حميد طولست - لولا الجنس لانقطع الجنس (5/5)

1/5

لا يختلف اثنان على أن الجنس هو الركيزة الأساسية في بقاء النوع البشري ، وأنه ، وكما يقال: "لولا الجنس لانقطع الجنس ، ولما وجدت واستمرت حياة " ولذلك اعتبره الهندوسية من ضمن الطقوس التي تقوم عليها عباداتهم والتي كانت تقوم بها البغايا في المعابد ، وأن الرغبة الجنسية هي أقوى غريزة تتفاعل في النفس البشرية ، لكنه ، مع الأسف ، رغم كل ما أولاه الإسلام من اهتمام خاص ولائق بأهميته في استمرار الجنس البشري ، لازال أحد المجاهيل لدى التركيبة العربية قديما وحديثا نظرا لعدم وجود ما يشرحه شرحا سليما وصحيحا ، ما أدى إلى تعامل الرجل العربي الشبق مع المرأة بطريقة خاطئة وصورة معقدة نفسيا ، حيث أنه يرغب في ممارسته عليها في حله وترحاله ، سمراء كانت أو الشقراء أو السوداء وحتى صفراوات اللون أيضا ، يرغب فيه مع السافرة والمتحجبة والمنقبة ، رغبت هي فيه أو عزفت عنه ، المهم أنه يريدها تحت تصرفه وحده ، بل يريدهن كلهن له وحده ، ولا يسمح أن ينظر إليهن أحد غيره ، الأمر الذي دفعه إلى فرض الحجاب عليهن، حتى يحافظ على ما ملكت يمينه من عيون الآخرين ، ويتمكن هو من اطلاق العنان لعينيه للتمتع بنساء الآخرين الذين لم يفرضوا على حريمهم ذلك الجلباب.
واللذة الجنسية رغبة وحاجة جسدية كسائر الحاجات الجسدية الأخرى ، هي في حاجة دائمة إلى الإشباع ، مثل الشعور بالجوع إلى الطعام ، فإن هي جاعت أو عطشت ، اهتاجت كالبحر الهادر أو الثور الأرعن الذي لا توقفه موانع أو خطوط حمراء ، حتى يأتي على الأخضر واليابس ، من أيّ جنس ، وعلى كل ذي نفس من الأحياء والأموات ، وحتى في حالات التقدم في العمر الذي لا ينقصه أبدا خصوبة وشبقا ، ويجعل كثير من المسنين ، رغم استنكار القيم الاجتماعية وسخرية الناس واستهزائهم ، ينخرطون في علاقات الوله والحب مع بعض الشابات أو المراهقات ، تعويضا عن الشعور بالغربة والخوف والحاجة للسند ، بعد الإحالة على التقاعد وافتقاد وابتعاد الأبناء عن الأسرة .
