براءة احمد ناجي، براءة الادب، وانتصار لحرية التعبير

براءة اخبار الادب المصرية في شخص رئيس تحريرها الأستاد طارق الطاهر والروائي احمد ناجي المتابعين في قضية نشر فصل من رواية بذريعة خدش الحياء هو انتصار ضمني للادب والفكر والكلمة، كيف ما تكون حيثياث النازلة وملابساتها وموضوعها -لان هذه اشياء لا يمكن ان تصدر الا عن قلة حياء اناس يقراون فقط ما دون السطور، ويحشرون رائحة افواههم بين الكلمة وحروفها، ويخافون على العالم اكثر من بقية الناس- فالحكم الصادر عن هيئة المحكمة هو في الاخير براءة للادب، وانتصار للكتابة، وحرية التعبير، واسرة الدفاع، ولاستقلالية القضاء بصفة عامة، لان هناك قضاء واحد شامل لا يتجزا ولا ينقسم ولا يتحيز..

http://www.dar.akhbarelyom.com/files/photos/adab/09012016104811.jpg
 
بعد براءة أخبار الأدب‮:‬ ماذا نحن فاعلون؟

طارق الطاهر

بعد معركة قانونية دامت لشهور،‮ ‬تصدي لها ــ علي المستوي القانوني ــ نخبة من المحامين من نقابة الصحفيين ومؤسسة أخبار اليوم والمحامي محمود عثمان والمحامي القدير ناصر أمين،‮ ‬قضت محكمة جنح بولاق برئاسة المستشار إيهاب الراهب رئيس المحكمة،‮ ‬ببراءة الزميل الأديب أحمد ناجي من تهمة خدش الحياء العام،‮ ‬وبراءتي من تهمة التقصير في أداء عملي‮.‬
هذه المعركة القانونية وازاها استنفار شديد من قبل المثقفين والكتاب والصحفيين،‮ ‬الذين رأوا في مثل هذه الاتهامات عودة للوراء،‮ ‬فلأول مرة‮ ‬يقف رئيس تحرير ليحاكم لنشر نص أدبي،‮ ‬حدث قبل ذلك أن تقدم ممن‮ ‬ينصبون أنفسهم محامين عن أخلاق المجتمع ببلاغات للنيابة العامة،‮ ‬وكان مصيرها الحفظ،‮ ‬لكن في هذه المرة رأت النيابة أن تحرك الدعوي القضائية،‮ ‬التي اعتبرتها قطاعات واسعة عودة لتطبيق دعاوي الحسبة،‮ ‬حتي لو تم إلباسها مواد في قانون العقوبات أو‮ ‬غيره من القوانين‮.‬
بالتأكيد لم تكن المعركة سهلة،‮ ‬لكنها كانت مخيفة علي مستوي الحريات،‮ ‬هذه الحريات التي نعتبرها لا تخص فئة أو شريحة في المجتمع،‮ ‬بل هي حق لنا جميعا،‮ ‬وأنه لا تقدم لأية أمة،‮ ‬ما لم تحم الحق الأصيل لأي مجتمع في أن‮ ‬يتمتع بحريته‮ ‬غير منقوصة،‮ ‬ولا تعني الحرية‮.. ‬الفوضي،‮ ‬ولكن تعني ضوابط ملزمة للجميع،‮ ‬فلا‮ ‬يوجد في أي دولة تحترم مبدعيها أن تقوم بجر المبدعين والصحفيين والأدباء إلي ساحات المحاكم لأنهم عبروا عما‮ ‬يرونه صحيحا،‮ ‬الأفكار والإبداعات السبيل الوحيد لمواجهتها هي تقديم الأفكار الأخري،‮ ‬والإبداعات النقد هو فقط الحاكم لها أو عليها‮.‬
