إغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر

قُتل الكاتب الأردني ناهض حتر إثر اصابته بثلاث رصاصات، أمام قصر العدل، اليوم الأحد، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الأردنية، بترا، عن مصر أمني.
 
القاتل ليس وحده
صقر ابو فخر


في صباح 25/9/2016 اغتال واحد من الأرذال الكاتب ناهض حتّر، لينضم بموته الفاجع إلى قافلة طويلة جداً من الكتّاب الشجعان المقتولين بسبب آرائهم أمثال المطران البحاثة أدي شير وكمال خيربك وعزالدين القلق ومحمد الفاضل وحسين مروة ومهدي عامل ويوسف سبتي والطاهر جاعوت ومولود فرعون وميشال النمري وجوليانو خميس وسمير قصير وحنا مقبل وغيرهم كثيرون جداً. لنتذكّر أن الكاتب المصري الشجاع فرج فودة قُتل غيلة في 8/6/1992 بعد مناظرته المشهورة مع الشيخ حسن الهضيبي وصلاح أبو إسماعيل، وغداة نشره مقالة بعنوان «اللهم لا حسد» في مجلة «أكتوبر» (7/6/1992) سخر فيه من هتافات بعض السلفيين في ملاعب كرة القدم وهم ينهرون اللاعبين بقولهم: «غطِّ فخذك أيها الداعر».
فرج فودة قتلته مجموعة على رأسها سنكري خسيس (سبّاك) يدعى عبد الشافي رمضان لم يقرأ حرفاً مما كتبه فرج فودة. ونجيب محفوظ حاول قتله شخص أمّي لم يقرأ أي رواية لمحفوظ بما فيها رواية «أولاد حارتنا»، بل سمع ما لاكه لسان الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن القابع مغلولاً اليوم في سجون الولايات المتحدة الأميركية بالقول: «لو قتلنا نجيب محفوظ لما تجرأ سلمان رشدي». وأمام المحكمة راح الشيخ محمد الغزالي يقول: «إن فرج فودة مرتدّ. والمرتدّ مهدور الدم. وولي الأمر هو المسؤول عن تطبيق الحدّ. وإن التهمة التي ينبغي أن يُحاسب عليها الشبان الواقفون في القفص ليست القتل، بل الافتئات على السلطة».
يا سلام! الافتئات على السلطة تعني السجن شهراً مثلاً أو أكثر. أليست فضيحة حقاً أن يطالب ذلك الفقيه بألا تتجاوز عقوبة القتل الشهور القليلة؟ ومع أن القضاء المصري لم يأخذ برأيه بالطبع، إلا أن الحكم القضائي على المفكر نصر حامد أبو زيد بالردة كان فضيحة لنظام حسني مبارك الذي ظهر أنه غير قادر على حماية مواطنيه. وكان ذلك يعني، ببساطة، أن مصر دفنت عبد الرزاق السنهوري، ونصّبت بدلاً منه قضاة عاشوا على الأرجح في السعودية، وارتدوا الزي الباكستاني، وعادوا إلى مصر ليجلسوا باعتداد تحت أقواس المحاكم.
هل سيتكرر الأمر نفسه في الأردن بعد الاغتيال اللئيم والمنحطّ لكاتب متنوّر ومستقل من عيار ناهض حتّر؟ هل يستمرّ زبانية الجحيم في تسديد رصاص بنادقهم إلى رؤوس المفكرين، وتسميم المجتمعات العربية، والتجرؤ على امتحان إيمان الناس بتهمة الردة، واضطهاد النساء بمظنة الفتنة، واحتقار الثقافة بشبهة الخروج على الملّة، والحطّ من قيمة الأدب بدعوى المجون مثلاً، وتسخيف الفكر بذريعة التغريب حيناً، وبالخروج على السلف وعلى «المعلوم من الدين» بالضرورة أحياناً؟
إن اغتيال ناهض حتّر هو إعلان همجي من بين إعلانات كثيرة جداً، عن موت شعلة الحياة في بلادنا، وانتصار الغوغاء والذبّاحين الذين ينتشون في كل يوم بمشاهدة الذبح من الوريد إلى الوريد، وبالتباهي بحمل الأشلاء المقطعة. وهذا الاغتيال هو خلاصة حملة تكفير ضارية ضد ناهض حتّر ساهم فيها «كُتّاب وصحافيون وسياسيون» لا يختلفون عن التكفيريين على الإطلاق. والمصيبة أن ثقافة التكفير باتت متغلغلة في ثنايا المجتمعات العربية التي تزداد في كل يوم رثاثة وانحطاطاً، وهذه الثقافة استوطنت، علاوة على ذلك، تلافيف أدمغة «الجماهير» ونخاعاتها، فصار الذباحون أبطالاً لدى رعاع المدن وأوباش البوادي والأرياف، هؤلاء المتسربلون بغرائزهم الوضيعة وأحقادهم وغوغائيتهم التي لا يتقن فنون إثارتها غير مشايخ الفتنة. وفي هول هذا البلاء الذي حلّ بنا وببلادنا، صرنا لا نحتاج برهاناً على أن القاتل ليس وحده، ومستنسخاته موجودة بيننا بغزارة، والاغتيال ليس غريباً على ديدان الأرض التي خرجت من مزابل الأرض العربية لتجتاح بلاد الشام، أي بلاد ناهض حتر، وتُفرغها من ألقها، وتقتل فيها النضارة كي تصبح مرتعاً للجراد والضبّ ومناجذ الصحاري.


.
 
أعلى