ويمكن كذلك تشبيه تلك الرغبة الجنسية الجامحة داخل الإنسان البالغ ، بالطاقة الحبيسة التي تبحث لها عن مخرج لكي تتحرر ، والتي تحصل اللذة عند إفراغها ، وإن حصل أن واجهت عملية إفراغ تلك الطاقة الحبيسة قيوداً دينية أو اجتماعية أو أخلاقية ، كغياب الشريك في العملية الجنسية أو الإحجام عن الممارسة الجنسية إلا من خلال ما تسمح به القنوات الشرعية - حيث تكون ممارسة الجنس عادة مقيدة بميراث المجتمعات من الأديان والمعتقدات والأساطير ومفهوم الخطيئة والحلال والحرام - الذي فرضته بعض المعتقدات الدينية مثل الزواج أو الرباط المقدس ، فإنها تظل تبحث دائماً عن مخارج بديلة لإفراغها أو إشباعها مثل ممارسة العادة السرية (الاستمناء) أو عن طريق الجنس النومي ( سكسومنيا) أي الممارسة الغير واعية للجنس أثناء النوم ، والمسمى بالاحتلام الغير واعي الذي يحدث بنسبة أكبر لدى الأشخاص المحافظين والمتدينين -الذين لا يمارسون العادة السرية على اعتبارها خطيئة أو حراما .
وهناك مخارج أخرى تغن الممارسة الجنسية فيها عن الشريك الطبيعي ، حيث تتم مع شريك من نفس الجنس كما هو حال مثليي الجنس (أقل من 6%) أو في ما ندر مع أجناس أخرى من الحيوانات ، أو ف حالة الاضطراب النفسي نادر حيث تتم الممارسة مع جثث الموتى الذي يسمى بـ "نكروفيليا" أي "بنكاح الجثة "، الذي أفتى بإباحته الشيخ المفتي فقيه النوازل الكبير (الزمزمي) الذي اباح كذلك للنساء باستعمال الخضر دائمة الانتصاب ، وكذلك يد المهراس الأشد انتصابا ، لإطفاء حريق الشبق الجنسي لديهن ..
إلى جانب كل هذا وذاك ، وبغض النظر عن الخطأ أو الصواب ، وطبيعة الشريك ، فقد تطورت طرق ووسائل إشباع الرغبات الجنسية المكبوتة ، حيث أصبح الجنس لا يحدث عبر اتصال جنسي مباشر مع شريك ، وإنما اقتصر دور الشريك على مساعدة الشخص على إشباع رغبته عبر ممارسة الاستمناء أو العادة السرية إما بشكل مباشر من خلال المداعبات أو عن بعد من خلال رسائل وصور وأصوات تبعث باحاءات جنسية تصل الشريك عبر وسائل الاتصال الحديثة - التي مكنت من ظهور نوع جديد من الممارسة الجنسية هي "الممارسة الجنسية عن بعد " - ليصل مع المشترك معه في العملية إلى اللذة التي يمكن أن تكون متبادلة ، والتي هي في الأصل ممارسة للعادة السرية لكن مع شريك افتراضي إلكتروني ، البديل للشريك الفعلي عبر الاتصال الهاتفي مثلاً ويدعى بـ Phone Sex أو عبر شبكة الإنترنت كرسائل الدردشة الفورية Sex Chat أو اتصال صوتي أو فيديوي باستخدام الكاميرا ، والتي لا صلة لها بالجنس الحقيقي ، ولكنها تحقق للمرء قدرا من اللذة والمتعة ، وتغنيه - سواء بشكل مؤقت أو حتى بشكل دائم - عن الممارسة الجنسية المباشرة مع الشريك.