‮ ‬من هنا فوجئنا بكم كبير من المثقفين الذين أرادوا أن‮ ‬يتقدموا ببلاغات في أنفسهم متحملين معنا مسئولية النشر،‮ ‬كما نشر أدباء وكتاب مقالات ضد محاكمة الإبداع‮.‬
وفي جلسة ديسمبرالماضي تقدم المحامي البارع والقدير ناصر أمين بقائمة تضم‮ ‬12‮ ‬مثقفا لرئيس محكمة جنح بولاق،‮ ‬طالبا شهاداتهم حول النص المنشور،‮ ‬الذي أصرت النيابة علي أنه مقال،‮ ‬وأصررت من جانبي في التحقيقات التي أجريت معي أنه فصل من رواية،‮ ‬بل شرحت الفارق الدقيق بين الرواية والمقال والتحقيق،‮ ‬وهذا مثبت في محضر التحقيقات،‮ ‬كما انحزت إلي أن العمل فن روائي متخيل،‮ ‬لكن علي أية حال اختار القاضي ثلاثة أسماء‮: ‬محمد سلماوي،‮ ‬صنع الله إبراهيم،‮ ‬ود‮. ‬جابر عصفور،‮ ‬وبالفعل أدلي سلماوي وصنع الله بشهادتين أنتصرا فيها لمفهوم الإبداع،‮ ‬بينما تأخر د‮. ‬جابر قليلا عن الجلسة،‮ ‬فعندما وصل إلي القاعة كانت النيابة العامة تعلق علي الشهادات،‮ ‬فطلب الإدلاء بشهادته،‮ ‬لكن المحكمة اعتذرت مكتفية بالشهادتين السابقتين‮.‬
أعتقد أن مرافعة ناصر أمين هي مرافعة ستسجل ليس في وثائق المحاكم المصرية فقط،‮ ‬بل في تاريخ الثقافة المصرية،‮ ‬هذه المرافعة التي لفتت الأنظار بشدة إلي التضارب الواضح بين مواد الدستور وبين المواد التي‮ ‬يحاكم فيها ناجي،‮ ‬مواد الدستور التي تمنع الحبس في قضايا النشر،‮ ‬بينما مازالت المواد القانونية تتيح للقاضي الحبس،‮ ‬الأخطر أن ناصر أمين أراد أن‮ ‬يرسخ مبدأ هاما وهو لا محاكمة علي خيال،‮ ‬فقد قال في عبارات‮ ‬يجب أن نتبناها جميعا،‮ ‬حتي تتحول إلي مادة قانونية فقد قال أن القانون ذاهب إلي الواقعية المطلقة من خلال تحليل الأعمال بدقة شديدة،‮ ‬لذلك‮ ‬غير مقبول أن‮ ‬يستخدم عبارات خيالية،‮ ‬بعكس الأعمال الأدبية والفنية،‮ ‬فالأديب مطالب بأن‮ ‬يستخدم كل العبارات التي‮ ‬يصل بها القارئ إلي عنان السماء،‮ ‬لذا فالقاعدة القانونية والأدبية دائما علي تناقض،‮ ‬ولا‮ ‬يوجد قانون‮ ‬يلزم الأدباء باستخدام ألفاظ معينة ولا‮ ‬يجرم استخدامها‮.‬
