قصة قصيرة هاروكي موراكامي - سامسا عاشقا.. ت: أحمد شافعي

(1ـ2)

استيقظ ليكتشف أنه تحوَّل فأصبح جريجور سامسا.
استلقى على ظهره في السرير ناظرا إلى السقف. استغرق وقتا حتى اعتادت عيناه الضوء المنخفض. ثم بدا له السقف مألوفا، سقفا عاديا كالذي ربما يصادفه المرء أينما ذهب. لعله ذات يوم كان مطليا بالأبيض، أو ربما بلون القشدة الفاتح، لكن سنين من الغبار والتراب أحالته إلى لون اللبن الحامض. يخلو من الزخارف، ومن أي سمة مميزة. ما من معنى فيه أو رسالة. فقط يقوم بدوره الهيكلي غير طامح إلى تجاوزه.
في أحد جوانب الغرفة، عن يساره، شباك طولي، لكن ستارته أزيلت ووضعت بدلا منها ألواح سميكة ثبتت بالمسامير في إطار الشباك، وقد تُرك بين الألواح فاصل عرضي يبلغ اتساعه نحو بوصة، ولم يكن واضحا أهو متروك عن عمد أم عن سهو، لكنه في كل حال كان يسمح بمرور أشعة شمس الصباح مشكِّلة على الأرضية صفًّا من خطوط الضوء المتوازية. ولكن لماذا كانت النافذة محصَّنة بتلك الطريقة الجهمة؟ أكانت في الأفق عاصفة مثلا أو إعصار؟ أم لمنع شخص من الدخول؟ أم لمنع شخص (ربما يكون هو نفسه؟) من الخروج؟
مستلقيا لم يزل، بدأ يدير رأسه ببطء متأملًا بقية الغرفة. لم ير فيها أثاثا، اللهم إلا السرير الذي كان مستلقيا عليه. لا تسريحة، لا مكتب، لا مقعد. ولا على الجدران لوحة، أو ساعة أو مرآة. لا مصباح ولا إضاءة. ولا أمكنه حتى أن يرى بساطا على الأرض أو فرشا من أي نوع للخشب العاري. كانت الجدران مكسوة بورق زخارفه معقدة التصميم لكنه بالغ القدم والاهتراء فكان من قبيل المستحيلات تبيُّن تصميم زخارفه تلك.
ربما كانت الغرفة ذات يوم غرفة نوم طبيعية. ولكن كل مظاهر الحياة الإنسانية الآن مُزالة لا أثر لها. لم يبق منها جميعا إلا سريره الوحيد في وسط الغرفة. وحتى هذا لم يكن فيه من السرير إلا المرتبة، فلا ملاءات عليه ولا أغطية ولا وسادة، إنما هي المرتبة وحدها، وهي أيضا شديدة القدم.
لم يكن سامسا يعرف أين هو، أو ما ينبغي له أن يفعله. كل ما كان يعرفه هو أنه الآن إنسان اسمه جريجور سامسا. وكيف عرف هذا؟ ربما همس أحد بهذا في أذنه وهو نائم؟ ولكن من كان قبل أن يصبح سامسا؟ أو ماذا كان؟
وفي اللحظة التي بدأ فيها يتأمل هذا السؤال، إذا بشيء كما لو كان عمودا من البعوض الأسود يحوم في رأسه. ومضى العمود يتكاثف ويتعاظم وهو ينتقل إلى جزء أرق في مخه، دون أن يكف في طريقه عن الطنين. قرر سامسا أن يتوقف عن التفكير. وكانت محاولة التفكير في أي شيء آخر في تلك المرحلة عبئا ثقل عليه أن يحمله.
على أية حال، كان عليه أن يتعلم كيف يحرّك جسمه. فما كان يمكن أن يبقى إلى الأبد محملقا في السقف. وكان وضعه ذلك يتركه غير مؤمّن بالمرة، بلا أدنى فرصة للنجاة من هجمة تشنها مثلا طيور مفترسة. في الخطوة الأولى جرَّب أن يحرك أصابعه. كان لديه منها عشرة، عشرة أشياء طوال ملحقة باليدين، وكلٌّ منها مزوَّد بعدد من المفاصل التي تجعل ضبط التوازن بين حركاتها مسألة بالغة التعقيد. ولزيادة الطين بلة، كان يشعر في جسمه بخدر، وكأنه غارق في سائل لزج ثقيل، فلم يستطع أن يبث القوة في أطرافه.
ومع ذلك، وبعد محاولات وإخفاقات متكررة، وبعد إغماضه وتركيزه، أمكنه أن يجعل أصابعه أكثر خضوعا لسيطرته، وقليلا قليلا بدأ يتعلم كيف يجعلها تعمل مع بعضها البعض. ومع بدء أصابعه في العمل أخذ الخدر الذي كان يغلف جسمه في الانسحاب. وحل محله ألم مضن، فكأنما ساحل نكد أغبر انسحب عنه موج وانحسر.
مر وقت على سامسا قبل أن يدرك أن ألمه هذا جوع. فقد كانت هذه الرغبة الضارية إلى الطعام جديدة عليه، أو هو على الأقل لم يكن يتذكر أنه مرَّ بمثل هذا. كان وكأنه لم يضع في فمه لقمة منذ أسبوع. وكأنما مركز جسمه الآن قد بات غارا خاويا. صَرَّت عظامه، وتقلصت عضلاته، وتشنجت أعضاؤه.
عاجزا عن احتمال الألم أكثر من ذلك، ارتكز سامسا بمرفقيه على المرتبة، وقليلا قليلا، راح يرفع نفسه. وفي ثنايا ذلك كانت طرقعات عديدة ومقرفة تصدر عن عموده الفقري. وحدثته نفسه، يا إلهي، كم مضى عليّ وأنا مستلق هنا؟ كان جسمه يقاوم كل حركة. لكنه يكافح، مستحثا قواه، إلى أن أمكنه في النهاية أن يستوي جالسا.
وفي فزع رأى سامسا جسمه العاري. كم بدا له عليلا، بل أسوأ من العليل. فلم يكن لديه من وسائل الدفاع الذاتي أيُّ شيء. بشرة جلدية بيضاء (يتناثر عليها قدر تافه من الشعر) تظهر عبرها أوعية دموية زرقاء واهية، وبطنٌ لينةٌ بلا حماية، وقضيبٌ سخيف مستحيل التصميم، وأذرع وسيقان في غاية النحول والسقم (ومن كل اثنان لا أكثر)، وعنقٌ هزيل قابل للانكسار، ورأسٌ هائل شائه على قمته دغلٌ من الشعر المتكلس، وتبرز منه أذنان عبثيتان هما في نتوئهما أشبه بمحارتين. أكان هذا الشيء هو نفسه فعلا؟ أيمكن لجسم بهذه الغباوة، سهل التحطم إلى هذه الدرجة (فما من صَدَفَةٍ يدافع بها، وما من سلاح يهاجم به) أن يبقى في العالم؟ لماذا لم يتحول إلى سمكة؟ أو عبَّادة شمس؟ فهذه وتلك منطقيتان. أكثر منطقية على الأقل من هذا الكائن البشري جريجور سامسا.
متأهبا، أنزل ساقيه عن طرف السرير إلى أن مس بعقبيهما الأرض. وما مسها حتى جعلته البرودة غير المتوقعة يشهق، وبعد إخفاقات كثيرة جعلته يتهاوى على الأرض، أمكنه في النهاية أن يتوازن على قدميه. وقف هناك، بكثير من الرضوض والتقرحات، مستندا بإحدى يديه على ظهر السرير، وقد شقَّ عليه أن يقيم رأسه الثقيل. كانت رائحة العرق تفوح من إبطيه، وقضيبه منكمش من فرط ما بذله من جهد. وكان عليه أن يتنفس كثيرا وبعمق إلى أن تبدأ عضلاته المتوترة في الانبساط.
وما كاد يألف الوقوف، حتى كان عليه أن يتعلم المشي. وكان المشي على ساقين اثنتين يرقى إلى العذاب الحق، ففي كل حركة ألمٌ مضنٍ. ومهما تكن نظرته إلى الأمر، كان التقدم بساقيه اليمنى واليسرى كل بعد الأخرى نهجا غريبا يهزأ بكل قوانين الطبيعة، أما المسافة الرهيبة بين عينيه والأرض فقد بعثت الرعب في أوصاله. كان عليه أن يؤالف بين فخذيه وركبتيه، وكلما كان يخطو إلى الأمام خطوة، ترتعش ركبتاه، فيستند بكلتا يديه على الجدار.
لكنه علم أنه لا يمكن أن يبقى في الغرفة إلى الأبد. لأنه لو لم يعثر على الطعام، وبسرعة، فإن بطنه المتضورة ستبدأ في استهلاك لحم جسمه، وسرعان ما لن يكون له وجود.
مضى يترنح باتجاه الباب مستندا في طريقه على الجدار. بدت الرحلة كما لو كانت استغرقت ساعات، برغم أنه لم يكن يمتلك وسيلة لقياس الوقت، إلا بألمه. كانت حركته خرقاء، وإيقاعه سلحفائيا، ولم يكن بوسعه التقدم إلا معتمدا على شيء. وأفضل ما يمكن أن يصادفه في الشارع أن يتصوره الناس معاقا.
فهم مقبض الباب فجذبه، لكنه لم يستجب. دفعه فلم يستجب. ثم حركه يمينا وجذب، فانفتح الباب بصرير خافت. مدَّ رأسه من فتحة الباب ونظر. كانت الطرقة خالية، هادئة كأنها قاع المحيط، أخرج ساقه اليسرى من الباب، ودفع بنصف جسمه العلوي مخرجا إياه، وقد تشبث بيد في إطار الباب، ثم سحب ساقه اليمنى. تحرك في الطرقة ببطء، ويداه على الجدار.