.
 
1

الثقافة تؤثر على السلوك الجنسي للفرد ، إضافة إلى الوسط الاجتماعي... فالنواحي الجنسية تتأثر بالأخلاق والاعتقادات السائدة في المجتمع ، وبمتغيرات العصر ومستجداته ، والتي هي المحصلة الناجمة عن تفاعل القوى المزاجية والعقلية مع عوامل البيئة الاجتماعية والثقافية والدينية .
ــــــــــــ ورغم اعتبار بعض العقليات المتشددة أن الجنس قذارة وانحطاط أخلاقي يجب التطهر منه والابتعاد عن الخوض فيه إيحاءا منهم أن الإسلام يجب أن يسمو ويعف عن ذكر الأمور الجنسية ، فقد انتفض الحديث عن الجنس ضد كل أنواع المنع والطابوهات ، وانتشر في كل مكان - بعد أن ظل حبيس لقاءات أشخاص من نفس الجنس أو السن أو بين أشخاص تربط بينهم علاقات حميمية - فأصبح لا يخلو منه مجلس أو لقاء أو حوار جانبي كان أو علني ، لكن بصورة خرافية مغلوطة ، يلعب فيها الخيال دوراً كبيراً في إطلاق كل أنواع الصور الذهنية المؤكدة على النظــرة الدونية التي يحملها الانسان العربي للمرأة التي يعتبرها مجرد وعاء لذلك الجنس ، ويذكي قصصه المثيرة ، ونكاته المسلية وروايات غرائب ممارسته العجائبية التي تختزل المــرأة في جسدها الحاضر دائما لتلبية رغبات الرجل وفانتـــازماته ، داخل العلاقة الزوجــية وخارجها ـحيث نجد الجنس عندا وقد عم كل مكان ، حتى دكاكين العشابة وحوانيت العطارة وبين ما يبيعونه من حيوانات محنطة تنفع في الإثارة وتطويل الذكر ، بل وعند جميع الباعة المتجولين بصيدليات جنسية «صحراوية» متنوعة الوصفات والتمائم السحرية التي تعين على الانتصاب والقدرة على استدامة ممارسة الجنس لمدد طويلة لمن تسلل القصور لقضبانهم من الرجال واعتراهم ضعف جنسي ، كما أننا نجد دلالات الجنس في توسلات المتسولين وأدعية الدراويش الخارقة في طرد النحس وجلب البعل والولد ، أمثال " الله يبيض سعدك يا بنيتي " أو " الله يجيب ليك ولد الناس الي يحسن بيك " والتي تبث السعادة في نفوس العوانس والمتزوجات على حد سواء ، ويدفع بهن لبدل وعطاء ما في جيوبهن .
كما نجده على أرصفة الشوارع المحاذية للمساجد الكبيرة ، حيث بائعي الحبة السوداء وما يعزى لها من امكانيات تلامس كل القضايا والوضعيات الجنسية ، وتتفوق فيها على حبات "الفياكرا" الزرقاء ، كما تحكيه كتب الرُّقية الشرعية وسلسلة الإصدارات الخاصة بأسرار الجنس والسعادة الزوجية ..التي تزخر بهم المكتبات العمومية وحتى في بعض المدارس ..
وبعيدا عن الشوارع و" الجوطيات " والمتسولين والمشعوذين فإننا نجد أن الحديث عن الجنس ، بالصريح أو المبطن ، بالمختصر أو "لمشرمل" ، متاح بالمجان أو بالمقابل ، وفي الغالب الأعم بلا مقابل ، نجد الحديث عنه في ما تنقله فضائيات الغرب التي أطلقت العنان لكل أنواع الجنس لدى البشر والحيوان في أدق خصائصه الفسيولوجية والتشريعية والسلوكية ، كما أنها لا تتورع عن اظهار تفاصيل الممارسات الجنسية عبر أفلام "البورنو" الفاضحة المبثوثة على نطاق واسع ؛ ونجده كذلك(الحديث الجنس) ، يملأ كل القنوات الدينية التي لا تتوقف العقليات المتطرفة المسيرة لها عن الدعوة لشيطنة الجنس وتحريمه واعتباره قذارة وانحطاطا أخلاقيا يجب التطهر منه والابتعاد عن الخوض فيه ، بدعوى أن الدين منزه منه ويجب أن يسمو ويعف عن ذكر الأمور الجنسية لأنها تصد عن الإسلام الذي ينتقي أصحاب الأغراض المنحرفة - ملاكي تلك الفضائيات التي تستخدم الدين ولا تخدمه – من دستوره ، القرآن الكريم ، ما يعجبهم ، ويؤولون من آياته ما يخدم أهدافهم ويتلاقى مع أهوائهم ليصلوا إلى غاياتهم الخرقاء في الخلافة المأمولة ، التي يوظفون من أجلها جميع الأساليب التي كان يقوم بها الحسن بن الصباح ، الذي كان يقنع أتباعه الشباب بأن الجنس الدنيوي مجرد لذّة بهيمية وقضاء عابر للوطر ، ويعدهم بما أحسن وأفضل منه ، "الحور العين" اللائي يشبهن اللؤلؤ المكنون ، كما في قوله تعالى : "وحور عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ " الواقعة/22، 23 ، وكالياقوت والمرجان ، كما في قوله سبحانه وتعالى : ( كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ) الرحمن/58 ، فيزينوا لهم الانتحار والقتل والتدمير ، ويوحون لهم بأنهم إذا قاموا بالعملية الانتحارية وقتلوا ودمروا فإنهم يصبحون شهداء ، وحال موتهم يستقبل كل واحد منهم في الجنة بـ 72 من الحور العين " إوا أرى ما عند من جنس " ، وقد بلغ الشطط ببعض الفضائيات المتأسلمة أن بثت لقاءات ومحاضرات لشيوخ وكتاب ومفتين في موضوع (الولدان المخلدون) الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم ، وقالوا عنهم أنهم مكافأة لأهل الجنة الذين كانوا يميلون بشهوتهم في الدنيا إلى اللواط ومنعوا أنفسهم من ممارسة ذلك الشذوذ ، –دون أن تحمر وجوههم من حياء ، أو خشية من عقاب الله على تشويههم صورة المسلمين في أعين أعداء الإسلام ، وتلبيس أمر الجنة في أذهان المسلمين .



