نقد السيد عبدالحليم محمد حسين - نظريات في دراسة المنهج الأدبي

المتأمل في مناهج الدراسة الأدبية في البلاد العربية في مختلف مراحلها، يجدها لا تخرج عن إِطار واحد مكرر، هو إِطار ربط الأدب وفنونه ومدارسه بالتقسيم التاريخي السياسي للأمة العربية من لدن الجاهلية حتى يوم الناس هذا. وهي مناهج لا تربي ذوقًا ولا تنمي إِحساسًا ولا تبعث موهبة، نماذجها ابتذلها التكرار، حتى لكأنما الأدب العربي لا يعرف غيرها، أو أنه أصيب بالعقم بعدها.

ولقد عرف الأدب الحديث في البلاد العربية تطورات كثيرة، وتغذَّى بثمار متنوعة من آداب العالم وفنونه ونظرياته النقدية، وشهدت دوائر البحث الأكاديمي والمؤتمرات والندوات ودور النشر كثيرًا جدًا من الأعمال التي تناولت الأدب قديمه وحديثه، تأريخه ونقده، هذا على حين ظلت مناهج الدراسة الأدبية في المؤسسات التعليمية العربية على اختلاف مستوياتها في واد منعزل، كأنها في صمم عما يدور حولها من تلك التطورات وما فيها من إِضافات وتجديد في الأحكام والمعايير النقدية.

إِن نظرية مثل: النظرية المدرسية التقليدية لا تزال مهيمنة على مناهج الدراسة الأدبية والنقدية، على الرغم من قدمها وأخطائها الكثيرة واستحداث نظريات كثيرة بعدها. وقد غدت تلك النظرية اتجاهًا أوشك أن يكون ((مقدسًا)) لا يجرؤ أحد على كسره والخروج عنه. وبقيت كل الأصوات الصادقة التي نادت بالإِصلاح وقدَّمت البديل عنه، بعيدة، لم تجد استجابة، ولم تلق تنفيذًا لما تدعو إِليه.

ولقد شهدت المجامع اللغوية والمؤتمرات الأدبية والحلقات الدراسية والمجلات الجادة اللامعة منذ العقد الثاني من هذا القرن كثيرًا جدًا من المحاولات والأصوات التي عالجت موضوع الدراسة الأدبية واجتهدت للوصول به إِلى تصور ناضج أمثل. والتفت البحث العلمي العالي إِلى هذه المشكلة، فكان أول عمل علمي في هذا المجال هو أطروحة الدكتور شكري فيصل التي حصل بها على درجة ((الماجستير)) بإِشراف أمين الخولي سنة 1948 من جامعة القاهرة، وكانت بعنوان ((مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي: عرض، ونقد، واقتراح)).

إِن الأدب - أدب أي أمة من الأمم - هو مرآة صادقة لحياتها. وعلى الرغم من نسبية هذه العبارة، فإِن تقديم الأدب وعرضه العرض الصادق الدقيق الحي من خلال المقررات الدراسية يقتضي منهجًا متكاملاً يهيئه ليكون تلك المرآة الصافية الصادقة ذاتها. وإذا لم نتجاوز الأسلوب التقليدي السائد الذي يهتم بالتقسيمات التاريخية المجردة وربط الأدب بعجلتها، دون العناية بالعناصر الحضارية في النص المدروس، ودون الاستضاءة بتيارات عصر النص وبيئته المكانية والثقافية العامة، إِذا لم نتجاوز ذلك فإِن تلك المرآة ستظل مضطربة غائمة، والحقيقة وراءها ضائعة مجهولة.

لقد كان من بين ما ارتفعت به تلك الأصوات في علاجها لهذه المشكلة أسئلة منها:
كيف نفرق مثلاً بين العصر الأموي والعباسي؟
وكيف تم تقسيم العصور العباسية على امتدادها وتداخلها؟
وهل تتماشى الخصائص الفنية مع الأحداث الزمنية؟
أيها التابع، وأيها المتبوع، وأيها المؤثر الفاعل وأيها المؤثَّر فيه؟
وهل يجوز أن نفهم أدبنا العربي بتاريخه الطويل ومدارسه وتياراته الفنية وبمختلف صوره وألوانه، من زاوية واحدة أو زاويتين، ونهمل سائر الزوايا؟
ثم ما بال الذين يتوَّلون تأليف المناهج الدراسية يضربون حول أنفسهم أسوارًا عالية فلا يتابعون الحياة المتطورة وما فيها من ثراء نقدي وبحث علمي وعطاء إِبداعي؟!

إِن جميع الدراسات الإِنسانية الأجنبية ومن بينها الأدب والنقد تتقدم بخطى واسعة، وتزداد علمية وغناء، على حين لم تزل دراسة الأدب لدينا، ولاسيما في مؤسساتنا التعليمية، مضطربة بين التعميم والسطحية والعجلة في البحث وعدم وضوح الرؤية.

