فاطمة الزهراء المرابط - الدعارة... واقع اجتماعي يطرح أكثر من سؤال..

الجزء الاول

هي ظاهرة اجتماعية قديمة، صمدت في وجه مختلف التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى التكنولوجية، وتمكنت من تطوير أساليبها ووسائل الدعاية لخدماتها، من أجل الحفاظ على وجودها واستمراريتها طيلة القرون الماضية، بحيث تغلغلت هذه الظاهرة في معظم الأحياء الشعبية والهامشية وحتى بعض الأحياء الراقية، واستطاعت الوقوف في وجه الحملات التي تشنها السلطة والمجتمع لمحاربتها والقضاء عليها، معتمدة على دور الوسيط وشبكة الدعارة المنظمة التي تعمل على إنعاش تجارة الرقيق الأبيض وتلبية رغبات الزبائن المتعطشين لمعانقة الأجساد الطرية وإشباع رغباتهم الجنسية المكبوتة...
وقد اكتست الدعارة أهمية كبيرة لدى الإعلاميين والباحثين والمهتمين بالشأن الاجتماعي، إلا أن هذا الاهتمام غالبا ما يتخذ صبغة التحري والعمومية ويسلط الضوء على "العاهرات" أو " المومسات" لتظل الجوانب الأخرى غامضة ومثيرة للاهتمام، الأمر الذي يخلق لدى الكثيرين هامشا حيويا للبحث والدراسة، من أجل الإجابة على تساؤلات القراء والمتتبعين لهذه الظاهرة والتي تتمحور حول الأسباب التي تدفع بشريحة كبيرة من النساء إلى عالم المجون والرذيلة، ونظرة المجتمع إلى المومسات، وآثار هذه الظاهرة على البيئة الاجتماعية، هي الأسئلة نفسها شغلتني لفترة من الزمن ودفعتني إلى النبش في هذا الموضوع وحتى لا أسقط في التكرار والعمومية حاولت طرح الموضوع من زاوية مختلفة، فركزت على تفشي الدعارة في الوسط الطلابي معتمدة على شهادات حية لضحايا غدر بهن الزمن، ودفعتهن الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى امتهان الدعارة من أجل الحصول على الشهادة الجامعية، إلا أن الانغماس في عالم اللهو والجنس المأجور غالبا ما يؤدي بهن إلى الانقطاع عن الدراسة بشكل نهائي، أسئلة كثيرة تفرض نفسها علي لأهميتها: ما هي الأسباب التي تدفع بطالبة جامعية إلى الارتماء بين أحضان الرذيلة؟ هل هي أسباب أخلاقية أم اجتماعية أم اقتصادية؟ وما هي الانعكاسات النفسية لهذه الظاهرة على ممارسيها؟ وكيف ينظر المجتمع إلى هذا النوع من النساء؟

