رسلان جاد الله عامر - بين العشق الجنسيّ والحبّ القدسي في سفر نشيد الأناشيد

“تحت سقف المنزل الفارغ المتجمد
أنا لا أعد الأيام العديمة الحياة،
إنني أقرأ رسائل القديسين، وكلمات مرتل المزامير.
وتصبح النجوم زرقاء، ويصبح الصقيع رقيقا،
وكل لقاء رائع ،
وفي الكتاب المقدس ورقة قيقب حمراء
موضوعة على نشيد الأناشيد.”
أنّا أخمينوڨا-1915م
“سحر هذا النشيد الأدباء أهل الفنون على توالي العصور، ولعل أشهر من فتن به في العصور الحديثة رينان وأندريه جيد، فوضعه كل منهما في صيغة جديدة”.
توفيق الحكيم-1940م
ربما يكون نشيد الأناشيد، هو السفر الأكثر إثارة للجدل في الكتاب المقدس رغم أنه يحظى ومنذ غابر الأزمنة باعتراف كل من اليهود والمسيحيين.
فهذا السفر في نصه المباشر هو عبارة عن حوار مسرحي بين حبيبين، والأدق بين عشيقين، وهما الشخصيتان الرئيستان فيه، يعبران عن عشقهما، بلغة عشقية حارة صريحة جريئة، غنية بتعابير الوصف الجميل البليغ، والغزل الرهيف، والعواطف الجياشة، والرغبة الجنسية في شكلها الطبيعي الحار الشفاف، البعيد عن الخلاعة والانحطاط، وهذا ما شكل سببا لاعتراض البعض عليه، فماذا يفعل نص عشقي جنسي في كتب مقدس؟! وهذه الإشكالية ما تزال مطروحة حتى اليوم، وهذا سنعود إليه لاحقا في هذا المقال.
تعريف بالنّشيد:
هذا النشيد تم إدراجه في الكتاب المقدس في القرن الخامس قبل الميلاد من قبل الكاهن الشهير عزرا بعد عودة اليهود إلى أورشليم من السبي البابلي، وينسب تألفيه تقليديا إلى الملك سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد، وهذا الرأي اليوم لم يعد جازما في كلا اللاهوتين اليهودي والمسيحي، حيث بات مقبولا احتمال أن يكون مؤلف النص- أو بالأصح شاعر السفر- شخصا آخر كتبه لسليمان أو عن سليمان، وليس محتما أن يكون هذا قد تم في القرن العاشر قبل الميلاد
أما علماء التاريخ و الاجتماع والدين، فالنص برأيهم مقتبس من أناشيد الحب والخصب التي كانت سائدة لدى قدماء المصريين والسوريين، و التي بينت اللقى الأثرية الشبه الكبير بينها وبين هذا النشيد، وهذا الكلام بالطبع مرفوض لاهوتيا على حد سواء من قبل كل من اليهود والمسيحيين، الذين يرون أن السفر موحى به و أنه كتب بإلهام من الروح القدس، فبرأي أحبار اليهود: «العالم كله لا يساوي ذلك اليوم الذي أُعطيَ فيه نشيد الأناشيد لإسرائيل! الكتاب كله مقدس، ونشيد الأناشيد هو قدس الأقداس. » كما قال الرابي عقيبا (Rabbi Akiba) في مجمع جامينا في أواخر القرن الميلاد أول ([1])، وبرأي المسيحيين: « كل الكتاب موحى به من الله، وهو نافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر» كمال يقول القديس بولس الرسول في (2تيم 3: 16).
شخصيات النّشيد:
يرى بعض الباحثين أن هذا النشيد فيه شخصيتان أساسيتان هما شولاميت راعية الغنم، وسليمان الملك، بالإضافة إلى شخصية ثانوية هي “بنات أورشليم”، والقصة فيه تدور عن حب سليمان وشولاميت.
فيما يضيف آخرون شخصية ثالثة إلى الشخصيات الأساسية، وهي “الراعي”- غير المذكور اسمه- الذي يتبادل الحب الصادق مع شولاميت، التي لا تفلح كل إغراءات الملك سليمان بفك عراه الراسخة وانتزاع هذه الحسناء من حبيبها، والعبرة من القصة برأيهم، هي الوفاء في الحب.
لا نعرف شيئا عن شخصية الراعي المفترض، أما سليمان (Solomon)، فحسب التقليد اليهودي، هو ملك إسرائيل بعد أبيه داوود في القرن العاشر، وهو ابن بثشبع الزوجة السابقة لأوريا الحثي القائد في جيش داوود، و قد قتله داوود بمكيدة بعد أن حبلت بثشبع منه سفاحا، ثم تزوجها، لكن الابن غير الشرعي مات بعد ولادته بأيام كعقوبة من يهوه على جريمة داوود هذه، وبعد ذلك عادت فولدت له سليمان (2صمو 11: 2-27)، ثم لعبت لاحقا دورا هاما في وراثته المـُلك (1مل 3: 1)؛ وهو- حسب التقليد اليهودي- باني الهيكل، وقد عرفت مملكة بني إسرائيل في عهده أوج ازدهارها، لكنه كان محبا للنساء، و كان له سبعمائة زوجة و ثلاثمائة محظية، ومن بين أشهر زوجاته بنت فرعون (1مل 1: 11-47)، وقد استمالته النساء الأجنبيات في أواخر أيامه إلى آلهتهن الوثنية فبنى هياكل لعبادتها (1مل 11: 1-8).
وفي الكتاب المقدس ينسب إليه اليهود و البروتستانت” أسفار “الأمثال” و” الجامعة” و”نشيد الأناشيد”، ويضيف إليها الكاثوليك و الأرثوذكس سفر”الحكمة.
أما شولاميت (Shulamite) فيرى البعض أنها راعية غنم من بلدة شولم (Shulem)، ويعني اسمها “التي من شولم” أو “الشولمية”، وشولم برأيهم هي نفسها شونم (Shunam)، وتسمى أيضا “سولم”، وهي بلدة فلسطينية تقع على السفوح الجنوبية الغربية لجبال الدحي في مرج ابن عامر في فلسطين، ويعود تأسيسها إلى أيام الفراعنة، و الشخصية الثانية المشهورة من شونم هي “أبيشج الشمونمية”، الفتاة الفائقة الجمال التي كانت ترعى الملك داوود في أواخر شيخوخته، وتضطجع معه دون معاشرة لبعث الدفء في جسده الذي كان يعاني من البرد الدائم (1مل 1: 1-4)، وقد قتل سليمان أخاه آدونيا عندما طلب الزواج من أبيشج (1 مل 1: 13-25)، لأن محاولة الزواج من إحدى نساء الملك أو معاشرتها بأعراف ذلك الزمان كانت تساوي المطالبة بالعرش أو إعلان انتزاعه، وكان آدونيا قد سبق له أن حاول انتزاع العرش في أواخر أيام أبيه داوود قبل أن يوصي به لسليمان، ثم عفا عنه سليمان بعد ذلك، لكن طلبه الزواج من أبيشج اعتبر محاولة ثانية لانتزاع الملك فاستحق القتل؛ ويذهب البعض أيضا للمطابقة بين شولاميت وأبيشج الشونمية، التي لم يكن من مانع يمنع زواج سليمان منها طالما أن داوود لم يجامعها، وبذلك لا يخالف سليمان وصية التوراة القائلة: «لا تتزوج امرأة أبيك لأنها زوجة أبيك» (لاو 18 :8).
فيما يرى آخرون أن (Shulamite) هي الصيغة المؤنثة لـ (Solomon) ([2])، وهو اسم سليمان العبري، وكلاهما يعود إلى كلمة (shalom) التي تعني بالعبرية “السلام”، ويصبح معنى الاسمين بالتالي “المسالم” و”المسالمة”، وقد سميت شولاميت بهذا الاسم الذي يقابله بالعربية “سليمانة” لأنها أصبحت قرينة الملك سليمان.
ويرى فريق ثالث أن شولاميت هي “خارو” ابنة الفرعون (مرنبتاح) من النوبة في مصر القديمة([3])، ولهذا فهي سوداء- أو سمراء – كما تقول عن نفسها في النشيد (نش 1 :5) «سمراء أنا، و لكنني رائعة الجمال يا بنات أورشليم، أنا سمراء كخيام قيدار. أو كسرادق سليمان و جميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار كشقق سليمان» ([4])، وهي عندما تقول عن نفسها ” أنا وردة شارون، سوسنة الأودية”(نش 2: 1)، فهي تشبه نفسها بـالسوسن المصري المعروف بـ “عرائس النيل”، وتستخدم كلمة”شوشناه” العبرية ذات الأصل الفرعوني التي تدل على هذه الأزهار، وهذا الرأي كان يقول به اللاهوتي الشهير ثيودوروس المصيصي (350-428م.).
بينما اقترح فريق رابع فكرة المطابقة بين شولاميت و “ملكة سبأ” (بالعبرية:מלכת שבא ملكت شفا) بناء على نفس الآية التي تتحدث فيها عروس السفر عن سمارها ([5])، لكن الكتاب المقدس لا يتحدث عن أية علاقة حب أو زواج بين سليمان و هذه الملكة، ولا يذكر حتى اسمها، والمذكور فقط هو زيارتها لسليمان و إعجابها بعظمة ملكه و حكمته وتبادلها الهدايا الثمينة معه(1مل 10: 1-13)، و لاحقا أعطت الأساطير العربية هذه الملكة اسم (بلقيس)، وزوجتها من سليمان؛ فيما أعطتها الأساطير الإثيوبية اسم “ماكيدا” (Makeda)، واعتبرتها ملكة إثيوبيا، معززة رأيها بآيات إنجيل متى (12: 42) وإنجيل لوقا (11: 31) التي يرد فيها الحديث عن “ملكة الجنوب”([6])، وطرحا من هذا القبيل نجده عند العلامة أوريجانوس في “أحاديثه عن نشيد الأناشيد” حيث يصف الجمال المحكي عنه في الآيات (1: 4-5) النشيد بـ “الجمال الإثيوبي”([7]) .
لغة السفر:
السفر في نصه المباشر هو عبارة عن حوارية حب جنسي بين عشيقين، يفصحان بكل صراحة و جرأة عن مكنون علاقتهما بكل أبعادها العاطفية والشهوانية، ويستخدمان تعابير تعبر عن جيشان العاطفة، وحرارة الرغبة، وتتحدث عن الوصال الحميمي، وتصف حتى الأجزاء المحرمة من الجسد، وتستخدم ألفاظا مثل نهد وفخذ وسرة، وسواها، وكأن السفر بذلك ينتهك تابو اللغة العامة، فما بالك باللغة المقدسة.
