قصة ايروتيكية وردة الصولي - الأوبة.. مذكرات ( سعودية ) هاربة من زنازين مطاوعة الرياض!

هي عودة الروح أم عودة العقل ام عودة المرأة إلى أنوثتها أم عودة الانسان إلى انسانيته أم كل هذا .. أم لاشيء من هذا .. لست أدري ..
يكفي أن اشعر في هذه الساعة براحة الخلاص .. براحة العتق بعد عبودية ..
أقسمت برب المطاوعة - رب السلاسل والحريق- أن أتكلم وأكتب وأهذي وأبكي وأصرخ واهدم أقبية الصمت والخوف التي اعتقلوني في دهاليزها عشر سنوات كئيبات ..
سأقذف بألمي خارج أسوار نفسي المسحوقة ألف مرة ببركاتهم أو لعناتهم أو تقواهم أو فجورهم أو أباطيلهم أو أمراضهم أو اكاذيبهم

سأعري فصامهم كما كنت شاهدة عليه ..ونفاقهم الذي شطر ذاتي إلى نصفين ..ودجلهم الذي تعاونوا رجالا ونساء على حقنه في تلافيف رأسي صباحا بعد صباح .. وهوس ذكورهم بكل شبر من جسدي .. ذلك الهوس الذي أنهكني ليلة بعد ليلة .. وامتص أنوثتي حتى آخر قطرة ..
مازلت أرى وجوههم في أحلامي .. عبدالله يرمي بجثته الكبيرة علي حتى لتخنقني رائحة دهن العود.. فلوة تتشح بالسواد إلى قدميها .. تبسمل وتحوقل في ركن قصي .. لحية علي ذلك السمين القصير تدخل في أنفي وفمي بينما هو يلهث وأنا ذييحة معلقة من رجليها فاقدة أي شعور .. فاطمة تقرأ القرآن وتنفث في صدري .. حفر النار من أمامي ومن خلفي .. الله يشرف على الجحيم من عرشه المذهب فيمد ذراعه الطويلة ويغطسني في الحريق أكثر .. يغلي دماغي من الحر .. أصرخ واستيقظ لأرى نفسي في سريري وصوت التلفزيون ينبعث بهدوء من غرفة شقيقي عمر ..
أين ذهبت سارة ..? طريق طويل .. طويل .. مشيته ..
باختياري ? لا ..
رغما عني ? أيضا لا ..
أعرف اني مشيته وحسب .. كنت أمشي .. وامشي .. لا أريد ان أتوقف كي لا أشعر بروحي التي شاخت وأنا في ريعان شبابي ..
كي لا أبكي جسدي الغض الذي قدمته قربانا على مذبح شهواتهم الحلال ..
كي لا ألتفت ورائي فأرى البنت الحلوة التي كنت ..

***
في مدرستي الثانوية في (سلطانة)(1) لم يكن هناك ما يشي بأن ذلك اليوم الدراسي الحار ليس عاديا مع أنه كان كذلك ..
اجراء روتيني يمارس في مدارس البنات على نطاق واسع شكل منعطفا هاما في حياتي إذ قلبها رأسا على عقب وكان سببا لدخولي في أتون تجربة نفسية وبدنية استنزفتني بلا هوادة.
اقتحمت الاخصائية الاجتماعية أبلا فلوة الفصل علينا فجأة في منتصف الحصة الرابعة وكنا نأخذ فيها درس الرياضيات، فطلبت منا جميعا سرعة مغادرة الفصل دون أن نأخذ في أيدينا شيئا. كان من الواضح ان بينها وبين معلمة الرياضيات المصرية أبلا محبات تفاهما مسبقا على توقيت التفتيش المفاجئ على حقائبنا وأدراجنا.
خرجنا جميعا إلى الممر .. بعضنا يبتسم وبعضنا يبرطم أو يرتجف. أما أنا فقد سقط قلبي بين أظلعي .. في درجي روايتين من (روايات عبير)(2) .. جرم تتراوح عقوبته من الانذار وكتابة التعهد إلى استدعاء ولي الامر وخصم درجات من السلوك إلى الفصل من المدرسة لأسبوع كامل.
بعد نصف ساعة او اكثر من قلب الفصل رأسا على عقب خرجت أبلا فلوة بكيس نايلون في يدها وهي تزبد: "الله يهديكن .. الله يهديكن". وقع بصري على الكيس الشفاف في يدها فتبينت بسهولة الروايتين الصغيرتين مع عدد من الامشاط وأقلام الكحل والمرايا الصغيرة. نادت بطريقة عسكرية بينما بصري على شرابها الأسود السميك في يوم قائظ:
" اللي أقول اسمها تطلع على جنب والباقيات يرجعون للفصل". كنت أول من نودي عليها ربما لفداحة (اثمي) مقارنة بغيري. بدأت أسحب قدمي سحبا خلف خمس من زميلاتي في طريقنا إلى غرفة المديرة التي " ستتصرف معنا" ..
جلادي نفسه من كفكف دموعي .. فبعد خروجنا من غرفة المديرة أخذتني أبلا فلوة جانبا وقالت لي:
- أنت بنت مؤدبة والأولى دائما على صفك وأنا أتوسم فيك الخير ومتأكدة ان ما حصل لن يتكرر ابدا .. ثم اردفت بصوت عميق:
- من يحتمل النار يا سارة ?!
- سارعت بأنفاس متقطعة وطعم الملوحة على شفتي:
- والله لن يتكرر .. والله العظيم .. بس أرجوكم لا تفصلوني .. !
- ابتسمت وهي تمسك بيدي:
- لن أكلم والدتك وسأتوسط لك عند المديرة حتى تكتفي بالتعهد الذي كتبتيه ..
- وقعت على يدها أقبلها .. المرة الأولى في حياتي التي أنحني فيها على يد .. لا أعرف ماذا كان شعورها .. بماذا فكرت في تلك اللحظة .. لكنني الان أعرف بأن ذلك كان مفتتح تاريخ عبوديتي .. ذلك العالم السحيق الذي ابتلع حسي و براءتي ..
توثقت علاقتي بأبلا فلوة كثيرا إذ أصبحت أجد راحة كبيره في الجلوس والحديث معها.. أتردد على مكتبها كلما واتت الفرصة لأفضفض لها عن هموم الدراسة .. مشاكلي الصغيرة مع البنات .. حياتي في البيت .. مخاوفي من المستقبل .. كانت رفيقة بي وحنونة علي .. تكثر في نصحي ووعظي وتعليمي .. تحملني الكتيبات والاشرطة الدينية التي صرت أخصص لها وقتا يفوق ما أخصصه لدروسي ..
كلما سمعت جرس الفسحة يدق اهرول اليها بشوق وجذل عوضا عن الضحك والتشاقي مع صديقاتي كما اعتدت ..
لم أتردد .. ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا .. كنت أقرب الصورة من عود الثقاب وما ان تعلق بها النار حتى أرمي بها في المجلاة ..وبينما كنت أمسك بالصورة اليتيمة لوالدي رحمه الله شعرت بقليل من وخز الضمير .. ارتجفت أصابعي قليلا .. كانت صورة قديمة التقطت له في أواسط الستينات أمام الجامع الأموي في سورية ..قربتها من شفتي وطبعت عليها قبلة .. وما هي إلا لحظة حتى استحالت إلى رماد..

