دراسة رضا البطاوى - نقد حكايات حارتنا لنجيب محفوظ

  • بادئ الموضوع رضا البطاوى
  • تاريخ البدء
ر

رضا البطاوى

قبل الدخول فى النقد أقول نظرا لكون تلك الحكاية تتعلق بالكفر والإسلام ونظرا لوفاة نجيب محفوظ فإننا لا تقدر على رمى الرجل بالكفر خاصة أن الرجل لم يعد نشر الرواية بعد صدورها فى جريدة الأهرام المصرية مسلسلة وصدور نسخة لبنانية منها فى الستينات هى النسخة الوحيدة الموجودة حاليا ورغم عدم وجود أمر بمنع النشر فى مصر رغم ما وجه من انتقادات من بعض الأزهريين للحكاية فإن نجيب محفوظ أصر على عدم نشرها إلا بموافقة الأزهر ولم يعط أحد إذنا بنشرها وظل رافضا للنشر حتى وفاته وهو ما يعتبر توبة منه نوعا ما لأن الرجل كان يعتبر الحكاية ."اقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة" رجاء النقاش، نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته. الطبعة الأولى ص141-142، مركز الأهرام للترجمة والنشر 1998

فالمفترض فى الناقد وهو قاضى أن يسأل المتهم عن صحة اتهامه ولما كان المتهم ميتا فإنه لا يجوز الحكم على ميت خاصة أن الحكاية غايتها هى إظهار ملخص تاريخ الإنسان وهو تكرار دورات الظلم الطويل والعدل القصير

النسخة المعتمدة فى النقد يبدو أنها نسخة كتبها أحد العراقيين من نسخة لديه أو من إحدى المكتبات وهى مليئة بالأخطاء الإملائية وقد يكون قد نسى بعض الكلمات أو الجمل فى أثناء الكتابة والأخطاء الرئيسية تكمن فى كتابة حرف الكاف آ فى عدة ألوف من الكلمات وكذلك حرف الهاء حيث يظهر علامة استفهام داخل مستطيل وقد حاولت فيما نقلت منها تلافى تلك الأخطاء بإصلاح الأخطاء كما أن النسخة عندما نقلتها من نظام بى دى اف إلى نظام الكتابة العادية وورد كانت ترقيمها مختلفا وكانت لا تستجيب عند نقل الصفحات ومن ثم فأرقام الصفحات تبدو تقريبية فقد تكون صحيحة وقد تكون بعدها بصفحة أو اثنين

وكانت لدى نسخة أصلية من على الشبكة العنكبوتية أرسلها لى أحد الأصدقاء منذ أكثر من عشر سنوات عندما كانت علاقتى بالشبكة العنبوتية مجرد علاقة عمل مع موقع وزارة التربية والتعليم وربما قرأت بعض منها أو كلها والظاهر أنها كانت مقسمة تقسيما أخر غير التقسيمات فى هذه النسخة المنقولة عن الأصل فعلى حد ذاكرتى الضعيفة أنها كانت مقسمة إلى 114 جزء أى بعدد سور المصحف الحالى وإن كانت ذاكرتى صحيحة فهذا أمر يجعل نجيب فى محل اتهام سوى ما سيأتى فى النقد وهو أنه يحاول تقليد المصحف

أول سؤال تطرحه حكاية حارتنا :

هل يجوز لروائى أو حكواتى أن يأخذ قصص الوحى فيحرفها فيزيد فيها وينقص منها؟

بالقطع لا يجوز له ذلك كما لا يجوز لأيا كان الافتراء على الله كما قال تعالى بسورة الأعراف :

" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين" وقال بسورة الأنعام:

"فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ"

نجيب محفوظ ليتخلص من وزر هذه الحكايات زعم فى افتتاحية الحكاية أنه مجرد ناقل لحكايات تروى فى المقاهى وغيرها فقال :

"هذه حكاية حارتنا ، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق ، لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذى عاصرته، ولكنى سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كل كما يسمعها فى قهوة حية أو كما نقلت إليه خلال الأجيال، ولا سند لى فيما كتبت إلا هذه المصادر"

الرجل هنا يعترف بأنه عاصر الجزء الأخير من صاحب عرفة وهو حنش وأن الباقى هو روايات أبناء الحارة وبالقطع الرجل كاذب فى إدعاءه فلو كانت هذه الحكايات تروى فيجب أن تصل أخبارها لكل الناس فى مصر الحالية ويجب أن يكون لها منشدين أو مغنيين يغنونها كما حدث فى السيرة الهلالية وسيرة الزير سالم وسيرة الظاهر بيبرس أو تكتب كما كتبت تلك السير والحكايات الشعبية فلا يوجد كتاب يعتمد عليه ولا حتى شاهد واحد يقول أنه سمعها

إذا فالرجل هنا يتنصل من مسئوليته على طريقة ناقل الكفر ليس بكافر وهى مقولة ليست صحيحة دوما فهناك ناقل يكون كافر إذا كان الهدف من نقله هو إضلال غيره ولذا فى قصة الإفك قال الله تعالى أن ترديد الكفر هو خطيئة وذنب عظيم فقال بسورة النور :

"إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"

وعمل نجيب على نشر هذه الضلالات فى كتاب هو عودة لمثل الذنب العظيم ؟ ولعل رفضه لنشر الحكايات مرة أخرى هو دليل على التوبة التى الله أعلم بها

ماذا فعل نجيب محفوظ بأسماء قصص الوحى وحكايات التاريخ ؟

فيما يبدو كان نجيب قد وضع خطة لنفسه فى الأسماء المتعلقة بقصص الوحى من الأسس التالية:

الأول زيادة حروف على اسم الشخص فمثلا أدم (ص) زاد عليه حرف الهاء فأصبح آدهم وأم والمراد حواء أم البشر زاد عليها حروف الياء والميم والتاء فأصبحت أميمة وأبو بكر الصديق أصبح اسمه صادق

الثانى تغيير حروف فى اسم الشخص فمثلا إبليس أصبح إدريس ومثلا هابيل وقابيل أصبحا همام وقدرى فأخذ الحرف الأول من كل منهما ومثلا جبريل (ص)أصبح قنديل وعمران أصبح حمدان

