قصة ايروتيكية هاشم عبود الموسوي - رجوع الشيخ الى صباه

(ليست من قصص ألف ليلة وليلة)

لغط وكلام كثير يجتاح هذه المدينة الصغيرة.. ( لا.. لا.. إنه ليس هو تماما.. شئٌ يكاد لا يُصدّق .. كإننا لا نعرفه أليس هذا هو الشيخ هادي، الكهل الذي كان بالأمس متغضن الوجه، والذي توفيت زوجته قبل أربعين عام، أما كان يائسا وقنوطا، ومهموما وكسيرا طوال هذه الفترة؟.. كيف إستعاد نضارة وجهه ومرحه، وخفة حركة ساقيه ويديه، وهو يتجول في المدينة مزهوا يحيي بإبتسامة عريضة على كل من يلقاه في الطريق ؟ هل زواجهه من فتاة صغيرة، عمرها بعمر أصغر بناته، هو الذي غير كل شئ؟). كلام مثل هذا وأكثر وحيرة لدى الجميع.. الرجال في مجالسهم وفي المقاهي، يروون قصصا، ونساء المدينة في جلساتهن المسائية، يتحسرن وبعضهن لا يتورعن عن القول: (لماذا لم يطلب الشيخ هادي، هذا الرجل المحسود في غناه، أيدي بناتهن للزواج. ما أسعد أبوحليمة، الفقيرالحال، بعد ان زوج إبنته ذات التسع عشرة سنة الى الشيخ هادي، أغنى رجال المدينة، وليكن .. وليكن. حتى ولو تجاوز الثمانين. لكنه يبدو لازال بكامل قوته الرجولية..) .

النساء.. النساء.. أواه منهن. عندما كنّ يجلسن. وحيث يجدن فرصة للتجمع والثرثرة.. إحداهن إدعت بإن إحدى زوجات أحد أبناء الشيخ هادي، قد أسرّتها بما إطلعت عليه عن أسرار الفاعليات الجنسية في سرير الزوجية للفتاة الرقيقة اليافعة مع ذلك الكهل المسن مُدعية أنها كانت تُشعل لديه شهواته وأحاسيسه، بمهارة عالية، وتعيده الى حيويته الجنسية وإلى سابق زمان شبابه. فتجيب عليها ثانيةٌ بالقول بأنها سمعت من جيران أهل تلك البنت المغرية واللعوب، بأنها كانت قبل زواجها لا تستطيع أن تقاوم إعجاب الشباب بها، فقد وقعت في شراك علاقات متعددة، ولأنها لم تكن تعرف للحب طريقا، منحت نفسها للجنس، وقد تعلمت من خلال ذلك شتى فنون الإغراء ، وضاجعت الكثير من الرجال .. هكذا صارت الغيرة تحرق قلوبهن وقلن.. وقلن عنها الكثير. وبأنها كانت تتمتع بخبرة فائقة في إستنهاض الهمة الجنسية، حتى لدى أضعف الرجال، العاجزين عن المضاجعة.. وتختلق أخرى خبرا تشد به سامعاتها من النساء، حين تحاول أن تخفض صوتها لتفضح سراً، تدعي بأنها وحدها من الجالسات تعرفه، حيث أن حادثة وقعت لتلك الفتاة تم التكتم عليها، حين كانت مرة، ذاهبة الى النبع لتأتي بالماء الى أهلها، إذ فاجأها ثلاثة شبان كانوا يترصدونها، فشدوها الى شجرة توت عالية، ورفعوا سكاكينهم بوجهها، وإغتصبوها واحدا بعد الآخر. وعندما وصل الأمر الى إضطرار أبيها ليذبحها غسلا للعار، تدخل شيوخ العشائر، وتم الفصل عشائريا، على أن يسد الناس آذانهم، مستنكفين سماع هذه القصة ،معتبرينها ملفقة، وهي من باب التشهير بالفتاة الفقيرة ذات الجمال الآخاذ.