في الطرقة أربعة أبواب، منها الباب الذي فتحه للتو. كلها متماثلة الخشب الداكن. فما الذي وراءها، أو من؟ ودَّ لو يفتحها جميعا ويكتشف. فلعله حينئذ يبدأ في فهم الظروف الغامضة المحيطة به، أو يكتشف على أقل تقدير مفتاحا ما للغز. لكنه مر بالأبواب بابا بعد باب حريصا ألا يصدر عنه صوت، وقد تغلبت حاجته إلى ملء بطنه على فضوله. كان عليه أن يعثر على شيء حقيقي يأكله. وكان ساعتها قد عرف أين يعثر عليه.
ليس عليك إلا أن تقتفي الرائحة، هكذا حدثته نفسه وهو يتشمم. كان ثمة شذا طعام مطبوخ، جزيئات ضئيلة تسبح إليه في الهواء. كانت المعلومات التي جمعتها في أنفه مُستقبِلات الشم قد نقلت إلى مخه، فأفرزت فيه توقعا بالغ الوضوح، وشهوة في غاية العنف، فشعر بأحشائه تتلوى ببطء، كأنما هي واقعة تحت آلة تعذيب قاسية. وامتلأ فمه باللعاب.
ولكنه لكي يصل إلى مصدر هذه الشذا كان لا بد أن ينزل سلما من سبع عشرة درجة. كان يصعب عليه أصلا أن يسير على أرض مستوية، فكان خوض غمار تلك السلالم كابوسا حقيقيا ينتظره. تشبث في سور السلم بكلتا يديه وبدأ النزول، وقد أوشكك كاحلاه الهزيلان على الانهيار من وطأة ثقل جسمه، وأوشك أن يتهاوى على الدرجات.
وما الذي كان في رأس سامسا وهو يشق طريقه نازلا السلم؟ السمكة وعبّادة الشمس في أغلب الوقت. لو كنت تحولت إلى سمكة أو عبّادة شمس، لأمكنني أن أعيش حياتي كلها في سلام، دونما كفاح في صعود سلم كهذا أو نزوله.
ولما بلغ سامسا أسفل الدرجات السبع عشرة، فرد قامته، واستجمع ما بقي لها من فضلات قوته، ومضى يتنقل باتجاه الرائحة المثيرة. عبر الصالة عالية السقف وخطا عبر باب غرفة الطعام المفتوح. كان الطعام موضوعا على مائدة بيضاوية كبيرة حولها خمسة مقاعد، ولكن لا أثر لأحد. فقط نفثات من البخار تتصاعد من أطباق التقديم. ومزهرية زجاجية فيها سوسنات كثيرة تحتل منتصف المائدة. كان ثمة أربعة أماكن وضعت فيها المناشف وأدوات المائدة وواضح أنها لم تمس بعد. بدا وكأن ناسا كانوا جالسين لتناول إفطارهم قبل دقائق معدودات، حينما وقع على غير انتظار حدثٌ مفاجئٌ جعلهم يسارعون بالخروج. فماذا جرى؟ وإلى أين ذهبوا؟ أو إلى أين سيقوا؟ تراهم يرجعون لتناول الإفطار؟
ولكن سامسا لم يكن لديه من الوقت ما يضيّعه في تأمل هذه الأسئلة. تهاوى على أقرب مقعد، وراح يختطف ما تصل إليه يداه من طعام فيحشره في فمه، غير مبال بالسكاكين والملاعق والشوك والمناشف. كان يقطع الخبز لقيمات يغمسها في المربى أو الزبدة، ويلتهم قطعة السجق المسلوقة البدينة بأكلمها، ويبلع البيض المسلوق بسرعة حتى كاد ألا يقشره، ويغرف ملء يديه من البطاطس المهروسة الساخنة، ويتناول المخلل بأصابعه. كان يمضغ كل ذلك معا، ويتبعه بجرعات من إبريق الماء يبلع بها ما يعلق في ثنايا فمه. ولم يكن للمذاق وزن. سواء لديه اللذيذ والبغيض، والمتبّل والحامض، المهم أن يمتلئ الغار الخاوي بداخله. فكان يأكل بكل تركيز وكأنه يسابق الزمن، منهمكا في الأكل إلى درجة أنه أخطأ وعضّ أصابعه وهو يلعقها، وتناثر من حوله فتات الطعام في كل موضع، وعندما وقع طبق على الأرض فتهشم لم يعره أدنى اهتمام.
ولما أكل كفايته واضطجع يلتقط أنفاسه، لم يكن قد بقي أمامه من الطعام أي شيء تقريبا، وباتت المائدة في حالة يرثى لها، فكأن سربا من الغربان المتناحرة دخل من الشباك المفتوح فحط عليها والتهمها ثم طار خارجا. الشيء الوحيد الذي لم يمس هو مزهرية السوسن، ولو لم يكن الطعام كفاه، فلعله كان ليأكلها.
جلس طويلا وهو يشعر بالدوار، ويداه على المائدة، يحملق في السوسن بعينين نصف مغمضتين، يتنفس بعمق وببطء، بينما الطعام الذي التهمه يمضي في طريقه داخل جهازه الهضمي، من المريء إلى الأمعاء. بينما راح إحساس الشبع يتملكه مثل مَدٍّ يعلو. تناول إبريقا معدنيا وصبَّ قهوة في فنجان أبيض من السيراميك، وأحيا العبق القوي فيه ذكرى ما، لم تنكشف له على الفور، بل وصلته على مراحل. بدت ذكرى إحساس غريب، كأنه يجمع الحاضر من المستقبل، وكأن الزمن انشقّ بطريقة ما إلى شقين فصار ما كان وما هو كائن يدوران في دائرة مغلقة، كل يتبع الآخر. أضاف بكرمٍ القشدةَ إلى القهوة وقلَّبها بإصبعه، وشرب. كان في القهوة، وإن بردت، بقايا من الدفء، فكان يستمهلها في فمه ثم يتركها تتقاطر ببطء إلى حلقه، وقد وجد أنها تهدئه بعض الشيء.
بغتة شعر بالبرد. وكانت عضة الجوع من قبل تطغى على أحاسيسه الأخرى، والآن وقد شبع، راحت قشعريرة الصباح على جلده تجعله يرتعش. كانت النار انطفأت، ولم يبد أن التدفئة تعمل، وكان فوق ذلك كله عاريا تماما، حتى قدماه كانتا حافيتين.
عرف أنه لا يد أن يعثر على ما يرتديه، فبحاله ذلك كان يشعر ببرد قارس. ثم إن افتقاره إلى الملابس كان ليمثل مشكلة إن ظهر أحد. قد يطرق أحد الباب. أو ربما يرجع الذين كانوا هنا موشكين على الجلوس لتناول الإفطار. ومن يدري أي رد فعل يمكن أن يصدر عنهم إن رأوه على هذه الحال؟
فهم ذلك كله. لم يحدسه، مثلا، أو يدركه بأية طريقة عقليا، ولكنه عرفه، عرفه نقيا وبسيطا. لم تكن لسامسا دراية بمصدر هذه المعرفة. فلعلها كانت ترتبط بدوامة الذكريات الجارية في ذهنه.
قام واتجه إلى الصالة. كانت مشيته لم تزل خرقاء، لكنه بات الآن قادرا على الأقل أن يقف ويسير على ساقيه دونما تشبث في شيء. رأى في الصالة مشجبا من الحديد المشغول عُلِّقَ فيه العديد من العكاكيز فتناول واحدا أسود مصنوعا من خشب البلوط يستعين به على التنقل وقد بثَّ مقبضه القوي في نفسه الارتياح والشجاعة. صار لديه الآن سلاح يرد به العدوان إن حدث وهاجمته الطيور. مضى إلى الشباك ونظر من فاصل بين الستائر المثقَّبة.
كان البيت يطل على شارع غير بالغ الضخامة، لا يمر فيه الكثيرون. لكنه لاحظ أن كل مارٍّ فيه كان مرتديا كامل الثياب. وكانت الثياب من مختلف الألوان والأشكال. وثياب النساء تختلف عن ثياب الرجال. والجميع يضعون أقدامهم في أحذية من جلود قوية، وقليل منهم يتخايل بأحذية لامعة براقة، وصل إلى أذنيه وقعُ كعوبها على البازلت. كان كثير من الرجال والنساء يلبس القبعات، ولا يبدو عليهم أنهم يتوقفون كثيرا أو قليلا عند مشيهم على ساقين أو تغطيتهم أعضاءهم الجنسية. قارن سامسا صورته المنعكسة على مرآة طولية في الصالة بأشكال السائرين بالخارج. كان الرجل الذي طالعه في المرآة كائنا بائسا بادي الضعف والهشاشة، ملطخ البطن بسوائل من طعامه، وفتات الخبز عالق في شعر عانته كأنه نتف القطن. أزال بيده القذارة.
عاد يحدث نفسه أن نعم، لا بد أن أجد ما أغطي به جسمي.
عاود النظر إلى الشارع باحثا هذه المرة عن الطيور. لكنه لم يرى طيورا هناك.
يتألف طابق البيت الأرضي من طرقة وصالة وغرفة طعام ومطبخ. وبحسب ما يبدو له، لم يكن في أي من هذه شيء شبيه أي شبه بالثياب. مما يعني أن الخلع والارتداء حتما يجريان في مكان آخر. ربما في إحدى غرف الطابق الثاني.
