قصة ايروتيكية مصطفى سليم - الطريد

(1)

في جوف الليل، تعالت صيحات كائنات لا ملامح لها، سوى لونها الرمادي الممزوج بالدم، همسات غامضة خرجت لتوها من كهف سحيق، حروف مبهمة لا تكشف عن شىء، وإنْ أوحت بالتعذيب والآلام والصرخات المنذرة بالثأر والمطاردة الأبدية.

اختنق الجسد النائم على الفراش، حرك يده حول عنقه في محاولة لتحرير رقبته من ذيول حيات وأيادٍ قوية تحكم قبضتها عليه، شعر بانسحاب الروح من أوصاله، صرخ فحررته الصرخة، جف ريقه حد الوخز، فتح جفونه بشدة، وجد إلى جواره كوبا، تجرعه مرة واحدة، فلم يشعر سوى بلسعة فى الحلق، تحقق من الكوب فوجده ملئيا بالـ"ستيلا"، نهض من فراشه، تحرك نحو الثلاجة سحب منها زجاجة ماء، شرب حتى ارتوى، نظر في ساعة الحائط المعلقة بالصالون، جلس على كرسي هزاز، وجد سيجارة حشيش إلى جواره التقطها أصابعه، أشعلها، أغمض عينيه، تأكد أنه كابوس الثانية والنصف بعد منتصف الليل الذي لم يخلف موعده منذ سنوات طويلة.

ظل يردد، ماذا حل بك يا صلاح يا ابن الخولي، لقد كافأتك الحياة على كفاحك، فاستقر بك المقام في شقة بالدور الثاني بميدان الكوربة الهادئ في حي مصر الجديدة، وشاركت أولاد الذوات مسكنهم رغم أنوفهم، احتفظ الحي بأصالة سكانه الأوائل، وفرض على نفسه حواجز، غير مرئية، وفرت له الحماية من اختراق العشوائيات، لكنك تسللت إليه في غفلة من الزمن واستطعت أن تكون بين أولاد الذوات وإن لم تكن منهم، ظل يردد: أنا من بهوات هذا الحي رغم حقد الجميع، تثاقل لسانه فكرر: أنا صلاح بيه الخولي، ابن....، سقطت السيجارة من بين إصبعيه، فنام قتيلا على الكرسي.

رغم التحضر المحيط بـ"صلاح الخولي" فإن الفوضى التى كانت تسكن كيانه ظلت تطارده في اليقظة والمنام، فلم يتصالح يوما مع الواقع والحلم، ولم يعد يعرف أيهما أقرب إلى الحقيقة في تفاصيل حياته اليومية، إذ لم تكن شقة مصر الجديدة التي يعيش فيها ملكا له، بل كانت صَدقة من يد صديق ثري يقضي فيها ملذاته التي توافقت مع الخولي المشرد في شوارع العاصمة، فأسكنه بها على سبيل الشفقة ليمارسا معا شذوذ اللذات وأوهام العظمة، بعدما أثبت الخولي خسته ولذته بالعبودية.

(2)

"الخولي" ينتمي لقرية طريدة تدعى أبيس، تقع على حدود مدينتي البحيرة والإسكندرية، لفظتها المدينتان، فلم يعد أهلها يعرفون إلى أيهما ينتمون رغم طموحات الانضمام إلى حيز الإسكندرية الجغرافي.

هو ابن أسرة امتهنت الفلاحة منذ حل الجد الأول مهاجرا بفأسه من إحدى القرى التي كان يعمل بها فلاحا أجيرا، ولم يعلم الجد نفسه من أين انحدرت أصوله الأولى، توارث الأبناء المهنة وأجادوا التملق للإقطاعيين على حساب نظرائهم من الفلاحين، حتي صار بعضهم مشرفا على مزارع الرأسماليين، وضَمِن للأحفاد فرصة العمل مزارعين في حقول الفاكهة، وهي الفترة التي قضي فيها صلاح طفولته أثناء إجازته الدراسية.