ما هي الأسباب التي تدفع بالطالبة إلى أحضان الرذيلة؟

كثيرا ما أثارت انتباهي بعض المشاهد التي كانت تعرفها بعض الشوارع المحيطة بالأحياء الجامعية خلال دراستي هناك ما بين 1999 و 2007 هذه الفضاءات التي كانت مسرحا مميزا للعلاقات الغرامية، فحركة الذهاب والإياب التي كانت تمارسها بعض الطالبات الجامعيات بشكل جماعي أحيانا، وأحيانا أخرى بشكل فردي بأزيائهن الأنيقة، الملفتة للنظر، إذ تصرف الواحدة منهن أموالا غير بسيطة على لباسها وزينتها من أجل التباهي أمام صديقاتها وجذب أكبر عدد ممكن من المعجبين، الأمر الذي يجعل الطالبة تنجرف وراء وهم كبير اسمه الزواج الذي تطمح إليه أي امرأة مهما كان مستواها الثقافي أو الاجتماعي، خاصة وأن الكثير من الطالبات ولجن الجامعة من أجل تجزية الوقت وتوسيع فرصهن في الزواج، هذا الحلم/الزواج كثيرا ما يؤدي بهن إلى طريق محفوف بالأشواك والمخاطر. وفي غياب مرافق ترفيهية بالأحياء الجامعية لا يبقى أمامهن سوى التسكع في الطرقات والشوارع القريبة من أجل ضرب المواعيد الغرامية وتبادل أرقام الهواتف النقالة، بهدف الحصول على حبيب أو زوج مناسب هذا السعي وراء الحب والزواج كثيرا ما يؤدي إلى نهاية مأساوية في حانة أوعلبة ليلية وسط كؤوس الخمر والمداعبات الخفيفة أو ليلة حمراء في شقة مفروشة مقابل 400 درهم أو 600 درهم، وقد يتضاعف الأجر حسب نوعية الرجل الذي تكون في ضيافته لساعات معدودة أو لليلة كاملة، فهي تحاول دائما اصطياد الرجال الأكثر وسامة وغنى، وأغلبيتهم من عشاق التسلية واللهو خارج إطار الزوجية.
هذه الظاهرة الغريبة التي عايشتها خلال دراستي الجامعية دفعتني إلى طرح عدة تساؤلات حول الأسباب التي تدفع بالطالبة إلى الارتماء بين أحضان الدعارة المحفوفة بالضياع والخطر، وإن كانت هذه الأسباب اقتصادية واجتماعية فقط أم أنها أسباب أخلاقية وعاطفية، فدائما هناك أسباب لهذه الظاهرة أو تلك فقط علينا التعمق في الأسباب الجذرية بدل إطلاق الأحكام المسبقة حول الدعارة التي أصبحت متفشية بشكل كبير بين الطالبات الجامعيات، دون معرفة الظروف والعوامل التي دفعتهن إلى هذا العالم، ونجد أن العامل الاقتصادي (الفقر، البطالة، غياب الموارد المالية...) يحتل المرتبة الأولى في دفع الطالبة (الفقيرة) لهذا الميدان، بحيث أن التحاقها بمدينة غريبة عنها واحتياجها/حاجتها إلى موارد مالية لتلبية مصاريفها اليومية من الأكل والشرب، النقل، الكتب والمراجع المدرسية التي تتطلب أموالا كبيرة لاقتنائها، هذا دون أن ننسى اللباس الذي يعتبر وسيلة التباهي بين الطالبات لأن نوعيته وجودته غالبا ما ترمز للغنى والرخاء الاجتماعي، مما يجعل الطالبة (الفقيرة) في موضع السخرية والاحتقار الدائم، الأمر الذي يؤثر على دراستها ونفسيتها، خاصة وأن فرص العثور على وظيفة مناسبة يعتبر أمرا صعبا أو شبه مستحيل بسبب افتقارها للمؤهلات والخبرة العملية، في ظل هذه الظروف كيف لا تلجأ هذه الطالبة التي اعتبرها ضحية النفاق الاجتماعي الذي لا يعرف إلا لغة القشور والمظاهر الفارغة ويتغاضى عن النواة الأصلية، إلى بيع جسدها من أجل تلبية حاجياتها والحصول على الشهادة الجامعية التي لا تستطيع العودة إلى أسرتها بدونها، وهنا تشير سوسن (طالبة آداب عربي/ 22 سنة) بأن السبب الوحيد الذي يدفع الطالبة إلى هذا المستوى هو الفقر وغياب الموارد المالية: «عندما تجدين نفسك في مدينة غريبة عنك بدون مورد اقتصادي يوفر لك أبسط احتياجاتك الشخصية، خاصة وأن العائلة، همها الوحيد هو الحصول على الشهادة الجامعية، كيف؟ الأمر لا يدخل في اختصاصها، في نظرك كيف أتابع دراستي والمصاريف التي أحصل عليها لا تكفيني حتى لشراء الدفاتر والمراجع الكثيرة، فمن أين لي بتكلفة النقل والأكل واللباس وغيرها من الحاجيات الشخصية، فهذا الزمن لا يرحم أحد، فليس ذنبي أن الحياة لفظتني إلى الفقر...»، وتعترف فريدة (19 سنة/القصر الكبير):« لقد مكنتني علاقتي الجنسية بالرجال الأكبر سنا من حل مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي كنت أعاني منها، بل مكنتني من إكمال دراستي الجامعية، خاصة وأن هذه العلاقة لا تسبب لي أي مشكل، بل توفر لي مستوى عيش راقي ومسكن ملائم وحياة جنسية هادئة، ومن أجل ضمان وفائي له يغرقني بالهدايا والإكراميات فوق الحساب، لكني نادرا ما أكتفي بعلاقة جنسية واحدة بل أسعى إلى ممارسة الجنس مع هذا الرجل وذاك، بحيث أنظم وقتي حسب كل واحد منهم، ويبقى لي الوقت الكبير من أجل الدراسة والتحصيل العلمي، ورغم الفارق الكبير في السن بيننا فإنني لا أحس بالملل أبدا وأحقق متعتي الجنسية..».
وتضيف سعاد أو سوسو كما يناديها الجميع(دراسات إسلامية/ وجدة):«عندما كنت في البكالوريا كانت لدي طموحات كبيرة في الالتحاق بأحد معاهد الصحافة أو المسرح أو حتى الفنون الجميلة، إلا أن الظروف المادية جعلتني ألتحق بشعبة الدراسات الإسلامية التي ستمكنني من الدراسة بمنزلي وبالتالي سأوفر على أسرتي مصاريف الدراسة هناك، إلا أن حساباتي كانت خاطئة، فنسخ المحاضرات كانت تكلفني قدرا كبيرا من المال، كنت أرتدي جلبابا واحدا في حين أن الطالبات كن يتباهين بملابسهن الملونة والأنيقة، وترتاد أغلبيتهن المطاعم المجاورة للحي الجامعي في حين أكتفي ببيضة مسلوقة رفقة كسرة خبز جلبتها من بيتنا قبل أيام، لعنت الفقر، ولعنت اليوم الذي جئت فيه إلى الحياة، لم أكن أرافق أحدا بسبب خجلي من فقري ومن وضعيتي الاجتماعية المتردية، لكني مع ذلك كنت راضية بوضعي وأطمح إلى تحقيق كل أحلامي مستقبلا، مرت السنة الأولى على ما يرام بمساعدة بعض الطالبات اللواتي كنا نطلق عليهن اسم "الأخوات" فانتقلت إلى السنة الثانية، إلا أن الظروف ليست دائما مواتية، ففي السنة الموالية شغلت الغرفة التي كنت أقطن بها بالحي الجامعي طالبة في السنة الرابعة كانت أنيقة المظهر والملامح وذات أخلاق عالية، كانت محبوبة وودودة جدا، كنت أرافقها إلى السوق والمقصف والمكتبة أيضا من أجل الدراسة وأحيانا إلى الجامعة، ورغم أننا لم نكن بنفس الشعبة فقد أظهرت استعدادا لمساعدتي وتوجيهي نظرا لخبرتها وتفوقها (حسب قولها كانت تحصل على درجة مستحسن أو حسن حسب قولها)...» توقفت قليلا عن الكلام قبل أن تضيف قائلة: « يوما دعتني إلى حفلة عيد ميلاد قريبة لها، فرفضت الذهاب بحجة افتقاري للملابس الملائمة لهذا النوع من المناسبات فعرضت علي فستانا لم يستعمل بعد، وبعد إلحاح كبير من طرفها، رضخت لرغبتها ورافقتها إلى الحفلة التي كانت مفاجأة بالنسبة لي، وهناك تعرفت على شاب في الثلاثين من عمره كان يراقبني منذ بداية الحفلة، وأمام الإثارة والدهشة التي كنت أحس بها لم انتبه لنفسي إلا وأنا أحدد موعدا معه في إحدى الحدائق التي لم أكن أعلم أنها مشبوهة وفضاء خاص بالعاهرات اللواتي انتميت إليهن منذ ذلك الوقت، مقابل لحظات جنس عابرة وبعض الهدايا ومقدار من المال، لكني بدل صديقتي التي كانت تشجعني على المضي في هذا الطريق تدهورت دراستي وصحتي أيضا...».