ومرة في أحد أيام الخريف عندما كانت السماء، تستقطب الغيوم فوق المدينة، إزدحمت مقهى أبي عدنان بالرجال، بعضهم يلعبون النرد، وآخرين يتبادلون أحاديثا يومية لا أهمية لها، إذ دخل عليهم أبو حمزة بأنفه المجدوع، ليجلس في مكانه المعتاد، والذي يحتجزه صاحب المقهى له كأكبر زبائنه سناً.. سأله أحد الجالسين متطفلا، هل شاهدت الشيخ هادي هذه الأيام، وكيف تبدل حاله سبحان الله، فرد عليه بتأني ووقار: نعم شاهدته، أتمنى له كل الخير وأن يطيل الله في عمره، أنا أعرفه منذ ستين عام، عندما كان يسكن في البصرة.. إستقطبت هذه الكلمات، عددا آخر من الرجال المتلهفين للأستماع الى ماضي أغنى رجل لديهم في المدينة ،فإحتلوا كراسي طاولة أبي حمزة، سأله أحدهم متسرعا: هل أنت يا حاج من أهل البصرة؟ كلا.. فأناعندما كنت شابا، كنت أزور أقاربي سنويا في العطل الصيفية مستمتعا بأجواء هذه المدينة الكبيرة، ذات الطبيعة الخلابة، هناك تعرفت على أخبار الشيخ هادي، الذي كان يُدعى آنذاك بأبي مهدي، شاب قوي، في منتصف العشرينات من عمره، يسكن مع عائلته وحيواناته ببيت بناه بيديه من القصب والطين في أرض فضاء، تقع تحت هضبة تسكنها عائلة المختار خميس.. ذلك الشاب بأكتافه العريضة وعضلاته المفتولة وإبتسامته الودودة، كان يملأ صباحات البصرة العذبة بأصوات زمارة دراجته الهوائية، التي كان يحمل على جنبيها قنينتين كبيرتين من الحليب ليوزعه على زبائنه الذين ينتظرونه عند أبواب بيوتهم كل صباح، عادة ما يقابلهم بإيتسامته المتشكرة، بعدما يستلم أثمان لترات الحليب التي يشترونها منه.. تحدث الناس هناك كثيرا عن شهامته، ومساعدته لمن يحتاج المساعدة، رغم الفقر الذي كان يبدو بأنه مبتلى به، ومما يروى عن شجاعته، بأن أحد المارة في الطريق أستوقفه مرة، عندما كان يمر بدراجته راجعا الى بيته ، قائلا له: ( إنقذنا يا أبا مهدي.. اليوم يومك أيها المشهود لك بالقوة والشهامة.. ألم تقابل بطريقك ذلك الثورالهائج بعدما فرّ من أحد بيوت الفلاحين، وأثار الرعب في شوارع البصرة، الناس كلهم في خوف وفزع..). لم يكد يكمل ذلك الرجل كلامه، فقد إنطلق أبو مهدي بدراجته الى الأتجاه الذي أشار إليه عابر السبيل باحثا عن الثور الهائج.. سمع الناس بأن أبا مهدي الشجاع، هو الذي سيعالج الموضوع وقفوا على الأرصفة بإنتظار عودته لمعرفة نتيجة صراعه مع الثور، كانوا مطمئنين بعد أن فوضوا أمرهم لأبي مهدي.. وإذا به يعود بعد ساعة، وهو ماسكا مقود دراجته باليد اليسرى، واليد اليمنى يتدلى منها شئ ما. لم يتمالكوا أنفسهم، ليسألوه بإنفعال: ها.. ها أبا مهدي خبرنا ماذا جرى؟. قال لهم نعم وجدث الثور وشددته من أذنيه، وأردت أن أسقطه على الأرض، لكنه أفلت مني وترك لي أذنية هذه التي أحملها بين يدي.. بعد ذلك إنطلقت بعض الدوريات الأمنية للقبض على الثور الجريح، فاقد الأذنين.. كانت الأحاديث حوله تترواح بين الواقع وخيالٌ مبالغٌ فيه..

هكذا كان يُدلي بشهادته ذلك الرجل المسن. والرجال جالسون يحتسون أكواب الشاي، ويصغون بكل شوق وتوق لمعرفة أسرار أغنى رجل في المدينة، وعندما أراد المتحدث أن ينهي ما قد عرفه وسمعه، أخرج علبة السيجاير من جيبه، وأخرج لفافة أشعلها بلهفةِ مدخنٍ مدمنٍ.. ثم أردف مواصلا الحديث نعم، هناك قيلَ عنه الكثير الكثير، وظلت تساؤولات على أفواه الناس في البصرة، أين ذهب أبو مهدي؟ وكيف إختفت أخباره ، وأصدقُ ما قيلَ عنه: بأنه حصل على ما إبتغاه، فقد جمع من جهده وكده مالا لا يستهان به.. وإشترى به عدة سيارات من الأنكليز، عندما تركوها للبيع ب"الشعيبة" في أطراف مدينة البصرة لتباع بأثمان رخيصة ، ثم تاجر بها وكون ثروة، لم تكن تحلم بها أثرى عوائل مدينة البصرة، ثم إختفى وتناساه الناس هناك ، ربما كان يريد أن يُنهي علاقته بماضيه، فجاء الى هنا وإشترى مزرعة وبنى على أحد أطرافها هذا القصر الكبير..

