يوسف زيدان - في فقه العشق

للعشق طبيعة الأنهار. فهو يبدأ من زخّات مطرٍ سماوي يسقي الأرض ثم يشتد اندفاعه فيصير سيولاً تجرف ما يعترضها، ثم تجتمع روافده المتباعدة و تلتئم، حتى يشق نهر العشق مجراه الواحد.. العذب.. غير المتراجع، فتملأ ضفافه الأزهار و الأشجار و الطيور المغردة و ألوان الحياة. و كلاهما تعوقه السدود .

.
http://you-know.ws/wp-content/uploads/2015/06/1995.imgcache.jpg
 
■ ■ ■
إن تحاشينا الحب بحجة أننا لن نحتمل آلامه، صرنا كالموتى الذين يزيدون موتهم مواتا.
■ ■ ■
الحب جموح لا يعرف التوازن.. ولا الاتزان.. ولا الموازنات.. ولا الموزون من الحسابات، ولا أي معنى مشتق من جذر وزن.
■ ■ ■
الحب ملح روحى، والعشق سكر جسدى.. والمرتجف العازف عن التذوق، لا سبيل أمامه إليهما ولا أمل له فيهما.
■ ■ ■
في الحب، رجفة الرغبة التي تورث الخمود والخمول.. وفى العشق، رعشة النشوة التي تهيج اشتياق النشوى والنشوان.
■ ■ ■
لا يصح أن يؤاخذ، الذي اخترقه السهم النافذ. وكيف تصح مؤاخذة مأخوذ، يظن نفسه الآخذ.
■ ■ ■
لأن الحب روح الحضارات وسرها المستتر، فمن يعرفه من البشر لن يترقبه إلا راق، أما منكره فهو المنكور، الممكور به المدحور في غياهب الجاهلية الأولى.
■ ■ ■
في الحب رهبانية، وفى العشق العنفوان.
■ ■ ■
سألت: لماذا، حين يخرج القلب من حب، ينوى ألا يحب مجددا؟ فأجبت من شدة الألم.. لكن الحنين إلى تلك البهجة العلوية، سوف يعاوده من بعد، فيعيده مجددا إلى أحوال المحبين.
■ ■ ■
في الحب رقة، وفى العشق رِق.
■ ■ ■
ما أحب محب إلا سعى، بأفعاله أو بهمته، أو بأمانيه، أو باعترافه بالعجز عن الصعود للأعالى التي ارتفع إليها المحبوب.
■ ■ ■
مفردات المحبة لا تحدث أثرها بخاصية فيها، وإنما بصدق الناطق بها.. وبالتطابق بين أقواله وأفعاله.
■ ■ ■
الحب لمحة سحرية، لا سيطرة معها على وهج أو اهتياج.
■ ■ ■
حاولوا تعريف الحب فاجتهدوا في حال الاستفاقة، وتقوّلوا وزخرفوا العبارات مرارا، ولما أحبوا، خرسوا. وكذلك كان حال الذين سعوا لتعريف العشق.
■ ■ ■
شرط الحب، ألا يكون بشرط شىء.
■ ■ ■
الحب أول درجات الإدراك، وآخر أطوار المعرفة، وليس فوقه إلا العشق.
وأما العشق، فهو الرحى الطاحنة للأرواح المحترقة، المتحرقة، المحلقة بدخانها.
■ ■ ■
الحب جناح الحرية، وهو فضاؤها الفسيح.. لجنوحه دوما نحو الخيال.
■ ■ ■
حين يحتدم الحب في قلب يُقلبه بلا مقدمات، وبلا تمهيد، بين اليقين الذي ما بعده يقين، والشكوك المليئة بالأشواك، وفرح الروح، وترح النحيب، والهيام في سماوات أعلى من كل سماء، والتنهدات التي لا يعرفها إلا العشاق.
■ ■ ■
إذا احتجب المحبوب حينا غابت لوازمه: الابتسامة المنيرة للكون كله.. والإيناس بالانزواء عن الناس.. والإحساس بأن الوجود جمال، لا يشوبه قبح، واكتمال لا نقص معه.
