مقامات نجاة المريني - نظرة في كتابين: الأول: فن المقامة بالمغرب في العصر العلوي

الأول: فن المقامة بالمغرب في العصر العلوي، دراسة ونصوص، تأليف ذ. م.السولامي.
الثاني: معجم المعاجم، تأليف ذ. أ. ش. إقبال


عندما يقبل الباحث أو الدارس على الكتابة أو البحث في الأدب المغربي، فإنه- بحق - يستحق كل تشجيع وتنويه؛ ذلك أن ضياع النصوص وتشتتها وقلتها من أسباب الإهمال الذي عانى ويعاني منه الأدب المغربي، وتراجع أغلب الباحثين عن تناوله جمعا وتحقيقا ودراسة.
لكن، مع ذلك، هناك مجموعات بحث نشيطة تعمل من أجل تحقيق ذاتها في ميدان الدراسات الأدبية المغربية، مستسهلة الصعوبات، متحدية العوائق بصبر وعزم، هدفها إبراز كيان هذا الأدب المغربي على مستويات عديدة، والتدليل على وجوده وريادته.
ويشكل عمل الأستاذ محمد السولامي في دراسته الجامعية الجادة "فن المقامة بالمغرب في العصر العلوي" نموذجا لهذه الدراسات المتميزة، وصورة مصغرة للجهود التي يبذلها الباحثون في المجال الأدبي المغربي، وهو عمل يرقى إلى صف أعمال أخرى رائدة، تهتم بجمع النصوص ودراستها في الفترة العلوية.
وقد أضاف المؤلف بهذه الدراسة لبنة جديدة إلى الدراسات الأدبية المغربية، الحديثة من حيث اهتمامه بنصوص نثرية طريفة، انتظمت فيما يعرف باسم المقامة، ومن حيث اهتمامه بتقديم دراسة موضوعية وصيفة لواقع هذه المقامة في المشرق والمغرب(1)، مع التركيز على تطور هذا الفن النثري في العصر العلوي بصفة خاصة، مبرزا اتجاهاته وألوانه كخطاب للإصلاح، كخطاب سياسي، مع ما تتطلبه الدراسة من وقفات عند مستويات الرواية في هذه المقامة، وعند شفافية وصف المكان، وأخيرا عند التضمينات الشعرية التي كان الكتاب يحلون بها مقاماتهم من حين لآخر.
ينقسم كتاب "فن المقامة بالمغرب" إلى قسمين:
القسم الأول: وقد فرضت منهجية العمل تقديمه، وإن كان إنجازه متأخرا، ويتعلق بالدراسة،
دراسة فن المقامة في العصر العلوي، وتحديد عناصرها، وتتبع مراحل تطورها.
تناولت الدراسة ثلاثة أبواب موزعة كالآتي:
الباب الأول: وجعله للحديث عن فن المقامة في الأدب العربي، وقسمه إلى مبحثين:
* المبحث الأول: وتحدث فيه عن فن المقامة وتطوره في المشرق، مبرزا مبدعيه: الهمداني والحريري في انتشاره وشيوعه، ممثلا لذلك بنماذج من مقاماتهما.
* المبحث الثاني: وجعله للمقامة في الغرب الإسلامي، وتأثرها على الخصوص بمقامات الحريري.
الباب الثاني: وخصصه المؤلف للمقامة المغربية، وهو يتناول مبحثين:
* الأول: بداية المقامة المغربية.
* الثاني: المقامة في العصر العلوي.
الباب الثالث: وعرض فيه الباحث لنماذج متنوعة من المقامات العلوية، محللا ودارسا أنواعها من خلال المباحث الآتية:
- المقامة كخطاب للإصلاح.