عاد سامسا إلى السلم وبدأ يرتقيه. واندهش لما اكتشف أن الصعود أسهل بكثير من النزول، فقد سهل عليه وهو متشبث بسور السلم أن يرتقي الدرجات السبع عشرة بسرعة أكبر بكثير وبغير ألم مفرط أو خوف، متوقفا مرات عديدة في طريقه (وإن لم تطل أية مرة منها) ليلتقط أنفاسه.
يمكن القول إن الحظ كان حليفه، فلم يكن أي من أبواب غرف الطابق الثاني مغلقا بالمفتاح. كل ما كان عليه القيام به هو أن يدير المقبض وبدفع الباب فتنفتح له الأبواب واحدا بعد الآخر. هي إجمالا أربع غرف، وباستثناء الغرفة المرعبة ذات الأرضية العارية التي استيقظ فيها، فالغرف جميعا مؤثثة بطريقة مريحة، ففي كلٍّ منها سرير مفروش فرشا نظيفا، وتسريحة، ومكتب، ومصباح مثبت إما في السقف أو في جدار، وسجادة على الأرض أو بساط ذو زخارف معقدة. والكتب مصفوفة بانتظام على رفوفها والجدران مزينة بلوحات مناظر طبيعية في إطارات جميلة. وفي كل غرفة مزهرية زجاجية ممتلئة بزهور يانعة. وما من شباك في أي غرفة مسدود بألواح مثبتة بالمسامير، بل تغطيها جميعا ستائر ينصبّ نور الشمس عبر ثقوبها انصباب رحمة علوية. ويظهر من جميع الأسرَّة أن هناك من نام فيها مؤخرا، فقد رأى سامسا آثار الرؤوس على الوسائد.
عثر سامسا على مئزر نوم يناسب قياسه في خزانة الغرفة الكبرى، بدا له شيئا يمكنه التعامل معه، أما بقية الثياب فلم يتصور ما الذي يمكن أن يفعله فيها، كيف يمكنه أن يرتديها، فقد كانت، ببساطة، بالغة التعقيد، فيها على سبيل المثال الكثير للغاية من الأزرار، علاوة على أنه لم يستطع أن يميّز وجهها من قفاها، أو أعلاها من أدناها. ما الذي ينبغي أن يكون في الخارج وماذا بالداخل؟ أما مئزر النوم في المقابل فكان بسيطا عمليا خاليا إلى حد كبير من الزخارف، وقماشه خفيف ناعم مريح على جلده، ولونه أزرق داكن. ثم إنه عثر على شبشب يليق معه.
وضع المئزر على جسمه العاري وبعد كثير من التجارب نجح في ربط حزامه حول خصره، ثم نظر إلى نفسه في المرآة وقد بات الآن مستورا في مئزر وشبشب، وكان ذلك ولا شك خيرا له من التجول عاريا. من المؤكد أن ما لبسه لم يوفر له ما كان يلزمه من الدفء، ولكنه كان كافيا للحيلولة دون البرد ما بقي في مكان مغلق. والأهم على الإطلاق أنه لم يعد متخوفا من أن يبدو جلده الطري مكشوفا للطيور الكواسر.
عندما رن جرس الباب، كان سامسا نائما في غرفة البيت الكبرى (وفي أكبر أسرَّته)، ينعم بالدفء تحت لحاف من الريش يلفه لفا فكأنه نائم بداخل بيضة. استيقظ من حلم، لم يستطع أن يتذكر تفاصيله، لكنه كان يشعر بالبهجة والسرور. وأخذت أصداء رنين الجرس تتردد في البيت ساحبة إياه مرة أخرى إلى برودة الواقع.
انتزع نفسه من السرير، وأحكم حزام المئزر، لبس الشبشب الأزرق الداكن، وتناول العكاز، وأخذ يتمايل نازلا الدرجات وقد استند بإحدى يديه على السور، وكان أسرع وأيسر من المرة الأولى، ولكن خطر الوقوع كان لا يزال قائما، ولم يكن هو ليتخفف من تحسبه واحتراسه، فأبقى عينيه على قدميه، وتلمَّس خطاه وهو ينزل الدرجات واحدة بعد واحدة، بينما الجرس يواصل الرنين. ومهما يكن الشخص الذي يضع إصبعه على الزر لا بد أن يكون أكثر الناس عنادا وأقلهم صبرا.
اقترب سامسا من الباب والعكاز في يده اليسرى. حرّك مقبض الباب يمينا وجذبه فانفتح الباب.
كانت امرأة دقيقة الحجم واقفة بالخارج. بل دقيقة الحجم للغاية، حتى أن وصولها إلى زر الجرس أمر عجيب، لكنه حينما أمعن النظر أدرك أن الأمر لا يتعلق بدقة حجمها، بل بظهرها بالذات، فقد كان منحنيا إلى الأمام انحناءة دائمة، وهو ما يجعلها تبدو أصغر حجما، برغم أن قوامها في واقع الأمر طبيعي الأبعاد. كانت قد عقدت شريطا مطاطيا لتحول دون انسدال شعرها على وجهها، وكان شعرها شديد الغزارة كستنائيا داكنا. كانت ترتدي سترة قديمة من صوف التويد على جيبة واسعة بعض الشيء وطويلة تصل إلى كاحليها، وتلف حول عنقها وشاحا قطنيا مخططا، ولم تكن ترتدي قبعة، أما حذاؤها فكان من النوع المائل إلى الاستطالة المزود بالأربطة. وكان يبدو عليها أنها في مطلع العشرينيات، فلم يزل فيها سمتٌ بناتي ما. عيناها واسعتان، وأنفها دقيق، وشفتاها منحرفتان قليلا إلى أحد الجنبين، كأنهما هلال هزيل. ولها حاجبان داكنان يمتدان فوق عينيها خطا مستقيما بعرض جبهتها فيضفيان عليها منظرا مريبا.
قالت المرأة وقد رفعت رأسها تنظر إليه "أهذا منزل آل سامسا؟" ثم لوت جسمها كلها تماما كما تلتوي الأرض أثناء زلزال عنيف.
أحس بالروع لأول وهلة ولكنه تمالك نفسه. قال "نعم". فبما أنه جريجور سامسا، لا بد أن يكون هذا هو منزل آل سامسا. ولا ضير على أية حال من قول نعم.
ولكن الإجابة لم تبد مرضية للمرأة. فقد عبس وجهها. ربما لأنها استشعرت في نبرة صوته بعض الارتباك.
احتدّ صوتها وهي تقول "هذا منزل آل سامسا، فعلا؟" فكأنها بواب عمارة متمرس يسحق زائرا وضيعا.
قال سامسا "أنا جريجور سامسا" بأهدأ نبرة استطاع تحقيقها، فذلك الأمر على الأقل كان متأكدا منه.
قالت "أرجو أن تكون محقا" ومدت يدها إلى حقيبة قماشية بين قدميها. كانت حقيبة سوداء وبدت شديدة الثقل، بالية في مواضع منها، وقد تنقلت بلا شك بين سلسلة من الملاك. "لنبدأ إذن".
يتبع

- نشر هذا الجزء من القصة اليوم في شرفات والبقية الأسبوع القادم. القصة نشرت كاملة بالإنجليزية في أكتوبر 2013 في ذي نيويوركر وقد ترجمت من اليابانية إلى الإنجليزية بقلم: تيد جوزين.



* مدونة أحمد شافعي
 
سامسا عاشقا
(2 ـ 2)
هاروكي موراكامي

خطت إلى البيت دونما انتظار رد منه. أغلق سامسا الباب وراءها. وقفت هناك تنظر إليه من أعلى إلى أسفل، وقد بدا أن مئزره وشبشبه يثيران شكوكها.
قالت بصوت بارد "يبدو أنني أيقظتك".
قال سامسا "لا بأس على الإطلاق"، وأدرك من تجهمها أن ثيابه غير ملائمة للموقف فقال "لا بد أن أعتذر عن مظهري. ولكن هناك أسباب ..."
تجاهلت المرأة هذا وقالت بشفتين مزمومتين "وبعد؟"
ردد بعدها سامسا "وبعد؟"
قالت المرأة "وبعد، أين هو القفل سبب المشكلة؟"
"القفل؟"
قالت "القفل المكسور. أنتم طلبتم منا المجيء لإصلاحه".
قال سامسا "آه، القفل المكسور".
نقّب سامسا في عقله، وما كاد ينجح في تركيزه على شيء واحد، حتى رجع عمود البعوض الأسود في الحومان من جديد.
قال "أنا لم أسمع شيئا معينا عن قفل. وتخميني أنه ربما يكون قفل باب من الأبواب في الطابق الثاني"
نظرت المرأة إليه مشدوهة "تخمينك؟" وازداد صوتها برودا، وتقوَّس في وجهها أحدُ حاجبيها غيرَ مصدقة. "باب من الأبواب؟"
شعر سامسا بوجهه يحمرّ، وقد بدا له جهله بمسألة القفل مخجلا للغاية، تنحنح يريد أن يقول شيئا ولكن الكلمات لم تخرج.
"مستر سامسا، هل أبواك هنا؟ أعتقد من الأفضل أن أكلمهما".
قال "الظاهر أنهما خرجا في مشوار".
قالت في فزع "مشوار؟ في ظل هذه الاضطرابات".
قال سامسا "أنا فعلا لا أعرف. حينما صحوت هذا الصباح لم يكن أحد هنا".
قالت الشابة "يا إلهي" وأطلقت تنهيدة حزينة "نحن أخبرناهم أن شخصا سيأتي اليوم في هذا الموعد".
"أنا في غاية الأسف".