■ ■ ■
دلت الشواهد على أن نقيض الحب ليس الكراهية، فكلاهما وجه لعملة واحدة هي العاطفة.. نقيض الحب، عدم الاكتراث.
■ ■ ■
لا يعرف المحب قمة المحبوب، إلا حين يفقده.
في الأمل سلوان للمسكين، وفى الحب عبرة للمحروم، وفى التخيل الخفى ارتياح للمستباح.
■ ■ ■
إذا فصل المحب بين الحب والمحبوب، فقد ضل سعيه وضيع السر المبهر، فصار من الخاسرين.
■ ■ ■
في الحب حزن وفرح، بهجة وأسى، ألم وأمل، يعنى فيه حركة الحياة، وكل أحوالها، يعنى في غيابه سكون، غَيابة الموات.
■ ■ ■
سوف يظل الحب في الحياة، علامة عليها قد اختفى، اختفت.
الحب أكثر أحوالنا سحيرة وجموحا.
■ ■ ■
الحب بريء، لا ذنب له ولا إثم فيه. وأما العشق فهو لا يعترف أصلا بآثام، ولا يعتقد بوجود أو وجوب ذنوب.
■ ■ ■
لا حب إلا بشاهد الاشتياق، ولا عشق إلا ومعه المعاناة عند الافتراق، حتى لو كان افتراقا إلى حين.
■ ■ ■
حين يحتدم فينا الحب، نلجأ للسماء، لأننا آنذاك، نحتاج المدى اللا نهائى.. اللا ملموس.. مستحيل الوصول، فهو الذي يؤنسنا، ويؤكد لنا مشاركة الكون لما نحن فيه.
■ ■ ■
نظرة العشق حين تصدق، تُخرس اللسان.
الحب فتوحٌ، بلا حروب.
■ ■ ■
من يشرع جناحيه محلقا في أفق العشق، لا يجوز له الأمل في الوصول، فلا وصول، ولا أمل، إلا الفناء، عن ذات العاشق، وبقاؤه فقط في حَرم المحبوب.
■ ■ ■
لا يزيح عن الروح الحب، إلا حب أرقى.. وأقوى وأعمق في القلب توغلا.
■ ■ ■
حين رأى المعتقدات تعوق الأرواح عن التحليق الحر، قال الشيخ الأكبر: أدين بدين الحب.
■ ■ ■
يحتاج الحب ويمرح في فضاءاته الفسيحة المحب، لا المحبوب.
■ ■ ■
الحب انتباه من بعد طول انشغالنا، عنا، وهو نوال من منهل، طال حرماننا لأنفسنا، منه. ولن يناله الا الصادقون.
■ ■ ■
للحب خلوة بداخلها جلوة، وصبوة تصحبها صحوة، ومحنة معها منحة.. وصفاء فوقه صفاء وتحته صفاء.
■ ■ ■
لا حل لأحوال المحبة، مهما احتدمت، لأن الداء به دواء، ولا يصح الصبر مع العشق، مهما استقوى العاشق، لأن البشرى تكون للمتوهجين به، والصابرين فيه، وليس للصابرين عليه.
■ ■ ■
النوال لا يهدى العشق، ولا يطفئ لهيبه، بل يهيجه في القلب، ويؤجج من جديد ناره.
■ ■ ■
الحب حالة واحدة مفردة بذاتها، لا تتعلق بما سبقها وبما قد يأتى بعدها، وكل ما يقال عن حب أول وآخر هو حديث خرافة.
■ ■ ■
لا يخلو الحب من قلق، ومن غرق، ومن توق للمزيد، ومن احتدام يهتاج أحيانا بلا موعد أو مناسبة.
■ ■ ■
للراء مع الحب سر مستتر! فلا حب إلا وفيه: رحمة.. ورقى.. رأفة.. رغبة.. رجفة.. رعشة نوال.
■ ■ ■
الحب لحظة تمر علينا مثل لمحة سريعة مبهرة للنظر، مهما امتد زماننا فيه، فإن انقضى حاله ومر، أبطأ الوقت مجددا، وأظلمت من حولنا الأنحاءُ.. وساعتها نستشعر بمرارة الفوات، وندرك ونحن المتحسرين، أن السبيل الوحيد لاإدراك حلاوة العسل هو تذوقه.
