يعقوب بن عبد الله بن أبن - غزل بنى ديمان

سئل أبو عمرو بن العلاء هل كانت العرب توجز؟ قال نعم ليحفظ عنها، وقال يحي بن الحكم لعقيل بن عُلفة: إنك لتقول فتقصر، فقال إنما يكفى من القلادة ما أحاط بالعنق، وقيل لإبن الزّبَعرى إنك تقصر أشعارك، قال لأن القصار أولج في المسامع و أجول في المحافل.

و يلاحظ المهتم بشعر أهل إيكيد وفرة القطع مقارنة مع القصائد في دواوينهم، وهو ما يعنى أن الحرص على التناغم مع الذائقة الايكيدية حدا بالشعراء إلى صياغة شعرهم بأسلوب رقيق وموجز، فحذفوا فضول القول و اكتفوا بالبيتين والثلاثة في أغلب الأغراض. وقد ورد في تذييل نظم الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا لهزل بنى ديمان أنهم يستثقلون التطويل :

وسردك القصائد الطوالا = مستثقل عندهمُ استثقالا

ربما يرجع ميول بنى ديمان إلى الإيجاز إلى تأثرهم بحماسة أبى تمام فجل مختاراته قصار جياد ، أو أنهم اختاروا أن يكون شعرهم مما قل وفاد فيسهل حفظه وتعم فائدته ، أو لأنه طبع فاكتفوا منه بالقليل، و جاء غيرهم شعرا فاحتاج إلى التطويل، وقد أشار الناقد الأديب امحمد بن أحمد يوره إلي ذلك بقوله:

ألا أيها الشــعرور لا تك ناطـــقا = بشـعر يني عن فهمـه المتناوش
و لا تطل الأشعار في غير طائل = فشر القريض الطائل المتفاحش

ومن المعروف أن مسامرة الفتيان لا تتم إلا من خلال رواية الأشعار، ولذلك لا تسمع في نوادي بنى ديمان إلا المقطوعات الشعرية المطوية على النكت واللطائف، للإحماض و تجنب الملل من جهة، ومن جهة أخرى لإفساح المجال أمام الحاضرين كي يشاركوا في تجاذب أطراف الحديث . و قد أشار الأديب الأبهمي أحمدُّ السَّالم بن عمِّ إلي ذلك بقوله:

فحدثنى خليلي في اختصار = محادثة الظريف مع الظريف
فسُمَّارُ المُغيري لم يزيدوا = على بيـــــتين في معنى لطيف

تسود مجتمعات بنى ديمان ضروب من الحرية المهذبة في لقاء الرجال بالنساء، ولا يخدش الحياء العام أن يتغزل الشاب الشاعر بالمرأة، والظاهر أنهم أرادوا أن يكون للغزل بصمة ديمانية صرفة ، فعدلوا إلى الأوزان الخفيفة كالسريع و الخفيف و المتقارب، و استخدموا الألفاظ العذبة المستورة ، والمعاني الرقيقة العفيفة، فجاء غزلهم مفعما بالأحاسيس مع طهارة النفس.

وسلكك في الأسلاك مبروم كرة = ســـلوك بنى ديمان مبرومة الكر

يستهجن بنو ديمان التصريح والبوح بما تكنه الجوانح ،ويحبذون الإشارة والتورية ، أما الكناية عندهم فهي لفظ أريد به لازم معناه وإنما يعدلون إليها عن التصريح لأغراض منها التعمية و الإلغاز إما لبيان حال الموصوف مع صيانته أو للتعبير عن المعنى القبيح باللفظ الحسن. كما أن أشعارهم لا تخلوا من الطرافة من خلال تضمين بعض الرموز و الإشارات و “المفششات” …

واستجابة لطلب بعض الأصدقاء الأدباء فقد حاولت في هذه المقالة أن أسلط الضوء على غزل بنى ديمان ، خصوصا منه ما قيل في بيتين من الشعر . من خلال استنطاق نماذج جمعتها على عجل ، و لا أدعى الاحاطة بعُشْرِغزلهم أحرى بجله أو كله . وقد تناولت الموضوع من خلال مدخل عام و أربع ميزات كاشفة.