ومن التعابير الشهوانية فيه مثلا،ما تقوله الحبيبة عن الحبيب:
«ليلثمني بقبلات فمه،لأن حبك ألذ من الخمر. » (نش 1: 2)
«حبيبي صرة مر لي، هاجع بين نهدي. » (نش 1: 13)
«شماله تحت رأسي، و يمينه تعانقني. » (نش 2: 6)
«طوال الليل على مضجعي طلبت بشوق من تحبه نفسي، فما وجدته. » (نش 3: 1)
«فمه عذب و كله مشتهيات. هذا هو حبيبي و هذا هو خليلي يا بنات أورشليم! » (نش 5 : 15)
ومن الغزل الجريء الصريح ما يقوله الحبيب للحبيبية:
«نهداك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن» (نش 4: 5)
«ما أرشق قدميك يا بنت الأمير! فخذاك المستديرتان كجوهرتين صاغتهما يد صانع حاذق. سرتك كأس مدورة، لا تحتاج إلى خمرة ممزوجة، وبطنك كومة حنطة مسجية بالسوسن. » (نش 7 : 1-2)
«ما أجملك أيتها الحبيبة وما ألذك بالمسرات! قامتك هذه مثل النخلة، ونهداك مثل العناقيد. قلت لأصعدن إلى النخلة وأمسك بعذوقها، فيكون نهداك لي كعناقيد الكرم، وعبير أنفاسك كأريج التفاح. فمك كأجود الخمر. » (نش 7 : 6-9)
لكن التعابير الشهوانية والغزل الجريء ليسا كل ما في السفر، ففيه لغة وصف جمالي رفيعة الذوق، وتعابير عشقية تنم عن عواطف رقيقة مرهفة، ومشاعر حارة متدفقة، وهذا ما نجده في كلام العروس:
«هذا هو صوت حبيبي! ها هو آت طافرا على الجبال واثبا فوق التلال. حبيبي كظبي أو كالأيل الفتي. » (نش 2 : 8- 9)
«استيقظي يا ريح الشمال، وهبي يا ريح الجنوب ، هبي على جنتي ، فينتشر عبيرها. ليقبل حبيبي على جنتي و يتذوق أطيب ثمارها. » (نش 4: 16)
«عيناه حمامتان عند مجاري المياه، مغسولتان مستقرتان في موضعهما. » (نش 5: 12)
«خداه كخميلة طيب تفوح عطرا، وشفتاه تقطران مرا شذيا. » (نش 5 : 14)
«ساقاه من ذهب نقي، طلعته كلبنان، كأبهى أشجار الأرز» (نش 5 : 15)
« أنا كسور ونهداي كبرجين، حينئذ صرت في عينيه كاملة. » (نش 8 : 10).
«أسرع إلي كالهارب يا حبيبي، وكن كالظبي أو الأيل الفتي على جبال الأطياب! » (نش 8 : 14)
«أسندوني بأقراص الزبيب، أنعشوني بالتفاح، فإني مريضة حبا. » (نش 2 : 5)
«أنا لحبيبي، وحبيبي لي، وهو يرعى بين السوسن. » (نش 6 : 2)
وفي رد العريس عليها:
«كم أنت جميلة يا حبيتي، كم أنت جميلة! عيناك حمامتان! » (نش 1 : 15)
«أنت جميلة يا حبيبتي كتـِرصة ([8])، حسناء كأورشليم، وجليلية كجيش يرفع أعلامه (نش 6 : 4)
«أشيحي بعينيك عني، فقد قهرتاني» (نش 6 : 5)
«من هذه الطالعة كالفجر، الجميلة كالبدر، المشرقة كالشمس، الجليلة كجيش يرفع أعلامه» (نش 6 : 10)
كما نجد إحساسا حيا عميقا بجمال الطبيعة، التي تشكل الخلفية المشهدية للوحة الحب المتكاملة هذه، التي يتكامل فيها الحب و الجمال والحيوية في كل من الإنسان و الطبيعة.
فها هي عروس السفر تقول:
«أنا وردة شارون، سوسنة الأودية. » (نش 2 : 1)
«حبيبي بين الفتيان كشجرة تفاح بين أشجار الوعر، تحت ظله اشتهيت أن أجلس، و ثمره حلو لحلقي. أتى بي إلى قاعة احتفاله، ورأيته فوقي محبة. » (نش 2 : 3-4)
«أنا لحبيبي، وإلي تشوقه. تعال يا حبيبي لنمض إلى الحقل و لنبت في القرى. لنخرج مبكرين إلى الكروم، لنرى هل أفرخت الكرمة، وهل تفتحت براعمها، و هل نوّر الرمان؟ هناك أهبك حبي. قد نشر اللفاح أريجه، وتدلت فوق بابنا أفخر الثمار، قديمها وحديثها، التي ادخرتها لك يا حبيبي» (نش 7 : 12-13)
«خاطبني حبيبي وقال: انهضي يا جميلتي و تعالي معي، فها الشتاء قد انقضى، وكف المطر وزال. وأزهرت الأرض، وحل موسم التغريد، وتردد هديل اليمام في أرضنا. قد أنبتت التينة فجها، و نشرت الكروم المزهرة أريجها، فانهضي يا حبيبيتي يا جميلتي وتعالي. » (نش 2 : 10-13)
ثم نجد لديها هذا المقطع البديع في عمق الإحساس و التعبير الإنساني، عندما ترتـّل هذه الكلمات الملهمة في الحب، التي تذكرنا بأنشودة المحبة العظيمة للقديس بولس في (1كور 13: 1-13)، ولن نجد كلاما ملهما في الحب و المحبة يفوق ما كتب في تلك المقطوعة وهذه:
«اجعلني كخاتم على قلبك، كوشم على ذراعك فإن المحبة قوية كالموت، والغيرة قاسية كالهاوية. ولهيبها لهيب نار، كأنها نار الرب! و لا يمكن للمياه الغزيرة أن تخمد المحبة، ولا تستطيع السيول أن تغمرها.لو بذل الإنسان كل ثروته بيته ثمنا للمحبة لاحتقرت أشد الاحتقار. » (نش 8 : 6-7)
ومع ذلك فهذه اللغة الجميلة في السفر انعكست عيه سلبا، وجعلته قديما وحديثا عرضة للانتقاد والهجوم والسخرية في كثير من الأحيان.
إشكاليَّة السفر:
كما سلف الذكر تكمن الإشكالية في السفر في كونه يستخدم تعابير جنسية، ويتكلم في العشق الجنسي، وهذا- المعترضين عليه – لا يليق بسفر مقدس، يفترض فيه الحديث في المقدسات والإلهيات، وتبعاتها في عالم الإنسان على الأرض، و السفر بما فيه من شهوانية و غزل فاضح- برأيهم- يتناقض مع الرسالة التي يفترض أن تحملها الأسفار المقدسة، ولذا ظهر وما زال يظهر من يشكك بهذا السفر و من يهاجمه ويدينه.
فمثلا، في القرن الأول اعترض عليه الحاخام شمعـَي (Shammai)، وسعى لحذفه من الكتاب المقدس، لكن مسعاه رفض من قبل مدرسة هليل (Hillel) اليهودية التقليدية التي أكدت قانونية السفر([9])، وأعيد تأكيد قانونيته في مجمع جامينا الذي عقد في أواخر القرن الأول، وقد لعب الحاخام عقيبا الذي سلف ذكره دورا هاما في ذلك..
كما اعترض عليه لاحقا الأب تيودوروس المصيصي (350-428م.) ، الذي اعترف بنسبه لسليمان، لكن اعتبره مكتوبا من قبله بمناسبة زواجه من ابنة فرعون الوثنية (1مل 11: 1) في حين ينهى إله إسرائيل عن الزواج من الوثنيات، ولذا لا يجوز برأيه إدراجه في الكتاب المقدس، لكن المصيصي أدين لاحقا على هذا الرأي([10]).
وفي المحصلة بقي السفر في الكتاب المقدس، لكن كلا من المفسرين اليهود والمسيحيين نحوا منحى تفسيره الرمزي، الذي وجدوا فيه تفاديا للإشكالية الجنسية القائمة في معناه المباشر.
وهكذا أصبح النص برأي اليهود نصا تمثيليا معبرا عن الحب الإلهي في العلاقة بين يهوه الذي يمثله الحبيب وإسرائيل التي تمثلها الحبيبة في النشيد، فيما صار الحبيبان مسيحيا هما المسيح والكنيسة، أو المسيح والنفس البشرية.
وقد كثرت التفاسير وتعددت واختلفت في التفاصيل بين الطرفين وعند كل طرف، لكن التفسير التأويلي هيمن حتى عصر النهضة، حيث بدأت تظهر أصوات تدعو للاعتراف بالحب البشري بجانبيه الروحي والجسدي الموجود في النشيد، ولا تراه متناقضا مع الحب الإلهي بل متكاملا معه .. وبالتالي فالنشيد يعترف بالحب البشري ويعبّر به عن الحب الإلهي حسب هذه المقاربة ([11]).
“سر شولاميت”
.. الآية الأكثر إشكاليّة..
مع تطور الفكر العلمي والإنساني المعاصر خصوصا في الغرب الأوروبي والأمريكي، بلغ النقد الموجه للكتاب المقدس واللاهوتين اليهودي والمسيحي أقصاه، وهذا دفع بالمفكرين وعلماء اللاهوت من كلتا الديانتين إلى إعادة النظر في التقاليد العقائدية والتفاسير الكتابية، وإعادة طرحها بما يتناسب مع العقل والعلم المعاصرين، وهذا بالطبع أعطى مجالا واسعا ودرجة عالية من الحرية لهؤلاء المجددين لطرح أكثر الأفكار جرأة وخروجا عن المألوف، ولعل أفضل مثال على هذا الأمر هو الآية التي تتحدث عن “سرة شولاميت”، ومن الخير هنا إيراد المقطع الذي ترد فيه هذه العبارة كاملا:
«ما أرشق قدميك يا بنت الأمير! فخذاك المستديرتان كجوهرتين صاغتهما يد صانع حاذق. سرتك كأس مدورة، لا تحتاج إلى خمرة ممزوجة، وبطنك كومة حنطة مسيّجة بالسوسن. نهداك كخشفتي ظبية توأمين. عنقك مصقول كبرج من عاج. عيناك عميقتان ساكنتان كبركتي حشبون عند باب بث ربيم. أنفك شامخ كبرج لبنان المشرف على دمشق، رأسك كالكرمل، وغدائر شعرك المتهدلة كأرجوان» (نش 7 : 1-5).