وسعاد مجرد نموذج لضحايا السذاجة وعدم الخبرة بالحياة وهذا الأمر راجع غلى التنشئة الاجتماعية والبيئة التي تترعرع فيها الأنثى القائمة على القمع والسيطرة وعدم الاحتكاك بمختلف مكونات المجتمع من أجل اكتساب التجربة المناسبة التي ستمكنها مستقبلا من مواجهة الحياة والصمود في وجه تياراتها القاسية، وفي الإطار نفسه تصرح خلود (25 سنة): « بعدما فقدت أعز ما تملكه المرأة، وجدت نفسي لقمة سائغة في يد الطامعين في جسدي، بحيث برزت صديقة قديمة كانت المحفز الأول لانجرافي إلى هذا التيار، فزينت لي السهر ومرافقة الرجال مقابل مقدار من المال، بحجة أنها الوسيلة الوحيدة للانتقام من كل الرجال، وذلك عبر سلب أموالهم وإقلاق راحتهم النفسية والجسدية، لكني بدل ذلك فقدت راحة نفسي وجسدي ودمرت مستقبلي الدراسي ولوثت شرفي وشرف عائلتي، الآن أنا لست راضية عن نفسي أبدا ولولا الخوف من غضب الله لغطى التراب جسدي منذ زمن طويل»، في نظركم من سيرحم هذه الطالبة وغيرها من ضحايا الفقر والإغواء من نظرة المجتمع وجبروته، رغم أنها كائن اجتماعي من لحم ودم يستحق الحياة، فالظروف وحدها هي التي تؤدي بشريحة كبيرة إلى هذا العالم وتشير طالبة أخرى تدعى سلام (طنجة) : « هناك أسباب كثيرة للدعارة، قد تكون الطالبة مجبرة ولكن غالبا ما تكون مخيرة، فلا واحد منا يختار وضعيته الاجتماعية والاقتصادية، فالابتعاد عن البيت وأحضان الأسرة يضع الطالبة أمام إغراءات كثيرة أهمها المال والحنان الذي تفتقر إليه أغلبية النساء، لكن هذه القاعدة لا تطبق على كل الطالبات الجامعيات بحيث هناك من تصمد في وجه مختلف التيارات، وتركز اهتمامها على دراستها وتحصيلها العلمي، في المقابل هناك من تنجرف وراء إغراءات بسيطة وتبيع جسدها بثمن رخيص وأحيانا بعلبة سجائر وقنينة خمر، لدينا أحلام كبيرة كباقي البشر نحاول أن نجسدها على أرض الواقع، لكن الواقع مر وقاسي والمجتمع لا يرحم أحدا، وكونك على دراية واسعة بالسلوكات التي تظهر على بعض الزميلات بمجرد التحاقهن بالجامعة حيث الحرية والفضاء الواسع للتنفس وممارسة الأشياء المحرمة داخل الأسرة، وإن قمت ببحث بسيط حول الفضائع التي ترتكب بالحرم الجامعي ستجدين أن ذنبي بسيط جدا ولا يقارن، أعبر فقط عن رغبة جسدي بدون أي مقابل مادي، فجسدي ليس للإيجار أو التسلية وإنما فقط للحب، وإن كان حظي سيء في الحب فهذا ليس ذنبي، المهم أني أحافظ على بكارتي...».
في حين تشير كوثر (السنة الرابعة آداب فرنسي) إلى « الفقر ليس دافع دائم إلى الفساد، فهناك عوامل أخرى تجرف الطالبة إلى عالم الدعارة في مقدمتها: السذاجة والثقة الزائدة والحب والرغبة في التمرد على التقاليد والعادات، غياب الموجه الحقيقي لهذه الطالبة، وهنا يكمن دور الأسرة التي تبعث بابنتها إلى مدينة أخرى من أجل الدراسة دون أن تتبع خطوات هذه الابنة وظروف عيشها هناك، ونوعية الأشخاص الذين تتعامل معهم، بحيث تنجرف بشكل تدريجي وراء وهم اسمه الزواج، رغم أنها تحب طالبا بسيطا ينتظره طريق طويل قبل أن يتخرج أو رجلا يفتقر لأبسط مؤهلات الحب والزواج، فتدخل معه في علاقة خاسرة منذ البداية تنتهي بمجرد ما تظهر الحقائق، وأحيانا تستسلم للرجل بدافع الحب لتروي جسدها المتعطش للحب والجنس، هناك أسباب كثيرة تختلف من طالبة لأخرى وتتعدد حسب كل بيئة اجتماعية ونوعية كل واحد منهن، وأعود لأقول لا حول ولا قوة إلا بالله، لا واحد منا يختار حياته أو وضعيته أو طريقة عيشه...»، انطلاقا من التصريح الذي أدلت به "كوثر" و"سلام" أتساءل إن كانت الطالبة دائما ضحية الظروف الاقتصادية والاجتماعية أم أن هناك دوافع أخرى تسيطر عليها مثل: العاطفة والجنس وغياب الأخلاق، بحيث نجد بعض الطالبات تقبلن على الدعارة من أجل المتعة الجسدية والتي تبدأ بعلاقة بريئة بزميل الدراسة في الجامعة والذي غالبا ما يتركها بعد فترة من الزمن، خاصة إن كان قد مارس الجنس معها وافتض بكارتها وأخرجها من عالم العذرية، فالحب هنا يكون السبب الرئيس في ولوجها لهذا الميدان خاصة مع انتشار العلاقات العاطفية بين الطلاب وشيوع مبدأ الزواج العرفي بينهم الغير المعترف به في المغرب على غرار باقي الدول العربية الأخرى، والذي غالبا ما يخرج بخسائر كبيرة تلحق أضرارا قاسية بالمرأة أكثر من الرجل، ورغم أن الطالبة هنا تتقاضى أجرا مقابل ممارساتها الجنسية هذا الرجل أو ذاك، لكنها في نظر المجتمع عاهرة لأنها تتنقل بين أحضان الرجال من أجل تلبية رغبة جسدها الذي اغتصب منذ مدة طويلة برضاها أو بغير رضاها، لكنها بدل الانتباه لدراساتها وتحصيلها العلمي الذي أرسلت للجامعة من أجله ، إلا أنها بدل ذلك تنجرف عن المسار الصحيح بمجرد ما تختفي عن عيون الأسرة، وكما جاء على لسان الطالبة كوثر الفضاءات الجامعية توفر مساحات وهوامش من الحرية للطالبة، كافية لجعلها تدمر نفسها وحياتها ومستقبلها الدراسي مقابل دراهم معدودة أو عشاء فاخر في أحد المطاعم الكبرى أو مقابل متعة عابرة في إحدى الحانات على وقع الموسيقى الصاخبة وكؤوس الخمر، وأحيانا مقابل متعة عابرة في شقة مفروشة، ونجد أن الكثيرات وقعن في مصيدة شبكة الدعارة المنظمة التي تستغل الفضاءات الجامعية لاستقطاب فتيات جميلات لخلية الدعارة التي تنظمها ولتلبية رغبات زبائنهن باختيار طالبات بمقاييس معينة، وكثيرا ما تقع الكثيرات فريسة لهذه الشبكة، بحيث لا تتردد الطالبات أمام الإغراءات والتي لا تتناسب مع فتاة ستحصل على شهادة عليا وستصبح مستقبلا ذات شأن كبير في المجتمع.