من وجهة نظري أن مرافعة ناصر وضعت تعريفا جديدا وربما متناقضا لما هو سائد في المواد القانونية التي وضعت منذ أكثر من سبعين عاما،‮ ‬وتحديدا فيما‮ ‬يتعلق بالتهمة الأساسية التي حوكم بها ناجي،‮ ‬وهي خدش الحياء العام،‮ ‬فقد أعاد ناصر هذه المواد رابطا بينها وبين أسباب لجوء المشرع لها،‮ ‬وقد شرح ذلك في حواره مع موقع مبتدا قائلا‮: " ‬النصوص القانونية الحالية التي تعالج‮ "‬خدش الحياء العام‮"‬،‮ ‬بالية،‮ ‬خرجت في منتصف القرن الماضي،‮ ‬وبحثت كيفية معالجة تبول الأشخاص في الشوارع،‮ ‬وكيفية مواجهة رسم راقصة صورة لها وهي شبه عارية،‮ ‬هذه النصوص لا‮ ‬يجوز تطبيقها علي الأعمال الأدبية،‮ ‬لنفرض أن كاتبًا‮ ‬يصور حياة القاهرة في الأربعينيات،‮ ‬ووصف الصور سالفة الذكر،‮ ‬باعتبارها ركنا من الحياة المصرية في تلك الحقبة الزمنية،‮ ‬لا‮ ‬يجوز محاكمته بخدش الحياء العام،‮ ‬ما دام من دوره التعامل مع الواقع ونقله،‮ ‬فالأديب إذا رسم الواقع بشكل أجمل مما هو عليه‮ ‬يكون قد خان قواعده الأدبية،‮ ‬وإذا نقله كما كان عليه‮ ‬يكون قد كسر قاعدة قانونية،‮ ‬لذا لابد من معاملة الأديب بشكل مختلف،‮ ‬وهذا ليس استثناءً‮ ‬شخصياً،‮ ‬إذ نسميه ضمانات عملية إطلاق الإبداع‮".‬
ما‮ ‬يجب أن تتبناه‮ " ‬أخبار الأدب‮" ‬هو كيف نحول جملة ناصر أمين إلي واقع فعلي،‮ ‬والجملة التي أقصدها‮ " ‬ضمانات عملية إطلاق الإبداع‮"‬،‮ ‬بالفعل نحتاج في هذا الوقت تحديدا إلي قانون‮ ‬يحمي الإبداع،‮ ‬من هنا أدعو كل المثقفين ورجال القانون إلي أن نصوغ‮ ‬مواد قانونية واضحة في هذا المجال،‮ ‬يتبناها مجلس النواب‮.‬
أيضا سيسجل التاريخ الثقافي بارتياح كبير الخطوة التي أقدمت عليها المحكمة،‮ ‬عندما وافق رئيسها المستشار إيهاب الراهب،‮ ‬علي طلب ناصر أمين،‮ ‬بالاستعانة بثلاثة من المثقفين للإدلاء بأقوالهم في هذه القضية،‮ ‬وهي سابقة تدخل بالفعل تحت‮ " ‬عملية ضمان إطلاق الإبداع‮"‬،‮ ‬وهؤلاء الذين ذهبوا ليس للدفاع عن نص بعينه،‮ ‬بقدر ما دافعوا عن مجمل تاريخ الثقافة المصرية،‮ ‬التي تعتبر خط الدفاع الأول عن هذا الوطن،‮ ‬فكثيرون‮ ‬يرددون أن الثقافة هي قوة مصر الناعمة،‮ ‬ولكن للأسف هناك من لا‮ ‬يدركون هذه القيمة،‮ ‬ولن أكون مبالغا،‮ ‬إذا قلت إن كثيرين ممن‮ ‬يقفون معنا اليوم من الأشقاء العرب،‮ ‬إنما‮ ‬يشعرون أنهم‮ ‬يريدون أن‮ ‬يسدوا ما عليهم لهذا الوطن،‮ ‬الذي تعلم بعضهم فيه،‮ ‬والذي تنفسوا من خلاله ثقافة