مدخل عام

يعود أقدم نص غزلي في منطقة إيكيد إلى بداية قيام حركة الإمام ناصر الدين رحمه الله ، فقد نقل الرواة أن الشاعر اليعقوبي الحبيب بن بلا ، عُزِّرَ بعد شيوع بيتيه الغزلين الجميلين الذين خاطب بهما إلفه الحاجية :

رب حوراء من بنى سعد الأوس = حبــــــها عــــالق بــــذات النفوسِ
جعــــلت بينـــــنا وبــين الغوانى = و الكرى و الجفون حرب البسوسِ

ويبدو أن الجيل الموالى للحرب رجع إلى الغزل بقوة ، حيث تشي أبيات شاعر بنى مهنض أمغر، أحمد بن احمدُّ بن معدر بتقبل المجتمع الزاوي لهذا الغرض، حيث ورد ذكر اسم الشاعر واسم المغزل بها في الأبيات وهو ما يعنى عدم التحرج من أي رقيب أو حسيب.

يومى و حوري يوم لست أنساه = حتى يلاقي ول أحـمد مولاه
يوم تقاصر و الأيام أقصــــرها = يوم تزور به من كنت تهواه

وقد تغزل شعراء بنى ديمان كما تغزل غيرهم ، لكنهم فضلوا مدرسة الغزل العذري التي تهتم بروح المرأة أكثر من جسدها ، لذلك نجدهم يشبهون المرأة بالغزال و الرشإ و المها ويبكون الديار و يشكون حرقة الفراق ولوعة خلف الوعد …وسأورد في هذه المقدمة لقطات حية تؤكد تأثر الديمانيين بالغزل العذري العفيف.

اكتفى الأديب محمد عالى بن زياد بأطراف “بنت أبا” دون باقي جسدها، فشبهها بنبت الخروع و البان وقد وفق في الجناس التام:

لقد أبى القلب إلا حب بنـــــــت أبا = و عن سواها من البيض الحسان أبى
غانية قد رمت ذ القلب عن عرض = كأن أطــــرافها من خـــــروع أو أبا

أما الشاعر بك بن سيد بن حرم فقد أجاد سبكا وحبكا في تفضيله لإلفه التي شاهدها صدفة تسقي حرثا لها عند “تنشيكيل” فقال:

فما درة حمراء تعرض في حق = و لا الذهب الابريز ينشر من حق
بأحسن من اخناث بالأمس منظرا = على جفر ذات اليم مغبرة تسقى

وقد عبر الأديب سيدأحمد بن مامين في أبياته الجميلة عن خيانة “مي” لعهده الذي قطعته عند زيرت كابون و تنتدركين حين قال:

يا مي لانــــولك أن تفـــــعلى = حملتنى ذنبا و لا ذنب لى
و خنت عهدا كان من بيننا = أيـــــام ذات الــدب و الجندل

أما الشاعر محمد بن ديدِ الفاضلي فقد عانى من هاجس الفراق، و من لوم العواذل وتمنى أن يشربوا من نفس الكأس التي ذاقها :

زود القلب من أمام شجونا = حذرا من فراقها أن يكونا
جــهل العاذلون ما بي منها = ليـت ما بي ذاقه العاذلونا

وقد أجاد الشاعر الألفغي محمذن باب بن أبنُ في البكاء والحنين إلى انضهوات عندما أهاج غزال أغن بلابله وهمومه فقال:

قد هيج الحزن ظبي = والمائسات نشاوى
تبك انضهاو حنينا = آهٍ لبـــاكي انضهاوا

أما الشاعر محمذن بن احجاب فقد عانى من سطوة الرقيب التي دفعته إلى ترك “اجنك” على مضض باتجاه “فك ” الأكثر تحررا

أيا قلب لا ترحال منى و لا منكا = عن اجنك ما دامت فطيم لدى اجنكا
و إن يمنع اجنك الرقيب فسر بنا = مســــيرا لعــــــمرى منتهاه إلى فُكَّا

أما المبدع يقوى بن أحمد ميلود فقد نبه ذات الأعين النجل إلى قوة تأثيرها، لكن الله لم يجعل له قلبان في جوفه و قد أجاد في التخلص:

ألا أيها الخـــــاتلى بالمقل = لتصطاد قلبي أضعت الختل
فلو كان قلبي معي صدته = و لــــكن قلبي بقــلب الجمل

بيد أن أبيات الشاعر البوميجي محمذن بن والد بدت أكثر وضوحا ، عندما عدد فيها الأشياء التي اطَّباه بها الجنس اللطيف فقال:

خصور الغوانى و الثدي الكواعب = و أعيـــــنها من فوقها والحواجب
تركن فــــؤادى بالغــــرام مشبرقا = كما شبرقت وجه السماء الكواكب