وكان من بين مظاهر النهضة العربية الحديثة، محاولة خدمة الأدب وتقديمه إِلى الأجيال الجديدة من خلال فهم يخالف الفهم التقليدي الموروث للأدب ورسالته في الحياة. وقد وُجِدَت نتيجة المراجعة النقدية والتفتح الفكري على طرائق البحث المنهجي في دراسة الأدب الغربي.. وُجِدَت عدة نظريات في دراسة المنهج الأدبي وربطه بالحياة الحديثة وتقديمه ضمن المقررات الدراسية.

ويمكن حصر تلك النظريات فيما يأتي:

• النظرية المدرسية أو التقليدية.
• نظرية الفنون الأدبية.
• نظرية الخصائص الجنسية.
• نظرية الثقافات.
• نظرية المذاهب الفنية.
• النظرية الإِقليمية.

ونختار هنا من هذه النظريات ثلاثًا فقط ندرسها ونوضح في إِيجاز شديد أصولها وأبرز ملامحها ومزاياها وعيوبها.

1- النظرية المدرسية أو التقليدية:

وهي أثر من آثار المزاوجة بين لونين من ألوان التأريخ الأدبي: اللون العربي بكل خصائصه القديمة التي عَلِقَتْ بها السياسة وشغلتها حياة القصور والصراع على السلطة. واللون الذي أرخ الأدب الغربي في أوربا، والذي تجاوز حياة الحاكم وحاشيته إِلى حياة العامة والتجارب الذاتية للشعراء والصدق في التجربة والتعبير. وقد سادت هذه النظرية مؤلفات أولئك الرواد في التأليف الأدبي المدرسي مثل: حسن توفيق العدل، والمرصفي، والإِسكندري، وجرجي زيدان، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين. وقد التزم هؤلاء - على تفاوت فيما بينهم - بتقسيم الأدب إِلى عصور خمسة. يقول أحدهم - وهو الزيات - في كتابه المدرسي ((تاريخ الأدب العربي)): ((التاريخ الأدبي وثيق الصلة بالتاريخ السياسي والاجتماعي لكل أمة، لذلك اصطلحوا على أن يقسموه على حسب العصور التاريخية والانقلابات الاجتماعية، واتفق أكثر كتابنا على أن يقسموا تاريخ أدبنا إِلى خمسة أعصر: عصر الجاهلية - عصر ابتداء الإِسلام - عصر الدولة الأموية - عصر الدولة العباسية والأندلسية - عصر الدول المتتابعة إِلى هذا العهد)). ونتجت عن تطبيق هذا المنهج في معظم المؤسسات التعليمية حتى الآن آثار سيئة في فهم معنى الأدب ورسالته، لارتباطه في أذهان الطلاب دائمًا بالحاكم والتيارات السياسية المصطرعة في كل عصر.

وامتد تأثير هذه المدرسة إِلى كثير من المؤلفات التي أرخت للحياة الفكرية، والحضارية بعامة، مثل سلسلة أحمد أمين: فجر الإِسلام، وضحى الإِسلام، وظهر الإِسلام، ومثل تاريخ الإِسلام السياسي للدكتور حسن إِبراهيم.. وازداد التيار اشتدادًا فامتد إِلى كثير من الدراسات الأكاديمية في الجامعات العربية.. وبات ذلك التقسيم وكأنه قانون لا يُنقَض، وبديهة لا تُناقَش.

وكان من أوائل الذين ناقشوا هذا الاتجاه وتعقبوه بكثير من الملاحظات، طه حسين في كتابه ((تجديد ذكرى أبي العلاء)) وفي مقدمة كتابه ((في الأدب الجاهلي)) الذي أثار زوبعة كبيرة على امتداد سنوات طويلة. ولم يكتف طه حسين بزلزلة أركان النظرية المدرسية، ومضى يحاول إِقامة بنيان آخر تبدو فيه العناية الأولى بالظواهر الأدبية، بغضِّ النظر عن توافقها مع الأحداث السياسية أو تنافرها معها. وقد طرح أفكاره تلك من خلال مقاييس ثلاثة هي: المقياس السياسي، والمقياس العلمي، والمقياس الأدبي.

أما الأستاذ أحمد أمين، فعلى الرغم من تقسيمه لعصور الحياة العقلية في سلسلته المذكورة على نمط التقسيم الزمني في هذه النظرية، فإِنه كان ينبِّه إِلى كثير من الملاحظات القيِّمة التي انتقد من خلالها هذه النظرية التقليدية في أسلوب هادئ ودراسة متزنة.