الثالث غير أسماء بحسب فعل فى حياتها فالجبلاوى وهو اسم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا مأخوذ من تجليه للجبل فى قوله تعالى بسورة الأعراف " فلما تجلى ربه للجبل " واسم جبل أطلقه على موسى(ص) بسبب ارتباط الأحداث الرئيسية فى حياته بالجبل فالنار على الجبل والتجلى على الجبل والميقات فى الجبل وأما المسيح(ص) فأسماه رفاعة وهو مأخوذ من رفع الله تعالى له عنده حيث قال بسورة النساء " بل رفعه الله إليه " وأما قاسم والمراد محمد(ص) فهو مأخوذ من الاسم التاريخى فى السيرة وهو أبو القاسم ومن الحديث المروى "إنما أنا قاسم " وعلى بن أبى طالب أصبح اسمه حسن على اسم ولده وعائشة أصبحت بدرية حيث أنها تزوجت فى سن مبكر أى بدرى

حكاية آدم (ص)وضلالاتها :

-بدأ نجيب الضلالة بأن الجبلاوى اختار أدهم من بين إخوته لإدارة الوقف تحت إشرافه حيث قال :

" أما الجبلاوى فاستطرد قائلا:

-وقد وقع اختيارى على أخيكم أدهم ليدير الوقف تحت إشرافى"ص4

وبالقطع لم يكن لآدم (ص)إخوة وهذا هو الافتراء وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة :"وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة "

-"فغضوا الأبصار حذرا من أن يقرأ ما فى نفوسهم ، إلا إدريس فقد قال بإصرار

ولكننى الأخ الأكبر

فقال الجبلاوى مستاء

أظن أننى أعلم ذلك ، فأنا الذى أنجبتك"ص5

هنا اعتمد نجيب فى ضلالة وجود أبناء لله-تعالى عن ذلك- المسمى عنده الجبلاوى على العهد القديم فى مثل قول سفر التكوين :

"1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أولادا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ."

-وفى القولة التالية :

"فقال إدريس وحرارة غضبه أخذة فى الارتفاع

للأخ الأكبر حقوق لاتهضم إلا لسبب

فحدجه الرجل بنظرة طويلة كأنما يمنحه فرصة طيبة لتدبر أمره وقال

-أوكد لكم إنى راعيت فى اختيارى مصلحة الجميع."ص5

نجد ضلالة حقوق الأخ الأكبر فالملائكة تحدثت ليس عن حقوقها ولكن عن فساد المخلوق وكفايتهم فى طاعة الله كما قال تعالى بسورة البقرة"قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون"

-"وانتفخ كالديك المزهو ليعلن للأبصار فوارق

الحجم واللون والبهاء بينه وبين أخيه، وانطلق الكلام من فيه كما ينطلق نثار الريق عند العطس بغير ضابط:

إنى وأشقائى أبناء هانم من خيرة النساء، أما هذا فإبن جارية سوداء"ص5

هنا الضلالة أن سبب تفضيل إبليس لنفسه عند نجيب هو الحجم واللون والبهاء بينما فى الوحى مادة الخلق وفى هذا قال بسورة الأعراف:"أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "

-"شحب وجه أدهم الأسمر دون أن تند عنه حركة"ص5

تعبير نجيب بالسمار المراد به أنه طين كما فى قوله تعالى بسورة ص"إنى خالق بشرا من طين"

-"على حين لوح الجبلاوى بيده قائلا بنبرات الوعيد

تأدب يا إدريس

ولكن إدريس كانت تعصف به عواصف الغضب المجنونة فهتف

وهو أصغرنا أيضا، فدلنى على سبب يرجحنى به إلا أن يكون زماننا زمان الخدم والعبيد؟-."ص5

فى هذا الجزء يوافق الجزء يوافق نجيب الوحى فى تكبر إبليس وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين

-"ورفع رضوان رأسه نحو أبيه وقال برقة باسمة

نحن جميعا أبناؤك، ومن حقنا أن نحزن إذا افتقدنا رضاك عنا . والأمر لك على أى حال .. وغاية مرامنا أن نعرف السبب" ص6

هنا اعتمد نجيب فى ضلالة وجود أبناء لله-تعالى عن ذلك- المسمى عنده الجبلاوى على العهد القديم فى مثل قول سفر التكوين :

"1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا."

-"وعدل الجبلاوى عن إدريس إلى رضوان، مروضا غضبه لغاية فى نفسه ، فقال

6 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

-أدهم على دراية بطباع المستأجرين ويعرف أكثرهم بأسمائهم، ثم إنه على علم بالكتابة والحساب.

وعجب إدريس من قول أبيه كما عجب أخوته، متى كانت معرفة الأوشاب ميزة يفضل من أجلها إنسان، ودخول الكتاب أهون"ص6

الافتراء هنا أن سبب تفضيل الجبلاوى - وهو الله تعالى عن ذلك -لآدم (ص) هو معرفة أسماء المستأجرين وطباعهم وهو ما يخالف كونه علم آدم(ص) بالأسماء كلها والمراد القراءة والكتابة التى لا تعرفها الملائكة كما فى قوله تعالى بسورة البقرة "وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤنى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا أدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"

-"وتساءل إدريس متهكما:

أتكفى هذه الأسباب لتبرير ما يراد بى من مذلة؟

فأشار الجبلاوى نحوه بضجر وقال

-هذه إرادتى ، وما عليك إلا السمع والطاعة.

والتفت الرجل التفاتة حادة صوب أشقاء إدريس وهو يسأل ؟

ما قولكم ؟

فلم يحتمل عباس نظرة أبيه، وقال وهو واجم

سمعا وطاعة

وسرعان ما قال جليل وهو يغض طرفه

أمرك يا أبى-. .