01.jpg

 
فاطمة الزهراء المرابط
الدعارة... واقع اجتماعي يطرح أكثر من سؤال؟؟

الجزء الثاني

إن كانت العوامل السابقة الذكر والمتمثلة في الفقر والبطالة والتهميش والأمية وسياسة العولمة القائمة على زيادة تفقير الفقراء وطرد العمال وتشريدهم وغياب الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية هي أهم العوامل التي تؤدي إلى التفكك الأسري واضطراب نفسية الأطفال، وانجراف أغلبيتهم إلى عوالم مشوبة بالخطر والضياع من أجل الهروب من واقع التفكك والصراع اليومي الذي تعانيه أسرهم فينغمسون في الانحراف والسرقة والمخدرات والدعارة، هذه الأخيرة التي نجدها متشعبة بشكل كبير في مختلف الأوساط التعليمية، بل صارت أفكارا راسخة تؤمن بها التلميذة أو الطالبة باعتبار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج نوعا من التحرر والتمرد على التقاليد والأعراف التي نادرا ما توافق تطلعاتهن وأحلامهن الصغيرة، وحلا لإيجاد المتعة الجنسية بعيدا عن الروتين الذي يكرسه الزواج ومسؤولياته ومتطلباته التي لا تنتهي، وقد جاء على لسان التلميذة فرح (بكالوريا آداب) «أتواجد في مدينة صغيرة وضيقة، تتناسل فيها الإشاعة بشكل غريب، أحلم بالدراسة في المدن الكبرى، لأمارس حياتي كما يحلو لي، لأمارس قناعاتي الشخصية بعيدا عن سلطة الأسرة والمجتمع، فالمدن الكبرى تحقق هذه الحرية، فمثلا عندما زرت مدينة الرباط قبل شهور، صدمت من وقع الدهشة، فالفتيات هناك في قمة التحرر، تمارسن التدخين بشكل عادي، يجلسن بالمقاهي رفقة أصدقائهن من الجنسين، يرتدين ملابس ضيقة ونصف عارية، أتمنى الدراسة هناك لأتخلص من العقد التي يرزح تحت نيرها مجتمعي الصغير، الذي أحس فيه بالضيق والاختناق، مَا تمْشِيشْ تمَا، مَاتدْريشْ هذا... الأمر مقرف والله»، وفي السياق نفسه تضيف صديقتها التي يبدو أنها تشترك معها في الأفكار نفسها « نحن لسن عبيدا لأحد، نحن كائنات من لحم ودم، ومن حقنا العيش بسلام، من حقنا التمتع بالحياة، وعيش اللحظات كما هي، وعدم حرق مراحل حياتنا بالتقاليد البالية التي تؤمن بها أسرنا ولا علاقة لنا بها، أحيانا أتمنى أن أكون حيوانا حتى أعيش كما يحلو لي، دون أن يصرخ أبي في وجهي أو يصفعني شقيقي الأصغر الذي لم يقم بتربية نفسه بعد»، عندما أتلقى مثل هذه التصريحات من أفواه فتيات في عمر الزهور، والتي قد تؤدي بهن أفكارهن وأحلامهن إلى طريق مجهول ومسدود، أتحسر على قساوة الواقع الذي يتلاعب بحياة ومصير الكثيرات وهذا الوضع راجع إلى غياب الوعي وسيادة الجهل الذي يتخبط فيه أغلبية أفراد المجتمع، ومدى افتقارهم إلى وسائل وتقنيات التربية الصحيحة.

طالبات بين أحضان الرذيلة.. واقع مؤلم جدا..

