لاميات الأمم

يزخر ديوان الشعر العربي بالعديد من القصائد المعروفة باللاميات، اشهرها على الاطلاق لامية العرب للشنفرى ولامية العجم للطغرائي ولامية اليهود او النصارى للسموأل و لامية الهند عبد المقتدر الكندي الدهلوي ولامية المماليك للصفدي ولامية ابن الوردي ولامية المتنبي وغيرها من القصائد لتمييزها عن القصائد المتعددة التي تنتهي بنفس الروي
سنحاول تباعا التعرف على هذه القصائد الجميلة التي تعد من اجمل واروع النصوص الشعرية العربية مع رصد ما قيل عنها



- الشنفري : لامية العرب - صوتية
- محمد اسامه البهائي : شرح لامية العرب
- مؤيد الدين الحسين بن علي الطغرائي الأصبهاني - صوتية
- السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي : لامية اليهود
- عبد المقتدر الكِندي الدهلوي : لامية الهنود
- عبد الرحمن ابن خلدون : لامية المماليك
- أبو حفص زين الدين بن الوردي : لامية ابن الوردي
- صلاح الدين بن أيبك الصفدي: لامية الصفدي
- أحمد أبو الطيب المتنبي : لامية المتنبي
- لامية البوصيري في الرد على اليهود والنصارى
- أبو بكر بن المقري اليماني : لامية ابن المقري
- أحمد بن تيمية: لامية أحمد بن تيمية الحراني
- أبو حفص الفاسي : لامية الشاعر المغربي أبو حفص الفاسي
- أبو الفضل الوليد : اللامية الأموية

- د. محمود الربداوي : قراءة في لاميات الأمم




*** و اكون ممتنا لمن يفيدني بقصيدة "لامية الروم" لابن الحكيم الحلبي,
وأولها:
حتَّام أنظم من دمعي ومن غزلي = أدلة وحبيب القلب معتزلي




ن. م


01_0000.jpg
 
التعديل الأخير:
لامية العرب
للشنفري



أقيمـوا بنـي أمِّـي، صُـدُورَ مَطِيِّكـم = فإنـي، إلـى قـومٍ سِواكـم لأميلُ
فقد حُمَّتِ الحاجاتُ، والليلُ مقمرٌ = وشُدَّت، لِطياتٍ، مطايـا وأرحُلُ
وفي الأرض مَنْأىً، للكريم، عن الأذى = وفيها لمن خاف القِلى مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ = سَرَى راغباً أو راهباً، وهـو يعقلُ
ولي ، دونكم، أهلـونَ: سِيْـدٌ عَمَلَّـسٌ = وأرقـطُ زُهْـلُـولٍ وَعَـرفـاءُ أجْـيـلُ
هم الأهـلُ. لا مستـودعُ السـرِّ ذائعٌ = لديهم، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ
وكـلٌّ أبـيٌّ ، باسـلٌ . غـيـر أنـنـي = إذا عرضـت أولـى الطـرائـدِ أبـسـلُ
وإن مُدَّتْ الأيدي إلـى الزاد لـم أكن = بأعجلهم، إذ أجْشَعُ القـومِ أعجـلُ
ومـاذاك إلا بَسْـطَـةٌ عــن تفـضـلٍ = عَلَيهِـم ، وكنـتُ الأفضـلَ المتفـضِّـلُ
وإنـي كفانـي فَقْـدُ مـن ليـس جازيـاً = بِحُسنـى ، ولا فــي قـربـه مُتَعَـلَّـلُ
ثلاثـةُ أصـحـابٍ: فــؤادٌ مشـيـعٌ، = وأبيـضُ إصليـتٌ ، وصفـراءُ عيطـلُ
هَتوفٌ، من المُلْسِ المُتُونِ، يزينها = رصائعُ قـد نيطت إليها، ومِحْمَلُ
إذا زلّ عنها السهـمُ، حَنَّتْ كأنها = مُرَزَّأةٌ، ثكـلى، تـرِنُ وتُـعْوِلُ
ولستُ بمهيافِ، يُعَـشِّى سَـوامهُ = مُجَدَعَةً سُقبانـها، وهـي بُـهَّـلُ
ولا جـبـأ أكـهـى مُــرِبِّ بعـرسِـهِ = يُطالعهـا فـي شأنـه كـيف يفـعـلُ
ولا خَــرِقٍ هَـيْـقٍ ، كــأن فُــؤَادهُ = يَظَـلُّ بـه الكَّـاءُ يعـلـو ويَسْـفُـلُ
ولا خـالـفِ داريَّـــةٍ ، مُـتـغَـزِّلٍ ، = يروحُ ويـغـدو، داهـناً، يتكحـلُ
ولـسـتُ بِـعَـلٍّ شَــرُّهُ دُونَ خَـيـرهِ = ألفَّ ، إذا مـا رُعَتـه اهتـاجَ ، أعـزلُ
ولستُ بمحيار الظَّلامِ، إذا انتحـت = هدى الهوجلِ العسيفِ يهماءُ هوجَلُ
إذا الأمعـزُ الصَّـوَّان لاقـى مناسـمـي = تطـايـر مـنـه قـــادحٌ ومُـفَـلَّـلُ
أُدِيـمُ مِطـالَ الجوعِ حتى أُمِيـتهُ = وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحـاً فأذهَـلُ
وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ = عَلـيَّ من الطَّوْلِ امرُؤ مُتطوِّلُ
ولولا اجتناب الذأم، لـم يُلْـفَ مَشربٌ = يُعـاش بــه ، إلا لـديِّ ومأكلُ
ولكـنَّ نفسـاً مُــرةً لا تقـيـمُ بــي = علـى الضيـم ، إلا ريثـمـا أتـحـولُ
وأطوِي على الخُمص الحوايا كما انطوتْ = خُيُوطَةُ ماريّ تُغارُ وتفتـلُ
وأغدو على القـوتِ الزهيـدِ كمـا غدا = أزلُّ تـهاداه التَّـنـائِـفُ أطحـلُ
غدا طَاويـاً يعـارضُ الرِّيحَ هافياً = يخُوتُ بأذناب الشِّعَـاب ويعْـسِـلُ
فلمَّـا لـواهُ القُـوتُ مـن حيـث أمَّـهُ = دعــا ؛ فأجابـتـه نظـائـرُ نُـحَّــلُ
مُهَلْهَلَـةٌ ، شِيـبُ الـوجـوهِ ، كأنـهـا = قِــداحٌ بكـفـيَّ يـاسِـرٍ ، تتَقَـلْـقَـلُ
أوالخَشْـرَمُ المبعـوثُ حثحَـثَ دَبْــرَهُ = مَحَابيـضُ أرداهُـنَّ سَــامٍ مُعَـسِّـلُ
مُهَرَّتَـةٌ فُــوهٌ كــأن شُدُوقـهـا = شُقُـوقُ العِصِـيِّ ، كالـحـاتٌ وَبُـسَّـلُ
فَضَـجَّ ، وضَجَّـتْ بِالبَـرَاحِ كـأنَّـه = وإيـاهُ ، نـوْحٌ فـوقَ عليـاء ، ثُكَّـلُ
وأغضى وأغضتْ واتسى واتَّسـتْ بـهِ = مَرَاميلُ عَزَّاها وعَزَّتـهُ مُرْمِـلُ
شَكا وشكَتْ ثم ارعوى بعـدُ وارعـوت = ولَلصَّبرُ إن لم ينفـع الشكـوُ أجمـلُ
وَفَـاءَ وفـاءتْ بــادِراتٍ ، وكُلُّـهـا = علـى نَكَـظٍ مِـمَّـا يُكـاتِـمُ ، مُجْـمِـلُ
وتشربُ أسآرِي القطـا الكُـدْرُ بعدمـا = سـرت قربـاً أحنـاؤهـا تتصلصـلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّـتْ وابتدرنـا وأسْدَلَـتْ = وَشَـمَّـرَ مِـنـي فَــارِطٌ مُتَـمَـهِّـلُ
فَوَلَّيْـتُ عنهـا وهـي تكبـو لِعَـقْـرهِ = يُباشـرُهُ منـهـا ذُقــونٌ وحَـوْصَـلُ
كـأن وغـاهـا ، حجرتـيـهِ وحـولـهُأ = ضاميـمُ مـن سَفْـرِ القبائـلِ نُـزَّلُ
توافيـنَ مِـن شَتَّـى إليـهِ فضَمَّـهـا = كمـا ضَـمَّ أذواد الأصـاريـم مَنْـهَـل
فَعَبَّـتْ غشاشـاً ثُـمَّ مَـرَّتْ كأنهـا = مع الصُّبْحِ ، ركبٌ من أُحَاظـة مُجْفِـلُ
وآلـف وجـه الأرض عنـد افتراشهـا = بـأهْـدَأ تُنبـيـه سَنـاسِـنُ قُـحَّـلُ
وأعـدلُ مَنحوضـاً كــأن فصُـوصَـهُ = كِعَـابٌ دحاهـا لاعـبٌ، فهـي مُـثَّـلُ
فـإن تبتئـس بالشنـفـرى أم قسـطلِ = لما اغتبطتْ بالشنفـرى قبـلُ، أطـولُ
طَرِيـدُ جِنايـاتٍ تيـاسـرنَ لَحْـمَـهُ = عَقِيـرَتُـهُ فــي أيِّـهـا حُــمَّ أولُ
تنـامُ إذا مـا نـام يقظـى عُيُونُهـا = حِثـاثـاً إلــى مكـروهـهِ تَتَغَـلْـغَـلُ
وإلـفُ همـومٍ مــا تــزال تَـعُـودهُ = عِياداً كحمـى الرَّبـعِ أوهـي أثقـلُ
إذا وردتْ أصدرتُـهـا ثُــمَّ إنـهــا = تثوبُ فتأتي مِـن تُحَيْـتُ ومـن عَـلُ
فإمـا ترينـي كابنـة الرَّمْـلِ ضاحيـاً = علـى رقــةٍ أحـفـى ولا أتنـعـلُ
فأنـي لمولـى الصبـر أجتـابُ بَـزَّه = على مِثل قلب السَّمْـع والحـزم أنعـلُ
وأُعـدمُ أحْيانـاً وأُغـنـى وإنـمـا = ينـالُ الغِـنـى ذو البُـعْـدَةِ المتـبَـذِّلُ
فـلا جَـزَعٌ مــن خِـلـةٍ مُتكـشِّـفٌ = ولا مَــرِحٌ تـحـت الغِـنـى أتخـيـلُ
ولا تزدهـي الأجهـال حِلمـي ولا أُرى = سـؤولاً بأعـقـاب الأقـاويـلِ أُنـمِـلُ
وليلةِ نحـسٍ يصطلـي القـوس ربهـا = وأقطـعـهُ الـلاتـي بـهـا يتـنـبـلُ
دعستُ على غطْشٍ وبغـشٍ وصحبتي = سُعارٌ وإرزيزٌ وَوَجْرٌ وأفكُلُ
فأيَّمـتُ نِسـوانـاً ، وأيتـمـتُ وِلْــدَةً = وعُـدْتُ كمـا أبْـدَأتُ، والليـل ألـيَـلُ
وأصبح ، عنـي ، بالغُميصـاءِ ، جالسـاً = فريقـان: مسـؤولٌ، وآخـرُ يـسـألُ
فقالـوا : لقـد هَـرَّتْ بِلـيـلٍ كِلابُـنـا = فقلنا: أذِئـبٌ عـسَّ؟ أم عـسَّ فُرعُـلُ
فلـمْ تَـكُ إلا نـبـأةٌ ، ثــم هـوَّمَـتْ = فقلنـا قطـاةٌ رِيـعَ ، أم ريـعَ أجْــدَلُ
فـإن يَـكُ مـن جـنٍّ ، لأبـرحَ طَارقـاً = وإن يَكُ إنسـاً ، مَاكهـا الإنـسُ تَفعَـلُ
ويومٍ مـن الشِّعـرى ، يـذوبُ لُعابـهُ = أفاعيـه ، فـي رمضـائـهِ ، تتملْـمَـلُ
نَصَبْـتُ لـه وجهـي ، ولاكـنَّ دُونَــهُ = ولا سـتـر إلا الأتحـمـيُّ المُرَعْـبَـلُ
وضافٍ ، إذا هبتْ لـه الريـحُ ، طيَّـرتْ = لبائـدَ عـن أعطـافـهِ مــا تـرجَّـلُ
بعيـدٍ بمـسِّ الدِّهـنِ والفَلْـى عُـهْـدُهُ = له عَبَسٌ، عـافٍ مـن الغسْـل مُحْـوَلُ
وخَرقٍ كظهـر التـرسِ ، قَفْـرٍ قطعتـهُ = بِعَامِلتيـن، ظـهـرهُ لـيـس يعـمـلُ
وألحـقـتُ أولاهُ بـأخـراه ، مُـوفـيـاً = علـى قُنَّـةٍ، أُقعـي مِــراراً وأمثُـلُ
تَرُودُ الأراوي الصحـمُ حولـي ، كأنَّهـا = عَـذارى عليـهـنَّ الـمـلاءُ المُـذَيَّـلُ
ويركُـدْنَ بالآصـالٍ حولـي، كأنني = مِن العُصْمِ، أدفى ينتحـي الكيـحَ أعقـلُ



لسماع قصيدة
الشنفرى
بعد التنزيل على الرابط التالي:لامية العــــــــــــرب

http://www.alwaraq.net/Audio/poem_2.m3u
 
شرح لامية العرب
للأديب واللغوي محمد اسامه البهائي


1- أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ
فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ

بنو الأم : الأشقاء أو غيرهم ما دامت تجمعهم الأم ، واختار هذه الصِّلة لأنًها أقرب الصِّلات إلى العاطفة والمودَّة . والمطيّ : ما يُمتَطى من الحيوان، والمقصود بها، هنا، الإبل. والمقصود بإقامة صدورها: التهيؤ للرحيل. والشاعر يريد استعدادهم لرحيله هو عنهم لا لرحيلهم هم ، وربما أشار بقوله هذا إلى أنَهم لا مقام لهم بعد رحيله فمن الخير لهم أن يرحلوا والميل هنا أفعل لرغبته الميل لقوم غيرهم .

2-فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ
وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ

حُمَّت: قُدِّرتْ ودُبِّرت. والطِّيَّات: جمع الطِّيَّة ، وهي الحاجة، وقيل: الجهة التي يقصد إليها المسافر. وتقول العرب: مضَى فلان لطيَّته، أي لنيّته التي انتواها. الأرْحل: جمع الرحل، وهو ما يوضَع على ظهر البعير. وقوله:" واللَيل مقمِر " كناية عن تفكيره بالرحيل في هدوء ، أو أنه أمر لا يُراد إخفاؤه. ومعنى البيت: لقد قُدِّر رحيلي عنكم ، فلا مفرّ منه ، فتهيؤوا له .

3- وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ

المَنأى : المكان البعيد. القِلى: البغض والكراهية. والمتعزِّل: المكان لمن يعتزل الناس. والبيت فيه حكمة: ومعناه أن الكريم يستطيع أن يتجنب الذلّ ، فيهاجر إلى مكان بعيد عمَّن يُنتظر منهم الذلّ ، كما أن اعتزال الناس أفضل من احتمال أذيتهم.

4- لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ

لعمرك: قَسَم بالعمر. سرى: مشى في الليل. راغباً: صاحب رغبة. راهباً: صاحب رهبة. والبيت تأكيد للبيت السابق ، ومعناه أن الأرض واسعة سواء لصاحب الحاجات والآمال أم للخائف.

5- وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ

دونكم: غيركم. الأهلون : جمع أهل. السِّيد: الذئب. العملَّس: القويّ السَّريع. الأرقط: الذي فيه سواد وبياض. زُهلول: خفيف. العرفاء: الضبع الطويلة العُرف. جَيْئَل: من أسماء الضبع. والمعنى أن الشاعر اختار مجتمعاً غير مجتمع أهله ، كلّه من الوحوش ، وهذا هو اختيار الصعاليك.

6- هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ

هم الأهل أي الوحوش هم الأهل ، فقد عامل الشاعِرُ الوحوشَ معاملة العقلاء ، وهو جائز. وقوله: "هم الأهل " بتعريف المسنَد ، فيه قَصر ، وكأنَه قال: هم الأهل الحقيقيّون لا أنتم . والباء في " بما " للسببية. والجاني: المقْترف الجناية أي الذنب. جرَّ : جنى . يُخْذَل: يُتَخلّى عن نصرته. والشاعر في هذا البيت يقارن بين مجتمع أهله ومجتمع الوحوش ، فيفضل هذا على ذاك ، وذلك أن مجتمع الوحوش لا يُفْشِي الأسرار، ولا يخذل بعضه بعضاً بخلاف مجتمع أهله.

7- وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِ أبْسَـلُ

وكلٌّ: أي كل وحش من الوحوش التي ذكرتها. أبيّ: يأبى الذّلَّ والظلم. باسل: شجاع بطل. الطرائد: جمع الطريدة ، وهي كل ما يُطرد فيصاد من الوحوش والطيور. أبْسَل: أشَدّ بسالَةً. والشاعر يتابع في هذا البيت مدح الوحوش فيصفها بالبسالة ، لكنه يقول إنّه أبسل منها.

8- وَإنْ مُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ
بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ

الجَشع: النَّهم وشدَّة الحرص . وفي هذا البيت يفتخر الشاعر بقناعته وعدم جشعه ، فهو، وإنْ كان يزاحم في صيد الطرائد ، فإنه لا يزاحم في أكلها.

9- وَمَـا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْ تَفَضُّـلٍ
عَلَيْهِـمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّـلُ

ذاك: كناية عن أخلاقه التي شرحها. البسطة: السعة. التفضُّل: ادّعاء الفضل على الغير ، والمعنى أنَّ الشاعر يلتزم هذه الأخلاق طلباً للفضل والرِّفعة.

10- وَإنّـي كَفَانِـي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَـى ولا في قُرْبِـهِ مُتَعَلَّـلُ

التعلّل: التلهِّي ، والمعنى: ليس في قربه سلوى لي ، يريد : أني فقدتُ أهلًا لا خير فيهم ، لأنهم لا يقدِّرون المعروف ، ولا يجزون عليه خيراً ، وليس في قربهم أدنى خير يُتَعلّل .

11- ثَـلاَثَـةُ أصْحَـابٍ : فُـؤَادٌ مُشَيَّـعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ

المُشيَّع: الشجاع. كأنَّه في شيعة كبيرة من الناس . الإصليت: السَّيف المُجرَّد من غمده. الصفراء: القوس من شجر النَّبع. العيطل: الطويلة. والمعنى أن عزاء الشاعر عن فقد أهله ثلاثة أشياء: قلب قويّ شجاع ، وسيف أبيض صارم مسلول ، وقوس طويلة العنق .

12- هَتُـوفٌ مِنَ المُلْـسَِ المُتُـونِ تَزِينُـها
رَصَائِعُ قد نِيطَـتْ إليها وَمِحْمَـلُ

هتوف: مُصَوِّتة. الملس: جمع ملساء ، وهي التي لا عُقَد فيها. المُتون: جمع المتن ، وهو الصُّلب. والرصائع: جمع الرصيعة ، وهي ما يُرصَّع أي يُحلَّى به. نيطت: عُلِّقت. المِحْمَل: ما يُعلَّق به السيف أو القوس على الكتف. والشاعر في هذا البيت يصف القوس بأنّ لها صوتاً عند إطلاقها السهم ، وبأنَّها ملساء لا عُقد فيها تؤذي اليد ، وهي مزيَّنة ببعض ما يُحلَّى بها ، بالإضافة إلى المحمل الذي تُعلَّق به.

13- إذا زَلََّ عنها السَّهْـمُ حَنَّـتْ كأنَّـها
مُـرَزَّأةٌ عَجْلَـى تُـرنُّ وَتُعْـوِلُ

زلّ: خرج. حنين القوس: صوت وترها. مُرزَّأة: كثيرة الرزايا (المصائب). عَجْلى: سريعة. تُرنّ: تصوِّت برنين ، تصرخ. تُعول: ترفع صوتها بالبكاء والعويل. والمعنى أن صوت هذه القوس عند انطلاق السهم منها يشبه صوت أنثى شديدة الحزن تصرخ وتولول.

14- وَأغْدو خَمِيـصَ البَطْن لا يَسْتَفِـزُّنيِ
إلى الزَادِ حِـرْصٌ أو فُـؤادٌ مُوَكَّـلُ

خميص البطن ضامره ، يستفزّني : يثيرني . الحِرْص : الشَّرَه إلى الشيء والتمسّك به .

15- وَلَسْـتُ بِمِهْيَـافٍ يُعَشِّـي سَوَامَـه
مُجَدَّعَـةً سُقْبَانُهـا وَهْيَ بُهَّـلُ

المهياف: الذي يبعد بإبله طالباً المرعى على غير علم ، فيعطش. السوام: الماشية التي ترعى. مجدَّعة: سيئة الغذاء . السُّقبان: جمع سقْب وهو ولد الناقة الذكَر. بُهَّل: جمع باهل وباهلة وهي التي لا صرار عليها (الصِّرار: ما يُصَرّ به ضرع الناقة لئلا تُرضَع ). يقول: لستُ كالراعي الأحمق الذي لا يُحسن تغذية سوامه، فيعود بها عشاءً وأولادها جائعة رغم أنها مصرورة. وجوع أولادها كناية عن جوعها هي، لأنها، من جوعها، لا لبن فيها، فيغتذي أولادها منه.

16- ولا جُبَّـأٍِ أكْهَـى مُـرِبٍّ بعِرْسِـهِ
يُطَالِعُهـا في شَأْنِـهِ كَيْفَ يَفْعَـلُ

الجُبّأ: الجبان. والأكهى: الكدِر الأخلاق الذي لا خير فيه ، والبليد. مُرِبّ: مقيم ، ملازم . عرِسه: امرأته. وملازمة الزوج يدلّ على الكسل والانصراف عن الكسب والتماس الرزق. وفي هذا البيت ينفي الشاعر عن نفسه الجبن ، وسوء الخلق ، والكسل ، كما ينفي أن يكون منعدم الرأي والشخصية فيعتمد على رأي زوجه ومشورتها.

17- وَلاَ خَـرِقٍ هَيْـقٍ كَـأَنَّ فــؤادَهُ
يَظَـلُّ به المُكَّـاءُ يَعْلُـو وَيَسْفُـلُ

الخرق: ذو الوحشة من الخوف أو الحياء والمراد، هنا، الخوف. والهيق: الظْليم (ذكَر النعام)، ويُعرف بشدّة نفوره وخوفه. والمُكّاء: ضرب من الطيور. والمعنى: لست مِمَّن يخاف فيقلقل فؤاده ويصبح كأنّه معلّق في طائر يعلو به وينخفض.

18- ولا خَالِــفٍ دارِيَّــةٍ مُتَغَــزِّلٍ
يَـرُوحُ وَيغْـدُو داهنـاً يَتَكَحَّـلُ

الخالف: الذي لا خير فيه. يقال: فلان خالفة (أو خالف) أهل بيته إذا لم يكن عنده خير. والدَّاريّ والداريّة: المقيم في داره لا يبرحها. المتغزّل: المتفرّغ لمغازلة النساء. يروح: يسير في الرواح، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى اللَّيل. يغدو: يسير في الغداة، وهو الوقت من الصباح إلى الظهر. والداهن: الذي يتزيَّن بدهن نفسه. يتكحّل: يضع الكحل على عينيه. والمعنى أن الشاعر ينفي عن نفسه الكسل، ومغازلة النساء، والتشبّه بهنّ في التزيّن والتكحّل. وهو يثبت لنفسه، ضمناً، الرجولة.

19- وَلَسْـتُ بِعَـلٍّ شَـرُّهُ دُونَ خَيْـرِهِ
ألَفَّ إذا ما رُعْتَـهُ اهْتَـاجَ أعْـزَلُ
العَلّ: الذي لا خير عنده ، والصَّغير الجسم يشبه القُراد. ألفّ: عاجز ضعيف. رعتَه: أخفْتَه. اهتاج: خاف. الأعزل: الذي لا سلاح لديه.

20- وَلَسْـتُ بِمِحْيَارِ الظَّـلاَمِ إذا انْتَحَتْ
هُدَى الهَوْجَلِ العِسّيفِ يَهْمَاءُ هؤجَلُ

المِحْيار: المتحيّر. انْتَحَتْ: قصدت واعترضَتْ. الهدى: الهداية، والمقصود هداية الطريق في الصحراء. الهوجل: الرجل الطويل الذي فيه حمق. العِسِّيف: الماشي على غير هدى. اليَهْماء: الصحراء. الهَوْجَل: الشديد المسلك المَهول. وفي البيت تقديم وتأخير. والأصل: لست بمحيار الظلام إذا انتحت يهماء هوجل هدى الهوجل العسيف. والمعنى: لا أتحيّر في الوقت الذي يتحير فيه


21- إذا الأمْعَـزُ الصَّـوّانُ لاقَـى مَنَاسِمِي
تَطَايَـرَ منـه قَـادِحٌ وَمُفَلَّـلُ

الأمعز: المكان الصّلب الكثير الحصى. الصَّوّان: الحجارة الملس. المناسم: جمع المنسم، وهو خفّ البعير . شبّه قدميه بأخفاف الإبل. القادح: الذي تخرج النار من قدمه. مفلَّل: متكسِّر. والمعنى أنه حين يعدو تتطاير الحجارة الصغيرة من حول قدميه ، فيضرب بعضها بحجارة أخرى ، فيتطاير شرر نار وتتكسَّر.

22- أُديـمُ مِطَـالَ الجُـوعِ حتّـى أُمِيتَـهُ
وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً فأُذْهَـلُ

أُديم: من المداومة، وهي الاستمرار. المطال: المماطلة. أضرب عند الذِّكْر صَفْحاً: أتناساه. فأذهل: أنساه. يقول: أتناسى الجوع، فيذهب عنّي. وهذه الصورة من حياة الصَّعْلَكَة.

23- وَأَسْتَـفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَـهُ
عَلَـيَّ مِنَ الطَّـوْلِ امْـرُؤٌ مُتَطَـوِّلُ

الطَّوْل: المَنّ. امرؤ متطوِّل: منّان. والمعنى أنه يفضل أن يستفَّ تراب الأرض على أن يمدّ أحد إليه يده بفضل أو لقمة يمنّ بها عليه.

24- ولولا اجْتِنَابُ الذَأْمِ لم يُلْـفَ مَشْـرَبٌ
يُعَـاشُ بـه إلاّ لَـدَيَّ وَمَأْكَـلُ

الذَّأم والذَّام: العيب الذي يُذمّ به. يُلفى: يوجد. والمعنى: لولا تجنُّبي ما أذمّ به، لحصلت على ما أريده من مأكل ومشرب بطرق غير كريمة.

25- وَلكِنّ نَفْسَـاً مُـرَّةً لا تُقِيـمُ بـي
علـى الـذامِ إلاَّ رَيْثَمـا أَتَحَـوَّلُ

مرَّة: صعبة أبيّة. الذَّام: العيب. وفي هذا البيت استدراك، فبعد أن ذكر الشاعر أنّه لولا اجتناب الذمّ لحصل على ما يريده من مأكل ومشرب ، قال إن نفسه لا تقبل العيب قَطّ.

26- وَأَطْوِي على الخَمْصِ الحَوَايا
كَما انْطَوَتْ خُيُوطَـةُ مـارِيٍّ تُغَـارُ وتُفْتَـلُ

الخَمص: الجوع ، والخُمص: الضُّمر. الحوايا: جمع الحويَّة ، وهي الأمعاء. الخيوطة: الخيوط. ماريّ فاتل، وقيل: اسم رجل اشتُهر بصناعة الحبال وفتلها. تغَارُ: يُحكم فتلها. والمعنى. أطوي أمعائي على الجوع، فتصبح، لخلوّها من الطعام، يابسة ينطوي بعضها على بعض كأنها حبال أُتقن فتلها.

27- وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيـدِ كما
غَـدَا أَزَلُّ تَهَـادَاهُ التنَائِـفَ أطْحَـلُ

أغدو: أذهب في الغداة، وهي الوقت بين شروق الشمس والظهر. القوت: الطعام. الزهيد: القليل. الأزلّ: صفة للذئب القليل اللحم. تهاداه: تتناقله وتتداوله. التنائف: الأرضون، واحدتها تنوفة، وقيل: هي المفازة في الصحراء. الأطحل: الذي في لونه كدرة. يشبه الشاعر نفسه بذئب نحيل الجسم جائع يتنقل بين الفلوات بحثاً عن الطعام.

28- غَدَا طَاوِيـاً يُعَـارِضُ الرِّيـحَ هَافِيـاً
يَخُـوتُ بأَذْنَابِ الشِّعَابِ ويُعْسِـلُ

الطاوي: الجائع. يعارض الريح: يستقبلها. أي: يكون عكس اتجاهها. وهذا الوضع يساعده على شمّ رائحة الفريسة واتّباعها. الهافي: الذي يذهب يميناً وشمالاً من شدَّة الجوع، وقيل: معناه السريع. يخوت. يختطف وينقض. أذناب: أطراف. الشِّعاب: جمع الشِّعب، وهو الطريق في الجبل. يعسل: يمر مَرَّاً سَهْلاًَ. وفي هذا البيت تتمة لما في البيت السابق من وصف للذئب.