وقال رضوان وهو يزدرد ريقه الجاف

على العين والرأس

عند ذلك ضحك إدريس ضحكة غضب تقلصت إلى أساريره حتى قبحت وجهه وهتف

يا جبناء .. ما توقعت منكم إلا الهزيمة المزرية، وبالجبن يتحكم فيكم ابن الجارية السوداء "ص6

هنا يوافق نجيب الوحى فى السجود وهو السمع والطاعة من قبل الكل عدا إبليس وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين"

ولكنه افترى فى بداية الكلام ذاكرا ضجر الله وهو ما لا يوصف به الخالق

-"ولكن إدريس واصل صياحه قائلا

"لن ترعبنى ، أنت تعلم أننى لا أرتعب، وأنك إذا أردت أن ترفع ابن الجارية على فلن أسمعك لحن السمع والطاعة."

الافتراء هنا هو عدم رعب إبليس من عذاب الله وهو كلام كاذب لمعرفته بيوم الوقت المعلوم حيث الثواب والعقاب كما قال تعالى على لسانه "فأنظرنى إلى يوم الوقت المعلوم "

7-" أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

ألا تدرك عاقبة التحدى يا ملعون ؟-."ص7

يوافق هنا نجيب الوحى فى لعنة إبليس كما قال تعالى بسورة الحجر "فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين"

-"الملعون حقا هو ابن الجارية

فعلت نبرات الرجل واخشوشنت وهو يقول

إنها زوجتى يا عربيد، فتأدب وإلا سويت بك الأرض .. وفزع الاخوة وأولهم أدهم لداريتهم ببطش أبيهم الجبار ، ولكن إدريس كان قد بلغ من الغضب درجة لم يعد يدرك معها خطرا كأنه مجنون يهاجم نارا مندلعة، فصاح :إنك تبغضنى ، لم أكن اعلم هذا، ولكنك تبغضنى دون ريب، لعل الجارية هى التى بغضتنا إليك، سيد الخلاء -.ص7

الافتراء هنا هو وجود زوجة للجبلاوى وأولاد له هو أبيهم وهو المراد بالله - تعالى عن ذلك – وهو ما يخالف قوله تعالى " ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "

-"فصاح الجبلاوى بصوت صك الأسماع فى الحديقة والحريم:

أغرب بعيدا عن وجهى. .هذا بيتى، فيه أمى ، وهى سيدته دون منازع لن ترى فيه بعد اليوم وإلى الأبد"ص7

هنا يوافق نجيب الوحى فى قوله تعالى بسورة الأعراف "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين" وقوله بسورة الحجر "فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين"

-"أيقن الجميع إن إدريس قد انتهى حتى إدريس بكرى الواقف ومثيله فى القوة والجمال قد انتهى . وتقدم الجبلاوى خطوتين أخريين وهو يقول:

لا أنت أبنى ولا أنا أبوك، ولا هذا البيت بيتك، ولا أم لك فيه ولا أخ ولا تابع، أمامك الأرض الواسعة فاذهب مصحوبا بغضبى ولعنتى وستعلمك الأيام حقيقة قدرك وأنت تهيم على وجهك محروما من عطفى ورعايتى "ص8

الخطأ هنا هو طرد إبليس للأرض وهو طرد فى الحقيقة للنار وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم جميعا"

"فأنقض عليه الأب قبل أن يتقيه، وقبض على منكبه بقبضة كالمعصرة، ودفعه أمامه والآخر يتراجع مقهقرا ، فعبرا باب

8 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

السلاملك وهبطا السلم وإدريس يتعثر ثم اخترق به ممرا تكتنفه شجيرات الورد والحناء مفروشا بالياسمين حتى البوابة الكبيرة فدفعه خارجا وأغلق الباب وصاح بصوت سمعه كل من يقيم فى البيت:

الهلاك لمن يسمح له بالعودة أو يعينه عليها ورفع رأسه صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أخرى وطالقة ثلاثا من تجترئ على هذا. ص8

يوافق هنا نجيب الوحى فى أن جزاء من يتبع إبليس هو الطرد من الجنة للنار كما فى قوله تعالى بسورة الأعراف "اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم جميعا"

وأما الافتراءات فمتعددة كوجود الزوجات وطلاقهم ومنها انقضاض الجبلاوى على إبليس فهو يذكرنا بالعهد القديم ومصارعة الله – تعالى عن ذلك – ليعقوب (ص) وفى هذا قال سفر التكوين :

24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي».

-"ولعل أدهم كان أشد إحساسا منهم بهذا الفارق، ولعله قارن كثيرا بين لونهم المضئ ولونه الأسمر، بين قوتهم ورقته، بين سمو أمهم ووضاعة أمه، ولعله عانى من ذلك أسى مكتوما وألم دفينا"ص9

الافتراء هنا هو أن آدم (ص) كان يحس بالوضاعة بسبب مادة خلقه ومادة خلق الملائكة وقوتهم ورقته سمو أمهم ووضاعة أمه وهو ما لا ذكر له فى الوحى كما أن الله علمه أن مادة الخلق واحدة فالنار والتراب وغيرهم أصلهم واحد كما فى قوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شىء حى " ومن ثم فهذا افتراء من خيال نجيب

-"وقال أدهم لأمه قبيل ذهابه إلى إدارة الوقف:

باركينى يا أمى فما هذا العمل الذى عهد به إلى إلا امتحان شديد لى ولك "ص9

بالطبع هنا افتراء فآدم (ص) لم يطلب شيئا من الأرض فهى ليست أمه وهو يعرف أن البركة من الله وليس من مخلوق

-"ومضى أدهم إلى المنظرة ترمقه العيون من السلاملك والحديقة من وراء النوافذ، وجلس على مقعد ناظر الوقف وبدأ عمله

9 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

، وكان عمله أخطر نشاط إنسانى يزاول فى تلك البقعة الصحراوية ما بين المقطم شرقا والقاهرة القديمة غربا "

يذكرنا تعبير المقطم شرقا بتعبير فى العهد القديم هو شرقى عدن وهو قول سفر التكوين :

23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيم"

-"واتخذ أدهم من الأمانة شعارا وسجل كل مليم فى الدفتر لأول مرة فى تاريخ الوقف، وكان يسلم أخوته رواتبهم فى أدب ينسيهم مرارة الحنق ثم يقصد أباه بحصيلة الأموال وسأله أبوه يوما:

كيف تجد العمل يا أدهم ؟

فقال أدهم بخشوع

-ما دمت قد عهدت به إلى فهو أعظم ما فى حياتى.

