عبد الفتاح قلعه جي - ابن سبعين

يعتبر ابن سبعين واحداً من أعظم أقطاب الأندلس والمغرب في الفكر والتصوف.

ولد في مرسية بالأندلس سنة (613هـ/1216م) من أسرة نبيلة غنية وقضى مطلع شبابه في الأندلس، حيث تعلم فنون الأدب والفقه، والنظر في العلوم العقلية وقد أخذ التصوف عن أبي إسحق إبراهيم بن يوسف بن محمد بن الدهاق.‏

تعتبر المغرب الحاضنة الأولى لمؤلفاته فقد قضى فترة زمنية فيها ألّف خلالها معظم رسائله، ودخل في مناظرات عنيفة مع فقهائها من أعداء الفلسفة والتصوف، فظهرت عليهم حجته وانتصر عليهم بمتانة استدلاله وسعة اطلاعه.‏

انتقل ابن سبعين من مرسية بالأندلس إلى المغرب وهو دون العشرين، فأقام أولاً في سبتة على الشاطئ المغربي هو وجمع من أصحابه ومريديه الذين تتلمذوا على يديه أو صحبوه وهو في الأندلس، وشاعت شهرته بالزهد والعلم والفلسفة التي استطارت في الآفاق، بدليل ما ورد في مستهل كتاب "المسائل الصقلية".‏

كان الإمبراطور فردريك الثاني ملك النورمانديين في صقلية قد عرف مكانة العلماء المسلمين في العلم والفلسفة، وكان محباً للعلم والعلماء، ومع محنة الأندلس أراد أن يعمر بلاطه برجال العلم والفكر المسلمين فوجه إليهم الدعوة أو كاتبهم للاستفادة منهم وحب الاستطلاع، وكان من المسائل التي طرحها عليهم ما يعرف بالمسائل الصقلية وهي باختصار:‏
المسألة الأولى عن العالم: هل هو قديم أو محدث؟‏
والثانية من العلم الإلهي: ما هو المقصود منه، وما مقدماته الضرورية إن كانت له مقدمات؟‏
والثالثة عن المقولات أي شيء هي؟ وكيف يتصرف بها في أجناس العلوم حتى يتم عددها، وعددها عشر، فهل يمكن أن تكون أقل، وهل يمكن أن تكون أكثر، وما البرهان على ذلك؟‏
والمسألة الرابعة عن النفس: ما الدليل على بقائها وما طبيعتها؟ ويتفرع عن هذه المسألة الأخيرة سؤال عن: أين خالف الإسكندر الأفروديسي أرسطوطاليس؟‏

ويظهر أن المكانة التي نالها ابن سبعين بأجوبته عن هذه المسائل كانت عالية وقد أوغرت صدور الفقهاء عليه فراحوا يتهمونه بالكفر، مما اضطر حاكم سبتة، ابن خلاص، إلى طرده منها، فسكن في بجاية مدة إلا أنه في النهاية ونتيجة لكيد من حوله له نفي من المغرب، وكان خروجه منها سنة 642 هـ وهو في الثلاثين من عمره. لكن إقامته بالمغرب كانت غنية فقد ألّف فيها معظم كتبه.‏

ارتحل ابن سبعين من المغرب واتجه إلى المشرق، فمرّ بمصر، وأقام فيها مدة قصيرة ثم غادرها، لأن هدفه الأول كان الحج. فقصد مكة، وهناك لقي من شريف مكة، أبي لحي محمد بن أبي سعد عطفاً ورعاية، وشاع صيته بين أهل مكة بسبب سخائه، وبسبب علمه وكثرة أتباعه، وكان أهل مكة يعتمدون على أقواله، ويهتدون بأفعاله. وقد ظل ابن سبعين في مكة حتى توفي في التاسع من شوال سنة 669هـ.‏

أول ما نشر من مؤلفات ابن سبعين كتاب "الكلام على المسائل الصقلية" في سنة 1941 في بيروت، ثم قام الدكتور عبد الرحمن بدوي بنشر قسم من رسائله وهي: "رسالة النصيحة" أو "النورية"، و "عهد ابن سبعين" و "الإحاطة" ثم نشر باقي رسائله في مؤلفه عن ابن سبعين، ليعقّب عليها بنشر كتاب "بدِّ العارف" وهو أكبر كتب ابن سبعين حجماً.‏

لابن سبعين طريقة في الكتابة غريبة: فكلامه مفكك، قليل الاتصال، حتى قال قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد: "جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاماً تُعقل مفرداته، ولا تعقل مركباته"‏

كلام ابن سبعين يتسم بكثرة ما يرد فيه من ألغاز وإشارات بحروف أبجد، وله تسميات مخصوصة في كتبه هي نوع من الرموز. ومن رسائله: الرسالة الفقيرية، وهو كتاب فيه حكم ومواعظ، الرسالة القوسية، وهي عهد ابن سبعين لتلاميذه، كتاب النصيحة أو النورية، ، رسالة في أنوار النبي، رسالة خطاب الله بلسان نوره، ملاحظات على بدّ العارف، رسالة الألواح المباركة، الرسالة الرضوانية، رسالة في عرفة، ورسائل أخرى.‏

الجماهير - عبد الفتاح قلعه جي




الادب المغربي.jpg
 
أعلى