بهاء عبدالمجيد - أحمد ناجي فاضحاً أزمات شباب القاهرة

رواية أحمد ناجي «استخدام الحياة» (دار التنوير) هي رواية تحكي عن سأم الشباب في الألفية الثالثة وربما عن واقع القاهرة قبل الثورة وتتنبأ بزوالها. ومع ذلك ينطوي العمل على بحث عميق في تاريخ القاهرة وعمارتها ونشأة عشوائياتها، عبر بطل الرواية «باسم»، الذي يعمل في تحضير أفلام تسجيلية عما آلت إليه العاصمة المصرية من قبح وتشوه. المحور الرئيسي في هذه الرواية ليس الجسد ولا الهوس الجنسي، ولكن دراسة اجتماعية لتطور مفهوم الرغبة الجنسية عند الشباب والانطلاق في مجتمع تؤخر ظروفه الاقتصادية سن الزواج ويبيح اختلاط الجنسين من دون وضع ضوابط تساعدهم على التأقلم الإيجابي. فتبدو الرواية كأنها دراسة انثروبولوجية عن أمزجة الجيل الجديد وتعاطيه المخدرات والجنس السريع المتوتر في مدينة تعاني من العشوائية والجهل والمرض.
تُمثّل قصة «باسم» مع «موني» و»ريم» قصة كثير من الشباب الذي تمزَّق بين ثقافتين؛ ثقافة الغرب المنفتح وثقافة الشرق المتحفظ والتطهر الكاذب لدى بعض أفراده. ما كتبه أحمد ناجي ليس جديداً على تاريخ الأدب، فكثير من الكتب المترجمة من أعمال هنري ميلر ودي اتش لورانس تتعامل مع الرغبة على أنها من العمليات الحيوية والتي تعرف عند سيغموند فرويد باسم «مبدأ اللذة»، ذكرها في كتابه «الحضارة ومساوئها» حيث أثبت أنّ الحروب التي يخوضها الإنسان سببها العقلانية والتبتل الشديد الذي يؤدي به إلى الكبت والعصاب.
تتابع رواية ناجي تطور شخصية البطل، فهو في البداية عدمي ليس لديه مسلَّمات روحانية يعيش بها، بل هو شخص بوهيمي نتيجة عدم تحققه في ظل غياب منظومة حضارية ينتمي إليها. فالمدينة العشوائية لا تخلق غير الفوضى والانكسارات.
تقاليد الكتابة تنتمي إلى ما يسمى كتابة جيل الثلاثينات، أو كتابة الانحدار التي تجلت في شكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى عندما هاجر كثير من الكتاب إلى باريس وتمردوا على الأنماط الأدبية كافة، ثم عادت في الستينات عبر حركة سياسية ثقافية تحتفي بالجنس والمخدرات وموسيقى الروك أند الرول. ثم ظهرت بوضوح في رواية «على الطريق» لجاك كرواك، وفي الشعر أيضاً عند آلن جانسبرغ، وبخاصة في قصيدته «العواء» التي تحدث فيها عن الواقع الأميركي وثقافة الاستهلاك والحروب التي خاضتها الولايات المتحدة. رواية ناجي، تكشف التاريخ الماسوني السرّي للقاهرة عبر البنية التحتية المتهالكة والتي يمرّ بها البطل من طريق المعماري «إيهاب حسن»، الذي يؤسس جمعية سرية تهتم بعالم القاهرة السُفلي. وتنتمي هذه الرواية كذلك إلى ما يعرف بالواقعية القذرة، وهي حركة معروفة في الأدب ومعترف بها نقدياً، وهي تكشف من خلال الحكي واللغة المبتذلة عالم الرذيلة والجانب المظلم للحضارة بخاصة في أوقات الحروب والثورات، احتجاجاً على غياب الأمن وتدهور منظومة القيم.
تحكي رواية «استخدام الحياة»، عن شاب لم يكمل عامه الثالث والعشرين، تعرَّف على امرأة متحررة تكبره سناً، ما يعيد إلى الأذهان رواية مصرية مشهورة في الستينات هي «شباب امرأة»، للكاتب أمين يوسف غراب، تحولت إلى فيلم يحمل العنوان نفسه، للمخرج صلاح أبو سيف. علاقة بطل رواية ناجي بالبطلة «موني»، هي علاقة شائكة، إذ يتم من خلالها اكتشاف التاريخ الجسدي للرجل والمرأة من مرحلة الابتذال إلى السمو الروحي، باعتباره المفهوم الأعمق للحب.
تعكس الرواية معرفة كبيرة بعالم الشباب، وتستند في ذلك إلى عمل كاتبها بالصحافة، ما جعل حالة الوثائقية واضحة في العمل، وكاشفة جوانب التدهور الذي وصلت إليه الأخلاق البشرية بلغة أدبية، حتى وإن تجرأ الكاتب على ذكر ألفاظ بعينها، فهو إنما فعل ذلك في سياق الفعل الأدبي. وليس هذا تبريراً لتسمية الأشياء بأسمائها، ولكنه يأتي في سياق أن ثمة مدارس أدبية حديثة تجيز للأديب أن يتعامل بحرية مع تلك الألفاظ، فضلاً عن أن التراث الأدبي العربي نفسه يذخر بمثل ذلك، كما في «ألف ليلة وليلة» مثلاً.
