لمياء لمقدم - في مديح العادة السرية

تخيلوا لو أن العادة السرية اختفت أو منعت أو حرمت كما ينادي بذلك شيوخ ومنظرون وأطباء وطبيبات يمرون من أمامي على الشاشات والإنترنت مدّعين أنها مضرة صحيا ومهلكة نفسيا. أي عالم سيكون هذا؟ وأي جحيم سننتهي إليه؟ ستزداد عدوانية البشر وتشتد شراستهم وتكثر الحروب ويعم الظلم وينتشر القتل.

دعونا نتخيل عالما بلا عادة سرية، وأن بشرا في جزيرة ما غير قادرين على الوصول إلى الإشباع الجنسي إلا بالتواصل مع الآخر، هذا يعني أن الاحتياج إلى الآخر سيُصبِح ضرورة غريزية، وأن التبعية ستزداد وهو ما سيؤدي إلى ظهور التملك والاستعباد والاستحواذ على الآخرين بالقوة وأن الاقتتال الشرس من أجل أنثى سيُصبِح مثل القتال من أجل الماء أو العشب، أول مظاهر التملك التي أوجدت الحروب.

النساء تحديدا سيصبحن أكثر عدوانية، وبدلا من اقتصار الحروب على الرجال كما هو الحال إلى حد هذه اللحظة (من لطف الطبيعة) سنشهد نوعا جديدا من الحروب تقوده المرأة ضد بنات جنسها من أجل الذكر، حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر!

من المعروف أيضا أن نسبة النساء اللاتي يصلن إلى النشوة مع أزواجهن قليلة، وأن العادة السرية بديل ومتنفس للمرأة لتفريغ رغباتها الجنسية غير المشبعة. تخيلوا عالما مليئا بنساء محتقنات!

وجود العادة السرية، أو القدرة على إشباع النفس لدى البشر ليست أمرا اعتباطيا، وإنما ضرورة لحماية الإنسان واستمرار بقائه. لم تضع الطبيعة هذه الخاصية في البشر من أجل لا شيء. وفي اعتقادي أن كل ما هو موجود في البشر من خصائص جسمانية ونفسية موجه نحو فكرة الإبقاء على الجنس البشري واستمرار الحياة، بما في ذلك العادة السرية نفسها، رغم ما توحي به من عكس ذلك، فهي، لا تهدف إلى الإنجاب مثل التواصل الجنسي بين الذكر والأنثى، إنما إلى التفريغ والإشباع الذاتي، الذي ينفس ويريح البشر ويجعلهم أقل عدوانية وشراسة وتملكا، أي أكثر تسامحا وتعايشا وقبولا للآخر.

لا أعرف من استنبط هذه التسمية أول مرة: “العادة السرية” ولا أدري إن كانت هذه التسمية دقيقة في وصف هذه الخاصية البشرية المهمة، وكذلك لا أدري لماذا لا توجد أسماء بديلة ومرادفات لهذه التسمية على غرار “النشوة” مثلا، التي لها بدائل كثيرة مثل: اللذة، الذروة، الرعشة، وغيرها من التسميات. سرية هذه العادة لا تقل عن سرية الجماع، واعتياديتها أيضا لا تقل عن اعتياديته، ولهذا أجِدُ هذه التسمية غير مُنصفة وغير دقيقة، كما أنّ بها نوعا من الرفض المبطن، ومجرد اكتفائها لحد الآن بتسمية واحدة رغم ثراء اللغة العربية وتنوعها دليل على التحجيم والتهميش اللذين تعرضت لهما هذه الخاصية البشرية.

لو تُرك الأمر لي لأسميتها “النشوة الذاتية” مثلا أو “الإشباع الذاتي” أو “الاشتباع″ أو “الاجتناس″، أو غيرها من المشتقات التي ترجع الفعل إلى فاعله، على غرار “الاكتفاء” و”الاحتلام”. وهي مشتقات فعلية محايدة لا توجد بها أي دلالات سياقية أو دينية أو شبهة رفض أو إسقاط لرأي خارجي.

هؤلاء الذين يمنعون الشباب من ممارسة العادة السرية، ماذا يريدون تحديدا؟ أن يحتقن العالم وينفجر في وجوهنا؟ أو أن يكثر التحرّش ويعمّ الاغتصاب؟ أو أن يتحول فكر وتركيز أبنائنا إلى مقاومة الطبيعة الإنسانية داخلهم ومحاربة نفسهم تماما مثل جهاز المناعة الذي يهاجم نفسه في حالات معيّنة من المرض؟

اتركوا العالم يتنفس، فهذا من لطف الطبيعة ورحمتها بكم، لو تعلمون.

كاتبة تونسية
لمياء المقدم


12- C. RICHTER (XIXe -XXe siècle) Le coffre aux soieries.jpg
 
أعلى