تودد صلاح إلى طفل في عمره يدعى "عارف الكبير"، نسبة إلى عائلته، التي كونت ثروة بطرق غير مشروعة واستطاعوا شراء مزرعة فاكهة، صنفتهم من أعيان القرية، لكنهم فشلوا في صناعة مجد لهم لانقطاعهم عن مواصلة تعليمهم، فما حاجتهم لاستكمال دراستهم، بحسب ما أرسى الجد "الكبير" القاعدة بين أجيال العائلة، كان عارف يمتلك سيارة ويصطحب معه صلاح في بعض الرحلات إلى القاهرة.

فتن صلاح بالقاهرة وبنسائها التى كان يراهن فى تلفاز بيته منحلات يرغبن في أبناء القرية الأشداء، بل ومن السهل إقامة علاقات جنسية معهن، بحسب الصورة الذهنية التي داعبت خياله، وحركت شهواته، مما سمعه من أساطير الفلاحين عن نساء المدينة.

تعلم من عارف كيف يشتري ملابسه من شارع الشواربي بوسط القاهرة، فزار القاهرة مرارا مع بعض أصدقاء القرية بالقطار القشاش، واندهش حينما رأى سينمات وتجمعات البنات والأولاد في ميدان الألفي، تحرك خياله الجنسي فحاول معاكسة إحداهن فلطمته على وجهه وصرخت، فهرول إلى محطة القطار ليعود في أول قطار إلى قريته، ويروى أكاذيب كيف كان مرغوبا بعضلاته المفتولة وسط شباب القاهرة المرفهين، منتشيا بخطواته وهو يرتدي الملابس القاهرية وسط القرية ليــُــوصف بـ"فتى القرية الأول".

على خلفية هذه السذاجة، والشبق الجنسي المبكر، اختلس بعض القبلات المحرومة من فتيات المزارع التي أكل الحرمان وشرب على ظهورهن المحنية في مزارع رأس المال، وتحرش ببعض الرافضات لهيئته الكاذبة، وطعن في أنوثتهن لرفضهن إثارته المزعومة، تشوهت العلاقات في ذهنه حد المرض وسط أيام شاقة ومضنية في جني فاكهة لم يذق طعمها إلا اختلاسا، إذ تصدر إلى خارج البلاد ليتذوق الأغراب خيرات البلاد التي لا ينال أبناؤها سوى انحناء ظهورهم لحصادها فحسب.

عاش صلاح صباه بين المزارع والقطار ووسط القاهرة، يبني صرحا من الخيال المريض.. الفتاة الوحيدة التي أحبها كانت ابنة حسب ونسب اضطرت الظروفُ عائلتها للإقامة في أبيس لرعاية مزارعهم الشاسعة هناك، احتقرته فقرر الثأر يوما ما.

مرت الأيام، فدرس في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وتخصص في "علم النفس"، بدأ حلم المدينة يراوده عن نفسه، أقام علاقات هنا وهناك، ولم ينس أصابع الفتاة التي لطمته على خده وفر هاربا يحتمي بقريته، تعـرَّف على فتاة تشبه فتاة قريته الأرستقراطية التي تجاهلته يوما، لكن ثمة فارقا كان بين الفتاتين، فلم تكن الأخيرة ذات حسب ونسب بقدر ما كانت أسرتها من أرباب رأس المال، قررا ممارسة الجنس معا لأيام في شقة مفروشة دون أن يـُفقدها بكارتها.

توهمت الفتاة عشقها له، ورسم هو أحلام الارتباط بابنة الأكابر التي سينتشله أبوها من فقره المدقع لمجرد فتنة ابنته به، تقدم لها بعد تخرجه فلم يحصد سوى المهانة، والتبرؤ أمام الفتاة من ممارسة الجنس بينهما طوال عام كامل، ليزيد من الشتات بين الفتاة وأبيها الذي حرمها حلم فتى أحلامها، دخلت الفتاة في عُقدة ذنب أودت بها حد التطرف ومعاداة الجسد، أخبرته بها بعدما تزوجت وهى تروي له أسرار الفراش مع زوجها، جُملة خطايا دفعتها الفتاة وأهلها بسبب شبقه وحرمانه والنقص الذي جرى في عروقه منذ الصغر، بينما كان يبتسم خلسة وهو يتذكر الليالي الخوالي التي حول فتاة بنات الأكابر لعاهرة في تفكيرها وتصوراتها عن الحياة واللذة.