كذلك أسهم الأستاذ أمين الخولي في الكشف عن مساوئ النظرية المدرسية، وأثار عددًا من الملاحظات الواعية العميقة، ثم حاول هو أيضًا إِيجاد تصور جديد: ((انظر كتابه: في الأدب المصري)).

وهكذا تعرضت هذه النظرية لانتقادات هؤلاء الأعلام، وإِن كانوا قد سُبِقُوا بنوع من التشكيك الهادئ لها على يد جرجي زيدان في مقدمته لكتابه ((تاريخ آداب اللغة العربية 1911م)).

أما أهم المآخذ التي تمخضت عنها تلك الانتقادات وفطن إِليها بعض الدارسين في العقود التالية، فهي كالآتي:

1- أن هذه النظرية - كما رأينا - درست الأدب العربي على أساس قسمة العصور قسمة تاريخية لا أدبية. وعلى الرغم من شدة الارتباط بين الأدب والتاريخ، فإِن منهج هذه النظرية لا يؤدي مهمته المطلوبة مهما كانت وشائج ذلك الارتباط، كما أن مقاييسها تظل رهن المعايير التاريخية القديمة المتوارثة، التي تحتاج هي نفسها إِلى إِعادة تقنين ليمكن إِعادة كتابة تاريخ أمتنا كتابة علمية موضوعية دقيقة.

2- أنها وضعت حدودًا فاصلة بين الآداب طبقًا لحدود العصور، على حين أن العصور تتداخل والآداب تتشابك والنماذج تختلط. ثم إِنها أهملت إِلى حد كبير الأساس المكاني وتأثير البيئة في النتاج الأدبي. وقد أدى هذا الإِهمال فيما بعد إِلى بروز الاتجاه الإِقليمي في الدراسة الأدبية، وتباين الأحكام الأدبية تباينًا غريبًا هو أقرب إِلى التناقض، وأدنى إِلى التضاد.

3- أنها أهملت النوازع الفردية وخصائص الإِبداع الذاتي عند الأدباء، وذلك بسبب طغيان المقياس الزمني الأفقي. وقد جنى هذا على مئات من الأدباء الذين أغرقتهم هذه النظرية في تيار التعميم السطحي الذي لا يثبت عند التحقيق والفحص العميق وتطبيق بعض المناهج الأخرى على أولئك الأدباء.

4- توجيه كل العناية إِلى مشاهير الأدباء، وتركيز الاهتمام فقط على اللامعين عبر كل العصور، ثم إِصدار الأحكام النقدية من خلال أعمالهم. أما الأصوات الفنية الأخرى - على اختلاف ألوانها ودرجاتها - فقد تجوهلت وكأنها لم توجد على الإِطلاق، على الرغم من اتسام كثير منها بالعبقرية والخصوبة والتفرد في الإِبداع.

5- لحق هذه النظرية كثير من الجمود، واستحالت الدراسة إِلى أداة حكم وتقويم بالرقي والانحطاط والرفعة والتردي والازدهار والاضمحلال، بدلاً من أن تكون أداة وصف ورصد للحياة الأدبية بكل ألوانها وأنماطها.

وعلى كل حال، فالذي لاشك فيه أن هذه النظرية لها دور الريادة بما للريادة عادة من مآخذ التجربة والمحاولة الأولى. كما أنها مهدت تمهيدًا طيبًا لدراسة الأدب العربي، وكانت هي المنطلق والحافز من خلال نقدها وتتبع عيوبها، بحثًا عن مناهج جديدة وأساليب أشمل وأدق. ولقد تفتح الفكر الأدبي فوجد أن النظرية المدرسية هذه لم تعد تفي بحق الدراسة، فتمرد عليها، وسعى نحو نظرية أخرى بديلة.

2- نظرية الفنون الأدبية:

وجدت البذور الأولى لهذه النظرية عند جرجي زيدان في مقدمة كتابه ((تاريخ آداب اللغة العربية)). وهي نظرية ترصد تطور الفنون الأدبية منفصلة فنًا فنًا، وتبرز ظواهرها عبر العصور رقيًا وانحطاطًا، استقامة والتواء، قوة وضعفًا، كما تتبع منابع كل فن والروافد التي غذته، والقنوات التي اتصل من خلالها بغيره فترك آثاره فيه. إِنها بصورة أخرى رسم بياني دقيق لتاريخ كل فن، أو كل غرض، ورصد صادق لسيرته الذاتية وعلاقته بسائر أشقائه في الأسرة الأدبية.

إِن هذه النظرية تمكننا من الاستفادة من التسلسل الزماني والعامل الإِقليمي ومعرفة تأثيرهما في تطور أي غرض شعري أو فن أدبي، كما تجعلنا على اتصال مباشر بالنصوص المدروسة ذاتها وفحصها فحصًا حيًا فيه معاناة ومعايشة. إِنها نظرية تنتهج الاستقراء منهجًا لتجلية المغمورين الموهوبين من الأدباء، وتناولهم بالقدر الذي يُتناول به الأعلام اللامعون في مختلف الأعصر والبيئات.