فشاعت فى الوجه العظيم البشاشة، إذ أنه على جبروته كان يستخفه طرب الثناء، وكان أدهم يحب مجلسه، وإذا جلس إليه اختلس منه نظرات الإعجاب والحب، وكم كان يسعده أن يتابع أحاديثه وهو يروى - له ولإخوته - حكايات الزمان الأول "ص9

الافتراء النجيبى هنا هو أن آدم (ص) كان له إخوة يعطيهم إيراد الأرض بالتساوى وهو العدل وهو كلام جنونى فآدم (ص) كان فردا بلا أخوة

والافتراء الأخر هو أن طرب الثناء كان يستخف الجبلاوى والمراد الله – تعالى عما قال – وبالطبع الله لا يهمه شكر شاكر ولا كفر كافر فكلاهما لا يغير فيه شيئا ولذا قال عن نفسه "ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين "

-"وبعد طرد إدريس ظل عباس ورضوان وجليل على عادتهم من الاجتماع فوق سطح البيت، يأكلون ويشربون ويقامرون ص10

الافتراء هنا هو أن الملائكة تقامر بينما هم يسبحون الله ويستغفرون لمن فى الأرض كما قال تعالى بسورة غافر" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا"

-"والتفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهى تهم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده فأشار بالوقوف فوقفت وتفحصها مليا ثم سألها برقة.من أنت ؟فأجابت بصوت ملعثم أميمة-. . إنه يذكر الاسم ، فهو لجارية ، قريبة لأمه، وكما كانت أمه قبل أن يتزوج منها أبوه ص11

هنا السمراء تعنى الطين المخلوق من البشر والافتراء هو أن أمه وأبوه كان هو نتاجهما فهو افتراء على الله وأميمة أى البشر أم البشر خلقت منه كما فى قوله تعالى

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها"

واطلاق اسم أميمة يعود بنا لنص سفر التكوين "20وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ"

-"كأنما انفجر فى المنظرة نفسها وهو يصيح:

أنا هنا ، فى الخلاء يا جبلاوى، ألعن الكل، اللعنة على رؤوسكم نساءً ورجالاً، وأتحدى من لم تعجبه كلماتى ، سامعنى ياجبلاوى؟

وهتف أدهم " إدريس " وغادر المنظرة إلى الحديقة فرأى أخاه رضوان متجها نحوه فى اضطراب ظاهر ، وبادره قائلا:

إدريس سكران، رأيته من النافذة مختل التوازن من السكر، أى فضائح تخبئ الأقدار لأسرتنا؟ ص12

الافتراء هنا هو وجود أسرة للجبلاوى وهو الله وهو ما نفاه بقوله "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "

-"فلوح إدريس بيده ثائرا وصاح:

ملعون البيت الذى لا يطمئن فيه إلا الجبناء الذين يغمسون اللقمة فى ذل الخنوع، ويعبدون مذلهم، لن أعود إلى بيت أنت فيه رئيس، فقل لأبيك إننى أعيش فى الخلاء الذى جاء منه، وإننى عدت قطاع طريق كما كان وعربيدا أثيما معتديا كما يكون وسيشيرون إلى فى كل مكان أعيث فيه فسادا ويقولون " ابن الجبلاوى " بذلك أمرغكم فى التراب يا من تظنون

ص13 أنفسكم سادة وأنتم لصوص.ص14

الافتراء هنا هو وجود ابن للجبلاوى وهو الله وهو ما نفاه بقوله "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "كما أن الافتراء فى حكاية الخلاء الذى جاء منه الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فلم يكن قبل الخلق هناك مكان كما فى المقولة الشهيرة "كان الله ولا مكان "

-"وجد أدهم فى أميمة سعادة لم يعرفها من قبل، ولبساطته أعلن عن سعادته بأقواله وأحواله حتى تندر به إخوته، وعند ختام كل صلاة كان يبسط يديه هاتفا " : الحمد لصاحب المنن، على رضى أبى الحمد لله على حب زوجتى ، الحمد له على المنن المنزلة التى أحظى بها دون من هم أجدر منى بها، الحمد له على الحديقة الغناء والناى الرفيق، الحمد له ." وقالت كل امرأة من نساء البيت الكبير إن أميمة زوجة واعية، فهى ترعى زوجها كأنه ابنها، وتوادد حماتها وتخدمها حتى أسرتها،ص19

نجد هنا أن نجيب يتخلص من حكاية كون الجبلاوى هو الله بأقوال آدهم عن حمد الله ورضا الأب

-"فحول أدهم رأسه نحو النافذة وقال بحزن

26 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

إدريس الذى جاءنى اليوم غير إدريس الذى أساء إلى، إن منظره النادم الحزين لا يبرح مخيلتى-. .

فقالت بارتياح ظاهر

هذا ما أدركته من حديثك، وهو سر اهتمامى بالأمر، ولكنك تبدو ضيق الصدر بخلاف عادتك "ص28

الافتراء النجيبى هو اهتمام آدم بإبليس بعد طرده من الجنة حتى أنه حزن عليه وهو كلام لا يعقل مع وجوده فى الجنة حيث لا حزن

-"تزحزحت من مجلسها على الكنبة مقتربة منه وسألته بإغراء

بربك ألا تود أن تطلع على الحجة ؟

فأجاب بحدة

كلا ، لماذا أود ذلك ؟

27 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

من ذا يقاوم الرغبة فى الاطلاع على المستقبل

تعنين مستقبلك أنت ؟-.

مستقبلى ومستقبلك ، ومستقبل إدريس الذى حزنت عليه رغم ما سبق منه ضدك "ص29

فقالت وكأنما تخاطب نفسها

المستقبل ! نعرف مستقبلنا ونقدم احسانا كبيرا إلى إدريس التعيس، لن يكلفنا هذا كله إلا قراءة ورقة دون أن يدرى أحد،-.وأتحدى أى صديق أو عدو أن يثبت علينا سوء نية فى عملنا هذا أو أنه يمس من قريب أو من بعيد والدك المحبوب

وكان أدهم يراقب نجما فاق الأنجم بضيائه اللامع فقال متجاهلا قولها:

ما أجمل السماء ! لولا رطوبة الليل لجلست فى الحديقة أراقبها من خلال الغصون-. .ص29

فقالت متنهدة

-لو آنت أعرف القراءة لذهبت بنفسى إلى الصندوق الفضى.

