رسلان عامر - الأيروس الجميل.. رقصة حياة على أنفاس أفروديت

[SIZE=6]
file1.jpeg
[/SIZE]

أيروس هو إله الحب الجنسي عند قدماء الإغريق، و هو ابن إلهة الجمال أفروديت، إنها لحقيقة تربط الأيروس بالجمال، و قد أدركها الوعي منذ زمن بعيد قبل الميلاد، و لكن اليوم في القرن الواحد و العشرين ما يزال ثمة كثيرون يعجزون عن إبصار هذه الحقيقة، و ما تزال الصورة لديهم معكسوة، و بدلا من الجمال و الاحترام...يحل لديهم التقبيح و التحقير، بل و التعهير!

في هذه المقالة البسيطة سنتكلم عن الأيروس جميل الكلام بقدر ما نستطيع أن نحسن الكلام، و هذا الكلام موجه إلى القادرين على رؤية الجمال الأصيل في الحياة و الوجود أينما كان، و أينما كان لا تخطئه أنوار بصائرهم، فيحسه خصب أنفسهم.. و تصـْدقه حيوية ضمائرهم و تشهد له رفعة عزائمهم.

نحن البشر كائنات جنسية، و هذه حقيقة لا جدال فيها، و سواء كنا دينيين أو علمانيين، فنحن أمام حقيقة معناها أن القوة التي خلقتنا سواء كان الله هو الخالق.. أم الطبيعة هي الخالقة قد خلقت الجنسانية الجوهرية فينا، و جعلتها جزءا أساسيا من تكويننا، وربطت بها تناسلنا و استمرارنا، و ربطتها بعاطفة الحب العشقي، و جعلتها الاتصال الأكثر حميمية بين الإنسان و الإنسان! و هكذا فلن نتحرج بتاتا من القول دون مواربة أن كلامنا سيدور هنا عن الجنس، نعم و ليس عن الحب الرومانسي.. و لا عن الحب العذري أو الحب الصوفي أو أي حب آخر يمكن أن يربط بين المرأة و الرجل، و لم لا؟ فما خطب الجنس؟ و عن طريقه ولد كل البشر بكل ما فيهم من علماء و حكماء و عظماء.. بل وقديسين و أنبياء!

علينا أن نخرج من الكذبة، و أن نكون صريحين مع أنفسنا و متصالحين معها، و كفانا قرنا للجنس بالعيب، و حصارا و إقصاء و تقيدا له، فنحن لم نكتف بطرده تماما من كل آفاق الحيز العام إلى أقصى و أضيق زوايا الحيز الخاص المغرق في ضيقه أصلا، بل حتى هناك تابعنا مطاردته، و في النهاية على ماذا حصلنا؟ لقد وصلنا إلى حالة صار فيها حتى الجنس الشرعي لدينا يعني تقريبا "الفسق المرخص".. و ما فعلناه لم يجعلنا فاضلين، بل كذبنا كذبة الفضيلة على أنفسنا و غيرنا و صدقناها أو ادعينا تصديقها، و بنتيجة شدة المنع والحظر جاءت ردة الفعل المكافئة لتجعل غالبيتنا الساحقة مهجوسين و مسكونين بالجنس، متكالبين عليه في صراع داخلي بين ما تحتاجه الطبيعة و ما ينجسه العرف! و هكذا دنس هذا العرف سرائرهم و مزقها الصراع.. فأنى لهم أن يعرفوا السكينة و النقاء؟ و هم في سلوكهم هذا يجبرون على تعلم المراوغة و الرياء، فيتقنوها و يعتادون عليها.. و يسحبونها في الغالب على بقية محالات الحياة.

ما تزال المرأة لدينا عموما عورة.. و ناقصة عقل و دين، و ما تزال الأعضاء الجنسية عورات و سوءات، و الجماع الجنسي فحشاء؟ أفبهذه (العقلية) سنكون خير أمة أخرجت للناس و نريهم أن الدين عند الله هو الإسلام؟ و هل ستدخلنا هذه (الثقافة) حضارة القرن الواحد و العشرين بكل ما فيها من فلسفة و علم و فكر؟! كيف لهذا أن يكون و قد همشنا نصف المجتمع، و عوّرنا علاقتنا معه، و جعلنا من الإنسان كله ثمرة فعل العورات و السوءات، فهل لها بعد هذا إلا أن تكون أفسد الثمار؟

إن من لا يستطيع أن يكون متسالما مع نفسه.. و متصالحا معها، و يعجز أن يعترف بطبيعته كما هي، لن يقدر في يوم من الأيام أن يعيش معترفا بسواه.. و يتعايش معه بسلام، و مع الإعتذار للفظة "ثقافة" لاستخدامها في تسمية ما لا يجوز أن يسمى بها، فـ (ثقافة) العيب و السوءة و العورة المتخارجة مع العقل و الفاقدة للحس بالجمال، هي حكما ثقافة مفلسة من الحب و السلام، و هي سماد البيئة التي تنتج الإرهاب و التكفير!

هنا سيـُعترض علينا بشدة .. بأن الغرب الذي ألغى كل حظر عن الجنس ما زال بعيدا هو الآخر عن ثقافة الحب و السلم!