وهذه الطريقة تفيد أكبر فائدة في الموازنة بين النماذج الأدبية من حيث الشخصية والأسلوب، وترهف الحس النقدي عند الدارس لإِدراك دقائق الظاهرة الفنية وتحديد الخصائص المشتركة بين الأطراف المقارن بينهم.

وأسلوب هذه النظرية يُعود على التريث والتدقيق والتقصي ويعمل على تبرئة الأحكام الأدبية - قدر الإِمكان - من السذاجة والسطحية والتعميم. إِنها ترفض الأحكام العامة الفضفاضة التي تستغرق عصرًا بأسره، بجميع كتابه وشعرائه وخطبائه وتتجه نحو التناول الفردي، بل تتخصص في تناولها فتقصره على غرض واحد فقط، أو فن مستقل بذاته من فنون الأديب.

وإِذا كانت بعض النظريات تقيم من نفسها قاضيًا يتكلف إِصدار الأحكام، أو وصيًا يصدر الإِرشادات ويحدُّ الحدود، فإِن نظرية الفنون الأدبية لا تسعى إِلى ذلك ولا تؤمن به؛ وإِنما تتمخض أحكامها النقدية بعد طول فحص وتحليل، ووصف عفوي دقيق. وهي أيضًا لا ترتبط بالتاريخ السياسي ذلك الارتباط السلبي الدائم، بل تعتبره عنصرًا من بين عناصر كثيرة متعددة، تتداخل وتتفاعل لتكيف أدب كل أديب وتطبعه بطابعه المميز الخاص.

وأخيرًا فهذه النظرية ذات أثر طيب في نفوس المتلقين من دارسين وقراء عاديين على السواء. فهي باستعراضها لحياة أي فن أدبي أو غرض فني بصورة متسلسلة دقيقة، تجلو جوانب الكمال وملامح الجمال، كما ترصد نقاط الضعف والنقص. ثم هي فوق ذلك تكشف عن صلة ذلك الفن أو ذلك الغرض بسائر الفنون والأغراض في اللغة الأم وفي الآداب العالمية المعروفة.

ولكن.. شأن كل شيء في الحياة لا يمكنه بلوغ درجة الكمال المبرَّأ عن المآخذ، نجد أن هناك بعض الملاحظات على هذه النظرية، وذلك بمقارنتها بالنظريات الأخرى في هذا المجال، وأبرز تلك المآخذ:

1- تجزئة النتاج الأدبي عند دراسته. ذلك أنها تدرس نتاج الأديب موزَّعًا بين الفنون، أو الأغراض المختلفة. فالمتنبي مثلاً يُدرس مرة في شعر المديح، ومرة في شعر الوصف، وحينًا في فن الهجاء، وحينًا آخر في فن الفخر. ومن هنا تتفتت شخصية الشاعر ويتجزأ نتاجه. وهذا لاشك يفقدنا التصور الكامل لجوانب الإِبداع وألوانه المختلفة عند الشاعر الواحد، ويضيع علينا الإِلمام الشامل بخصائص شاعريته.

2- تهمل هذه النظرية صاحب النص المدروس وتتجاهل سيرته الذاتية ومدى انعكاسها في أدبه، فلا تلتفت إِليه إِلا لمامًا وبقدر ضئيل. والحق أن هذا الإِهمال هو إِسقاط لرصيد ضخم عظيم الأهمية في الدراسة الأدبية.

3- هناك صعوبة كبرى تواجه هذه النظرية وتحول دون قيامها منهجًا متكاملاً للدراسة الأدبية الوافية. ومنشأ هذه الصعوبة عائد إِلى واقع الأدب العربي، وإِلى طبيعة الشعر فيه بصورة أخص. فالقصيدة العربية ظلت حتى العصر الحديث لا تعرف وحدة الموضوع وإِنما تعرف وحدة البيت؛ حتى لقد عُد من العيوب الفنية في الصناعة الشعرية أن يتصل البيت بالبيت الذي يليه اتصالاً نحويًا وثيقًا يقوم على ترابط المعنى. وقد مكن هذا من تنوع الموضوع داخل القصيدة الواحدة، بأن يكون لها غرض أساسي تنشأ من أجله، وأغراض جانبية مساعدة تلتفُّ من حوله.

وينتهي بنا مثل هذا التنوع في أغراض القصيدة إِلى تجزئتها - عند تطبيق نظرية الفنون الأدبية - طبقًا لأغراضها، ولاشك أن هذا يبدد خصائص العمل الأدبي، ويمزق وحدته، ويطمس كثيرًا من معالمه ويحطم الإِطار العام له. ليس هذا في الشعر فقط، بل إِن كثيرًا من النصوص النثرية ذات الموضوعات المتعددة، أو ذات الغرض الأساسي والأغراض الجانبية الفرعية، هي أيضًا من العوائق الكبرى التي تحول دون تطبيق نظرية الفنون واستغلال جوانبها الإِيجابية الكثيرة.