وقفت المرأة هناك لحظة، ثم ببطء بدأ حاجبها المقوس ينخفض ونظرت إلى العكاز الأسود في يد سامسا اليسرى وسألته "هل عندك مشكلة في ساقك يا جريجور سامسا؟"
قال مراوغا "نعم، بعض الشيء".
مرة أخرى، التوت المرأة بغتة. ولم يدر سامسا معنى هذه الفعل أو غرضه، ولكنه بالغريزة انجذب إلى تلك السلسة المعقدة من الحركات.
قالت المرأة بنبرة تسليم "حسن، ما سنفعله الآن هو أننا سوف نلقي نظرة على أبواب الطابق الثاني. لقد عبرتُ الجسر وقطعت المدينة كلها في هذه الاضطرابات الرهيبة لأحضر إلى هنا. فعليًّا خاطرت بحياتي. فلا معنى الآن لأن أقول ’أوه، لا أحد هنا إذن؟ فلآت في وقت آخر’. صح؟"
هذه الاضطرابات الرهيبة؟ لم يدر سامسا قط ما الذي تتكلم عنه. أي تغيير فظيع ذلك الذي كان يقع؟ لكنه قرر ألا يسأل عن التفاصيل. خير له ألا يكشف المزيد عن جهله.
ملتويةَ الظهر، حملت الشابةُ الحقيبةَ الثقيلة بيمناها ومضت تجاهد مرتقية السلم وهي أشبه ما تكون بحشرة عملاقة. ومن ورائها مضي سامسا يكدح متشبثا بيده في السور، وقد بعثت مشيتها الزاحفة التعاطف في نفسه. ذكَّرته بشيء ما.
وقفت المرأة عند أعلى الدرجات واستعرضت الطرقة الممتدة أمامها قائلة "إذن، محتمل أن يكون قفل أحد هذه الأبواب الأربعة مكسورا، تمام؟"
احمرَّ وجه سامسا. وقال بصوت مرتعش "نعم، واحد منها. ربما الأخير إلى اليسار، محتمل" فقد كان ذلك باب الغرفة الخاوية التي استيقظ فيها ذلك الصباح.
قالت المرأة بحس ميت كأنه لنار مطفأة "يمكن. جائز". والتفتت تمعن في وجه سامسا.
قال سامسا "بطريقة أو بأخرى".
تنهدت المرأة من جديد. وقالت بنبرة جافة "أنت الكلام معك يا جريجور سامسا متعة حقيقية. قاموسك اللغوي غاية في الثراء، وتدخل مباشرة في صلب الموضوع" ثم تغيرت نبرتها وقالت "إنما لا يهم. لنفحص أولا الباب الأخير من جهة اليسار".
مضت المرأة إلى الباب. أدارت المقبض إلى الخلف وإلى الأمام ودفعته فانفتح الباب إلى الداخل، وإذا بالغرفة كما كانت من قبل، فليس فيها غير سرير كل ما عليه مرتبة أبعد ما تكون عن النظافة. والأرضية خاوية بالمثل. والألواح مثبتة على الشباك بالمسامير. لا بد أن تكون المرأة قد لاحظت ذلك كله، لكنها لم تبد بادرة اندهاش. وبدا من سلوكها أن أمثال هذه الغرفة قد تكون منتشرة في شتى أرجاء المدينة.
اقتعدت الأرض وفتحت الحقيبة السوداء فأخرجت منها قماشة بيضاء فرشتها على الأرض. ثم أخرجت عددا من الأدوات صفَّتها على القماشة باهتمام كأنها جلاد عاتٍ يستعرض أدواته المشينة أمام عيني ضحية بائسة.
انتقت سلكا متوسط الثخانة وغرسته في القفل، وبيد متمرسة حركته في مختلف الزوايا. ضاقت عيناها بسبب التركيز، وتحفزت أذناها لأقل صوت. ثم انتقت سلكا أرفع وكررت به ما سبق وفعلته. ازداد وجهها تجهما، والتوي فمها متخذا سمت القسوة البالغة كأنه سيف صيني. تناولت كشَّافا ضخما، وبنظرة متجهمة، بدأت تتفحص القفل تفصيليا.
سألت سامسا "عندك مفتاح هذا القفل؟"
قال صادقا "لا أعرف أي شيء عن موضع المفتاح".
قالت "آه يا جريجور سامسا، أحيانا تجعلني أشتهي الموت".
بعد ذلك، تجاهلته. انتقت مفكا من بين الأدوات المصفوفة على القماشة ومضت تفك القفل من الباب، بحركات بطيئة وحذرة، متوقفة بين الحين والآخر لتتلوى وتنبعج كما سبق وفعلت.
وبينما كان واقفا من ورائها يراقب حركاتها تلك بدأ جسم سامسا يأتي برد فعل غريب. أخذ يزداد سخونة في كل جزء منه، حتى أن منخاريه توهجا. وجفَّ حلقه لدرجة أن علا صوته وهو يحاول أن يبلع ريقه. واستثيرت شحمتا أذنيه. وعضوه الجنسي الذي كان تلك اللحظة متدليا يرثى لحاله بدأ يتصالب ويتمدد. وفيما كان يرتفع، نشأ انتفاخ واضح في مقدمة مئزره. ومع ذلك كله، لم يكن يعلم أي شيء عما يعنيه ذلك كله.
خلعت الشابة القفل ونهضت فمضت به إلى الشباك تريد أن تتفحصه هناك في نور الشمس الذي كان يسطع من بين الألواح. غرست فيه سلكا رفيعا ثم هزته وتسمّعت لأي صوت يصدر عنه وهي قاتمة الوجه مزمومة الشفتين. وفي النهاية تنهدت من جديد والتفتت إلى سامسا.
"إنه مخترب من الداخل. معطل تماما. هذا هو القفل المقصود فعلا، تخمينك في محله".
قال سامسا "ممتاز".
قالت المرأة "إطلاقا. أنا لا أعرف كيف أصلحه هنا، فهو قفل من نوعية خاصة. لا بد أن آخذه معي وأدع أبي يصلحه أو أيا من إخوتي الكبار. ربما يمكنهم إصلاحه. أنا مجرد صبية عندهم، ولا أستطيع التعامل إلا مع الأقفال العادية".
قال سامسا "فهمت". لهذه الشابة إذن أب وإخوة كثيرون. أسرة كاملة من مصلحي الأقفال.
"الحقيقة كان المفروض أن يأتي اليوم أحد إخوتي لكن بسبب الشغب الدائر في المدينة أرسلوني أنا. المدينة ملآنة بنقاط التفتيش". عاودت النظر إلى القفل الذي في يدها. "لكن كيف انكسر القفل بهذه الطريقة؟ غريبة جدا. لا بد أن أحدا لعب فيه من الداخل بأداة ما. لا يمكن أن يكون إلا هذا".
وتلوت من جديد. دار ذراعاها وكأنها سبّاحة تتدرب على ضربة جديدة، فرأى حركتها تلك آسرة، وفي غاية الإثارة.
واتخذ سامسا قراره فقال "هل بوسعي أن أطرح عليك سؤالا؟"
قالت وهي تنظر إليه في ريبة "سؤال؟ لا أستطيع أن أتخيله، لكن تفضل".
"لماذا تتلوين بهذه الطريقة كل حين؟"
نظرت إلى سامسا وقد افترّت شفتاها قليلا. "أتلوّى؟" وفكرت قليلا. "قصدك هكذا؟" وكررت له الحركة.
"نعم. هي هذه".
قالت بحدة "حمالة صدري لا تناسبني. هذه هي الحكاية".
قال سامسا في بلادة "حمالة صدر؟". ذلك تعبير لم يكن له رصيد في ذاكرته.
قالت المرأة "حمالة صدر. تعرف طبعا ما حمالة الصدر، أم لا؟ أم غريب في رأيك بالنسبة لحدباء مثلي أن ترتدي حمالة صدر؟ أتستكثرها علينا؟"
قال سامسا "حدباء؟" تلك أيضا كلمة هوت إلى الخواء الشاسع الممتد بداخله. لم يدر مطلقا عن أي شيء تتكلم. ولكنه علم مع ذلك أنه لا بد أن يقول شيئا.
غمغم "لا، لا أستكثرها على الإطلاق".
"اسمع. المرأة الحدباء امرأة، ولها نهدان كأي امرأة، ولا بد لنا من ارتداء حمالة صدر. فلا يمكن للحدباوات أن يسرن في العالم كالبقرات تتمايل ضروعهن".
تاه سامسا تماما وقال "بالطبع لا".
"لكن لا توجد حمالات صدر مصممة لنا، فما تلبث أن تنزلق. نحن لنا بنيان يختلف عن بقية النساء، فاهم؟ فلا بد لنا كلَّ قليل من التلوي لكي نرد الحمالات إلى مواضعها السليمة. للحدباوات مشكلات تفوق ما يمكنك أن تتخيله. ألهذا السبب كنت تحملق بي من خلفي؟ أبهذه الطريقة تمتع نفسك".
"لا، إطلاقا. فقط كنت أريد أن أعرف لماذا تفعلين ذلك؟"
استنتج إذن أن حمالة الصدر جهاز مصمم لحمل النهود، وأن الحدباء امرأة لها مثل بنيان هذه المرأة. إن في هذا العالم الكثير مما ينبغي له أن يتعلمه.
قالت المرأة "أنت متأكد أنك لا تسخر مني؟"
"أنا لا أسخر منك".
