يوسف الساكت - هند بنت النعمان… عميدة سحاقيات العرب

يعتبر السحاق من الظواهر الجنسية في المجتمع العربي في العصر الجاهلي. ويرجح المؤرخ إبراهيم كامل أحمد أن السحاق وفد على العرب من الحيرة (قصبة الملوك المناذرة في العراق على بعد خمسة كيلومترات جنوبي الكوفة وكان أهلها من النصارى) فظهر أول الأمر في الحيرة، حيث الترف في قصور المناذرة.
ويحكى أن هند بنت النعمان الثالث ملك الحيرة (580 – 602 م) أحبت بعد مقتل زوجها امرأة اسمها زرقاء اليمامة، أو «الرائية عن بعد»، وهي امرأة من جديس قيل إنها كانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام وضرب بها المثل «أبصر من زرقاء اليمامة»، وساحقتها، فكانت أول امرأة هويت امرأة في العرب، ثم انتشر السحاق بين النساء في ما بعد.
وفي عصر الخلافة والعصر الأموي، ومع الرغبة في الجماع شاع السحاق في المدينة. ويقال إن خبر ذلك بلغ حُبىّ المدينية (وهي امرأة شبقية عاشت في زمن ولاية مروان بن الحكم، علمت النساء فن الهوى فسموها حواء وكانت مزواجا حتى في آخر عمرها، وضرب بها المثل في الغلمة فقيل «أغلم من حبى») أتت إلى نساء المدينة وقالت لهن: «بلغني أنكن أحدثتن شيئا يقال له السحق، تستغنون به عن الرجال»، فقلن لها: «ليس هذا هو المعنى، ولكنه خير من الحبل الذي فيه الفضيحة»، فقالت: «لا يخدعنكن خادع عن الرجال».
وفي العصر العباسي والذي يسميه بعض الباحثين في التاريخ الجنسي للعرب «عصر الجنس»، وكما كان هناك من يدعو إلى الجماع أو إلى اللواط، فقد ظهر فريق جديد من النساء يدعو إلى السحق. بل قامت معركة بين الجماع والسحاق. وكانت بعض النساء يبدأن بالجماع ويملن إلى السحاق، وأخريات يعدلن عن السحاق إلى الجماع، ويكون في السحاق عادة ما يكون في الجماع: محُبة ومحبوبة، وتعمل كل منهما على التجمل والتظرف حتى تكون شهية مقبولة.
وكما وضعوا للجماع واللواط أنواعا وضروبا، فقد وضعت النساء ضروبا للسحاق كثيرة منها الضفدعي، والشراعي، والمخالف، والمؤالف، والاستكلاب، وغير ذلك. وكذلك وضعوا آدابا للسحاق بينوا فيها كيف تكون المتساحقتان. وقد كانت هذه الآداب، متبعة بدقة في الطبقات الأرستوقراطية الغنية، أكثر منها في الطبقات الشعبية. ففي الطبقات الدُنيا كانت الأمور لا تخلو من الابتذال أحيانا.
ولم يخل كتاب من كتب الباه (الجنس) من ذكر السحاق. ففي كتاب “نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب” للسموأل بن يحيى بن عباس المغربي الإسرائيلي الحاسب المتوفى سنة 576هـ – 1180م، خصص الفصل السادس لذكر العلة في عدول بعض الناس بالباه عن المجرى الطبيعي، وعلة إيثار بعض العقلاء الغلام على الجارية وإيثار بعض النسوان السحق. وكذلك في كتاب «نزهة الألباب في ما لا يوجد في كتاب» لأحمد بن يوسف التيفاشي المغربي المتوفي سنة 651هـ – 1253م.
وكان أحمد بن يوسف التيفاشي المغربي أديبا شاعرا، وهو مؤلف كتاب «سرور النفس» خصص فصل بعنوان «في أدب المساحقات ونوادر أخبارهن وملح أشعارهن»، وفي كتاب «رجوع الشيخ إلى صباه»، الذي ترجمه ابن كمال باشا بناء على طلب السلطان سليم الأول العثماني فصل بعنوان «الأدوية التي تطيب السحق إلى النساء حتى يشتفين به عن جميع ما هن فيه، ويأخذهن عليه الهيمان والجنون.
وازدهر التأليف في الأمور الجنسية ازدهارا عجيبا، فقد أصبح ضرورة اجتماعية. وأَضيف إلى التأليف تزيين الكتب بصور بالألوان لمختلف الأوضاع.
ويحكى عن الطبيب “ابن ماسويه” أنه قال: «قرأت في الكتب القديمة أن السحق يتولد من تغذي المرضعة الكرفس والجرجير والحندقوق، فإن أكثرت منه وأرضعت نقلت ذلك إلى شفري المولودة، فتتولد هناك الحكة، وهذا الداء هو بغاء النساء».

يوسف الساكت
 
أعلى