تلك هي وجوه النقد ونواحي الصعوبة والنقص التي تتعرض لها نظرية الفنون. ومع ذلك، فقد وُجد لها في البيئة الجامعية بوجه خاص، من يأخذ بها ويعمل على هديها. فقامت دراسة ((شعر الطبيعة في الأدب العربي)) للدكتور سيد نوفل، ودراسة ((شعر الحرب في أدب العرب)) للدكتور زكي المحاسني، ودراسة ((الهجاء والهجاءون)) للدكتور أحمد حسين. ثم تتالت دراسات الدكتور شوقي ضيف وغيره من أساتذة الجامعات العربية، فصدرت دراسات مستقلة عن: الفخر والحماسة والمديح والرثاء والغزل والهجاء والوصف... ثم دراسات عن الخطابة وفنون النثر: كالرسائل والمقامات، وأدب الرحلات، وعن الموشحات والأزجال والدوبيت، وعن الملحمة والقصة وجذورهما في الأدب العربي القديم. وهي في جملتها جهود مشكورة، كل منها يفيد من الآخر، ويحاول أن يتم نقصه المنهجي ويتلافى ما وقع فيه من مآخذ وعيوب فنية.

وفي النهاية يهمنا أن نعرف الفرق بين النظريتين: المدرسية، والفنون الأدبية، وهو أن الأولى: تقوم على التركيب الذي يفتقد التحليل، وأن الثانية: تُعنى بالتحليل الذي يتعذر معه التركيب. وبناء على هذه الحقيقة، تطلع الفكر الناقد إِلى مناهج أخرى، تجمع بين مزايا هاتين النظريتين وتتجنب عيوبهما.

3- نظرية المذاهب الفنية:

عرفت هذه النظرية سبيلها إِلى الأدب العربي في مرات متعاقبة. واتخذت أشكالاً أقرب إِلى الغموض مرة، وأقرب إِلى الوضوح مرة أخرى، واستمسك بها جماعة من مؤرخي الأدب ونقاده في القديم، ثم التزم بها جماعة آخرون في العصر الحديث. ولقد حاول القدماء تلمُّس المدارس الأدبية عن طريق رصد خطى الشعراء وتتبُّع أساليبهم الفنية من خلال المعارك النقدية وقسمة الشعراء إِلى طبقات.

وكان أول من تطرق لقضية المذاهب الفنية من المحدثين الشيخ حسن المرصفي في كتابه ((الوسيلة الأدبية)). ففي هذا الكتاب الرائد كثير من النظرات الصادقة والآراء النافذة التي رمت إِلى إِقامة دراسة جديدة على أساس من مذاهب الشعراء والأدباء ومن طرائقهم الفنية. ثم جاءت خطوة الخالدي في كتابه ((فيكتور هوجو وعلم الأدب عند الفرنج والعرب)) 1904م، حيث قسم الشعراء العرب إِلى أربع طبقات، وهي قسمة متأثرة بالمذاهب الفنية أكثر من تأثرها بأي نظرية أخرى.

وتطورت الحياة العلمية، وبدأ التفاعل بين الثقافة الغربية التقليدية، والثقافة المستقاة من الأمم الغربية؛ فاتخذت نظرية المذاهب الفنية شكلها التطبيقي الواضح في عملين اثنين:

أولاهما: دراسة مبكرة لطه حسين عن مدرسة زهير بن أبي سُلمى في الأدب.
وثانيهما: دراستان لشوقي ضيف:

الأولى: بعنوان ((الفن ومذاهبه في الشعر العربي)) وهي أطروحته للدكتوراه.
والثانية: بعنوان ((الفن ومذاهبه في النثر العربي)).
ومع نمو البحث العلمي في مختلف الجامعات العربية، وشيوع الوعي الثقافي الحديث، واتصال كثير من الأدباء والباحثين بمنابع المعرفة في البلاد الغربية مباشرة، نما الاهتمام بنظرية المذاهب الفنية وتوالت الدراسات الأكاديمية والعامة، وصدرت عشرات من الكتب ومئات من الأبحاث في المجلات المتخصصة.

ونقف عند خصائص هذه النظرية، فنجدها تتمثل فيما يأتي:

1- الوحدة الفنية: وهي تتبع الخصائص الفنية عند جماعة من الأدباء، أو من الشعراء ذوي الاتجاه المتقارب والمسالك المتوازية، وتجميع السمات التي تجمع بينهم بغض النظر عن عوامل الزمان أو المكان التي توحد أو تفصل بينهم.