رفعت المرأة رأسها تنظر إلى سامسا، فرأت فيه الصدق، لم يكن ثمة مكر ولا لؤم. كل ما هنالك أن عقله ليس على ما يرام، ولا أكثر. ربما كان أكبر منها بسنوات قليلات، وإضافة إلى عرجه، بدا أنه غير مكتمل عقليا. ولكنه ابن ناس، وليس في سلوكه ما يعيب. ووسيم أيضا، وإن يكن في وجهه شيء من العبوس والشحوب.
ولحظتها رأت البروز في مئزره.
قالت في جمود "ما هذا بحق الجحيم؟ ماذا يفعل هذا الانتفاخ هناك؟"
طأطأ سامسا رأسه ينظر إلى مقدمة مئزره. كان عضوه شديد التضخم فعلا، وكان بوسعه أن يفهم من نبرتها أن هذا الوضع بطريقة أو بأخرى غير مقبول.
قالت "واضح. حضرتك تفكر كيف تكون مضاجعة امرأة حدباء، أليس كذلك؟"
قال "أضاجع؟" كلمة أخرى لا يعرف لها موضعا.
"تقول لنفسك ما دامت الحدباء ملتوية الظهر أصلا، فيمكنك أن تأتيها من الخلف بدون مشكلة، صح؟ على فكرة المنحرفون أمثالك كثير، وكلهم يظنون أننا سوف نسمح لهم أن يفعلوا ما يشاءون لمجرد أننا حدباوات. لا يا واطي. لسنا بهذه السهولة!"
قال سامسا "أنا فعلا مرتبك. لو كنت أغضبتك بأي طريقة فأنا في منتهى الأسف. وأعتذر. أرجوك سامحيني. لم أقصد أي إساءة. أنا كنت مريضا، وهناك أشياء كثيرة جدا لا أفهمها".
تنهدت "ليكن، وصلتني الصورة. أنت بطيء الفهم بعض الشيء، صح؟ لكن سجقك في خير حال، وهذا هو حال الدنيا".
قال سامسا ثانية "أنا آسف".
هدأت وقالت "انس. عندي في البيت أربعة إخوة زبالة ومنذ أن كنت طفلة جعلوني أرى كل شيء. يعتبرون الأمر نكتة كبيرة. اللوطية الحثالة كلهم. لذلك أنا لا أمزح حينما أقول إنني أعرف أولها من آخرها".
وأقعت تلملم أدواتها مرة أخرى في الحقيبة، ماسحة القفل المكسور بالقماشة، واضعة إياه برقة داخل الحقيبة.
قالت وهي تنهض "سآخذه معي. أبلغ أبويك. سنصلحه أو نغيره. ولو لزم أن نغيره فعلا، فسوف يستغرق هذا بعض الوقت في ظل الظروف الحالية. لا تنس أن تبلغهم، أوكيه؟ فاهمني؟ ستتذكر؟"
قال سامسا "سأبلغهما".
نزلت السلم ببطء، وسامسا على مهل من خلفها. بدا شكلهما معا نموذجا لتناقض جدير بالدراسة: هي كما لو كانت تدب على أربع، وهو منحن إلى الوراء بطريقة غير طبيعية. لكنهما كانا متماثلي السرعة. وسامسا يحاول أن يلين من "انتفاخه" ولكن الشيء لا يريد أن يرتد إلى سيرته الأولى. كما أن رؤيته لحركاتها من الخلف وهي تنزل السلالم جعلت قلبه يخفق بقوة، دافعا في شرايينه دماء حارة طازجة. وبقي الانتفاخ العنيد على عناده.
قالت المرأة لما وصلا باب البيت "كما قلت لك من قبل كان ينبغي أن يحضر اليوم أحد إخوتي. ولكن الشوارع تغص بالجنود والدبابات. ويعتقلون الناس. لذلك لا يستطيع الرجال في أسرتي الخروج. فالذين يعتقلونهم يعتقلونهم، ولا يعرف أحد متى يرجعون. لذلك بعثوني. طول الطريق عبر براج كنت وحدي. قالوا ’لن يلتفت أحد إلى فتاة حدباء’".
غمغم سامسا "دبابات؟"
"أيوة، وكثير أيضا. دبابات بمدافع ورشاشات. وبالمناسبة مدفعك حلو" وأشارت إلى الانتفاخ في مئزره "لكن المدافع الثانية أكبر وأصلب، وقدرتها على القتل أكبر بكثير. فلنتمنّ لكل أفراد أسرتك الرجوع سالمين".
قرر سامسا أن يمسك الثور من قرنيه، فقال "هل يمكن أن نتقابل مرة ثانية؟"
رفعت الشابة رأسها إلى سامسا. "هل تقصد أنك تريد أن تراني مرة ثانية؟"
"نعم، أريد أن أراك مرة أخرى".
"بشيئك بارز هذا البروز؟"
طأطأ سامسا ينظر إلى انتفاخه. "لا أعرف كيف أقولها، ولكن لا علاقة لهذا بمشاعري. لا بد أن يكون السبب مشكلة ما في القلب".
قالت في سرور "لا تمزح. تقول مشكلة في القلب. هذه طريقة ظريفة للتعبير عن الأمر. أنا شخصيا لم أسمعها من قبل".
"كما ترين، الأمر خارج عن إرادتي".
"ولا علاقة لها بالمضاجعة؟"
"المضاجعة ليست في بالي. بصدق".
"طيب بوضوح. عندما يكبر شيؤك إلى هذا الحجم وهذه الصلابة، لا يكون السبب في هذا هو عقلك بل قلبك؟"
أومأ سامسا موافقا.
قالت المرأة "تحلف على هذا بالرب؟"
ردد سامسا "الرب". كلمة أخرى لا يتذكر أنه سمعها من قبل. سكت.
هزت المرأة رأسها في ضجر، والتوت مرة أخرى تضبط حمالة صدرها. "انس. الظاهر أن الرب ترك براج منذ بضعة أيام. فلننسه".
سأل سامسا "طيب هل يمكن أن أراك من جديد؟"
بدا على وجهها تعبير جديد، وبدت عيناها مركزتين على أفق ضبابي بعيد. "أنت فعلا تريد أن تراني مرة أخرى؟"
أومأ سامسا.
"وماذا سنفعل؟"
"يمكن أن نتكلم".
"عن أي شيء؟"
"عن أشياء كثيرة".
"نتكلم فقط؟"
قال سامسا "هناك أشياء كثيرة أريد أن أسألك عنها".
"مثل ماذا؟"
"مثل العالم. مثلك أنت. مثلي أنا. أشعر أن هناك أشياء كثيرة جدا نحتاج أن نتكلم عنها. الدبابات مثلا. والرب. وحمالات الصدور. والأقفال".
ساد الصمت من جديد.
أخيرا قالت المرأة "لا أعرف". وهزت رأسها ببطء، لكن البرودة في صوتها كانت أقل وضوحا. "أنت ابن ناس جدا يا جريجور سامسا. وأشكّ أن يرضى أهلك حين يرون ابنهم الغالي في علاقة مع حدباء من القسم الفقير في المدينة. حتى لو أن هذا الابن أعرج وبطيء الفهم. وفوق ذلك كله، مدينتنا تغص بالدبابات والقوات ومن يدري ما الذي ينتظرنا".
من المؤكد أن سامسا لم يكن يعرف ما الذي ينتظرهم. كان لا يدري أي شيء عن أي شيء: لا عن المستقبل بالطبع، ولا عن الحاضر ولا حتى عن الماضي. لا عن الصواب، ولا عن الخطأ. كان مجرد تعلمه ارتداء ثيابه لغزا.
قالت الشابة الحدباء "على أية حال، سأرجع خلال أيام قليلة. إذا أمكن أن نصلحه سأرجعه، وإذا لم نستطع إصلاحه سأرجعه أيضا. سنحاسبك على الخدمة طبعا. وإذا كنت موجودا سوف نتقابل. لكن لا أعرف هل سيمكن أن نتكلم كثيرا أم لا. ولو كنت مكانك لأخفيت الانتفاخ عن أبويك. ففي العالم الحقيقي، لا يجاملك الناس على كشف مثل هذا الشيء".
أطرق سامسا. وإن لم يكن واضحا له على الإطلاق كيف يمكن إخفاء شيء كهذا عن الأنظار.
قالت المرأة شاردة "إنما غريبة أليس كذلك؟ كل شيء مضطرب حولنا وهناك من يهتم بقفل مكسور، وآخرون لديهم من الالتزام ما يجعلهم يعنون بإصلاحه ... لكن ربما يكون هذا هو المفروض. ربما الالتزام بالعمل بأمانة في هذه الأشياء البسيطة هو ما يحافظ لنا على سلامتنا عندما يبدأ العالم في التهاوي".
نظرت المرأة في وجه سامسا وقالت "لا أريد أن أحشر أنفي، ولكن ما الذي كان يجري في تلك الغرفة العلوية؟ لماذا يحتاج أبواك قفلا بهذه الضخامة لغرفة ليس فيها إلا سرير، وما الذي يزعجهما بهذه الطريقة في انكسار القفل؟ وما أمر تلك الألواح في الشباك؟ هل كنتم تحبسون شيئا هناك؟"
هز سامسا رأسه. لو كان شخص أو شيء محبوسا هناك، فلا بد أن يكون هو. ولكن ما الذي جعل حبسه ضرورة؟ لم يكن يدري.
قالت المرأة "لا أظن أن هناك جدوى من سؤالك، وعموما، لا بد أن أذهب، سيقلقون إذا تأخرت. ادع لي أن أعبر المدينة وأنا لا أزال قطعة واحدة. وأن يتجاهل العساكر فتاة حدباء مسكينة مثلي. ألا يكون بينهم منحرف. نحن منكوحون بما يكفي هكذا".
