خزعل الماجدي - إيروتيكا.. دين الحب.. أربعون اسماً للحب ودرجاته عند العرب

نرى أن الحب هو دينٌ دنيوي في مقابل الدين الآخروي الذي نعرفه، فالحبُ نظام روحي وعاطفي وجسدي متكامل يشكّل، في حقيقته، مضاداً صارماً للدين، فهو في جوهره عاطفةٌ إيجابية قوامها فيض المشاعر نتيجة عدم الخوف والأمان تجاه الآخر أما الدين فهو عاطفةٌ سلبية تقوم على الخوف من المستقبل والغيب وتعمل على تدجين الخوف بمحاولة تدفقها بعسر نحو المقدّس. وهذا ما جعل الحب أقرب إلى الدين الدنيوي الواقعي الملموس فيما اتجه الدين إلى الاخرة والغيب والمقدّس.
جوهر الحب هو الإيروس بينما جوهر الدين هو الباثوس والمقدّس. ولأن الحب ممارسة عفوية شعبية حافظت على ديمومة النسل البشري في الدنيا فقد أصبح الدين سعياً لديمومة النسل البشري في الآخرة حين يحاول ابتكار صلة مع الخالق ويضمن الخلود له بعد الموت.
سنقوم هنا بلملمة عناصر دين الحب إيروتيكا وإعادة بنائها في شكل نظامٍ ديني إفتراضي يتكون من مكوّنات أساسية ومكوّنات ثانوية.
المكونات الأساسية للإيروتيكا
دين الحب
رغم أن الحب والجنس وجودان فطريان داخل الإنسان إلاّ أن لهما نظاماً فكرياً تكوّن مع الزمن فعقائد الحب والجنس شغلت المفكرين وكتبوها بدأب وحرصٍ وإتقان، وكان يتبدل مناخ هذه العقائد مع تبدل العصور وأحوالها وحسب أشكال وأنواع الأمم حتى صرنا نملك كتباً وتآليف مذهلةً عن الحب والجنس جاءت بخبراتها بعد أن اختمرت تجاربها طويلاً. بل أن هناك منظومةّ فلسفية للحب تمتد من الفلسفة اليونانية وتمر بابن حزم الأندلسي و لا تنتهي بكريكجارد فيلسوف الحب المعاصر .
سيقول من يقول أن الحب والجنس لا عقائد لهما ويمارسهما الأميّ والفيلسوف بنفس القوة والطريقة، وهذا صحيح لكن النسيج الفكري لتجارب الحب والجنس كانت صدىً لممارسات الجميع ومنهما الأميّ والفيلسوف، ولم يكتبها عاطلون عن الحب والجنس بل كتبها من لاحظ وراقب ودقــّق ومارس وفرز وصنّف، وهكذا تكونت منظومة فكرية نظرية عن الحب تزول بين أممها وألوانها الحواجز فهي تختلف عن منظومات العقائد الدينية، مثلاً، في عدم التعصب واختفاء الدوغما العقائدية فيها إذ هي ملك البشرية كلها لأن الحب والجنس هما الدين الحق للبشرية كلّها.
ورغم أن الجنس يبدو ممارسة غريزية عامة يحملها الإنسان أينما وجد لكننا نرى أن الجنس عند الإنسان يختلف تماماً عن الجنس عند الحيوان ولا يحق للكثيرين الذين يحلو لهم تسمية الجنس الإنساني بـ الغريزة الحيوانية لأن غرائز الإنسان، في الأساس، أرقى بكثير من غرائز الحيوان وكذلك دوافعها وفسلجتها وغايتها.
والجنس ممارسة عامة وقوة بايلوجيةفسلجية قارّة يحملها الجسد ضمن نظامه الهرموني والغريزي والعضوي وراثياً وظرفياً. أما الحب فهو ممارسة فردية تختلف من شخص لآخر حسب تكوينه الروحي والعاطفي وثقافته في الحب. الحبُ هويةٌ شخصية بينما الجنس نطاقٌ عام. لكن الحب الجنسي الإيروس يأخذ طابعاً خاصاً عندما يعمل الحب على إعادة إنتاج وتصميم الجنس، فالبصمة الخاصة التي يُظهرها الحب يمكن لها أن تعيد ترتيب الجنس وفقها ولذلك تأتي الممارسة الإيروسية مشحونة بخصوصية الرجل أو المرأة.
الجنس يرتبط أساساً بالجسد بينما الحب يرتبط بالروح، وتجرّنا هذه الثنائيات إلى معادلات ثنائية أخرى منها أن الجنس يرتبط بالصحة والقوة فيما يرتبط الحبّ بالعلّة والمرض وكذلك يرتبط الجنس بالاتحاد والاقتراب والاندماج بينما يرتبط الحب بالفراق والبعد والتراسل، وكذلك يرتبط الجنس بالوجود بينما يرتبط الحب بالأخلاق وتنتج عن ترابطهما معرفة أصيلة بكر، والمعرفة الإيروسية كانت، دائماً، أول أشكال المعرفة التي عرفها البشر.