وعلى أية حال، تعكس الرواية أزمة كبيرة في وعي الجيل الجديد بمعنى الحياة ومفهوم العدمية. وعلى رغم جرأة ناجي في استخدام بعض الألفاظ الخاصة بالشبق، إلا أنه امتلك قدرة عالية على الوصول إلى حالة من الشاعرية الراقية في وصف العوالم الداخلية للأبطال ورصد مدينة القاهرة في تحولّها وتبدلها. البطل في رواية «استخدام الحياة»، عدمي، على غرار أبطال سارتر وكامو وجويس، وهو مثل «كمال عبدالجواد» في ثلاثية نجيب محفوظ، درَسَ السياسة والاقتصاد، ولكنه يعمل في بحثٍ عن العمارة والمنظمات الجديدة التي تهتم بالتأصيل لمدينة تزول بفعل كارثة بيئية أو سياسية. وأخيراً، فإن هذه الرواية التي حوكم صاحبها ودين بزعم أنها «تخدش الحياء العام»، هي في نظري رواية ممتعة بما تعكسه من حيرة وجودية ربما لا يستسيغها بعضهم، بما أنها تنطوي على تشاؤمية فاضحة لكل العوالم السرية لمدينة القاهرة.


.

bca84ceb-382e-4349-a6ab-2bebfd3326e4.jpg
 
ما جري في غرفة التحقيق
طارق الطاهر


تنظر محكمة جنح القاهرة قضية نشر "أخبار الأدب" فصل من رواية الزميل أحمد ناجي "استخدام الحياة" في جلسة 14 نوفمبر الجاري.
قيدت أوراق القضية جنحة حسب المادتين 178 و200 مكرر أ/2 من قانون العقوبات ضد كلاً من أحمد ناجي ورئيس تحرير الجريدة الزميل طارق الطاهر.
وجدت النيابة أن كتابة أحمد خادشة للحياء العام، بينما اعتبرت أن رئيس التحرير متهما بالإخلال بمهمة الإشراف لنشره فصلا من رواية علي صفحات جريدة ثقافية تعني بنشر الأدب!
جاء قيد القضية بعد تحقيق النيابة في بلاغ تقدم به المحامي هاني صالح توفيق بتاريخ 13/8/2014 جاء في البلاغ أن كتابة ناجي خدشت الحياء العام، ورفعت ضغط دمه!.وكانت الجريدة قد نشرت فصلاً من هذه الرواية ضمن مادة عددها الصادر بتاريخ 3 أغسطس 2014، والذي كان مخصصاً للقاهرة، بوصف هذه الرؤية الإبداعية والفنية معبرة عن رؤية الروائي أحمد ناجي للحياة في القاهرة.
من جانبه يري المحامي محمود عثمان ، ببرنامج حرية الإبداع في مؤسسة حرية الفكر والتعبير "أن هناك فرق كبير بين المقال والأدب. كما أن الإبداع لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يؤثم، أو أن يدان أحد بما ورد في نص إبداعي يكتبه".. كما يشير عثمان إلي أن الدستور كفل حرية الإبداع، بل أن دور الدولة المصرية أن تحمي المبدع وحرية الإبداع وتنشرها بين الناس، ويضيف موضحاً:" دور الدولة لا يجب أن يكون قتل الخيال، خاصة أن الخيال هو الأساس في ظهور أي إبداع".. هنا ننشر تفاصيل القضية وتوابعها..

في أغسطس 2014 تقدم أحد المواطنين ببلاغ ضد جريدة أخبار الأدب لنشرها جزءا من رواية للزميل أحمد ناجي، في إطار عدد كامل عن مدينة القاهرة، المواطن لم ير من العدد -سوي هذا النص- الذي شارك فيه كبار المتخصصين في هذه المدينة، ساردين همومها وانهيارها العمراني والمعيشي، الذي انعكس سلبا علي حياة المواطنين، وعلي الفور تقدم ببلاغه لقسم الشرطة، وتم تحويل المحضر للنيابة العامة، وبعد عام تقريبا قررت النيابة استدعائي للتحقيق، ومثلت أمامها بعد أن تلقيت الإخطار الأول، وكان معي الزميل محمود كامل عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين، وعدد من المحامين الممثلين لمؤسسة أخبار اليوم ونقابة الصحفيين.
بدأ التحقيق الذي تم منذ شهور بمعاملتي متهما، حيث حرص وكيل النيابة علي ذكر أن المتهم مثل أمامنا وقد تم القبض عليه بمعرفة حرس المحكمة، كما سجل أنني عجزت عن إحضار شهود لنفي الواقعة، سجلت هذه العبارات رغم أنه لم يتم القبض علي وأنا الذي تقدمت بالكارنيه الخاص بنقابة الصحفيين وببطاقتي الشخصية لأخطر السيد وكيل النيابة أنني موجود في الخارج لإجراء التحقيق.