.../...
 
3

الميل الجنسي فطرة في جميع البشر يتساوى فيها الجاهل والمتعلم ، وهو في أصله أداة إشباع الحاجة الغريزية التي فطر الله عليها المخلوقاته ، وجعلها دافعاً للحفاظ على نسلها . لكنه صار عند الكثير من الدول العربية هوساً لا يوازيه هوس ، وغلوا ما فوقه غلو ، بل تحول عند بعضهم إلى ديانة تنسب إلى تعاليم رب العالمين ، وسوقا للفاحشة يُتفاخر فيها بالتفوق في ممارسته اعتباطا وبدون روح إنسانية ، أو علاقة رسمية ، ويتفاضل فيها بإبراز كل ما له علاقة بمناطق التناسل وأدواته ، من قضيب طويل ، وشرج اللحيم ، وفرج لميم...
ولا أحد يشك في أن متعة الجنس هي جزء من تكوين الإنسان الفسيولوجي ، تدفع غائلة الشهوة لديه ، وتلطف السلوك الشهواني الجامح عنده ، وتمنع خرق شروطه الشرعية وتجاوز حدوده الإنسانية ، والتعدي على قوانينه الوضعية ، حتى لا ينقلب إلى شهوة حيوانية شبقة متأججة ضارية ، وتقي حياة الفرد والجماعة ، من أخطار التجارب الجنسية غير المسئولة الضارة ، خاصة تلك التي يحاول من خلالها الشباب - قليل المعرفة بالأمور الجنسية - استكشاف المجهول أو المحظور بدافع إلحاح الرغبة الجنسية المكبوتة ، والتي إذا اشتدت لديه أعمت بصره وبصيرته ، وقادته إلى عواقب وخيمة ، كما في قول الإمام الغزالي : "النكاح بسبب يدفع غائلة الشهوة مهم في الدين ، فإن الشهوة إذا غلبت ، جرّت إلى اقتحام الفواحش" أو كما جاء في القول المشهور أن :"المرء إذا اشتدت شهوته سهل اقتياده من فَرْجه وبطنه ، أكثر مما يُقتاد من عقله وضميره " ، حيث أنه كلما ألغيت شروط الجنس الشرعية وتُجاوزت ضوابطه القانونية ، إلا واتسعت دائرة انشغال الناس به ، وتوسعت مساحته وتفاقمت جرأة اقترافه ، وترسخت في الأذهان سلوكياته الهجينة بشكل لافت أكثر مما كان عليه حال الأمم في ماضي الأحقاب ، ما يدفع للسؤال عن أسباب محددة أدت إلى تأجيج الرغبة الجنسية والانشغال بها لدى العالمين عامة والعالم العربي على وجه الخصوص !! وهل هي أمر طبيعي يندرج في سياق تطور التجربة والهم الإنساني ؟ أم هو نتيجة تراجع الكثير من القيم والمبادئ الدينية ، وانهيار المفاهيم الأيديولوجية والاجتماعية والثقافية ، وتناقص دور التربية والأخلاق ؟ أم هو بسبب تسيّد الجسد والتفاخر بالعري ؟ الذي أثبتت البحوث والدراسات العلمية والسوسيولوجية والاجتماعية ، وأكدته الإحصائيات التي توردها الأقمار الصناعية ، غبر خدمة "جوجل تريندس "google trends التي هي باختصار ، مؤشر يعرض نتائج كل البحوث وفي كافة المجالات ، ويجعلها في متناول كل الباحثين ، حيث انه تكفي المرء نظرة واحدة فقط على مؤشر"جوجل تريندس " اتجعله تعرف على حجم الكارثة التي يعيشها الإنسان العربي مع الجنس ، ويتبين له بالواضح والمكشوف ، أن المنطقة العربية والإسلامية ، تعيش معضلة حقيقية تتمثل فيما تعرفه من كبت جنسي فعلي ، واختزالها التحرر الجنسي في ممارس الجنس اعتباطا و بدون روح انسانية ، او علاقة رسمية (كما سبق) ما جعلها أكثر مناطق العالم انشغالاً بالجنس والبحث عن كلمة.."سكس".. ، ومتابعة الغالبية العظمى من شعوبها للأفلام الإباحية ، و اكثرها الرئيس تحرشا بالنساء ، كما هو الحال في افغانستان ومصر وهي دول اسلامية بامتياز ، اما في لبنان والمغرب فقصص الجوعى للحم الأبيض لا تحصى..
فهل آن الاوان لان نفيق من سبات المنكحة الكبرى التي نسبح في مستنقعها ، ونعود لرشد العقل ونتجه حيثما كان الدين والتربية والأخلاق ، ونعيد للجنس قدسيته كحافظ للنوع ، وقيمته كمحقق للذة الفطرية المنشودة .. ونترك جانبا ما حفل به التاريخ من أخبار فحولة بعض الخلفاء والملوك والسلاطين الأقوياء ، وقصورهم المملوءة بعشرات الأزواج وآلاف الجواري المخصصات لأجل الغزوات الجنسية الخارقة ، كما كان لهارون الرشيد وغيره من زاعمي النبوات والرسالات المنسوبة للسماء ..