وفنا،‮ ‬فقد أتاحت لي الظروف في الفترة الأخيرة أن أسافر لأكثر من قطر عربي،‮ ‬وأسمع كبار مسئوليهم وهم‮ ‬يتحدثون عن فضل مصر عليهم،‮ ‬وأنهم لا‮ ‬يستطيعون نسيان هذا الفضل،‮ ‬ومنذ أقل من ثلاثة أسابيع كان‮ ‬يزور مصر وفد رفيع المستوي من الكتاب والفنانين ورجال الاعلام المغاربة،‮ ‬ويروي الفنان العربي الكبير عبد الوهاب الدوكالي،‮ ‬كيف أنه جاء لمصر في الستينيات بدعوة من إذاعة صوت العرب،‮ ‬ليقضي علي أبعد تقدير خمسة عشر‮ ‬يوما،‮ ‬إلا أنه في الحقيقة مكث أكثر من أربع سنوات،‮ ‬لأنه علي حد تعبيره تعرف علي شخصيات ربما لا‮ ‬يقرب عليها الإنسان أو‮ ‬يراها في صورة مثل عبد الوهاب،‮ ‬أم كلثوم،‮ ‬عباس محمود العقاد،‮ ‬عبد الرحمن الخميسي،‮ ‬صالح جودت وغيرهم‮..»‬أناس جعلوا مني هذا الإنسان الذي أمامكم‮« ‬هذا الشعور الجارف الذي صنعته الثقافة والفن المصري في نفس الدوكالي،‮ ‬هو الذي جعله ورفاقه وكثيرين من بلدان عربية‮ ‬يأتون ليذهبوا إلي شرم الشيخ في رسالة واضحة للعالم أجمع بتضامنهم معنا‮.‬
إن الثقافة المصرية وهي تمتلك رصيدها المؤثر،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن تنسي قضاة عظاما،‮ ‬تصدوا لمحاولات تشويه هذه الصورة،‮ ‬فمن منا‮ ‬ينسي القاضي الجليل‮ ‬الذي برأ ألف ليلة وليلة،‮ ‬ولولا حكمته لكانت الليالي ممنوعة من مصر،‮ ‬فعندما أصدرت هيئة قصور الثقافة فترة رئاسة د‮. ‬أحمد مجاهد‮ " ‬ألف ليلة وليلة‮" ‬في سلسلة الذخائر التي كان‮ ‬يرأس تحريرها الروائي الكبير الراحل جمال الغيطاني،‮ ‬وقدمت بلاغات لنيابات أمن الدولة العليا،‮ ‬تم حفظ البلاغات لسابق الفصل في الواقعة،‮ ‬ومن منا ــ أيضا ــ‮ ‬ينسي محمد بك نور الذي برأ طه حسين،‮ ‬وبرأ معه حق الاجتهاد والاختلاف،‮ ‬ومن منا‮ ‬ينسي الحكم الشهير للقاضي أحمد سميح الذي قال لا حكم علي خيال،‮ ‬ومن منا‮ ‬ينسي إبداعات ومواقف المستشار الجليل أشرف العشماوي،‮ ‬وغيره‮.‬
‮" ‬أخبار الأدب‮" ‬في هذه المعركة لم تكن وحدها،‮ ‬بل أنا علي المستوي الشخصي أدين بالكثير للذين دعموني،‮ ‬حتي من كانوا‮ ‬غاضبين مني،‮ ‬كانوا أول من ساندوني،‮ ‬وأذكر منهم الصديق العزيز د‮. ‬صابر عرب وزير الثقافة الأسبق الذي كان‮ ‬غاضبا مما كنا نكتبه عن فترة توليه وزارة الثقافة،‮ ‬إلا أنه نسي ذلك،‮ ‬وبادر للاتصال بي معلنا تضامنه الكامل‮. ‬