علي العموم كان التحقيق "قاسيا علي نفسي بدرجة كبيرة" فلمدة عشر دقائق لم أستطع أن أستوعب أن يتم التحقيق معي بهذه الصورة، واضطررت أن أطلب من السيد وكيل النيابة إيقاف التحقيق، فوافق مشكورا، وهنا قلت أنني لست تاجر مخدرات أو أنه يتم استجوابي في قضية تمس الشرف، وأن النصوص الأدبية أيا كانت هي محض خيال، وأننا من الممكن أن نتفق أو نختلف عليها، وأن الثقافة المصرية عبر تاريخها كانت لها اجتهادات، وصلت إلي حد لماذا أنا ملحد، فيرد الآخر لماذا أنا مسلم، وأنه ذات يوم انتصر محمد نور لحق طه حسين في التفكير، بعد صدور كتاب "في الشعر الجاهلي" فقاطعني وكيل النيابة متسائلا من محمد نور، فأجبت رئيس النيابة الذي حقق مع طه حسين في هذه الواقعة، فأجاب وكيل النيابة بأنه لا يعلم شيئا عما أذكره.
استمررت في التأكيد علي أنني لا أنا ولا أحمد ناجي كنا نتحدي القانون.. هذا إبداع نرفضه.. نقبله.. ليس في الأمر شئ، فهناك نصوص كثيرة رفضها المجتمع في لحظة وقبلها في لحظات، وأن جريدة أخبار الأدب نشرت المئات من النصوص طوال العام وبضعة أشهر الماضية ولم يتقدم أحد ببلاغ.. فقاطعني قائلا: من الممكن أن يتم القبض علي متعاطي مخدرات ولو تعاطي لمرة واحدة، فقلت تعاطي المخدرات في جوهرها جريمة.. ممارستي لرئاسة التحرير ليست جريمة، أي عندما أنزل من بيتي للذهاب إلي مكتبي ليس في الأمر جريمة، لكن متعاطي المخدرات عندما ينزل من بيته للتعاطي هو مقرر جريمة، وأضفت أن ممارسة أي شخص للإبداع ليس جريمة- أيضا-، وفي النهاية قلت نشر هذا النص لم يترتب عليه إيذاء أو تشريد لأية عائلة أو تدمير لحياة شخص.
وقد استمع لما ذكرته زميلي محمود كامل والمرافقون، ثم استكمل التحقيق معي، وقال لي أنه يريد أن يعرف اختصاصاتي واختصاصات زملائي، وشرح لي السؤال بشكل مبسط قائلا مثلا النائب العام له اختصاصات وهناك ــ أيضا ـ مسئوليات علي المحامين العموميين، ورؤساء النيابة ووكلاء النيابة، إذن ما هي اختصاصات زملائك، فشرحت له نظريا الأمر، ولكنني تمسكت بأن مسئولية النشر كانت مسئوليتي، وأنني أنا الذي سمحت بالنشر بعد قراءة العنوان فقط وبضعة الأسطر الأولي، لأنه جزء من كتاب، بالإضافة إلي أنه نص إبداعي متخيل، فسألني ما هو الفرق بين المقال والنص الإبداعي وعروض الكتب؟ فأجبت المقال هو تعبير عن وجهة نظر الكاتب، أما النص الإبداعي فهي عمل متخيل لا يمت للواقع بصلة ويحكم عليه عن طريق النقاد المتخصصين، أما عروض الكتب ففيه سرد لأهم الأفكار التي يتبناها كتاب من الكتب.
وعندما عاد السيد وكيل النيابة ليسألني لماذا لم تقم بتكليف أحد من الزملاء بأن يراجع النص المكتوب قبل طباعته والإشراف عليه من حيث التزامه بمواد القانون وأصول مهنة الصحافة؟، أجبت اعتمادا علي أنه جزء من كتاب وأنه نص إبداعي متخيل، ونفيت في أكثر من إجابة عن أننا نروج لا أنا ولا أحمد ناجي لما يخدش الحياء العام، ونافيا عن زملائي أي إتهام بالتقصير.
وفي نهاية التحقيق أورد وكيل النيابة الملاحظة التي حرص علي تسجيلها محامي مؤسسة أخبار اليوم وهي أن الحاضرين مع المتهم طلبوا إخلاء سبيله من سراي النيابة كونه له محل إقامة معلوم ولا يخشي هربه تأسيسا علي انتفاء التهمة في حق رئيس التحرير لصدور حكم عدم دستورية نص المادة 195 عقوبات التي تعادل المادة 200 مكرر كما أن رئيس التحرير لم يخل بواجب الإشراف والرقابة التي تنحصر في الإشراف العام ورسم السياسات العامة للجريدة وعددها أربعون صفحة وسيستحيل قراءتها جميعا.