(3)

بعدما رفضه الأب لحماية ابنته من شرور الشاب اللقيط، ربما لأنه كان شبيها له ذات يوم، تمرد صلاح على أسرته، حاولوا أن يجبروه على امتهان وسيط المزارعين لأراضي القادرين، فهى مهنة عائلة "الخولي" منذ زمن بعيد، وخبرات الحياة لديهم تكونت من خلالها، وإن كان من ثمة طموح فليعمل مدرسا، يعطى دروسا خصوصية، تدر عليه ربحا وفيرا ليبنى بيتا يشبه بيت أستاذ فرغلى مدرس الكشكول في القرية، ويحصد بها لقب"أستاذ العائلة"، وهو أمر عظيم بين أفراد عائلة الخولي التي ذاع صيتها في القرية بدناءتها.

أضواء القاهرة سلبته عقله، لجأ إلى أحد زملائه القدامى، لم تكن شهادته تكفل له عملا يوفر له مبالغ ضخمة، ولا مظهره يؤهله للعمل في مكان راقٍ ربما يكون بادرة أمل في فرصة كبرى بالتملق الذي يجيده، وباحترافية تمرس القذارة والتسلية التي يصنعها للأسياد، فدائما ما كان يرسم على وجهه ابتسامة الثعالب، أقام بحي المطرية فوق سطوح أحد المنازل القديمة، وعمل بالتجارة بأحد محال الأنتيكات في ميدان الجامع بمصر الجديدة لأكثر من 12 ساعة يوميا.

كان يحدق في ملامح عملاء المحال وملابسهم ويرصد أدق تفاصيلهم تطلعا لأن يرتدي ويتحدث وينطق كما ينطقون، ضبطه صاحب المحل أكثر من مرة وهو يقتحم أهالى المنطقة العريقة من دون رحمة، ببسمة صفراء ماكرة، وخفة ظل وهبته إياها الحياة، ليتحايل بها على المواقف والأحداث، فتعمد إهانته لتطاوله بعينيه على أهل الحي.

ذات مرة ضبطه مع فتاة في زهرة شبابها كانت على عتبات النضوج، فاستغل صلاح مراهقتها وشرع في مواعدتها بين جنيات العمارات العريقة المتسعة، فحذر صاحب العمل أباها، وطرد ابن الخولي، تخوفا منه على سمعة المكان الذى يحوم حوله الذئب.

جلس على المقهي، وفي يده ساندوتش فول، وشرع يقرأ الإعلانات المبوبة في جريدة الأهرام، فرأى إعلانا عن معرض سيارات يعلن عن فتح أبوابه للمتدربين، جرى ريقه على الإعلان، واسترجع ذكريات السيارات التي كثيرا ما لمعت في عينيه، وذهوله وهو إلى جوار "عارف الكبير"، أمير القرية على حد علم ابن الخولي عن الإمارة، فبات أمام المعرض وما إن فتح المعرض أبوابه التقى مدير المعرض، وبدأ في نسج شِباك الحيلة بخفة ظل ومرح احترفه كأداة للمعيشة مع الحياة. تمسك بالفرصة بأظافره التي نمتها الأيام السوداء في ليل القاهرة القاسي.

رأى مدير المعرض بداخله ذئبا شرسا سيدهس الأخضر واليابس سعيا وراء الجِنيه، التقت رغبتهما فى المبيعات فاعتمده في فريق العمل، خلال شهور معدودة لم تخب نظرة الصياد الكبير في ذئبه، فقد افترس صلاح الجميع، وداس على كل شيء، أجّر غرفة بواب فوق سطوح أحد عمارات مصر الجديدة، وأشاع أنه ابن الحي الراقي، تحسنت ظروفه المالية، فارتفع مستوى النساء التي دهسهن في طريقه تحت عجلات السيارات التي يبيعها، توسعت شبكة علاقاته فاستغلهن في قضاء حوائجه لدى المديرين أحيانا، والعملاء أحيانا أخرى، أدرك لوائح البنوك وتلاعب بها، تدفقت الأموال للبيت الريفى الذى لم يسأل الأب من أين لابنه الشريد بكل هذه الأموال التي ارتفعت بها أدوار منزله لتصل إلى الدور الرابع؟.