29- فَلَما لَوَاهُ القُـوتُ مِنْ حَيْـثُ أَمَّـهُ
دَعَـا فَأجَابَتْـهُ نَظَائِـرُ نُحَّـلُ

لواه: دفعه، وقيل: مطله وامتنع عليه. أَمَّه: قصده. النظائر: الأشباه التي يشبه بعضها بعضاً. نُحَّل: جمع ناحِل، وهو الهزيل الضامِر. يقول: بعد أن يئس هذا الذئب من العثور على الطعام، استغاث بجماعته، فأجابته هذه، فإذا هي جائعة ضامرة كحاله.

30- مُهَلَّلَـةٌ شِيـبُ الوُجُـوهِ كأنَّـها
قِـدَاحٌ بأيـدي ياسِـرٍ تَتَقَلْقَـلُ

مُهَلَّلة: رقيقة اللحم، وهي صفة لـ" نظائر " التي في البيت السابق. شِيب: جمع أَشْيَب وشيباء. القِداح: جمع قِدْح، وهو السَّهْم قبل بريه وتركيب نصله، وهو، أيضاً ، أداة للقمار. الياسر: المقامِر. تتقلقل: تتحرك وتضطرب. وفي هذا البيت يصف الشاعر الذئاب الجائعة الباحثة عن الطعام، فإذا هي نحيلة من شدة الجوع، بيضاء شعر الوجه، مضطربة كسهام القمار.

31- أوِ الخَشْـرَمُ المَبْعُـوثُ حَثْحَثَ دَبْـرَهُ
مَحَابِيـضُ أرْدَاهُـنَّ سَـامٍ مُعَسِّـلُ

"أو" للعطف إمّا على الذئب الأزلّ في البيت الذي سبق قبل ثلاثة أبيات، وإمَّا على ، " قداح " التي في البيت السابق، وجاز عطف المعرفة على النكرة لأنه أراد بـ" الخشرم " الجنس إبهاماً، و" قداح " وإن كان نكرةً، فقد وُصف، فاقترب من المعرفة. والخشرم: رئيس النحل. حَثْحَثَ: حرك وأزعج. الدَّبْر: جماعة النَحْل. المحابيض: جمع المحبض، وهو العود مع مشتار العسل. أرداهُنَّ: أهلكهنّ. السامي: الذي يسمو لطلب العسل. المعَسَّل: طالب العسل وجامعه.

32- مُهَرَّتَـةٌ فُـوهٌ كَـأَنَّ شُدُوقَـها
شُقُوقُ العِصِـيِّ كَالِحَـاتٌ وَبُسَّـلُ

المُهَرَّتة: الواسعة الأشداق. الفُوه: جمع "الأفوه " للمذكَّر، والفوهاء للمؤنث، ومعناه المفتوحة الفم. الشدوق: جمع الشّدق، وهو جانب الفم. كالحات: مكشرة في عبوس. البُسَّل: الكريهة المنظر. والشاعر في هذا البيت يعود إلى وصف الذئاب التي تجمّعت حول ذلك الذي دعاها لإنجاده بالطعام، فيصفها بأنها فاتحة أفواهها، واسعة الشدوق، كئيبة كريهة المنظر.



33- فَضَـجَّ وَضَجَّـتْ بالبَـرَاحِ كأنَّـها
وإيّـاهُ نُوحٌ فَوْقَ عَلْيَـاءَ ثُكَّـلُ


ضجَّ: صاح. البراح: الأرض الواسعة. النوح: النساء النوائح. العلياء: المكان المرتفع. الثكَّل: جمع الثَّكْلى، وهي المرأة التي فقدت زوجها أو ولدها أو حبيباً. والمعنى أن الذئب عوى فعوتِ الذئاب من حوله، فأصبح وإيّاها كأنَّهن في مأتم تنوح فيه الثكالى فوق أرض عالية.



34- وأغْضَى وأغْضَتْ وَاتَّسَى واتَّسَتْ بـه
مَرَامِيـلُ عَـزَّاها وعَزَّتْـهُ مُرْمِـلُ


أغْضى: كفّ عن العواء. اتَّسَى، بالتشديد: افتعل من "الأسوة "وهي الاقتداء، وكان الأصل فيه الهمزة، فأبدلت الهمزة ياء لسكونها وكسر همزة الوصل قبلها، ثُم أُبدلت الياء تاء، وأُدغمت في تاء الافتعال. ويروى بالهمزة فيهما من غير تشديد، وهو أجود من الأوّل، لأن همزة الوصل حذفت لحرف العطف، فعادت الهمزة الأصليّة إلى موضعها، كقولك: وائتمنه، والذي ائتمن . والمراميل: جمع المرمل، وهو الذي لا قوت له. والمعنى أن الذئب وجماعته وجدا حالهما متّفقين يجمعهما البؤس والجوع، فأخذ كل منهما يعزِّي الآخر ويتأسَّى به.



35- شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ
وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ


شكا: أظهر حاله من الجوع. ارعوى: كفَّ ورجع. الشكو: الشَّكوى. وعجز هذا البيت حكمة ، ومفادها أنَّ الصبر أفضل من الشكوى إن كانت غير نافعة.



36- وَفَـاءَ وَفَـاءَتْ بَـادِراتٍ وَكُلُّـها
على نَكَـظٍ مِمَّا يُكَاتِـمُ مُجْمِـلُ


فَاءَ: رجع. بادرات: مسرعات، وبادره بالشيء أسرع به إليه. النكظ: شدَّة الجوع. يكاتم: يكتم ما في نفسه. مُجْمِل. صانع للجميل. وفي هذا البيت يتابع الشاعر وصف الذئاب، فيقول إنهنَّ بعد يأسهن من الحصول على الطعام، عدن إلى مأواهنَّ ، وفي نفوسهن الحسرة والمرارة.



37- وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُـدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَـاً أحْنَاؤهـا تَتَصَلْصَـلُ


الأسآر: جمع سؤر، وهو البقيَّة في الإناء من الشراب. القطا: نوع من الطيور مشهور بالسرعة. الكدر: جمع أكدر للمذكَّر وكدراء للمؤنَّث، والكُدرة: اللَّون ينحو إلى السواد. القَرَب: السير إلى الماء وبينك وبينه ليلة. الأحناء: جمع الحنو، وهو الجانب. تتصلصل تصوِّت. والمعنى أنِّي أريد الماء إذا سايرت القطا في طلبه، فأسبقها إليه لسرعتي، فترد بعدي، فتشرب سُؤري.



38- هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَـا وأسْدَلَـتْ
وشَمَّـرَ مِنِّي فَـارِطٌ مُتَمَهِّـلُ


هَمَمْتُ بالأمر: عزمتُ على القيام به ولم أفعله. والتاء في " هَمَّتْ " تعود إلى القطا، والمعنى: أنا وإيَّاها قصدنا الماء. ابتدرنا: سابق كلٌّ منّا الآخر. أسدلت: أرخت أجنحتها كناية عن التعب. الفارط: المتقدِّم، وفارط القوم: المتقذِّم ليصلح لهم الموضع الذي يقصدونه. يقول: ظهر التعب على القطا، وبقيت في قمَّة نشاطي، فأصبحت متقدِّماً عليها دون أن أبذل كلَّ جهدي، بل كنتُ أعدو متمهِّلاً لأنني واثق من السبق.



39- فَوَلَّيْـتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُـو لِعُقْـرِهِ
يُبَاشِـرُهُ منها ذُقُـونٌ وَحَوْصَـلُ


ولَّيت: انصرفت. تكبو: تسقط. العُقْر: مقام السَّاقي من الحوض يكون فيه ماء يتساقط من الماء عند أخذه من الحوض. الذّقون: جمع الذقن، وهو منها ما تحت حلقومها. الحَوْصل: جمع الحوصلة، وهي معدة الطائر. يقول: سبقت القطا بزمن غير قصير حتى إنِّي شربت وانصرفت عن الماء قبل وصولها مجهدةً تتساقط حول الماء ملتمسةً الماء بذقونها وحواصلها.



40- كـأنَّ وَغَـاها حَجْرَتَيـْهِ وَحَوْلَـهُ
أضَامِيـمُ مِنْ سَفْـرِ القَبَائِـلِ نُـزَّلُ


وغاها: أصواتها. حَجْرتاه: ناحيتاه، والضمير يعود على الماء. والأضاميم: جمع الإضمامة، وهي القوم ينضمّ بعضهم إلى بعض في السَّفَر. السَّفْر: المسافرون. نزَّل: جمع نازل، وهو المسافر الذي حطَّ رحله، ونزل بمكان معيَّن، وحوله جماعات من المسافرين حطَّت الرحال محدثةً صخباً كبيراً، والمعنى أن أصوات القطا حول الماء كثيرة حتى كأنَّها أَلََّفت جانبي الماء .



41- تَوَافَيْـنَ مِنْ شَتَّـى إِلَيـْهِ فَضَمَّـهَا
كما ضَـمَّ أذْوَادَ الأصَارِيـمِ مَنْهَـلُ


توافين: توافدن وتجمَّعن، والضمير يعود إلى القطا. شتَّى: متفرِّقة، والمقصود متفرّقة. الأذْواد: جمع ذود، وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل. ومن أمثال العرب: " الذَّود إلى الذَّودِ إبل " ، وهو يُضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتّى يؤدِّي إلى الكثير. الأصاريم: جمع الصرمة، وهي العدد من الإبل نحو الثلاثين. والمَنْهل: الماء. والمعنى أنَّ أسراب القطا حول الماء تشبه أعداداً كثيرة من الإبل تتزاحم حول الماء.



42- فَغَـبَّ غِشَاشَـاً ثُمَّ مَـرَّتْ كأنّـها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ


العَبّ : شرب الماء من غير مصّ . الغشاش: العجلة. والركب خاصّ بركبان الإبل. أحاظة: قبيلة من اليمن، وقيل: من الأزد. المُجْفل: المنزعج، أو المسرع. والمعنى أن القطا لفرط عطشها شربت الماء غبا، ثمّ تفرقت بسرعة.



43- وآلَفُ وَجْـهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِـها
بأَهْـدَأَ تُنْبِيـهِ سَنَاسِـنُ قُحَّـلُ


آلف: أتعوَّد. الأهدأ: الشديد الثبات. تنبيه: تجفيه وترفعه. السناسن: فقار العمود الفقري. قُحَّل: جافة يابسة. يقول: ألفتُ افتراش الأرض بظهر ظاهرة عظامه، حتَّى إنَّ هذه العظام هي التي تستقبل الأرض، فيرتفع الجسم عنها، وهذا كناية عن شدَّة هزاله.



44- وَأعْدِلُ مَنْحُوضـاً كـأنَّ فُصُوصَـهُ
كعَابٌ دَحَاهَا لاعِـبٌ فَهْيَ مُثَّـلُ


أعدل: أتوسَّد ذراعاً، أي: أسوِّي تحت رأسي ذراعاً. المنحوض: الذي قد ذهب لحمه. الفصوص: مفاصل العظام. الكعاب: ما بين الأنبوبين من القصب، والمقصود به هنا شيء يُلعب به. دهاها: بسطها. مُثَّل: جمع ماثل، وهو المنتصب. والمعنى أن ذراعه خالية من اللحم لا تبدو فيها إلاَّ مفاصل صلبة كأنها من حديد.



45- فإنْ تَبْتَئِـسْ بالشَّنْفَـرَى أمُّ قَسْطَـلٍ
لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْـوَلُ


تبتئس : تلقى بؤساً من فراقه. القسطل: الغبار. وأمّ قسطل: الحرب. و"ما "، في " لما " بمعنى الذي. اغتبطت: سرَّت. والمعنى أنَّ الحرب إذا حزنت لفراق الشنفرى إيَّاها، فطالما سرَّت بإثارته لها.



46- طَرِيـدُ جِنَايَـاتٍ تَيَاسَـرْنَ لَحْمَـهُ
عَقِيرَتُــهُ لأِيِّـها حُـمَّ أَوَّلُ


طريد: مطرود. الجنايات: المقصود بها غاراته في الصعلكة. تياسرن لحمه: اقتسمنه. عقيرته: نفسه. حُمَّ : نزل، ولم يؤنَّث "حُمَّ " لأنَّه لـ "أيّ " ، ولفظها مذكَّر. والمعنى أنَّه مطارد ممَّن أغار عليهم، وهؤلاء يتنافسون للقبض عليه والانتقام منه.



47- تَنَـامُ إذا مَا نَـامَ يَقْظَـى عُيُونُـها
حِثَاثَـاً إلى مَكْرُوهِـهِ تَتَغَلْغَـلُ


تنام: أي الجنايات، وعبَّر بها عن مستحقِّيها. حثاثاً: سراعاً. تتغلغل: تتوغَّل وتتعمَّق. يقول: إنَّ أصحاب الجنايات في غاية اليقظة للانتقام مني ، وهم إنْ ناموا، فإنَّ عيونهم تظل يقظى تترصَّدني للإيقاع بي. وقيل: المعنى أنَّه إذا قصَّر الطالبون عنه بالأوتار لم تقصَّر الجنايات.



48- وإلْـفُ هُمُـومٍ مـا تَـزَالُ تَعُـودُهُ
عِيَاداً كَحُمَّـى الرِّبْـعِ أو هِيَ أثْقَلُ


الإلف: الاعتياد، وهنا بمعنى المعتاد. والربع في الحمّى أن تأخذ يوماً، وتدع يومين، ثمّ تجيء في اليوم الرابع. و"هي": ضمير يعود على "الهموم "، يعني الهموم أثقل عنده من حُمَّى الربع.



49- إذا وَرَدَتْ أصْدَرْتُـها ثـمّ إنّـها تَثُـوبُ
فَتَأتي مِنْ تُحَيْتُ ومِنْ عَـلُ


وردت: حضرت، والضمير يعود للهموم. والورد خلاف الصَّدر. وأصدرتها: رددتها. تثوب: تعود. تُحيت: تصغير "تحت". عَلُ: مكان عالٍ. والمعنى أنَّ الشاعر كلَّما صرف الهموم، عادت إليه من كلّ جانب، فهي، أبداً، ملازمة له.



50- فإمّا تَرَيْنِي كابْنَـةِ الرَّمْـلِ ضَاحِيَـاً
على رِقَّـةٍ أحْفَـى ولا أَتَنَعَّـلُ


ابنة الرمل: الحية، وقيل: هي البقرة الوحشية. ضاحياً: بارزاً للحرِّ والقرّ. رقّة: يريد رقّة الحال ، وهي الفقر. وأحفى: من الحفاء وهو عدم لبس النعل. وفي هذا البيت يتخيَّل الشاعر امرأةً، كعادة الشعراء القدماء ، فيخاطبها قائلاً لها إنه فقير لا يملك ما يستر به جسده من لفح الحرّ والقرّ، ودون نعل ينتعله فيحمي رجليه.



51- فإنّي لَمَولَى الصَّبْـرِ أجتـابُ بَـزَّهُ
على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ


مولى الصبر: وليّه. أجتاب: أقطع. البزّ: الثياب. السِّمع: ولد الذّئب من الضْبع . أنعل: أتخذه نعلاً. يقول إنّه صبور، شجاع، حازم.