وقد انتهت النيابة إلي قيد القضية جنحة بالمادتين 178، 200 مكرر من قانون العقوبات، لأنه في يوم 3/ 8/ 2014 بدائرة قسم بولاق أبو العلا، المتهم الأول نشر مقالا بقصد العرض والتوزيع حوي مادة كتابية خادشة للحياء العام، علي النحو المبين بالأوارق، والمتهم الثاني بصفته رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب أخل بواجبه الإشراف علي الجريدة، مما أدي إلي نشر المقال محل الاتهام السابق، وتقدم الأوراق لجلسة 14 نوفمبر 2015 .



* جريدة اخبار الادب المصرية
07/11/2015
 
الكُتاب يتضامنون مع حرية الإبداع تعود إلي
تحقيق‮:‬‮ ‬إسراء النمر - عائشة المراغى


منذ عام وشهرين تقريبا، اقتني أحد المواطنين العدد رقم 1097 من جريدة "أخبار الأدب"، وأثناء قراءته لصفحات الإبداع شعر باضطراب في ضربات القلب وإعياء شديد نتج عنه انخفاض حاد في ضغط الدم ــ حسب البلاغ ـــ بعدما وقعت عينه علي الفصل الخامس من رواية الزميل أحمد ناجي "استخدام الحياة"، والذي نشر في ذلك العدد؛ لاحتوائه علي بعض المصطلحات والألفاظ التي خدشت حياءه، فقرر أن يذهب إلي النيابة ليقدم بلاغا ضد الزميل ورئيس تحرير الجريدة يتهمهما فيه نشر وكتابة مقال جنسي خادش للحياء العام.
سلك التحقيق مساره، وأدلي الكاتب الصحفي طارق الطاهر رئيس التحرير بأقواله، مؤكدا أن النص إبداعي من رواية خيالية، وليس مقالا صحفيا كما يدعي صاحب البلاغ، ثم نُسي الأمر. إلي أن قررت نيابة وسط القاهرة الكلية، السبت الماضي، إحالة الأمر إلي محكمة الجنح، بتهمة خدش الحياء العام من قبل أحمد ناجي، وتقصير رئيس التحرير في مهامه، لتُحدد أولي جلسات القضية في الرابع عشر من الشهر الجاري.
ليست تلك المرة الأولي التي تقف فيها حرية الإبداع متهمة داخل "القفص"، ولكن؛ وبعد كل ما مررنا به علي مدار السنوات السابقة، ألا يزال الوضع قائما كما هو؟ هذا إن لم يكن ازداد سوءا.
لم يتقبل الوسط الثقافي والأدبي الأمر بهدوء، وإنما ثار الكثيرون، يعلنون رفضهم لما حدث ويؤكدون أن الكتابة بالقلم لا يمكن أن تقابلها محاكمة، مثلما أقر الدستور من قبل، فتقول الكاتبة الصحفية فريدة النقاش: "أنا ضد أي قيود علي حرية التعبير، ومن يعترض علي مادة منشورة يرد عليها بالطريقة نفسها، هذه هي الطريقة المتحضرة في التعامل بين الناس وخاصة المثقفين، وفي رأيي؛ إن كان هناك حساب، فهذه مهمة النقابة قبل أي شيء آخر، وإذا فشلت فلتكن المحكمة، ولكن الإشكالية أن هناك قيودا علي محاكمة الناس بسبب التعبير، تلك القيود قديمة جدا وكفاح الصحفيين أسقط بعضها".
أكدت النقاش أنها لم تقرأ المادة محور الخلاف لتحكم عليها جيدا، ولكن: "ما دام الكتاب منشورا ليس من حق أحد أن يحاكمه، من يعترض فليكتب كتابا آخر ويرد عليه، هذه هي الطريقة العصرية والمتحضرة في التعامل مع الأدباء والفنانين ومع التعبير بصفة عامة".
شدّد أيضا د.شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، علي تضامنه مع ناجي والطاهر، قائلا: "أنا ضد تحويل أي كاتب للمحاكمة، وكنت أظن أننا تجاوزنا ذلك، فالدولة لابد أن تغير القوانين وأن يحدث ضغط من المثقفين، هذه رواية من محض الخيال، أعرف أن الموضوع ليس بسيطا وبه قدر من الالتباس، ولكن لا يجب تضخيمه وتحويله إلي محاكمة أدبية أو جنائية".
أما الكاتب الصحفي سمير الجمل، فقناعته في هذا الأمر مختلفة، حيث يجد أن الأدب له خصوصية؛ و"أخبار الأدب" لا يقرأها أي أحد؛ وإنما الصفوة، أما مثل هذه القضايا فتصنع جدلا وإثارة بدون أي داع، ويضيف: "كم من الروايات كتبت فيها أشياء يمكن أن تلقي إعجاب البعض ولا تعجب الآخرين، فقد كتب كثيرا نزار قباني ونجيب محفوظ وطه حسين وغيرهم، إذا وقفنا لنحاكم كل شخص لن ننتهي، فهذا لا يعبر إلا عن إفلاس من يتقدم بمثل هذه البلاغات، أو ابتغاء للشهرة في حالة كون المدعي محاميا، أو من الطرف الآخر إن كان يقصد إثارة الجدل بما يكتب، وبصفتي واحدا من العاملين في مجال الصحافة أري أن الأهم في الوقت الراهن أن نعرّف الناس بالأدب حقا ونحببهم فيه ونأخذ بأيديهم".