.
 
الكتابة كشهوة.. تحت كبت الرقيب العربي
حسن نصّور
الكتابة بحسب رولان بارت اشتهاء والسلطات بالتأكيد لا تريد من الكاتب أن يفصح عن رغباته في السياسة والجنس، لذا فإن استفحال الرقابة قد يكون القضية الأولى في العام الثقافي.
كثرت، في العام المنصرم، قضايا الرأيّ في العالم العربيّ وتحديدا القضايا التي تكون الكتابة هي موضوعة استهدافٍ للرقابة بشتّى تمظهراتها السلطويّة. (الكاتب الموريتانيّ محمد شيخ ولد محمد، الشاعر الفلسطينيّ أشرف فياض، الروائي المصريّ أحمد ناجي.. مثالا لا حصرا)
أقول تستحضرني بشدّة، وأنا أُنشِئ هذا النصّ وأفكر في إبداء رأي يتّصل بمفهوم السلطة الرقابيّة العربية، مقولةٌ للمفكّر والناقد الفرنسي رولان بارت (1915-1980) ساقها في باكورته «الكتابة بدرجة صفر»(1953). يقول بارت: «نكتب بشهوتنا وأنا لا أنتهي من الاشتهاء». يقيم هذا القول الشهوةَ، بما هي إمكانٌ ذاتي جسدانيّ يتسم بقدر هائلٍ من التفلت والغموض والسحر، أداةً لعمليّة الكتابة. الشهوة، في هذا الحيّز، مجالٌ إيجابيّ، غير مستلب، لا يخضع للتنميطات، ويستدرج، تاليا، مطلق عمليّة كتابية إبداعية إلى مربّعاتٍ من المتعذّر على الرقيب الذاتيّ الداخليّ فضلا عن الموضوعيّ الخارجيّ إخضاعها لدفاتر شروطه. إنها، أعني الشهوة، فطرة سلطويّة وسلطة فطريّة تغالب كلّ المنازع التي تنحو إلى جعلها مطواعة أو محدودة أو خاضعة لتصورات الرقيب، مطلق رقيبٍ، حتى تصل، في مسارات مخصوصة، إلى درجةٍ تقود فيها اللغة أو الكتابة بمجملها إلى مسارب لا تكون في حسبان المؤلف. ذلك أن اللغة، مطلقَ لغةٍ، إذ تخضع، بالنتيجة، لتحولات تراكمية تاريخية، فإنّها تغدو، هي ذاتُها، رقيبا آخرَ على الذات أو سياجا يدافع انفلاتات الشهوة منها وبها.
الإبداع
نتحدث، إذا، عن الابداع الذي لا يفترض به أن يقيم أوزانا مطلقة للسياقات الموضوعية التي تواضع مؤّلّفو التراثات اللغوية على تقريرها أساليبًا وجعلها، في الخلاصة، سلطاتٍ ضمنية. الشهوة، بهذا المعنى، إدخالٌ للكتابة في مجاهل وأدغال تنقذ المتونَ من الرتابة وتفترض، في أحيان كثيرة، طفراتٍ إبداعية، تتقّوم بها فنون القول والصياغة.
يقول الرقيب القضائيّ، مثالا، في ما يتصل بإحدى قضايا الأدب المثارة مؤخرا، وفي جملة الاتهام المساق ضد الروائيّ ما نصّه يتحّمل دلالات فوق ظاهر الكلمات. يحيل متن الاتهام، في العمق، إلى التفكير البدهيّ في آليات اشتغال السلطة الرقابية وخطابها التحتيّ، ماضيا وحاضرا. «إن المتهم نشر مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة، وأجر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجًا على عاطفة الحياء». عمليا، تقيم الشهوة، من منظار الرقابة العربيّة الراهنة، وبما هي استيهام جنسي حصرا (في الفهم التراثيّ)، في مربع المحظور الذي يحيل، مرارا وتكرارا، على الثنائية الاخلاقوية التراثية، ضلالة/ هداية، حسن/ قبيح. الشهوة، بما هي امتياز بشريّ، فردانيّ، حميميّ جدا، تظل في التصور العربي، مستلبة لحيز الجماعة العام بتفريعاته السلطويّة والحقوقية. إنها مفهوم عامّ لا يجوز الاشتغال في تأويلاته واستخداماته من خارج دفاتر السلطة النصّيّة الفقهائية التي تقيم تحت جناحها الحُكميّ مختلف وسائل الانتاج البشري على تنوعه.. ثقافة أو سياسة أو سوسيولوجيا. لا تكون الشهوة، بحال من الاحوال، تلك الموهبة التي قد توظِّف الذوق البشري بحرية تفوق التصور في مجمل العملية الكتابية. تلك العملية التي من المفترض أن تنحو إلى الاكتمال بمقدار مجالات الانعتاق والاستقلال التي يتيحها فعل الاشتهاء.
الرهاب