أما الشاعر محمد فال بن آبنى فقد شخص لنا معاناته العاطفية من خلال مثال لطيف استطاع أن يأتي به دون أبسط تكلف فقال:

إلى الله أشكو من معاناة ذا الرشا = يصرف في قلبي به الله كيف شا
أرانيَ قَــــحوانا بأودش نــــــابتا = و ما نبـــــت القَحوان قط بأودشا

الميزة الأولى : التورية عن اسم المغزل بها

يختلف الشعراء في ذكر أسماء المقصودات بشعرهم، فمنهم من يستعير للمغزل بها اسما خياليا كسعاد و أدد… يكون سهل اللفظ متماشيا مع روي القصيدة وقافيتها ، وقد أشار إلى ذلك مالك بن زغبة الباهلي بقوله:

وما كان طبي حبها غير أنه = يقام بسلمى للقوافي صدورها

وقد يصرح بعضهم في شعره باسم إلفه مرارا وتكرارا حتى تصير علما عليه ككثير عزة وجميل بثينة و قيس ليلى وغيرهم.

وقد لاحظت بعد قرائتى للنصوص الغزلية – التي بين أيدينا- أن شعراء بني ديمان سلكوا طريقا وسطا بين النوعين ، فلا يلقبون النساء بأسماء مستعارة، ولا يشهرون بهن، ولكن يستخدمون أسلوب التورية ، بحيث يقحم الشاعر اسم المعنية في النص ، لكن من خلال سياق آخر قد تم التقديم له سلفا فلا ينتبه – من ليس لديه إلمام بحيثيات الموضوع – إلى تصريحه بالاسم.

و هذه التورية تمكن الشاعر من تفادى التشهير، كما تضيف نكتة جديدة تزيد من قيمة النص الفنية. و إليكم نماذج من ذلك:

أجاد الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف في التورية عن اسم امرأة تدعى “الشيَّ” عن طريق الاقتباس القرآني الموفق في قوله:

إن الجماعة إذا جئتها = أنظر قاصيها و دانيها
فإن تك صفراء لا شية = فيها فإني لست آتيها

وفي نفس السياق القرآني ورى الأديب المختار بن حامد عن اسم سيدة سنغالية تدعى ” ياسين” وذلك حين قال:

ياسين ترتيـــــلها جزء من الدين = لا ينبغي الزهد في ترتيل ياسين
ياسين أنظرها شزرا و تنظرني = و ذلك القــــدر تاهــــم عن كافين

كما أجاد أيضا في التمويه على اسمي سيدتي بقاس “خيرا” و “آمنة” عندما ساق سماهما في سياق آخر:

لقيت شيخا ببــــــقاس وعا فئة = يا ليتنى زرت ذاك الشيخ ثانية
حتى ترى النفس من لقياه آمنة = شرا و لاقيـــــة خيرا وعافية

وأقحم الشاعر المبدع المختار بن ميلود بن المصطفى بن محم سعيد اسم “الزغم” في تأكيده على زيارة الشيخ والد فقال:

زر والدا إن كنت ذا حاجة = تنل من الرحمان فضلا سما
واحذر من الزغماء إن زرته = فآفـــــــة الزائر أن يزغما

أما الشاعر سيد محمد بن عبد الرزاق فقد وظف اسم ” الشفا” توظيفا بديعا في أبياته التالية:

كنا نظن غيود اللهو قد ذهبت =عنا و ما خلفت من بعدها خلفا
لكنه من يجئ للجنك ذا كفس = من دائه سيجد فيها الشفا و كفى

الميزة الثانية: بروز الخلفية العلمية والثقافية

من الميزات الجميلة لشعراء المحظرة عموما و بني ديمان خصوصا، بروز خلفياتهم العلمية والثقافية بين تفاعيل نصوصهم الشعرية، ولم يشكل غزلهم استثناء من القاعدة ، فقد ظهر جليا في مقطوعاتهم الغزلية امتلاكهم لناصية العلوم المحظرية، ورغم الطابع الجدي لتلك العلوم فقد نجحوا في توظيفها في الشعر الغزلي الهزلي دون أن تؤثر على عفوية الشاعرية و قوة السبك و جودة المعاني و سلاسة الألفاظ .

