دينا ماهر - الأصفهاني.. والأستاذ سراج

في الصف الثاني الثانوي، كنا ندرس بمادة اللغة العربية في فرع الأدب درساً عن كتاب الأغاني للأصفهاني، وكتاب الأغاني لمن لا يعرفه هو أعظم ما كُتب عن تراث العرب وشعرائهم وأغانيهم.

كنا ندرس أن من مآخذ الكتاب أنه كان بذيئا، فالأصفهاني كان يسمي الأشياء بمسياتها.. حين طلبت إيضاحاً من الأستاذ سراج الذي كان يعطيني درسا خصوصيا في مادة اللغة العربية، أخبرني أن الأصفهاني كان لا يتحرج من ذكر الأعضاء التناسلية للمرأة ويكتبها، وحين سألته عن البديل الأدبي لذلك، فأخبرني كان من الممكن أن يستخدم ألفاظا ملتوية لإيصال المعنى.

لكن ما كان يهمني أن ما يقوله الأصفهاني كان لغة عربية صحيحة، فلا توجد لغة في العالم تتحرج من وضع كلمة أو كلمات تصف الجسد أو الجنس أو العلاقات الجنسية، فالجنس موجود من قديم الأزل ولابد أن يدرج.. اتهمني حينها الأستاذ سراج بالإنحلال، في حين أن الأستاذ سراج كان يتحرش بالفتيات!

في مراهقتي كنت اسمع من الآخرين أن نجيب محفوظ شيطان يكتب عن الجنس فقط! قرأت أغلب تراث نجيب محفوظ، ولم أجد ما هو فج أو غير عادي، بل وجدت الفجاجة في أن تقتل أو تحبس من يقول كلاما لا يروق لك.

لم اقرأ رواية “استخدام الحياة” لأحمد ناجي، لكني قرأت الفصل المنشور في أخبار الأدب.. فكرت كثيرا في سبب ذلك الهجوم.. هل القاريء يتحرج من قراءة أعضاء جسم الإنسان بالعامية، ولا يتحرج من قراءتها بالفصحى؟! هل من الأدب أن اقول “فرج”، أو “مكمن عفة”، ولا أقول “كس”؟! هل لأن الكس التصق بسباب الشارع، فاكتسب سمعة سيئة؟!

لماذا يجب أن استمع إلى رجل دين يقول: “وجه المرأة كفرجها”، ولا استشعر الإهانة، بينما استشعرها حين اقرأ في رواية كلمة “كس”؟!

لا أعرف كيف اخبر أصدقائي غير الناطقين بالعربية أن لدينا كاتبا حُكم عليه بالسجن لمدة عامين، لأنه قال ألفاظاً عامية تشير للأعضاء التناسلية! فالأدب العالمي قد تجاوز أفكار الأخلاق واللياقة والعيب واللي يصح وميصحش.

هل من استشعر الحرج، قرأ من قبل أدباً عالمياً؟! وإن كنت عزيزي القاريء لا تقرأ سوى بالعربية، ألم تقرأ يوما “ألف ليلة وليلة” بنسختها غير المنقحة؟! هل أفزعتك رواية شيكاجو للكاتب علاء الأسواني التي تحوي مشاهدا جنسية صريحة؟ وإن كنت لست من جمهور القراءة، ألم تشاهد فيلما يحتوي على مشاهد جنسية؟!

علمني أستاذ سراج أن المتشدقين بالأخلاق تنقصهم، وأن نقص الخلق لا يعني أن تقول لفظا خارجا على النسق الاجتماعي، ولكن نقص الخلق أن تقوم بجريمة مثل التحرش مستغلا صغر سن فتيات أتين للانتفاع بعلمك. أتفهم أن الحياة في مصر لم تترك للملايين سوى التشدق بالأدب والأخلاق والدين، لكن السلطة لا تحمي أخلاق أحد، بل إنها تحمي قدرتها على السيطرة على مواطنيها.. تحمي نفسها بكتم أصوات من يغردون خارج السرب، فاليوم قد نتركهم يدرجون ألفاظا لا نرضى عنها، لنجدهم غدا يطالبون بحقهم في الحياة.

عزيزي الذي تتحدث عن البذاءة والخروج على المجتمع.. الثورة خروج على النسق السلطوي، ورغبتك في أن تحيا حياة عادلة، خروج على النسق المجتمعي ومعتقداته البالية إن “حظك كدا”.

الحياة الكريمة تقتضي ألا يختار لك أحد ما تقرأه وما تشاهده.. الإهانة أن تكون قد بلغت من العمر أرزله، والدولة تنصب نفسها مراقبا لك، وتختار لك ما يناسبك.. الخزي أن يتم سجن الآخرين تحت مسمى حماية أفكارك. ألست كامل الأهلية لتقرر ما يتوافق مع معتقداتك وقيمك وأخلاقك؟ ألا تشعر بالإهانة أنك تعيش في بلد لا يحميك من القتلة واللصوص والظالمين، لكنه يحمي أخلاقك؟ اسمح لي أقولك عزيزي، ملعونة الأخلاق في وطن لا يعرف عن الأخلاق سوى الشتائم.. وآسفة لو لعنت الأخلاق.. واضح إن الموضوع بيزعلك.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع “زائد 18″، و“مدى مصر”، و“قل”، و“زحمة“. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.
 
أعلى