في هذا الحيّز، ولسوء الحال والمآل، يقيم الرهاب الرقيبيّ القضائيّ المقونن والمستمَدّ من مجمل نصوص التراث الرديفة المفسِّرة، في مربع التسطيح. مربّعٌ يعبَّر عنه بأشكال مختلفة، تبدأ في شكل شائع من فوبيا الالفاظ التي تصور الاعضاء الجنسية أو العملية الجنسية كتابةً، ولا تنتهي في ذلك الشكل البائس من عدم القدرة على استيعاب السياقات الاسلوبية الكتابيّة الحديثة، فضلا عن تلك السياقات التراثية التي هي، في الاصل، مقلع هذا المعجم وكهف استيهاماته التخييليّة. نتحدّث عن رهاب مؤسَّس في الاصل على قاعدة الصلاحية الاخلاقوية التي تتيح لافرادٍ، هم السلطة بالنتيجة، تقرير المعاجم اللفظية والسياقات الكتابية، كاملة أو مقتطعة، التي من الواجب وضعُها وإدراجها في جدول الشرعنة قبل استخدامها. بهذا المعنى، نكون أمام ما يشبه كاتالوغات تحنيطية لا تنتج إلا النموذج المتهالك للكتابة. والنتيحة، بالضرورة، اننا نواجه أدبا يباسا هو، في الواقع، شكل من أشكال الانقلاب على إمكانات اللسان العربيّ التخييلية الأوّلية المشاعة للمستخدمين. إنه انقلاب، في العمق، على إبداعية النصّ العربي المؤسس أيضا: القرآن بما هو فضاءٌ تتفلت في آياته نسب هائلة من ذلك الاشتهاء التخييليّ الخلاق الذي ينحو لبناء القول الفارق المفْحم الذي هو مكتفٍ بذاته وبسحره، ولا يكون خاضعا، بالكامل، حتى لسلطة المرسَل، فضلا عن كونه ذلك النص الذي تتفشى في ثناياه، توظيفا وتحويرا وخطابا، كل الاستيهامات البشريّة. إنها إمكانات تخييليّة غفل عنها بعد قرون طويلة، لاسباب موضوعية ومادية وسوسيولوجية، ورثة ذلك النص المؤسّس. وتكفي نظرة على بعض الآيات، مثالا لا حصرا، حتى نبني تصورا وافرا عما يفترض أن تحيل إليه، في الاذهان، تلك التراكيب «فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا»(الأعراف: 189)، «ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها/ فنفخنا فيه من روحنا» (التحريم)، «ولقد همّت به وهمّ بها لولا ان رأى» (يوسف)، «قد جعل ربّكِ تحتك سريّا» (مريم)، «نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم»(البقرة)..
المعجم
يردف الرقيب في تلك القضيّة ما يلي: «المتهم خرج عن المثل العامة المصطلح عليها، فولدت سِفاحًا مشاهد صورت اجتماع الجنسين جهرة، وما لبث أن نشر سموم قلمه برواية أو مقال حتى وقعت تحت أيدي القاصي قبل الداني والقاصر والبالغ». والحال، يقيم العقل الرقيبيّ، بخلاصته الراهنة، في هاجس ابتكار الآليات لحشر تيمة الجنس كنتاج للشهوة في المساحة المحصّنة المتوارية تحت أردية الدستور الاخلاقوي المفترض. هذا الحشر يفاقم بالضرورة تدافعات التفاعل البشريّ الطبيعيّ بمجمل صور هذا التفاعل التعبيرية الجسدية. لا نتحدث فقط عن مفاهيم الكبت ومآلاتها بل نحيل، في العمق، إلى واقع المعجم الجنسيّ/ الجنسانيّ العربيّ البالغ الثراء ذي الباع التراثي الطويل في كونه مستخدما من حيث عمليات الاشتقاق والتصوير. والحال، أن المعجم هذا المعجم يقع، اليوم، نتيجة لعوامل سوسيو- تاريخية في نوع من الاغتراب. إنّه، بحالته ومجالات استخداماته الحالية منتَج لتلك البطريركية الرقابية وفي الوقت نفسه هو منتِج لحالتها الراهنة إذ يغالب هذا المعجمُ، بثرائه وتفلتاته وحاجاته كي يتفشى داخل المساحات الطبيعية، سلطةَ الرقيب. هذا التدافع الذي لا ينحو إلى الحسم، بحال من الاحوال، يكون مؤشرا بالضرورة وفي العمق على التواءات وتفاوتاتٍ في المبنى أو البيئة الاجتماعية العربية الحديثة. نعني التفاوت بين الحاجة الفردية الملحّة لاستثمار العيش والتنفس في المدينة المعاصرة بكامل شرائطها (ومنها الاشتهاء كتابة) إلى أقصى الحدود من جهةٍ وبين استشراس السطوة الرقابية السطحيّة والفاعلة من جهة أخرى.
أقول، خلاصةً، لمعجم الشهوة الثريّ أو بسواه من المعاجم، علينا أن نسعى راهنا إلى كتابة هي غاية نفسها، كتابة تكون اشتهاءً حرّا مطلقا، إلى نصّ يظلّ في سعيّ ذاتيّ حثيثٍ للاكتمال.