وكما نرى فالحبيب هنا يصف حبيبته من أخمص قدميها تصاعديا وبالتسلسل حتى رأسها وغدائرها، لكن هناك قفزة من الفخذين إلى السرة، وإعادة وصف للبطن وكأن التصاعد والتسلسل ينقطع في هذه النقطة بالذات، فما الأمر وما هو السر فيه؟1
هذا الجواب نجده عند عدد من الباحثين الغربيين وبعض العرب، وعن هذه النقطة بالذات يقول الأب لويس خليفة – وهو العالم في اللغة العبرية- في كتابه المشترك مع الأب يوحنا قمبر”نشيد الإنشاد أجمل نشيد في الكون” ([12]) : «سرتك – وافهم ما السرة- كوب لا يفرغ من الخمور.»، ثم يقول الأب قمبر بكلام لا لبس فيه: « الوصف جريء، و تشبيه السرة بكوب لا يفرغ من الخمر يعني الإشارة بها إلى العضو النَسَوي إشارة لطيفة» ([13])، وهذا الكلام نجد له تأكيدا في “التفسير الحديث للكتاب المقدس” الصادر عن دار الثقافة في مصر لنخبة من العلماء الإنجيليين([14])، حيث يقال أن كلمة “سرة” هي برأي بعض الباحثين ترجمة خاطئة للأصل العبري، وأن الترجمة الصحيحة هي “الفتحة التناسلية للمرأة”، والكتاب الأصلي هو من تأليف القس ج. لود كار (G. Lloyd Carr) أستاذ الدراسات الكتابية واللاهوتية بكلية غوردون بجامعة ويتهام في ولاية ماساشوسيتس الأمريكية، كما يمكننا أن نجد شرحا مفصلا لهذا الموضوع على موقع (net.bible) ([15]) ، حيث يقال أن الكلمة الواردة في الآية هي بالعبرية (שֹׁרֶר) (srr)، وهي حسب رأي بعض الباحثين – والكلام للمقالة على الموقع- تقارب باللغة العربية كلمة (سِرّ)، التي تعني (مكان سري، أعضاء جنسية، مجامعة، زنى)، ويدعم هؤلاء رأيهم بالحجج التالية:
أ- إن مديح العروس يتم بشكل صاعد بدءا من قدميها وحتى شعرها، و الحركة من فخذيها إلى فرجها ثم إلى بطنها تتوافق مع هذا الصعود.
ب- وصف سرتها بكأس الخمر في هذا المشهد سيبدو عنصرا غريبا ونافرا، فهل سرتها رطبة أو ممتلئة بالسوائل؟، لكن المشهد سيبدو متناسبا إن كان فرجها هو الموصوف.
ج- السرة هي بشكل ما رديف في المعنى للبطن الذي تدل عليه كلمة (בִּטְנֵך) (btnkh) في السطر التالي، ولأن الآيات (نش7 : 1-7) ليس فيها ترادفات ثنائية، فـ مصطلح (שֹׁרֶר) يجب أن يعني شيئا آخر غير البطن.
هذا الطرح الجديد نسبيا، له العديد من المؤيدين في الغرب، ولاسيما خارج الأوساط الدينية، وقد اعتمد منذ وقت غير بعيد في فيلم وثائقي بعنوان “الجنس في الكتاب المقدس”.
لكن مع ذلك ثمة من يعارض هذا الرأي بحقيقة أن المصطلح المذكور نفسه قد استخدم في العديد من الحالات في الكتاب المقدس والكتب الدينية اليهودية بمعنى “سرة”، منها مثلا (حز 16: 4)، و (أمث 3 :8) ([16]).
غير أن الاعتراضات لا يمكن اعتمادها بشكل نهائي لتحديد المعنى الدقيق للمصطلح المذكور، فالنسخ المختلفة من ترجمات الكتاب المقدس لم تجمع على ترجمته كـ “سرة” أو كـ ” جسد”، وقد ترجم بهذه أو تلك في أكثر من موضع من الكتاب المقدس، ومنها إضافة إلى آية سفر النشيد التي يتم الحديث عنها، آية سفر الأمثال المذكورة أعلاه، وهذا يبقي المعنى الدقيق للمصطلح ضبابيا.
فعلى سبيل المثال، في الترجمات الإنكليزية الحديثة مثلا، تترجم نسخة (NHEB) و (ASV) مصطلح (בִּטְנֵך) في سفر النشيد بـ “جسد” (body) ([17])، وكذلك تفعل (MSG)، فيما تترجمه نسخة (BBE)بـ “معدة” (stomach)، أما نسخ (NET) ، (NIV)، (NASB)، (NLT)، (KJV)، وغيرها فتترجمه بـ” سرة” (navel) ([18])، ومثل هذا الاختلاف نجده أيضا في ترجمة بقية الآيات التي يرد فيها نفس المصطلح.
أما الآية (أمث 3 :8) فهي مثلا: «فيتمتع جسدك بالصحة و عظامك بالارتواء» في ترجمة “كتاب الحياة” للكتاب المقدس ([19])، لكنها « فيكون شفاء لسـُرتك، وسقاء لعظامك » في ترجمة (فاين دايك Van Dyke Version).
حقيقةً، إن كل الترجمات القديمة والحديثة من السيبتواغينتا اليونانية (ق3. ق. م تقريبا)، إلى الفولغاتا اللاتنيية (ق4. م تقريبا)، إلى ترجمة الملك جيمس في بداية ق. 17م.، و الترجمات الإنكليزية والعبرية الحديثة والعربية، وسواها تستخدم مصطلح “سرة” أو “جسد” مقابل (שֹׁרֶר).
لكن مع ذلك يبقى احتمال أن كل هذه الترجمات تمت في إطار نفس التقاليد المعتقدية التي أعطت نشيد الأناشيد معناه المجازي وربطته بالحب السماوي، ورفضت بسبب موقفها المدين للجنس التعامل معه كسفر حب جنسي، وبالتالي لا يمكن لذلك المصطلح في مثل هذه الأجواء أن يترجم بمعنى “العضو الأنثوي”، هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية، يبقى دائما موضوع دقة الترجمة أمرا قائما، وبهذا الخصوص يقول الباحث الفرنسي فيليسيان شالي: «أساء التراجمة الأغارقة فهم معان كثيرة في النص العبري، بل أن القديس جيروم (هيروننيموس) فعل مثلهم في الفولغاتا»([20]).
وعلى أية حال يبقى هذا الموضوع مثارا للجدل و الاجتهاد، وبما أن اللغة العبرية القديمة كان لديها ولابد كلمتها الصريحة المعبرة عن العضو الأنثوي، وهي بالتأكيد ليست الكلمة التي يدور حولها الجدل، وإلا لما دار، يصبح لابد من طرح السؤال عن السبب الذي جعل المؤلف لا يستخدمها في النشيد أو ربما جعل محررا لاحقا يقوم باستبدالها باللفظة الحالية فيه.
وهذه المسألة قد يبدو عرضها جد مستهجنا لدينا في الشرق، لكن البحث فيها أصبح مقبولا كليا في الغرب، وطرحها فيه أصبح أمرا يتم التعاطي معه بشكل عادي حتى في الأوساط الدينية المعنية، ولا يعد هذا مثارا للحفيظة و الغضب، وكأنه ثمة استعداد من حيث المبدأ لقبوله فيما لو أثبت.
ويرى بعض اللاهوتيين أن وصف جسد المرأة أيا كان في السفر لا يشكل مشكلة، فالسفر يعيدنا إلى أصالة التكوين و بدايته الطاهرة في الجنة، فالله قد خلق حواء أنثى بهذا الشكل كله، كما خلق آدم ذكرا، وكلاهما كانا عريانين في الجنة قبل الخطيئة، ولم يكونا يخجلان من عريهما أمام بعضهما البعض و لا أمام الله نفسه (تك 2: 25 ) ، فالخجل من الجسد ابتدأ مع الخطيئة (تك 3: 10 ) ، والمشكلة ليست إذا في الجسد بكل أعضائه، ولا في الجنس، لأن الله هو من خلق آدم وحواء ذكرا وأنثى ليثمرا و يتكاثرا (تك 1: 27-28 )، بل المشكلة هي في الطريقة الآثمة التي يتم فيها التعاطي مع كل من الجسد والجنس.
إذا، وحسب هذه المقاربة، يمكن الاستنتاج أنه حتى لو ثبت بالدليل القاطع أن مصطلح(שֹׁרֶר) الوارد في النشيد يدل على العضو الأنثوي، فبنظرة عقلانية منفتحة يمكن الجزم بأن هذا لا يشكل بتاتا انتقاصا من قيمة السفر، بل على العكس، إنه يعطيه قيمة تامة لأنه يتعامل مع الحقيقة الإنسانية بتمامها، ولا ينحدر إلى مستوى الفضيلة الزائفة التي تعاكس الطبيعة الإنسانية بطابعها الجنسي، فترمي الجنس بالنجاسة ثم تتحرق نزوعا إليه.
ماذا يقول العلماء؟
بالنسبة لعلماء التاريخ والأديان و علم الاجتماع، الظاهرة الدينية ككل هي عبارة عن نتاج بشري محض، وبالتالي فليس ثمة أية أسفار موحى بها أو منزلة، والأديان الإبراهيمية الثلاث ينظر إليها كحلقات في سلسلة تشكل وتطور أديان الشرق القديم، وسفر نشيد الأناشيد يعتبر استمرارا لأناشيد الحب والخصب التي كانت سائدة في عبادات الخصب في هذه المنطقة، وهو يقرأ بالتوازي والتقاطع مع الأناشيد المشابهة التي عثر عليها في آثار وادي النيل والهلال الخصيب وبلاد اليونان، وسواها..
ويذهب العديد من الباحثين على ضوء المعطيات الأركيولوجية الحديثة إلى أن مدينة أورشليم كانت مدينة كنعانية، على مر تاريخها، وأنه لا وجود لأية قومية عبرية، ولا لأي دخول عبري مزعوم إليها ولا إلى أية منطقة أخرى في فلسطين كلها لا بشكل سلمي ولا بشكل حربي، فاليهود هم أساسا فئة من الكنعانيين كانت تعبد “يهوه” قبل السبي البابلي، ولم يكونوا موحدين (monotheists)، بل كانوا عبدة إله واحد (henotheists)، ولم يكن يهوه أكثر من “إله مدينة أورشليم”، لكن عند احتكاك اليهويين ذوي المعتقد البدائي خلال السبي بالثقافة البابلية الأرقى التي كانت على مشارف التوحيد، أخذوا عنها فكرة الإله الواحد، ثم بعد سقوط بابل بيد الفرس أخذوا عن الثقافة الفارسية – وهي بدورها أرقى من ثقافتهم- فكرة الشيطان كقطب شر كوني، و المخلـّص المنتظر.
وفي ما يتعلق بكل من سليمان و داوود فهما في هذه الأطروحة ليسا إلا ملكين كنعانيين يتبعان آلهة الكنعانيين([21]).
وهكذا يصبح ممكنا الجمع بين محتوى “نشيد الأناشيد” العشقي الجنسي، ونسبه إلى سليمان الملك الكنعاني المثابر على تقاليد “الخصب ” الكنعانية والملتزم بها، وللباحث السوري المعروف فراس السواح رأي شيق بهذا الصدد، فهو يقول في لغز عشتار: «تسللت سيدة الحب الجنسي إلى كتاب التوراة العبرانية، وشغلت سفرا كاملا من أجمل أسفاره، ألا وهو نشيد الإنشاد المنسوب للملك سليمان الذي كان طيلة حياته من عبدة الآلهة السورية، وخصوصا عشتاروت (عشتار) وبعليم (بعل). فالسفر بكامله أنشودة حب وعشق دنيوي متقد، مرفوعة إلى عشتار، مهما حاول اللاهوتيون إقحام تفسيراتهم الروحية ورموزهم الدينية عليه.» ([22]).