مزقت الصور والقصص والمجلات والأوتجراف الوحيد الذي يحمل تواقيع معلماتي ورفيقاتي .. وأتلفت شرائط الكاسيت التي أهداني اياها أخي عمر في مناسبات مختلفة .. حزنت أكثر على شرائط المغني البحريني خالد الشيخ الأقرب إلى نفسي .. لكن لا .. لاطاقة لي بنار تنضج جسدي في الساعة ألف مرة .. ولابعذاب القبر .. ولا بيوم يسود فيه وجهي بين العالمين ..
عانقتني أبلا فلوة وأنا أخبرها بما فعلت وباركت لي انتصاري على نفسي والشيطان .. نعم هكذا قالتها: نفسك والشيطان .. أنا والشيطان .. الشيطان وأنا .. لم يكن هناك فارقا ماهويا بين ابليس وسارة .. لقد كان يسري في دمها دون ان تدري ..
أمي ربتني على الفضائل كلها .. لكنها ذهلت عن غرس كراهية الشيطان في أعماقي .. فماذ فعلت اذن؟! .. لم تفعل شيئا ..! وكيف ستواجه المسكينة السؤال عن أمانتها بين يدي عزيز قدير ?! هي أعلم بشأنها !
لم أكن أكره الشيطان كما يجب على فتاة مسلمة صالحة .. ? لم أكن أدري انه هو الذي يوسوس لي فابتسم .. ثم يمعن في وسوسته فأطرب لأغنية.. ثم يركبني من رأسي حتى قدمي فأرقص أمام مرآتي .. ثم يزيدني فجورا فأحتفظ بصورة التقطها لي عمر أمام النخلة الوحيدة في فناء بيتنا الخارجي .. ثم أصبح أنا الشيطان نفسه حين أتحسس جسدي قبل الانزلاق في النوم ..
اليوم أسأل نفسي: ألم يكن للجنة من باب آخر ? ماهذا الفردوس الذي لا ندخله حتى نقتل الفرح والحب .. وندفن أرواحنا تحت تراب .. فوقه تراب.
ولم جاء قدري على هذا النحو .. لم أنا بالذات ? لم سارة الصايل لا أحد غيرها ? لم لم يتزحزح هذا القدر قليلا فيصيب سواي .. لو انه تأخر قليلا أو تقدم قليلا .. لو انه أخطأني أو جاوزني أو أهملني أو أعتقني لوجه الله.. ماذا عن فاطمة مثلا أو نورة أو نوال ..? لماذا لم يلتفت الله يمينا أو شمالا فيوقع بنتا آخرى من بناته في مصيدة أبلا فلوة .. في طاحونة العذاب النفسي .. في فراش عبدالله .. ثم في فراش علي .. ومن قبل الشبق ومن بعده في لجة الوساوس السوداء التي اقتات من دمي وعصبي ..
أين ضاعت سارة الحلوة الشقية .. ? أين السوري (3) كما تلاطفني جدتي .. أين التفاحة كما تناديني أمي .. ? أين دليل (4) كما اعتاد عمر ان يسميني .. ? أين هي أنا .. ؟؟عبدالله !
جلاد أنت أم ضحية مثلي ..?
هل كنت أحبك؟ أم أكرهك؟ أم أخافك؟ أم أشفق عليك؟ أم أقرف منك ..?
هل كنت مريضا أم نصف مريض ..? هل ولدت مريضا أم انهم امرضوك .. ?
أو كنت مهجوسا بالمرأة أم بالعبدة .. بالزوجة أم بلذائذها الليلية..?

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حي يقع غرب مدينة الرياض.
(2) سلسلة روايات رومانسية مترجمة عن الانكليزية شاعت في فترة بين طالبات المدارس تصدرها دار نشر في قبرص.
(3) اسم يطلقه البعض على من تحمل اسم سارة.
(4) بتشديد الياء كناية عن الدلال و التدليل

***

في آخر يوم من الامتحان النهائي قالت أبلا فلوة بلا مقدمات:
_ سارة لن أجد أفضل منك زوجة لأخي عبدالله !
هكذا .. دفعة واحدة .. بلا تمهيد طويل او قصير.. لن تجد أفضل مني زوجة لأخيها .. فأنا اتوفر على شروط الزوجة المثالية: قبيلية ومطوعة وجميلة مؤدبة .. ونعجة صغيرة ..
- بس يا أبلا .. والجامعة؟
هل للضحك إله يا حيرا ! يا مينرفا ! يا فينوس !
الضحك يا مليكات الأولمب هو ماكنت أريده .. وهو ما أريده الان لأشفي نفسي بنفسي .. ..
فلا يعوقني ايتها الربات عن أخيها سوى الجامعة ..
لم لم أضحك ? أو ابتسم حتى؟
لم لم اسوي خصلة شعري و أسكت ? لم لم أرسم الاستغراب على زاوية فمي مثل بطلات المسلسلات التلفزيونية؟ لماذا .. لماذا؟
هل كانت فلوة تطلبني لأخيها .. أم تشوقني له.. أم تأمرني به ?!
-سارة ترى أخوي من المسجد للبيت ومن البيت للمسجد ..
وعرفت بعد ذلك انه كذلك من البيت لعليشة ومن عليشة للبيت(1)حسنا يافلوة .. هل استمر بمناداتك (أبلا) أم انتهت اللعبة .. هل انتهت بتمددي على سرير
أخيك المريض أتامل السقف وانتظر مرور الدقائق لينهض من فوقي ..
أغتسل وأصلي وأبكي ساجدة: يارب اغفر ذنبي.. لاتعذبني بمشاعري فهذه ليست بيدي .. أريد جنتك وأخاف نقمتك وعذابك .. ولو كنت أمرا أحدا ليسجد لأحد لأمرتني من عليائك فسجدت لعبدالله وتمسحت بقدميه المتشققتين ..
ذهب اعتراض عمر سدى وأنا أصيح في وجهه مثل قطة :
- ما عيبه ? هل لابد أن يدخن ويسبل ثوبه ويتسكع في الشعلة (2) حتى يعجبك !
لم يؤاخذني على لمزي لانه قال وإن حانقا:
سارة فكري .. هو يكبرك بخمسة عشر عاما .. حسنا العمر ليس مشكلة ..
لكن هل رأيت شكله .. حتى شخصيته لاتناسبك .. الرجل غريب جلست معه ساعتين لم يتكلم .. إما يحدق في هذه اللوحة كالمجانين .. أو يعلك المسواك و يستغفر ويمسد لحيته.. هل هذا منتهى أحلامك !
تمالكت أعصابي وقلت أتصنع الحكمة:
لاتقلق يا عمر لقد صليت البارحة صلاة الاستخارة وشعرت بانشراح صدري لهذا الزواج ..
ما ان انهيت عبارتي حتى ضحك أخي بهستيرية وهو يصفق يدا بيد:
ماذا يا حلوة ? أعيدي لو سمحت ! استخارة ! يلعن ابو الغباء .. (قصت عليك) (3) فلوة بنت ( .....) ..
تدخلت جدتي (صايلة) وهي تمسح على شعري: استغفر ربك .. والبنات ياعمر ما لهن الا الستر ..
قلت في صدري وانا استشعر الله يملأ العالم من حولي ضياء: يا رب اغفر لعمر فهو جاهل لا يدري ..
الأوبة
كان طابقا أرضيا في فيلا قديمة بحي الشفاء ..ومع انني دخلت هذا البيت سابقا مع أمي لترتيب حاجياتي إلا انني حين دخلته معه في تلك الليلة شعرت بوحشة تكاد تطبق على أنفاسي .. عبرنا الفناء الصغير وهو يتقدمني .. جسمه أضخم مما توقعت .. وله طريقة مميزة في المشي إذ يخطو خطوات واسعة وهو مائل قليلا على جانبه الايمن ..
حين أضاء النور وأغلق الباب رفعت غطاء وجهي السميك والتقت نظراتنا ..
لحظة عصية على النسيان .. وعصية على الفهم .. أحسست وقتها بأن أقدامي تغوص في طين ساخن .. رأيت عمر معلقا في الهواء يمد لي لسانه.. وصايلة العجوز تمشط شعرها وتنشد .. وفلوة تعلمني آداب فتح السيقان.. ورفيقاتي في المدرسة يتحلقن حولي ويتضاحكن .. الغرفة تدور بي وسقفها ينخفض حتى ليلامس هامة رأسي أو يوشك ..
أنا الان لست أمام الله .. ولا فلوة .. ولا المديرة الشمطاء .. ولا الناس .. ولا عمر .. ولا روح أبي التي ترفرف في السماوات .. ولا حتى أمام هذا الرجل ..
بل أنا أمام نفسي العارية .. الواهنة ..مثل ريشة خفيفة تذروها الريح كيف تشاء .. أمام البنت في داخلي .. البنت التي قد تعشق وقد تكره .. وقد ترغب وقد تنفر .. وقد تريد وقد ترفض .. مثل أي بنت .. متدينة أم لا .. صالحة أم طالحة ..
سرعان ما خلع ثيابه .. أبقى عليه بسروال قطني يصل حدود ركبتيه .. لم يكلمني ولم يلاطفني كما كنت أحلم .. وأتخيل .. بل برك .. هكذا برك .. وبدأ يمطرني بقبل متلاحقة مجنونة على وجهي وعنقي.. أكتم أنفاسي حتى لا أصرخ ألما وقرفا .. حتى لا أتقيأ دهن العود الرخيص الذي دخل حلقي وجوفي .. حتى لا يغضب مني الله وفلوة..