* السفير
2016-01-08
 
«سلماوي»: الحكم ببراءة الروائي أحمد ناجي «تاريخي»
بلال رمضان


قال الكاتب المصري الكبير محمد سلماوي، إن الحكم ببراءة الروائي أحمد ناجي من تهمة خدش الحياء، في روايته «استخدام الحياة» هو حكم تاريخي، يتسق مع الدستور المصري.

وكانت محكمة جنح بولاق أبو العلا، والمنعقدة بمجمع محاكم الجلاء، في القاهرة، قد استأنفت اليوم، نظر جلسات محاكمة الروائى أحمد ناجى بتهمة خدش الحياء العام، ورئيس تحرير صحيفة أخبار الأدب طارق الطاهر.

وكانت هيئة المحكمة قررت تأجيل الجلسة الماضية للإطلاع على ملف القضية وقرار الإحالة، وللاستماع إلى عدد من الشهود الروائيين والأدباء.

وقال محمد سلماوي في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشعر، أحيي هيئة المحكمة على هذا الموقف، فهو يتسق مع الدستور المصري الذي لا يجز الحبس في قضايا النشر، كما أن لجوء هيئة المحكمة للاستعانة بأهل الاختصاص من الكتاب والمبدعين أمر لا يمكن إغفاله أيضًا، فقد كان من الضروري أن ينظر إلي ما نشر على أنه عمل فني، وذلك فإن الحكم برأيي هو تاريخي لأنه وضع الأمور في نصابها.

جدير بالذكر أن القضية ترجع لنشر جريدة أخبار الأدب فصلا من رواية «استخدام الحياة» للروائى أحمد ناجى، واتهمت التحقيقات التى أجرتها النيابة أحمد ناجى ورئيس تحرير الجريدة بنشر مقالاً جنسيًا، وهو ما تسبب فى حالة من الغضب والاستياء بين عدد كبير من المثقفين الذين طالبوا بحرية الإبداع.


.
 