وهذا الكلام يؤيده الكتاب المقدس بقوله عن سليمان: « وما لبث أن عبد عشتاروت إلهة الصيدونيين، و ملكوم إله العمونيين البغيض» (1مل 11:5).
إن القرابة في الشكل والمضمون بين نشيد الأناشيد و أناشيد الخصب القديمة واضحة، ويمكننا مقارنته مثلا مع أناشيد الحب المصرية القديمة، حيث نجد أحد هذه الأناشيد يقول:
«… آه لو كنت خاتمها ملتفا حول أصبعها فسوف تحميني
كشيء يزين حياتها
آه ..لو كنت مرآةً لك فتنظري إلي دوماً
ليتني كنت ثوباً ترتديه دوماً ..
ليتني كنت ماءً يستحم به جسدك
أو بلسماً يا حبيبتي فأستطيع دهانك
أو صدرية لنهديك
أو درة في عنقك… »([23])
وقد تم العثور على العديد من الأناشيد والمقاطع الشعرية المشابهة، ومن أشهرها النشيدين الموجودين على “بردي هارّيسن 500″ و”بردي تشيستر بيتّي I” ([24]) .
والنشيد بمحتواه الذي تبدو فيه بشكل جلي المرأة مساوية تماما للرجل، وشريكة ندية تامة في علاقة الحب الجنسي الصريحة، هو أقرب إلى تقاليد الخصب والأمومة، التي تحتفظ فيها المرأة والعلاقة الجنسية بمكانتمها العالية، منه بكثير إلى التقليد اليهوي الإسرائيلي المغرق في الذكورية، التي تتدنى فيها مكانة المرأة وتتدنى معها القيمة الإنسانية للجنس المرتبطة بها، وتفقد المرأة الندية والتساوي مع الرجل، وهذا ما نجده مثلا في قصة سقوط الإنسان التي ابتدأت بمعصية حواء (تك 3: 1-24)، وغير ذلك من مواقع الكتاب المقدس.
بل يمكننا الذهاب أبعد من ذلك والقول بأن النشيد أيضا يميل للتركيز على بطلته، فالحبيبة فيه هي الشخصية الأكثر حضورا والأعلى صوتا في مشاهده، فهي التي تفتتحه وهي التي تختتمه، وهي تظهر 17 مرة، وتنشد 72 آية بمفردها، وتشترك في آية واحدة مع الحبيب، وتتفرد بالإصحاح الثالث بكامله.
أما الحبيب فيظهر عشر مرات، وينشد 40 آية، و يشترك في آية واحدة مع الحبية هي الآية (7: 9)، وبآية أخرى مع بنات أورشليم هي (8: 7) فقط.
وحديث الحبيبة هو الأغنى و الأشمل، فحديث كلا الحبيبين يتضمن الوصف الجميل للآخر، والتعبير عن جمال حبه وحلاوة وصاله، فيما تنفرد شولاميت بالحديث عن معاناتها الخاصة كما هو الحال في كلامها عن حراس المدينة الذي آذوها عندما خرجت تبحث عن حبيبها، وفي وصفها الذاتي لنفسها بأنها سمراء، وأنها وردة شارون و سوسنة الأودية وما شابه، وفي حديثها عن قوة وعظمة المحبة في أواخر النشيد.
وهذا دليل إضافي على أن تقاليد الخصب الأمومية هي أقرب من الذكورية اليهوية إلى هذا النشيد.
السفر بين الهجوم والدّفاع عربيا:
ما نزال في شرقنا العربي نعاني أشد المعاناة من إنغلاقنا العقلاني والروحاني، ومن فصلنا للمقدس عن الإنسان، وعدم قدرتنا على الاعتراف بإنسانية الإنسان والمصالحة معها.
وما زلنا نتعامل بأشد أشكال المحافظة مع الدين والجنس، اللذين ينتميان إلى أكثر زوايا التابو حدة.
وما زال تعاملنا مع الآخر يفتقد لمبدأ الاعتراف والمساواة، ومركزا على مساعي الإلغاء أو التشويه.
وفي هذا المناخ غير السوي، ليس غريبا أن نجد الكثيرين ممن لا يوفرون فرصة في مهاجمة الغير والحط من ثقافته و معتقداتهم، وهؤلاء يجدون في العبارات الجنسية في سفر النشيد مادة دسمة لوصم هذا السفر بالوثنية والإباحية بشكل خاص، وللهجوم على الأديان التي تعترف به سفرا مقدسا بشكل عام، وكأن هذا السفر يشكل حجة دامغة على بطلان هذه الأديان.
وهذا ما يفعله الكثير من الإسلاميين وبعض العلمانيين الذين يستغلون هذا السفر وسواه للهجوم على اليهودية والمسيحية.
يتركز الهجوم على “الجنس”، فهو “عيب” وهو “دنس” وهو ” انحطاط”، وهذا يبدو قاسما مشتركا عند من يهاجـِمون وعندما من يهاجـَمون، فعندما يرد هؤلاء، فهم يبنون دفاعهم على نفي تهمة “الجنس” عن سفر النشيد، بل ويقومون غالبا بهجوم معاكس على من يرى أن السفر سفر”حب جنسي ” حتى ولو كان لا يتقصد الإساءة لهم والنيل منهم.
وهذا حال أكثرية رجال الدين المسيحي في المنطقة العربية، الذين ما يزالون في محافظتم المغرقة دينيا و جنسيا يقرنون الجنس بالدنس، ويصرون على التأويل الرمزي للنشيد الذي يبتعد به كليا عن معناه المباشر، ويؤكدون أنه سفر معبر عن حب المسيح للكنيسة وحب الله للإنسان، ويفسرونه آية آية في هذا السياق والنطاق العقائدي، وهذا ما نجده مثلا عند معظم أعلام الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية المصرين على رمزية السفر، ورمزيته الحصرية ([25])
لكن قلة من رجال الدين المسيحي العرب، امتلكوا القدر الكافي من الوعي والجرأة، ليعترفوا بـ “الشطر البشري” من الحب المطروح، فاعترفوا بأنه نصا يتحدث عن الحب الجنسي من ناحية، وعن الحب الإلهي من ناحية ثانية، ومنهم – رغم الاختلافات الجمة في المقاربات- الأبوان يوحنا قمبر ولويس خليفة في كتابهما المذكور آنفا بدرجة رئيسة، وبدرجة ما الأب بولس الفغالي في شروحاته على النشيد([26])، والأب بيتر حنا مدروس([27])،وسواهم في مقاربة يوحنا قمبر و لويس خليفة يوجد تجديد جذري، فهنا نجد فهما مباشرا للنشيد كعلاقة حب جنسي، لا يدخل فيه أي تفسير رمزي أو تأويل، والنص يعبر عن الحب الإنساني المتكامل بين المرأة و الرجل، أما وجوده في الكتاب المقدس فهو اعتراف بمكانة هذا الحب و مباركة له، وتقديما له كجزء من الحب الإلهي الأشمل والأكمل و تصويرا للحب الإلهي من خلاله، وغاية النشيد في الخلاصة هي إضفاء الكرامة والبركة على الحب الجنسي، وربطه بالحب الإلهي، وتمثيل للحب الإلهي عن طريقه.
والربط هنا يتم من حيث المبدأ والفكرة العامة، ولا تدخل فيه التفاصيل الجزئية بتاتا فهي خاصة فقط بمضمونه المباشر كأنشودة عشق جنسي.
أما بولس الفغالي فلديه نوعا ما بعض من التجديد، فهو يقبل بإمكانية أن نقرأ في النشيد تصويرا جميلا ونبيلا للعلاقة الزوجية وأن ننظر إليها من خلال النشيد كعلاقة مباركة ممجدة، لكنه يصر على أن الغاية الأساسية من إدراج السفر في الكتاب المقدس هي تصوير محبة الله الإنسان والمسيح للكنيسة، ولذا فهو يتمسك بالتأويل التفصيلي لكل آيات النشيد.
بينما تتميز مقاربة بيتر حنا مدروس بثنائية تأويلية جميلة تجمع بين المعنى المباشر والتأويل المجازي التقليدي، فهو يرى في صورة الحب الجنسي المثالية المعروضة في النشيد إعادة لهذا الحب إلى أصله الطاهر الكامل الذي كان عليه في الجنة قبل سقوط الإنسان، وتقديما له بالشكل الأرقى الذي يراه الله فيه ويريده له، وهذا هو الحال الذي كانت عليه العلاقة بين آدم وحواء قبل الخطيئة، وبهذه المعيارية الإلهية يمكن لهذا الحب الجنسي المثالي المتكامل أن يكون خير ممثل للحب الإلهي ومعبر عنه، وبالتالي فالنشيد يحمل معنيين مرتبطين متتامين، وهما التذكير بالمعيارية الإلهية لعلاقة الحب الجنسي والتركيز عليها، وبالترابط والتزامن مع ذلك تمثيل الحب الإلهي من خلالها.
وما تقدم من مقاربات يمكننا أن نجد خلاصته الفكرية المشتركة بشكل موجز في التمهيد الذي تقدمه ترجمة “كتاب الحياة- ترجمة تفسيرية للكتاب المقدس” ([28]) للنشيد، التي تقول: « إن المعنى الظاهر لهذه الأناشيد القصصية هو الحب الإنساني الذي كرمه الله. وهو حب ممتع و مقدس طالما مارس صاحباه هذا بطاعة كاملة لوصية الله. فضلا عن هذا فإن كثيرين من المفسرين وجد في هذا الكتاب رموزا تشير إلى محبة المسيح للكنيسة، وهذا يتفق مع تعليم العهد الجديد بأن الله محبة (1يو 4: 8) ».
مفارقات نشيد الأناشيد:
لا يمكن لأي نص أن يقرأ اعتمادا على مكوناته الداخلية فقط وبمعزل عن ارتباطاته الموضوعية، فإذا فصلنا مثلا قصيدة من “خمريات ابن الفارض” عن شخصية ابن الفارض الصوفية وعن التقاليد الصوفية، و قرأناها كنص مجرد مقتصرين على معطياتها الداخلية، فلن نجد فيها أكثر مما يتضمنه معناها المباشر الذي يتحدث عن الخمرة والحب الاعتيادي، لكن عند قرائتها في بيئتها الصوفية يمكننا إدراك المعنى المجازي الكامن فيها.. والمدلول الرمزي لكل من الحبيب و الخمرة، وهذا يجعل القصيدة مفهومة بشكلها الصحيح فقط في تفسيرها القائم على التقليد الصوفي.