قال سامسا "سأدعو لك" وإن لم يعرف قط ما المنحرفون، وما الدعاء.
تناولت المرأة حقيبتها السوداء، واتجهت منحنية كما هي إلى الباب.
سألها سامسا مرة أخيرة "هل سأراك من جديد؟"
قالت وهي خارجة، ونبرة صوت دافئة لا لبس في دفئها "عندما تفكر في شخص ما بالقدر الكافي، فإنك بلا شك ستقابله من جديد".
صاح "احترسي من الطيور". استدارت إليه وأطرقت. ثم خرجت إلى نهر الطريق.
نظر سامسا من بين الستائر إلى قوامها المحدودب وهو ينطلق على البازلت. كانت مشيتها خرقاء لكنها سريعة بصورة مدهشة. كان يرى في كل إيماءة منها فتنة. ذكَّرته بجرادة الماء إذ تنتقل لتسير على اليابسة. ثم إن مشيتها بتلك الطريقة بدت له أكثر منطقية من ترنح منتصبي القامة على ساقين فقط.
ولم يكن خروجها عن نظره قد طال حتى عادت أعضاؤه الجنسية إلى حالتها المنكمشة اللينة، وتبدد ذلك البروز العنيف العابر. عاد عضوه يتدلى بين ساقيه كأنه ثمرة بريئة، مسالمة، قليلة الحيلة. واستقرت خصيتاه هادئتين في صفنهما. ضبط حزام مئزره، وجلس إلى مائدة غرفة الطعام فشرب ما بقي من قهوته باردة.
ذهب الذين كانوا يعيشون هنا إلى مكان آخر. لم يكن يعرف من هم، لكنه تصور أن يكونوا أسرته. لقد وقع شيء ما على حين غرة فخرجوا. ولعلهم لن يعودوا. ما معنى أن "العالم يتهاوى"؟ لم يدر جريجور سامسا. قوات أجنبية، دبابات ـ كل شيء يلفه الغموض.
الشيء الوحيد الذي كان يعرفه على وجه اليقين هو أنه يريد أن يرى الحدباء من جديد. أن يجلس معها وجها لوجه ويتكلم إلى أن يشبع من الكلام. أن يحل معها ألغاز العالم. كان يريد أن يراها من كل زاوية وهي تتلوى لتعدل حمالة صدرها. ويريد لو أمكن أن يمرر يده على جسمها أيضا. أن يلمس جلدها اللين ويستشعر دفئه بأنامله. أن يصعد معها، وينزل معها، سلم العالم.
مجرد التفكير فيها أدفأه من الداخل. لم يعد يريد أن يصبح سمكة أو عبادة شمس أو أي شيء آخر. كان سعيدا بكونه إنسانا. من المؤكد أنه كان منزعجا من اضطراره للسير على ساقين اثنتين فقط ولارتداء الثياب، ومن كثرة الأشياء التي لا يعرف عنها أي شيء. لكنه لو كان سمكة أو عبادة شمس أو غيرهما لما عرف قط هذا الشعور. ذلك كان إحساسه.
جلس سامسا لوقت طويل مغمضا، ثم اتخذ قرارا، فوقف، وتناول عكازه واتجه إلى السلم. سيصعد إلى أعلى ويتوصل إلى الطريقة الصحيحة لارتداء الثياب. وهذه، في الوقت الراهن على الأقل، هي مهمته.
والعالم في انتظار أن يتعلم.


نشر هذا الجزء من القصة اليوم في شرفات. والقصة نشرت كاملة بالإنجليزية في أكتوبر 2013 في ذي نيويوركر وقد ترجمت من اليابانية إلى الإنجليزية بقلم: تيد جوزين.



* منقول عن مدونة أحمد شافعي
 
سامسا عاشقا
(2 ـ 2)
هاروكي موراكامي

خطت إلى البيت دونما انتظار رد منه. أغلق سامسا الباب وراءها. وقفت هناك تنظر إليه من أعلى إلى أسفل، وقد بدا أن مئزره وشبشبه يثيران شكوكها.
قالت بصوت بارد "يبدو أنني أيقظتك".
قال سامسا "لا بأس على الإطلاق"، وأدرك من تجهمها أن ثيابه غير ملائمة للموقف فقال "لا بد أن أعتذر عن مظهري. ولكن هناك أسباب ..."
تجاهلت المرأة هذا وقالت بشفتين مزمومتين "وبعد؟"
ردد بعدها سامسا "وبعد؟"
قالت المرأة "وبعد، أين هو القفل سبب المشكلة؟"
"القفل؟"
قالت "القفل المكسور. أنتم طلبتم منا المجيء لإصلاحه".
قال سامسا "آه، القفل المكسور".
نقّب سامسا في عقله، وما كاد ينجح في تركيزه على شيء واحد، حتى رجع عمود البعوض الأسود في الحومان من جديد.
قال "أنا لم أسمع شيئا معينا عن قفل. وتخميني أنه ربما يكون قفل باب من الأبواب في الطابق الثاني"
نظرت المرأة إليه مشدوهة "تخمينك؟" وازداد صوتها برودا، وتقوَّس في وجهها أحدُ حاجبيها غيرَ مصدقة. "باب من الأبواب؟"
شعر سامسا بوجهه يحمرّ، وقد بدا له جهله بمسألة القفل مخجلا للغاية، تنحنح يريد أن يقول شيئا ولكن الكلمات لم تخرج.
"مستر سامسا، هل أبواك هنا؟ أعتقد من الأفضل أن أكلمهما".
قال "الظاهر أنهما خرجا في مشوار".
قالت في فزع "مشوار؟ في ظل هذه الاضطرابات".
قال سامسا "أنا فعلا لا أعرف. حينما صحوت هذا الصباح لم يكن أحد هنا".
قالت الشابة "يا إلهي" وأطلقت تنهيدة حزينة "نحن أخبرناهم أن شخصا سيأتي اليوم في هذا الموعد".
"أنا في غاية الأسف".
وقفت المرأة هناك لحظة، ثم ببطء بدأ حاجبها المقوس ينخفض ونظرت إلى العكاز الأسود في يد سامسا اليسرى وسألته "هل عندك مشكلة في ساقك يا جريجور سامسا؟"
قال مراوغا "نعم، بعض الشيء".
مرة أخرى، التوت المرأة بغتة. ولم يدر سامسا معنى هذه الفعل أو غرضه، ولكنه بالغريزة انجذب إلى تلك السلسة المعقدة من الحركات.
قالت المرأة بنبرة تسليم "حسن، ما سنفعله الآن هو أننا سوف نلقي نظرة على أبواب الطابق الثاني. لقد عبرتُ الجسر وقطعت المدينة كلها في هذه الاضطرابات الرهيبة لأحضر إلى هنا. فعليًّا خاطرت بحياتي. فلا معنى الآن لأن أقول ’أوه، لا أحد هنا إذن؟ فلآت في وقت آخر’. صح؟"
هذه الاضطرابات الرهيبة؟ لم يدر سامسا قط ما الذي تتكلم عنه. أي تغيير فظيع ذلك الذي كان يقع؟ لكنه قرر ألا يسأل عن التفاصيل. خير له ألا يكشف المزيد عن جهله.
ملتويةَ الظهر، حملت الشابةُ الحقيبةَ الثقيلة بيمناها ومضت تجاهد مرتقية السلم وهي أشبه ما تكون بحشرة عملاقة. ومن ورائها مضي سامسا يكدح متشبثا بيده في السور، وقد بعثت مشيتها الزاحفة التعاطف في نفسه. ذكَّرته بشيء ما.
وقفت المرأة عند أعلى الدرجات واستعرضت الطرقة الممتدة أمامها قائلة "إذن، محتمل أن يكون قفل أحد هذه الأبواب الأربعة مكسورا، تمام؟"
احمرَّ وجه سامسا. وقال بصوت مرتعش "نعم، واحد منها. ربما الأخير إلى اليسار، محتمل" فقد كان ذلك باب الغرفة الخاوية التي استيقظ فيها ذلك الصباح.
قالت المرأة بحس ميت كأنه لنار مطفأة "يمكن. جائز". والتفتت تمعن في وجه سامسا.
قال سامسا "بطريقة أو بأخرى".
تنهدت المرأة من جديد. وقالت بنبرة جافة "أنت الكلام معك يا جريجور سامسا متعة حقيقية. قاموسك اللغوي غاية في الثراء، وتدخل مباشرة في صلب الموضوع" ثم تغيرت نبرتها وقالت "إنما لا يهم. لنفحص أولا الباب الأخير من جهة اليسار".
مضت المرأة إلى الباب. أدارت المقبض إلى الخلف وإلى الأمام ودفعته فانفتح الباب إلى الداخل، وإذا بالغرفة كما كانت من قبل، فليس فيها غير سرير كل ما عليه مرتبة أبعد ما تكون عن النظافة. والأرضية خاوية بالمثل. والألواح مثبتة على الشباك بالمسامير. لا بد أن تكون المرأة قد لاحظت ذلك كله، لكنها لم تبد بادرة اندهاش. وبدا من سلوكها أن أمثال هذه الغرفة قد تكون منتشرة في شتى أرجاء المدينة.
اقتعدت الأرض وفتحت الحقيبة السوداء فأخرجت منها قماشة بيضاء فرشتها على الأرض. ثم أخرجت عددا من الأدوات صفَّتها على القماشة باهتمام كأنها جلاد عاتٍ يستعرض أدواته المشينة أمام عيني ضحية بائسة.