أشرت في الجزء السالف بشكل غير مباشر إلى دور الوسيطة (القوادة) التي تختبئ وراء صفات عديدة، إذ لم تعد الوسيطة تلك المرأة العجوز التي تحاول اصطياد زبائنها من بعض الأماكن العمومية، حيث أن الوسيطة قد تكون أما تدفع ابنتها إلى الدعارة من أجل جني بعض الأموال من وراء جسدها، وهو الواقع الذي عبر عنه فيلم " كازابلانكا باي نايت" للمخرج الدرقاوي وتحكي قصة الفيلم كيف أن الأم دفعت ابنتها ذات 13 سنة إلى الدعارة للحصول على 5 مليون في ليلة واحدة من أجل إنقاذ حياة شقيقها الصغير الذي يحتاج إلى عملية جراحية مستعجلة، وقد تكون هذه الوسيطة أختا ترمي بشقيقتها التي تقيم معها بحكم الدراسة إلى أحضان زوجها للتمتع بجسدها الطري وذلك حفاظا على حياتها الزوجية المهددة بالفشل، ونجد الصديقة/الطالبة تلعب دور الوسيطة باستخدام مختلف الوسائل الإغرائية للتغرير بزميلتها في السكن أو الشعبة الدراسية والدفع بها إلى طريق الدعارة، إذ يكفي جمع أرقام الهواتف وتحديد المواعيد والاجتماعات بين زميلاتها والزبناء للسباحة في بحر الأجساد الطرية، وتصرح سناء التي كانت تعرف في الحي الجامعي باسم الزعيمة «عندما قدمت إلى هذه المدينة كان شاغلي الواحد هو الدراسة والتحصيل العلمي، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وحتى لا أستهلك وقتك في سرد التفاصيل المملة التي تذهب ضحيتها أي فتاة ساذجة لا تفقه شيئا من الحياة، ولا تعرف سوى البيت والمدرسة، لم أتعلم عدم الثقة بأحد، فصديقتي الوحيدة تركتني بين أربعة جدران تحت رحمة ابن عمها لينهش جسدي ويتركني بعد أن رمى في وجهي 1500 درهم قال أني سأحتاجها عندما أفكر في الزواج، هل كان يقصد عندها أني سأحتاج هذا المبلغ لترميم غشاء بكارتي، شعرت حينها بالمرارة والألم في الوقت نفسه، في رأيك ماذا سأفعل بعد هذه التجربة المؤلمة، كان امامي حلا لا ثالث لهما: إما الانتحار أو الانتقام من كل بني أدام وحواء، حولت جسد كل من أتعرف عليها إلى بحر يسبح فيه هذا وذاك، وفي المقابل أربح مقدارا من المال لأتابع دراستي بعد أن قطعت علاقتي بالعائلة التي لن تقبلني بدون غشاء بكارة، كما سعيت إلى استغلال هذا الرجل أو ذاك ليدفع لي الكثير مقابل الحصول على جسد امرأة بالمواصفات الذي يرغب فيها، ومستقبلا قد أنظم عملا خاصا بي لأواصل انتقامي الذي لن أتخلى عنه إلى أن أقضي على كل عذروات المغرب»، وبمجرد أن توقفت عن الكلام بادرت إلى سؤالها عن أمر صديقتها التي كانت السبب في هذه الوضعية التي تعيشها سناء قالت:«أكيد شربت من نفس الكأس الذي شربت منه، لقد حرمتني من أهلي واغتصبت حميمية جسدي، لكني سأسعى إلى التحصيل العلمي والتفوق في دراستي واتخاذ وظيفة مناسبة، ربما عندها أستطيع مواجهة أهلي»، عندما أخبرني بعض الطلبة أن سناء تمكنهم من الحصول على بعض الطالبات مقابل 200 درهم ليتناوب عليها 4 أو 5 طلبة دون أن ننسى ثمن الوسيطة لم أصدق الأمر، وفكرت كثيرا قبل أن أتجرأ على اكتشاف قصتها التي كانت مؤلمة جدا، وسناء مجرد نقطة في بحر كبير يعرف الكثير من الضحايا اللواتي لم يرحمهن المجتمع، وخاصة الطالبات اللواتي يدرسن بعيدا عن أهلهن في مدن أخرى، لأنهن الأكثر تعرضا لهذا النوع من الابتزاز بحكم السذاجة وعدم الخبرة والاغتراب عن بيوتهن، حيث إن هناك مواصفات معينة يجب توفرها في كل طالبة مقبلة على ممارسة الدعارة وذلك لتلبية الأذواق المختلفة للزبائن الذين يتهافتون على ممارسة الجنس بشكل ملفت للنظر، وهذه الظاهرة ليست محصورة بين الشباب فقط، وإنما حتى بين المتزوجين والعجزة المقبلين على الجنس المأجور لتجديد شبابهم بين جسد صبية رمت بها الأقدار إلى هذا الميدان. ذلك أن الوسيطة تقضي أياما طويلة في اختيار هؤلاء الفتيات انطلاقا من مواصفات معينة والتي ترتبط عادة بالجمال والسن ولون البشرة والشكل والقامة ومواصفات أخرى تسكن مخيلات الزبائن الأثرياء والتي تتجه أحيانا إلى البحث عن فتيات عذروات مقابل 2500 درهم في الليلة الواحدة، وهن الأكثر طلبا في ميدان الدعارة، لذلك ينصب اهتمام الوسيطات حول صغيرات السن من خلال ارتياد المؤسسات التعليمية والبحث عن الضحايا وخصوصا اللواتي ينحدرن من أسر فقيرة ومعدومة، ونجد في كل ليلة سيارة أجرة أمام باب الحي الجامعي في انتظار هذه الطالبة أو تلك والتي تخرج في كامل أناقتها وتبرجها في اتجاه أحد الفنادق أو الشقق المفروشة من أجل ممارسة الجنس في ظروف راقية وآمنة، على الرغم من تحذيرات حراس الحي الجامعي الذين يتم إسكاتهم بوعود ما، وصلت إلى حد ممارسة جنسية بين طالبة وأحد حراس الحي الجامعي في شرفة الغرفة التي تشغلها، ونجد أن سائقي سيارات الأجرة بمجرد ما تركب إحدى الطالبات السيارة وتطلب منه إيصالها إلى الحي الجامعي، حتى يبدأ بالحديث عن بعض الطالبات اللواتي يقلهن بشكل يومي في ساعات متأخرة من الليل من أحد الشوارع أو يقلهن إلى أحد الفنادق أو الشقق الراقية ويعود وراءها في ساعات متأخرة من الليل إلى الحي أو في الساعة الأولى من الصباح ليقلها إلى الجامعة أو أحد المعاهد، مدعية أنها كانت في حفلة زفاف أو في زيارة لأحد أقاربها لكن رائحة الخمر وعدم الاتزان يدل على أنها قضت لحظات طويلة في الرقص والشرب وممارسة الجنس.
إن الحديث عن هذا الموضوع يأخذني إلى زوايا مختلفة وأحداث مثيرة للاهتمام اكتشفها للمرة الأولى، بعيدا عن القصص والأحداث الواردة في بعض المنابر الإعلامية والتي يكون الهدف ملأ بعض صفحات الجريدة وتسلية القراء لا غير، فلا يتم الاهتمام بمعالجة هذه المشكلة التي تتغلغل يوما بين يوم في بيوتنا ومجتمعنا الصغير حيث إن ممارسة الدعارة لم يعد لها مكان محدد ، فهي تمارس في الحدائق المهجورة وشواطئ البحار والغابات ودور السينما والشقق المفروشة والسيارات، وليس هناك زمن محدد لهذه الممارسة، خاصة ما يسمى بممارسة الحب الناتجة عن العلاقات العاطفية والتي يعتبرها البعض ممارسة طبيعية خارج إطار الدعارة لأنها تتم بشكل مجاني، لذلك فإن أغلبية الطلبة أو الرجال يستغلون الطالبة باسم الحب ليتمتعوا بجسدها بدون مقابل، باستثناء بعض الهدايا والدعوات النادرة إلى عشاء أو احتساء كوب شاي أو قهوة في أماكن مختلفة، وتعتبر الحدائق العمومية محطة مهمة لممارسة لحظات جنسية ممتعة وراء شجرة أو بعض النباتات الخضراء، بحيث يتسلل الكثيرون إلى هناك بعدما يرخي الظلام ستاره في غياب تغطية كهربائية في أغلبيتها، وقد أخبرني أحد الطلبة يوما: «يكفي أني أحقق لها متعة مميزة في الجنس وألبي كل رغباتها وشهواتها، بأشكال مختلفة ومثيرة، أنا لا أحبها، ولكني أحب جسدها، أدعوها من حين لآخر إلى العشاء أو شرب شيء في أحد المقاهي أو أهديها قنينة عطر أو ثيابا داخلية وذلك حسب الحالة التي توجد عليها ميزانيتي، وأحيانا كثيرة ما أعتمد عليها في تلبية بعض مصاريفي، لذلك أتغاضى عن خيانتها لي»، عندما كنت أتأخر قليلا خارج الحي الجامعي أكتشف أشياءا مثيرة في الطرق المؤدية إلى الحي الجامعي، بمجرد ما تسلط الحافلة أضواءها القوية إلا وتثيرك حركة غير عادية من وراء أشجار النخيل الضخمة التي تحيط بأسوار الحي الجامعي أو المطار الكبير الذي يقابله، وقد تبادر إلى سمعي أن هناك من يمارس الجنس واقفا وراء السور أو الشجرة، الأمر الذي كان يدفع بعض الفصائل الطلابية إلى المطالبة بقطع هذه الأشجار التي تساهم في انتشار المنكر، وهناك من يقصد المستنقع القريب ليلا فيفترش العشب بساطا لممارسة لحظات جنسية قصيرة بالكاد تروي عطشه الكبير، وهناك من ينتظر نهاية الأسبوع ليرتاد دور السينما من أجل الحصول على بعض الظلام لمداعبة هذه الحبيبة أو تلك متحسسا مناطق حساسة من جسدها بأصابعه أو شفته أو بواسطة عضوه التناسلي، محاولا تقليد بعض اللقطات الواردة في هذا الفيلم الذي يشاهده، ويكمل الممارسة في الطرقات الخالية من المارة أو بجانب دار مهجورة أثناء العودة على السكن الجامعي، لكن هذه الممارسات تعتبر خارج إطار ما يسمى بالدعارة لأنها تتم بشكل مجاني ولا يمكن إدماجها ضمن الجنس المأجور.
كما نجد نوعا آخر من الدعارة التي تمارس بشكل مستمر عبر أسلاك الهاتف أو عبر المسنجر إما بشكل مجاني أو مدفوع الأجر، بحيث تقضي الطالبة ساعات طويلة على الهاتف بهدف إثارة غريزتها وإشباع شهوتها الجنسية ولو بدون علاقة عاطفية، بحيث يكفيها مشاهدة فيلم جنسي وسماع صوت رجل ما لتتمكن من الوصول إلى قمة المتعة الجنسية، أو ممارسة الجنس من عبر المسنجر أو ما يسمى بـ "msn" بحيث تقضي الواحدة فترة من الزمن عارية أمام شاشة الكاميرا مع هذا وذاك بمقابل مادي تحصل عليه مسبقا أو مقابل تعبئة هاتفية، وتتم هذه الممارسة بشكل خاص مع الخليجيين والأتراك، بحيث تجلس وتستلقي في حركات مثيرة، وفي هذا السياق تشير فاطمة الزهراء (طالبة المعهد العالي للتكنولوجيا):« ما أجمل أن تعبث بأرقام الهاتف ليلا بحثا عن رجل تبادله الألفاظ والخيال الجنسي ليحقق لك المتعة الجنسية التي تطمح إليها دون أن ترتبط به عاطفيا، هناك من أخبرني بأن هذا النوع من الممارسات يعتبر مرضا نفسيا وأنه علي التخلص من هذه العادة لأنها ستؤثر على علاقتي الجنسية مستقبلا، لكنها الطريقة الأكثر أمنا لممارسة الجنس إذ أستعين أحيانا ببعض الوسائل الصلبة لأحقق بغيتي، وأحيانا أتقاضى مالا عن هذه المكالمة لأن هناك من يعشق هذه العادة مثلي تماما»، وفي السياق نفسه تضيف صديقتها:« إنها عملية سهلة جدا، يكفيني أداء رقصة مثيرة بملابس شفافة أمام الكاميرا أو أداء حركات معينة يطلبها الزبون الذي يتلذذ ويستمتع بهذه المشاهد، وهي وسيلة تحقق لي متعة جنسية، لأن ملامستي المتواصلة لجهازي التناسلي تجعلني أحس بذلك، وأحيانا أتمكن من لقاء هذا وذاك بعد تواصل طويل عبر المسنجر فيكون سخيا معي مقابل لمس بعض أعضائي وهي رغبة غريبة يتميز بها بعض الخليجيين، في حين تمكنهم أموالهم من الحصول على أجمل الفتيات»، الدعارة عبر الأنترنيت هو الخطر الذي بدأ يهدد مصير مجموعة من الطالبات اللواتي نجد صورهن تملأ صفحات الدردشة أو بعض المواقع الإباحية في وضعيات مثيرة ومخجلة في الوقت نفسه، مما يجعلها تدخل إلى ميدان الدعارة من أبوابها الواسعة.
 