2- التركيز والتدقيق واستفراغ الجهد والغوص في دراسة وجوه الاختلاف والاتفاق بين الأدباء، ورصد سمات الأسلوب وعناصره كلها. وهو موقف يتجنب السطحية والتسرع والتعميم، ويمضي في جدية وتنظيم، كما يحتاج إِلى رصيد ثقافي واسع، وتجربة طويلة خصبة.

3- الإِفادة من جهود النظريات الأخرى التي تهتم بدراسة الآثار الأدبية المختلفة. فهذه النظرية لا تهمل سائر النظريات الأخرى، بل هي غاية لها وذروة تنتهي إِليها خلاصة أساليبها واجتهاداتها.

4- الجمع بين جمالية الأدب ومنهجية النقد. فهي نظرية تقوم على الإِدراك أولاً ثم على التمييز ثانيًا، ثم على اكتشاف الحدود ثالثًا، على ما في هذا من عسر تحققه عند الدارس الواحد. إِنها - بإِيجاز شديد - نظرية تجمع بين كل مواهب المؤرخ الأدبي، وكل مواهب الناقد الأدبي، ليكون الناتج باحثًا متكامل الأدوات.

5- الجمع بين الأدب والعلم. ومعناه الحرص على تزاوج الذوق والعقل، وامتزاج رواء الأدب ورونقه بموضوعية العلم ودقته. وهي لذلك أقرب النظريات إِلى روح الدراسة الأدبية التي توائم بين العلم والأدب، ولا تدع أحدهما يطغى على الآخر.

6- تصحيح التراث الأدبي: وهي مرحلة تحقيق النصوص وتصحيح نسبتها واستبعاد زائفها، وتقع في طريق الباحث موقع قدمه الأول. وهذه النظرية هي أقدر من غيرها على الإِحاطة بمذهب الشاعر الفني والمدرسة الفنية التي يتبعها وتمحيص الأصيل من المنتحل من شعره.

7- الوحدة والانسجام: فالنظرية الفنية تقوم على الوحدة والانسجام في أدق معانيهما وأكمل صورهما. إِنها تجمع خيوط الصلات العميقة بين كل شاعر وآخر، وبين كل كاتب وآخر، كما أنها تضبط ما بين نفوس الأدباء من تجاوب، وبين آفاقهم من تماثل، وما بين أساليبهم من وحدة.

وبعد، فما موقف النقاد من هذه النظرية التي استجمعت كل هذه الخصال؟
إِنها في الحق لا تواجه كبير اعتراض. والسبب في هذا أنها تحقق للدراسة الأدبية الفائدة واللذة، وتقيمها على دعامتي العقل والذوق معًا، وتبلغها الغاية في نهج ميسر سليم.

لسنا هنا بصدد تبيان ما للنظرية وما عليها، فليس هنا سيئات تنقص جوانب النظرية الفنية، ولكن هنا محاذير يُخشى أن تؤدي بالدراسة الأدبية إِلى العقم والفشل الذريع.

وأول تلك المحاذير: ما نخشاه عليها من الاقتصار على الاهتمام بالأسماء اللامعة والقمم الشامخة في سماء الأدب العربي، وإِهمال التتبع الدقيق للروح الفنية عند الشعراء المغمورين. فمن يدري فقد يكون أحد هؤلاء مفتاحًا لمذهب أدبي، أو عنوانًا لاتجاه فني. بل من المؤكَّد أن إِصدار الأحكام النقدية من خلال نتاج اللامعين وحدهم وتجاهل سواهم، أمر يقود إِلى نتائج فيها كثير من القصور والمثالب.

وثاني هذه المحاذير: أن تسلم هذه النظرية بكل ما وقر في أذهان الأجيال من أحكام شائعة في حق الشعراء والكتاب وسواهم من الأدباء من لدن الجاهلية حتى العصر الحديث. فإِن قبول تلك الأحكام الجاهزة يؤدي حتمًا إِلى الزلل والحيف عن سنن الحق. لذلك لابد من التخلص التام منها والاتجاه نحو استقراء جديد شامل ودقيق، لاستخراج أحكام مستقلة كل الاستقلال، يمكن من ثَمَّ مقارنتها بالأحكام المتوارثة والشائعة، ثم الانتهاء إِلى القول الفصل.

أما المحظور الثالث فهو: الخشية أن تنقلب الوسيلة عند هذه المدرسة هدفًا والهدف وسيلة، بحيث تصنف المدارس الأدبية أولاً ثم يقاس عليها الأدباء ثانيًا. إِننا إِذا فعلنا ذلك، نكون قد قلبنا المسألة رأسًا على عقب. فإِن الإِطار لا يوضع قبل الصورة، والمذاهب لا تُقَرر قبل استقراء الظاهرة الأدبية نفسها. ونظرًا لأن نظرية الفنون تغري بطبيعتها على الانزلاق والتبادل الخطر بين الغاية والوسيلة، نتيجة ما رسب في أعماق دارسي الأدب من آراء ونظرات جاهزة شائعة.. إِذن لابد من الحذر الشديد عند التطبيق.. أي لابد من الابتداء بالقاعدة القائمة على الاستقراء، والانتهاء بالقمة لنخرج بالاستنباط النهائي الدقيق.

