عزت القمحاوي - هل يمكن للمستقبل أن يولد وسط هذه الفوضى؟

سجن الروائى والصحفى أحمد ناجى بسبب فصل فى رواية، سجن إسلام البحيرى والحكم على فاطمة ناعوت فى برامج تليفزيون، مقتل الشاب الأقصرى، إهانة أطباء مستشفى المطرية، مقتل الباحث الإيطالى، مقتل سائق الدرب الأحمر، وانهيار سعر الجنيه.

بوسع العين الكليلة أن تدرك الترابط بين هذه الوقائع: أحكام السجن على الإعلاميين بتهمة ازدراء الأديان يقابلها تجنيد كل قوى الدولة والمجتمع لإفلات عضو من أعضاء جماعة الأمنعلام من عقوبة الحبس فى قضايا سب وقذف، تهمة خدش الحياء التى حوكم بسببها روائى على فصل منشور فى جريدة «أخبار الأدب» التى تقرأها نخبة واعية يقابلها التغاضى عن خدش الحياء الذى يمارسه كل يوم نجوم مبرزون فى الوضاعة عبر شاشات تفاجئ السيدات فى خدورهن!
ودون التعرض لحكم قضائى بعينه نحن أمام غياب مؤسف للعدالة تتحمل السلطة القضائية الجزء الأهون منه بينما تتحمل السلطة التنفيذية الجزء الأكبر مع نقابة الصحفيين، لشديد الحزن، والمجلس الأعلى للصحافة والأسف.
حوادث القتل، دون استباق أحداث قضية لم يُحكم فيها بعد، يمارسها أعضاء فى جهاز الأمن لم يتم اتخاذ إجراء بحقهم يكون عبرة، ويضع فرد الشرطة فى مكانه الذى يتقاضى عنه أجره وهو أن تكون قوته لصالح المجموع لا لصالح نفسه. نحن هنا أمام انفلات إما غير مدرك من متخذ القرار أو أمام قصد إدارة الدولة بأسلوب الانتقام ومحاولة الإفلات من حساب على أخطاء الماضى بخطايا جديدة. وفى الحالتين ليس وراء هذا سوى الانهيار. لكن قبل الكارثة المحققة على صعيد المستقبل، هناك علاقة بين حالة العدالة والأمن وبين الحدث الطارئ، وهو انهيار سقف الجنيه. ولابد للعين الكليلة أن ترى هذه العلاقة.
السلطات الاقتصادية تستشعر منذ فترة تدهور وضع الجنيه وتحاول أن تسيطر عليه بتخفيض ثم رفع سقف الائتمان بالدولار للمستوردين، وفى الحالتين كان فشل السيطرة مؤكدًا لأن إجراءات من هذا النوع سطحية وغير مؤثرة فى مواجهة حقيقة نقص موارد العملة الأجنبية. وهى ناقصة لسببين أساسيين:
الأول، تدهور تحويلات المصريين بسبب تدهور فرص العمل فى الخارج، وبسبب الاستقطاب السياسى الذى يجعل العاملين من تيار منبوذ يعاقبون الدولة بالاحتفاظ بأموالهم فى الخارج، وخوف قطاع من المصريين بالخارج من الصورة المطروحة لمصر، على صعيد الأمان السياسى، وعلى صعيد المصلحة الشخصية عندما يرى المغترب أنه سيواجه قيودًا على السحب من أمواله الخاصة التى جلبها بعرق الجبين.
والسبب الثانى هو الانهيار الكامل لصناعة السياحة، ويجب أن نتحلى بشجاعة ونزاهة ضمير لنكف عن تعليق القضية على شماعة الإرهاب. لم يعد الإرهاب هو ما يطرد السياحة عن مصر، بل حالة العدالة وحالة الأمن بها. لقد تجاوز السياح لحظة الخوف من الإرهاب بعد أن اتسعت خريطته لتشمل العالم، بدليل أن طوابير طالبى تأشيرة فرنسا لم تصبح أقصر بعد الهجوم الداعشى الذى وصل فى خطورته إلى خطورة تفجير برجى نيويورك.
يجب أن نصارح أنفسنا بأن حصتنا فى السياحة لم تكن يومًا بحجم ما تستحقه مصر من اعتدال مناخ ورصيد أثرى، بسبب ما يتعرض له السياح من إكراهات تتمثل فى الاستجداء والغش التجارى والتحرش منذ دخولهم إلى المطار وحتى مغادرتهم. وهذه الظاهرة استفحلت اليوم. لكن القاصمة هى حالة العدالة وحالة الأمن التى لا يمكن لسياحة أن تنتعش فى ظلها، ولا يمكن لمستقبل أن يولد.
 
أعلى