الحبيب السالمي - الجنس في الرواية

لعل المجال الذي يعكس تطور الرواية العربية ونضجها أكثر من غيره، باستثناء الشكل والبنية، هو الجنس. فمنذ الثمانينات استطاعت ن تقارب الجنس، وهو أحد المحرمات الكبرى في ثقافتنا، بجرأة لافتة بل وأن تخترقه إلى حد بعيد محولة إياه إلى ثيمة مثل بقـية الثيمات. وهذا الإختراق لا يعود في تقديري إلى التحولات التي تشهدها كل المجتمعات العربية فحسب (وهي تحولات يفرضها منطق الحياة رغم كل الديكتاتوريات و السلفيات) وإنما أيضا إلى وعي الفرد لذاته واكتشاف الروائي العربي سواء كان ذكرا أو أنثى لجسده وتنامي الرغبة في استكشاف عالمه الحميمي والتمسك بالحق في التعبير عن شهواته واستيهاماته.

إن تجليات الجنس في الروايات التي كتبت منذ تلك الفترة مختلفة فهو يحضر كاختراق للممنوع . كتمرد على قيم الحياء والحشمة والأخلاق التي تقوم عليها الثقافة العربية التقليدية. الجنس كهتك لعرض هذه الثقافة و كفض لبكارتها . إن الثقافة العربية التقليدية ( لا أتحدث هنا عن التراث الذي يحتل فيه الجنس حضورا لافتا ويكفي أن نذكر" الروض العاطر في نزهة الخاطر" للشيخ التونسي النفزاوي وقد كـــان قاضــي الأنكحة) مهذبة وعاقلة أكثر من اللازم فالرواية العربية في السبعينات التي قاربـــت موضوع الحـــب والجنــــس رواية مكتوبة بـ "مـاء الورد " كما يقــــول الفرنسيون.

وهذا طبيعي في تلك المرحلة. لذلك كان لا بد من ضخ شيء من "الوقاحة " و"الفجور" في هذه الرواية. ويظهر هذا في أعمال روائية عربية كثيرة .

وينبغي أن أشيــر هنا إلى أن الجنـــس فــــــي هذه الروايات يختلف في نقطـة أعتبرها أساسية عن الجنس في الروايات التي ظهـــرت سابقا و التي يمكن أن نعـد " موسم الهجرة إلى الشمال " نموذجــا لها لأهميتها. التجربة الجنسية تبدو أكثر صدقا. إنها تقدم بعفوية لا نجدها في الروايات السابقة لذلك تحضر بكل ما فيها من قوة وضعف، من تماسك وهشاشة. بتعبير آخر لا نجد في روايات الثمانينات، وما بعدها، صورة الفحل العربي كما يجسده مصطفى سعيد لسبب بسيط وهو أن العربي في الواقع ليس أكثر فحولة من غيره.
في روايتي "روائح ماري كلير" يبــدو محفوظ، وهــو إحدى الشخصيات الرئيسية، مضطربا متــرددا مثل غيره من العرب في حضور المرأة التي يحبها وهي فرنسية. علاقته بجسده مرتبكة ملتبسة. وهو يفتقر إلى التجربة الجنسية.
وكيف يكون غير ذلك وهو قد مارس الجنس لأول مرة، أي فضت بكارته ( وهذا حدث أساسي و مهم بالنسبة للذكر كما للأنثى إذ للذكر أيضا بكارة) مع مومس في عمر أمه في ماخور قذر؟

أكثر من ذلك المرأة في هذه الرواية أي ماري كلير هي التي تقوده لخبرتها الطويلة في الجنس و تعلمه كيف يضاجعها. فهو لم يتلق أي تربية جنسية و لم يتدرب أبدا على ذلك مثل الشباب في أروربا. لقد حاولت في هذه الرواية أن أكسر هذه الصورة المغلوطة عن العربي الفحل التي كانت رائجة في الرواية العربية خصوصا إذا كانت الأنثى غربية. و هي صورة لا تعكس بالطبع الواقع بقدر ما تعكس تصورا ذكوريا لهذا الواقع . فحــــــولة العربي ليست سوى وهم يدغدغ كبرياء نا و ما بقي راسبا في أعماقنا الدفينة من بداوة.

ويحضر الجنس أيضا في هذه الروايات كتعبير عن التحرر . تحرر الرجل و تحرر المرأة خصوصا. ويظهر هذا جليا في الشخصيات النسائية سواء في الروايات التي كتبها روائيون أو تلك التي كتبتها روائيات. المرأة تمتلك جسدها وهي حرة في التصرف فيه . من حقها أن تتحدث عنه تماما كما يتحدث الرجل عن جسده . تفعل هذا دون حياء أو خجل أو خوف . لا من الرجل و لا من العائلة التي تجسد قيم المجتمع . و أحيانا تذهب بعيدا فتجرؤ على أن تتحدث بلا مواربة أو إلتواء عن اللذة الجنسية بل و عن أمور أخرى ما كان بإستطاعتها في السابق حتى الإشارة إليها .


* عن ضفة ثالثة
 
أعلى