.../...
 
4

الجنس بين المعتقد وعلم النفس .
إذا كان الجنس هو الركيزة الأساسية في بقاء النوع البشري ، وأنه لولاه لما وجدت الحياة واستمرت ، كما كتبت في المقالة الأولى "لولا الجنس لانقطع الجنس" ، فإن الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الدنيا التي تفني تلك الحياة التي أوجدها الجنس بإذن الله سبحانه ، والتي لا مفر منها لأي حياة ، مصداقا لقوله عز وجل : " فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ " ، وقد يغفل البعض عنها ويسلى لكنها تترصدهم في كل وقت وحين ، كما في قوله سبحانه : "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير‏" .
إذ أن الموت -ذاك المجهول- يمثل أكبر لغز في حياة بني البشر وسيظل كذلك مادام لم يحدث أن مات شخص ما ثم عاد إلى الحياة مرة أخري ليروي لنا ما رآه في العالم الآخر من أسرار الموت المخيفة التي تؤرق الإنسان وتشغل كل تفكيره واهتمامه ، اللهم بعض الحالات المعدودة والتي حدثت بمقتضى إرادة إلهية ، مثل أصحاب الكهف وصاحب الحمار وذلك الذي أحياه النبي عيسي بإذن الله ولغايات ربانية محددة .
ورغم ذلك ، فقد امتلأ عالمنا بالأسرار والظواهر الغامضة التي لا تتوفر في غالبيتها على دلائل نهائي أو معقولة لحدوثها ، كالعودة من الموت وأسطورة الدخول للجنة -رغم ندرتها وما خالطها من خرافات- التي يسردها من خاضوا ما سمي علميا بتجربة الاقتراب من الموت (NDE) والتي ما هي في الأصل ، حسب علماء النفس ، إلا مجموعة من "الأحاسيس التخيلية " أو الهلوسات الوهمية التي ليس لها أساس من الواقعية أو الصحة يعيشها بعض الأفراد أثناء غيبوبة متقدمة أو موت سريري ، قبل أن يتم إنعاشهم ، وتتمحور في اعتقاد أصحابها بأنهم رحلوا إلى الضفة الأخرى ودخلوا الجنة ، والتي تعود في مجملها إلى أسباب نفسية صرفة وإلى اعتقادات الشخص الخاصة حول موضوع الجنة والنار والموت التي تتجسّد في تفكيره وكأنها تحصل فعلاً ،
ورغم أن علم النفس لم يتمكن بعد من تأكيد إمكانية بقاء المرء في حالة وعي خلال الموت ، كما يزعم أصحاب تلك التجارب ، فلا تزال تلك المعتقدات مهيمنة على الكثير من الناس في العديد من المجتمعات ، وعلى رأسها المجتمع العربي على وجه الخصوص ، وكما في الفيديو الذي نشره قبل أيام ، الصحفي أنوار لكحل لأحد الأشخاص ممن يسمون انفسهم بـ"الـمجاهدين " والذي يحكي فيه مروره بنفس التجربة ، إلا دليل على تلك الهيمنة المتحكمة في العقول المريضة..
ويلخص "الفيديو" خضوع أحد أعضاء داعش المغاربة لأحداث غامضة ، و يزعم أنه تعرضه لإصابة بليغة ،خلال المعارك الجهادية بسوريا، ودخوله على إثرها في غيبوبة جعلته يعيش تجربة الاقتراب من الموت ، دخل خلالها الجنة وأسهب في وصف ما رأى بها من "حور العين" اللاواتي وصفا جنسيا فاضحا لجمال أجسادهن وحسن عيونهن الكحيلة و (بزولهن) الأثداء الكبيرة ، ولم يتماسك فلمس أردافهن الصقيلة -"المصاصط "، بلهجته البدوية – لمسة واحدة كانت وراء قذفه (بلوغه اللذة القصوى ) خمس مرات ، في ممارسة جنسية غير واعية ، وأجواء خيالية مثيرة جداً ، صنعها له عقله اللاواعي لإشباع رغباته المكبوتة عبر حلم جنسي بورنوغرافي رائع ، توج باحتلام او استمناء عاشه "المجاهد" ، قبل ان يتم انعاشه.