إِن هذه النظرية إذا استطاعت تَجنُّب تلك المحاذير الثلاثة المذكورة وَتَزوَّدَ مُطبِّقُوها بأدوات المؤرخ والناقد الأدبيين كليهما وبشروط البحث وبأخلاقه، فلاشك أن المستقبل الباسم من نصيبها، وأن البعث الحقيقي للدراسة الأدبية المنهجية الجادة سيكون متكاملاً على يديها.

إِن النظريات والاتجاهات المختلفة التي تعاقبت على الأدب العربي، لم تف بحاجة هذا الأدب، ولم تفلح في درسه وتأريخه. فقد كانت هذه النظريات جميعًا المفترضة منها والمطبقة، المعرف بها هنا والتي لم نعرف بها، كانت سواءً في التنبيه إِلى جانب من جوانب الدراسة والقصور عما عداه، والنظر إِلى الأدب من زاوية وإِهمال الزوايا الأخرى.

وإِذن: فماذا نستطيع أن نتخذ من أسباب للوصول إِلى نظرية تشمل الأدب العربي من أطرافه كلها، بما لهذا الأدب من امتداد زمني، ومن سعة مكانية، ومن واقع لغوي خاص وحياة متميزة؟

إِن الهدف الأساسي من الدراسة الأدبية هو فهم الحياة الفنية التي غمرت العالم الإِسلامي عبر تاريخه الطويل، وضبط مراحل هذه الحياة، وإِدراك هذا التنوع الأدبي الواسع ورده إِلى وحدات مشتركة الخصائص متسقة الألوان. ويمكن أن تتم هذه الإِحاطة بالتراث الأدبي على نحوين مختلفين: أولهما: نفاذ إِلى الفروق، أدق الفروق في هذا التراث وبحثها بحثًا عميقًا بذكاء وصبر، وثانيهما: استخلاص الوحدات التي تجمع بين أجزاء التراث، ممثلة في النزعات والتيارات والمدارس الأدبية الفنية. وهذان النحوان أو العنصران متصلان ومتكاملان، يؤلفان قطبي الدراسة الأدبية ويحققان صورتها المثلى.

وبناء على ذلك، فإِن المنهج الجديد الذي نتطلع إِليه هو منهج تكاملي. هو تنظيم التعاون بين مناحي الدراسات السابقة التي عالجت طبيعة كل النظريات المعروفة، والعمل على توجيهها لتلتقي في النهاية كاشفة عن المدارس الأدبية التقاء البناء الهرمي عند ذروته.

ويمكن حصر أصول هذا المنهج الجديد كما تصوره د. شكري فيصل في النقاط الآتية:

1- التعاون بين الدراسات الأصلية والدراسات المساعدة: فإِن دراسة الأديب نفسه، والتعرف على حياته، ودراسة شعره وتحليله، والتمرس بأسلوبه، والوقوف منه الموقف الشارح المميز الناقد في آن واحد، هو ما نسميه بالدراسات الأصلية. هذه الدراسات لابد لها من الاستفادة والتعاون مع دراسات النظريات الإِقليمية والثقافية والجنسية والفنية، باعتبارها دراسات مساعدة، لها كثير من الجوانب الإِيجابية التي يمكن استغلالها.

2- إِفراد القضية الأدبية وتمييزها: إِن جوهر الدراسة الأدبية هو الظاهرة الأدبية ذاتها، وهي الغاية الأساسية والأصل. ولقد كان من عيب النظريات السابقة أنها اعتبرت القضية تبعًا أو وسيلة، وركزت عنايتها على أمور ثانوية جانبية؛ فأدى هذا إِلى الاضطراب والانتهاء إِلى نتائج قاصرة. أما المنهج الجديد فيحفظ للقضية الأدبية طابعها الخاص واستقلالها المتميز، ثم يجعل سائر الدراسات المساعدة أدوات معينة لها ومكملة.

3- النظرة الواسعة المرنة: وهي ألا نجاوز المهمة الأساسية للدراسات الجانبية المساعدة عن الحياة السياسية وعن أثر البيئة وتفاعل الثقافات، وألا نعلو بها فوق قدرها، فنسلم بنتائجها التقريرية؛ وإِنما الصحيح أن نفيد منها في حدود معينة وبكل حيطة وهدوء، وبعد فحص ومراجعة.