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) في اشارة للموقع السابق لمستشفى الصحة النفسية بحي عليشة بالرياض.
(2) مجمع تجاري.
(3) تعبير يعني بعامية أهل نجد: خدعتك او استغفلتك.

***

لم يمر أسبوع واحد على زواجنا حتى قالت فلوة لأخيها:
هل تأذن لسارة ان تذهب معي لحضور الدرس ..?
ابتسم نصف ابتسامة وسأل: عند فاطمة ?
ردت: الله يحفظها .. وهل هناك مثلها ..
قهقه عبدالله كما لم اره سابقا وقال بطريقة تحمل معنى مبطن لم اتبينه وهو يضرب بيده على فخذه: أنا أشهد انه ما فيه مثلها .. !!
حدقت فيه اخته وقالت بجفاء وهي تمط صوتها كأنها تسكته:
عبداااالله !!!
كل هذا وأنا أتشاغل بسلسلتي الذهبية .. أرى لكن لا أفهم ولا أتكلم ..
بعد صلاة المغرب مباشرة أخذت فلوة النعجة الصغيرة تحت ابطها وذهبت بها إلى حي الورود ..
فيلا فارهة جدا .. الباب مزدحم بالسيارات من كل شكل ولون .. وبالسائقين من جنسيات مختلفة .. المجالس مفتوحة على بعضها وفي أركانها سماعات مثبتة ..
استقبلتنا عند البهو امرأة في أواخر الثلاثينات بيضاء وسمينة ولها أرداف ضخمة لم أر مثلها في حياتي .. كانت ترتدي شبشبا رخيصا يحدث وقعه صوتا لافتا على السيراميك اللامع .. رجف قلبي فرحا وخشوعا. وداخلتني سعادة غامضة ..
هذه إذن هي فاطمة احدى اشهر الداعيات في مدينة الرياض ..
توقفت الاحاديث الجانبية كلية وأنصت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ما ان شرعت ذات الارداف في درسها عن حقوق الزوج وآداب المعاشرة الزوجية ..
كان صوتها قويا ومؤثرا لكنك تخاله يخرج من أنفها ..
آآآه يا أمي .. ليتني بقيت طفلة في حضنك لم تكبر .. ليت الشرائط ما انفكت عن جدائلي ..ليت قلبي ظل قلبي .. وديني هو ديني .. وفطرتي هي فطرتي ..
بركاتك يا شيخة .. بركاتك يا ذات الأرداف المهولة .. بركات الشبشب الصيني والكوري ..
سرى البرد في نخاع عظمي وأنا أسأل فلوة: ماذا يعني " أنها تؤذي زوجها"?
حدجتني فلوة بنظرة الأبلا: يعني تمتنع عن فراشه ..!
مغسلة موتى تأذت من رائحة عفنة تخرج من دبر ميتة .. سألت عنها فقيل لها أنها كانت تؤذي زوجها .. !
يا الله أسألك بأسمائك الحسنى أن تنجيني من عذاب القبر ورائحة الدبر ..
لم اتذكر أبدا ان أهلي تدخلوا في طريقة عيشي التي ارتضيتها ..والان لكم يذهلني كيف كنت زمانها أقاوم الضجر حتى لا ينخر روحي ..
ولكن يارب المستضعفين لم سمحت للأوغاد .. لم أعطيتهم تلك القوة لتخريب عقلي .. ? تلك القدرة على ان يجرموا في عيني الدنيا التي حللتها لعبادك .. قل يا رب .. قل لماذا .. انت لا تقول .. لكنك تلقي في الروع .. الهمني جوابا لأتركك وشأنك ..
لا أحاديث .. ولا نزهات .. ولا تلفزيون .. ولا راديو .. ولا صحف .. ولا مجلات ..
حتى السوق لم أكن أضع رجلي فيه لانه المكان الذي يستهوي شياطين الرياض من منفوحة إلى العليا .. تأتي فلوة كل حين للبيت بدلالة مصرية أختار من بضاعتها الرديئة ما احتاجه من قمصان وعطور .. استرخصوا كل شيء في سارة .. من عقلها إلى جسدها إلى ثيابها ..
أما آخر عهدي بالقراءة فقد كان كتيبا وزع على الحضور أثناء درس فاطمة عنوانه ( رسالة في الدماء الطبيعية للنساء) في تفصيل طبيعة الدماء و ألوانها وروائحها (!) وأحكامها ..
لكنني في الواقع لم أكن أقاوم الضجر .. على الأقل خلال السنة الأولى من زواجي .. لا أبدا .. لم أشعر به .. وهذا يثير جنوني الان .. كيف لم تكن فتاة في سني تضجر وهي عصفور مخنوق يفرفر .. ?!
كنت أمضي الوقت في ارضاء ربي وزوجي .. بين المطبخ والسجادة والسرير .. علمتني فلوة ان طريق المرأة إلى الجنة محصور ما بين السجادة والسرير .. وهذه الدنيا الفانية لا تعنيني .. و لايهمني أمرها .. انني أطمح لبيوت السماء وأنهارها ولبنها وعسلها وفاكهتها الدانية ..
علموني ان السرير ميكانيكا بشرية تسهل للمرأة طريق الجنة .. الجنة الاخروية طبعا .. فلم أكن أعلم حينها أن للدنيا جنانها ومسراتها ..
أو انه في أقل الأحوال كان وسيلة للنجاة من الملائكة المستعدة للعني حتى تشرق شمس اليوم الاخر ..
لذا كنت أتحامل على نفسي لأمنحه (حقه) حتى لو كانت الانفلونزا تضرب عظمي ضربا ..
ليس في بيتي تنور لأجيب زوجي حتى لو كنت قائمة أخبز عليه .. ولكن عندي الانفلونزا يا فلوة .. يا أبلا فلوة ..
كنت اجفل كلما مرت بخاطري جرأة والدتي مع صاحباتها في الحديث عن الأنس واللذة ..
هل عرفن هؤلاء النسوة البسيطات شيئا غير ما عرفته .. ?
هل تذوقت النساء في الخريف ما لم تتذوقه الصبية ?
كان هذا من بين سيل الأسئلة التي احتاجت مني وقتا للاجابة عليها خلال أوبتي ..
كنت أقمع السؤال كلما قفز لذهني ليس فقط حتى لا أقع في الاثم .. بل لانه كان يتهدد أنوثتي بشكل يفوق قدرتي على الاحتمال .. لكن لا .. أنا لم أكن ناقصة .. أنثى تتدفق.. التجربة مع هذا .. ثم مع ذاك .. هي الناقصة حسا وروحاسألني عمر وأنا اشرف معه من (نهران)(1) على المدينة الغافية .. ثم عاد بعد أسابيع ثلاثة ليكرر نفس السؤال ونحن في شرم الشيخ .. هبة هواء تداعب شعري وأنا أتأمل في عجوز ايطالية تعب الواين وتثرثر بسعادة مع جارها :
- سارة هل أنت أفضل الان .. ؟
نظرت في ذلك الحنان الطافح في عينيه وقلت:
يا حبيب أختك .. كيف سيكون شكل العالم لو ان لكل البنات إخوة مثلك ..
سأكون .. تأكد يا عمر .. نحن نتألم لنتعلم .. إنما نحترق لننضج .. ونكبر ..
سأنهض على أقدامي وسترى ..
إن قيامة سارة .. قيامتها الموعودة .. آتية لاريب فيها ..
ــــــــــــــــــــــــــ