أحاديث وأحاديث لا تنتهي في مجالس رجال المدينة...

أما أولاد الشيخ هادي وبناته مع أزواجهم ، والذين كانوا يعيشون معه في بيته الشرقي الكبيرذو الفناء الداخلي ، صاروا هذه الأيام ، يعيشون أسعد أيامهم ، بعد أن توفقوا في إقناع أبيهم ، على الإقدام على الزواج ، للتخلص من حالته الصعبة ومن احزنه المستمر ، الذي رافقه من أربعين عام و جعله لايرغب في أداء أي شئ . صاروا ينظروا إليه وهم فرحين للتحسن الذي طرأ على حياته ، وإسلوب تعامله .. صار يهتم بملابسه و قيافته ، فهو ينهض الآن في الصباح الباكر ، ليسقي الحديقة الداخلية التي تتوسط فناء البيت ، متمتعا بتنسيق شجيراتها وزهورها ، ثم يخرج الى بستانه الكبير ، ليحصد منه الخضار والفواكه ، ولا ينسى بأن يأتي بطوق من زهور بستانه ، الى أميرته الصغيرة النائمة ، ليضعه عند رأسها ، وبعد أن يستمتع بحمام الماء الساخن ، يدخل الى المطبخ ، ليحضر وجبة إفطارشهية ، له ولزوجته ، التي أفاقها قبل قليل وهو يمازحها ، (هيا ياصغيرتي نحن الآن في يوم جديد ) .. بعد ساعة من ذلك يفتح خزانة ملابسه ليرتدي أحلى ما لديه من الألبسة ، متوجها الى مركز المدينة ، وهو يحيى ويمازح من يقابله بأحلى الكلمات .. وعنما يعود ظهرا الى البيت ، حاملا ما تزود به من مواد غذائية ، ومشروبات وعصائر ، وهدية مناسبة لزوجته الصغيرة ، التي تنتظره كل يوم بلهفة طفلة مدللة . ..

أثار هذا التغييرالكبير والمفاجئ في مزاج الشيخ هادي ، حتى فضول أفراد أسرته الكبيرة ، كاتمين رغبتهم بالتساؤول عن ذلك.. حتى نفذ صبر إثنتان من زوجات أبناءه ، فقررن أن ينتهزن فرصة خروج الشيخ الى المدينة ليزرن ، حليمه في غرفتها ، ويتبادلن معها الحديث ، علهن يتعرفن ،على ما تقدمه اليه من حنان ، وكيف يقضي لياليه معها ، وهل نهض الحنين لديه لأيام شبابه و صباه .. وبعد مجاملات ، وحيل نسائية ذكية إستعملنها مع تلك الفتاة ، بدأت تتحدث إليهن صرن ذاهلات مما يسمعن : (الله وحده يدري ، بأني لم أزل عذراء لحد هذا اليوم .. وأنتن مثل الآخرين ، لا تعلمن ، ما جرى في ليلة زفافي ، وإستمر حتى هذا اليوم ... ... ...

لقد حدث في الليلة الأولى لزواجنا ، إني رجفت وكدت أموت من الخوف ، عندما دخل علي الشيخ ووجدني بحالة ، أرثى لها ، ولكنه بكل طيبة منه ، أراد أن يخفف من هلعي ، فطلب مني بصوت حنون ، أن أكف عن البكاء ، وليس هنالك من قوةٍ في الكون تجبرني على ما لا أرغب به ، وبعد أن هَدّ أ من روعي ، سمعته يسألني : هل تعرفين ما يجب أن نفعله في ليلة زفافنا ؟. فأجبته :والله يا شيخ لا أعرف شيئا من ذلك . وإستغربتُ بعد ذلك مما أسمعه منه ، حين قال "بعد تلك السنين الطويلة من وحدتي أنا أيضا نسيت كل شئ ،لا أدري كيف يجب أن نبدأ ".. ثم مسح دموعي بمنديله ، مضيفا أنه علينا الآن أن ننام ، ونبتعد عما أنتِ تخافين منه ، فمد يده و وضعها في مكانٍ بين فَخذَيَ ، وإستسلم الى نوم عميق

منذ ذلك الحين والشيخ هادي ينام كل يوم ، هانئا وهو واضعا يده على نفس المكان ، لينهض في الصباح بكل حيوية ، مستقبلا يومه الجديد ) .

.
د. هاشم عبود الموسوي
رجوع الشيخ الى صباه



صورة مفقودة
 
أعلى