4- تحقيق الوحدة الفنية الكلية: وهي تتم بصورة منتظمة متدرجة: نبدأ بالشاعر الواحد لننتهي إِلى المجموعة من الشعراء، وبالكاتب لنصل إِلى الطائفة من الكتاب، دون تقيد بمكان أو عصر أو إِقليم. فإِذا انتهينا إِلى المدارس الأدبية كان من الممكن ملاحظة توزعها بين الأقاليم أو العصور أو الثقافات. إِذن فالمنهج الجديد يقوم على الانتقال من الفردي إِلى العام، ومن الجزئي إِلى الكلي، بطريقة متزنة عميقة هادئة نافذة.

5- توسيع مفهوم الأدب: فلابد من توسيع دائرته من المعنى الخاص إِلى المعنى العام وربطه بميادين الفكر في الدراسات الإِنسانية المتنوعة من تاريخ وتصوف وفلسفة. إِننا إِذا صنعنا ذلك، سنجد أن مقدمة ابن خلدون مثلاً كانت مثالاً أدبيًا رائعًا، يستحق التمهل في التقويم والعمق في الدراسة، فيتغير كثير من آرائنا الجاهزة الشائعة وسنكتشف في تراثنا الفلسفي والصوفي كثيرًا جدًا من النماذج الراقية المجهولة كذلك. وما من شك في أن أمثال هذه الدراسات الجديدة ستشيع الخصب والنماء في عملنا الأدبي، وستحدث انقلابًا كبيرًا في أحكامنا الأدبية، وستغير من نظرتنا إِلى كثير من العصور والفترات. إِن هذه الميزة في المنهج الجديد ترفع الحواجز بين دائرة الأدب بمعناه الضيق، وسائر فنون المعرفة الإِنسانية، وتعمل على إِغناء الأدب بثمار الفكر بمختلف ألوانه من جهة، وعلى إِكساب الإِبداع الفكري في كل العلوم الإِنسانية نكهة الأدب ورواء أسلوبه وأناقة مظهره من جهة أخرى.

ولقد ازداد تشبع الأجواء الثقافية والأكاديمية العربية خلال السنوات الأخيرة بمختلف ألوان المعارف الأجنبية. فازدانت المكتبة العربية بأعداد من الأعمال المترجمة والمؤلفة في مجالات: نظرية الأدب، والمناهج الأدبية، والأدب المقارن، والنقد الأدبي. وظهرت مناهج جديدة في دراسة النص الأدبي من مثل: الألسنية، والأسلوبية، والبنيوية، أو الهيكلية، أو السيميائية[1] وغيرها. كما صدرت كتب تحمل عناوين مثل: ((مشكلة البنية)) لزكريا إِبراهيم، ((والأسلوب والأسلوبية)) للدكتور عبدالسلام المسدي، و((الألسنية والنقد الأدبي)) لموريس أبو ناضر، و((في تاريخ الأدب: مفاهيم ومناهج)) لحسين الواد، و((في معرفة النص)) ليمنى العيد، وغير ذلك كثير جدًا.

ولاشك أن هذه الإِسهامات الجديدة تتفاوت فيما بينها جدة، وابتكارًا، واتصالاً بالتراث والمعاصرة، وتطرفًا واعتدلاً. وهي اتجاهات ذات مزايا إِيجابية، وذات مزالق قد تجنح بالدراسة إِلى التطرف المسرف، خصوصًا إِذا تناست طبيعة الأدب العربي وعالجته من خلال المعايير الأجنبية المحضة.

إِن مناهج دراستنا الأدبية الراهنة، خصوصًا ما يتصل منها بالمناهج التعليمية، هي في حاجة ماسة إِلى إِصلاح جذري جاد. إِنها لا تزال أسيرة المدرسة التقليدية - في الغالب - بكل ما لها من عيوب كما قدَّمنا، ولقد آن الأوان أن نستبدل بها منهجًا جديدًا على ضوء الحقائق التي انتهينا إِليها من خلال هذا العرض الموجز. إِننا نتطلع إِلى منهج يناسب الوعي الثقافي المعاصر وما وصلت إِليه الأذواق والأفهام الأدبية الحديثة.. منهج متكامل يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويتميز بشخصيته المستقلة ومعاييره الخاصة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] السيميائية: هي تطوير للبنيوية وتنويع لها. وهي تستمد أدواتها من علم اللغة، وتعتبر علمًا استقرائيًا يوضح العلاقة بين مبادئ تنظيم اللغة، أي الثقافة المادية (تنظيم المكان)، والقيم العقلية والأخلاقية (وتعني علاقة الزمن بعلم الأخلاق)، وتهدف السيميائية اللغوية إِلى دراسة اللغات الطبيعية وأساليبها.


أ. د. السيد عبدالحليم محمد حسين


* عن الألوكة
 
أعلى