براءة القاتل
محمود الوردانى


كنت قد حضرت الجلسة التي عقدت بمحكمة الجلاء لمحاكمة الروائي أحمد ناجي بسبب الفصل المنشور في أخبار الأدب من روايته.وترافع اثنان فاضلان من وكلاء النيابة، ووصف أحدهما ناجي بأنه قاتل،كما كان هناك سيدة فاضلة أو ربما سيدتان ممن خدش ناجي حياءهما بنشر الفصل إياه‮، وقفتا طوال الجلسة أمام القاضي الذي سمح لهما أن تتحدثا باستفاضة عما سببه ناجي لهما‮.‬
‮ ‬لكن مالفت نظري أكثر من كل هذا‮، هو حضور الأساتذة الكبار المحترمين للشهادة والوقوف بجانب حرية الإبداع‮: ‬جابر عصفور وصنع الله ابراهيم ومحمد سلماوي‮، وقدّم الأخيران مرافعة محترمة تليق بالكتابة المحترمة في بلادنا‮.‬
‮ ‬والآن وبعد صدور الحكم ببراءة القاتل أحمد ناجي ورئيس التحرير طارق الطاهر وأخبار الأدب والحرية‮ ‬،فإن الحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضي لإسقاط قانون الحسبة‮ ‬،وهومن مخلفات الصور الوسطي‮،‮ ‬ويسمح لأي واحد ماشي في الشارع‮ ‬بتقديم بلاغ‮ ‬للنيابة ضد أي كتاب أو جريدة أو‮ ‬أو أي مصنف‮ ‬،والنيابة بدورها تري ماإذا كان البلاغ‮ ‬صالحا أو‮ ‬غير صالح‮ .‬لذلك فالقانون نفسه مسيئ و عار علينا‮، وربما كان ممكنا العمل به منذ‮ ‬1000‮ ‬سنة مثلا‮ ‬،ولأنني لاأثق للحظة في قدرة أو رغبة‮ ‬البرلمان الجديد علي إسقاطه‮ ، لكنت طالبته بالتدخل‮ .‬
لذلك فليس أمامنا إلا أن نقف جميعا ونساند وندعم من‮ ‬يقع تحت طائلة مثل هذا القانون،ولذلك أيضا كنت قد طالبت جموع الكتاب والمشتغلين بالثقافة بأن نتوجه جميعا للنيابة‮‬، ليس من أجل التضامن فقط‮ ‬،بل نستعيد خبرة قديمة‮ ‬،فعندما تم تقديم الراحل الكبير أبراهيم أصلان للمحاكمة منذ عدة سنوات بسبب مسئوليته عن نشر رواية حيدر حيدر‮ "‬وليمة لأعشاب البحر‮" ‬عندما كان‮ ‬يرأس إحدي السلاسل التي تصدرها هيئة قصورالثقافة‮ ‬،عندما حدث ذلك،سارع العشرات من الكتاب والفنانين من كل الأجيال والتيارات والاتجاهات‮ ‬،ليس بالتضامن فقط‮ ‬،بل قمنا بالتوجه لدار القضاء العالي بعدا لتوقيع علي عريضة قدمناها للنائب العام نطالب فيها بمحاكمتنا لأننا ارتكبنا نفس الجرم الذي ارتكبه أصلان‮، وهو الأمرالذي أدي لحفظ التحقيق‮. ‬
‮ ‬نحتاج إذن‮ ‬، فيما أظن لخيال جديد للتعامل مع مانتعرض له من عدوان علي حرية الكتابة‮ ‬، والأرجح أن ماجري سيتكرر‮ ‬،فالمناخ مقبض والقوانين المقيدة للحريات‮ ‬،وعلي رأسها قانون التظاهر المشبوه‮ ‬،تفرض مناخا مظلما كئيبا‮ ‬، وليس معقولا ولامقبولا بعد ثورة بحجم ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير أن نعيش ظلام الحسبة‮ ‬،تخيّل‮ ‬الحسبة‮!‬

.
 
أعلى