(1) جبل في مدينة أبها

***


كنت أركب السيارة مع عبدالله في طريقي إلى مدرسة مسائية لتحفيظ القرآن حين التقينا على الباب مصادفة بساكني الطابق الأعلى .. مثلنا .. رجل وزوجته دون اطفال ..
لا ادري إن كنت استطيع ان أصف ماشعرت به ساعتها .. كان شيئا متداخلا من الغيرة والانزعاج والتوق والكراهية ..
نظرت إليها من فوق إلى تحت .. تأملت الصندل العالي الذي ترتديه ويكشف عن نعومة وبياض قدميها .. كانت تمسك في يد بمجلة مطوية .. وفي الأخرى بحقيبة سوداء صغيرة ..
دلفت أنا للسيارة بسرعة مثل الملسوعة .. بينما ظل عبدالله يتحادث مع زوجها وهي تقف معهما .. النار تأكل في قلبي وخلت الدقائق العابرة ساعات ..
وحين ركب عبدالله شب الحريق أكثر إذ رأيته يحدق في الشابة ذات العباءة المطرزة وهي تستقل السيارة إلى جانب زوجها ..
قلت بحنق : هالمره ما تستحي !
كاد الحريق يقتلني إذ لم يصدر منه ما ينبئ عن موافقتي .. كأنه قد شرد يفكر هو الأخر في صندلها الايطالي وما فوقه ..
أعدت بحنق أكثر:
أقول هالمره ما تستحي !
سوى شماغه مرتبكا وكأنه أفاق من غفوة .. ولفت بصره إلى الناحية الأخرى ولم ينبس ببنت شفه .. عد يا عبدالله" ..
إذا عرف ظهري الجلد حد التورم من ذاك السمين القصير .. القصير السمين .. القادم على ظهر بغلته .. قلت بلا صوت: عد يا عبدالله .. خبئني حيث أنت .. حيث أنت خبئني ..
قل لربك تحت أي سماء اظلتك أن لايقف لي بالمرصاد .. قل له يا عبدالله ان لايعاقبني ..
قل لربك الذي تقدس في السماء أن يأخذ السمين القصير لمكان ما تحت عرشه .. أو ليلقي به في زاوية من الجنة .. أو في سرداب من جهنم .. أو لينساه في منزلة بين المنزلتين ..
قل له ان ظهري لن يحتمل الخيزرانة ليلة و الفحولة ليلة ..
فليخصص له من الحور العين سبعين .. يلقاهن دحما دحما .. ليعدن في كل مرة أبكارا .. استيقظت فزعة في حدود الثالثة صباحا على أنين مكتوم ..
عبدالله ساجد على الأرض وينشج .. تقدمت نحوه ببطء .. ببطء شديد .. كمن ينزع أقدامه من أرض رخوة .. وقلبي يرجف في صندوقه كنبتة رهيفة ..
انحنيت عليه.. وما ان لامست أصابعي المرتجفة كتفه حتى انتفض واقفا .. صرخ ان لا أقترب .. أكره (النجاسات) فابتعدي يا ....
تراجعت (النجاسة) للوراء بضع خطوات .. التصق ظهري بالحائط .. ظننت نفسي أحلم .. ماذا غير انني أحلم .. أو قد ضربتني الحمى .. لكن لا .. فقد عاد واقترب مني مسرعا .. مرر يده المرتعشة على شعري .. أمسكني من كتفي حتى أوجعني .. ثم بدأ يعانقني بطريقته الفظة ..
رفع يده إلى الأعلى وبدأ يسب الله .. لم أصدق نفسي .. تزلزلت الأرض من تحتي وانشق السقف عن السماء الغاضبة .. رفعت لأول مرة صوتي في وجهه : جننت .. لاشك انك جننت .. بل ان الشيطان قد دخلك ..
كنت أنتفض وأتصبب عرقا في الوقت نفسه ..
ركع كطفل وهو يمسك بطرف ثوبي .. صار يبكي بلوعة ..
عانقته .. أخذته إلى صدري وصرت أبكي معه ..
أغالب دموعي .. أقرأ عليه القرآن وانفث في صدره ..
وحين غمرني نور النهار .. كان قد استغرق في النوم .. مشيت على أطراف أصابعي .. وهاتفت فلوة :
- تعالي أرجوك .. تعالي بسرعة . .
ردت وهي تتثائب:
- الان .. هل نسيت ؟ عندي مدرسة !
- نعم الان .. أرجوك أنا خائفة ..
- كأنها عرفت خبري لوحدها فقالت:
- وين عبدالله ؟
- نائم .. شيء غريب حدث .. فلوة لقد ..
لم تتركني أكمل:
طيب طيب .. سأكون عندك ..
سارة لم تكن تلميذة المدرسة .. ولا العصفور .. ولا النعجة ..
أنها أشبه بفاقد للوعي يوقظونه شيئا فشيئا بغطسه في بركة مثلجة .. كلما غمره الماء أكثر كلما تحرك بعضه ..
اتجهت فلوة مباشرة لغرفة نومي .. وقفت عليه تهزه بلا تعاطف وكأنها قد كررت هذا المشهد من قبل ألف مرة:
- قم .. قم ..
لم تتحرك فيه شعره .. كان ينز بالعرق ويتمتم ..
اقتربت منها وسألتها:
مم يعاني يا فلوة .. ؟
التفتت إلي والشرر يتطاير من عينيها وكأنها امرأة لاتعرفني ولا أعرفها

- لاشيء .. فهمت .. لا شيء ..
زادت تتوعدني:
اياك أن تخبري أهلك .. هل تفهمين ..
- ثم أردفت وقد لانت عبارتها قليلا:
- إن الله أستودعك ما بينك وبين زوجك ! أو تخونين الامانة يا سارة !
بدت فلوة في هذه اللحظة مثل المارد .. طويلة طويلة .. وصوتها يخرج من عمق سحيق سحيق ..