52- وأُعْـدِمُ أَحْيَانـاً وأَغْنَـى وإنَّمـا
يَنَـالُ الغِنَى ذو البُعْـدَةِ المُتَبَـذِّلُ


أُعدِم: أفتقر. البعدة، بضمّ الباء وكسرها، اسم للبعد. المتبذِّل: المُسِفّ الذي يقترف ما يُعاب عليه. يقول إنه يفتقر حيناً ويغتني حيناً آخر، ولا ينال الغنى إلا الذي يقصر نفسه على غاية الاغتناء.



53- فلا جَـزِعٌ مِنْ خَلَّـةٍ مُتَكَشِّـفٌ
ولا مَـرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّـلُ


الجزع: الخائف أو عديم الصبر عند وقوع المكروه. الخَلَّة: الفقر والحاجة. المتكَشِّف: الذي يكشف فقره للناس. المَرِح: شديد الفرح. المُتخَيِّل: المختال بغناه. يقول: لا الفقر يجعلني أبتئس مظهراً ضعفي، ولا الغنى يجعلني أفرح وأختال.



54- ولا تَزْدَهِي الأجْهـالُ حِلْمِي ولا أُرَى
سَؤُولاًَ بأعْقَـاب الأقَاويلِ أُنْمِـلُ


تزدهي: تستخفّ. الأجهال: جمع الجَهْل ، والمقصود الحمق والسفاهة. سؤول: كثير السؤال، أو ملحّ فيه. الأعقاب: جمع العقب، وهو الآخر. أنمل: أنمّ، والنملة، بفتح النون وضمّها، النميمة. والمعنى أنّ الشاعر حليم لا يستخفه الجهلاء، متعفِّف عن سؤال الناس، بعيد عن النميمة وإثارة الفتن بين الناس.



55- وَلَيْلَةِ نَحْـسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّـها
وَأقْطُعَـهُ اللَّاتـي بِـهَا يَتَنَبَّـلُ


النَحْس: البرد. يصطلي: يستدفىء. ربّها: صاحبها. الأقطع: جمع قِطْع، وهو نصل السّهم. يتنبَّل: يتخذ منها النّبل للرمي. والمعنى: ربَّ ليلةٍ شديدة البرد يُشعل فيها صاحب القوسِ قوسَه ونصال سهامه، فيجازف بفقد أهمّ ما يحتاج إليه، ليستدفىء .



56- دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتـي
سُعَـارٌ وإرْزِيـزٌ وَوَجْـرٌ وَأفَكَلُ


دعست: دفعت بشدّة وإسراع، وقيل: معناه مشيت. أو وطئت. الغَطْش: الظلمة. البغش: المطر الخفيف. صحبتي: أصحابي. السّعار: شدّة الجوع، وأصله حرّ النار، فاستُعير لشدّة الجوع، وكأنّ الجوع يُحدث حرَّاً في جوف الإنسان. الإرزيز: البرد. والوجر: الخوف. والأفكل: الرعدة والارتعاش.



57- فأيَّمْـتُ نِسْوَانَـاً وأيْتَمْـتُ إلْـدَةً
وَعُـدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَـلُ


أيَّمت نسواناً: جعلتُهن أيامى، أي بلا أزواج. والأيِّم: من لا زوج له من الرجال والنساء على حدٍّ سواء. الإلدة: الأولاد. وأيتمتُ إلدة: جعلتهم بلا آباء. أبدأت: بدأت. أليل: شديد الظلمة.



58- وأصْبَـحَ عَنّـي بالغُمَيْصَـاءِ جَالسـاً
فَرِيقَـانِ: مَسْـؤُولٌ وَآخَرُ يَسْـألُ


أصبح: فعل ماض ناقص، اسمه "فريقان" ، وخبره "جالساً". ويجوز أن يكون فعلاً تامَّاً فاعله "فريقان"، و"جالساً"، حال. والغميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة . والجَلْس. اسم لبلاد نجد. يقال: جلس الرجل إذا أتى الجَلْس، فهو جالس، كما يقال: أتْهَمَ، إذ أتى تهامة. يقول: كان من نتائج غارتي اللّيليّة، التي وصفها في الأبيات الثلاثة السابقة، أنه عند الصباح أخذ الذين غرت عليهم يسأل بعضهم بعضاً، وهم بنجد، عن آثار غارتي متعجّبين من شدّتها وآثارها الأليمة.



59- فَقَالُـوا: لَقَدْ هَـرَّتْ بِلَيْـلٍ كِلَابُنَـا
فَقُلْنَـا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُـلُ


هَرَّت: نبحت نباحاً ضعيفاً. عَسَّ: طاف باللَّيل، ومنه العَسَس، وهم حرَّاس الأمن في اللَّيل. الفُرعُل: ولد الضبع. يقول: إن القوم الذين أغرت عليهم يقولون: لم نسمع إلا هرير الكلاب، وكان هذا الهرير بفعل إحساسها بذئب أو بفرعل.



60- فَلَمْ يَـكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّ هَوَّمَـتْ
فَقُلْنَا: قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ


النبأة: الصوت، والمقصود صوت صدر مرّةً واحدة ضعيفاً. هوَّمت: نامت ، والضمير في هذا الفعل يعود على الكلاب. القطاة: نوع من الطيور، يسكن الصحراء خاصَّةً. رِيع: خاف. وفاعله "قطاة"، ولذلك كان على الشاعر أن يقول "ريعتْ"، ولم يؤنث لوجهين: أحدهما على الشذوذ، والثاني أنَّه حمل القطاة على جنس الطائر، فكأنَّه قال: طائر ريع. والأجدل: الصَّقْر. وهمزة الاستفهام محذوفة، والتقدير: أقطاة ريعت أم ريع أجَدَلُ. وهذا البيت استدراك للبيت السابق، فقد استدرك القوم الذين أغار عليهم، فقالوا: إن هرير الكلاب لم يستمرّ، وإنَّما كان صوتاً واحداً ضعيفاً، ثم نامت الكلاب، فقالوا، عندئذ، لعل الذي أحسَّت به الكلاب قطاة أو صقر.



61- فَإِنْ يَـكُ مِنْ جِـنٍّ لأبْـرَحُ طارِقـاً
وإنْ يَكُ إنْسَـاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ


أبرح: أتى البَرَح، وهو الشِّدَّة، وقيل: هو أفعل تفضيل من البرح، وهو الشِّدَّة والقوَّة. الطارق: القادم باللَّيل. والكاف في "كها" للتشبيه. والمعنى أن الذين أغار عليهم تعجَّبوا وتَحيَّروا، فقد تعوَّدوا أن يقوم بالغارة جماعة من الرجال لا فرد واحد، وأن يشعروا بها فيدافعوا عن أنفسهم وحريمهم، أمَّا أن تكون بهذه الصورة الخاطفة فهذا الأمر غير مألوف، ولعل الذين قاموا بها من الجنّ لا من الإنس.


وهذا البيت شاهد للنحاة على جر الكاف للضمير في "كها" شذوذاً.



62- وَيومٍ مِنَ الشِّعْـرَى يَـذُوبُ لُعَابُـهُ
أفاعِيـهِ فـي رَمْضائِـهِ تَتَمَلْمَـلُ


الشِّعرى: كوكب يطلع في فترة الحر الشَّديد، ويوم من الشِّعرى: يوم من الحرّ الشديد. واللّواب (كما في بعض الروايات): اللعاب، والمقصود به ما ينتشر في الحر كخيوط العنكبوت في الفضاء، وإنما يكون ذلك حين يكون الحز مصحوباً بالرطوبة ، الأفاعي: الحيَّات. الرمضاء: شدَّة الحرّ. تتململ: تتحرك وتضطرب. يقول: ربَّ يومٍ شديد الحرارة تضطرب فيه الأفاعي رغم اعتيادها على شدَّة الحر.



63- نَصَبْـتُ له وَجْهي ولا كِـنَّ دُونَـهُ
ولا سِتْـرَ إلاَّ الأتْحَمِـيُّ المُرَعْبَـل


نصبت له وجهي: أقمته بمواجهته. الكِنّ ؛ السِّتر. الأتحميّ : نوع من الثياب كالعباءة. المرعبل: المُمَزَّق. وهذا البيت مرتبط بسابقه، ومعناهما: ربَّ يوم شديد الحرارة تضطرب فيه الأفاعي رغم اعتيادها شدَّة الحرّ، واجهت لفح حرِّه دون أيّ ستر على وجهي، وعليّ ثوب ممزّق لا يردّ من الحرِّ شيئاً قليلاً.



64- وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّـرَتْ
لبائِـدَ عن أعْطَافِـهِ ما تُرَجَّـلُ


الضافي: السابغ المسترسِل، ويعني شَعره. اللبائد: جمع اللبيدة، وهي الشَّعر المتراكب بين كتفيه، المتلبِّد لا يُغْسَل ولا يُمشَّط. الأعطاف: جمع العَطف، وهو الجانب. ترجَّل: تسرَّح وتمشَّط. والمعنى: أنَّه لا يستر وجهه وجسمه إلا الثوب الممزَّق، وشعر رأسه، لأنه سابغ. إذا هبّت الريح لا تفرِّقه لأنّه ليس بِمسرَّح، فقد تلبَّد واتَّسخ لأنَّه في قفر ولا أدوات لديه لتسريحه والعناية به.



65- بَعِيـدٌ بِمَسِّ الدُّهْـنِ والفَلْيِ عَهْـدُهُ
لـه عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسْل مُحْـوِلُ


بعيد بمسّ الدهن والفلي أي منذ زمن بعيد لم يعرف الدهن والفَلْي (الفلي: إخراح الحشرات من الشَّعر. العَبَس: ما يتعلَّق بأذناب الإبل والضّأن من الرَّوث والبول فيجف عليها، ويصبح وسخاً. عافٍ : كثير. مُحْوِل: أتى عليه حول (سنة). والأصل: محوِل من الغَسْل. والبيت بكامله وصف لشعره.



66- وَخَرْقٍ كظَهْرِ التُّـرْسِ قَفْـرٍ قَطَعْتُـهُ
بِعَامِلَتَيْـنِ ، ظَهْـرُهُ لَيْسَ يُعْمَـلُ


الخَرْق: الأرض الواسعة تتخرَّق فيها الرياح. كظهر الترس: يعني أنَّها مستوية. قَفْر: خالية، مقفرة، ليس بها أحد. العاملتان: رجلاه. والضمير في "ظهره" يعود على الخرق. ليس يُعمل: ليس مِمَّا تعمل فيها الركاب.



67- فألْحَقْـتُ أُوْلاَهُ بأُخْـرَاهُ مُوفِيَـاً
عَلَى قُنَّـةٍ أُقْعِـي مِرَارَاً وَأمْثُـلُ


ألحقت أولاه بأخراه: جمعت بينهما بسيري فيه، قطعته. والضمير في "أولاه" و "أخراه " يعود على (الخرق) المذكور في البيت السابق. والمعنى: لشدَّة سرعتي لحق أوّله بآخره. موفياً: مشرفاً. القُنَّة: أعلى الجبل، مثل القلَّه. الإقعاء: أن يلصق الرجل ألْيَتَيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويتساند ظهره. أمثل: أنتصب قائماً. يقول: وربَّ أرض واسعة قطعتها مشرفاً من على قمَّة جبل، جالساً حيناً، وسائراً حيناً آخر.

68- تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْـمُ حَوْلي كأنّـها
عَـذَارَى عَلَيْهِـنَّ المُلاَءُ المُذَيَّـلُ


ترود: تذهب وتجيء الأراوي: جمع الأرويَّة، وهي أنثى التيس البريّ. الصُّحْم: جمع أصحم للمذكر، وصحماء للمؤنث، وهي السوداء الضارب لونها إلى الصفرة، وقيل: الحمراء الضارب لونها إلى السواد. العذارى: جمع العذراء، وهي البكر من الإناث. الملاء: نوع من الثياب. المُذَيَّل: الطويل الذيل.


69- ويَرْكُـدْنَ بالآصَـالِ حَوْلِي كأنّنـي
مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ

يركُدْن: يثبتن. الآصال: جمع الأصيل، وهو الوقت من العصر إلى المغرب. العُصم: جمع الأعصم، وهو الذي في ذراعيه بياض، وقيل: الذي بإحدى يديه بياض. الأدفى من الوعول: الذي طال قرنه جداً . ينتحي: يقصد. الكِيحَ: عرض الجبل وجانبه. الأعقل: الممتنع في الجبل العالي لا يُتوصَّل إليه. والمعنى أن الوعول آنستني، فهي تثبت في مكانها عند رؤبتي، وكأن الشاعر أصبح جزءاً من بيئة الوحوش، وإن كان أخطر وحوشها
 