هذا من ناحية النص، ولكن هناك أيضا أمر لا يقل أهمية عنه ومرتبط بالقارئ، فقراءة النص أيضا مرهونة بموقع وطبيعة و خصوصية القارئ من الناحية الثقافية.
وعليه، ففهم أي نص يبقى متعلقا بكل من محتوياته الذاتية وارتباطاته الموضوعية، وبالتالي فكل من الإطار الثقافي والسياق الفكري لكل من المؤلف و القارئ يلعبان دورا جوهريا في فهم معنى النص.
وهكذا سنجد أن التباين والاختلاف في فهم و تفسير نشيد الأناشيد سيبقى أمرا حتميا بين القراءات المختلفة تبعا لاختلاف قرائه، وهذا ما نجده في اختلاف القراءات اليهودية والمسيحية والإسلامية والعلمانية وسواها.
فاليهودي يقرأ هذا السفر في إطار الإيمان التقليدي اليهودي، ويفسره بما ينسجم مع هذا التقليد؛ وفي ظل ثقافة ذكورية وانتقاصية في موقفها من كل من المرأة والجنس لا مفر من تفسير هذا السفر تفسيرا رمزيا، يتم من خلاله حل المشكلة الجنسية في لغة النص المباشرة عبر معنى باطني مفترض، يصبح النص فيه معبـّرا عن حب الإله يهوه لشعبه إسرائيل.
ففكرة الحب الجنسي المطروح في سفر النشيد بما يتضمنه من جنسية التعبير لا يمكنها أن تجد مكانا لها في قراءة دينية من قبل تقليد يعاب فيه الجنس وتنتقص فيه مكانة المرأة، و هكذا يؤمـّن التفسير الرمزي أو التأويل لأصحابه إمكانية الهروب من مشكلة اللغة الجنسية في النص، لكن هذا يطرح السؤال عما كان عليه الموقف في المدة الممتدة لقرون بين لحظة تقنين السفر وبداية تأويله، وكيف نظر اليهود إلى هذا السفر وتعاملوا معه؟1 ويجعل فكرة أن يكون الموقف الديني اليهودي من الجنس قد بقي فضفاضا على مدى هذه القرون، والحسم بالتدريج لصالح الموقف القيمي السلبي منه، مقبولة.
هذا النهج ، ولنفس الأسباب و أسباب سواها تابعته المسيحية، فهي بدورها لا تستطيع أن تقبل سفرا جنسيا في كتابها و تقليدها المقدسين، ولاسيما أنها ذهبت بطهرانيتها الجنسية إلى حد أبعد من اليهودية، فقرنت الجنس بالدنس، وأقصته عن ميلاد مؤسسها يسوع المسيح الذي ولد بحبل بلا دنس، وهي أيضا لم يكن بمستطاعها إنكار المنهجية التأويلية التي نشأت عند اليهود في تفسير النص، فهي قد اعترفت باليهودية واعتبرتها “كنيسة العهد القديم” الممهدة السبيل لـ “كنيسة العهد الجديد”، وإضافة إلى ما تقدم، دفعت المسيحية بدورها منهجية تأويل الأسفار المقدسة قدما إلى الأمام، وركزت على التفسير الرمزي لأسفار اليهود أكثر من تركيزهم هم أنفسهم على ذلك بكثير، فهي كانت بحاجة لذلك لكي تتمكن عبر هذا التأويل من إيجاد مكان مركزي ليسوع المسيح في العهد القديم، تربط به بين الإيمان المسيحي وجذوره اليهودية، وهكذا وصلت المسيحية إلى مقاربة تأويلية لسفر النشيد، تجعل الحب المطروح فيه بشكل جنسي حبا رمزيا يدل على محبة المسيح للإنسان جماعةً كنيسية و نفسا فردية.
إسلاميا، ينظر المسلم إلى النشيد بصفته سفرا في كتاب يعتبره محرّفا، وبذهنية تدين الجنس وتقبحه أيضا، وهذا قاسم مشترك بينه وبين كل من اليهودي والمسيحي التقليدي، وهذا يعطيه الفرصة ليجعل ما في لغة النشيد من جنسية في التعبير مادة مناسبة لمهاجمة السفر وكتابه وأصحابه، ورؤية السفر سفرا إباحيا و ثنيا شيطانيا، واعتبار تآويله ألاعيب احتيالية باطلة يقوم بها اللاهوتيون الكتابيون للالتفاف على الحقائق.
علمانيا، يرى العلمانيون في الدين ككل ظاهرة بشرية المنشأ، وهم يشاركون العلماء رؤيتهم نشأةَ كل من اليهودية والمسيحية بكل ما فيهما من معتقدات وتقاليد وأسفار فصلين في عملية نشأة وتطور الأديان في الشرق الأوسط القديم، وبالتالي يـُقرأ النشيد في سياق ديني كتابي مرتبط بسلفيات وثنية ومتطور عنها، ويغدو استمرارا لتقاليد الخصب الشرقية السابقة في لبوس يهودية أو مسيحية، وتصبح التفاسير الرمزية للسفر بدورها جزءا من عملية الإنتاج العقائدي الديني التي يقوم بها الإنسان، واستكمالا لضرورات عقائدية تدخل فيها كل من الأخلاق السلبية تجاه الجنس، والحاجة لبلورة وتمتين القوالب العقائدية في توصيف العلاقة ين الإله والإنسان، ممثلة بيهوه وإسرائيل يهوديا، وبيسوع والكنيسة مسيحيا.
وفي قرائته للسفر لا يعاني العلماني من ضغط التابو الجنسي أو الإرث العقائدي، وهو يستطيع أن يقرأه قراءة عقلانية حرة وأن يضع الحب الجنسي فيه في موقعه الإنساني الصحيح للحب والجنس، وأن يضع السفر نفسه بصفته سفرا دينيا في مكانه الإنساني الصحيح للدين.
إن وجود سفر النشيد كسفر عشق جنسي في كتاب مقدس لا ينتمي إلى تقليد الخصب أو الجنس المقدس، هو أمر إشكالي بحد ذاته، فماذا يفعل هذا الكتاب في مثل هذا السفر، وما الغاية من وجوده فيه؟! ومهما كانت العلاقة بين النشيد والأناشيد الوثنية المشابهة، فحقيقية وجوده في شكله اليهودي يبقى مثارا لأسئلة هامة:
•عن غاية مؤلف النص من تأليفه ([29]).
•وعن غاية مقنن النص من تقنينه.
ليس لدينا تقريبا أية معطيات تاريخية موثقة عن شخصية مؤلف النشيد، وتاريخ تأليفه للسفر، ولا عن البيئة الثقافية التي كان ينتمي إليها، ولا عن غايته من تأليف النشيد، ولا عن المنهجية التي كان يستخدمها سواء كانت المباشرة أو الرمز، ولا يمكن الجزم النهائي في ذلك، ولكن إذا نظرنا إلى تاريخ السفر الذي ليس فيه أية معلومات موثقة عن تأليفه، فسنجد في المقابل أن أكثر من ستة قرون تفصل بين تقنينه وبدايات ظهور تأويله، وخلال كل هذه المدة ليس ثمة ما يشير إلى وجود أية منهجية في “التعبير التمثيلي” وما تقتضيه من “تفسير رمزي” مرتبط بها في التقليد اليهودي، أما ما فعله بعض يهود الإسكندرية وأشهرهم فيلون، فكان عبارة عن إسقاطات تأويلية على الكتاب المقدس مرتبطة بتأثير الثقافة اليونانية أو المواجهة معها.
ما تقدم يصب في مصلحة “المعنى المباشر لتأليف النص”، ومثل هذا الكلام ينطبق بدرجة كبيرة أيضا على مقنن النص، الذي لا نعرف دافعه الحقيقي ولا غايته الحقيقية من التقنين، لكننا نعرف انتماءه إلى التقليد اليهودي المتعارض مع التقليد الخصبي، ومع غياب ما يدل على أي فهم رمزي لهذا السفر على مدى قرون بين التقنين والتأويل، و عدم وجود أية معطيات عن أية غاية مرتبطة بالإعلاء من شأن الحب الجنسي .. ووجود ما يدل على العكس من ذلك، يصبح مرجحا احتمال إدراج هذا السفر في كتاب اليهود المقدس فقط بناء على شيوع فكرة نسبه إلى الملك سليمان، الذي تصفه أسفار اليهود بالإبداع الإنشادي و بمحبة النساء، وهذا يعطي إمكانية الجمع بين هاتين الخصلتين في ذهن المقنن، وتقنين السفر بالارتباط معهما.
كل نص عند قراءته يحتمل العديد من التفاسير، وكل تفسير منها مطالب بتقديم الإثباتات والبراهين على مصداقيته، ومن حيث المبدأ كل نص يحمل إما معنى مباشرا أو مجازيا أو كلاهما، ولكن من المنطق القول أن افتراض المجازية في معنى النص هو ما يحتاج إلى الإثبات، وليس “المباشرة” عندما يحمل النص معنى مباشرا واضحا، فإن تعذر إثبات “المجاز” رجحت كفة المباشرة.
فهل من سند لمجازية تفسير نشيد الإنشاد؟
عند الكلام عن المجازية في الشعر الصوفي الإسلامي نجد الكثير من الإثباتات، فالمنهج الرمزي عند المتصوفة كان معروفا، وكانت أساليبه معروفة، وهذا ما نجده في كتابات وتآليف المتصوفة أنفسهم أو عند من كتب عنهم منذ بواكير نشأة الصوفية، وهذا يعني أن “فكرة التفسير بالمجاز” للأدب و الفكر الصوفيين لم تكن نتاج قرون لاحقة، مما يجعلها موضع مساءلة، ويجعل احتمال كونها إسقاطا غيريا كبيرا.
فماذا لدى المؤولين الكتابيين من هذا القبيل، وهل لديهم من أدلة تثبت استخدام الرمز والكناية في التعبير الكتابي؟
نعم ثمة شيء من هذا القبيل، فأسفار “إشعياء، إرميا، حزقيال، وهوشع” النبوية مثلا تستخدم لغة المجاز في وصف علاقة يهوه وإسرائيل، و تشبها أحيانا بعلاقة العريس والعروس، وغالبا بعلاقة الزوج والزوجة، حيث يمثل يهوه العريس أو الزوج، وإسرائيل العروس أو الزوجة.
لكن المجاز هناك واضح لا لبس فيه، بل يمكن القول أنه مجاز مباشر لا يحتاج إلى تأويل، والمعنى فيه واحد تقريبا، حيث تلعب إسرائيل دور الزوجة الزانية، التي تخون يهوه بالزنا مع الأغراب، أي بعبادة الآلهة الوثنية أو بإتباع العادات الوثنية، فيما يلعب يهوه دور الزوج الغيور، المنتقم، ولكن المتمسك بزوجته، والمواظب على حبها، والدائم السعي لاستعادتها وإقناعها بالتوبة.