سارعت أبرئ نفسي :
لا .. أنا .. مستحيل .. لا يمكن أن أخبرهم ..
ابتسمت ابتسامة مصطنعة .. قالت وهي تجول بنظرها كمن يبحث عن شيء:
أين يحتفظ عبدالله بأوراقه الخاصة ؟
قلت متلعثمة:
أوراق خاصة ؟ والله ما أدري ..
ضاقت بي ذرعا .. إذ ابعدتني بحركة من يدها .. ثم فوجئت بها تفتح الدولاب والأدراج في قلق واضح وتبحث .. تساقطت ثيابي القليلة عند قدميها .. حقيبة اليد الرمادية التي أهداني اياها عمر .. والمرآة الصغيرة .. و بضعة كتيبات مهترئة ..
كنت مذهولة وقد شل لساني ..
وبعد دقائق معدودة كان مظروفا أصفرا صغيرا بين أصابعها ..
لاشك ان العجوز الايطالية قد ثملت .. تضاحكت وعمر ونحن نراها ترفع عقيرتها مثل مغنيات الأوبرا .. سألني:
- ما رأيك غدا في أكلة سمك ؟
قلت دون أن أعير سؤاله انتباها:
- هل تعرف .. حينما أسترجع حياتي فلا أحد ولا شيء يؤلمني مثل فلوة ..
- كيف ؟
- هي من نهش لحمي لا هم .. سلبتني كل ارادة .. كيفتني على هواها .. لقد أعدتني على مهل ..
- ترددت قليلا قبل ان أكمل بلا خجل:
- أعدت الحفلة للرجال لامتطائي .. كانت العانس تتلمظ بمتعة مكبوتة وهما يتناوبان علي .. هل تتخيل هذا الشعور الغريب .. أنها عملية تشبه القوادة ..
- ابتسم عمر بعصبية:
- لكنها قوادة شرعية يا سارة..
قالت من دون ان تكلف نفسها عناء التفسير لي .. او حتى طمأنتي:
- اسمعي اتركيه حتى يستيقظ بمفرده .. سأذهب الان للمدرسة .. في هذا الظرف بطاقة المستشفى وتقريره الطبي .. جهزي له سجادة وملابس ربما أدخلوه! .. سأمر عليك بعد الظهر لنرى !

"ربما ادخلوه " ..
سمعت جدران البيت تقهقه ..
قوليها ثانية أيتها العزيزة .. بالله عليك قوليها .. قوليها لتدخل مياه البركة الباردة أكثر في فمي .. لتغرغرني ..
لم؟ وكيف؟
ترى كم مرة أدخلوه من قبل؟
هل يحق لي مثل هذا السؤال ؟ أم انه يغضب ربك ؟
مرة .. ربما ثلاث .. عشر مرات أيضا احتمال " مش بطال" ..
من ظل يضاجعني إذن كل ليلة لعام وشهرين كان "ممن ادخلوهم" !
لا اعتراض لي على "الدخول والخروج" .. ولا على "الادخال والاخراج" .. لكن لماذا الان فقط أعلم ؟!
الجدران العارية تقف لحظة عن القهقهة .. وتجيبني :
هذه مشكلة النعاج !!
جلست على طرف السرير اتأمله بصمت ..
يغط في نوم عميق .. أو غيبوبة .. أو نصف ميتة ..
تراه يحلم .. يتألم .. يتحدث مع ربه .. يتوجع .. يفكر .. حسنا فيم يفكر ؟ في ثعابين القبر .. في الجنس .. في الطهارة .. في الملائكة .. في الخلق .. في غلمان كالدر المنثور.. في شواية البشر ..

مسحت قطرات العرق عن جبينه .. تخللت أصابعي شعر لحيته الكث المتشابك .. أثرت دهن العود ففاح .. نتفت شعرة بيضاء متمردة .. وأخرى .. ألقيت برأسي على صدره .. عبدالله قم .. علمني كيف أحبك .. ما زال الوقت في أيدينا .. لنتحرر من أشباحهم التي سدت عين الشمس ..
دعنا نثرثر مثل الخلق .. ونضحك ونتخاصم ونتصالح ونعيش هذه الدنيا ..
خذني بحنان ولو لمرة واحدة .. خذني مرة واحدة بلا شهوة ..
روح وقلب، توق وحاجة خلف جسدي وقبله وبعده ..
هل تعرف يا عبدالله ان هناك قبلة يطبعونها على الجبين .. ليس بالضرورة ان تؤخذ دائما عنوة من الفم والعنق والصدر و (....) ..
بدأنا نضحك وانتهينا نضحك وعمر يحاول ان يجرئني على الرقص بلا فائدة.. قال ممازحا:
- ياشين المطوعات !

وحين جلست قبالته قلت:
- أعتقد انني لابد ان أكتب في يوم ما قصتي .. قد لا أتعافى إن لم افعل ..
- ستملكين الجرأة ؟
- سأملكها .. ثق في ذلك ..
- لن أثق حتى تأخذين (الكأس) من يدي .. إنه (عصير تفاح) لذة للشاربين !
قرصت ظاهر كفه الممدود وعابثته جاهدة أن أخرج صوتي من أنفي مثل الشيخة فاطمة عطر الله سيرتها بالسدر والحناء:
- لعنك الله أيها الديوث .. ستكب على وجهك في النار والعياذ بالله.

ضحكنا .. وضحك لضحكنا القوم على الطاولة التي أمامناأدخل في نفق الكآبة شيئا فشيئا ..
المرض استبد بعبدالله وكأنما حلى له ان يجرني معه .. أو ان هذا هو قدر المؤمنات الغافلات. استبدت بي أكثر هلاوسي الدينية ..
أصبحت لا أفارق الصلاة إلا لصلاة ..
صرت مهجوسة بالطهارة .. أعيد الوضوء ثانية وثالثة ورابعة .. حد الاعياء ..
أبدل ملابسي التحتية في اليوم عشر مرات دون أن اشعر بالراحة ..
لا أكف عن التفكير في حل وحرمة تفاصيل تافهة ..
تستحوذ علي فكرة العقاب .. فالله لابد سيعاقبني على ما فعلته أو أفكر في فعله أوسأفعله ..
لقد بدأت أزحف للجنون بتوق غريب وكأنه سبيل خلاصي .. صرت وعبدالله نقف على شفير واحد .. الفارق بيننا أن أخته كانت خلفه ومعه وبجانبه أما أنا فلي همزات الشيطان وخطراته ..
لو ان أبي عاد من بين الغيمات .. لو أنك يا الله أخذت أمي وتركت لي أبي ..
ماذا كان سيخرب على ظهر هذه البسيطة ؟ لاشيء البتة .. !
ماذا كان سينقص أو يزيد ؟ ولاحبة خردل !
أرجوك لاتغضب من شيطاني الذي يمقت الأكاذيب.. فإن تلك المرأة منذ خلقتها كانت والهامش سواء بسواء .. حضورها وغيابها يستويان ..دوما كانت أقصى من نجمة قصية .. فصدقني لن يليق بمقامها سوى سماواتك العاليات ..
أما فلوة فتستحق المرور على جهنم لبضعة أيام حتى تستوي مؤخرتها فلا تعبث مع بنات الجنة عبثها معي .. وربما شربت من صديد أهلها .. وربما امتحنها الخزنة بعد امتحان ربها لها ..
أين كان دينك يا أبلا وأنت تدلسين؟ تبيعينني بضاعة عمري فاسدة .. أين كانت عباءتك المغبرة وأنت تسرقين عقلي؟ وفطرتي؟ وطمأنينتي؟ أين كانت قفازاتك السوداء وأنت تدفعينني للخبال دفعا ..؟
فلوة حولت البيت إلى مزار للمشايخة .. يأتي سائقها الهندي بشيخ اثر شيخ للقراءة على أخيها ..
أتت مرة حانقة بعد مشادة تلفونية مع الطبيب السوداني وألقت بكل علاجاته في صندوق القمامة .. قررت ألا فائدة من هذه (المخدرات) (2) اللي تنفخ على غير سنع (2) .. ثم جلبت في اليوم التالي أدويتها:
ماء زمزم (قاري فيه) الشيخ ابن جليفيص .. وعسل (قاري فيه) الشيخ ابن سويعين ..
وزيت زيتون (قاري فيه) الشيخ ابن طريبيق ..
لكن ماذا عن الشيخة فاطمة يا شيخة فلوة .. ؟ أين (عسلها) المصفى عن أخيك .. ؟!
شعوري أنك كنت بارّة المسكين لو احضرت له شيئا فيه من رائحة تلك المرأة ..