أجل.. لا أحد يستطيع المجادلة في ذلك، لكن شتان بين بعد الغرب عن ذلك و بعدنا نحن عنه، هذا أولا، و ثانيا، موْضـَعة الجنس في مكانه الصحيح..ليست وحدها ما يصنع ثقافة المحبة و السلام، فهناك العديد من العوامل الأساسية الأخرى، أي أن ثقافة الجنس الصحيحة هي شرط لازم ..لكن غير كاف لذلك، و الغرب ما زال يفتقد إلى الكثير من الشروط الأخرى اللازمة، و ثالثا، من قال أن الجنس في الغرب أصبح في مكانه- أو مكانته- الأنسب؟

لقد حرر الغرب الجنس من الحظر.. و أدخله في نطاق العادية بشكل عام، و هذا إنجاز كبير، و الغرب الذي حرر الفرد من قيد السلطة و الملة و الكهنة.. و أعاد له فرديته، أعطاه معها حرية اختيار المعتقد الديني أو اللاديني.. و اختيار المذهب الجنسي الذي يريد، مع ذلك لم يستطع بعد أن يحرر أبناءه تماما من عقدة طهرانية القرون الوسطى الزائفة و يمحو أثارها من ذاكرتهم الجمعية، و ما زالت الشتيمة الجنسية المرتبطة بالصورة الدونية الدنسة للجنس متداولة فيه، و لكن الأخطر هو أن الغرب أسقط أبناءه في لجة السوق و أغرقهم بطوفان الاستهلاك، و هكذا تحول الجنس الغربي في معظمه إلى استهلاك للآخر..و استسلاع له.

نحن لا نرى في الثقافة الجنسية الغربية إلا الإباحية، و نفعل ذلك حصرا بالقياس على عرفيـّتنا المأزومة، و ليس بموجب منطق راسخ و فلسفة عميقة و ثقافة راقية، و نرفع عقيرتنا بالاستنكار و الذم عندما نرى البساطة التي يتعاملون فيها في الغرب مع الجنس و حضوره العلني في حياتهم العامة، و لا نحاول أن نتساءل لماذا و كيف يفعلون ذلك، و لا نحاول فهمهم، و كل عاقل يعرف أن فهم الشيء ، بل و تفهمه، لا يعني بالضرورة تبنيه أو اعتناقه!

ما أحسن الغربيون فعله حتى الآن هو أنهم حرروا الجنس من عقدة الدنس تقريبا، و أعادوا له الكثير من موقعه الطبيعي، و لذا لا يعود غريبا هنا ألا يبقى حبيسا في الزوايا الفردية السرية النائية، وأن يعود – بقدر ما- مكونا من مكونات الحياة العامة، و هذا ما نراه مثلا في حضور الجنس في الفن، بل و حتى في وجود فن جنسي، لكن ما أساء الغرب فعله، بل و أكبر الإساءة، هو أنه بعد أن أسقط عن أيروس صورة البعبع القبيح الممسوخة، عاد فمسخه إلى دمية استهلاك رخيصة، و لم يعد له تلك المكانة الراقية التي كانت له يوما.. و التي يستحقها لتكون!

لقد كان الجنس عند الكثير من البدائين طقسا قدسيا بسبب ارتباطه بالخصب، و كون الخصب أساس الحياة، و لذلك رأى أولئك البدائيون في الكون بكامله و الحياة بكليتها عملية حب و وصال و حمل و ولادة، و يومها أُنـّثت الألوهة، و تربعت "الإلهة الأم" في عرشها السماوي، و كانت ربة الخصب و الحب و الجمال، و بنى لها الإنسان البسيط المتوافق مع الطبيعة و مع نفسه معابده التي حاول فيها تمجيد الجمال و الحب، و أفلح في ذلك إلى حد ما، و ما أفلح فيه نجد له حتى اليوم استمرارية متطورة في مذهب "الطاو" الصيني الذي يرى في الجنس أكثر قوة طبيعية خلاقة .. و مذهب "التانترا" الهندي الذي يرى فيه الطقس القدسي الأكبر، و مع ذلك فكلا المذهبان لا يجعلانه غاية نهائية بحد ذاته، بل يتجاوزه كل منهما على طريقته إلى غاية أكبر هي خير الإنسان و الرقي بالإنسان!

و ما نحتاجه في شرقنا المأزوم بثقافة اللاحياة هو الاعتراف قبل كل شيء بالإنسان، و من ثم و من ضمن عديد شروط تحقق إنسانية الإنسان، الاعتراف بالأيروس واحدا من هذه الشروط الأساسية، و ما نحتاجه جميعا شرقيون و غربيون، هو الارتقاء بإنسانيتنا الجنسية إلى مستوى الجنسانية الإنسانية، و عيش حياتنا الجنسية على مستواها الإنساني الرفيع، فبدون ذلك لن تعرف إنسانيتنا الرفعة.
*
السويداء- سوريا
17-2-2017
*
هذا المقال منشور أيضا على:
- موقع "مفكر حر"
- وعلى مدونة الكاتب الشخصية

*
 
أعلى