■ ■ ■
الناس نوعان لا ثالث لهما: بشر يعشِقون ويُعشَقون وأشباه بشر.
■ ■ ■
لا دواء للنزعة التدميرية الدفينة في نفوس الناس، إلا شيئان: الحب والمعرفة.. وأما البلسم الشافى فهو محبة العارفين.
■ ■ ■
الحب للمحروم من بهجات الحياة، عزاء، وللمحزون مواساة، وللمفقود وجود، ولليائس هو المدى الممدود بالأمل في المستيحل الأتم: الذوبان التام في المحبوب.
■ ■ ■
لولا المحبة، والعشق لما عرف البشر رحمة أو ألفة أو شغفا، باللا محدود أو إطلاق الخيال بلا حدود، ولولا المحبة والعشق، ما كانت المعرفة.
■ ■ ■
للحب أسباب، أقلها وأبسطها هو العلنى المفهوم الذي يمكن التعبير عنه. أما أعمقها وأكثرها وفرة واستيلاء على الروح، فهو الخفى.. الشفيف.. بعيد الغور.. صعب الإدراك حتى على المحبين الذي يعصف بهم الهوى، بينما هم غافلون عن أسبابه الغاضمة وعن سر امتلائهم به.
■ ■ ■
الحب وحى سماوى خاص، لا ينعكس إلا على مرايا القلوب المجلوة، المنيرة.. أما اسوداد القلوب، والإعتام والإظلام فهى موانعه المُعمية عنه، المؤدية للحرمان منه.
■ ■ ■
حضن الحبيبة، وطن سوف يسلب من المحضون بعد حين.
■ ■ ■
إذا احتدم فينا الحب، همس بأنحاء أرواحنا هسيس أحاسيس لا تحدها اللغة، ولا تقدر المفردات على الإحاطة بها.. فيكون صمت.. وتكون خشية الفوت.. وتكون نحن.
■ ■ ■
عند اجتياح الحقارة نفوس الناس، لا يكون الحب ترفا، وإنما يصير طوق نجاة، ومرساة، وأملا أخيرا يحدو بنا للخروج من العين الحمئة إلى روضات الجنات.
■ ■ ■
ومن عجائبه أن المحبوب، أيا ما كان حاله، هو دوما الأبهى جمالا.. والأشهى كلاما.. والأقرب من كل قريب.
■ ■ ■
ومن عجائبه، أن المحبوب يغيب دهرا، ثم يرسل إشارة خفية عن الأفهام، فكأن لا دهر انقضى ولا وقع غياب.
■ ■ ■
ومن عجائبه، استعذابُ العذاب، واستعطافُ العطوف، واسترضاءُ الراضى، والاستزادة مما يزيد عن احتمال المحب.
■ ■ ■
ومن عجائبه، أن ظمأه لا ارتواء له.. ونواله ولع واقترابه يهدد بالابتعاد! فكأن كل أحواله معكوسة، ولا حدود لها.. ولا منتهى.
■ ■ ■
سأل: ما الذي يذهب الحب ويهدره؟ فأجبت الحمق.. حمق المحبِّ، أو المحبوب أو المحيطين بها.
■ ■ ■
سأل: هل الحب دين في حد ذاته؟ فأجبتهه، ويعلو على المعتقدات، وهو الذي يوصل ما تقطعه.
■ ■ ■
سأل: هل يتصل الحب الأرضى بالحب السماوى: فأجبت لا ينفصلان.. وفى حقيقة الحال، فالحب كله سماوى، لأنه يرفع المحبوب للسقف الأعلى، وكل ما أظلّك وعلاك، فهو سماؤك.
■ ■ ■
سأل ألا يقيد الحب الرجال؟ فأجبت: يقيد الحيوان الذي فيهم فقط ويطلق العنان للإنسان..
■ ■ ■
ومن أصول العشق: من ظن يوما أنه وصل أو اكتفى فقد كفر بالمعشوق.
■ ■ ■
من أصول العشق: من لم يتصل، لن يصل..
لأنهم سادة الناس وملوكهم غير المتوجين، فالعشاق يسيرون هونا وسلاما فوق سماء السقف الأعلى.
 
أعلى