ورى الأديب محمذن بن ابَّبَابَ عن استخدام إلفه لمسحوق أسود يعرف ب” حك ابراهيم” ، وعن أثر جرح بأسماء الأنبياء فقال:

كليـــم الله حـــــل من الفتاة = على خد به سبت الفتى تى
على ثغر الفتاة خليل ربى = فلــــله الخــــليل على الفتاة

وقد أشار الأديب الأريب المختار بن حامد إلى اختلاف ألسنة الشعوب و أزيائهم ، وإلى حادثة الافك الشهيرة في أبياته التالية:

و حسناء تاتي المرص لابسة ترك = تزيت بزي الروم والفرس والترك
تبرأت من حسنا ســــواها أزورها = بـــــراءة أم المــــؤمنين من الإفك

أما الشاعر بك بن سيد بن حرم فقد جعل من اقتناصه لغفلات إلفه مدعاة للتفكر في حسن خلق الله والتدبر في صنعه فقال:

مروا بنا على ابنة الباقر = ذات البها و المنظر الباهر
لعلنا في بعـــض غراتها = ننـــظر صنـع المتقن القادر

وقد خاف الشاعر عبد الله بن بيدح على نفسه من إشارة بيضاء السوار، فصرف نفسه عنها من شدة خوفه من كيدها فقال:

وبيضاء السوار لها خضاب = بتفــــــــجير الدماء من الــقلوب
أشارت لى فقلت لها ذرينى = أخاف على الضعيف من الذنوب

أما الشاعر المفلق أبو مدين الغوث فقد اكتشف حجة جديدة تقوى موقف الداعين لقبض اليدين في الصلاة فقال :

صلاة فــــتاة الحــــي بالقبض للفرض = تزهـــــد في سدل اليدين بلا قبض
و من يك صلى الفرض بالسدل بعدما = رءاها تصلى قد تهاون في الفرض

ويبدو أن الشاعر الأفظل بن زياد الأبهمي ذكر مريم قائما وقاعدا وعلى جنبه حتى خشي أن تؤثر على خشوعه في صلاته فقال:

إن لـــله در هــــاذى الفـــتاة = جـــعلــــتنى مضــــيعا للصلاة
في سجودى أقول مريم ومر يم = في ركوعى و مريم تحياتي

وظف الأديب محمد فال بن عبد اللطيف الجحفة التي قدمت عليها “صفية”، في التورية عن الجحفة التي يحرم منها بعض الحجاج

صفية تسلب لب الفتى = و تـــــترك الجاهل كالعارف
و بالمدينة لها جـــحفة = وكم لها في البـيت من طائف

وقد أحسن الشاعرمحمد بن أحمدونا الفاضلي في توظيف مطالعة إلفه لشرح حماد على نظم عمه البدوي للغزوات فقال:

غزانى بجند الشوق ظبي رأيته = يطالع “حمادا على الغزوات”
حمدت إلـــهى إذ غزانى بجنده = وما كنت حمادا على الغزوات

أما الأديب محمد بن امُّو فقد ذكرته رؤيته لصغيرة تحت خيمتها تلهو بألعابها، بنظره في صغرى السنوسى و إحياء الغزالي فقال:

رأت عيني غزالا في نساء = على الأوزار من أهل السنوسى
وقفت له أطــــالعه طـــويلا = مطــــالعة الغزالي و السنوسى

أما الشاعر يقوى بن أحمد ميلود، فقد أشار في بيتيه إلى أن ليت من حروف التمني و قد أجاد في رد العجز على الصدر :

ليت أنى وليت حرف تمنى = و أنا اليـــــوم بين ظن ورن
والغزال الأغن منـــى بعيد = كنت من جيرة الغزال الأغن

و يبدو أن الشواهد النحوية لم تسلم من غزل بنى ديمان فهاهو المختار بن حامد ينبهنا إلى محل الشاهد في أبياته التالية:

يشهد ربي وهو خير شاهد = أن الجمال خيرها بوشاهد
و مريم هـــــي عليه شاهدي = وشاهدى هو محل الشاهد

الميزة الثالثة : ورود أحداث تاريخية في النص

يبدو من خلال نص القاضي أحمد سالم بن سيد محمد أنه قيل في خضم الحرب العالمية الثانية، وما صاحب ذلك من نقص في اللباس:

إن أمش فوق ثنايا الخط في مهل = أجر “حولى” و حولـى بنت معلوم
فما أبالى بما جـــــر الزمان على = قومى و ما نابهم من نــوب الروم