دار الزمان دورته، فبدأ في شراء بعض الأراضي التي كانوا يعملون بها، مع الوقت اختلس فرصة السرقات الكبرى، واشترى سيارة ليغطى عبرها نقصا واحتياجا كان بحاجة إليه، ولم يسدد للبنك حقوقه، التى تدرب على اختراقها دون مساءلة.

توسعت شبكة علاقاته النسائية فتعرف على شبكات كاملة من الدعارة، أدمن المعاشرات الجنسية فاستباح في طريقة كل شيء، كان صيادا ماهرا يختار فريسته بضعف واحتياج، ويمارس ساديته عليهن باعتباره من أبناء الذوات.

أصابه الجنون فأصبحت النساء له سبايا، كان يرتدي ملابس باهظة الثمن ليشبة أبناء العائلات، الذي لم يكن منهم في شيء، مارس الجنس مع عائلات كاملة بدءا من الأم مرورا ببناتها، لم يتورع عن ممارسة الجنس مع زوجات أصدقائه، مستغلا الثغرات التي كان يحكيها له المنخدعون بالمظاهر.

(4)

تاه في الملذات، فلم يعد هناك فرق بين ما يملكه وما لايملكه، يلقي بشباكه على أى شيء؛ سلعة، امرأة، سيارة، أموال، وإن لم يستطع الحصول عليها أو الاستفادة من ورائها يقلب الحقائق، ويشن حربا من المساوئ عليها.

ذات ليلة استضافه صديق يدعي"شريف غالي"، في بيت العائلة المهجور بالكوربة، بعدما نال منهما السكر، تلبسته أنه وُلد ونشأ وتربي وسط حي مصر الجديدة العتيق حيث يسكران الآن، كان مرحا مع ابن الذوات وناقما عليه، بل حدَّث نفسه كثيرا أنا ابن الخولي أولى بالمنزل منه.

دلل صلاح شريف ابن الذوات ووفر له الحشيش، وأغدق عليه بالنساء اللاتي لم تمر عليه يوما، فهن شعبيات، وبالنسبة لشريف كن ملكات السرائر قياسا على من عاشرهن من ساقطات الطبقة الراقية التي كان يلهث وراءهن صلاح، التقت المصالح وتبادلت، فترك شريف لصلاح الشقة يرتع فيها ويحقق أوهام امتلاكه وسُكنته في الحى الراقي.

خسر عمله بعد التورط في قضية نصب، فلم يعد أمامه سوى استقطاب الساقطات لمن يملك بحجة الصداقة والانفتاح، لتكون مفتاحه لتدمير حياة من يقترب منه أو يتجاوب مع مرحه المصطنع باحتراف.

ذات ليلة التقى فتاة في بيت أحد الأثرياء العرب، الذى أباح كل شيء في بهو القصر المترامي الأطراف في التجمع الخامس، فأباح في غــُرفه كل شيء، ووفر ابن الخولي بدوره الحشيش الذي يجيد شراءه وتعاطيه.

تراقص ابن الخولي مع ساقطات القصر وهو يسترجع ذكريات المزارع الحزينة التي كان يتربص ويتلصص ليرى طرف فتاة، وها هو اليوم يراقص الأميرات في القصر، جرى ريقه على ممارسة الجنس مع إحدى الساقطات، لمح الثري العربي اللهفة والحرمان فى عيني الشاب البائس، فأشار له بالدخول بالفتاة إلى إحدى الغرف، ألقي عليها شباكه، وفى غفلة من الزمن كانا في سرير واحد، يمارس صلاح ساديته، ويخرج لهب سنين الشقاء اللامع في عينيه ويفرغه في جسد الفتاة، استثمر صلاح النشوة ليتجاوب مع أحقاده على القصر الذي يمارس فيه ثأره من ماضيه المحروم.

كانت الفتاة قد خرجت من بيئة متطرفة، حرموها كل شيء، العطاء والإخوة والأبوة، وأورثوها الأمومة المقهورة، فقررت أن تجلد الجميع، بمن في ذلك ذاتها المشتتة، رغبة في الثأر من أجل الثأر.