مع ان لوثات عبدالله المتكررة لم تعد تحرك في نفسي كثيرا .. إلا ان ذلك اليوم كان استثنائيا .. فبعد صلاة الجمعة جاءت فلوة مع سائقها وزوجته وفي صحبتهم من قالت عنه انه أشهر معالج متخصص في استخراج الجن ..
لو سافرت اليوم عني عشرات الذكريات الموجعة لما سافرت ذكرى ذاك النهار ..
عبدالله يتلوى مثل قط عجوز والسياط الحارقة تهوي عليه .. "أخرج يا كافر" .. يصرخ عبدالله ويئن .. " أخرج منه يا ملعون" .. يئن ويصرخ .. "أخرج من ابهام قدمه يا نجس " يتقيأ فيأتي بعضه على لحيته ويبتلع بعضه..
السوط الجهنمي يرتفع ويهوي .. يهوي ويرتفع.. فلوة .. طيف الجبروت يقف هناك على الحياد.. الألم يعتصر الهندي .. وزوجته تغطي وجهها بكفيها .. ينظر لي عبدالله نظرة استعطاف ووجهه كليمونة معصورة .. اقترب منه متعثرة في عباءتي الواسعة الطويلة .. أتحسس ظهره المحترق .. ولحيته المتسخة .. أبكي حد النحيب ..

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اشارة لاعتقاد العامة في ان العقاقير النفسية تسبب الادمان.
(2) تعبير عامي بمعنى تزيد وزن متعاطيها بلا فائدة.

***

أصبحت مثل الشبح الذي ينزلق دون ارادته في عالم سفلي ..
طمأنينتي الوحيدة ألقاها في السجود . أبقى ساجدة لوقت طويل .. حتى اذا رفعت رأسي شعرت بالغثيان والدوار .. أبل شفتي بقطرة ماء ثم أسجد من جديد غارقة في لجة الفراغ ..
أسجد غارقة في الفراغ أم في "خالد" ..
مستغرقة في الله أم في الشيطان الذي تمثل لي في صورة رجل ليزيد عذابي عذابا ..
كان علي ان أصل عتبة الموت هوسا .. وان اسبح في مشاعر الخطيئة حتى استوي .. وان أرى نفسي في الدرك الأسفل أجر على بطني بسلاسل غليظة في وادي الزناة ..
لم كل هذا .. ؟
لاني لم أعرف من قبل ان خاطرا مثل "خالد" قد يراود أكثر النساء صلاحا دون ان يفسد طهارتهن ..
امضيت ذلك اليوم في حضن جدتي .. مشطت شعري وسقتني اللبن وحدثتني عن ربها الطيب .. الذي لايشبه في شيء ربي الحقود ..
بعد صلاة المغرب كانت في الفناء توادع ابن أختها الذي جاء من بعيد لزيارتها .. وخزني الشيطان بمهمازه ففتحت الستارة قليلا ونظرت للخارج .. لم استعذ بالله ولم أتراجع ولم أغض بصري .. كنت متلذذة بالتلصص ..!
التلصص على ماذا ؟
مجرد شاب يحادث قريبته العجوز ..!
حاولت ان أسدل الستارة وأعود حيث كنت .. لكن ابليس وعياله كانوا أقوى من ضعفي .. من غرائزي التي تشاركني فيها الحيوانات السائبة .. وددت لو استطالت هذه اللحظة عمرا .. تذكرت أبطال الروايات التي أحرقتها في معبد فلوة .. شيء ما تحرك في داخلي وأنا أبحلق في الشاب بقامته الطويلة وابتسامته الحلوة..
لدقيقة خرجت روحي من القبو المطمور .. وكانت الطفلة الجذلى متعلقة بكتفي والدها .. تلبس نظارته ذات العدسات السميكة وتركض هاربة منه .. تلاعب كتاكيتها الصغيرة فوق السطح .. تتضارب مع عمر على لعبة أو قطعة حلوى .. ثم تغفو على صدر جدتها ..
مرت الايام واشتد بي الوسواس .. ما ان أكبر لصلاتي حتى يحجب وجه خالد عني وجه الله .. وإذا ركعت وجدته أكبر من الله .. وإذا سجدت صار أقرب لي من الله ..
يا رب إن لم تسرع بشفائي فعجل بجنوني ..
لكن .. وقعت الواقعة ..!
فتحت الباب على عبدالله .. كان المرض قد نخله .. فبقي سلبيا شبه مستسلم وترك الأمر لي .. فعلت ما لم أفعله من قبل بتوق وشوق .. بينما أنشب أظفاري في لحمه أغمض عيني .. وأتخيل..
لم يكن هذا المريض البشع الأشعث معي .. إنما ذاك الناعم النظيف البعيد الذي سرق لبي من خلف ستارة .. اشتعلت كنمرة أطلقوها من قفص .. اختبرت احساسا جديدا.. أمطرت خزائن السماء وردا وياسمينا .. وتوجت سارة الصايل لربع ساعة ملكة على البر والماء ..
تفحص عمر فستاني بعين الخبير .. غمز بعينه وابتسم وهو يشير لفتحة الصدر المنخفضة :
- سأقول شيئا لكن لاتغضبي ..
- قل يا سيد زمانك !
- لو (شافك ) الشيخ علي (الله لايعيده) بهذا الفستان الماسوني الصليبي (!) هل كانت الجلطة ستوافيه في رأسه أم في قلبه .. (ثم تابع بخبث): أم بين رجليه .. ؟!
- الله يخرب بيتك..!
ضوء خافت وموسيقى ناعمة .. والخدر اللطيف سرى في عروقي .. رق مزاجي وشف .. والدفء ملأ أوردتي .. أخلع سارة المستلبة وأطوح بها بين العالمين .. شفيت منها أبد الدهر .. أرتفع عن المحسوس وأحلق .. وأرقص وانتشي .. وأطأ بـكعب (جزمتي) على لحية القصير السمين ..

يصيح عمر بلهجة مصرية عذبة وهو يتأملني:
" يا صلاة النبي .. يا صلاة النبي"!