يتعجب الناقد الأدبي شريف رزق من أمر القضية المرفوعة ضد "أخبار الأدب"، قائلاً: "اعتقد أن في الأمر شبهة، فالجريدة متخصصة، يقرأها المبدعون والقراء المُهتمون بالأدب، لذلك أميل إلي أن بعض مخبري الأدب أو من لهم مصلحة في الإطاحة بمجلس تحرير الجريدة وراء هذا البلاغ". مضيفاً أننا عُدنا إلي عهد البلاغات ضد الإبداع من جديد، وإلي عهد محاصرة الكُتاب وإرهابهم وتصفيتهم، بعد نحو أربعة عشر عاماً من مصادرة الروايات الثلاث في هيئة قصور الثقافة في وزارة فاروق حسني، ثم مصادرة ديوانه (الجثة الأولي) الصادر عن نفس الهيئة ببلاغات من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي، وهو ما أوقفه أمام القاضي بتهمة التجرؤ علي المقدس الديني.
يتابع الناقد الأدبي: "لقد قرأت الفصل المنشور من رواية استخدام الحياة للزميل أحمد ناجي، والنص جيد من الناحية الفنية، فما تناوله موجود في الروايات من مختلف الأجيال والعصور، فهو يستخدم تقنية الانفتاح علي الواقع الحياتي، باستخدام التفاصيل السردية الحية، وسواء ما كتبه من وحي خياله أو عاشه، فهو حر في ذلك، لأنه كاتب"، مشيراً إلي أن المبدعين في العصر الجاهلي والعصر العباسي لم يواجهوا أي تضييق سواء من أنفسهم أو من الدولة، ولا تخلو أمهات الكتب الأدبية العربية من أدب أكثر حرية من المعاصر، ومن هذه الكتب: (ألف ليلة وليلة، والأغاني، ويتيمة الدهر، والعقد الفريد، ورسائل الجاحظ)، بل وفي كتب الفقه الإسلامي أيضاً، ومنها (تحفة العروسين)، فلماذا إذن تُرك هذا التراث الطويل؟!
يري رزق أنه من باب أولي أن تُقدم البلاغات ضد فساد التعليم والصحة والمحليات، وأن تتفرغ الدولة للمجرمين والإرهابيين، قائلاً: "ارفض تماما كل ما يُحد من حرية الإبداع.. وأرفض أن يكون فكر داعش مقياساً لمحاربة ومحاسبة المبدعين".
لا يجد الكاتب الصحفي صلاح عيسي؛ الأمر مقلقا للغاية، لأن نصوص الدستور في هذا الشأن تتسم بالرحابة وتدعم حرية الإبداع، أما من الناحية القانونية، فهو متعجب: "لا أدري علي أي أساس قدمت النيابة طارق الطاهر إلي المحاكمة، فالمسئولية الافتراضية لرئيس التحرير عما ينشر طالما أن هذا النشر له كاتب معروف ومتهم في الدعوي، تم إلغاءها وحذفت الآن من قانون العقوبات".
وأكد عيسي علي ضرورة الاهتمام بالأمر، لأننا في حاجة إلي فريق من المحامين المتخصصين في قضايا الإبداع الفني، حيث إن تراثنا القضائي من الأحكام في هذه النوعية من القضايا ليس كثيرا، وكان هناك دائما تدخل سياسي لعدم إيصالها للمحكمة: "أتمني أن يتضامن في القضية اتحاد الكتاب والصالونات واللجان والمنظمات الثقافية المعنية بالأمر".
وبرؤية مختلفة، يقول القاص والأكاديمي بجامعة الأزهر د.خالد عاشور: "لا زال شبح الرقابة الدينية وما يسمي الذوق العام وخدشه تمثل تكبيلا حقيقيا لأي مبدع، ليس هناك أدل علي ذلك مما حدث في مصر كثيرا تحت مرأي ومسمع الدولة التي ترتدي زي الدولة المدنية من أسفلها، بينما ترتدي نقاب تستر به لحية طويلة قادرة علي النيل من أي مبدع، حدث مع أستاذنا الكبير نجيب محفوظ في رواية أولاد حارتنا ثم محاولة اغتياله وقبلها تكفيره، حدث مع نصر حامد أبو زيد، ولم يسلم بالطبع فرج فودة من القتل باسم ما يخدش الدين والحياء والذوق العام المزيف!". يستطرد عاشور: "ما حدث مع المبدع الروائي والصحفي أحمد ناجي ورئيس تحرير الجريدة الزميل طارق الطاهر يعود بنا الي عصور من الردة الفكرية، فلا زالت التابوهات الثلاثة (الدين والسياسة والجنس) من الأمور التي ربما تجعل الكاتب أو المبدع عموما يحمل كفنه علي يديه إذا ما اقترب من أي منها، فصل من رواية (استخدام الحياة)، نشرت في 2014 لتستمر أكثر من عام في أروقة الشكاوي والقضاء .