أثناء معاشرة ابن الخولي كانت تصرخ في السرير صرخات لفتت انتباه الحضور في القصر، استجابة للذة جلد الذات، التي صنعت بداخلهما تعويضا جعل منهما رفيقين لفترة من الزمن، استثمرها الخولي سنواتٍ لتصنع منه رجلا يتباهى بها أمام أقرانه.

بعد مواقف ومواقف تجلى لها صلاح ابن خولي كما ينبغي، مجرد سمسار لكل شيء، المكان الزمان، السلعة، المرأة، الدناءة، التنكر للجميل، إنه ابن مرحلة زمنية عنوانها السمسرة، وكان عليها أن تدفع ضريبة شبقه إلى الثراء واللذة، خذلها المرة تلو المرة، فأجبرها على اليقظة، استفاقت فقررت طرده من حياتها.

(5)

هاتفته ذات ليلة، وأخبرته أنها في طريقها إليه، وأنها أعدت له هدية تليق بمكانته في قلبها، أغلق الهاتف، ووقف أمام المرآة يرتدي "فيست" البدلة، استعدادا للخروج احتفالا بعيد ميلاده، لم يغلق زرار الفيست ووجد يدها تجرده من ملابسه.

نظر في المرآة وجدها تقف خلفه، وتنظر إليه بعيون حمراء اللون ملؤها الوعيد، انقبض، بدأت تجرده ملابسه، حاول أن يتحرر من قبضتها، تصاعد غضبها، فاستسلم بين يديها بعد أن أرهبته بعيونها المشتعلة نارا، جردته من البدلة كاملة، وأخبرته أن الحفلة التنكرية التي يعيشها انتهت، وأهدته جلبابا معطرا بالتراب، لتلقي به في وجهه في شقة الكوربة وترحل.

(6)

رحلت الفتاة لتضع صلاح أمام المرآة عاريا يسترجع خطاياه ويكتشف كم تلوث؟ وكيف أصبح عربيدا في شوارع ليست منه وليس منها، فلم يعد يتذكر من هو من بين الشخصيات الي تنكر فيها، وأيهما إليه أقرب؟.

قررت الفتاة أن تستبدل كراسي الضحية والجلاد بعد أن حاول تقديمها سلعة جنسية لمديره ذات مرة، طمعا في الحصول على ترقية، تمكنت الفتاة من إدارة شريط الأحداث في ذاكرته التي كانت تراقبها جيدا لتختار الوقت المناسب وتطعنه، فتصيبه بثقب في الذاكرة، وتـُخرج منها لهيب الذكريات الملوثة ببطء، لتستمتع بطهى عقله على نار هادئة.

ارتدى ملابسه سريعا، أدار محرك سيارته، وبدأ في رحلة البحث عن الفتاة التي لم يجد لها أثرا في محيط المنطقة، ذهب إلى شقتها في التجمع الخامس لم يجد سوى قطعة أرض فضاء، بدأ يسائل نفسه عن وجود الفتاة؛ وهل زارته بالفعل؟، وما الذى أتي به إلى أرض مهجورة، وهل الفتاة حقيقية أم أن أوهامه اختلقتها لتعيد عليه ذكرياته المخزية، ولماذا يشعر حقا بثقوب في ذاكرته تــُخرج لهيبا من الأحداث ليلة عيد ميلاده؟.

(7)

كان عليه أن يذهب لبيته مسرعا ليبحث عن الجلباب فهو الشيء المادي الوحيد الذي يثبت الواقعة، وصل بيته، بحث على السرير لم يجد الجلباب، أصابه الجنون ظل يصرخ ويقلب في أدراج وأرفف غرفة نومه، فتح الدولاب وجد كيسا من البلاستيك ملقى في أرضية الدولاب أسفل البدل.

منذ ذلك اليوم ولجأ صلاح ابن الخولي للمخدرات حينا وللمهدئات أحيانا، لتبدأ لعبة الكوابيس تدور بعقله، فلم يعد يعرف الحقيقة من الخيال في تفاصيل يومه، بعدما أفرط في تناول الأقراص المهدئة التي لم تعد تجدي نفعا وأفقدته معنى الحياة تحت إطار سيارات الكوابيس التي تدهسه وتراوده في الثانية والنصف من منتصف الليل.
 
أعلى