يوسف رزين - أنثروبولوجيا الحرام

أحيانا أتساءل كباحث ، هل فكرت إحدى المؤسسات الدينية بإعداد دراسة حول الحرام ؟ هل حاولت و لو لمرة أن تفهم لماذا يلقى خطابها صدودا من طرف البعض من الناس ؟ علما أن هذا البعض قد يكون الجزء الغالب منهم . لماذا ينساق الناس زرافات و وحدانا وراء الحرام رغم جزرة الجنة و عصا النار ؟ ماذا لو حاولنا تفكيك هذا السلوك الإنساني من منظور انثروبولوجي ؟ علما أن الانثروبولوجيا هي العلم الذي يسعى إلى فهم الإنسان في شتى تمظهراته .فكيف يا ترى ستقارب لنا هذا الموضوع ؟
يمكن القول في هذا الصدد أن لجوء الإنسان إلى ارتكاب الحرام –رغم الوعيد الديني- يدخل في خانة "معارضة المقدس" كما ذكر الكاتب صادق جلال العظم في كتابه "ذهنية التحريم" . هذه المعارضة قد تصل إلى درجة الثورة على المقدس و الرغبة في الثأر منه ، و في حالات اخف تكون كتعبير عن عدم الاقتناع به . الإنسان هنا يدخل في علاقة جدلية مع المقدس ، يشعر بأنه يهدد وجوده أو يخنقه أو يضايقه ، لهذا حينما يعي ذاته يعلن عن تمرده و معارضته و عصيانه ، هذا العصيان يمنحه الشعور بالحرية و الاستقلالية و امتلاك المصير ، أحيانا يكون كتعبير عن الرغبة في الانتقام من المقدس لأنه خذله و لم يحقق له تطلعاته .
إذن من خلال ارتكاب الإنسان لمحرم ديني فانه يرغب في الإعلان عن ذاته و إن بطريقة مشوهة حسب المعايير الدينية لكن من خلالها يعلن انه قد خرج عن دائرة المقدس و أعلن عن كيانه الخاص و هذا الإعلان حسب تقديرنا يتخذ أربعة أشكال و هي :
1- التحرر و هدم الأسوار : ثنائية الحلال و الحرام تتطابق هنا تماما مع ثنائية الهو و الأنا و لأن الأنا الدينية لا تسمح بأي قدر من الحركة للهو فإن هذا الأخير يعبر عن نفسه من خلال ممارسات ممنوعة كشرب الخمر و الزنا و الشذوذ و الأدب الفاحش ( شعر أبي نواس ، رواية لوليتا ..)
2- الانتقام : يشعر الإنسان بان المقدس خصم له ، بأنه نقيض له ، يعجز عن التعايش معه ، فيعبر عن كراهيته له و ينتقم منه كأن يسب الرب أو الدين أو تمزيق المصحف ( حادثة الوليد بن اليزيد ) او سرقة الحجر الاسود كما فعل القرامطة سنة 317ه.
3- السخرية : على عكس المنطق التبجيلي يعمد الإنسان حينما يتموضع خارج دائرة المقدس إلى الاستهزاء به و أنسنته فيطلق النكات على الله أو الأنبياء أو الصحابة أو الجنة و النار ..الخ من الرموز الدينية ، أو يؤلف أعمالا أدبية ساخرة من المقدس كرواية " آيات شيطانية " لسلمان رشدي أو "بانتاغرويل" لفرانسوا رابيليه .
4- تغيير الولاء : و من خلاله يعلن الإنسان خيبة أمله في المقدس فيلجأ إلى خصمه المفترض و يمنحه ولاءه و هو ما يعبر عنه بعبادة الشيطان أو الجن فيقدم لهم القرابين لكسب رضاهم كما يحدث في احتفال الليلة الكناوية بالمغرب حيث يتم ذبح جدي اسود ثم شرب دمه و التغني طوال الليلة بالملوك السبعة للجن و مناجاتهم .
في النهاية يمكن القول أن ارتكاب الحرام بشكل سري أو علني داخل المجتمع هو دليل على انعدام التناغم مع المقدس الديني نتيجة علاقة متوترة مبنية على إحساس بعدم الإشباع المادي ، لهذا فهو يأخذ شكل الثورة على الروحانية المتكلسة التي تفرضها المؤسسة الدينية ، فيدين من خلالها المقدس و يعلن بأنه عاجز عن تلبية تطلعاته المادية خصوصا ، و في نفس الوقت يرسل رسالة مشفرة إلى المؤسسات الدينية مفادها أنها لن تستطيع كبح حريته ، لهذا لا يغدوا مثيرا أن تكون أعلى نسبة زنا محارم هي تلك التي توجد بالسعودية ، البلد السني المتشدد . لهذا في ختام هذه الدراسة الانثروبولوجية أود أن أتوجه بتوصية صغيرة إلى المؤسسة الدينية كيفما كانت ، و هي أن تعيد النظر في خطابها الديني و مدى ملاءمته لنفسية الإنسان و رغباته المادية و إلا فإنها ستصبح في واد و المجتمع في واد آخر .
 
أعلى