فاطمة الزهراء المرابط
الدعارة ...واقع يطرح أكثر من سؤال؟؟

الجزء الثالث

دائما هناك مشاعر وأحاسيس متضاربة بين القلق والخوف من شبح مجهول، في ميدان مشوب بالانحراف والضياع بعيدا عن القيم الأخلاقية والإنسانية، بين دروب البغاء والفجور المتشعبة، خاصة وأن الدعارة أصبحت ظاهرة متفشية في الوسط الطلابي والثانوي وحتى الإعدادي، حيث أن السن الفتي الذي تتميز به كل تلميذة أو طالبة التي تلج هذا العالم إما عبر قطار الحب أو المال إلى أن تدوسهن عجلات الزمن، وتنحرفن إلى طريق لا رجعة فيه، وهناك من يعتقد أن الطالبة التي تمارس الدعارة هي إنسان غير طبيعي، إذ ينظر إليها باحتقار وكأنها مجرد حشرة صغيرة تدوسها الأقدام، دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنها إنسان مثل غيرها مليئة بالمشاعر والأحاسيس، تعاني من التشرد والتمزق الداخلي أمام نظرة المجتمع وموقف الأسرة، ومن هذه الزاوية أتساءل عن الانعكاسات النفسية لهذه الظاهرة على ممارسيها، وما هي نظرة المجتمع إلى الطالبة/ العاهرة؟.