يتساءل د.خالد: "طالما أنت تخشي علي حيائك من الخدش، لم تشتر ما يخدشه؟!، فما كان من الدولة إلا أن تجتهد وتحقق خلال عام وأكثر، ليحال الموضوع إلي النيابة العامة، لنعود في ردة زمنية وعقلية إلي زمن التكفير وتهمة الهرطقة والرمي بالإلحاد والفجور!، للأسف ما حدث ضوء أحمر يجب أن نلتفت له جميعا كمبدعين وكتاب ونقف له بالمرصاد وبقوة الإبداع، فلا الدولة بينت كرامات بانتصارها للاتجاه نحو المدنية، ولا هي تحولت لدولة دينية لنعلم أن رؤوسنا محمولة علي أعناقنا، ليأتي أوان قطافها ممن يحبون الوصاية علي غيرهم من البشر وفرض هواجسهم الدينية، ربما لأمراض نفسية بدواخلهم، والأكيد لجهلهم!".
ويختتم د.خالد عاشور محذرا: "إن لم ندرك حجم المصيبة؛ فالمصيبة القادمة تجاه الإبداع والفن عموما ستقتله ولن تقوم له قائمة، علي الدولة ان تدرك آن خلاصة ونهاية حربها مع الإرهاب ليست بالسلاح الفعلي، السلاح الأهم والأقوي هو الفن والإبداع، وإلا علي الدولة السلام، وعلي الإبداع السلام!".
ليس الكُتاب والقراء وحدهم الذين يدافعون عن حرية الإبداع، الدستور أيضاً، فجاءت المادة 67 تنص علي أن "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها".
ورغم أن الزميل أحمد ناجي لم يحرض علي أي عنف، إلا أن النيابة فرضت رأيها، واعتبرت ما تم نشره ليس إبداعا، بل مقال رأي، في الوقت الذي يكفل فيه الدستور نفسه حرية الرأي، فتنص المادة 65 علي أن "حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
بسبب هذا التضارب لجأنا إلي عاطف النجمي، المحامي بالنقض ورئيس جمعية الدفاع العربي، الذي قال: "حرية الإبداع والفكر مكفولة بنصوص الدستور، والقانون نظم هذه الحرية، ووضع لها ضوابط، ولا يجوز محاكمة المُبدع علي كتاباته أمام القضاء العادي - وفقاً لوجهة نظري - حيث إن القاضي يخضع لمعتقده السياسي أو العقائدي في توقيع العقوبة من عدمه، لذا طالبت من قبل بوجود محكمة نطلق عليها محكمة الرأي تتكون من قضاة وشخصيات أدبية.. تكون هذه المحكمة وفقط هي التي تحكم وتحقق في قضايا الرأي السياسي أو الديني أو الأدبي، حتي لا نترك المساحة التقديرية للقاضي ملكا له، حيث لن يستطيع توقيع أي عقوبة علي الكاتب إلا بموافقة الشخصيات العامة والأدبية".
وأضاف المحامي بالنقض: "الغريب في قضية أخبار الأدب أن يُعاقب الكاتب عن عبارة في نص، بينما يُنشر تجسيد العبارة في فيلم أو مشهد سينمائي يعرض علي شاشات السينما والفضائيات، دون أن يخضع هذا العمل للعقاب وذلك لأن الرقيب أجازه..! رغم أنه من المفترض أن يتساوي المشهد السينمائي والنص الأدبي في المركز القانوني، لكن في الغالب يلاحق العقاب الكاتب وحده، والسبب هو الخوف من الكتابة لأنها الأكثر تأثيراً.. لذلك لا يجب أن يتم استقطاع العبارات من سياقها ولا يجب أن يُصدر أمر بإحضار الكاتب، وأن يمثل أمام القاضي العادي كما المجرم، وإن حدث ذلك يكون في محكمة خاصة بالرأي والفكر والإبداع".
وبخصوص العقوبات القانونية في قضايا الإبداع، يري النجمي أنها يجب ألا تصل للحبس، وأن يتم وضع نصوص عقابية جديدة في حال إثبات إدانة الكاتب، مثل المنع بشكل مؤقت من الكتابة أو النشر أو الظهور في وسائل الإعلام، أو تكون العقوبة الغرامة فقط، ويجب أن يكون ذلك بإجماع من الشخصيات الأدبية بأن الكاتب خرج عن أصول الإبداع، وهنا تصبح العقوبة وكأنها شيء من النقد في صورة قانونية، رغم أن الكاتب في النهاية لا يقتنع بالحكم، ويعتبره تجاوزا وتوجيها فيما يجب أن يكتب.