كان يمكن ألا ينظر لهذا الفيديو/الحوار، نظرة حوارية ، ولكن نظرة اعتبارية واعظة ، لأن المواعظ حياة للقلوب وبالمواعظ تنجلي الغفلة ـ
لكنه وبتحليل بسيط تغيرت النظرة إليه بسبب ما حملت من تأثير المعتقدات والأساطير الجنسية التي يربطها الشيوخ الدين ورجاله بالدين ، وما يسوّقون من صوره النمطية التي تتسبب في خلخلة جيل شباب محروم جنسيا لأسباب اقتصادية واجتماعية ، وتجعلهم منغلقين على أنفسهم رافضين جنس الأرض على اعتباره زنى ، يكرهون الحياة ، وينبذونها بسهولة عند أول أمر يعطى لهم ليتحولوا إلى إرهابيين مستعدين للقتل وجاهزين لتفجير أنفسهم في الأسواق والشوارع العامة ، بكل بساطة واستسهال لتعجيل مصيرهم الأخروي المحدد في الشهادة التي ستدخلهم إلى الجنة ليرتمي كل واحد منهم في أحضان السبعين من حور العين اللواتي ينتظر مضاجعتهن بحرارة ولهفة وشغف.
ـوقد استطاع شيوخ التطرف والإرهاب تهييج الكثير من الشباب لحمل السلاح قصد الموت في معارك خاسرة ، يدخلون بموجبها إلى الجنة وكأن الجنة تحولت إلى زريبة يدخلها القتلة والمجرمون الذين يقتلون النفس التي حرم الله قتلها ، أو كأن عبادة الله مبنية على طمع في الدخول للجنة وما بها من حور العين ، أو خوفا من جهنم ونارها الملتهبة ، بينما حقيقة عبادة الله هي أعمق من ذلك التفكير السطحي الذي يحشوا به فقهاء الشر عقول السذج من شباب المسلمين ، والذي يخالف في مضمونه كل ما كان الأنبياء عليهم السلام من عميق الإدراك لأخلاقيات ومعاني العبادة الحقيقية ، وصحيح التعامل مع الله سبحانه وتعالى ، الذي لم يعبدوه لأجل الحور العين ، ولا للجنة ونعيمها ، ولا خوفاً من النار وشررها ، بل عبدوه حباً لذاته ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يتعامل مع الله بمنطق لا ندرك أبعاده ، حيث كان صلى الله عليه وسلم يجد المتعة في الذكر وفي الصلاة ، فكان يقول لبلال : أرحنا بها يا بلال ، وكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه ، ثم يجيب عائشة رضي الله عنها بالقول : أفلا أكون عبداً شكوراً ، ولم يقل قط أريد الجنة والحور العين ، بل كان يقول : أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم وأحبوني لحب الله إياي.
وفي هذا كان عيسى عليه السلام يقول : "قوم عبدوا الله خوفاً من ناره وتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله طمعاً في جنته وتلك عبادة التجار ، وقوم عبدوا الله حبا في ذاته وتلك عبادة الأحرار.