- المقامة كخطاب سياسي.
- مستويات الرواية.
- شفافية وصف المكان.
- تضمين الشعر.
وقد أظهر الباحث من خلال دراسته تتبعا دقيقا لهذا اللون الأدبي الطريف في الكنانيش والمجاميع الأدبية، وفي كتب بعينها اهتمت بهذا الموضوع، متوسلا بمنهج بنيوي في التحليل والدراسة، فكانت الإنشائية الهيكلية منهجه باعتبار "النص نتاجا لسانيا، وأن دراسته يجب أن تستلهم بالتالي الطريق اللسانية، فالإنشائية الهيكلية إذن أفضل المناهج لتحليل المقامات: (ص: 12)، ومن ثم اتكأ البحث على نظرية (تودورف) في دراسة النص المقامي.
القسم الثاني: وخصصه المؤلف للنصوص المقامية التي عمل جهده على تحقيقها، وتوثيقها، وضبطها، واختيارها من مصادر العصر، وأغلبها مخطوط، وأقلها في طباعة حجرية، ويبلغ عدد هذه المقامات المختارة ستا وعشرين مقامة، تنوعت موضوعاتها، وتعددت مصادرها.
وقد جعل المؤلف لكل مقامة هوامش لشرح الكلمات والمفرادات الصعبة، مع ما يقتضيه تخريج الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأبيات الشعرية، من دقة وعناية في التنبيه إلى مصادرها ومظانها.
وإذا كان المؤلف لم يعن بالترجمة لأصحاب هذه المقامات باعتبارهم من الكتاب المشهورين، فإنه قد أحدث إلى حد ما خللا بهذا البحث، إذ أن القارئ مهما كانت معرفته بالكاتب، فإنه سيضيف دون شك - إلى ما كان يعرفه - معلومات جديدة وصل إليها المؤلف بعد رحلة شاقة ومعاناة طويلة في البحث عن المقامة ومظانها، وعن صاحبها.
كما أن المؤلف لم يذيل - كما جرت العادة - كتابه بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها، وإنما اكتفى بما أورده من إشارات إليها في متن الدراسة.
ولا أعتقد أن مثل هذه الإشارات كافية لتمكين القارئ من التعرف إلى المصادر المخطوطة والمطبوعة وبغيرها من المراجع التي استفاد منها أثناء إنجاز بحثه، إضافة إلى أن وجود مثل هذه القائمة من متطلبات البحث الأكاديمي الجامعي، بل إنها تعتبر من الركائز التي يقوم عليها البحث.
مهما يكن، من تجاوزات، فإن هذا العمل التوثيقي الرصين كشف النقاب عن تراث أدبي طريف برع فيه المغاربة، وأبانوا فيه عن قدرتهم على مجاراة المشارقة في هذا الفن، بل وفي بعض الأحيان في التفوق عليهم، ولعل الإهمال الذي عانى منه الأدباء المغاربة كان السبب المباشر في عدم انتشار كتاباتهم ورواجها في المغرب والمشرق.
ويأتي كتاب "فن المقامة بالمغرب" ليثبت بأن للمغاربة حضورا في الكتابة النثرية، وتوفقا في كتابة المقامة كغيرهم من المشارقة، خاصة مبدعي هذا الفن في العصر العباسي.
وقد أشاد الدكتور عباس الجراري في تقديمه لهذا الكتاب بجدية المؤلف، مؤكدا أن هذه "الدراسة المضنية أبانت عن قدرات الباحث ومؤهلاته" (ص:6).
الكتاب الثاني:

معجم المعاجم
يخطو التعريف بالعلماء المغاربة في ضروب المعارف والعلوم خطوات إن لم تكن حثيثة، فإنها لا يمكن أن توصف بالمتعثرة، ذلك أن منافذ كثيرة تسعفنا اليوم بمعلومات وفيرة عن كتاب ومؤلفين مغاربة لهم باعهم في ميدان التأليف، والكتابة، والشرح، والتحقيق، والتعليق.
ولعل الدور الذي يقوم به الكتاب المغربي بإشراف الأستاذ الدكتور محمد حجي في التعريف بالمؤلفات المغربية يكشف عن الواقع العلمي والأدبي في المغرب، وعن المسكوت عنه من الكتابات الهامة والمفيدة في المجالات المختلفة.
ويعد صدور "مجلة الكتاب المغربي" فوزا علميا حققه المغاربة إنصافا لعلماء وكتاب منطقة الغرب الإسلامي في عصرها الحاضر، فهو يتتبع دور النشر في المغرب أو غيره من الأقطار، فيما تنجزه من مطبوعات مغربية، للتعريف بها، ولتقريبها من القارئ المغربي أولا، والعربي أو المهتم بالدراسات العربية ثانيا.
إن قيمة العمل يأخذ أكثر من بعد: إعلامي، تعريفي، توثيقي، إضافة إلى أنه - وهذا هو الأهم - يهدف إلى تأكيد حضور الكتاب المغربي في الساحة العلمية والأدبية حضورا متميزا واعيا.
ويظهر أن ما يقوم به الدكتور محمد حجي من جهود في التعريف بالكتاب المغربي لا ينحصر في صدور "مجلة الكتاب المغربي" وإنما نلمس من حين لآخر التفاتة طيبة إلى بعض كتابات بعض العلماء والأدباء المغاربة، فيعمل على نشرها وطبعها ضمن منشورات "الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر" التي يرأسها، وهذا عمل له قيمته وفائدته.
وفي مجال اهتمام هذه الجمعية بالكتاب المغربي، صدر بإشرافها كتاب الأستاذ العالم أحمد الشرقاوي إقبال: "معجم المعاجم" في طبعة أنيقة جيدة عن دار الغرب الإسلامي في 391 صفحة.
تتصدر الكتاب مقدمة المؤلف التفصيلية حول المؤلفات العديدة والمتنوعة في مجال المعجم العربي "كشفا وتحقيقا ونشرا ودراسة" (ص:أ)، ذلك أن كثرة تآليف العرب في الميدان اللغوي، يشهد للعرب بعظمة حضارتهم، وسعة لغتهم، وتيقظ حسهم العلمي على المستوى اللغوي، وعلى المستوى المعرفي.
إضافة إلى ذلك يقول المؤلف:
"رزق المسلمون الحظوة في كثرة التآليف، وأتوا في ذلك من البحث ما لم تؤته أمة من أمم الحضارات القديمة، ويشهد لهم على ذلك كتبهم المصنفة في ضروب العلم، وأنواع العرفان، وفي ضمن ذلك، مكتبتهم اللغوية التي ينبهر الواقف عليها، مما تحويه من التآليف كثرة أعداد، واختلاف أشكال" (ص:أ).
بكثير من الدقة، صنف المؤلف الأستاذ أحمد الشرقاوي العلماء الذين اهتموا بالمعجم العربي في الغرب أو في الشرق، وكانت نسبهم كالآتي: خمسة علماء من إنجلترا، وثمانية من ألمانيا، وأربعة من النمسا وإيطاليا، وثلاثة من أمريكا وفرنسا، واثنان من هولندا والسويد، وواحد من اسبانيا وروسيا.
أما العلماء العرب المشارقة، فمنهم من اهتم بالشرح والنشر، ومنهم من اهتم بالتحقيق والدراسة ثم النشر، ولم تقتصر أعمالهم على المعاجم اللغوية العامة، بل تعدتها إلى المعاجم الخاصة باللغة، والنحو، وغريب القرآن، وخلق الإنسان، وغيرها، وقد بلغ عدد هذه المعاجم ثلاثة وأربعين مؤلفا.
كما اهتم المؤلف بإحصاء الكتب العربية التي تناولت المعجم العربي في دراسات متخصصة، وعددها ثمانية كتب.