.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
حيثيات براءة أخبار الأدب والنيابة العامة تستأنف



تنشر أخبار الأدب الحيثيات التي استند إليها القاضي إيهاب الراهب رئيس محكمة جنح بولاق أبوالعلا لبراءة الزميلين أحمد ناجي وطارق الطاهر من خدش الحياء العام للأول والتقصير في واجب الاشراف للثاني‮. ‬هذا من ناحية،‮ ‬ومن ناحية أخري استأنفت النيابة العامة الحكم،‮ ‬وعقدت جلسة الاستئناف الأولي‮ ‬يوم السبت‮ ‬6‮ ‬فبراير وقد تم التأجيل لجلسة‮ ‬20‮ ‬فبراير والجريدة ماثلة للطبع،‮ ‬حيث سيمثل الزميلان طارق الطاهر وأحمد ناجي أمام القاضي،‮ ‬الذي أجل القضية لحضور المتهمين‮.‬
بعد سماع المرافعة ومطالعة الأوراق
حيث تتحصل وقائع الدعوي فيما أبلغ‮ ‬المدعو‮/ ‬هاني صالح من انه حال شرائه لجريدة أخبار الادب العدد رقم‮ ‬1079‮ ‬الصادر بتاريخ‮ ‬3‮ ‬أغسطس‮ ‬2014‮ ‬يتضمن عبارات تخدش الحياء العام وعبارات جنسية وانه‮ ‬يتضرر من كل من طارق الطاهر حفني رئيس تحرير جريدة أخبار الادب والصحفي أحمد ناجي أحمد حجازي كاتب المقال‮.‬
تعود وقائع الدعوي إلي أن الشاكي فوجيء بمقال‮ ‬يحمل اسم ملف استخدام الحياة الفصل الخامس عنوان النص فقط وبسؤال الشاكي قرر بمضمون ما جاء بمحضر الاستدلالات وأضاف أنه قد أصابه ضرر من ذلك وبسؤال النقيب أحمد سمير الشيخ معاون مباحث قسم بولاق أبوالعلا شهد بأن تحرياته انتهت إلي صحة الواقعة وقد قدمت النيابة العامة المتهمين للمحاكمة الجنائية بالمادتين‮ ‬178‮ ‬و‮ ‬200‮ ‬مكرر أ‮/ ‬2‮ ‬من قانون العقوبات لقيام المتهم الأول بنشر مقال بقصد العرض والتوزيع‮ ‬يحتوي مادة كتابية خادشة للحياء العام علي النحو المبين بالأوراق‮.‬
كما أنه من المستقر عليه ايضا‮ "‬لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخد لما تطمئن إليه وطرح ما عداها‮. ‬علة ذلك؟ عدم التزامها بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها‮.‬
‮(‬طعن رقم‮ ‬42490‮ ‬لسنة‮ ‬72‮ ‬قضائية جلسة‮ ‬5‮ ‬مارس‮ ‬2003‮).‬
حيث إنه من المقرر أن حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتوالد عنها لايجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارساتها سواء من ناحية فرض قيود مسبقة علي نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها بل تكون للمواطن الحرية أن‮ ‬يتنقل بينها‮ ‬يأخد منها ما‮ ‬يأخذ ويلفظ منها ما‮ ‬يلفظ دون أن‮ ‬يوضع له إطار أو قالب‮ ‬يحد من تكوين افكاره ومعتقداته كما أن طرح الافكار والاراء والمعتقدات علانية‮ ‬يجعلها مجالا للبحث والتقييم من جانب المختصين بل والمجتمع أجمع فيأخذ منها الصالح ويطرح الطالح‮. ‬وحيث انه عن موضوع الدعوي فلما كانت النيابة العامة أحالت كلا المتهمين بتهمة خدش الحياء العام طبقا للمادتين‮ ‬178‮ ‬و‮ ‬200‮ ‬مكرر‮ ‬2‭/‬1‮ ‬من قانون العقوبات الأمر الذي‮ ‬يتطلب توافر القصد الجنائي الخاص الذي‮ ‬يتمثل في قصد المتهمين خدش الحياء العام أو نشر الفجور والرذيلة وهو‮ ‬يتنافي مع ما قام به المتهم الأول الذي‮ ‬يعد عملا أدبيا من وحي خياله وأن ما تضمنه ذلك العمل الادبي من ألفاظ وعبارات أرتأت النيابة العامة أنها تخدش الحياء به،‮ ‬هو في إطار عمل أدبي وسياق عام لقصة حاكها المتهم الأول من وحي خياله كما أن ما احتواه العمل الادبي‮ (‬القصة‮) ‬علي ألفاظ وعبارات جنسية هو أمر درج في العديد من المؤلفات والاعمال الادبية والأشعار قديما وحديثا وهذا ما انتهت إليه شهادة كل من الاستاذ/محمد سلماوي والروائي‮/ ‬صنع الله إبراهيم والتي تطمئن إليها المحكمة من أن العمل الادبي لايمكن الاقتطاع من سياقه أو أخذ جزء منه وترك الاخر‮.‬
كما أن العمل الادبي هو كيان واحد اذا انقطع منه جزء انهار ذلك العمل‮.‬