كما تشير أبياته التالية إلى ظاهرة انتجاع خلا المراعي، و قد أجاد في قوله “أيا اللهم” ، الذي أشار ابن مالك لندرته في القريض:

أيا رب إن الزهر مطلبها شطا = و لا وصل منها دون أن تنزل الخطا
فإن كان قحط السهو يدنى مزارها = فأرسل أيا اللهمَّ للســــهوة القحطا

أما نص الأديب المختار بن حامد فيعرفنا على الأسرة التي كانت مكلفة من طرف الأمير بتحرير تراخيص استغلال سبخة انتررت:

صاح قل للفتـــاة بنت إعيش = هل لها في مرابط درويش
والتمس لى كتاب ملح لديها = كتب الملح عند بنت إعيش

في حين يضعنا الشاعر المختار بن محمدا في جو تحضيرات زيارة رسمية قام بها الرئيس إلى احسي المحصر في الستينات فقال:

يقام الحفل في حي الأمير = بشكل مستطـــيل مستدير
فتنظيم الرجـــــال له مثير = وتنظيم النسا فوق المثير

الميزة الرابعة : استخدام الشعراء لأسلوب ازريكة في الغزل

مزج شعراء أهل إيكيد شعرهم الفصيح بكلمات و أمثال من اللهجة الحسانية، وهي ظاهرة عرفت في ما بعد ب “ازريكة” ويعتبر الشيخ الأديب امحمد بن أحمد يوره أحد فرسانها المجلين ، وقد لاقت النصوص المشوبة بالحسانية استحسانا لدى الجمهور لابتعادها عن التعقيد واشتمالها على خصائص موروث مجتمع البيظان، وسرعة حفظها من طرف العامة. وسنختم المقالة بنماذج من استخدام ازريكة في غرض الغزل:

يقول الشيخ امحمد بن أحمد يوره وقد أجاد كعادته في تطويع الأمثال الحسانية:

و لما أحست الوصل من أم مالك = فررت بحبلى قبل أن يتصرما
وما ذاك إلا عن صحـــيح فراسة = وشيء على رأس اللسان تكلما

أما الشاعر يقوى بن أحمد ميلود فقد قرر البقاء عند “العرش” بغض النظر عن قرار أترابه ترك “العزيب” فقال:

لعمرك والعشاق تعذر لا أمشى = عن العرش ما دام العزيب لدى العرش
و ذلك يا أحــــباب ذلك قــــدره = فــــمن شاء فليـــــقعد ومـن شاء فليمش

وقد أجاد الأديب المختار بن حامد في توظيف مفردات ازريكة التى جاءت متناغمة مع الفصحي في قوله:

توت ابنة اعلي التى شفتها = ما فشنى منها الذى شفته
وما خفي و الخير ظنى به = ما شـفـته لو شفته قلتـــه

كما وفق الشاعر محمذن بن ابَّبَابَ في الجناس التام بين المفردة الحسانية والفصحى ، كما أجاد في رد العجز على الصدر فقال :

أضنى الفؤاد و زاده وجدا = صرم الحبيب و قوله أبدا
يبدى ويخــفى من محاسنه = لله ما أخـــــفى و ما أبدى

أما الشاعر محمد بن سيد أحمد الفاضلي فقد تناول في أبياته غرض “المكفي” المعروف عند شعراء البيظان:

لئن تصبحي يا مي عريانة دخنا = علــــيك طــــريف أغبـر اللون ما يهنا
ففيك عن الغـيدات معنى مشاهد = و هل يستطيع الصبر من شاهد المعنى

أما الأديب أحمدُّ بن التاه بن حمين فقد وظف كلمة من اللهجة الولفية توظيفا بديعا و ذلك في قوله:

أقول وقد مرت على مقلتى حسنا = تمــــيس كأغصان نواعم قد مِسْنا
تحاكى بذاك الميس لبـــــنى لعلها = تصيد قلوب المولعين بها ” دَسْنَا”

وقد أتحفنى الشاعر المطبوع المقبول بل بن ديد رحمه الله بأبيات له في هذا الغرض جعلتها ختاما مسكا لهذه المقالة وهي:

عشقتك حتى صرت لا أخرج الكبَّا *** فتــــبا لهــــــذا الحـــــــب تبا له تبَّا
فلا أنا بالمـــحبوب أصبحت ظافرا *** و ذا الحب صرت اليوم أسربه حبَّا




بقلم: يعقوب بن عبد الله بن أبـُـــنْ
 
أعلى