لاميّة العجم
مؤيد الدين الحسين بن علي الطغرائي الأصبهاني

أصالة الرأي صانتني عـن الخطل = وحـلية الفضـل زانتنـي لدى العـطل
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع = والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل
فيم الإقامـة بالزوراء لا سكنى بها = ولا ناقتـــي فيـــها ولا جملــي
ناء عن الأهـل صفـر الكف منفرد = كالسيــف عـرّي متناه عـن الخـلل
فلا صديـق إليه مشتكـى حزنـي = ولا أنيـس إليــه منتهــى جذلــي
طال اغترابـي حتى حـنّ راحلتي = ورحـلها وقــرى العسـّالة الذبــل
وضجّ من لغب نضوي وعـجّ لما = يلقى ركابي ولجّ الركـب فـي عذلي
أريـد بسطـة كـف أسـتعين بها = عـلى قـضاء حقـوق للعـلا قــبلي
والدهـر يـعكس آمالـي ويقنعنـي = من الغنيــمة بعـد الكــدّ بالقفــل
وذي شطاط كصدر الرمح معتقـل = بمثلــه غيــر هيّــاب ولا وكـل
حلـو الفكاهـة مرّ الجد قد مزجت = بشـدّة البأس منــه رقّــة الغــزل
طردت سرح الكرى عن ورد مقلته = والليل أغـرى سـوام النـوم بالمقـل
والركب ميل على الأكوان من طرب = صاح وآخر من خمر الهوى ثمل
فقلت أدعـوك للجـلّى لتنصرنـي = وأنت تخذلنـي فـي الحـادث الجـلل
تنام عينـيّ وعـين النجم سـاهرة = وتستحيـل وصبـغ الليـل لم يحــل
فهل تعيـن على غـيّ هممت بـه = والغـيّ يزجـر أحـياناً عـن الفشـل
إني أريد طـروق الحـي من إضم = وقـد حماه رمـاة مـن بنــي ثـعل
يحمون بالبيض والسمر اللدان به = سود الغدائر حمر الحلي والحلل
فسـر بنا في ذمام الليل معتسـفاً = فنفحة الطيب تهديـنا إلـى الحلـل
فالحب حيث العدا والأسد رابضة = حول الكناس لها غاب من الأسل
نؤم ناشـئة بالجـزع قـد سقيـت = نصـالها بميـاه الغنــج والكحـــل
قـد زاد طيـب أحاديث الكرام بها = ما بالكرائــم مـن جـبن ومن بخـل
تبيـت نار الهـوى منهـن في كبد = حـرّى ونار القـرى منهـم على قلـل
يقتلـن أنضـاء حـب لا حراك بها = وينحـرون كـــرام الخيـل والإبـل
يشفـى لديـغ العوالـي في بيوتهم = بنهلـة من غديــر الخمـر والعسـل
لعل إلمامــة بالجــزع ثانيــة = يـدب منـها نسيـم البـرء في علـلي
لا أكره الطعنة النجلاء قـد شـفعت = برشـقة مـن نبـال الأعيـن النجـل
ولا أهاب الصفاح البيـض تسعدني = باللمـح مـن خـلل الأسـتار والكلـل
ولا أخــلّ بغــزلان تغازلنـي = ولو دهتنـي أســود الغيـل بالغيّـل
حـب السلامـة يثنـي همّ صاحبه = عـن المعالـي ويغـري المرء بالكسل
فإن جنحـت إليـه فاتخـذ نفقاً في = الأرض أو سلّماً فـي الجـو واعتـزل
ودع غـمار العلا للمقدميـن عـلى = ركوبــها واقتنـــع منهـن بالبلـل
رضى الذليل بخفض العيش مسكنه = والعـزّ تحت رسيـــم الاينق الذلـل
فادرأ بها في نحـور البيـد حـافلة = معارضات مثانــي اللجــم بالجـدل
إنّ العلا حدّثتنـي وهـي صادقـة = فيـما تحــدّث أن العـزّ فـي النقـل
لو أنّ في شرف المأوى بلـوغ منى = لم تبـرح الشمـس يومـاً دارة الحمل
أهـبت بالحـظّ لو ناديت مسـتعماً = والحـظّ عنـي بالجهّـال فـي شغـل
لعلّـه إن بدا فضلــي ونقصهـم = لعينـه نام عنهــم أو تنبّــه لــي
أعلّـل النفـس بالآمـال أرقبــها = ما أضيـق العـيش لـولا فسحة الأمل
لم أرض بالعيـش والأيّـام مقبلـة = فكيـف أرضى وقد ولّت علـى عجـل
غالـى بنفسـي عرفانـي بقيمتـها = فصنتـها عن رخيـص القـدر مبتـذل
وعـادة النصـل أن يزهي بجوهره = وليـس يعمـل إلا فـي يـدي بطــل
ما كـنت أوثـر أن يمتد بي زمني = حـتى أرى دولـة الأوغـاد والسـفل
تقدّمـتنـي أناس كـان شوطــهم = وراء خطـوي إذ أمشـي علـى مهـل
هذا جـزاء امـرئ أقـرانه درجوا = من قبلـه فتمنـى فسحــة الأجــل
وإن عـلاني من دوني فلا عجب = لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
فاصبر لها غير محتال ولا ضـجر = في حادث الدهـر ما يغنـي عن الحيل
أعـدى عـدوك أدنى من وثقت به = فـحاذر الناس واصـحبهم على دخـل
وإنما رجــل الدنــيا وواحـدها = مـن لا يـعوّل في الدنـيا على رجـل
وحسـن ظنّـك بالأيـام معجــزة = فظـنّ شـراً وكـن منها عـلى وجـل
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت = مسافــة الخلـف بين القـول والعمل
وشان صدقـك عـند الناس كـذبهم = وهـل يطابــق معــوج بمعتــدل
إن كان ينجـع شـيء في ثباتـهم = على العهـود فسـبق السيـف للعـذل
يا واردا سـؤر عيـش كلّـه كـدر = أنـفقت صفـوك فــي أيامـك الأول
فيـم اقتحامـك لجّ البحـر تركبـه = وأنـت يكفيـك منـه مصّـة الوشـل
ملك القناعـة لا يخشـى عليـه ولا = يحتاج فيــه إلى الأنصـار والخول
ترجـو البقـاء بـدار لا ثـبات لها = فـهل سـمعت بــظل غـير مـتنقل
ويا خبيراً على الأسرار مطّلعاً = اصـمت ففي الصمت منجاة من الزلل
قـد رشحـوك لأمـر لو فطنت له = فاربأ بنفسـك أن ترعـى مـع الهمـل



لسماع قصيدة
الطغرائي
بعد التنزيل على الرابط التالي:
لامية العجـــــــــــم

http://www.alwaraq.net/Audio/poem_3.m3u
 
لامية اليهود
السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي



إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُـهُ = فَكُـلُّ رِداءٍ يَرتَـديـهِ جَمـيـلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها = فَلَيسَ إِلـى حُسـنِ الثَنـاءِ سَبيـلُ
تُعَيِّرُنـا أَنّـا قَلـيـلٌ عَديـدُنـا = فَقُلـتُ لَهـا إِنَّ الكِـرامَ قَلـيـلُ
وَما قَلَّ مَن كانَـت بَقايـاهُ مِثلَنـا = شَبابٌ تَسامـى لِلعُلـى وَكُهـولُ
وَمـا ضَرَّنـا أَنّـا قَليـلٌ وَجارُنـا = عَزيـزٌ وَجـارُ الأَكثَريـنَ ذَليـلُ
لَنـا جَبَـلٌ يَحتَلُّـهُ مَـن نُجيـرُهُ = مَنيعٌ يَـرُدُّ الطَـرفَ وَهُـوَ كَليـلُ
رَسا أَصلُهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِـهِ = إلى النَجـمِ فَـرعٌ لا يُنـالُ طَويـلُ
هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي شاعَ ذِكـرُهُ = يَعِـزُّ عَلـى مَـن رامَـهُ وَيَطـولُ
وَإِنّا لَقَـومٌ لا نَـرى القَتـلَ سُبَّـةً = إِذا مـا رَأَتـهُ عامِـرٌ وَسَـلـولُ
يُقَرِّبُ حُـبُّ المَـوتِ آجالَنـا لَنـا = وَتَكرَهُـهُ آجالُـهُـم فَتَـطـولُ
وَما ماتَ مِنّا سَيِّـدٌ حَتـفَ أَنفِـهِ = وَلا طُلَّ مِنّـا حَيـثُ كـانَ قَتيـلُ
تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُبـاتِ نُفوسُنـا = وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُبـاتِ تَسيـلُ
صَفَونا فَلَم نَكدُر وَأَخلَـصَ سِرَّنـا = إِنـاثٌ أَطابَـت حَملَنـا وَفُحـولُ
عَلَونا إِلى خَيـرِ الظُهـورِ وَحَطَّنـا = لِوَقتٍ إِلى خَيـرِ البُطـونِ نُـزولُ:
فَنَحنُ كَماءِ المُزنِ مـا فـي نِصابِنـا = كَهـامٌ وَلا فينـا يُعَـدُّ بَخـيـلُ
وَنُنكِرُ إِن شِئنا عَلى الناسِ قَولَهُـم = وَلا يُنكِرونَ القَـولَ حيـنَ نَقـولُ
إِذا سَيِّـدٌ مِنّـا خَـلا قـامَ سَيِّـدٌ = قَؤُولٌ لِمـا قـالَ الكِـرامُ فَعُـولُ
وَما أُخمِدَت نـارٌ لَنـا دونَ طـارِقٍ = وَلا ذَمَّنـا فـي النازِليـنَ نَـزيـلُ
وَأَيّامُنـا مَشهـورَةٌ فـي عَـدُوِّنـا = لَهـا غُـرَرٌ مَعلومَـةٌ وَحُـجـولُ
وَأَسيافُنا في كُـلِّ شَـرقٍ وَمَغـرِبٍ = بِها مِـن قِـراعِ الدارِعيـنَ فُلـولُ
مُـعَـوَّدَةٌ أَلّا تُـسَـلَّ نِصالُـهـا = فَتُغمَـدَ حَتّـى يُستَبـاحَ قَبـيـلُ
سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُـمُ = فَلَيـسَ سَـواءً عالِـمٌ وَجَهـولُ
فَإِنَّ بَني الرَيّـانِ قَطـبٌ لِقَومِهِـم = تَدورُ رَحاهُـم حَولَهُـم وَتَجـولُ
 
لامية الهنود
عبد المقتدر الكِندي الدهلوي


يا سائق الظعن في الأسحار والأصُلِ = سلِّم على دار سلمى فابْكِ، ثم سَلِ
عن الظباء التي من دأبها أبداً = صيدُ الأسود بحُسن الدل والنَّجل
وعن ملوكٍ كرام قد مضوا قِدَدا = حتى يجيبك عنهم شاهد الطلل
أضحتْ إذا بَعُدت عنها كواعبُها = أطلالها مثل أجفان بلا مُقَلِ
فإنّ مَن ملكتْ قلبي لها شرفٌ = على المها العِين والآرام بالإطِل
فِدى فؤادي أعرابيةً سكنت = بيتاً من القلب معموراً بلا حِِوَل
من نور وجنتها، من حُسن غُرتها = من طيب طُرتها، من طرفها الثمل
الشمس في أسفٍ، والبدر في كلفٍ = والمسك في شغف، والريم في خجل
كأنها ظبية، لكن بينهما = فرقاً جلياً بعظم الساق والكفَل
خيالها عند من يهوى زيارتها = أحلى من الأمن عند الخائف الوَجِل
كيف السبيل إليها بعد أن حُفظت = بالبيض والسمر في أعلى ذرى الجبل
طرقتها فجأة، والليل في جَذلٍ = والذئب في كسلٍ، والقوم في شغلِ
قالت: لك الويل، هلا خفت من أسدٍ = له براثن كالعسالةِ الذُبُلِ
فقلت: إني مليك صيده أسد = وصيد غيري من ظبيٍ ومن وعلِ
قالت: فما تبتغي؟ لا مَنْعَ. قلتُ لها: = كلا، فإني عفيف القول والعملِ
وإنني رجلٌ من معشرٍ سحبوا = ذيل التبتل والتقوى على زُحل
لا يطمعون، ولكنْ كان ديدنُهم = إعطاءَ ما ملكوا كالعارض الهطل
أسد إذا سخطوا أفنوا عدوهم = قوم إذا فرحوا أعطوا بلا مَلل
ما قال قائلهم يوماً لواحدهم: = "لو كنتُ من مازن لم نستبح إبلي"
يا طالب الجاه في الدنيا تكون غداً = على شفا حفرة النيران والشُّعل
يا طالب العز في العقبى بلا عمل = هل تنفعنك فيها كثرة الأمل
يا أيها الطَّفل أنت الطِّفل في أملٍ = وشمس عمرك قد مالت إلى الطَّفل
يا من تطاول في البنيان معتمداً = على القصور وخفض العيش والطّوَل
لأنت في غفلة والموت في أثر = يعدو، وفي يده مستحكم الطّيَل
ولم يكن فخره إلا بعزة مَن = أغنى الأعاجم والأعراب بالدول
محمد خير خلق الله قاطبة = هو الذي جل عن مِثْل وعن مَثَلِ
له المزايا بلا نقصٍ ولا شبَهٍ = له العطايا بلا من ولا بدَل
أردت مدح نبي الله مجتهداً = حتى عجَزتُ، فقال العقل لي: "فَقُلِ
يا عبدَ مقتدر، أوصاف سيدنا = تعلو علواً عن التفصيل والجمل"
 
لامية المماليك
عبد الرحمن ابن خلدون


سيدي، والظنون فيك جميلهْ = وأياديك بالأماني كفيلهْ
لا تَحُلْ عن جميل رأيك، إني = ما ليَ اليوم غير رأيك حيله
واصطنعني كما اصطنعت بإسْدا = ءِ يدٍ من شفاعةٍ أو وسيله
لا تُضعني، فلستُ منك مضيعاً = ذمة الحب والأيادي الجميله
وأجِرْني، فالخطب عض بنابيه = وأجرى إلى حمايَ خيولهْ
أُنْهِ أمري إلى الذي جعل الله = أمور الدنيا له مكفوله
وأراه في ملكه الآية الكبرى = فولاه ثم كان مديله
لا تقصِّر في جبر كسري، فما زلت = أرجِّيك للأيادي الطويله
أنا جار لكم منعتم حماه = ونهجتم إلى المعالي سبيله
غاله الدهر في البنين وفي الأه = لِ، وما كان ظنه أن يغوله
ورمته النوى قعيداً قد اجتا = حتْ عليه فروعَه وأصوله
فجذبتم بضبعه وأنلتم = كل ما شاءت العلا أن تُنيله
همة ما عرفتها لسواكم = وأنا من خبرتُ دهري وجيله
والعدا نمّقوا أحاديث إفكٍ = كلها في طرائقٍ معلوله
زعموا أنني أتيت من الأقوا = لِ، ما لا يُظن بي أن أقوله
كيف لي أغمط الحقوق وإني = شكر نعماكم علي الجزيلة
كيف لي أنكر الأيادي التي تع = رفها الشمس والظلال الظليله
إن يكن ذا فقدْ برئتُ من الله = تعالى، وخنتُ جهراً رسوله


.
 
