منقول - الإيروتيكية العربية المفاحشات والممالحات عند العرب - مختصر بحث في التراث الايروتيكي

لاشك إن هذا الاستعفاف المبالغ فيه في حاضرنا هو نتاج المرحلة العثمانية، حيث خلط العثمانيون بين اللغة ككائن اعتباري حي ومتكيف مع المجتمع... وبين الفقه والأحكام كأصول ثابتة لايمكن التلاعب بها أو اللهو في مجالها، ونتج عن هذا تقديس للغة العربية كما هو الشأن عند معظم المسلمين من غير العرب... ولكن المفاحشة كانت جزءا من اللغة العربية في مختلف عصورها، بل كانت جزءا جماليا بالغ الادهاش بما ترصده من مفارقات وبما تظهره من أبعاد للسلوك الاجتماعي والمفاهيم المتداولة ثقافيا، فوفرة الأسماء للأعضاء الجنسية في اللغة العربية لا يمكن للغة أخرى أن تبزها، فعضو الرجل له أكثر من 150 اسما وعضو المرأة أكثر من ذلك، إضافة إلى الاوصاف والنعوت الخاصة بالاعضاء التي تتجاوز هذه الارقام بكثير... وقد أشار أحمد فارس الشدياق في كتابه الرائع (الساق على الساق فيما جرا للفارياق) إلى هذا الكم الهائل وأوردها شبه كاملة في استطرادات لغوية جعلت من كتاباته موسوعة لغوية.
وللاوضاع الجنسية والممارسات أسماء وصفات بالغة الكثرة، بل إن الأصوات التي قد تصدر بسبب احتكاك الأعضاء الجنسية تأتي في أصوات متعددة كل منها تشير إلى حالة جسدية أو عاطفية مختلفة.
وحقيقة لم يكن العرب يجدون حرجا في المفاحشة بل أن الحديث النبوي بحد ذاته يحوي ألفاظا صريحة إلى درجة الانكشاف، ومعظم من كتبوا الممالحات والفواحش كانو من الأئمة والفقهاء الذين رصدوا كما هائلا بل جمعوه في العديد من الكتب كالتيجاني والنفزاوي وغيرهما...
وكانت ثمة قناعة راسخة عند الجميع بأن (الاثم لا يكمن في لفظ فاحش إنما الاثم في قول الزور)... فالمفاحشة تصريح بفعل انساني قائم لا يضر أحدا، ولكن قول الزور استعداء وسوء خلق وخلة.
والمدهش أكثر أن تأتي المفاحشة على لسان النساء وخاصة النساء الحرائر وذوات النسب والحسب وما إلى ذلك‘ فنساء الخليفة ونساء الملوك كانت تجري بينهم مفاحشات معلنة لم تكن مستورة أو ممنوعة من أن تصل العوام، بل إن مجالس بعضهن كان يشتهر بالمفاحشة دون أن يجد القوم في هذا أي دناءة كالتي يشعر بها اليوم. ومن أشهر تلك المجالس مجلس سكينة بنت الحسين، ابنه سبط النبي (ص)، وزوجات الخلفاء الامويين والعباسيين... ولعل لنا في الشعراء الحسيين من عمر بن أبي ربيعة ومرورا بأبي نواس وابي دلامة وغيرهم الكثير من الشواهد على رواج المفاحشة في القول دون أي إشكال، وفي العديد من الكتب الراقية في ثقافتنا العربية حقل واسع تحت اسم المفاحشات، سواء أكان في الأمالي أو محاضرات الأدباء، أو حماسة أبي تمام، أو الحماسة المغربية، بل إن التراث الفقهي بعيد كل البعد عما نجده يصنف استعفافا هذا اليوم، فالمسائل فيه مكشوفة اللفظ والمعاني.
لذلك اجد ان هذا الاستعفاف هو أيضا جزء من منظومة التقليد في الفقه الاسلامي الحديث، حيث التلقين والكبت والصرامة عناصر أساسية لمن رغب في دخول ملكوت السماء.