هذه صورة نمطية في تلك الأسفار، وهي تقدم في هذا الشكل العام، وبدون أية تفاصيل، فيما يحفل النشيد بالتفاصيل والتعابير الدقيقة، ويمضي كله على هذا المنوال، فهل يكفي وجود تلك الصورة التشبيهية العامة في تلك الأسفار لتصبح القاعدة التي تفسر فيها تفاصيل النشيد الجزئية؟ وكيف يمكننا مثلا أن نقتنع بأن القبلات المذكورة في مطلع النشيد تعني “الشوق للتواصل المباشر مع الله” كما يقول العلامة أوريجانوس([30])، أو “انتظار التوراة” حسبما يقول الحاخام صموئيل بن مئير([31])، ومن منهما المحق وهما يؤوّلان باختلاف؟1 وعلى أي أساس يمكننا أن نقبل “أن الثديين يعنيان اللوحين الذين كتبت عليهما وصايا الناموس” كما يقول الحاخام جاك أبراموفيتش([32])؟ وكيف نحسم مسألة من تمثل شولاميت، وهل هي إسرائيل؟ أم الكنيسة؟ أم السيدة العذراء؟ أم غير ذلك؟ كما تقول التآويل المختلفة!
إن وجود تلك التشابيه في الأسفار النبوية المذكورة أعلاه لا يمكنها أن تشكل قاعدة لتأويل سفر النشيد، فهي بحد ذاتها واضحة ولا تحتاج إلى أي تأويل رغم استخدامها الكناية والتشبيه الواضحين كليا بدورهما، أما سفر النشيد فليس فيه ما يدل على أنه يستخدم لغة مستترة أو تورية، والمجازية فيه غزلية واضحة ولا تتعدى ما فيه من غنى بالمحسنات البديعية، ووفرة في الكنايات التعبيرية والتشابيه الجمالية، أما اللغة المجازية المفترضة التي تجعله يتحدث عن علاقة إلهية – بشرية ما، فيجب استعارتها وإسقاطها عليه من أسفار أخرى، تختلف بدورها عنه في مضمون وشكل الخطاب، ففي تلك الأسفار تصور الشخصية المؤنثة في الحديث عن علاقة يهوه بإسرائيل بصورة سلبية تقرنها بالخيانة والزنى المستمرين كما هو الحال في الآية التالية التي يخاطب فيها يهوه إسرائيل: «و لكنك اعتمدت على جمالك وزنيت اتكالا على شهرتك. أغدقت عهارتك على كل عابر سبيل راغب فيك، وأخذت بعض ثيابك فصنعت لنفسك مشارف للأصنام ملونة ً زنيت عليها زنى لم يكن له مثيل و لن يكون» (حز6: 15-16)، فيما تصور الشخصية الذكرية بصورة إيجابية تعبر عن الحب الدائم للطرف الآخر رغم أنه لا يستحقه بحد ذاته، كما تعبر عن الاستعداد الدائم للمسامحة، وعن الوفاء التام الذي لا يستبدل الزوجة بأخرى رغم خياناتها الكثيرة والمتكررة ، وهذه الصورة هي بحد ذاتها ذات طابع ذكوري جلي، فالجانب الخيّر فيها مقترن بالذكر والشرير منها بالأنثى، أما سفر النشيد، فلا وجود فيه لمثل هذه الصورة، فالحبيبان فيه متكافئان في الحب، وكلاهما يحب الآخر بمنتهى الحرارة والصدق، وكلاهما يصور بأجمل تعابير الجمال، ولا وجود لأي قبح مسلكي من قبل أي منهما بحق الآخر! بل نجد أن الحبيبة فيه هي صاحبة المبادرة في حديث الحب، وهي التي تتكلم أكثر وتعرب عن حبها وأشواقها لحبيبها وشدة سعيها إليه، وهكذا تظهر العلاقة في النشيد مثلى، وهي في غاية الجمال، وهي لا تشبه العلاقات الموصوفة في الأسفار النبوية الغارقة في القبح بكل ما فيها من خيانة وانتقام، وهذا يعطي الإمكانية للقول بأن سند المجازية التصويرية المستمد من أسفار أخرى يصبح واهيا جدا عند سحبه إلى نشيد الأناشيد.
تأويل سفر النشيد لا يقوم فعليا على المجاز، بل على “التبطين”، أي فرض وجود معنى باطني حقيقي وراء المعنى الظاهر الظاهري، وهذا لا تحتاجه الأسفار الأخرى، الواضحة تماما في معناها المباشر، أما إسناد التفسير الرمزي للنشيد على مجازات الأسفار الأخرى، فهو لا يقوم على منهجية منطقية، وهذا ما يمكن إيجازه بالأسباب التالية:
•عدم وجود أي دليل داخلي واضح على الغاية الرمزية في النشيد، أما الأسفار المذكورة فالكناية فيها واضحة ومباشرة.
•عدم حاجة تلك الأسفار إلى أي تأويل يدفعها إلى معنى باطني مختلف عن معناها الظاهر، بينما يحتاج النشيد إلى التأويل بالكامل ليتوافق مع التشابيه الواردة في تلك الأسفار عند أقصى مستويات عموميتها.
•اختلاف خطاب النشيد جذريا عن خطاب تلك الأسفار، سواء في صورة العاشقين أو في صورة العلاقة بينهما.
•لم يختلف المفسرون على تفسير آيات تلك الأسفار النبوية التي تصف العلاقة بين يهوه وإسرائيل، ولم يحتاجوا إلى أي تأويل لها، فيما اختلف المؤولون اليهود مع بعضهم البعض، ومع المؤولين المسيحيين، الذين لم يتفقوا بدورهم في ما بينهم على ما طرحوه من تآويل.
ما تقدم يجعل محاولات تأويل النشيد بناء على تشابيه وكنايات الأسفار الأخرى كمحاولة تأويل قصائد ابن زيدون الغزلية مثلا بالاعتماد على منهجية ابن الفارض الصوفية.
مما لا شك فيه أن الدافع الأساسي لتأويل النشيد كان وما يزال هو لغته الجنسية!
لكن هل هرب التأويل حقا من إحراج الجنس؟
هل التعبير بعبارات وأوصاف جنسية عن علاقة الله بالإنسان أمر مسموح ومقبول، وهو ليس كذلك عند الكلام عن علاقة الرجل المرأة؟!
وإن كان الجنس دنسا، والكلام فيه عيبا، فهل يجوز استخدام لغة الجنس المعيبة الدنسة لوصف الحب الإلهي المقدس؟
وهنا أوليس الجواب بالإيجاب يعني إمكانية تصوير فيلم إغراء أيروتيكي وتقديمه على أنه يوصف مجازيا علاقةً ما بين الله والإنسان؟
إن الهرب من الجنس في المدلول في النشيد إلى حب مفترض في السماء، لم يوفر بتاتا إمكانية الهرب من الجنس في الأسلوب في كل من اللفظة والفكرة، فما زالت القبلة تعني القبلة، والثدي يعني الثدي، والفخذ يعني الفخذ، والسرة تعني السرة، وإلخ.. وكل الأفكار المتعلقة بها في النص تعني بالضبط ما تعنيه، وفي جو عقائدي يحتقر الجنس ويعيبه، سنجد أنفسنا أمام تناقض فظيع لا تقبله إلا الذهنية الإيمانية المعتادة على السمع والطاعة والتسليم!
ذاك من ناحية، ومن ناحية ثانية، ما تزال العلاقة السلبية مع الجنس في الموقف اللاهوتي المسيحي التقليدي هي محرك التأويل الأساسي للنشيد، لتتعزز به بدورها، لكن هذا الموقف من الجنس ما زال يعطي الإمكانية الكبيرة للهجوم على النشيد والمسيحية معه ككل من قبل الآخرين، كالإسلاميين وبعض العلمانيين، والأصح أنصاف العلمانيين، مثلا عبر بوابة الجنس.
ولذا، إن أرادت المسيحية أن تخلص من التناقض بين سماوية المدلول ورجاسة الأسلوب في الصورة التقليدية للنشيد المقترن باحتقار الجنس، أو أرادت الخلاص من إحراج التعبير الجنسي في السفر، فليس أمامها إلا حل واحد في كلتا الحالتين، وهو تغيير المنظور الجنسي تماما، وإسقاط وصمة السوء والتفاهة والدنس عن الجنس، ووضعه في مكانه الإنساني الطبيعي، والنظر إليه كعلاقة نبيلة جميلة خلقها الله، و يجب أن تتم بما ينسجم مع إرادته وكلمته وناموسه لتحافظ على نبلها وجمالها، وهنا لا يعود ثمة أية إشكالية بتاتا في الربط بين الحب الجنسي والحب السماوي عبر النشيد، بشكل يحقق بينهما الانسجام والتكامل، ولا يعود ثمة داع لاختراع قوالب تأويلية و إسقاطها قسرا على آيات النشيد، وسيكون كافيا القول أن هذا النشيد يعبر وبكل صراحة عن الحب الجنسي بكافة أبعاده الجسدية والعاطفية والروحية، وهو موجود في الكتاب المقدس بهذه الصورة المثلى، لكي نرى فيه الشكل الأمثل للعلاقة بين الرجل والمرأة، الذي يعيدنا إليها في أصالتها الجنـّوِية قبل سقوط الإنسان، وهذا من ناحية اعتراف بها كعلاقة مباركة تنسجم مع الحياة الدينية القويمة، وفسح للمجال لتقديمها كعلاقة سامية يمكن من خلالها تمثيل العلاقة بين الله والإنسان، أو بين المسيح والكنيسة أو بينه وبين النفس البشرية.
في هذه المقاربة، يمكن العودة إلى سفر التكوين وما يقوله عن خلق وعلاقة، آدم و حواء للرد على أي اعتراض داخلي مصرّ على دناسة الجنس وعيبيته، فآدم و حواء – كما يقول سفر التكوين- خلقا ذكرا وأنثى و لم يكونا من نفس الجنس، وخلقهما ذكرا وأنثى لم يكن بالطبع عبثا ولا عرضا، بل كان بغاية أن تقوم بينهما علاقة على أساس الذكورة والأنوثة، علاقة جنسية فعلية، وليس علاقة مع وقف التنفيذ، وهي علاقة روحية وجسدية تامة، فالجسد حتى في عريه لم يكن معيبا في الجنة ولا أمام الله قبل السقوط.