من خلال هذا الجرد، تظهر العناية بالمعجم العربي وخدمته من وجوه مختلفة نوه بها المؤلف، في الوقت الذي نبه فيه إلى "تلكؤ الدارسين عن عمل فهرسة تعرف بالمعجم العربي، منسوبا ومخطوطا ومطبوعا على جهة الاستيعاب مع مسيس الحاجة إلى ذلك، وشدة الرغبة فيه، وكبير المنفعة العائدة على الدارسين بعامة، والمعنيين منهم بتراث العرب اللغوي بخاصة".
ولا شك أن تقصير الدارسين العرب، بفهرسة المعجم العربي، موضوع شغل فكر الأستاذ الشرقاوي، فانصرف إلى التعريف بالمعاجم العربية منسوبة ومخطوطة ومطبوعة، لتكون فيما بعد هذه الفهرسة "معجم المعاجم"
تناولت الفهرسة تسعة مجموعات معجمية، ضمت ألفا وأربعمائة وسبعة كتب موزعة على الشكل الآتي:
مجموعة الموضوعات: وتضم معاجم الحيوان، كتب النبات، والأنواء، والأمكنة، وغيرها.
مجموعة القلب والإبدال.
مجموعة الاشتقاق.
مجموعة المعاجم التي بنيت على الحروف: المخارج، التقفية بالحرف الأخير، ما بني على النظام الألفبائي.
معاجم الأبنية.
معاجم المعاني.
معاجم الأوشاب.
معاجم الطرائف.
ويبين المؤلف في استعراضه لكل مجموعة من المعاجم أسباب اشتغال اللغويين باللغة العربية في موضوعات كثيرة منها ما يتعلق بالقرآن والحديث، ومنها ما يتعلق بالإنسان والحيوان، وبالأفعال واللغات، وبغيرها من الموضوعات التي كانت وما تزال تثير الانتباه، وتدعو إلى التأمل منذ أن "بدأت المعجمية العربية انطلاقا من غريب القرآن" (ص:5)
ويشير المؤلف إلى أن عنايته بهذه المعاجم انصبت على:
- تسمية المعجم.
- التعريف بمؤلفه.
- توثيق النسبة إليه.
- ذكر موضعه إن كان مخطوطا، ومكان طبعه إن كان مطبوعا.
أما المصادر المعتمدة في التحقيق والتقديم، فكثيرة منها كتب المعاجم، والفهارس، والبرامج، والطبقات، ومعاجم الأعلام، وكتب الآداب، والتاريخ بنوعيه: العام والمحلي الخاص، بالإضافة على مجموعة من الكتب التي تناولت الأدب العربي، وتاريخه في العصر الحديث، ككتب "بروكلمان" و"سيزكين" و"زيدان" و"الزركلي".
كما اعتمد المؤلف على الدوريات والمجلات التي تعنى بكتب التراث اللغوي المنشورة بالشرق العربي.
ويؤكد المؤلف أنه تناول بالتقصي والدرس "المعاجم التراثية دون سواها مما مسته يد الحداثة بأثر قليل أو كثير". (ص:ي).
ويضع المؤلف لكتابه: معجم المعاحم: فهرسا شاملا مصنفا كالآتي:
- حسب الموضوعات.
- مرتبا على الألفباء.
- فهرسا لأعلام المؤلفين مرتبين على الألفباء.
- فهرس المجهولين من المؤلفين.
وأخيرا، فإن كتاب: معجم المعاجم" لا غنى عنه لأي باحث، سوا كان متخصصا أو غير متخصص، فهو غني بمادته العلمية، قريب المأخذ بطريقته المنهجية الواضحة، في تناول المعاجم حسب موضوعاتها، يسير التناول، للدقة المتعبة في الإشارة إلى كونه مخطوطا أو مطبوعا، مع ذكر الخزانة التي يوجد فيها، أو الإشارة إلى مكان طبعه، وسنة الطبع، مع ذكر اسم محققه أو محققيه إن كانوا أكثر من واحد.

(1) الأصل في هذا الكتاب رسالة جامعية نال بها المؤلف الأستاذ محمد السولامي دبلوم الدراسات العليا في الأدب من كلية الآداب بالرباط، سنة 1987. يقع الكتاب في 414 صفحة من القطع المتوسط.


دعوة الحق - العدد 330 ربيع1-ربيع2 1418/ غشت-شتنبر 1997

المقامات.jpg
 
أعلى