وحقيقة نجد أن التشدد يطال النساء بدرجة أكبر بكثير، فالمرأة علاوة على انضباطها السلوكي الصارم، وتغطيتها لكل سم من بدنها، عليها أن تتغطى في الكلام، أن تتبرا من الشهوات حتى على مستوى اللفظ، مع أن هذا التشدد حقيقة لا يبني سوى على الوهم، فدراسة نفسية أجريت ضمن نطاق عشوائي في مجتمع متزمت اسلاميا أظهرت أن أن المفاحشة انتقلت للخيال، بمعنى أن أكثر من 80 من العينة كن يتخيلن أنفسهن في أوضاع جنسية مع آخرين غير أزواجهن، لكي يبلغن النشوة مع أزواجهن، ومنهن من كانت تتخيل نفسها مع إحدى الحيوانات المشهورة بعظم المتاع!
هذا الكبت حقيقة جعل الكثير من الاوهام تنموا بداية بوهم أن الاستعفاف في اللغة ينعكس استعفافا على السلوك، وهذا الامر تكذبه الدراسات الشفافة مهما بلغت... ونستغرب حقيقة سيطرة هذا الفهم مع انه يزيد العلل، فدخوله في دائرة المنع خاصة يؤذي المعرفة والخلق والعلم...الى درجة أن كل ما يتعلق بهذا الامر يحجب، حتى نكاح الفيلة؟!!
وفي احدى المدن المتزمتة قام أحد المسؤولين بمحاولة إشاعة بعض السرور في نفوس أهلها، فجلب القرود لإحدى حدائقها، عل الناس يتسلون ويضحكون، فما كان من الفئات المتزمتة إلا وطالبت بنفيها لأنها لا تحتشم اثناء الفعل الجنسي!!
والحقيقة ان هذا التشدد يطال المرأة أساسا، وبدرجة أشد كما قلنا، مع ان التاريخ والتراث يشيران إلى راحة واريحية في تداولها، فعريب المثقفة والمغنية التي كانت مفضلة في البلاط العباسي كونها تمثل الحالة الجمالية والثقافية، تُسأل في جمع مختلط وبحضور الخليفة، عما تحب في الرجل، فتقول: أير صلب ونكهة طيبة، فإذا انضاف إلى ذلك حسن ومال كان ذلك افضل.
بل أن المفاحشات كانت تطال ماهو شاذ وممنوع، فاللواط والتعلق بالغلمان، كانا حقيقة مكروهين اجتماعيا، مع أنهما كانا على صعيد اللفظ منتشرين بدرجة ملحوظة، ولم يجد حرجا في تداولها حتى الطبقة التي كانت في قمة التمسك بالدين، ولعل في خمريات أبي نواس والتي حفظها الكتبة، ومعظمهم ممن أتقنوا الفقه وبحثوا فيه، خير شاهد على ذلك، ذلك ان العرب كانوا يفصلون بين المفاحشة بالقول والمفاحشة بالفعل، وكانت المفاحشة بالقول أمرا عاديا قلما يترفع عنه الناس.... أما اليوم فإن المفاحشة في القول أصبحت الجريمة الأكبر، مع أن مفاحشة الفعل أدهى وامر ولكن ما يعنينا انها تحت جنح الظلام...
قولا واحدا لا يمكن للغة منافقة تعج بالمحذورات ان تصنع فهما جيدا، ولايمكن لذهنية مشغولة ليلا ونهارا بالكبت الجنسي ان تعطي مجتمعا ناضجا، لذلك سيبقى الجميع في دائرة المحظور لفظا المسموح خيالا، ونبقى نضحك على أنفسنا بأننا مجتمعات عفيفة.

ملاحظة:
لمن أراد أن يتأكد يكفيه ان يرجع إلى كتب: تحفة العروس ومتعة النفوس / عودة الشيخ إلى صباه / الأيك في فن النيك / نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب للتيفاشي / المحاضرات للراغب الاصبهاني/ ديوان أبو نواس / الف ليلة وليلة / حماسة إبو تمام / الأغاني للأصفهاني / الحماسة المغربية / العقد الفريد...وغيرها....
ولعل مراجعة كتاب (الشبق المحرم: أنطولوجيا النصوص الممنوعة لابراهيم محمود) تكون مدخلا لقراءة هذا الكم الهائل من التراث الايروتيكي.


* منقول
 
أعلى