تمنى لو كان ذلك كذلك، وتضاعف حنقه عليها وعلى نفسه، بل شعر بأنه قد وقع فى المحظور فعلا وأنه يفكر فيه كحدث مضى، وتحول نحوها مقطبا فبدأ وجهه على ضوء المصباح المرتعش بالنسيم المتسلل من النافذة متجها ، ضعيفا رغم تجهمه وقال:

لعنت حين أفضيت إليك بالخبر-. !

لا أريد بك شرا، ومحبتى لوالدك مثل محبتك له-.

دعيك من هذا الحديث المتعب، فى هذه الساعة تستحب الراحة-..العمل السهل ص30 فقالت بصوت الظافر

-إذا جاز لك أن تخالفه فيما قد يضرك فكيف لا تخالفه فيما يفيدك ويفيد أخاك ولا يضر أحدا؟

بوسعه أن يقطع الحديث لو شاء، ولكن المنحدر كان شديد الانحدار، والحق أنه لم يتركها تسترسل فى حديثها إلا لأن جزءً من نفسه كان بحاجة إلى تأييدها، وتساءل فيما يشبه الغضب:

ماذا تعنين ؟-.

أعنى أن تسهر حتى الفجر، أو حتى يخلو المكان لنا "ص30

فقالت بانطلاق:

ستقرأ مصيرك فى الحجة..

ومد بصره نحو النجوم الساهرة . وقطع السحاب المستضيئة بنورها الهادئ، وخيل إليه أنها مطلعة على نجواه فغمغم " : يا

لطف السماء، ثم سمع أميمة وهى تقول فى نبرات مداعبة:

-دعنى أرد إليك الجميل. "ص31

حول هنا نجيب النهى عن الأكل من الشجرة وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " إلى افتراء قراءة الحجة أى معرفة ما بها وهو بهذا تبنى وجهة نظر العهد القديم عن كون الشجرة هى شجرة المعرفة وهو قول سفر التكوين :

15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».

الافتراء الأخر هو أن سبب قراءة الحجة معرفة المستقبل ومصير إدريس فى الحجة وهو ما يخالف أن السبب القرآنى الذى دفع الأبوين هو أن يكونا من الملوك الخالدين وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "و قال بسورة طه "قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"

الافتراء الثالث هو أن الموسوس هو الزوجة وليس إبليس أو إدريس فالصفحات الوسوسة السابقة كلها ليس فيها كلمة من إدريس والمرأة هى التى بدأت الوسوسة وليس إبليس

-"فنطقت أساريره بالامتثال ، وسأله الرجل

من الذى أخبرك بالكتاب ؟

فقال أدهم دون تردد كوعاء تحطم فسال ما فيه

-إدريس.

31 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

متى ؟-.

-صباح الأمس

كيف تم اللقاء بينكما ؟-.

-أندس بين المستأجرين الجدد وانتظر حتى انفرد بى

لماذا لم تطرده ؟-.

عز على طرده يا أبى

فقال الجبلاوى بحدة

لا تخاطبنى بالأبوة

فاستجمع أدهم قواه قائلا

-إنك أبى رغم غضبك ورغم حماقتى.

أهو الذى أغراك بفعلتك ؟

وأجابت أميمة دون أن يوجهه إليها السؤال ص33

نعم يا سيدى.

اخرسى يا حشرة ) ثم موجها الخطاب إلى أدهم .. ( أجب-.

كان يائسا حزينا نادما وود لو يطمئن على مستقبل ذريته

وفعلت هذا من أجله.

كلا .. اعتذرت له عن عجزى

وماذا غيرك ؟-.

فتنهد أدهم يائسا وتمتم

الشيطان!

فسأله ساخرا

هل أخبرت زوجتك بما جرى بينك وبينه ؟

هنا انتحبت أميمة فنهرها الجبلاوى أن تخرس، وحث أدهم على الإجابة بإشارة من إصبعه ، فقال

-نعم.

وماذا قالت لك ؟

لاذ أدهم بالصمت كى يزدرد ريقه فصاح به

32 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

أجب يا وضيع-. .

وجدتها رغبة فى الاطلاع على الوصية وظنت أن ذلك لن يضر أحدا

فحدجه باحتقار شديد وقال

وهكذا انصعت إلى خيانة من فضلك على من هم خير منك

فقال أدهم بصوت كالأنين

-لن يسعفنى دفاع عن ذنبى ، لكن مغفرتك أكبر من الذنب والدفاع.

ص34

وهتفت أميمة بتوسل

سيدى..

قاطعها قائلا

إخرسى يا حشرة

وجعل يردد عينيه بينهما عابسا ، ثم قال بصوت رهيب

أخرجا من البيت "ص34

الافتراء هنا هو أن الجبلاوى وهو الله – تعالى عن ذلك علوا كبيرا – قال أنه فضل أدم(ص) على من هم خير منه وبالقطع هذا ما يتعارض مع قوله تعالى بسورة الإسراء " ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "

الإفتراء الأخر هو أن وسوسة إدريس أو إبليس تأخرت عن وسوسة المرأة وهو عكس ما فى القرآن فالوسوسة صدرت من الشيطان لكل من المرأة والرجل على انفراد وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سواءتهما"

وأما ما يوافق الوحى فهو الإخراج من البيت وهو الجنة كما قال تعالى بسورة البقرة "وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين"

وأيضا الاعتراف بالذنب والاستغفار وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة الأعراف "قالا ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"

-"وما كادا يبتعدان قليلا عن البيت حتى دوت ضحكة ساخرة مخمورة، فنظرا نحو مصدرها، فرأيا إدريس أمام كوخه الذى بناه من الصفائح والأخشاب وقد جلست امرأته نرجس وهى تغزل صامتة، كان إدريس يضحك فى سخرية وشماته حتى ذهل أدهم وأميمة فوقفا يحملقان فيه ، وراح إدريس يرقص ويفرقع بأصابعه حتى ضجرت نرجس فأوت إلى الكوخ ، تابع أدهم بعينين محمرتين من البكاء والغضب ، أدرك فى لحظة المكر الذى مكره فتكشف له عن حقيقته الخبيثة الكريهة، وأدرك أيضا مدى حمقه وغبائه فهو الذى يرقص له شماتة وفرحا، هذا هو إدريس الذى استحال شرا مجسدا وغلى دمه حتى فار فأغرق مخه وقبض على حفنة من تراب ورماه بها وهو يصيح بصوت مختنق بالغضب.