القادم على بغلته جاء إلى الدنيا يهوى من الأعمال ثلاثة: " القعود بين شعبها الأربع" و "العفس الشديد والجمع بين الركبة والوريد.." (1) والقراية (2) على الحريم وخشخشة المفاتيح في جيبه ..
كنت ذاهلة ذابلة وأنا أرقى مع جدتي عتبات بيت الربوة (3) .. إلا ان مرأى النساء الكثر الجالسات على بساط أحمر عند مدخل البيت ينتظرن دورهن والمكيف الصحراوي ينفخ عباءاتهن حركني قليلا ..
بنت الشيخ تنظم الدخول وتحصيل الأجرة ملزمة كل من ترتدي نقابا أو لاتلبس قفازا ان تتجه إلى خادمة لها نصبت في زاوية من الحوش طاولة عليها لوازم الدخول على الشيخ فتبتاع المرأة منها ما ينقصها .. بضعف ثمنه الأصلي !
شكلي في ذلك الزمان كان مريعا لايصدق ..
(شيء) ويدب على الأرض .. فزيادة على الغطاء الثقيل والشراب والقفازات .. كنت أعمد على طريقة شديدات التدين إلى إدخال يدي في العباءة الفضفاضة ثم أشدها .. فلا يتبين للرائي ان لهذا (الشيء ) يدين ..! ومن ثم كنت آخر من تحتاج لطاولة الحشمة الاسيوية ..
يبدو أنهم خرجوا من أرحام أمهاتهم واصواتهم تخرج من أنوفهم .. قال الشيخ علي موجها كلامه لنا:

- من منكم المريضة ؟
سارعت العجوز تشير لي: بنت ولدي يا شيخ ..
- وش فيها؟
- ضيقة صدر ووساوس .. كلها مريضة الله يحييك !
- من متى؟
- من زمان يا شيخ .. لكن المرض زاد عليها عقب ماخليت (4)

طلب القصير السمين ان أدنو منه ففعلت بعد تردد .. وحين حاولت جدتي ان تنهض من مكانها أشار بيده لتجلس حيث هي .. سألني:
تؤدين الفروض في وقتها ؟
جاء صوتي مبحوحا من عالم آخر:
- ايه يا شيخ ..
اقترب مني .. اقترب أكثر .. بسمل وبدأ يقرأ .. رذاذ فمه يتطاير نحوي .. جدتي تهلل وتستغفر وهو يقرأ.. لاينشرح صدري ولا ينقبض ويقرأ .. يلعب بشعر لحيته .. ينفث ويقرأ .. اسمع صوت أنفاسه اللاهثه ويقرأ .. تطفح بي الهواجس ويقرأ .. يضع كفه على فخذي ويقرأ .. أشعر بضغط أصابعه على لحمي ويقرأ .. تجتاحني رائحة عبدالله ويقرأ .. .. تصعد كفه وتنزل ويقرأ .. تسد الثيران الهائجة باب الحجرة ويقرأ ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تعبيرات في تراث العرب تشير للفعل الجنسي.
(2) قراءة القرآن كنوع من العلاج.
(3) أحد أحياء شرق الرياض.
(4) تعبير عامي بمعنى بعد طلاقها.

***

تواطؤ خفي بين الشبق والمرض ..
بين الهاتك والمهتوك ..
ابنتك تستر الحريم أكثر .. لتستعذب أنت هتك الستر أكثر ..
كلما كانت مدقوقة العظم أكثر تخفيا كلما كانت أكثر فتنة ..
وكلما كانت أكثر تسترا كلما كان جسها أكثر استثارة ..
وكلما كانت أكثر اكتئابا كلما كان انبطاحها اكثر سلاسة ..
أنت لاتتوقع أني سأفضحك وأيضا لاتتوقع أني سأفتح رجلي ..
وبين هذين القوسين لك يا شيخ على بركة الله ومعزوفة ولده جبريل .. ان تدنو وتشم وتلمس وتتحسس ..!
أمتعك الله بالصحة يا شيخ بقدر ما دنوت وشممت ولمست وتحسست ..
بقدر مافجرت ..
بقدر ما قرصت و(عبطت) من أفخاذ نجديات سادرات في الوهم ..
بينما نرقى درج مبنى (15) الذي تشغله كلية التربية بمركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة (1) توجهت فاطمة بالحديث لفلوة:
- سأسلم على العميدة أولا .. ثم نتجه لحضور المحاضرة.
بادرتها فلوة:
- أيهما تفضلين؟ محاضرة قسم الادارة عن طاعة ولي الأمر .. أم محاضرة قسم الانجليزي عن غسل وتكفين الميت؟
التفتت فاطمة ونظرت في عيني وقالت:
- ما رأي الحلوين يا ترى ..؟
وقبل أن أجيب تابعت:
- أظن أن درس الأستاذة هيلة البعيجاني سيكون مشوقا لسارة فهي قد أخبرتني أنها ستعرض بعض الافلام والصور المؤثرة ..
أجابت فلوة نيابة عني:
- تحب سارة فعلا أن ترى هيلة البعيجاني الله يحفظها ..
في طريقنا للقاعة كنت ألتفت يمنة ويسرة أتأمل في البنات المنتشرات بين المباني
المتباعدة وحدائق النخيل .. كن جميلات وأنيقات وفرحات .. كان مقدرا لي أن أكون
واحدة منهن لولا ان تداركتني فلوة .. لولا ان تداركني عبدالله .. لولا أن تداركني
ربهما برحمته الواسعة ..!
القاعة المهيبة مزدحمة بطالبات الانجليزي والاستاذات .. علاوة على المدعوات من خارج المركز ..
- أضحك بمرارة بينما أقول لعمر : لقد نجحت تلك المحاضرة نجاحا مذهلا تبعا
للحضور الضخم .. وكثافة حالات الاغماء .. والتغطية المكثفة لرسالة الجامعة ..
وخطاب الشكر الذي قالت فاطمة فيما بعد ان هيلة البعيجاني تلقته من العميدة ..
- رد الجنتلمان وهو يلمس بسبابته رأسه: وكيف كان نجاحها هنا ؟
- اوووه لا تسأل يابن الخطاب .. لقد تركت في نفسي أثرا عميق الغور يكفي أنها علمتني أن أعلق كفني الأبيض في دولاب ثيابي ..!

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامعة الملك سعود (التخصصات الأدبية والتربوية).

***

كان عبدالله ينزلني من سيارته أمام بيت أهلي .. قلت له:
- هل يمكن أن أنام عندهم الليلة .. لم أرهم منذ وقت طويل ؟
بان الاستياء في وجهه وقال:
- ولمن تتركين زوجك .. مازلنا معاريس !
خمسة أشهر ومعاريس .. ! لابأس .. ظننتك ستعتق ظهري لليلة لكن بعض الظن اثم ..
أمي مشغولة ورائحة طبخها تدوخ .. جدتي تجلس في الصالة أمامها المذياع ودلة القهوة كما هي عادتها الأزلية ..
- ماذا عن عمر الله يهديه ألا يقر لساعة ..؟
ردت جدتي وهي ترشف قهوتها المزعفرة: ذهب لشؤونه يا بنتي ..
قلت متهكمة: شؤونه !؟ .. الله يعفو عنه ياجدة .. هذا فقط هو حقه علي ..
ومثل البرق لمعت في رأسي فكرة جهنمية .. فقلت:
- أريد كتابا من غرفة عمر .. !
الغرفة تعبق برائحة السجائر..
تناولت كيس قمامة وبدأت منتشية أجمع فيه ما يصادفني ..
أعداد كثيرة من " النهضة " (1) .. " أشهد ان لا امرأة إلا أنت" (2) .. يا رب
لاتخسف بنا .. صور ممثلات .. منفضة سجائر .. أشرطة كاسيت .. فيروز .. محمد
عبده .. نجاة .. ميادة .. قصاصات صحف .. قصائد للصيخان (3) .. ألبوم ..
ثم من سوء حظي أو من حسنه .. لا أدري .. كنت وجها لوجه مع عمر الذي شد
ذراعي قائلا والغضب يشعله من رأسه إلى اخمصيه:
- لو ما كنت بنت لعرفت شغلي معك ..!
نقضت غزلي بيدي .. فقد سافر عمر بعد ذلك بشهر مبتعثا للدراسة دون ان يودعني
أو حتى يسأل عني ..