كما أن المحكمة تري أن تقييم الألفاظ والعبارات الخادشة للحياء أمر‮ ‬يصعب فيه وضع المتهم الثاني بصفته رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب بأنه قد أخل بواجب الاشراف علي جريدته فيما أدي إلي نشر المقال محل الاتهام السابق‮.‬
وحيث تدأولت الدعوي بالجلسات علي النحو المبين بمحاضر جلساتها مثل فيها المتهم الاول ووكيل محام والذي طلب شهادة المختصين من رجال الادب والفكر واختص كلاً‮ ‬من الاستاذ محمد سلماوي والروائي صنع الله ابراهيم والاستاذ جابر عصفور كما مثل المجني عليه بوكيل محام وطلب أجلاً‮ ‬لإعلان بالدعوي المدنية وبجلسة‮ ‬12‮ ‬ديسمبر‮ ‬2015‮ ‬مثل كل من الاستاذ‮/ ‬محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب والروائي صنع الله ابراهيم وأقر كل منهما بأن العمل محل المحاكمة هو عمل روائي متكامل من خيال الكاتب المتهم الأول ولايمكن اجتزاء أي جزء منه علي حده وتقييمه بشكل منفصل عن سياق الرواية وأنه‮ ‬يوجد الكثير من الأعمال الأدبية الهامة حوت علي ألفاظ وايحاءات جنسية كرواية ألف ليلة وليلة ورواية دعاء الكروان لعميد الادب العربي طه حسين كما أن العديد من كتب الفقه والتفاسير حوت أيضا علي ألفاظ وعبارات جنسية كما مثل محامي المتهم الأول وأبدي مرافعة شفوية استمعت إليها المحكمة كما قدم أيضا مذكرة بدفاعه طالعتها المحكمة وألمت بها كما قدم محامي المدعين بالحق المدني صحيفة الاعلان بالدعوي المدنية وقررت المحكمة حجز الدعوي للحكم جلسة اليوم‮.‬
هذا ولما كانت المادة‮ ‬67‮ ‬نصت علي‮ "‬حرية الابداع الفني والأدبي مكفولة،‮ ‬وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية ابداعاتهم،‮ ‬وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك‮.‬
ولايجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الاعمال الفنية والادبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة،‮ ‬ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري‮.‬
‮"‬ولما كان من المستقر عليه بأحكام محكمة النقض بأن حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوي حسبما‮ ‬يؤدي إليه اقتناعها سواء من الأدلة المباشرة أو بالاستنتاج والاستقرار وكافة الممكنات الفعلية مادام سائغا‮".‬
معيار ثابت له فما‮ ‬يراه الانسان البسيط خدشا للحياء‮ ‬يراه الانسان المثقف أو المختص‮ ‬غير ذلك وما‮ ‬يراه صاحب الفكر المتشدد خدشا للحياء لايراه صاحب الفكر المستنير كذلك‮.‬
وكذلك ما‮ ‬يطرح في مجالات البحث العلمي في الطب مثلا‮ ‬يكون بالنسبة للغير خدشا للحياء إلا أنه لايكون كذلك بالنسبة للأطباء مثلا فإن العبرة في عقلية المتلقي وتقديره للامور‮.‬
فالعبارات التي حوت تلك القصة محل الاتهام ارتأت النيابة العامة انها تخدش الحياء لم‮ ‬يرتأها الادباء والروائيون خدشا للحياء طالما انها كانت في سياق ومضمون عمل أدبي فني‮.‬
إذاً‮ ‬فإن المعيار في ذلك‮ ‬يختلف من شخص إلي آخر حسب ثقافته وافكاره وتعليمه فما أتاه العلماء والمثقفون قديما من أفكار وآراء واجتهادات كانت محل رفض ونقد لهم من مجتمعاتهم آن ذاك أصبحت اليوم من الثوابت العلمية والابداعات الادبية التي تثري مجتمعنا‮.‬
ولما كان ذلك الامر الذي تري معه المحكمة انتفاء القصد الجنائي الخاص لدي المتهمين عن قصدهما بخدش الحياء ونشر الرذيلة ولما كان المستقر عليه قانونا وفي قضاء محكمة النقض أن الأحكام الجنائية تبني علي الجزم واليقين لا علي الشك والتخمين وإن تشكك القاضي في صحة الاسناد كفيلا بالقضاء ببراءة المتهم الأمر الذي تقضي معه المحكمة والحال كذلك ببراءة المتهمين مما نسب إليهما من اتهام ورفض جميع الدعاوي المدنية المقامة وإلزام رافعيها المصاريف وخمسين جنيها اتعاب محاماه لهذه الاسباب‮.‬
حكمت المحكمة
ببراءة المتهمين مما نسب إليهما من اتهام ورفض الدعاوي المدنية وإلزام رافعيها المصاريف أتعاب محاماه وخمسين جنيها‮.‬


* جريدة أخبار الادب المصرية
20/02/2016
 
أعلى