ما هي الانعكاسات النفسية لهذه الظاهرة على ممارسيها؟


لا شك أن ممارسة الدعارة تجربة مؤلمة بالنسبة للطالبة، لأنها تتحول فجأة من "محترمة" إلى "عاهرة" و"عديمة الأخلاق" وتتحول إلى امرأة سهلة معرضة لمختلف التحرشات العاطفية والجنسية، خاصة وأن الشعور بالإحباط وخيبة الأمل والضياع والخوف من المستقبل، هي المشاعر التي تنتاب كل طالبة/عاهرة، لأنه وضع لا تحسد عليه ويعرضها إلى مجموعة من الضغوط النفسية والاجتماعية، إذ تتحول حياتها بين ليلة وضحاها إلى جحيم لا يتوقف، ومهما اختلفت الأسباب التي دفعت الطالبة إلى هذا الميدان، فالنتيجة واحدة، ضياع لا نهاية له ومشاعر متضاربة بين القلق والألم، بعيدا عن الدفء الأسري الذي كانت تتمتع به منذ طفولتها، ومن منا لا يدرك الآثار النفسية التي تتعرض لها الطالبة/العاهرة في ظل مجتمع محافظ لم يوفر لها الحماية اللازمة مصنفا إياها في خانة الفاسدات، متجاهلا الظروف التي أدت بها إلى هذا المجتمع، وتشير فاتن(طالبة بالأدب الانجليزي):« بعد الاغتصاب، لم أفعل أي شيء سوى البقاء على قيد الحياة، أهرب من كل شيء، كحيوان مطارد، ولأني عانيت كثيرا أثناء هروبي من الصيادين، أحسست بأني فقدت الطاقة للحياة، حاولت الانتحار ففشلت، وانتهى بي الأمر إلى يد الحاجة التي آوتني في منزلها مقابل التصرف في جسدي، وهكذا انتهت رحلة الدراسة التي تغربت من أجلها، بعدما تم طردي من الحي الجامعي بسبب عدم التزامي بقوانين السكن، وسوء أخلاقي حسب الإدارة وقد يتم فصلي من الجامعة في القريب العاجل، لتبدأ رحلة الضياع والألم والرغبة في الموت ».
وتشير سعيدة (طالبة سنة ثانية): «الكل يعتقد أننا مخلوقات غريبة لا ننتمي إلى البشر، لأننا خرجنا عن العادات والتقاليد ودخلنا إلى عالم يطرح أكثر من علامة استفهام، إلا أن الواقع يعبر عن عكس ذلك، فنحن ضحايا الفقر، الحب، التنشئة الاجتماعية، الوضعية الاقتصادية والسياسية، نحن نساء لم نجد غير جسدنا من أجل تحسين وضعيتنا الاجتماعية، ولا ذنب لنا سوى كوننا فقراء، لا نستطيع تلبية حاجياتنا وتحقيق أحلامنا حتى ولو كانت هذه الأحلام صغيرة جدا، أردنا فقط إتمام دراستنا والحصول على وظيفة مناسبة، تنقذنا من هذا الفقر المدقع، إلا أننا بدل ذلك انتهينا تحت ثقل أجساد آدمية تنهش في لحومنا كل ليلة، مقابل 300 أو 400 درهم حسب سخاء هذا الزبون أو ذا، هو قدر مالي يمثل الخلاص بالنسبة إلينا، وضع فرض علينا ولم نسعى إليه، وضع يكلفنا راحة البال، والتعب النفسي، والتدهور الصحي، والموت البطيء الذي يعجل نفسه كل يوم...»، وقد عبرت سعيدة عن معاناة الكثير من ضحايا الدعارة، أما حنان الطالبة القروية(23 سنة) فتعترف أن الحب والسذاجة هو سبب ولوجها إلى هذا الميدان:« ندمت على اليوم الذي أحببت فيه محمد الذي كان يكبرني بأربع سنوات، والذي تسلل إلى قلبي من النظرة الأولى بسبب لطفه وحنانه، كان يساعدني في دروسي ويجهز لي المراجع التي احتاجها، ومع الوقت تعمقت علاقتنا وانتهت ذات ليلة بين أحضانه، لا أتذكر أي شيء عن تفاصيل تلك الليلة، بكيت كثيرا لأني فقدت بكارتي، فأوهمني أنني زوجته أمام الله سبحانه وتعالى، وأنه سيعقد علي رسميا بمجرد تخرجه من الجامعة، وانجرفت وراء هذا الوهم لمدة من الزمن، وتكررت لقاءاتنا الجنسية، كنت أحس بالمتعة وهو كان يفعل كل شيء لإرضائي، ويوما تفاجأت بشخص أخر يستغل جسدي وحبيبي لا يحتج، وتكرر الأمر إلى إن أصبحت لعبة في يد خمس طلبة، ولأنه كان يهددني بصوري معه، تحولت إلى عاهرة في نظر الجميع، أبيع جسدي مقابل قدر من المال، وها أنا أجتر نار العذاب والألم وحدي، وأتمنى لو يعود بي الزمن إلى الوراء... »، هي نماذج من هذا الواقع، تسكنها الصرخة المدفونة والجرح الغائر الذي لا تبلسمه كل أدوية العالم، فالحكاية نفسها تتكرر مع كل واحدة منهن، رغم اختلاف الزمن والأسباب ويبقى الحب، التغرير، التهديد، الفقر، هي الدوافع الأولى، فهذه طالبة ملتزمة قصدت شركة ما لإجراء مقابلة من أجل وظيفة محاسبة، وأثناء المقابلة تم تخديرها بواسطة كوب عصير برتقال، ما إن شربته حتى راحت في نوم عميق، تم اغتصابها خلاله وكذا تصويرها عارية في وضعيات مختلفة، وعندما استيقظت وجدت نفسها تحت رحمة تجار الأجساد البيضاء، وأمام التهديد بالفضيحة أصبحت وسيلة لاستقطاب السياح العرب، وهذه طالبة أحبت بكل أحاسيسها الصادقة، لكن حبيبها خدعها واغتصبها وسجل صورتها وصوتها ليهددها فيما بعد إن عصت أوامره السامية، وكانت النتيجة تحولها إلى عاهرة تمارس الدعارة على أصولها وصار جسدها مصدر رزق بالنسبة إليه، ترى من المسؤول عن دمار هذه وتلك؟ فهل الطالبة/العاهرة مسؤولة وحدها عن هذه الوضعية التي آلت إليها وعلى الحالة النفسية التي تمر بها، فالكثيرات منهن سلكن طريق الانتحار والموت بعدما أغلقت كل الأبواب في وجههن، بشكل خاص اللواتي تعرضن للاغتصاب والتهديد رغما عنهن، فعندما تعترف طالبة: « أرغب في الموت، لأنه لم يعد هناك أي أمل أعيش عليه، فقدت أسرتي، أصدقائي، بل فقدت نفسي وإنسانيتي وإحساسي بالحياة»، هو إحساس يرافق كل طالبة/عاهرة، لأنها مجبرة وليست مخيرة على الوضع الذي وصلت إليه بعد أن تحطمت كل الأحلام التي رسمتها منذ طفولتها، والتي تكسرت مع الأيام بسبب هذا المجتمع الجاهل الذي لا يرحم أحدا والذي يعيش على المظاهر والكذب والنفاق الاجتماعي... والذي دفع بالكثيرين إلى تخطي الطريق السليم ، إلى طريق الإدمان والمتاجرة في المخدرات، أو إلى طريق السرقة والإجرام أو إلى طريق الفجور والبغاء، والدافع واحد لا يختلف عليه اثنان: المجتمع وتقاليده البالية والفروق الطبقية التي تتوسع يوما بعد يوم، و يحتاج المجتمع إلى الكثير من المعرفة والوعي، كي يتعرف إلى الطالبة/العاهرة ويتفهم سلوكها وينظر في ظروفها وأحوالها قبل أن يحاكمها ويحتقرها بهذا الشكل وكأنها لا تنتمي إلى البشر.


