نقد رجـاء النقـاش - حرروا القرآن من هذه القيود

كيف يمكن ن ننظر للقرآن نظرة عصرية؟
علينا أن نحدد هذه القيود ثم نعمل بعد ذلك على تحرير القرآن منها حتى ولو أدّى بنا الأمر إلى تحقيق ثورة دينية مثل تلك الثورة التي قادها (لوثر) في عالم المسيحية الغربية وكانت هذه الثورة هي الحركة (البروتستانتية) المعروفة!
فما هي هذه القيود التي ندعو إلى التحرر منها؟
هناك قيود شكلية من بينها الإصرار على عدم كتابة مصحف بالخط العصري المعروف، والإصرار على أن تكون كل المصاحف مكتوبة بالخط القديم مما يشكل عقبة رئيسية أمام كل الأجيال الجديدة التي تريد أن تقرأ فتجد في كتابته عناء شديداً قد يؤدي إلى صرفها عن هذه القراءة نهائياً.
ففي المصاحف الحالية نقرأ هذه الكلمات:
(الصرط) بدلاً من (الصراط) و (الصلوة) بدلاً من (الصلاة) و (الزكوة) بدلاً من (الزكاة) و (أبصرهم) بدلاً من (أبصارهم) و (ظلمت) بدلاً من (ظلمات) و (السموات) بدلاً من (السماوات) و (جنت) بدلاً من (جنات)... إلخ.
إن من واجبنا ولا شك أن نحتفظ بالمصحف القديم بخطه المعروف، فذلك أثر غزيز من آثارنا لا يجوز أن نهمل في المحافظة عليه، ولكن يجب أن تكون لدينا (الشجاعة الدينية) الكافية لكي نطبع مصحفاً خالياً من هذه الحروف التي تجعل قراءته صعبة ومستحيلة إلا عند المتخصصين في قراءة القرن، ونحن نريد أن يقره في بلادنا كل المتعلمين وأن تقرأه الأجيال الجديدة على وجه الخصوص دون أن يجدوا في هذه القراءة كل المشقة التي يحسون بها الآن. وليس هناك أي نص ديني مقدس يحرمنا من الإقدام على مثل هذه الخطوة.. بل إن روح الدين تتمثل في ((أن الدين يسر لا عسر)) وكل ما ييسر الدين بدون الخروج على جوهر مبادئه أمر مطلوب. إننا إذا أردنا أن نجعل هناك صلة حقيقية بين القرآن وأجيالنا الجديدة فلا بد من أن نقدم على مثل هذه الخطوة بلا تردد.
... هناك عقبة أخرى هي انعدام وجود تفسير عصر سهل للقرآن. ونحن بأشد الحاجة إلى مثل هذا التفسير الذي يجعل القرآن ميسوراً في قراءته بالنسبة لأي شاب من شبابنا بدون الرجوع إلى مراجع عديدة معقدة، كما أن مثل هذا التفسير هو وحده الذي يستطيع أن يحرر القرآن من الخرافات التي تسربت إلى التفسيرات القديمة مثل تفسير (البرق) بأنه صراع بين ملائكة الخير والشر، وما إلى ذلك من الأفكار التي يقدم العلم المعاصر بديلاً واضحاً لها قائماً على المعرفة الصحيحة بظواهر الأمور الطبيعية والانسانية.
هذه بعض العقبات الشكلية.. ولكن هناك عقبات أخرى أعمق وأبعد. فما زالت المؤسسات الدينية عندنا ترفض إلى أبعد الحدود الاعتراف بوسائل التأثير العصرية مثل السينما والمسرح والموسيقى والرسم والإذاعة والتلفزيون.
.. وإذا نظرنا إلى رجال الدين في الغرب وجدنا أنهم قد توسعوا في الاستفادة من هذه الوسائل إلى أبعد الحدود. فقد امتلأت الكنائس الغربية باللوحات الفنية الرائعة، بل إن هناك مدرسة دينية فذة في الفنون التشكيلية، وهناك آلاف اللوحات والتماثيل الرائعة في الغرب مستمدة كلها من المسيحية، كما توسعت في استخدام الموسيقى وبذلك أصبحت الكنيسة مكاناً مشرقاً بجوه الروحي حيث يساعد الفن بوسائله المختلفة على تعميق هذا الجو بصورة رائعة.
أما السينما والمسرح فقد أتيح لهما أن يعتمدا على الكثير من الإنجيل والعهد القديم بصورة واسعة رحبة. بل لقد ظهر في السينما فيلم طويل هو فيلم (الإنجيل) ومهما قيل عن هذا الفيلم وعن أخطائه فالمحاولة جريئة، وهي محاولة لم تلق أي اعتراض من السلطات الدينية في الغرب.
أما عندنا فنحن نجد فاصلاً قاسياً بين المسرح والسينما وبين القرآن وقصص القرآن، كما نجد حرباً على أي اقتراب بين القرآن وبين فن الموسيقى أو فن التصوير والرسم.
والحقيقة أن ثمل هذا الموقف يجب أن يتغير.. ومثل هذه القيود يجب أن تزول، ولا بد من عقد اجتماعات واسعة بين رجال الدين ورجال الفن والثقافة حتى يتم الوصول إلى حل لا يتعارض مع المبادئ الدينية، بل يخدمها ويساعدها على أن تمد جذورها ف أعمق أعماق الضمير والوجدان.
.. إننا نجد في الغرب كتباً تصدر للأطفال الصغار فيها الكثير من الرسومات والصور التي توضح قصص الإنجيل وتضيئها وتبسطها لهؤلاء الأطفال وهي كتب رائعة وعظيمة ومؤثرة.
... ولكننا هنا نتردد في أي جهد من هذا النوع يجعل القرآن قريباً من الانسان والقلب الانساني.. ويجعل القرآن واضحاً كل الوضوح في ضوء العصر الحديث وما يمتلئ به هذا العصر من أ فكار جديدة وفنون جديدة.
... إننا عندما نحرر القرآن من مثل هذه القيود المحيطة به لا نكون قد أسأنا إلى القرآن، بل نكون فد أحسنا إلى أنفسنا وإلى الدين الاسلامي الذي نؤمن به.. إننا يجب ألا نتردد في تقديم مسرحيات مستمدة من روح القرآن.. يجب ألا نتردد في شيء من هذا على لا إطلاق لأن ذلك يطلق القوى العظيمة الكامنة في القرآن.. ويملأ بها قلب الانسان المعاصر وضميره ووجدانه، أما إذا اكتفينا بأن نجعل القرآن مجرد (نص مقدس) سوف يصعب الوصول إليه إلا لمن كان متخصصاً في القرآن والعلوم الدينية.
... إن واجبنا هو أن نحرر القرآن من هذه القيود ونبذل كل جهدنا في سبيل تمهيد الطريق للوصول إلى كل ما في القرآن من جمال فكري وروحي وفني وإنساني وكل ما فيه من قيم دينية عليا حتى لا يصبح الطريق إلى القرآن غاية في الصعوبة والقسوة والمشقة.

رجاء-النقاش
 
أعلى