يا قذر ، يا لعين، إن العقرب بالقياس إليك حشرة مستأنسه."ص35

الافتراء هنا هو تحادث الشيطان مع الأبوين بعد خروجهما من الجنة وهو كلام لا وجود له فى الوحى ولا حتى فى العهد القديم وهو كلام عندى لا يمكن حدوثه لأن الشيطان دخل النار فور خروجه من الجنة ولم ينزل للأرض فالله لم يقل له اهبط وإنما قال للأبوين اهبطا فهما اثنين ولا ثالث لهما

-"وصاحبه يقف ناظرا إلى البيت الكبيرة نظرة التحدى ويصيح:

34 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

-طردتنى إكراما لأحقر من أنجبت، أرأيت كيف كان سلوكه نحوك، ها أنت ترميه بنفسك إلى التراب، عقاب بعقاب والبادى أظلم، كى تعلم أن إدريس لا يقهر، فلتبق وحدك مع أبنائك العقماء الجبناء، لن يكون لك حفيد إلا من يسعى فى التراب "ص36

الافتراء هنا هو كلام إبليس وهو الشيطان عن ذنب آدم (ص) وحقارته وهو كلام لم يحدث ولا وجود له فى الوحى ولا فى العهد القديم

الافتراء الأخر وجود أبناء عقماء لله وهو ما ينافى أن الله لم يتخذ ولد كما قال بسورة مريم "وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا " وكأن نجيب هنا يتحدث عن المشهور عن الملائكة أنهم لا يتزوجون ومن ثم لا ينجبون

-"فقالت وهى تجفف عينيها

سأبكى كثيرا ، أنا الآثمة يا أدهم-. .

لست دونك إثما ، لو لم تلقى منى وضيعا نذلا ما وقع الذى وقع-.

الذنب ذنبى وحدى

فهتفت بغيظ

إنك تحملين على نفسك لتتقى حملتى عليك.

فباخت حميتها فى إلامة نفسها وأحنت رأسها مليا ثم عادت تقول بصوت ضعيف

لم أكن أتصور أن تبلغ قسوته هذا الحد-. .

إنى أعرفه ولا عذر لى

ص37

فتساءل بعينين حادتين

متى يتوب لسانك ؟

فانفعلت قائلة

والله ما ارتكبت جريمة ولا إثما، خبر من تشاء بما فعلت وبما نلت جزاء ما فعلت وأراهنك على أنه سيضرب كفا بكف،والله-.ما عرفت الأبوة أبا كأبيك ولا عرفت الدنيا رجلاً مثله، هذا الجبل وهذه الصحراء، وهذه السماء تعرفه، ومثله يجبن عند التحدى-. .هذا الجبروت لن يبقى فى البيت أحد من أبنائه-."ص38

الافتراء وجود أبناء للجبلاوى – والمراد الله تعالى عن ذلك- وهو ما يخالف قوله تعالى بسورة الإخلاص " لم يلد "

-"كان الجو كله ينذر بالشقاء والتعب والخوف وتنهدت أميمة بصوت مسموع وقالت:سنتعب كثيرا حتى تتيسر لنا الحياة

فرنا أدهم إلى البيت الكبير وقال

وسنتعب أكثر حتى يفتح لنا هذا الباب مرة أخرى."ص38

الحديث عن التعب هنا يشير لقوله تعالى لهما أنهما سيشقيان عند خروجهما من الجنة وفى هذا قال تعالى بسورة طه "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "

-"اليوم فلست إلا حيوانا أدفع العربة أمامى ليل نهار فى سبيل شىء حقير نأكله مساء ليلفظه جسمى صباحا، العمل من أجل القوت لعنة اللعنات الحياة الحقة فى البيت الكبير، حيث لا عمل للقوت وحيث المرح والجمال والغناء. "ص44

هنا الحياة الحقة فى البيت الكبير والمراد الجنة كما قال تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الأخرى لهى الحيوان "

والافتراء هو عمل آدم (ص)على عربة لبيع الخيار وهو كلام جنونى فلم يكن هناك أحد حتى يبيع له

-"وخيل إلى أدهم أنه يسمع وقع أقدام .. أقدام بطيئة وثقيلة استثارت ذكريات غامضة كرائحة زكية مؤثرة تستعصى على الإدراك والتحديد حول وجهه نحو مدخل الكوخ فرأى الباب يفتح، ثم رأه يمتلئ بشئ كجسم هائل، حملق فى دهشة ،واحد بصره فى أمل يكتنفه يأس، وندت عنه أهه عميقة، وغمغم متسائلا:

أبى!

وخيل إليه أنه يسمع الصوت القديم وهو يقول

مساء الخير يا أدهم

فاغرورقت عيناه ، وهم بالقيام فلم يستطع ووجد غبطة وبهجة لم يجدهما منذ أكثر من عشرين عاما، وقال بصوت متهدج :دعنى أصدق

فقال :أنت تبكى وأنت الذى أخطأت

فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع :الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل-! ." ص83

هكذا تعلمنى الحكمة-.

عفوا .. عفوا ، الحزن أرهقنى، والمرض كربنى، حتى أغنامى مهددة بالهلاك-.

جميل أن تخاف على أغنامك

تساءل أدهم فى رجاء

هل عفوت عنى؟

أجاب بعد صمت

نعم

فهتف أدهم بجسم مرتعش

قاع هاوية اليأس بيدى-! .

فعثرت على فيها-.

نعم كالصحو بعد الكابوس-..

لذلك فأنت ولد طيب

فتأوه أدهم قائلا

الشكر لله، منذ قليل كنت اقرع

-أنجبت قاتلاً وقتيلا.