أما في ما يتعلق بالإسلاميين، فالمشكلة في العرف الإسلامي تتشابه مع مثيلتها في العرف المسيحي التقليدي في نظرتها الشديدة الانتقاص لكل من المرأة والجنس، فإن كان الجنس دنسا في المسيحية التقليدية، فهو فحشاء في التقليد الإسلامي، وحتى الحب العاطفي أصبح عيبا بين الجنسين، والزواج الشرعي لا يعدو كونه ترخيصا لهذا الفحش أو ذاك الدنس في كلا العرفين، الذي اتفقا في نظرتهما الدونية للجسد، ولاسيما جسد المرأة وإن اختلفت الأساليب، وهذا ما قاد في النهاية إلى عدم اقتران العورة بالعضو الجنسي فحسب، بل إلى سحبها على كامل كيان المرأة لتصبح إسلاميا كلها عورة، وهذا التطرف الذكوري الموقفي من المرأة في العرف الإسلامي يعود في جذوره إلى التطرف الضد جنسي، وهو نفس المبدأ الذي يؤسس للتأويل الهروبي لسفر النشيد مسيحيا و يهوديا.
وبالتالي يمكن الرد على هجوم الإسلاميين على النشيد من منطلق جنسي بسؤالهم عن الصورة الحقيقية للجنس والجسد في الإسلام، فهل هما رجس وشر؟ وما هو البرهان على ذلك؟!
إن ذلك لا يستوي قطعا مع الصورة التي نجدها لهما في الإسلام، فالجنة الإسلامية مزينة ومزدانة بالحوريات ذوات الأجساد البلورية الطاهرة والخالية من أي عيب ([33])، الدائمات العذرية، اللاتي يمكن للمؤمن أن يطأهن دحما دحما ([34])، وليس في ذلك مخالفة لإرادة الله، بل تمتعٌ بنعمته الفردوسية على المؤمن، فأصحاب الجنة شغلهم افتضاض (مضاجعة) العـذارى([35])، ولا يعيب الواحد منهم أن يأتي إلى يوم الحساب عاريا كما ولدته أمه([36])، فالله قد خلق الإنسان بما فيه من روح و جسد، وبكل ما في الجسد من أعضاء في أحسن تقويم؛ كما أنه قد كرم نبيه سليمان من بين ما كرمه فيه بإعطائه القدرة على أن يطوف حتى على عشرات النساء في ليلة واحدة([37])، كما كرم المؤمن في الجنة أيضا بأن أعطاه القدرة لیصل في الیوم إلى مائة عذراء([38]).
وحتى على مستوى الألفاظ، ثمة اليوم ألفاظ يعتبر استخدام بعضها مشينا، وبعضها الآخر مكروها، ولكنها استخدمت إسلاميا عند الحاجة بدون أي حرج، ومنها ما ورد في الحديث، ومنها ما ورد في القرآن، وهي ألفاظ أكثر صراحة في جنسيتها من ألفاظ النشيد([39]).
والمشكلة ليست في اللفظة ولا في الفكرة بحد ذاتيهما، بل في الإطار الثقافي المحيط بهما وموقع ما تعبـّر الفكرة عنه أو ما تشير اللفظة إليه فيه من الناحية القيمية، فإن كانت اللفظة أو الفكرة مرتبطة بالجنس في ثقافة تعهره وتحتقره، فالتحقير والتعهير سيطال حكما كل ما يرتبط به من فكر وتعبير ولفظ وكل شيء آخر ينتمي إليه، وما يعانيه نشيد الأناشيد بسبب لغته الجنسية من هجوم إسلامي أو سواه.. ومن هروب يهودي ومسيحي تقليديين إلى التأويل يعود إلى الموقف السلبي المشترك عند كل هؤلاء الأطراف من الجنس.
إن الألفاظ والأفكار الجنسية الصريحة في النشيد، ليس فيها مشكلة بحد ذاتها، فالمشكلة- كما سلف القول- ليست في اللفظة ولا في الفكرة نفسهما، بل في السياق الذي تستخدمان فيه، وحين تعاد إلى الجنس مكانته الطبيعية والخلقية، لا يعود من مشكلة في استخدام اللفظة الجنسية في التعبير عن الحب الجنسي، ولو عدنا إلى الأدب العربي قديمه و حديثه، فسنجد فيه قدرا وافرا من الشعر والأدب والفكر الذي يتحدث عن أمور الحب الجنسي والجمال الحسي ولم يقصّر في وصف ساق أو بطن أو ردف أو نهد، بل و ذهب أبعد من ذلك إلى ما نعتبر الكلام فيه محرما اليوم، وقصائد مثل “اليتيمة ” و”المتجردة” و العديد من مثيلاتها، و قصص ألف ليلة وليلة بما فيها من غراميات ومشاهد جنسية، والكتب العديدة التي تناولت الجنس فقها وعلما وأدبا وترفيها خير دليل على ذلك، فهذا كله كان أمرا طبيعيا ولم يكن يعاب أو يدان في ظروف ثقافة نامية كانت تتعامل بواقعية وأريحية مع قضية الجنس، لكن عندما فقد العرب حضارتهم، فقدوا معها كلا من الواقعية والأريحية الجنسيتين، وانحطت كل جوانب ثقافتهم بما فيها الجانب الجنسي، ولذا ليس غريبا أن نجد اليوم مع ما نعانيه من حطة ثقافية شاملة هجوما إسلاميا كثيفا عنيفا على نشيد الأناشيد، في حين لم تعرف أيام ازدهار الحضارة العربية الإسلامية أي شيء من هذا القبيل، وهذا الواقع الراهن المزري ينعكس بدوره استمرارا في الهروب من صريح النشيد إلى الـتأويل عند المسيحيين العرب.
حري بكلا الطرفين أن يسألا نفسيهما عن السبب الذي يجعل الجنس مسألة من السوء بحيث تستحق المهاجمة أو الهروب منها، وسنجد أنهما يفعلان ذلك على أساس ديني يتناقض مع الدين نفسه، ففي ما تقدم نجد في الإسلام ما يناقض موقف الإسلاميين الجنسي، ولو فرضنا جدلا بأنهم محقون في تعهير الجنس، فهذه الحقيقة ستنعكس بأشد أشكال السوء على الإسلام نفسه بما فيه من خطاب جنسي صريح وهام، لكن بما أن الإسلاميين يدّعون فقط بناء كل مواقفهم على الإسلام، فهذا يبرئ الجنس من أباطيل أوهامهم التي تنافى مع الإسلام بشكل جلي، ولو أنهم بنوا مواقفهم على الإسلام بشكل فعلي لتغير وجوبا وإيجابا واقع موقفهم الجنسي، ومثل هذا الكلام يمكن قوله للمسيحيين واليهود، وهو يعني أن عليهم أن يؤسسوا موقفهم الإيجابي من الجنس على سفر النشيد الكتابي، وليس العكس بأن يسقطوا موقفهم السلبي منه المؤسس على تقاليد و أعراف ليس لها من سند إيماني أو منطقي أو علمي، وهي تتناقض بشكل صارخ مع إنسانية الإنسان.
أما أنصاف العلمانيين، فالاعتراف بجنسية حب نشيد الأناشيد في حدود نظرة صحية سليمة للجنس كنشاط وكعلاقة إنسانيين، يعري زيفهم وتردي مستوى تفكيرهم، وعدم تحررهم من عقدة الجنس التقليدية في الثقافات المتخلفة، في وقت تقوم فيه العلمانية الحقة على الإنسانية والعقلانية، اللتين تعترفان بإنسانية الجنس ولا تلصقان به أي سوء أو مذمة بتاتا.
في وقت لم يكن فيه من إمكانية لقراءة النشيد إلا في إطار ارتباطه الموضوعي بالكتاب المقدس والتقليد الإيماني، أمـّن المنهج التأويلي لهذا السفر للمسيحية على مدى القرون التوازن الداخلي وتفادي الحرج الجنسي في أجواء ثقافية كانت صورة الجنس فيها مشوهة، كما أمن لها واحدة من أهم إمكانيات مركزة يسوع المسيح في العهد القديم، وعلى مدى القرون ساهم هذا المنهج بشكل فعال في إنتاج الكثير من الأدب التأويلي والروحي الجميلين ونمو التصوف المسيحي وما فيه من سمو لطرح فكرة المحبة الإلهية ولشكل العلاقة بين الله والإنسان، رغم أنه في الناحية المقابلة كرس الصورة السيئة للحب الجنسي.
واليوم ومع تطور الفكر المعاصر والعلوم المعاصرة، أصبح ثمة إمكانية لقراءة النشيد قراءة متجددة مسيحيا وعلمانيا في أجواء الفكر والثقافة العقلانية الحديثين المنفتحين إنسانيا ودينيا وجنسيا، والتواصل مع مكتشفات العلوم الحديثة في الأركيولوجيا والتاريخ الديني وسواهما، مما يعطي الإمكانية لظهور مقاربات تفسيرية كنسية يتوازن فيها الحب الجنسي في النشيد مع المحيط الإيماني وفكرة الحب الإلهي المنتشرة فيه، وللنظر إليه علمانيا كمنتج إبداعي تاريخي إنساني جميل، يقدم صورة تاريخية وعصرية عن شكل رائع للحب يتكامل فيه جمال الكيان الإنساني كله والعالم الطبيعي في لوحة عشقية بديعة.
وهذه يلتقي مع ما يقوله القديس بولس:
«عند الطاهرين، كل شيء طاهر. أما عند النجسين و غير المؤمنين، فما من شيء طاهر، بل إن عقولهم وضمائرهم أيضا صارت نجسة» (تيطس 1: 15).
النَّشيد في الثّقافة العالميَّة المعاصرة ([40]):
كان هذا السفر وما يزال مصدر إلهام كبير لكثير من الباحثين اللاهوتيين و العلميين، وللمفكرين والأدباء والشعراء و الفنانين، الذين أنتجوا حوله أو بوحي منه العديد من الروائع في مجالات شتى، ويمكن أن نذكر منها:
في الفنّ التّصويري:
– لوحة “الملك سليمان على العرش” للرسام الفلمنكي ـ مارتين دي فوس (Maarten de Vos) 1590م.
– نقش “وردة شارون” من مجموعة ” الكتاب المقدس في لوحات” لـلرسام الألماني يوليوس شنور فون كارولسفيلد. (Julius Schnorr von Carolsfeld) في القرن الثامن عشر.
– لوحة “المحبوبة” لـلرسام الإنكليزي دانتي غابرئيل روستي ( Dante Gabriel Rossetti) بين عامي 1865-1866 م.
– لوحة “العذراء شولاميت” لـلرسام الفرنسي Gustave Moreau من القرن التاسع عشر.
في الأدب و النثر :
•تحقيق نشيد الأناشيد (Précis du Cantique des cantiques) للمفكر الفرنسي الشهير فولتير،1759م.
•قصيدة “سليمان و شولاميت” الشعرية التفسيرية للشاعر الروسي درجافين (Derzhavin)، 1808م.
•قصة “شولاميت” (Sulamif) للكاتب الروسي كوبرين (Kuprin) ، 1808م.
•قصة شعرية بعنوان (نشيد الأناشيد) لـلكاتب اليهودي شوليم أليخيم (Sholom-Aleykhem) بين عامي 1909- 1911م.
•قصيدة كوميدية بعنوان ” نشيد الأناشيد” للـمؤلف الروسي ساشا تشورني (Sásha Chornyy) الذي عاش بن عامي 1880-1930م.