لامية الصفدي
صلاح الدين بن أيبك الصفدي

الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ = فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ
واصبرْ على كلِّ ما يأتي الزَّمانُ بهِ = صبرَ الحُسامِ بكفِّ الدّراعِ البَطَلِ
وجانبِ الحرصَ والأطماعَ تحظَ بما = ترجو من العزِّ والتأييدِ في عَجَلِ
ولا تكونَنْ على ما فاتَ ذا حَزَنٍ = ولا تظلَّ بما أُوتيتَ ذا جَذَلِ
واستشعرِ الحِلمَ في كلِّ الأمورِ ولا = تُسرع ببادرةٍ يوماً إلى رجلِ
وإنْ بُليتَ بشخصٍ لاَ خَلاقَ لهُ = فكُنْ كأنَّكَ لمْ تسمعْ ولمْ يَقُلِ
ولا تُمارِ سفيهاً في مُحاورَةٍ = ولا حليماً لكيْ تنجو منَ الزَّلَلِ
وَلاَ يغرَّنكَ منْ يُبدي بشاشَتَهُ = إليكَ خِدعاً فإنَّ السُّمَ في العَسَلِ
وإنْ أردتَ نَجاحاً أو بلوغَ مُنىً = فاكتُمْ أمورَكَ عن حافٍ ومُنتعلِ
إنَّ الفتى من بماضي الحَزْمِ مُتَّصفٌ = وَمَا تعوّدَ نقصَ القولِ والعملِ
وَلاَ يقيمُ بأرضٍ طابَ مسكنُها = حتى يقدَّ أديمَ السَّهلِ والجَبَلِ
وَلاَ يضيعُ ساعاتِ الزَّمانِ فلنْ = يعودَ مَا فاتَ مِنْ أيامهِ الأولِ
وَلاَ يُراقِبُ إلاَّ مَنْ يُراقِبُهُ = وَلاَ يُصاحبُ إلاَّ كلَّ ذي نُبُلِ
وَلاَ يعدُّ عُيوباً في الوَرَى أبداً = بل يعتني بالذَّي فيهِ من الخَلَلِ
وَلاَ يظُنُّ بهمْ سُوءاً وَلاَ حَسَناً = بل التجاربُ تَهديهِ عَلَى مَهَلِ
وَلاَ يُؤَمِّلُ آمالاً بصبحِ غدٍ = إلاَّ على وَجَلٍ من وثبةِ الأجلِ
وَلاَ يَصدُّ عن التقوى بصيرتَهُ = لأنها للمعالي أوضحُ السُّبُلِ
فمنْ تكنْ حُللُ التقوى ملابسَهُ = لمْ يخشَ في دهرهِ يوماً من العَطَلِ
مَنْ لمْ يصنْ عِرضَهُ مما يُدَنِّسهُ = عارٍ وإن كانَ مغموراً منَ الحُلَلِ
مَنْ لم تُفدهُ صُروفُ الدهر تجربةً = فيما يحاولُ فليرعى مع الهَمَلِ
مَنْ سالَمتهُ الليالي فليثِقْ عَجِلاً = منها بحَرْبِ عدوٍّ جاءَ بالحِيَلِ
منْ ضيَّعَ الحَزْمَ لم يظفرْ بحاجتِهِ = ومنْ رمى بسهامِ العُجْبِ لمْ ينَلِ
منْ جادَ سادَ وأحيا العالمونَ لهُ = بديعَ حمدٍ بمدحِ الفِعلِ مُتَّصِلِ
منْ رامَ نيلَ العُلى بالمالِ يجمعُهُ = من غيرِ جُودٍ بُلي منْ جهلهِ وَبُلي
منْ لمْ يصُنْ نفسَهُ ساءَتْ خليقتُهُ = بكلِّ طَبْعٍ لئيم غيرِ مُنتَقلِ
منْ جالسَ الغاغَة النُّوكَى جَنَى نَدَماً = لنفسهِ ورُمي بالحادثِ الجَلَلِ
فخُذْ مقالَ خبيرٍ قد حَوى حِكَماً = إذ صغتُها بعدَ طولِ الخُبر في عَمَلي


.
 
لامية ابن الوردي


الشيخ الفقيه النحوي القاضي المؤرخ زين الدين أبي حفص عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس المعري البكري نسبة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، المشهور بابن الوردي


إعتزلْ ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ
وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَـنْ هَزَلْ

ودَعِ الـذِّكـرَ لأيـامِ الصِّبا
فـلأيـامِ الصِّبـا نَـجمٌ أفَـلْ

إنْ أهنا عيـشةٍ قـضيتُهـا
ذهـبتْ لذَّاتُهـا والإثْـمُ حَـلّ

واتـرُكِ الغادَةَ لا تحفلْ بها
تُـمْسِ فـي عِزٍّ رفيعٍ وتُجَلّ

وافتكرْ في منتهى حُسنِ الذي
أنـتَ تـهواهُ تجدْ أمـراً جَلَلْ

واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً
كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ

واتَّـقِ اللهَ فتـقوى الله مـا
جاورتْ قلبَ امريءٍ إلا وَصَلْ

ليسَ مـنْ يقطعُ طُرقاً بَطلاً
إنـما مـنْ يـتَّقي الله البَطَـلْ

صدِّقِ الشَّرعَ ولا تركنْ إلى
رجـلٍ يـرصد في الليل زُحلْ

حارتِ الأفكارُ في حكمةِ مَنْ
قـد هـدانـا سبْلنا عزَّ وجَلْ

كُتبَ الموت على الخَلقِ فكمْ
فَـلَّ من جيشٍ وأفنى من دُوَلْ

أيـنَ نُمـرودُ وكنعانُ ومنْ
مَلَكَ الأرضَ وولَّـى وعَـزَلْ

أيـن عادٌ أين فرعونُ ومن
رفـعَ الأهرامَ مـن يسمعْ يَخَلْ

أينَ من سادوا وشادوا وبَنَوا
هَـلَكَ الكلُّ ولـم تُـغنِ القُلَلْ

أينَ أربابُ الحِجَى أهلُ النُّهى
أيـنَ أهـلُ العلمِ والقومُ الأوَلْ

سيُـعيـدُ الله كـلاً منـهمُ
وسيَـجزي فـاعلاً ما قد فَعَلْ

إيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ حِكمـاً
خُصَّتْ بهـا خيرُ المِللْ

أطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فمـا
أبعـدَ الخيرَ على أهـلِ الكَسَلْ

واحتفـلْ للفقهِ في الدِّين ولا
تـشتغلْ عنـهُ بـمالٍ وخَـوَلْ

واهـجرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ
يعرفِ المطلوبَ يـحقرْ ما بَذَلْ

لا تـقلْ قـد ذهبتْ أربابُهُ
كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ

في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى
وجمالُ العلمِ إصـلاحُ العمـلْ

جَمِّلِ المَنطِقَ بالنَّحو فـمنْ
يُـحرَمِ الإعرابَ بالنُّطقِ اختبلْ

انـظُمِ الشِّعرَ ولازمْ مذهبي
فـي اطَّراحِ الرَّفد لا تبغِ النَّحَلْ

فهوَ عنوانٌ على الفضلِ وما
أحسنَ الشعرَ إذا لـم يُـبتـذلْ

ماتَ أهلُ الفضلِ لم يبقَ سوى
مقرف أو من على الأصلِ اتَّكلْ

أنـا لا أخـتارُ تـقبيلَ يدٍ
قَـطْعُها أجملُ مـن تلكَ القُبلْ

إن جَزتني عن مديحي صرتُ في
رقِّها أو لا فيكفيني الخَـجَلْ

أعـذبُ الألفاظِ قَولي لكَ خُذْ
وأمَـرُّ اللفظِ نُطـقي بِلَعَـلّْ

مُلكُ كسرى عنهُ تُغني كِسرةٌ
وعـنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوَشلْ

اعـتبر (نحن قسمنا بينهم)
تـلقهُ حقاً (وبالحـق نـزلْ)

ليس ما يحوي الفتى من عزمه
لا ولا ما فاتَ يومـاً بالكسلْ

اطـرحِ الدنيا فمنْ عاداتها
تخفِضُ العاليْ وتُعلي مَنْ سَفَلْ

عيشةُ الرَّاغبِ في تحصيلِها
عيشـةُ الجاهـلِ فيهـا أو أقلْ

كَـمْ جَهولٍ باتَ فيها مُكثراً
وعليـمٍ باتَ منهـا فـي عِلَلْ

كمْ شجاعٍ لم ينلْ فيهاالمُنى
وجبـانٍ نـالَ غاياتِ الأملْ

فاتـركِ الحيلةَ فيها واتَّكِلْ
إنـما الحيلةُ فـي تركِ الحِيَلْ

أيُّ كفٍّ لمْ تنلْ منها المُنى
فرمـاهـا اللهُ منـهُ بـالشَّلَلْ

لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً إنما
أصلُ الفَتى ما قـد حَصَلْ

قدْ يسودُ المرءُ من دونِ أبٍ
وبِحسنِ السَّبْكِ قدْ يُنقَى الدَّغّلْ

إنـما الوردُ منَ الشَّوكِ وما
يَنـبُتُ النَّرجسُ إلا من بَصَلْ

غـيرَ أني أحمـدُ اللهَ على
نسبـي إذ بـأبي بكرِ اتَّصلْ

قيمـةُ الإنسانِ مـا يُحسنُهُ
أكثـرَ الإنسـانُ منـهُ أمْ أقَلْ

أُكـتمِ الأمرينِ فقراً وغنى
واكسَب الفَلْسَ وحاسب ومن بَطَلْ

وادَّرع جداً وكداً واجتنبْ
صُحبةَ الحمقى وأربـاب الـخَلَلْ

بـينَ تبـذيرٍ وبُخلٍ رُتبةٌ
وكِـلا هـذيـنِ إنْ زادَ قَتَـلْ

لا تخُضْ في حـق سادات مَضَوا
إنـهم ليسوا بـأهلِ للزَّلَلْ

وتغاضى عـن أمورٍ إنـه لـم
يـفُزْ بالحمدِ إلا من غَفَلْ

ليسَ يخلو المرءُ مِنْ ضدٍّ ولَو
حاولَ العُزلةَ في راسِ الجبَلْ

مِلْ عن النَمَّامِ وازجُرُهُ فما
بلّغَ المـكروهَ إلا مـن نَقَـلْ

دارِ جارَ السُّوءِ بالصَّبرِ وإنْ
لـمْ تجدْ صبراً فما أحلى النُّقَلْ

جانِبِ السُّلطانَ واحذرْ بطشَهُ
لا تُـعـانِدْ مَنْ إذا قـالَ فَعَلْ

لا تَلِ الأحكـامَ إنْ هُمْ سألوا
رغـبةً فيكَ وخالفْ مَنْ عَذَلْ

إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمنْ
ولـيَ الأحكامَ هذا إن عَدَلْ

فهو كالمحبوسِ عن لذَّاتـهِ
وكِلا كفّيه فـي الحشر تُغَلْ

إنَّ للنقصِ والاستثقالِ فـي لفظةِ
القاضي لَوَعظا أو مَثَلْ

لا تُوازى لذةُ الحُكمِ بـما
ذاقَهُ الشخصُ إذا الشخصُ انعزلْ

فالولاياتُ وإن طابتْ لمنْ
ذاقَـها فالسُّمُّ فـي ذاكَ العَسَلْ

نَصَبُ المنصِبِ أوهـى جَلَدي
وعنائـي من مُداراةِ السَّفلْ

قَصِّرِ الآمـالَ فـي الدنيا تفُزْ
فدليـلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ

إن منْ يطـلبهُ المـوتُ على
غِـرَّةٍ منـه جديرٌ بالوَجَـلْ

غِبْ وزُرْ غِبَّاَ تزِدْ حُبَّاً فمـنْ
أكثـرَ التَّردادَ أقـصاهُ المَلَلْ

لا يضـرُّ الفضلَ إقلالٌ كما
لا يضرُّ الشمسَ إطباقُ الطَّفَلْ

خُذْ بنصلِ السَّيفِ واتركْ غِمدهُ
واعتبرْ فضلَ الفتى دونَ الحُلُلْ

حُبّكَ الأوطانَ عجـزٌ ظاهرٌ
فـاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بَدَلْ

فبمُكثِ الماءِ يـبقى آسنـاً
وسَـرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ

أيُّـها العائبُ قـولي عبثاً
إن طيـبَ الـوردِ مؤذٍ للجُعلْ

عَدِّ عن أسهُمِ قولي واستتِرْ
لا يُصيـبنَّكَ سهـمٌ مـن ثُعَلْ

لا يـغرَّنَّكَ لينٌ مـن فتىً
إنَّ للحيَّـاتِ لينـاً يُـعتـزلْ

أنا مثـلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ
ومتـى أُسخِـنَ آذى وقَتَـلْ

أنا كالخيزور صعبٌ كسُّرهُ
وهو لدنٌ كيفَ ما شئتَ انفتَلْ

غيرَ أنّي في زمانٍ مَنْ يكنْ
فيه ذا مالٍ هو المولَى الأجلّ

واجبٌ عند الورى إكرامُهُ
وقليـلُ المـالِ فيهمْ يُستقلْ

كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ وأنا
منهـمُ، فاترك تفاصيلَ الجُمَل

