المقَّري - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.. الباب السابع

رجع إلى أخبار النساء
- ومنهن العبادية جارية المعتضد عباد (1) ، والد المعتمد، أهداها إليه مجاهد العامري من دانية، وكانت أديبة، ظريفة، كاتبة، شاعرة، ذاكرة لكثير من اللغة، قال ابن عليم في شرحه لأدب الكتاب لابن قتيبية، وذكر الموسعة وهي خشبة بين حمالين يجعل كل واحد منهما طرفها على عنقه، ما صورته: وبذكر الموسوعة أغربت جارية لمجاهد أهداها إلى عباد كاتبة شاعرة على علماء إشبيلية وبالهزمة (2) التي تظهر في أذقان بعض الأحداث،وتعتري بعضهم في الخدين عند الضحك، فأما التي في القن فهي النونة، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه: دسموا (3) نونته لتدفع العين، وأما التي في الخدين عند الضحك فهي الفحصة، فما كان في ذلك الوقت في إشبيلية من عرف منها واحدة0
وسهر عباد ليلة لأمر حزبه وهي نائمة، فقال:
تنام ومدنفها يسهر وتصبر عنه ولا يصبر
فأجابته بديهة بقولها:
لئن دام هذا وهذا له ... سيهلك وجداً ولا يشعر (4) ويكفيك هذا شاهداً على فضلها يرحمها الله تعالى وسامحها (5) .
__________
(1) ترجمتها في الذيل والتكملة (آخر جزء الغرباء)، وما أثبته المقري منقول بنصه عنه.
(2) هكذا في الذيل، وفي ق: وبالفرجة.
(3) م: وسموا؛ وهي بالدال في الذيل وفوقها علامة " صح " .
(4) الذيل: ولا يصبر.
(5) وسامحها: زيادة من ق.




[SIZE=5]* نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - الباب السابع ج4 ص284[/SIZE]
المؤلفْ: المقَّري، أبو العباس
 
ومنهن: بثينة بنت المعتمد بن عباد، وأمها الرميكية السابقة الذكر، وكانت بثينة هذه نحواً من أمها في الجمال والنادرة ونظم الشعر، ولما أحيط بأبيها ووقع النهب في قصره كانت من جملة من سبي، ولم يزل المعتمد والرميكية عليها في وله دائم لايعلمان ما آل إليه أمرها إلى أن كتبت إليهما بالشعر المشهور المتداول بين الناس بالمغرب، وكان أحد تجار إشبيلية اشتراها على أنها جارية سرية ووهبها لابنه، فنظر من شأنها وهيئت له، فلما أراد الدخول عليها امتنعت،وأظهرت نسبها، وقالت: لا أحل لك إلا بعقد نكاح إن رضي أبي بذلك الذي، وأشارت عليهم بتوجيه كتاب من قبلها لأبيها، وانتظار جوابه، فكان الذي كتبته بخطها من نظمها ما صورته:
اسمع كلامي واستمع لمقالتي فهي السلوك بدت من الأجياد
لا تنكروا أني سبيت وأنني بنت لملك من بني عباد
ملك عظيم قد تولى عصره وكذا الزمان يؤول للإفساد
لما أراد الله فرقة شملنا وأذاقنا طعم الأسى عن زاد
قام النفاق على أبي في ملكه فدنا الفراق ولم يكن بمراد
فخرجت هاربة فحازني امرؤ ... لم يأت في إعجاله (1) بسداد
إذ باعني بيع العبيد فضمني .... من صانني إلا من الانكاد
وأرادني لنكاح نجل طاهر .... حسن الخلائق من بني الأنجاد
ومضى إليك يسوم رأيك في الرضى ... ولأنت تنظر في طريق رشادي
فعساك يا أبتي تعرفني به إن كان ممن يرتجى لداد
وعسى رميكية الملوك بفضلها .... تدعو لنا باليمن والإسعاد
فلما وصل شعرها لأبيها وهو بأغمات، واقع في شراك الكروب والأزمات، سر هو وأمها بحياتها، ورأيا أن ذلك للنفس من أحسن أمنياتها، إذ علما مآل أمرها، وجبرها كسرها، إذ ذلك أخف الضررين، وإن كان الكرب قد ستر القلب منه حجاب رين، وأشهد على نفسه بعقد نكاحها من الصبي المذكور، وكتب إليها أثناء كتابه مما يدل على حسن صبره المشكور:
بنيتي كوني به برة ... فقد قضى الوقت بأسعافه
وأخبار المعتمد بن عباد، تذيب الأ كباد، فلنرجع إلى ذكر نساء الأندلس فنقول:




__________
(1) دوزي: أفعاله.
 
- ومنهن حفصة بنت حمدون (1) ، من وادي الحجارة، ذكرها في " المغرب " وقال: إنها من أهل المائة الرابعة، ومن شعرها:
رأى ابن جميل أن يرى الدهر مجمل فكل الورى قد عمهم سيب نعمته
له خلق كالخمر بعد امتزاجها وحسن فما أحلاه من حين خلقته
بوجه كمثل الشمس يدعو ببشره ... عيوناً ويعشيها بإفراط (2) هيبته ولها:
لي حبيب لا ينثني لعتاب وإذا ما تركته زاد تيها
قال لي هل رأيت لي من شبيه قلت أيضاً وهل ترى لي شبيها
ولها تذم عبيدها:
يا رب إني من عبيد على جمر الغضا، ما فيهم من نجيب
إما جهول أبله متعب أو فطن من كيده لا يجيب

وقال ابن الأبار: إنها كانت أديبة عالمة شاعرة، وذكرها ابن فرج صاحب " الحدائق " وأنشد لها أشعاراًمنها قولها:
يا وحشتي لأحبتي يا وحشة متماديه
يا ليلة ودعتهم يا ليلة هي ما هيه


__________
(1) ترجمة حفصة بنت حمدون في الذيل والتكملة والسيوطي: 46 والمغرب 2: 37.
(2) م: بإطراق.
 
ومنهن زينب المرية (1) ، كانت أديبة شاعرة، وهي القائلة:
يا أيها الراكب الغادي لطيته عرج أنبئك عن بعض الذي أجد
ما عالج الناس من وجد تضمنهم ووده آخر الأيام أجتهد
15 - ومنهن غاية المنى (2) ، وهي جارية أندلسية متأدبة، قدمت إلى المعتصم بن صمادح، فأراد أختبارها فقال لها: مااسمك فقالت: غاية المنى، فقال لها: أجيزي:
اسألوا غاية المنى
فقالت:
من كسا جسمي الضنى
وأراني مولهاً سيقول الهوى أنا
هكذا أورد السالمي هذه الحكاية في تاريخه.
قال ابن الأبار: وقرأت بخط الثقة حاكياً عن القاضي أبي القاسم ابن حبيش قال: سيقت لابن صمادح جارية نبيلة تقول الشعر وتحسن المحاضرة، فقال:

تحمل إلى الأستاذ ابن الفراء الخطيب ليختبرها، وكان كفيفاً، فلما وصلته قال: ما اسمك فقالت: غاية المنى، فقال: أجيزي:
سل هوى غاية المنى من كسا جسمي الضنى
فقالت تجيزه:
وأراني متيماً سيقول الهوى أنا
حكى ذلك لابن صمادح، فاشتراها، انتهى.


__________
(1) سقطت هذه الترجمة من نسخة " م " ؛ وترجمة زينب المرية في الذيل والتكملة.
(2) ترجمة غاية المنى في الذيل والتكملة وفيه ما أورده المقري.
 
6 - ومنهن حمدة، ويقال حمدونة بنت زيادة المؤدب (1) من وادي آش، وهي خنساء المغرب، وشاعرة الأندلس، ذكرها الملاحي وغيره، وممن روى عنها أبو القاسم ابن البراق.
ومن عجيب شعرها قولها:
ولما أبى الواشون إلا فراقنا وما لهم عندي وعندك من ثار
وشنوا على أسماعنا كل غارة وقل حماتي عند ذاك وأنصاري
غزوتهم من مقلتيك وأدمعي ومن نفسي بالسيف والسيل والنار
وبعض يزعم أن هذه الأبيات لمهجة بنت عبد الرزاق الغرناطية، وكونهت لحمدة أشهر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وخرجت حمدة مرة للوادي مع صبية، فلما نضت عنها ثيابها وعامت قالت:

أباح الدمع أسراري بوادي له للحسن آثار بوادي
فمن نهر يطوف بكل روض ومن روض يرف بكل وادي
ومن بين الظباء مهاة إنس لها لبي وقد ملكت فؤادي
لها لحظ ترقده لأمر وذاك الأمر يمنعني رقادي
إذا سدلت ذوائبها عليها ... رأيت البدر في جنح الدآدي (1) كأن الصبح مات له شقيق فمن حزن تسربل بالحداد
وقال ابن البراق في سوق هذه الحكاية: أنشدتنا حمدة العوفية لنفسها، وقد خرجت متنزهة بالرملة من نواحي وادي آش فرأت ذات وجه وسيم أعجبها، فقالت - وبين الروايتين خلاف - أباح الدمع، إلى آخره، ونسب بعضهم إلى حمدة هذه الأبيات الشهيرة بهذه البلاد المشرقة، وهي:
وقانا لفحة الرمضاء واد سقاه مضاعف الغيث العميم
حللنا دوحه فحنا علينا حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمإ زلالاً ألذ من المدامة للنديم
يصد الشمس أنى واجهتنا فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم
وممن جزم بذلك الرعيني، وقال: إن مؤرخي بلادنا نسبوها لحمدة من قبل أن يوجد المنازي الذي ينسبها له أهل المشرق، وقد رأيت أن أذكر كلامه برمته ونصه: كانت من ذوي الألباب، وفحول أهل الآداب، حتى إن بعض المنتحلين تعلق بهذه الأهداب، وادعى نظم هذين البيتين - يعني: ولما أبى الواشون، إلى آخره - لما فيهما من المعاني والألفاظ العذاب، وما غره في ذلك إلا بعد دارها، وخلو هذه البلاد المشرقية من أخبارها، وقد تلبس بعضهم أيضاً بشعارها، وادعى غير هذا من أشعارها، وهو قولها: وقانا لفحة الرمضاء واد، إلى آخره، وإن هذه الأبيات نسبها أهل البلاد للمنازي من شعرائهم، وركبوا التعصب في جادة ادعائهم، وهي أبيات لم يخلبها غير لسانها، ولا رقم برديها غير إحسانها، ولقد رأيت المؤرخين من أهل بلادنا وهي الأندلس أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى الوجود، ويتصف بلفظة الموجود، انتهى.
وهو أبو جعفر الأندلسي الغرناطي، نزيل حلب.
وحكى ابن العديم في تاريخ حلب ما نصه: وبلغني أن المنازي عمل هذه الأبيات ليعرضها على أبي العلاء المعري، فلما وصل إليه أنشده الأبيات، فجعل المنازي كلما أنشد المصراع الأول من كل بيت سبقه أبو العلاء إلى المصراع الثاني الذي هو تمام البيت كما نظمه، ولما أنشده قوله:
نزلنا دوحة فحنا علينا
قال أبو العلاء:
حنو الوالدات على الفطيم
فقال المنازي: إنما قلت " على اليتيم " فقال أبو العلاء: الفطيم أحسن، انتهى.
وهذا يدل على أن الرواية عنده " حنو الوالدات " وقد تقدم المرضعات، والله تعالى أعلم.
وقال ابن سعيد: يقال لنساء غرناطة المشهورات بالحسب والجلالة " العربيات " لمحافظتهن على المعاني العربية، ومن أشهرهن زينب بنت زياد الوادي آشي، وأختها حمدة، وحمدة هي القائلة وقد خرجت إلى نهر منقسم الجداول بين الرياض مع نسائها فسبحن في الماء وتلاعبن:
أباح الدمع أسراري بوادي
الأبيات، انتهى.

__________
(1) ترجمة أحمد (أو حمدونة) بنت زياد في التكملة (رقم: 2120) والإحاطة 2: 498 وتحفة القادم: 162، المطرب: 11 والسيوطي: 48 والذيل والتكملة، وابوها هو زياد بن بقي العوفي، وهي أخت زينب.


(1) في الأصول: أفق السودا؛ واخترنا رواية ابن عبد الملك؛ والدآدي: ثلاث ليال من آخر الشهر؛ وفي المطرب: رأيت الصبح أشرق في الدآدي.
 
أعلى