بينهما لتملأها الاضطرابات والحذر والشكوك وصراعات التفوق والدونية والحروب النفسية، واعتبار السيطرة على الآخر انجاز !!! . رغم أننا كائن واحد انساني لا يتجزأ - به اختلافات بسيطة إلا أنها لاتصل بتأثيرها للفصل والتقسيم - فجميعنا متشابهون.
التقسيم يرجع للتخلف الإنساني (بخرافاته و معلوماته المغلوطة) وليس للجسد الإنساني.

حاولنا بالموضوع كشف احتيال لغة الجسد ـ فكثيرة هي الكتب التي تتناول لغة الجسد باعتبارها لغة صادقة لاتكذب، غير أن باستطاعة الانسان استخدامها كتحايل وخداع، خاصة إن كانت له قدرة على تقمص حالات نفسية أو له بعض الخبرة بانفعالات الانسان (رغم أن الأغلبيه قد يقومون بها -بغرض تحقيق مراد- دون وعي !) ـ . وبما أن مساحة المقال لا تسمح بالمزيد من التحليل والأمثلة، نكتفي باللمحة إلى حين التطرق للأمر بكتاب فيما بعد.
 
أعلى