وبينما يشير الجنس بقوةٍ إلى الحياة الدنيا والحضور المادي فإن الحب يلمِّح إلى الحياة الأخرى وإلى الخلود والحضور المثالي القادم، وربما السابق، ويمكننا القول أيضاً أن الجنس يشير إلى الجمال المادي» الجسدي بينما يشير الحب إلى الجمال الروحي» المثالي.
ولن نخطيء إذا ما قلنا أن الجنس هو أساس القيمة المادية بين العاشقين بينما الحب هو أساس القيمة الثقافية. الجنس معمارٌ ماديّ أساسيّ بينما الحب ثقافة ووعي.الجنس كتابةٌ وحروف ونقوش بينما الحب لغةٌ وأنفاسٌ وأصوات وكلامٌ.
ولعلنا لا نخطيء إذا قلنا أن هذه الثنائيات المتكاملة هي التي دفعتنا للتصريح بأن الحب يلازم الجنس وأن الحب الإيروسي هو أعظم أشكال الحب وأكثرها تكاملاً فهو لا يضغط على طرف لكي يقلّل أو يغيّب الطرف الآخر، كما أنه صيغة التوازن الحقيقية بين ضدّين مؤتلفين ينبتُ كلٌّ منهما في جوهر الآخر بقصد وبدون قصد. ويمكننا وفق تصور خاص تقسيم أنواع الجنس والحب إلى ما يلي
1. الجنس المطلق الذي هو الجنس بلا حدود والذي يشمل كل أنواع الجنس الطبيعية وغير الطبيعية، وهو جنسٌ وحشيٌّ لم تهذبه الحضارة والثقافة بل هو نتاج الغريزة القوية المندفعة ليشمل كل أنواع الشذوذ الجنسي وبكل صوره.
2. الحب الجنسي الإيروسي وهو الجنس المهذب القوي الذي يترافق مع الحب ويعني الرغبة الجامحة في الحب وممارسته جسدياً بين الرجل والمرأة.
3. الجنس العادي هو الممارسة التقليدية للجنس والتي تسيّرها الرغبة وليس الحب ويكون دافعها الإفراغ.
4. الحب اللا جنسي هو الحب بين الرجل والمرأة سواء كان ذلك مشتركاً بينهما أو من طرفٍ واحد دون تحقق اللقاء الجسدي بينهما.
5. الحب العذري هو الحب الذي يمتنع عن اللقاء الجنسي ولا يسعى إليه وهو نوع من التسامي على الرغبة الجسدية.
تبلورت في الفكر الإيروسي مصطلحات كثيرة منها ما يخص الجنس ومنها ما يخص الحب، ففي الجنس sex) الذي يعني ممارسة الرغبة الجسدية بكل صورها، هناك أيضاً الإيروس Eros)والايروتيك Erotic)والإيروسية Erotism) وكلها تشير إلى الحب الجسدي أو الحب الجنسي لأن مقطعEros يعني إله الحب الجنسي الإغريقي مقابله آمور أو كيوبيد الروماني وكان هذا طفلاً عارياً يتردد بين الأجساد العارية للآلهة الذكور والإناث ثم للبشر الذكور والإناث، رغم أن المصطلح أصبح يشير ، لاحقاً ،لكل ما يثير وللرغبة الجنسية، ويمكننا أن نسميه الشبق .
أما الجنس sex) والجنسانية Sexsualit) فهو مصطلح أعمّ وأشمل يمكن أن تندرج تحته الكثير من المصطلحات وقد أصبح الجنس الآن علماً يسمى علم الجنس Sexology، فالسيكسولوجي هو علم يدرس الجنس من كلّ جوانبه وأنواعه وشذوذه وغرائبه وأمراضه بل هو يدرس الحب كفرع فسلجي ونفسي من فروع علم الجنس.
أما الجنوسة أو الجاندرGender فهو موضوع مختلف تماماً لأنه يعني بتحديد هوية الفرد الذكرية أو الأنثوية ومدى نقائها ثم العلاقة الداخلية للفرد بين الأنوثة والذكورة وعلاقته الخارجية بالجنس الآخر المقابل له. أي أن الجاندر هو دراسة بايولوجية وثقافية للأنوثة أو الذكورة وعلاقتهما ببعضهما.
في حين يستعمل مصطلح البرونوProno للجنس الإباحي حيث برونو تعني مومس وبذلك يكون مصطلح برونوغرافيPronography يعني الإباحية وهو الجنس البذيء والمتهتك الذي يخلو من الحب عادة.وهناك اصطلاحات مرادفة كثيرة مثلNudism وهو المذهب المنادي بالتعري لأغراض صحية وجنسية.
أما الحب فاصطلاحاته لا تعد ولا تحصى عند الأمم والشعوب وقد أحصينا ،على سبيل المثال، أربعين اسماً للحب ودرجاته عند العرب.. ولا يقلّ اهتمام الشعوب الأخرى عن هذا ففي تراثها الكثير مما يقال عن الجنس والحب.
 
أعلى