كيف ينظر المجتمع إلى هذا النوع من النساء؟

قبل أن نحاسب كل من تمارس الدعارة سواء كانت تلميذة أو طالبة أو امرأة أخرى خارج هذه الفئة، علينا التساؤل عن المسؤول عن انحراف القاصرات في طريق الرذيلة وممارستهن للدعارة؟ سؤال ظل معلقا بلا جواب، هل بسبب غياب جسر التواصل بين الآباء والأبناء، أم بسبب غياب الوعي والإرشاد والتعليم الحقيقي؟ أم بسبب المجتمع وتقاليد البالية، أم بسبب قصور الأجهزة الأمنيَّة الذي لا يستطيع الحد من هذه الظاهرة، أم بسبب القانون الذي لا يساوي بين الرجل والمرأة في ممارسة الدعارة؟ وهناك أسئلة كثيرة يصعب طرحها، لأن الجميع يتملص من مسؤوليته نحو تفشي هذه الظاهرة، والقاعدة الوحيدة التي لا يختلف عليها شخصان، هو احتقار المجتمع لمُمارسة الدعارة، بحيث يتفنن في التقليل من شأنها وتشويه سمعتها وحرمانها من الاندماج في ميادينه إذ ينظر إليها نظرة احتقار وشك وريبة في تصرفاتها وسلوكها وأخلاقها، وتتناول جلسات النميمة سيرتها وتتناسل الإشاعات عنها مما يدفعها إلى الانغلاق على نفسها والارتماء بين جدران للوحدة، وتقول سيدة(ولي أم طالبة):« لو سهرت كل أسرة على تربية بناتها، لما وصلنا إلى هذا الحال، في أيامنا كانت الفتاة تخجل من النظر إلى الرجل، لكن في هذه الأيام مَا بْقا حَدْ يْحْشْمْ ولا يْرْمْشْ، رْجْعْتْ السَيْبَة في هَادْ المُجْتمَعْ، ما كَايْنْ غِيرْ العْرَى وقلة الأدب وتلاشت قيمنا الدينية، وتلوثت أخلاقنا، ولن أسمح لابنتي الوحيدة بمرافقة هؤلاء الفتيات حفاظا على سمعتها، كما أني أفكر في البحث عن شقة خاصة بها بعيدا عن الحي الجامعي الذي يجمع من هب ودبّ »، ويضيف سائق تاكسي:« الدُنـْيَا تـْغـَيْرْتْ، وأصبحنا نخاف على أبنائنا وشرفنا، الأفضَل أنّ الوَاحْدْ يْجْلسْ بْنتـُوا في الدار قـْدَمُوا، ويْتـْهَنَا مِن الفـْضِيحَة وحْريقْ الرَاسْ شُوفـُوا بْنـَاتْ اللِيسِي (الثانوي) أشْ كَيْدِيرُوا وبْنَاتْ الكُلِيَاتْ(الجامعة)، بَاقِي مَا فـَقـْصُوا مِنْ البَيْضَة وَأشْ كَيْدِيرُوا، كَاعْ مَا بْقاتْ لا تـَرْبيَة وَلا أخْلاقْ، البْنـَادْمْ غِيرْ كَيْوْلدْ وْيْطلقْ للِزَنـْقـَة».
نجد أن هناك آراء مختلفة حول هذه النظرة الاحتقارية التي ترمى بها الطالبة/العاهرة، فهذه الطالبة تصرح:« أستغرب أحيانا تلك النظرة المحتقرة التي ينظر بها المجتمع إلى الطالبة/العاهرة، فلماذا هذا الهجوم عليها وكأن المجتمع يحاول أن يمنعها من البقاء على وجه الأرض لمجرد أنها عاهرة، وكأن الدعارة هي حكم بالإعدام يطال المرأة وحدها في حين يظل الرجل حرا يمارس الجنس معها بكل حرية، في ظل هذا المجتمع الذي يحاول دائما تكريس إذلالها بمختلف الوسائل المتاحة له»، في حين تشير طالبة أخرى:« لا دخان بدون نار، أحيانا تكون هذه النظرة نتيجة تصرفات وسلوكيات الطالبات اللواتي سلكن هذا الطريق، لأن سلوكياتهن المشينة واستهتارهن وتصرفاتهن السيئة وعدم تحملهن المسؤولية، بسبب الكبت والحرمان العاطفي والجنسي الذي عاشوه في ظل أسرهن، دفعهن إلى اللجوء إلى الدعارة والفساد ومعاقرة الخمر وإدمان المخدرات وسهر الليالي كنوع من التمرد ورد الفعل على المجتمع وتقاليده»، وأحب القول بأن هذه النظرة التي ينظر بها إلى الطالبة/العاهرة تكون فقط في التجمعات، وعند التعرض للعاهرة بشكل جماعي، أي أن هذه النظرة هي مجرد غطاء لمحاولة إظهار التمسك بقيم المجتمع وأعرافه، بينما على الصعيد الفردي يتمنى الرجل أن ينفرد بعاهرة، وإذا ما حصل فهو يبدي لها الكثير من الاحترام وقد يتطور به الأمر للوقوع في حبها، الأنثى أيضاً تنظر للعاهرة نظرة حسد وغيرة للحرية التي تتمتع بها و لعدم وجود حواجز وقوانين لديها تمنعها من فعل ما تريد ولقدرتها أيضاً على تحقيق متعتها متى تشاء ومع من تشاء، هي اعترافات سرية يهمس بها بعض الرجال والنساء في مجالس خاصة بعيدا عن الرأي العام الذي يجتمع عليه كل أفراد المجتمع، ولأني تطرقت في أجزاء سابقة إلى عدة نماذج، فإني حاولت خلال هذا الجزء الاختصار تفاديا لتكرار الأحداث والشهادات نفسها.
ومن الشائع أن الدعارة لصيقة بالنساء أي أن المرأة تعرض جسدها والرجل هو الزبون، إلا أنه مع تطور الدعارة ووسائلها وأنواعها المنظمة والعشوائية، لتساير ركب التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرأ على البلاد، ودرجة تضييق الخناق عليهن من طرف سلطات مكافحة الدعارة، ظهرت في خضم هذه التحولات ظاهرة دعارة الذكور حيث إن الأسباب ذاتها التي تدفع بالطالبة إلى بيع جسدها ، هي التي تدفع الطالب إلى عرض جهازه التناسلي وجسده لنساء متقدمات في السن مقابل قدر من المال، يساعده على إبعاد شبح الفقر عن نفسه في ظل انسداد الأفق وانتشار البطالة بين صفوف حاملي الشهادات الجامعية، هذه الآفاق تجعل الطالب الذي مازال يتابع دراسته يربط علاقات جنسية مع سيدات متقدمات في السن لكن هن ذوات ثراء لا يضاهى، حيث يقوم الشاب بارتياد الأماكن الراقية من أجل اصطياد فريسة مناسبة يستفيد من جيبها وسخائها، وفي نفس الوقت يتمتع بلحظات جنسية حميمية بشكل آمن ومريح، وأغلبية زبائنه من المطلقات أو الأرامل أو النساء اللواتي لا يتمتعن في ممارساتهن الجنسية مع أزواجهن فيضطرن إلى الممارسة خارج إطار الزوجية مع شاب يتوفر على الفحولة، وقد سبق وتابعت ملف في جريدة يومية خلال السنة الماضية عن مجموعة من الشباب يعرضون أجهزتهم التناسلية في الشارع ومن بينهم نسبة كبيرة من الطلبة الجامعيين، ومهما يكن من الأمر فليس هناك اختلاف كبير بين دعارة الذكور والنساء، لأنها مهنة واحدة تعتمد على بيع الجسد والجهاز التناسلي، وعلى الرغم من تصنيفها إلى دعارة راقية ودعارة متدنية إلى أنها تظل تجارة ومهنة غير لائقة يشار إليها بالأصابع، وظاهرة مسكوت عنها رغم أنها واقع يطرح أكثر من سؤال.
 
أعلى