وصـلاةُ اللهِ ربـي كُلّما
طَلَـعَ الشمسُ نهـاراً وأفـلْ

للذي حازَ العُلى من هاشمٍ
أحمدَ المختارِ من سـادَ الأوَلْ

وعلى آلٍ وصحبٍ سـادةٍ
ليسَ فيـهمْ عاجزٌ إلا بَطَـلْ
 
لامية المتنبي
ليالي بعد الظاعنين شكول



لَيَاليّ بَعْدَ الظّاعِنِينَ شُكُولُ
طِوالٌ وَلَيْلُ العاشِقينَ طَويلُ
يُبِنَّ ليَ البَدْرَ الذي لا أُريدُهُ
وَيُخْفِينَ بَدْراً مَا إلَيْهِ سَبيلُ
وَمَا عِشْتُ مِنْ بَعدِ الأحِبّةِ سَلوَةً
وَلَكِنّني للنّائِبَاتِ حَمُولُ
وَإنّ رَحِيلاً وَاحِداً حَالَ بَيْنَنَا
وَفي المَوْتِ مِنْ بَعدِ الرّحيلِ رَحيلُ
إذا كانَ شَمُّ الرَّوحِ أدْنَى إلَيْكُمُ
فَلا بَرِحَتْني رَوْضَةٌ وَقَبُولُ
وَمَا شَرَقي بالمَاءِ إلاّ تَذكّراً
لمَاءٍ بهِ أهْلُ الحَبيبِ نُزُولُ
يُحَرّمُهُ لَمْعُ الأسِنّةِ فَوْقَهُ
فَلَيْسَ لِظَمْآنٍ إلَيْهِ وُصُولُ
أما في النّجوم السّائراتِ وغَيرِهَا
لِعَيْني عَلى ضَوْءِ الصّباحِ دَليلُ
ألمْ يَرَ هذا اللّيْلُ عَيْنَيْكِ رُؤيَتي
فَتَظْهَرَ فيهِ رِقّةٌ وَنُحُولُ
لَقيتُ بدَرْبِ القُلّةِ الفَجْرَ لَقْيَةً
شَفَتْ كَبِدي وَاللّيْلُ فِيهِ قَتيلُ
وَيَوْماً كأنّ الحُسْنَ فيهِ عَلامَةٌ
بعَثْتِ بهَا والشّمسُ منكِ رَسُولُ
وَما قَبلَ سَيفِ الدّوْلَةِ کثّارَ عاشِقٌ
ولا طُلِبَتْ عندَ الظّلامِ ذُحُولُ
وَلَكِنّهُ يَأتي بكُلّ غَريبَةٍ
تَرُوقُ عَلى استِغْرابِها وَتَهُولُ
رَمَى الدّرْبَ بالجُرْدِ الجيادِ إلى العِدى
وَما عَلِمُوا أنّ السّهامَ خُيُولُ
شَوَائِلَ تَشْوَالَ العَقَارِبِ بالقَنَا
لهَا مَرَحٌ مِنْ تَحْتِهِ وَصَهيلُ
وَما هيَ إلاّ خَطْرَةٌ عَرَضَتْ لَهُ
بحَرّانَ لَبّتْهَا قَناً وَنُصُولُ
هُمَامٌ إذا ما هَمّ أمضَى هُمُومَهُ
بأرْعَنَ وَطْءُ المَوْتِ فيهِ ثَقيلُ
وَخَيْلٍ بَرَاهَا الرّكضُ في كلّ بلدةٍ
إذا عَرّسَتْ فيها فلَيسَ تَقِيلُ
فَلَمّا تَجَلّى مِنْ دَلُوكٍ وَصَنْجةٍ
عَلَتْ كلَّ طَوْدٍ رَايَةٌ وَرَعيلُ
على طُرُقٍ فيها على الطُّرْقِ رِفْعَةٌ
وَفي ذِكرِها عِندَ الأنيسِ خُمُولُ
فَمَا شَعَرُوا حَتى رَأوْهَا مُغِيرَةً
قِبَاحاً وَأمّا خَلْقُها فَجَميلُ
سَحَائِبُ يَمْطُرْنَ الحَديدَ علَيهِمِ
فكُلُّ مَكانٍ بالسّيوفِ غَسيلُ
وَأمْسَى السّبَايَا يَنْتَحِبنَ بعِرْقَةٍ
كأنّ جُيُوبَ الثّاكِلاتِ ذُيُولُ
وَعادَتْ فَظَنّوهَا بمَوْزَارَ قُفّلاً
وَلَيسَ لهَا إلاّ الدّخولَ قُفُولُ
فَخاضَتْ نَجيعَ القَوْمِ خَوْضاً كأنّهُ
بكُلِّ نَجيعٍ لمْ تَخُضْهُ كَفيلُ
تُسايِرُها النّيرانُ في كلّ مَنزِلٍ
بهِ القوْمُ صَرْعَى والدّيارُ طُلولُ
وَكَرّتْ فمَرّتْ في دِماءِ مَلَطْيَةٍ
مَلَطْيَةُ أُمٌّ للبَنِينَ ثَكُولُ
وَأضْعَفْنَ ما كُلّفْنَهُ مِنْ قُباقِبٍ
فأضْحَى كأنّ الماءَ فيهِ عَليلُ
وَرُعْنَ بِنَا قَلْبَ الفُراتِ كأنّمَا
تَخِرُّ عَلَيْهِ بالرّجالِ سُيُولُ
يُطارِدُ فيهِ مَوْجَهُ كُلُّ سابحٍ
سَواءٌ عَلَيْهِ غَمْرَةٌ وَمسيلُ
تَراهُ كأنّ المَاءَ مَرّ بجِسْمِهِ
وَأقْبَلَ رَأسٌ وَحْدَهُ وتَليلُ
وَفي بَطْنِ هِنريطٍ وَسِمْنينَ للظُّبَى
وَصُمِّ القَنَا مِمّنْ أبَدْنَ بَدِيلُ
طَلَعْنَ عَلَيْهِمْ طَلْعَةً يَعْرِفُونَها
لهَا غُرَرٌ مَا تَنْقَضِي وَحُجُولُ
تَمَلُّ الحُصُونُ الشُّمُّ طُولَ نِزالِنَا
فَتُلْقي إلَيْنَا أهْلَهَا وَتَزُولُ
وَبِتْنَ بحصْنِ الرّانِ رَزْحَى منَ الوَجى
وَكُلُّ عَزيزٍ للأمِيرِ ذَلِيلُ
وَفي كُلِّ نَفْسٍ ما خَلاهُ مَلالَةٌ
وَفي كُلِّ سَيفٍ ما خَلاهُ فُلُولُ
وَدُونَ سُمَيْساطَ المَطامِيرُ وَالمَلا
وَأوْدِيَةٌ مَجْهُولَةٌ وَهُجُولُ
لَبِسْنَ الدّجَى فيها إلى أرْضِ مرْعَشٍ
وَللرّومِ خَطْبٌ في البِلادِ جَليلُ
فَلَمّا رَأوْهُ وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِهِ
دَرَوْا أنّ كلَّ العالَمِينَ فُضُولُ
وَأنّ رِمَاحَ الخَطّ عَنْهُ قَصِيرَةٌ
وَأنّ حَديدَ الهِنْدِ عَنهُ كَليلُ
فأوْرَدَهُمْ صَدْرَ الحِصانِ وَسَيْفَهُ
فَتًى بأسُهُ مِثْلُ العَطاءِ جَزيلُ
جَوَادٌ عَلى العِلاّتِ بالمالِ كُلّهِ
وَلَكِنّهُ بالدّارِعِينَ بَخيلُ
فَوَدّعَ قَتْلاهُمْ وَشَيّعَ فَلَّهُمْ
بضَرْبٍ حُزُونُ البَيضِ فيهِ سُهولُ
على قَلْبِ قُسْطَنْطينَ مِنْهُ تَعَجّبٌ
وَإنْ كانَ في ساقَيْهِ مِنْهُ كُبُولُ
لَعَلّكَ يَوْماً يا دُمُسْتُقُ عَائِدٌ
فَكَمْ هارِبٍ مِمّا إلَيْهِ يَؤولُ
نَجَوْتَ بإحْدَى مُهْجَتَيْكَ جرِيحةً
وَخَلّفتَ إحدى مُهجَتَيكَ تَسيلُ
أتُسْلِمُ للخَطّيّةِ ابنَكَ هَارِباً
وَيَسْكُنَ في الدّنْيا إلَيكَ خَليلُ
بوَجْهِكَ ما أنْساكَهُ مِنْ مُرِشّةٍ
نَصِيرُكَ منها رَنّةٌ وَعَوِيلُ
أغَرّكُمُ طولُ الجُيوشِ وَعَرْضُهَا
عَليٌّ شَرُوبٌ للجُيُوشِ أكُولُ
إذا لم تَكُنْ للّيْثِ إلاّ فَريسَةً
غَذاهُ وَلم يَنْفَعْكَ أنّكَ فِيلُ
إذا الطّعْنُ لم تُدْخِلْكَ فيهِ شَجاعةٌ
هيَ الطّعنُ لم يُدخِلْكَ فيهِ عَذولُ
وَإنْ تَكُنِ الأيّامُ أبْصَرْنَ صَوْلَهُ
فَقَدْ عَلّمَ الأيّامَ كَيفَ تَصُولُ
فَدَتْكَ مُلُوكٌ لم تُسَمَّ مَوَاضِياً
فإنّكَ ماضِي الشّفْرَتَينِ صَقيلُ
إذا كانَ بَعضُ النّاسِ سَيفاً لدَوْلَةٍ
فَفي النّاسِ بُوقاتٌ لهَا وطُبُولُ
أنَا السّابِقُ الهادي إلى ما أقُولُهُ
إذِ القَوْلُ قَبْلَ القائِلِينَ مَقُولُ
وَما لكَلامِ النّاسِ فيمَا يُريبُني
أُصُولٌ ولا للقائِليهِ أُصُولُ
أُعَادَى على ما يُوجبُ الحُبَّ للفَتى
وَأهْدَأُ وَالأفكارُ فيّ تَجُولُ
سِوَى وَجَعِ الحُسّادِ داوِ فإنّهُ
إذا حلّ في قَلْبٍ فَلَيسَ يحُولُ
وَلا تَطْمَعَنْ من حاسِدٍ في مَوَدّةٍ
وَإنْ كُنْتَ تُبْديهَا لَهُ وَتُنيلُ
وَإنّا لَنَلْقَى الحادِثاتِ بأنْفُسٍ
كَثيرُ الرّزايا عندَهنّ قَليلُ
يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا
وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ
فَتيهاً وَفَخْراً تَغْلِبَ ابْنَةَ وَائِلٍ
فَأنْتِ لخَيرِ الفاخِرِينَ قَبيلُ
يَغُمُّ عَلِيّاً أنْ يَمُوتَ عَدُوُّهُ
إذا لم تَغُلْهُ بالأسِنّةِ غُولُ
شَريكُ المَنَايَا وَالنّفُوسُ غَنيمَةٌ
فَكُلُّ مَمَاتٍ لم يُمِتْهُ غُلُولُ
فإنْ تَكُنِ الدّوْلاتُ قِسْماً فإنّهَا
لِمَنْ وَرَدَ المَوْتَ الزّؤامَ تَدُولُ
لِمَنْ هَوّنَ الدّنْيا على النّفسِ ساعَةً
وَللبِيضِ في هامِ الكُماةِ صَليلُ
 
لامية الشاعر المغربي
أبو حفص الفاسي
لا تعتب على الدهر


لا تعتبنّ على دهر تساء به
فما على الدّهر من عتب ومن عذل
واستغن بالله لا يغنيك ما جمعت
أيدي الأنام وغير الله لا تسل
والحرّ يستفّ ترب الأرض محتملا
وليس للمنّ من كعب بمحتمل

وإن سئمت أو استوخمت منزلة
فعالج النّفس بالتّرحال والنّقل
فالسّلسل العذب في الأنهار مطّرد
وراكد الماء لا يخلو من الدّخل

واصبر على مضض الحسّاد متّئدا
فالصّبر يوليك ، ما لولاه لم تنل
أما يسرّك أنّ القوم ضمنت
صدورهم أعظم الأذواء والعلل
يا ويحهم كلّما زاد الفتى شرفا
زادوا به أسفا يدني من الأجل

وقل لمن لاحظ العلياء ناظره
فصار ينهض نهض الشّارب الثّمل
أبالتّكاسل تبغي نيل مأثرة ؟
هيهات كم بين ذي عزم وذي وهل
وقل لمن يبتغي صفوا بلا كدر
لابدّ في العيش من صاب ومن عسل
ودون شهد المنى من نحله إبر
فاصبر لها إن أردت الفوز بالنّحل

ودونك العلم لا تبغي به بدلا
وكيف يرضى أخو التمييز بالبدل
فالعلم نور مبين يستضاء به
وخطّة ما لها في الحسن من مثل
فاملأ جرابك منه غير مكترث
بما يراه أخو كبر وذو خجل
وروّض النّفس واستكمل فضائلها
تجني ثمار المنى من روضها الخضل
فالمرء بالنّفس لا بالجسم مرتفع
والسّيف بالنّصل لا بالغمد والحلل
والنفس أنفس ما يعنى اللبيب به
فاربأ بنفسك أن تعنى بمنسفل
 
لامية المقري
أبو بكر بن المقري اليماني


زيادة القول تحكي النّقص في العمل = ومنطق المرءِ قد يهديه للزّللِ
إن اللّسان صغيرٌ جرمهُ وله = جرمٌ كبيرٌ كما قد قيل في المثل
عقل الفتى ليس يغني عن مشاورةٍ = كحدَّة السَّيف لا تغني عن البطل
إن المشاور إما صائبٌ غرضاً = أو مخطئٌ غير منسوب إلى الخطل
لا تحقر الرّأي يأتيك الحقير به = فالنحلُ وهو ذبابٌ طائر العسل
ولا يغرنك ودٌّ من أخي أمل = حتى تجربه في غيبة الأمل
لا تجزعنّ لخطب ما به حيلٌ = تغنى وإلا فلا تعجز عن الحيل
وقدرُ شكر الفتى لله نعمتهُ = كقدرِ صبِر الفتى للحادث الجلل
وإن أخوف نهج ما خشيت به = ذهاب حريةٍ أو مرتضى عمل
لا تفرحنّ بسقطات الرجال ولا = تهزأ بغيرك واحذر صولة الدُّول
أحقّ شيءٍ بردّ ما تخالفه = شهادةُ الدّين فافهم صنعة الجدل
وقيمة المرءِ ما قد كان يحسنهُ = فاطلب لنفسك ما تعلو به وصل
وكلُ علم جناه ممكنٌ أبداً = إلاّ إذا اعتصم الإنسانُ بالكسل
والمال صنهُ وورثهُ العدوّ ولا = تحتج حياتك للإخوان في الأكل
فخير مالِ الفتى مال يصون به = عرضاً وينفقهُ في أشرف السُّبل
وأفضل البّر مالاً منَّ يتبعهُ = ولا تقدّمه شيءٌ من المطل
فإنما الجود بذلٌ لم تكلف به = صنعاً ولم تنتظر فيه جزا رجل
إن الصنائع أطواق إذا شكرت وإن كفرت فأغلال لمنتحل
وإن عندي الخطا أفضل من إصابةٍ حصلت بالمنع والبخل
خير من الخير مسديهِ إليك كما شرٌ من الشرّ أهل المطل والدَّخل
ظواهرُ العتب للإخوان أيسر من بواطن الحقدِ في التّسديد للخلل
دعِ الجموحَ وسامحهُ تغظهُ ولا = تصحب سوى السّمح واحذر سقطة العجل
والقَ الأحبّة والإخوان قطعوا = حبلَ الوداد بحبل منك متصل
فأعجزُ الناس حرٌ ضاع من يده = صديق ودّ فلم يردده بالحيل
من يقظةٍ بالفتى إظهارُ غفلته = مع التحفُّظ من غدرٍ ومن ختل
وكن مع الخلق ما كانوا لخالقهم = واحذر معاشرة الأوغاد والسّفل
واخش الأذى عند إكرام اللّئيم = تخشى الأذى إن أهنت الحرّ ذا النّبل
واصبر لواحدة تأمن توابعها = فربما كانت الصُّغرى من الأول
ولا يغرَّنك من مرقّى سهولتهُ = فربما ضقتَ ذرعاً منه في النُّزُل
 
