دراسة محمد يوب - تكسير مفهوم البطل الواحد في رواية «زمورية أنا» للمغربي علي أفيلال

1 ـ مقدمة كعادته يطالعنا الأديب علي أفيلال بنص روائي جديد وسمه بـ»زمورية أنا» الصادرة عن مطبعة النجاح 2015؛ وهي رواية تجري أحداثها في أفضية متنوعة بين أزمور؛ الدار البيضاء؛ فرنسا؛ وبطلتها (زمورية) وهي الساردة العالمة بكل تفاصيل الحكي الروائي؛ ومتغلغلة في نفسيات أبطالها.
لقد بدأت الرواية بتذكر (زمورية) للحظة تنهد على سالم الذي مات وتركها «سالم كيف تجيب وأنت من أسكنه البحر أعماقه؟» وظلت وحيدة تنسج خيوط روايتها في الذاكرة المألومة؛ وهي الرواية التي تبدأ تفاصيلها بزهرة التي «تزوجت بمن مَدَّ إليها يده فمدت له روحها…لم تر فيه مجرد بحار فقير»؛ لكن شاءت الأقدار أن يموت زوجها غرقا؛ وتغادر مدينة أزمور متوجهة إلى مدينة الدار البيضاء مع ابنها سالم «لم يترك لها قبرا تزوره وتبكي عليه بكاء ثكلى حرمت من جماليات الحياة»؛ وتبقى زهرة عرضة لنوائب الزمن ومصاعب الحياة؛ تقودها قدماها إلى باب أحد المصحات الخاصة مستجدية ما يجود عليها الناس من صدقات «أنا المريضة بعلة الفقر؛ ومكمن دوائي أن أجد ركنا أنزوي فيه على نفسي؛ رغبة في أن أجرب إذلال التسول» حيث تجد من يساعدها على ذلك؛ إذ إنها التقت بشعيب؛ الحارس الذي تعلق بها وبابنها؛ لكنها رفضت الخضوع لنظراته النافذة في أعماق جسدها؛ فظلت وفية لزوجها ولذكرياتها معه؛ وهي ذكريات سجلتها أدبا بقلم الكاتب إحسان الذي كان ينظر إليها نظرة حب؛ متمعنا في صدرها وفي جمالها؛ لكن من جهتها ظلت تقاوم رغبتها الشديدة؛ حرصا على تربية ابنها سالم الذي استكمل تربيته في بيت جدته إلى ان تزوج من (زينب) التي أنجبت منه الطفلة شامة؛ لكن الحياة ستعيد المأساة نفسها بعدما غرق سالم في البحر لتبقى شامة مع (زهرة) لتتركها في يوم من الأيام – وهي في حالة من الاضطراب النفسي- عرضة للضياع في زحمة محطة الحافلات في الدار البيضاء؛ وتموت زهرة في حادثة سير أثناء ذهابها إلى مدينة أزمور؛ لتضيع شامة؛ إلى أن يحين الوقت لتلتقي بأمها زينب بعد رحلة بحث من طرف الأديبة والباحثة مليكة، التي بذلت جهدا كبيرا في ربط الاتصال بالأم التي هاجرت إلى فرنسا للعمل كخادمة في البيوت الفرنسية؛ وتنتهي الرواية بالاتصال الهاتفي بين شامة وأمها زينب في جو من الحزن الممزوج بفرح اللقاء «ماما…أريد أن أراك».