.../...
 
5/5

الإنسان في كل شعوب العالم يتطلع للمتميز حتى المتميز منهم يسعى للمزيد من التطور ، في انجازاته العلمية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والرياضية ، بينما الإنسان العربي يسبح في تصحر وضحالة ثقافة ميكافيليته الجنسية التي لا تعرف ضوابط اجتماعية أو إنسانية أو أخلاقية ، وتستبيح أكثر الرغبات الذكورية هَوَسَاً وشبقية ، من اغتصاب السبايا والتمتّع بالمجاهدات ، وكل أنواع الشذوذ الجنسي المناقض للطبيعة والدين والأعراف والأخلاق ، الذي تشرعنه فتاوى القتل والنهب والجنس ، المتلاعب بضوابط الشرع لتلبّية غرائز الذكر البدائية وميولاته الشاذة وهلوساته الشبقة ، وتمكينه من مساحات شاسعة من التسهيلات والرخص الجنسية - الشرعية منها والأخلاقية وحتى القانونية - إلى درجة تحوّلت معها جنّة الله الموعودة بنعيمها وحوريّاتها وغلمانها ، إلى جنّة جنسية أرضية ..
فلو جمعنا الفتاوى السلفية المتعلّقة بالجنس ، وتمحصنا في دلالاتها ومضامينها ، ولو سطحيا ، لاكتشفنا أن الغالبية العظمى منها قد صدر عن مشايخ غافلين معزولين عن العالم ، تحجبهم منابرهم ، التي قلما يبرحونها ، عن مستجدات المجتمع وحقيقة المشاكل النفسية الفيزيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيشها الناس عموما والشباب على وجه الخصوص ، وأنها في مجملها مجرد اجترار لما تم أن تُداول منها على مدى قرون ماضية ، ويُراد اعادة بعث الروح فيها من جديد ، وتلبيس الكثير من أفكاره الميتة بلبوس العصر .
ورغم أنها فتاوى غير معترَف بها رسميا ، ولا يصمد معظمها أمام أي سجال فقهي ، فإنها ، مع الأسف الشديد ، تجد لها مكاناً لدى أوساط الكثير ممن يتبعون الإفتاء ، وتستحوذ على اهتمام جل الشرائحهم – التي لا فرق فيها بين عامه الناس ونخب المجتمع - ليس لأنهم أكثر تدينا من غرهم ، ولكن لما تمنحهم إياه من رخص شرعية وأغطية أخلاقية وسياسية صورية وزائفة ، لممارسة ما يرغبون فيه من إباحية جنسية ، دون إدانة المجتمع أو تأنيب الضمير.
فلنأخذ ، مثلا ، فتوى "جهاد النكاح " التي ازدهرت في السنوات الأخيرة القليلة مع الثورة السورية إلى حد الانفلات ، تلك الفتوى التي تلاعب بها المفتون بكثافة لتشريع الجنس الحرّ البغائيّ والشاذّ ، الذي يعتبر أن كل من وفرت متعة جنسية مؤقتة للمجاهدين ولم تتقاضى عن ذلك أجراً ، مجاهدة لها أجر ذلك عند الله لنصرتها لدينه .
ومن البين والواضح أن تلك الفتوى الجنسية " الشاذة والغريبة " التي أدلى بها العديد ممن يعتبرون أنفسهم علماء وفقهاء ورجال دين ، والتي انتشرت كالنار في الهشيم داخل مجتمعات المتأرجحة بين الحداثة ومحافظة ، لم تأتي صدفة أو من عدم ، بل كان لها أخوات متزامنات ، مهدن لظهورها عبر أزمان ماضية ، وأخريات لا زالت تصدر إلى اليوم وبكثافة ، مثل فتاوى اباحة عدد من أشكال الزواج الجديدة ، كزواج المسيار ، وزواج المسفار ، وزواج الصيفي ، وزواج السياحي ، وزواج الكاميرا ، وزواج النهاريات ، وزواج الحيلة ، وآخرها "زواج الوناسة ووزاج الفرند ، إضافة إلى ما عرف فى العصر الجاهلى الأول(قبل ظهور الإسلام) من