اللامية الأموية
أبو الفضل الوليد

أدمشقُ، أين بنو أمية؟ قولي
لِيَقوا نضارة حسنكِ المبذول
بجلال جامعهم، ورونق ملكهم
صوني الجمال بشَعركِ المحلولِ
ما حال غوطتك التي فُجعتْ بهم
فغدا لها ثأر على "القاطول"(58)
وكثير من السؤال اشتياق
وكثير من رده تعليلُ
أولئك الخلفاء عن عصبية
عربية ذادوا بكل أصيلِ
يسطوا سيادتهم، وظلوا سادة
حتى انكسار الصارم المسلولِ
لبني أمية في النفوس مكانة
بالبأس والإحسان والتعديل
ملكوا القلوب بحلمهم وسخائهم
ورعوا ذمام عشيرةٍ وقبيل
ماتوا كما عاشوا ملوكاً بُسَّلاً
لم يؤخذوا بالقهر والتنكيل
في ظل دولتهم وظل بنودهم
قد تم فتح العالم المأهولِ
فلهم على العرب الأيادي ما صبَتْ
نفسٌ إلى التكبير والتهليل
إني أجل وفاءهم وبلاءهم
فلهم على الأحرار كل جميل
أدمشق، أنت أميرة أموية
بالقصر والكرسي والإكليل
فابكي معاوية الذي بدهائه
جعل الخلافة فيكِ بين نصول
فغدوتِ من سلطانه سلطانةً
للأرض بالتعظيم والتبجيل
هيهات ترجع دولة أموية
أبقت من الآثار كلَّ جليل
الجامع الأموي من آثارها
فلكم رمى متأملاً بذهولِ
جمع الفخامة والمحاسن والهدى
وعلى المكارم ظلَّ خير دليل
أعظم بقواد كأساد الشرى
فلُّوا جيوشاً أدبرت بفلول
فكأنهم وُلِدوا لعزة أمة
نجبت بأكرم نسوةٍ وبعول
لم يولد العربي إلا فارساً
أو شاعراً أو ضائفاً لنزيل
أدمشق كنتِ مليكة، حراسها
عرب مضاجعهم متونُ خيول
وسيوفهم قد أنكرت أغمادها
من كثرة التجريد والتقتيل
فغدوت ثكلى لا يُقال عثارها
إلا بضربة فيصل مصقول
بالله أيتها المنازل خبِّري
هل فيك وصل العاشق الممطول
أبداً أزوركِ باكياً مستبكيا
أو ذاكراً ومذكِّراً كدليل
وعليكِ أشعاري ترن شجية
حتى انبثاق نعيمكِ المأمول
ما كان أتعس مولِدي متأخرا
لأكون شاعر نكبة وطلول
خلفي وقُدامي بلاقع أربُعٍ
وحطام عرشي خلافةٍ مثلولِ
لكنني في الضعف أطلب قوة
وأعيش بالتذكير والتعليل
يرجو العمارة والحياة لأمةٍ
برفات أجداثٍ ورسم محيل
أدمشق لا سُكنى لشاميٍّ إذا
لم يرحل الرومي بعد نزول
بردى يرجِّع لي غناء مطربا
فيه نواح الثكل والترميل
الشام بنتٌ للعروبة برةٌ
وفروعها موصولة بأصول
كانت وظلتْ بقعةً عربية
والجيل يثبت ذاك بعد الجيل
الدين والدم واللسان شهودها
وكفى بحكم الطبع والمعقول
عربية هذي القلوب، فحسبها
أقوى من التضليل والتدجيل
فمن العراق إلى الشام إلى الحجا
زِ إلى سباءٍ بلاد نخيل
والغرب من مصرٍ إلى مرّاكش
مع كل قطرٍ بالهدى مشمول
أغصان جذع أو مرازح كرمةٍ
وجميعها صلة من الموصول
بنيتْ على القرآن فهو أساسها
لتعاون ما بينها مجعول
والملك فيها واحد وموحَّد
لا خوف من غبن ومن تفضيل
العرب حكام الشآم، وأهلها
وقبورهم ختم على تسجيل
فهم لها خلفاء أو أمراء أو
علماء ليس عديدهم بقليل
فعلى المآثر والرمام سلامها
وعلى ثرىً بدمائهم مجبول
 
لامية ابن عمر الضمدي في الاستسقاء

مناسبة هذه القصيدة :
أصيب المخلاف السليماني بجدب وقحط شديد عام 973هـ/1565م ، فخرج الناس للاستسقاء وأمهم رجل مسن وهو( ابن عمر الضمدي ) فلما وقف أمام الناس حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم ترجل هذه القصيدة ، فما انتهى منها إلا وقد انهمر المطر وما استطاع الحراك من مكانه إلا محمولا على أكتاف الرجال من شدة المطر
ومما قاله في قصيدته :


إن مسَّنا الضُرُّ، أو ضاقت بنا الحِيَلُ
فلنْ يخَيبَ لنا في ربِّنا أملُ
وإن أناخت بنا البلوى فإن لنا
ربًّا يُحَوِّلُها عنّا فتنتقلُ
اللهُ في كلِّ خَطبٍ حسبنا وكفى
إليه نرفعُ شكوانا ونبتهلُ
من ذا نلوذُ به في كشف كربتنا
ومن عليه سوى الرحمن نتكلُ
وكيفَ يُرجى سوى الرحمن من أحدٍ
وفي حياضِ نداهُ النهلُ والعَللُ
لا يُرتجى الخيرُ إلا من لديه، ولا
لغيره يُتَوقّى الحادثُ الجللُ
خزائنُ اللهِ تُغني كلَّ مفتقرٍ
وفي يدِ الله للسُّؤَّال ما سألوا
وسائلُ اللهِ ما زالت مسائلُهُ
مقبولةٌ ما لها رَدٌّ ولا مَللُ
فافزع إلى الله واقرع بابَ رحمتهِ
فهو الرجاءُ لمن أعيت بهِ السُبلُ
وأحْسِنِ الظنَّ في مولاكَ وارضَ بما
أولاكَ يخل عنك البؤسُ والوجلُ
وإن أصابكَ عُسْرٌ فانتظرْ فرجًا
فالعسرُ باليسرِ مقرونٌ ومتصل ُ
وانظر إلى قولهِ:ادعوني استجبْ لكُمُ
فذاكَ قولٌ صحيحٌ مالهُ بدل ُ
كم أنقذَ اللهُ مضطراً برحمتهِ
وكم أنالَ ذوي الآمالَ ما أملوا
يامالكَ الملكِ فادفعْ ما ألمَّ بنا
فما لنا بِتَولِّي دفعهِ قِبَلُ
ضاقَ الخناقُ فنفسي ضيقةٌ عَجْلى
عنا فأنفعُ شيءٍ عندنا العَجَلُ
وَحُلَّ عُقدةَ مَحْلٍ، حَلَّ ساحتنا
بضرِّه عَمَّت الأمصارُ والحللُ
وقُطِّعت منه أرحامٌ لشدتهِ
فما لها اليومَ غيرُ الله من يصلُ
وأهملَ الخِلُّ فيه حق صاحبه ال
أدنى وضاقت على كلٍّ به السُبلُ
فربَّ طفلٍ وشيخٍ عاجزٍ هرمٍ
أمست مدامعُهُ في الخدِّ تنهملُ
وباتَ يرعى نجومَ الليل من قلقٍ
وقلبُه فيه نارُ الجوعِ تشتعلُ
أمسى يعجُّ منَ البلوى إليكَ، ومنْ
أحوالِهِ عندكَ التفصيلَ والجُملُ
فأنتَ أكرمُ مَنْ يُدعى، وأرحمُ مَنْ
يُرجى، وأمرُك فيما شئت ممتثَلُ

فلا ملاذَ ولا ملجا سواكَ ولا
إلا إليكَ لحيٍّ عنكَ مرْتحَلُ
فاشملْ عبادَكَ بالخيراتِ إنهمُ
على الضرورةِ والشكوى قدِ اشتملوا
واسقِ البلادَ بغيثٍ مسبلٍ غَدَقٍ
مباركٍ مُرجَحِن مزنُهُ هَطِلُ
سَحٍّ عميمٍ ملث القطر ملتعقٍ
لرعدهِ في هوامي سُحبِهِ زَجَلُ
تُكسى به الأرضُ ألوانًا مُنمنمةً
بها تعود بها أحوالُها الأُوَلُ
ويصبحُ الروضُ مُخْضَرًا ومبتسمًا
من النباتِ عليه الوَشْيُ والحُللُ
وتخصبُ الأرضُ في شامٍ وفي يمنٍ
به وتحيا سهولُ الأرضِ والجبلُ
ياربِّ عطفًا فإن المسلمين معًا
مما يقاسون في أكبادِهم شُعَلُ
وقد شكوا كلَّ ما لاقوهُ من ضررٍٍ
إليكَ يا مالكَ الأملاكِ وابتهلوا
فلا يردكَ عن تحويلِ ما طلبوا
جهلٌ لذاكَ ولا عجزٌ ولا بخلُ
ياربِّ وانصر جنودَ المسلمينَ على
أعدائهم وأعنهم أينما نزلوا
ياربَّ فارحم مسيئاً مذنبا عظُمت
منه المآثِمُ والعصيانُ والزللُ
قد أثقلَ الذنبُ والأوزارُ عاتقَهُ
وعن حميدِ المساعي عاقَهُ الكسلُ
ولا تسوِّدْ له وجهًا إذا غشيتْ
وجوهَ أهلِ المعاصي من لظى ظللُ
أستغفرُ اللهَ من قولي ومن عمل
إني امْرؤٌ ساءَ مني القولُ والعملُ
ولم أقدِّم لنفسي قطُّ صالحةً
يحطُّ عني من وزري بها الثقلُ
يا خجلتي من عتابِ اللهِ يومَ غدٍ
إن قال خالفتَ أمري أيها الرجلُ
علمتَ ما علمَ الناجونَ واتصلوا
به إليَّ ولم تعملْ بما عملوا
يارب فاغفر ذنوبي كلها كرماً
فإنني اليومَ منها خائفٌ وَجِلُ
واغفر لأهلِ ودادي كلَّ ما اكتسبوا
وحطَّ عنهم من الآثامِ ما احتملوا
واعمم بفضلكَ كلَّ المؤمنين وتُبْ
عليهم وتقبَّلْ كلَّ ما فعلوا
وصلِّ ربِّ على المختارِ من مضرٍ
محمدٍ خيرِ مَنْ يحفى وينتعلُ
وآلهِ الغُّرِّ, والأصحابِ عن طرفٍ
فإنهم غُررُ الإسلامِ والحجلِ
 
لامية للسيد الحميري في الغدير‘


هبَّ عليَّ بالمَلامِ والعَذَل
وقال كم تذكرُ بالشعر الأُوَلْ
كُفَّ عن الشرِّ فقلت لا تقل
ولا تخل أكفُّ عن خير العملْ
إنّي أُحبُّ حيدراً مُناصِحاً
لمن قفا مُواثِباً لمن نَكَلْ
أُحبُّ من آمن باللَّه ولم
يُشركْ به طَرفة عينٍ في الأَزَلْ
من غدا نفسَ الرسول المصطفى‏
صلّى‏ عليهِ اللَّهُ عند المُبْتَهلْ
وثانيَ النبيِّ في يوم الكِسا
إذ طهّرَ اللَّهُ به منِ اشتملْ
وقال خلّفْتُ لكمْ كتابَهُ
وعترتي وكلُّ هذين ثَقَلْ
فليت شعري كيف تُخلفونني
في ذا وذا إذا أردتُ المرتحلْ ؟
وجاء من مكّةَ والحجيجُ قدْ
صاحبَهُ من كلِّ سَهْلٍ وجَبَلْ
حتى‏ إذا صار بخُمٍّ جاءَهُ
جبريلُ بالتبليغِ فيهم فنزلْ
وقُمَّ ذاك الدوحُ فاستوى‏ على‏
رَحْلٍ ونادى‏ بعليٍّ فارتحلْ
وقال هذا فيكمُ خليفتي
ومن عليه في الأمور المتّكلْ
نحن كهاتين وأوما باصبَعٍ
من كفِّه عن إصبَعٍ لم تنفصِلْ
لا تبتغوا بالطّهر عنهُ بَدَلاً
فليس فيكم لعليٍّ مِن بَدلْ
ثمَّ أدارَ كفّهُ لكفِّهِ
يرفعُها منه إلى‏ أعلى‏ مَحَلْ
فقال بايعوا له وسلّموا ال
-أمرَ إليه واسلموا من الزللْ
ألست مولاكم فذا مولىً لكم
واللَّهُ شاهدٌ بذا عزَّ وجلْ
يا ربِّ والِ من يوالي حيدراً
وعادِ من عاداهُ واخذُلْ من خَذَلْ
يا شاهدي بلّغتُ ما أنزلهُ
إليَّ جبريلُ وعنهُ لم أَحُلْ
فبايَعُوا وهنَّأوا وبَخْبَخوا
والصدرُ مطويٌّ لهُ على‏ دَغلْ
فقل لمن ينقِمُ منه ما رأى‏ ؟
وقل لمن يَعدِلُ عنه لِمْ عدلْ ؟
 
قصيدة "لامية أبي شملان في نظم سور القرآن"

الحمد للرحمن ذو الإفضال
والشكر مني عند بدء مقالي
سور القران أخيا هذا نظمها
فاسأل لي التوفيق نحو معالي
مائة تليها عشرة من بعدها
اثنان ثم اثنان بعد توالي
الحمد لله بأول سورة
أعني لفاتحة كعقد لآلي
وكذا تليها بقرة من بعدها
هي أطول القران دون نزال
من بعدهن فآل عمران نسا
وكذاك مائدة بسبع طوال
أنعام والأعراف تأتي بعدها
وكذا تليها سورة الأنفال
من غير بسملة أتت هي توبة
وأتت عليها يونس في الحال
وكذاك هود ثم يوسف بعدها
والرعد إبراهيم يابن حلال
الحجر نحل ثم إسراء أتت
والكهف مريم أم خير رجال
طه تليها الأنبياء أيا أخي
والحج مفترض لصاحب مال
والمؤمنون النور تأتي بعدها
فرقان والشعراء ذاك كحالي
النمل تأتي بعدها قصص تلت
والعنكبوت الروم أهل قتال
لقمان سجدة ثم أحزاب أتت
سبأ وفاطر جل ذا الإجلال
ياسين والصافات صاد بعدها
زمر وغافر فصلت بتوالي
شورى وزخرف والدخان وبعدها
أعني لجاثية فصن لمقالي
أحقاف ثم محمد ياصاحبي
والفتح والحجرات يابن حلال
قاف تليها الذاريات أيا أخي
والطور نجم يا أخا الإفضال
قمر ورحمن وواقعة أتت
وكذا الحديد أيا أخيا الغالي
وأتت مجادلة وحشر بعدها
ممتحنة لنساء خير رجال
والصف جمعة يا أخيا لعيدنا
ومنافقون تغابن بتوالي
إن الطلاق هي النساء صغيرة
من بعدها التحريم جزء تالي
أعني تبارك سورة الملك التي
عند المنام نقولها في الحال
قلم وحاقة والمعارج بعدها
وكذاك نوح الجن في الأشكال
يتغيرون بألف شكل يا أخي
فتحصنوا للأهل والأطفال
مزمل مدثر وقيامة الـ
إنسان ثم المرسلات توالي
نبأ تليها النازعات أيا أخي
عبس وتكوير بهدم جبال
الإنفطار مطففين لوزنهم
الإنشقاق كذا البروج عوالي
الطارق الأعلى وغاشية أتت
والفجر فابدأ أول الأعمال
أعني الصلاة صلاة صبح يا أخي
وثوابها من ربنا المتعالي
بلد وشمس الليل ثم ضحى تلا
الشرح ثم التين فادري مقالي
علق وقدر ثم بينة تلت
وكذاك زلزلة لهول الحال
العاديات هي الخيول أصيلة
ترمي العدو بأسهم ونبال
وكذاك قارعة أتت ياصاحبي
تروي المصائب يوم نشر سجال
إن التكاثر في البنين لمورد
لزيارة الأجداث زور الآل
العصر فالإنسان يخسر دائما
إلا الذين لصالح الأعمال
هم عاملون لها بغير تبرم
يرجون فضل الرب ذو الإجلال
ويل لهماز بكل نميمة
والفيل فهو محمل الأثقال
وكذا قريش تلك خير قبيلة
منها رسول الله ثم الآل
وكذلك الماعون فاملأجوفه
لبنا هنيئا مروي الأوصال
يوم القيامة كوثر لشرابنا
والكافرون لهم عظيم وبال
النصر يأتي للذين تناصحوا
في الدين لا يبغون شر فعال
تبت يدا من سب آل محمد
مسد بجيد الشاتمين لآ
وختامها الإخلاص فاقبل ربنا
فلق وناس ذاك ختم مقالي
 
أعلى