والناظر في عنوان الرواية يلحظ توفر المكان بقوة؛ وهو مدينة أزمور الساحلية التي تنتسب إليها الساردة؛ إضافة إلى عتبة الغلاف التي ظهرت عليها صورة المدينة العتيقة وضريح الولي الصالح مولاي بوشعيب الرداد. وعندما نذكر مدينة أزمور ينبغي أن نستحضر القصة الغرامية التي جمعت بين لالة عائشة البحرية ومولاي بوشعيب الرداد؛ حيث إن بطلة هذه الحكاية جاءت من أقصى الشرق بحثا عن عشيقها؛ هذا الرجل الورع؛ الصالح؛ لأنها تحبه إلى درجة أنها غامرت وقذفت نفسها في البحر رغبة في الوصول إليه في الضفة الأخرى؛ لكن البحر كان أقوى منها؛ لتبقى القصة خالدة في الذاكرة ليستغلها الكاتب علي أفيلال في منجزه الروائي الذي نحن بصدد دراسته؛ غير أن الغارق هذه المرة ليست المرأة وإنما الرجل بشكل مضاعف؛ غرق الزوج؛ وغرق الابن (سالم) لتستمر لعبة الحكي؛ وكأن مدينة أزمور محكوم عليها أن يكون بحرها الهادئ مقبرة للعاشقين.
2 ـ تكسير مفهوم البطل الواحد
من جماليات الرواية الحداثية تكسير مفهوم البطل الواحد، الذي يستقطب كامل مجريات السرد؛ ورواية «زمورية أنا» تسير في هذا الاتجاه، حيث لم تعتمد على شخصية رئيسية واحدة وإنما اعتمدت على شخصيات محورية متعددة بتعدد فضاءات الرواية؛ فكما نجد زهرة بطلة رئيسية في الرواية هناك شعيب الذي يؤسس الرواية ويبني أحداثها؛ سواء من خلال ما يقدمه لزهرة من مساعدات أو من خلال تداعي حالاته النفسية التي عبر عنها من خلال نظراته ومن خلال الخدمات التي يسديها لزهرة ولابنها سالم أمام باب المصحة الخاصة؛ ونجد شخصية محيمد وإحسان الكاتبين اللذين أسسا لبناء روائي جديد داخل الرواية؛ محدثين شكلا جديدا من أشكال الكتابة الحداثية هي ما يسمى بالميتاسرد، حيث بتنا نقرأ رواية جديدة في قلب الرواية الأم؛ بمعنى أن مفهوم البطل الرئيسي قد تكسر وتحطم على جدار الفكر الحداثي الجديد الذي لا يؤمن بالبطل الأسطوري الخارق للعادة؛ بل أصبح يؤمن بمفهوم الجماعة كمعنى جديد في عالم انتفى فيه الفكر القطبي والفرد الزعيم. إن السرد الروائي في «زمورية أنا» مبني على توالد الأحداث وكأن البطلة شهرزاد جديدة تريد تمطيط الحكي لكي تنقذ نفسها من مصير مجهول؛ لأنها تجد نفسها مطاردة من جميع الجهات؛ تعيش حصارا داخل المكان؛ وحصارا مع من يؤثث المكان؛ ولهذا فإنها دوما تريد إطالة وتمديد النهار لكي لا يقبل عليها الليل ويجدها في أحضان الذئاب البشرية المجهولة صحبة ابنها سالم؛ الذي ترعرع أخيرا في بيت جدته؛ وهكذا تتداخل الرواية وتتشابك مع أبطال آخرين يسيِّرُون ركب الرواية؛ كما يسير سالم مركبه الذي غرق في البحر وغرقت معه أحلام زينب وزوجها.
غير أن الرواية ستستمر وتنجو من الغرق بمساعدة شخصيات أخرى بطلة كزينب زوجة سالم؛ الخادم في بيت مارلين التي تعيش معاناة أكثر مرارة من زينب وهي معاناتها مع مرض السرطان وفقدانها لابنتها ماري التي التقت بها أخيرا في جو من الفرح والمرح؛ لتنتهي الرواية بالمجهود الجبار الذي قامت به مليكة التي ظلت تبحث عن (شامة) الضائعة وقدمتها لأمها ليسدل ستار السرد الروائي بنهاية منطقية تنسجم ومجريات الأحداث وتحقق أفق انتظار القارئ.




 
أعلى