أشكال مختلفة للزواج ، كزواج المقّت ، وزواج الإستبضاع أو (الاستفحال) وـزواج الرهط وزواج المتعة وزواج الشغار وزواج البدل وزواج السفاح وزواج الأكفاء ، وغير ذلك من أشكال الزواج التي لم يكتفي بها المفتون كمتع للرجل ، فعززوها بفتاوى التمتّع بملْك اليمين ، وزواج الأنثى غير الحائض ، وجواز مضاجعة جثة الزوجته المتوفية ، ومعاشرة الزوج لزوجته بشتى الأشكال ، بما فيها الجنس عن طريق الفم ، والاستمناء باحتكاك الرجال بمؤخرات النساء راكبات حافلات النقل العمومي حتى في رمضان ، ومعاشرة "دمى الجنس" -التي أغرقت بها الصين الأسواق- وذلك حسب الفقيه الزمزمي رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث ، الذي لم ينسى حق المرأة في الجنس ، فأباح لها استعمل كل أنواع الخضراوات الدائمة الانتصاب ، كأدوات للمتعة الجنسية ، من الجزر وخيار وقرع ، وحتى يد المهراس (معول الهاون) إضافة إلى إرضاع الكبير ، وتقبيل غير الزوجة ،الذي لم يعتبره الداعية البرهمي من حالات الزنى ولا يوجد قصاص فيه ، ومن الغريب في هذه الفتاوى ، أنها تتناقض فيما بينها أباح الزمزمي - كما سبق- استعمال الخضر في إرواء رغبة النساء الجنسية ، نجد فتوى نشرت على شريط فيديو لشيخ مصري يعيش في أوربا تحرم تداول المرأة للموز والخيار حتى لا تستثار جنسيا ، وأنها إذا رغبت في أكل تلك الخضر يقوم "محرم" بشرائها وتقطيعها قبل مناولتها ، لما يرى المفتي في تلك الخضراوات من تشابه كبير بالعضو الذكري؟! .
وتبقى أغرب فتوى سمعتها ولم أفهم المقصود منها تلك التي وردت على لسان الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني من خلال تشبيه وجه المرأة بفرجها بقوله: "وجه المرأة كفرجها" !!
وأختم مقالتي هته بالرد على بعض الانتقادات الكثيرة التي ملأت بريدي الإلكتروني بقولي : ما يجب أن يعلمه المنتقدون أننا لسنا كفارا بكل فتاوى فقهاء الدين والقائمون عليه ، فالكثير منها معبرة وصادق ، ويتماشى مع روح الإسلام وظروف العصر والبيئة والمجتمع والتطور العلمي والحياتي،
لكننا كفار بالمتعلق منها بالأشياء الميتة والتي يعبر بها شيوخ التخلف عن مواقفهم ورغباتهم الشخصية ، والتي تتحول إلى فتن يتصدع بسببها المجتمع وتجعله ينشغل بقضايا جانبية تحول دون تطوره ورفع مستواه الاقتصادي والفكري واللحاق بركب الحضارة والعلم ، والتي يريدون منا اعتناقها دون أن نفهم أو محاولة ذلك ، لأن فهمنا للحقائق يعري خلفيات مقاصدهم.
ولذلك يتوجب عليهم الانخراط في "فقه الواقع" والارتقاء بالفتوى نحو أمور أعمق وأشمل ، وأن يستعيدوا أبعادهم الكونية والفلسفية والاجتماعية والسياسية والإنسانية ، كما حدث فيما مضى في أوروبا حيث أعطى العلم الحديث تفسيرات نفسية وفيزيولوجية وعصبية للكثير من المعتقدات التي كانت سائدة في القرون الوسطى ، لأنه إذا ما استمر هذا التسيب والانفلات وإغراق السوق بمثل هذه الفتاوى المخالفة للعصر والمعادية للحضارة ، فلن نرى إلا المزيد من قلة الاحترام وربما الاحتقار والإهانة المستمدين من وحي تلك الفتاوى "البايخة" والمسيئة للعقلية العربية والإسلامية ..
 
أعلى