انتقت سلكا متوسط الثخانة وغرسته في القفل، وبيد متمرسة حركته في مختلف الزوايا. ضاقت عيناها بسبب التركيز، وتحفزت أذناها لأقل صوت. ثم انتقت سلكا أرفع وكررت به ما سبق وفعلته. ازداد وجهها تجهما، والتوي فمها متخذا سمت القسوة البالغة كأنه سيف صيني. تناولت كشَّافا ضخما، وبنظرة متجهمة، بدأت تتفحص القفل تفصيليا.
سألت سامسا "عندك مفتاح هذا القفل؟"
قال صادقا "لا أعرف أي شيء عن موضع المفتاح".
قالت "آه يا جريجور سامسا، أحيانا تجعلني أشتهي الموت".
بعد ذلك، تجاهلته. انتقت مفكا من بين الأدوات المصفوفة على القماشة ومضت تفك القفل من الباب، بحركات بطيئة وحذرة، متوقفة بين الحين والآخر لتتلوى وتنبعج كما سبق وفعلت.
وبينما كان واقفا من ورائها يراقب حركاتها تلك بدأ جسم سامسا يأتي برد فعل غريب. أخذ يزداد سخونة في كل جزء منه، حتى أن منخاريه توهجا. وجفَّ حلقه لدرجة أن علا صوته وهو يحاول أن يبلع ريقه. واستثيرت شحمتا أذنيه. وعضوه الجنسي الذي كان تلك اللحظة متدليا يرثى لحاله بدأ يتصالب ويتمدد. وفيما كان يرتفع، نشأ انتفاخ واضح في مقدمة مئزره. ومع ذلك كله، لم يكن يعلم أي شيء عما يعنيه ذلك كله.
خلعت الشابة القفل ونهضت فمضت به إلى الشباك تريد أن تتفحصه هناك في نور الشمس الذي كان يسطع من بين الألواح. غرست فيه سلكا رفيعا ثم هزته وتسمّعت لأي صوت يصدر عنه وهي قاتمة الوجه مزمومة الشفتين. وفي النهاية تنهدت من جديد والتفتت إلى سامسا.
"إنه مخترب من الداخل. معطل تماما. هذا هو القفل المقصود فعلا، تخمينك في محله".
قال سامسا "ممتاز".
قالت المرأة "إطلاقا. أنا لا أعرف كيف أصلحه هنا، فهو قفل من نوعية خاصة. لا بد أن آخذه معي وأدع أبي يصلحه أو أيا من إخوتي الكبار. ربما يمكنهم إصلاحه. أنا مجرد صبية عندهم، ولا أستطيع التعامل إلا مع الأقفال العادية".
قال سامسا "فهمت". لهذه الشابة إذن أب وإخوة كثيرون. أسرة كاملة من مصلحي الأقفال.
"الحقيقة كان المفروض أن يأتي اليوم أحد إخوتي لكن بسبب الشغب الدائر في المدينة أرسلوني أنا. المدينة ملآنة بنقاط التفتيش". عاودت النظر إلى القفل الذي في يدها. "لكن كيف انكسر القفل بهذه الطريقة؟ غريبة جدا. لا بد أن أحدا لعب فيه من الداخل بأداة ما. لا يمكن أن يكون إلا هذا".
وتلوت من جديد. دار ذراعاها وكأنها سبّاحة تتدرب على ضربة جديدة، فرأى حركتها تلك آسرة، وفي غاية الإثارة.
واتخذ سامسا قراره فقال "هل بوسعي أن أطرح عليك سؤالا؟"
قالت وهي تنظر إليه في ريبة "سؤال؟ لا أستطيع أن أتخيله، لكن تفضل".
"لماذا تتلوين بهذه الطريقة كل حين؟"
نظرت إلى سامسا وقد افترّت شفتاها قليلا. "أتلوّى؟" وفكرت قليلا. "قصدك هكذا؟" وكررت له الحركة.
"نعم. هي هذه".
قالت بحدة "حمالة صدري لا تناسبني. هذه هي الحكاية".
قال سامسا في بلادة "حمالة صدر؟". ذلك تعبير لم يكن له رصيد في ذاكرته.
قالت المرأة "حمالة صدر. تعرف طبعا ما حمالة الصدر، أم لا؟ أم غريب في رأيك بالنسبة لحدباء مثلي أن ترتدي حمالة صدر؟ أتستكثرها علينا؟"
قال سامسا "حدباء؟" تلك أيضا كلمة هوت إلى الخواء الشاسع الممتد بداخله. لم يدر مطلقا عن أي شيء تتكلم. ولكنه علم مع ذلك أنه لا بد أن يقول شيئا.
غمغم "لا، لا أستكثرها على الإطلاق".
"اسمع. المرأة الحدباء امرأة، ولها نهدان كأي امرأة، ولا بد لنا من ارتداء حمالة صدر. فلا يمكن للحدباوات أن يسرن في العالم كالبقرات تتمايل ضروعهن".
تاه سامسا تماما وقال "بالطبع لا".
"لكن لا توجد حمالات صدر مصممة لنا، فما تلبث أن تنزلق. نحن لنا بنيان يختلف عن بقية النساء، فاهم؟ فلا بد لنا كلَّ قليل من التلوي لكي نرد الحمالات إلى مواضعها السليمة. للحدباوات مشكلات تفوق ما يمكنك أن تتخيله. ألهذا السبب كنت تحملق بي من خلفي؟ أبهذه الطريقة تمتع نفسك".
"لا، إطلاقا. فقط كنت أريد أن أعرف لماذا تفعلين ذلك؟"
استنتج إذن أن حمالة الصدر جهاز مصمم لحمل النهود، وأن الحدباء امرأة لها مثل بنيان هذه المرأة. إن في هذا العالم الكثير مما ينبغي له أن يتعلمه.
قالت المرأة "أنت متأكد أنك لا تسخر مني؟"
"أنا لا أسخر منك".
رفعت المرأة رأسها تنظر إلى سامسا، فرأت فيه الصدق، لم يكن ثمة مكر ولا لؤم. كل ما هنالك أن عقله ليس على ما يرام، ولا أكثر. ربما كان أكبر منها بسنوات قليلات، وإضافة إلى عرجه، بدا أنه غير مكتمل عقليا. ولكنه ابن ناس، وليس في سلوكه ما يعيب. ووسيم أيضا، وإن يكن في وجهه شيء من العبوس والشحوب.
ولحظتها رأت البروز في مئزره.
قالت في جمود "ما هذا بحق الجحيم؟ ماذا يفعل هذا الانتفاخ هناك؟"
طأطأ سامسا رأسه ينظر إلى مقدمة مئزره. كان عضوه شديد التضخم فعلا، وكان بوسعه أن يفهم من نبرتها أن هذا الوضع بطريقة أو بأخرى غير مقبول.
قالت "واضح. حضرتك تفكر كيف تكون مضاجعة امرأة حدباء، أليس كذلك؟"
قال "أضاجع؟" كلمة أخرى لا يعرف لها موضعا.
"تقول لنفسك ما دامت الحدباء ملتوية الظهر أصلا، فيمكنك أن تأتيها من الخلف بدون مشكلة، صح؟ على فكرة المنحرفون أمثالك كثير، وكلهم يظنون أننا سوف نسمح لهم أن يفعلوا ما يشاءون لمجرد أننا حدباوات. لا يا واطي. لسنا بهذه السهولة!"
قال سامسا "أنا فعلا مرتبك. لو كنت أغضبتك بأي طريقة فأنا في منتهى الأسف. وأعتذر. أرجوك سامحيني. لم أقصد أي إساءة. أنا كنت مريضا، وهناك أشياء كثيرة جدا لا أفهمها".
تنهدت "ليكن، وصلتني الصورة. أنت بطيء الفهم بعض الشيء، صح؟ لكن سجقك في خير حال، وهذا هو حال الدنيا".
قال سامسا ثانية "أنا آسف".
هدأت وقالت "انس. عندي في البيت أربعة إخوة زبالة ومنذ أن كنت طفلة جعلوني أرى كل شيء. يعتبرون الأمر نكتة كبيرة. اللوطية الحثالة كلهم. لذلك أنا لا أمزح حينما أقول إنني أعرف أولها من آخرها".
وأقعت تلملم أدواتها مرة أخرى في الحقيبة، ماسحة القفل المكسور بالقماشة، واضعة إياه برقة داخل الحقيبة.
قالت وهي تنهض "سآخذه معي. أبلغ أبويك. سنصلحه أو نغيره. ولو لزم أن نغيره فعلا، فسوف يستغرق هذا بعض الوقت في ظل الظروف الحالية. لا تنس أن تبلغهم، أوكيه؟ فاهمني؟ ستتذكر؟"
قال سامسا "سأبلغهما".
نزلت السلم ببطء، وسامسا على مهل من خلفها. بدا شكلهما معا نموذجا لتناقض جدير بالدراسة: هي كما لو كانت تدب على أربع، وهو منحن إلى الوراء بطريقة غير طبيعية. لكنهما كانا متماثلي السرعة. وسامسا يحاول أن يلين من "انتفاخه" ولكن الشيء لا يريد أن يرتد إلى سيرته الأولى. كما أن رؤيته لحركاتها من الخلف وهي تنزل السلالم جعلت قلبه يخفق بقوة، دافعا في شرايينه دماء حارة طازجة. وبقي الانتفاخ العنيد على عناده.
قالت المرأة لما وصلا باب البيت "كما قلت لك من قبل كان ينبغي أن يحضر اليوم أحد إخوتي. ولكن الشوارع تغص بالجنود والدبابات. ويعتقلون الناس. لذلك لا يستطيع الرجال في أسرتي الخروج. فالذين يعتقلونهم يعتقلونهم، ولا يعرف أحد متى يرجعون. لذلك بعثوني. طول الطريق عبر براج كنت وحدي. قالوا ’لن يلتفت أحد إلى فتاة حدباء’".