ـــــــــــــــــــــــــ
(1) مجلة كويتية منوعة.
(2) ديوان صغير لنزار قباني.
(3) عبدالله الصيخان أحد أشهر شعراء الحداثة في فترة الثمانينيات الميلادية.

***

قدمني له عمر على هذا النحو:
- أختي سارة .. مطوعة سابقة !
ابتسم وانحنى على يدي يقبلها:
- من يتخيل ان المطوعات بهذا الجمال !
اظنني اشتعلت مثل عود ثقاب ..
وددت لو اقول: بل من يتخيل ان السعوديين بهذه الوسامة الطاغية ..!
بادره عمر:
- قلنا لك يا أخي مطوعة سابقة .. كن دقيقا من فضلك ..!
ونحن نجتاز الممر الواسع إلى الصالون المكتظ همست في أذن عمر على طريقة المسلسلات التاريخية:
- ويحك يا فتى أو تقام في الرياض مثل هذه المخازي .. ؟!
- مخازي ؟! حسني ألفاظك قليلا .. المخازي والله عند (ربعك الاولين) ..
ونحن نجلس قال: هنا يا برنسيسة .. نشرب شوية .. و نحش في الحكومة ومطاوعتها شوية .. ونضحك شوية .. ونتكلم في الأسهم شوية .. ونهج من كآبة الرياض شوية .. لكننا لا نمرض أحدا ولا نؤذي نملة ولا نسرق عقول الصبية.. الأوبة
كأنما عمر " وضعني هناك ونساني " .. لاسامحه الله تركني وغاص في الصخب .. كنت منكمشة حين اقترب ذاك الذي أشعلني عود ثقاب عند دخولنا .. باغتني بقوله:
- كأنما وجهه والكأس إذ قربت من فيه بدر تدلى منه مصباح (1)
لم أجد كلاما .. لم أتعلم ان أغازل .. لم ينتظر فسأل:
- أجلس ؟
قلت مرتبكة:
- بكل تأكيد ..
- كيف رحلتك ؟ كان عمر قد أخبرني عن شرم الشيخ ؟
عليك اللعنة يا بن الخطاب .. تراك أبقيت أحدا لم تخبره .. قلت وأنا أمط شفتي بابتسامة على خطى نساء الليلة:
- لابأس .. جيدة .. وددت أن أسألك يا أستاذ ..
- مشاري .. هل نسيت اسمي بهذه السرعة ؟
(بارتباك): طيب يا أستاذ مشاري .. هل رأيت عمر ..( شفت أخوي) ؟
لقد قلت طرفة بلاشك .. لأنه انفجر ضاحكا :
- هل ضاع منك هذا (التعبان) في الزحمة ؟
تمنيت لو اختفيت من امامه .. يا الهي هل أبدو سخيفة إلى هذا الحد ..
أظنه ندم لانه سارع قائلا بكل جدية:
- سارة .. أو تشعرين هنا بالغربة ؟
وددت لو أصرخ نعم .. لا أشعر بها وحسب.. ولكنها تعصف بي عصفا.. أريد أن أعود لغرفتي الصغيرة .. لحضن جدتي .. لـ ..
أردف بنبرة حنان مفاجئة: هل وجودي يضايقك ؟
سارعت قائلة: لا مطلقا .. الواقع أنا لم أتعود على أجواء الحفلات .. لقد مضت حياتي في ...
شعرت بجفاف في حلقي ..وبوخز في مقدمة صدري ..
- لم التوقف ؟ تابعي يا سارة .. كلي منصت لك .. هيا لنذهب عن خان الخليلي هذا ..
ومن دون ان يترك لي فرصة للتفكير أو التملص أخذ بيدي .. نزل بي درجات القبو وكفه في كفي.. رائحته الحلوة تقتلني وتحييني .. كنت مأخوذة .. لا أميز ماذا يحدث .. ولم يحدث ما يحدث ..
هناك لم يكن من أحد سوى بضعة عمال يرتبون طاولات العشاء حول المسبح .. كنت أرتدي فستانا أسود بلا أكمام .. أجلسني من كتفي مثل طفلة بلهاء وجلس أمامي .. أشعلت أصابعه الحريق في كتفي ..هو أكثر فتنة مما أتصور أو أتخيل لرجل ..
أعجب بهذا المجنون أم أعيب عليه .. جريء أكثر مما ينبغي لرجل مع امرأة .. لكنه مهذب .. أو هو مهذب حتى الساعة.. عبدالله أيضا ظل مهذبا إلى حين .. فقط إلى حين قبل ان يبرك كبعير .. أما القصير السمين فلا يقاس عليه ..
قال وعلى فمه ابتسامة عصية على الوصف:
- ستي .. يا (القطيوة البردانة) أحب ان اسمعك ..

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من قصيدة لأبي نواس.

***

"أهل الجنة اذكياء لايخالطهم الأغبياء"..
عمر واقف بباب الجنة .. يقول له رضوان:
"هل معك من جواز" ؟
يقول (لا) ويسأل ورقة من شجر الصفصاف ..
فيرد عليه خازن الجنان: "لا أخرج شيئا من الجنة إلا بإذن من العلي الأعلى تقدس وتبارك" ..
يبكي عمر وينظر لأمي في "أقصى الجنة قريبة من المطلع إلى النار" واقفة على "باب قصر من در .. قد أعفيت من البؤس والضر" ... يصيح بها :
يا أمي بم غفر الله لك فأنشأك شابة "كالزهرة الجنية" .. ؟!
تتطاول وتنظر في التنور فتراني نخلة والنار تضطرم في رأسي .. لاتعبأ كعادتها.. تستدير بصفاقة لتقع على بطنها فوق عشرة من غلمان مخصيين .. لايشفون لها غليلا ..
تأوهات وأصوات قبل فاقعة ..
يكشف الله عن ساقه والقوم لاهون ..
أنف فلوة في مؤخرة علي ..
ولسان عبدالله يجوس بين فخذي فاطمة ..

الملائكة تضحك حتى تستلقي على أجنحتها الفارهة ..
"لأنك ثور زوجوك وطلقوك" (1)
لاتقبل يا عبدالله بدور الثور ثانية ولو ظهرت الشمس من مغربها ..
ولو طويت لك الأرض مرة تلو المرة ..
ولو وعدوك بكنوز فارس وروما ..
لاتكن ثورا لدقيقة ولو كلمك الله بدون حجاب وقلدك نياشينه ..
وسارع وأوجز الحكاية له جل جلاله في كلمتين كما تفعل الثيران (الحكيمة)..
قل له ان يستمع من ثور لمرة واحدة في حياته السرمدية ..
قل له أرادوها لك فراشا فجاءت بالم


.

صورة مفقودة
 
أعلى