الميت لا يعود فماذا تطلب ؟

فتنهد أدهم قليلا

آنت أهفو للغناء فى الحديقة ولكن لن يطيب لى اليوم شئ

فقال :الشكر لله

فقال :سيكون الوقف لذريتك.

-لا تجهد نفسك وأركن إلى النوم. "ص84

هنا عفو الله عن آدم (ص) آتاه بعد قتل أحد أولاده للأخر وهو ما يخالف أن العفو آتاه فى الجنة حيث غفر الله حيث قال بسورة البقرة "فتلقى أدم من ربه كلمات فتاب عليه"

وآتاه العفو فى الوحى الأرضى إذا اتبع الوحى وفى هذا بسورة البقرة "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "وقال بسورة طه "قلنا اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضع ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ".

والافتراء فى الفقرة هو كون الوقف وهو الأرض لذرية آدم كلها وهو ما يخالف كونها إرثا للصالحين فقط منهم كما قال تعالى " ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "

حكاية الولدين هابيل وقابيل :

-"عميقة مثل ختام أغنية حزينة اقترب من باب الكوخ وهو يتساءل:

-كيف الحال عندكم ؟

فجاءه صوت الداية وهو يقول " : انتظر " ، تحفز قلبه للارتياح عندما خيل إليه أن الصوت يوحى بالظفر، وما لبث أن لاحت المرأة فى الباب وهى تقول:

-رزقت بذكرين.ص51

الافتراء هنا هو وجود الداية فلم يكن هناك أحد سوى الأبوين ومن ثم فهو من تولى عملية ولادتها وأما الموافقة للوحى فهى ولادة ذكرين كما فى قوله تعالى بسورة المائدة "ابنى آدم "

-"لم يجهر بمعارضة واتجه بصره نحو البيت الكبير الذى لاح عن بعد فى الغروب هيكلا ضخما مطموس المعالم، فعقد قدرى ما بين حاجبيه احتجاجا ، ولكنه هذا البيت ! لم أشهد له مثيلاً، فى خلاء يكتنفه من جميع النواحى "ص51

ضخامة البيت وكونه مطموس المعالم أى مجهول لأهل الدنيا يوافق قوله تعالى " وجنة عرضها السموات والأرض " فى الضخامة وأما كونها مجهولة للكفار فيدل عليه قوله تعالى "فلا تدرى نفس ما أخفى لهم من قرة أعين "

-"لا تحلم بأن ترى شيئا خارقًا، ستجده شبيها بأبينا الظاهر أنه كان شديد التعلق به ، أو أنه آمن بعدالة ما نزل به من عقاب-! .أو أنه مازال يطمع فى عفوه-.

أنك لا تفهم أبانا، إنه رجل ودود المعشر"ص52

هنا يعتمد نجيب فى وجود شبه بين الجبلاوى وآدهم على العهد القديم فى قول سفر التكوين "27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ"

-"تناول قدرى الكوز ومضى يشرب حتى روى، ثم تجشأ وقال

ما ذنب الأحفاد ؟ أنه لا يدرى ما رعى الغنم، سحقًا له، أود لو أعرف وصيته، وماذا أعد لنا؟ص52

ووقف قدرى، وصاح موجها خطابه إلى البيت الكبير فى عبث:

أسمحت بأن نرثك أم ستعاقبنا فى موتك كما عاقبتنا فى حياتك؟-.أجب يا جبلاوى وردد الصدى " : أجب يا جبلاوى."ص53

الافتراء هنا هو أن الجبلاوى يموت ويرثه الأبناء المزعومين وهو كلام يخالف كون الله تعالى لا يموت كما قال تعالى بسورة طه "وتوكل على الحى الذى لا يموت "

-"وخطا خطوات نحو الأمام ملوحا بذراعيه فى ترحاب للفتاة، وأخذت تدنو من موقفها، مجهدة من المشى، لطول المسافة من ناحية ولمقاومة الرمال لشبشبها من ناحية أخرى، متطلعة نحوهما ببصر لامع يعكس مع فتنة العينين الخضرواين جرأة،وبدت ملتفة بملاءتها اللف حتى الكتفين، مطلقة الرأس والعنق عاريين فعبث الهواء بضفيرتيها، وارتفع صوت قدرى بسرور "ص53

ومرة قال لأمى إن فتوة آفر الزغارى يرغب فى الزواج منى ففرحت أمى فصاح فيها حانقًا"يا وضيعة .. يا خسيسة، من يكون فتوة آفر الزغارى هذا؟ ." أن أحقر خادم فى البيت الكبير أشرف منه وأنظف، فسألته أمى فى حسرة : فمن تراه الجدير بها؟ فصاح " علم ذلك عند الطاغية المتوارى خلف أسوار بيته، إنها حفيدته، وليس فى الأرض من هو أهل لها ! أريد لها زوجا مثلى أنا . فقالت أمى على رغمها : أتريدها أن تكون تعيسة مثل أمها؟ فهجم عليها كالوحش وراح يركلها بشدة حتى جرت خارج الكوخ.هذا هو الجنون بعينه-. .إنه يكره جدنا ، ويلعنه كلما ذكره، لكنه فى أعماقه يتيه إذلالا بأبوته "ص56

الافتراء هنا هو وجود ناس غير أولاد آدم والشيطان فى الأرض وهو كلام لا أصل فلم يكن للشيطان وهو إدريس ذرية فى الأرض ولا كان هناك غير ذرية آدم (ص) وحدها

-"فتح باب البيت الكبير وخرج منه شبح حاملاً مصباحا، وتطلعت العين إلى المصباح فى دهشة انعقدت لها الألسنة،وتابعته وهو يتحرك فى الظلام ككوكب أرضى، وعندما توسط المسافة بين البيت والكوخ تركزت الأبصار على الشبح لتتبينه على ضوء المصباح المنعكس حتى همس أدهم " : هذا عم كريم بواب البيت " ، وتضاعفت الدهشة عندما أيقنوا من أنه يقصدهم فوقفوا جميعا، بعضهم اللقمة فى يده والبعض اللقمة فى فيه بلا حراك، وبلغ الرجل موقفهم فوقف رافعا يده وهو يقول:

-مساء الخير يا سيدى أدهم.