غمغم سامسا "دبابات؟"
"أيوة، وكثير أيضا. دبابات بمدافع ورشاشات. وبالمناسبة مدفعك حلو" وأشارت إلى الانتفاخ في مئزره "لكن المدافع الثانية أكبر وأصلب، وقدرتها على القتل أكبر بكثير. فلنتمنّ لكل أفراد أسرتك الرجوع سالمين".
قرر سامسا أن يمسك الثور من قرنيه، فقال "هل يمكن أن نتقابل مرة ثانية؟"
رفعت الشابة رأسها إلى سامسا. "هل تقصد أنك تريد أن تراني مرة ثانية؟"
"نعم، أريد أن أراك مرة أخرى".
"بشيئك بارز هذا البروز؟"
طأطأ سامسا ينظر إلى انتفاخه. "لا أعرف كيف أقولها، ولكن لا علاقة لهذا بمشاعري. لا بد أن يكون السبب مشكلة ما في القلب".
قالت في سرور "لا تمزح. تقول مشكلة في القلب. هذه طريقة ظريفة للتعبير عن الأمر. أنا شخصيا لم أسمعها من قبل".
"كما ترين، الأمر خارج عن إرادتي".
"ولا علاقة لها بالمضاجعة؟"
"المضاجعة ليست في بالي. بصدق".
"طيب بوضوح. عندما يكبر شيؤك إلى هذا الحجم وهذه الصلابة، لا يكون السبب في هذا هو عقلك بل قلبك؟"
أومأ سامسا موافقا.
قالت المرأة "تحلف على هذا بالرب؟"
ردد سامسا "الرب". كلمة أخرى لا يتذكر أنه سمعها من قبل. سكت.
هزت المرأة رأسها في ضجر، والتوت مرة أخرى تضبط حمالة صدرها. "انس. الظاهر أن الرب ترك براج منذ بضعة أيام. فلننسه".
سأل سامسا "طيب هل يمكن أن أراك من جديد؟"
بدا على وجهها تعبير جديد، وبدت عيناها مركزتين على أفق ضبابي بعيد. "أنت فعلا تريد أن تراني مرة أخرى؟"
أومأ سامسا.
"وماذا سنفعل؟"
"يمكن أن نتكلم".
"عن أي شيء؟"
"عن أشياء كثيرة".
"نتكلم فقط؟"
قال سامسا "هناك أشياء كثيرة أريد أن أسألك عنها".
"مثل ماذا؟"
"مثل العالم. مثلك أنت. مثلي أنا. أشعر أن هناك أشياء كثيرة جدا نحتاج أن نتكلم عنها. الدبابات مثلا. والرب. وحمالات الصدور. والأقفال".
ساد الصمت من جديد.
أخيرا قالت المرأة "لا أعرف". وهزت رأسها ببطء، لكن البرودة في صوتها كانت أقل وضوحا. "أنت ابن ناس جدا يا جريجور سامسا. وأشكّ أن يرضى أهلك حين يرون ابنهم الغالي في علاقة مع حدباء من القسم الفقير في المدينة. حتى لو أن هذا الابن أعرج وبطيء الفهم. وفوق ذلك كله، مدينتنا تغص بالدبابات والقوات ومن يدري ما الذي ينتظرنا".
من المؤكد أن سامسا لم يكن يعرف ما الذي ينتظرهم. كان لا يدري أي شيء عن أي شيء: لا عن المستقبل بالطبع، ولا عن الحاضر ولا حتى عن الماضي. لا عن الصواب، ولا عن الخطأ. كان مجرد تعلمه ارتداء ثيابه لغزا.
قالت الشابة الحدباء "على أية حال، سأرجع خلال أيام قليلة. إذا أمكن أن نصلحه سأرجعه، وإذا لم نستطع إصلاحه سأرجعه أيضا. سنحاسبك على الخدمة طبعا. وإذا كنت موجودا سوف نتقابل. لكن لا أعرف هل سيمكن أن نتكلم كثيرا أم لا. ولو كنت مكانك لأخفيت الانتفاخ عن أبويك. ففي العالم الحقيقي، لا يجاملك الناس على كشف مثل هذا الشيء".
أطرق سامسا. وإن لم يكن واضحا له على الإطلاق كيف يمكن إخفاء شيء كهذا عن الأنظار.
قالت المرأة شاردة "إنما غريبة أليس كذلك؟ كل شيء مضطرب حولنا وهناك من يهتم بقفل مكسور، وآخرون لديهم من الالتزام ما يجعلهم يعنون بإصلاحه ... لكن ربما يكون هذا هو المفروض. ربما الالتزام بالعمل بأمانة في هذه الأشياء البسيطة هو ما يحافظ لنا على سلامتنا عندما يبدأ العالم في التهاوي".
نظرت المرأة في وجه سامسا وقالت "لا أريد أن أحشر أنفي، ولكن ما الذي كان يجري في تلك الغرفة العلوية؟ لماذا يحتاج أبواك قفلا بهذه الضخامة لغرفة ليس فيها إلا سرير، وما الذي يزعجهما بهذه الطريقة في انكسار القفل؟ وما أمر تلك الألواح في الشباك؟ هل كنتم تحبسون شيئا هناك؟"
هز سامسا رأسه. لو كان شخص أو شيء محبوسا هناك، فلا بد أن يكون هو. ولكن ما الذي جعل حبسه ضرورة؟ لم يكن يدري.
قالت المرأة "لا أظن أن هناك جدوى من سؤالك، وعموما، لا بد أن أذهب، سيقلقون إذا تأخرت. ادع لي أن أعبر المدينة وأنا لا أزال قطعة واحدة. وأن يتجاهل العساكر فتاة حدباء مسكينة مثلي. ألا يكون بينهم منحرف. نحن منكوحون بما يكفي هكذا".
قال سامسا "سأدعو لك" وإن لم يعرف قط ما المنحرفون، وما الدعاء.
تناولت المرأة حقيبتها السوداء، واتجهت منحنية كما هي إلى الباب.
سألها سامسا مرة أخيرة "هل سأراك من جديد؟"
قالت وهي خارجة، ونبرة صوت دافئة لا لبس في دفئها "عندما تفكر في شخص ما بالقدر الكافي، فإنك بلا شك ستقابله من جديد".
صاح "احترسي من الطيور". استدارت إليه وأطرقت. ثم خرجت إلى نهر الطريق.
نظر سامسا من بين الستائر إلى قوامها المحدودب وهو ينطلق على البازلت. كانت مشيتها خرقاء لكنها سريعة بصورة مدهشة. كان يرى في كل إيماءة منها فتنة. ذكَّرته بجرادة الماء إذ تنتقل لتسير على اليابسة. ثم إن مشيتها بتلك الطريقة بدت له أكثر منطقية من ترنح منتصبي القامة على ساقين فقط.
ولم يكن خروجها عن نظره قد طال حتى عادت أعضاؤه الجنسية إلى حالتها المنكمشة اللينة، وتبدد ذلك البروز العنيف العابر. عاد عضوه يتدلى بين ساقيه كأنه ثمرة بريئة، مسالمة، قليلة الحيلة. واستقرت خصيتاه هادئتين في صفنهما. ضبط حزام مئزره، وجلس إلى مائدة غرفة الطعام فشرب ما بقي من قهوته باردة.
ذهب الذين كانوا يعيشون هنا إلى مكان آخر. لم يكن يعرف من هم، لكنه تصور أن يكونوا أسرته. لقد وقع شيء ما على حين غرة فخرجوا. ولعلهم لن يعودوا. ما معنى أن "العالم يتهاوى"؟ لم يدر جريجور سامسا. قوات أجنبية، دبابات ـ كل شيء يلفه الغموض.
الشيء الوحيد الذي كان يعرفه على وجه اليقين هو أنه يريد أن يرى الحدباء من جديد. أن يجلس معها وجها لوجه ويتكلم إلى أن يشبع من الكلام. أن يحل معها ألغاز العالم. كان يريد أن يراها من كل زاوية وهي تتلوى لتعدل حمالة صدرها. ويريد لو أمكن أن يمرر يده على جسمها أيضا. أن يلمس جلدها اللين ويستشعر دفئه بأنامله. أن يصعد معها، وينزل معها، سلم العالم.
مجرد التفكير فيها أدفأه من الداخل. لم يعد يريد أن يصبح سمكة أو عبادة شمس أو أي شيء آخر. كان سعيدا بكونه إنسانا. من المؤكد أنه كان منزعجا من اضطراره للسير على ساقين اثنتين فقط ولارتداء الثياب، ومن كثرة الأشياء التي لا يعرف عنها أي شيء. لكنه لو كان سمكة أو عبادة شمس أو غيرهما لما عرف قط هذا الشعور. ذلك كان إحساسه.
جلس سامسا لوقت طويل مغمضا، ثم اتخذ قرارا، فوقف، وتناول عكازه واتجه إلى السلم. سيصعد إلى أعلى ويتوصل إلى الطريقة الصحيحة لارتداء الثياب. وهذه، في الوقت الراهن على الأقل، هي مهمته.
والعالم في انتظار أن يتعلم.


نشر هذا الجزء من القصة اليوم في شرفات. والقصة نشرت كاملة بالإنجليزية في أكتوبر 2013 في ذي نيويوركر وقد ترجمت من اليابانية إلى الإنجليزية بقلم: تيد جوزين.



* منقول عن مدونة أحمد شافعي
 
أعلى