•قصيدة ” نشيد الأناشيد” للشاعر الألماني هنريخ هاينه (Heinrich Heine) في أواسط القرن التاسع عشر
في الموسيقى:
•معزوفة “نشيد الأناشيد” للموسيقار الإيطالي جيوفاني بييرلوجي دا باليسترينا. (Giovanni Pierluigi da Palestrina) من القرن السادس عشر.
•معزوفة “نشيد الأناشيد” للموسيقار الروسي ديميتري نيكولايفيتش سميرنوف ( Dmitriy Nikolayevich Smirnov)، 1997م.
•معزوفة “نشيد الأناشيد” للموسيقار الروسي مارك لافري (Mark Lavri) الذي عاش بن عامي (1903-1967م.).
في الغناء:
•أغنية “نشيد الأناشيد” لميخائيل شبيليفسكي (Mikhail Shpilevskiy).
•أغنية “نشيد الأناشيد” لفرقة أورشليم الجديدة (Novi Ierusalim) البيلوروسية،عام 2002
•أغنية “شولاميت (Sulamif) للمغنية الروسية إيرينا بوغوشيفسكايا (Irina Bogushevskaya)، 1998
•مقطوعة كورَس لـ ديفيد لينغ في فيلم ” الشباب” لـلمخرج الإيطالي باولو سورّينتينو (Paolo Sorrentino ) 2015 .
في الفلك:
•تكريما لشولاميت أطلق اسمها على الكويكب الفلكي (752)، الذي اكتشفه عالم الفلك الروسي غريغوري نيؤيمين (Grigoriy Neúymin) عام 1913.
خاتمة:
عندما يتحرر العقل و يمضي الفكر في طريق العقلانية، وتنطلق النفس وتزكو، تنمو روحانية الإنسان وتسمو إنسانيته، فيقرأ بنور العقل وحرارة القلب كلا من الأسطورة والدين، ويضعهما مطهـّرين من كل ما يناقض الإنسانية في مكانهما الصحيح، محافظا على ما فيهما من جمال وسحر يبعثان في وجدانه النشوة و في نفسه الدفء، فمنهما يفوح عبق التاريخ.. وفيهما تتراقص جذوة الرمز، وعبر هذا و ذاك يربط الإنسان ذاته مع الزمن في بعده السرمدي، ومع الكون في معناه المتعالي.
ونشيد الأناشيد هو سفر يجمع بين العشق الجنسي في صورته الأبهى وبين الانتماء إلى عالم الأسطورة والدين بكل ما فيه من جاذبية السر وحلاوة الإيمان، وهو بذلك نشيد قابل ليـَنشـُد الإنسان ويـُنشـِد فيه الحب بكافة وجوهه المتكاملة في وحدة الوجود بين الأرض والسماء.
إنه نشيد يستحق القراءة بعقل طليق يمضي مع شولاميت إلى حيث تقوده في كشف سرها بلا قيود، وبقلب منفتح يتلقى من هذا السر ما تهبه بلاحدود.
وهو المسرح الطبيعي الجميل الذي تتقابل فيه عشتار النابضة بالحب والخصب مع المسيح المكلل بالمحبة والسلام، ليكونا أقنومين في لاهوت كوني حيوي شامل، يحياه الإنسان في ذاته المتكاملة المتسالمة مع إنسانيتها، والمرتقية فيها إلى المطلق اللانهائي.
وربما إذا أصغينا في سكينة سنسمع هذه النغمة في همسة شولاميت النابضة بالحب، القادمة من أعماق التاريخ ومن قلب الحياة تدعونا إلى أعماق الكون وأعالي السماء.
قائمة توضيحيّة لاختصارات أسفار الكتاب المقدسة الواردة في البحث، كما وردت في “كتاب الحياة- ترجمة تفسيريّة” للكتاب المقدس ([41]):
1كو: رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس
1مل: سفر الملوك الأول
1يو : رسالة القديس يوحنا الأولى
2تيم: رسالة القديس بولس الثانية إلى تيموثاوس
2صمو: سفر صموئيل الثاني
ار: سفر إرميا
اش: سفر إشعياء
أمث: سفر الأمثال
تك: سفر التكوين
تي: رسالة القديس بولس إلى تيطس
حز: سفر حزقيال
لاو: سفر اللاويين
لو: الإنجيل حسب لوقا
مت: الإنجيل حسب متى
نش: سفر نشيد الأناشيد
هو: سفر هوشع
قائمة توضيحيّة لاختصارات ترجمات الكتاب المقدس (البيبليا) الواردة في البحث:
ASV- Ameican Standard Version
النسخة القياسية الأمريكية
BBE- Bible in Basic English
البيبليا في الإنكليزية الأساسية
KJV- King James Version
نسخة الملك جميس
MSG- The Message: The Bible in Contemporary Language
الرسالة: البيبليا في اللغة المعاصرة
NASB- New American Standard Bible
البيبليا القياسية الأمريكي الجديد
NET- New English Translation
الترجمة الإنكليزية الجديدة
NHEB- New Heart English Bible
بيبليا القلب الجديد الإنكليزية
NIV- New International Version
النسخة العالمية الجديدة
NLT- New Living Translation
الترجمة الحية الجديدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – Song of Songs,What does God want to teach us through this,
http://wwwanswering-islam
[2] – https://enwikipediaorg
[3] – استخدمت هنا، و ستستخدم لاحقا، الترجمة العربية لنشيد الإنشاد في نسخة الكتاب المقدس “(كتاب الحياة، ترجمة تفسيرية، جي.سي. سنتر، القاهرة، ط4، 1992).
[4] – آيات العهد القديم في هذه الدراسة مقتبسة من نسخة الكتاب المقدس (كتاب الحياة، ترجمة تفسيرية).
[5] –https://ruwikipediaorg
[6] -https://enwikipediaorg
[7] –https://ruwikipedia
[8] – ترصة هي مدينة كنعانيّة قديمة، صارت عاصمة لإسرائيل، مملكة الشمال، عند انقسام مملكة سليمان ، وظلّت كذلك حتى بنى عمري مدينة السامرة وأقام فيها، و قد مثّلت ترصة مملكة الشمال، فيما مثلت أورشليم مملكة الجنوب.
– عن موقع الأب بولس الفغالي
[9] – موقع الأنبا تكلا هيمانوت، شرح الكتاب المقدس – القمص تادرس يعقوب، تفسير سفر نشيد الأنشاد – المقدمة
[10] – Mark
[11] – Christine Christ-von Wedel,.
[12] – يوحنا قمبر ولويس خليفة “نشيد الإنشاد، أجمل نشيد في الكون”، كلية اللاهوت الحبرية، جامعة الروح القدس، الكسليك، لبنان،1994، ص 10.
[13] – يوحنا قمبر ولويس خليفة، المرجع السابق، ص 68.
[14] – ج.لود كار، نشيد الإنشاد، ترجمة إدوارد وديع عبد المسيح، دار الثقافة، القاهرة، 2001، ط1، ص 101.
[15] – http://classicnet.
[16] – نفس المرجع السابق.
[17] – http://biblehubcom
[18] – http://classicnet.
[19] – الكتاب المقدس، كتاب الحياة- ترجمة تفسيرية، جي.سي.سنتر، ط4، القاهرة، 1992.
[20] – فيليسيان شالي، موجز تاريخ الأديان، ت. حافظ الجمالي، دار طلاس، دمشق، 1991، ط1، ص 157.
[21] – يمكن بهذا الصدد الرجوع إلى ثلاثية فراس السواح ” الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم”،” آرام دمشق وإسرائيل – في التاريخ والتاريخ التوراتي”، و “تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود”.
[22] – فراس السواح، لغز عشتار،دار علاء الدين، دمشق، 1996، ط6، ص194.
[23] – محمد أبورحمة، أغاني الحب بمصر القديمة.
[24] – آن ماري بلتييه، نشيد الأناشيد،ت. أنطون الغزال، سلسلة دراسات في الكتاب المقدس، دار المشرق،بيروت، 1994، ص 20.
[25] – موقع القديس تكلا هيمانوت، دراسات و تفاسير سفر نشيد الإنشاد،
http://st-takla
[26] – موقع مؤلفات و أعمال الخورأسقف بولس الفغالي، نشيد الأناشيد،
http://boulosfeghali
[27] – http://boulosfeghali
[28] – الكتاب المقدس، كتاب الحياة- ترجمة تفسيرية، جي.سي.سنتر، القاهرة، 1992، ط4، ص819.
[29] – يعتقد في التقليد اليهودي أن هذا السفر دون بعد العودة من السبي البابلي سنة 538 ق.م.، و قنن بعد ذلك من قبل الكاهن عزرا في القرن الخامس ق.م.
[30] – نشيد الإنشاد للعلامة أوريجانوس، ترجمة حنا بسطا، كنيسة العذراء بالإسكندرية، عدد ظهور الصليب المجيد 17 سبتمبر 1976، ص 7.
[31] – موقع منتديات الكنيسة، تفسير سفر نشيد الانشاد للرابي اليهودي شموئيل بن مئير
[32] – موقع فريق اللاهوت الدفاعي، التفسير اليهودي لسفر نشيد الانشاد للرابي جاك أبراموفيتش
[33] – ورد في الحديث: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ اطَّلَعَت امْرَأة مِن نِسَاءِ أَهْل الْجَنَّة عَلَى أَهْلِ الأَرْض لأضَاءَت مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَت مَا بَيْنَهُمَا رِيْحاً وَلَنَصِيفها عَلَى رَأْسِهَا خَيْر مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
[34] – ورد في الحديث: انَّهُ قِيلَ لَهُ (أي للنبي): أَنَطَأُ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ – وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ – دَحْماً دَحْماً فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهَرَةً بِكْرا».
[35] – تفسير القرطبي لآية «إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ» (سورة يس- آية 55)
[36] – ورد في حديث عن عائشة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:« يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً»، قلت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: « يا عائشة الأمر أشد من أن يُهمهم ذلك».
[37] – ورد في الحديث: قال سليمان بن داود: «لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئًا إلاَّ واحدًا ساقطًا أحد شقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قالها لجاهدوا في سبيل الله»، و قد روي هذا الحديث بطرق متعددة ، وعدد الأزواج فيه مختلف (ستون 60، سبعون 70، تسع وتسعون 99، مائة 100).
[38] – ورد في الحديث: قیل: یا رسول لله، أنفضي إلى نسائنا في الجنة ؟ فقال : إن الرجل لیصل في الیوم إلى مائة عذراء .
[39] – ورد في الحديث: »لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا. لاَ يَكْنِي، قَالَ: نعم. فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ ».
[40] – /ru.wikipe
[41] – الكتاب المقدس، كتاب الحياة- ترجمة تفسيرية، جي.سي.سنتر، القاهرة، 1992، ط4.
 
أعلى