ارتجف أدهم لدى سماعة الصوت الذى انقطع عنه منذ عشرين عاما، فدعا من أعماق ذاكرته نبرات الأب العميقة وشذا الياسمين والحناء وحنينا وأشجانا فمادت به الأرض وقال وهو يقاوم دموعه.

مساء الخير يا عم كريم

فقال الرجل بتأثر غير جاف

لعلك أنت وأهلك بخير-. .

الحمد لله يا عم كريم

فقال الرجل برقة

أود أن أعرب لك عما بنفسى ولكنى كلفت فقط بأن أبلغك بأن سيدى الكبير يدعو ابنك همام إلى مقابلته فورا "ص60

وأفاق قدرى من ذهوله فتساءل غاضبا ولماذا همام وحده؟

فردد إدريس تساؤله نعم لماذا همام وحده ص61

وتطلع همام إلى البيت الكبير صامتا، وقلبه يخفق بشدة خيل إليه معها أن المقطم يردد صداه، وقال له أبوه بتسليم:اذهب يا همام إلى جدك مصحوبا بالسلامة

فالتفت قدرى إلى أبيه يسأله بحدة وتحد وأنا ؟ ألست أبنك مثله ؟-.

لوم على فلست أنا الداعى "ص62

الافتراء هنا أن سبب اختلاف الولدين هو أن الله اختار أحدهما بلا سبب ليقابله بينما الوحى يقول أنه رضى عن أحدهما بسبب قربانه الصالح وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة " واتل عليهم نبأ ابنى أدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر"

"وأشار إلى همام فدخل، وتبعه قدرى أخذًا بيد هند ولكن علا صوت من الحديقة عرفه إدريس وهو يقول بصرامة

اذهبا بعاركما أيها الملوثان "ص63

الافتراء هنا هو تلوث قدرى وهو قايين أو قابيل مع هند بالزنى وهو كلام غير مذكور فى الوحى والتراث لا يذكر ذلك على الاطلاق

-"وزاد قلبه خفقانا حينما تمثلت لخاطره هذه الحقيقة العجيبة وهى أنه مخلوق من سلالة هذا البيت ونطفة من هذه الحياة، وأنه جاء ليلقاها وجها لوجه فى جلباب أزرق بسيط وطاقية باهتة، منتعلا أديم الأرض، ورقيا فى سلم السلاملك ص64

ماذا تعرف عن هذا الباب ؟

فارتجفت أوصاله، وعجب كيف يرى كل شئ، وقال بخشوع

-أعرف أنه فاتحة مأساتنا.

وماذا ظننت بجدك لدى سماعك الحكاية ؟

62 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

وفتح فاه ليتكلم فبادره الرجل

أصدقنى القول-. .

فأثرت به اللهجة إلى حد أن قال فيما يشبه الصراحة

بدا لى تصرف والدى خطأ كبيرا ، كما بدا لى عقابا صارما شديدا"ص65

فابتسم الجبلاوى قائلا

هذا هو شعورك على وجه التقريب؟ إنى أمقت الكذب والخداع، ولذلك طردت من بيتى كل من لوث نفسه فاغرورقت عينا همام . فقال الجد

بدا لى أنك شاب نظيف ، ولذلك استدعيتك "ص66

فقال قدرى بحنق

شكرا ، ولكن ماذا جعله يؤثرك علينا ؟-.

أنت تعلم ألا شأن لى فى ذلك

وقال أدهم وهو يتنهد

لاشك أنك يا همام خيرنا جميعا!

فهتف قدرى بمرارة

65 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ

وأنت يا أبى الذى لم تذكره إلا بخير لا يستحقه

فقال أدهم

أنت لا تفهم شيئا-. .

هذا الرجل أسوأ من ابنه إدريس

فتوسلت أميمة قائلة

أنت تقطع قلبى، وتغلق أبواب الأمل فى وجهك

ص68

فقال همام بامتعاض

هذا شان يخصنى وحدى

فاحتدم الغيظ فى قلب قدرى، ولاحت بوادره فى وجهه كطلائع الظلام فوق المقطم وتساءل

لماذا بقيت؟ ومتى تذهب؟ متى تجد الشجاعة لإعلان نيتك؟-.

بل بقيت لأتحمل نصيبى من العناء الذى خلقته فضائحك

فضحك قدرى ضحكة كاسرة وقال

هكذا تقول لتدارى حسدك!

هز همام رأسه كالمتعجب وقال

إنك تستحق الرثاء لا الحسد

فاقترب قدرى منه وأطرافه ترتجف من الحنق وقال بصوت مخنوق بالغضب

ما أبغضك حين تتظاهر بالحكمة

ص70

فلم يغض همام من بصره تحت النظرات المتقدة التى تنصب عليه وقال بثبات

-اعلم أننى لا أخافك.

هل وعدك البلطجى الأكبر الحماية؟-.

إن الغضب يجعل منك شيئا حقيرا تعافه النفس

وفجأة لطمه قدرى على وجهه، لم تدهمه اللطمة فردها بأشد منها وهو يقول:

-لا تتماد فى جنونك.

وانحنى قدرى بسرعة فالتقط حجرا وقذف به أخاه بكل ما أوتى من قوة، وبادر همام ليتفادى من الحجر ولكنه أصاب جبينه،

ندت عنه أهة وجمد فى موقفه والغضب يشتعل فى عينيه، وإذا بالغضب يختفى منهما فجأة كأنه شعلة ردمت بتراب كثيف، وإذا بفراغ قاتم يحل فيهما فبدت العينان وكأنهما تنظران إلى الداخل ، وترنح ثم أنكفأ على وجهه وتبدل قدرى حالا بعد حال، فزايله الغضب وتركه حديدا باردا بعد انصهار، وركبه الخوف، ترقبه بلهفة أن ينهض أو أن يتحرك ولكنه لم يرحم لهفته وانحنى فوقه، ومد إليه يده يهزه فى رفق ولكنه لم يستجب وسواه على ظهره ليخلص أنفه وفاه من الرمال فاستلقى الآخر محملق العينين ولا حراك به، وركع قدرى إلى جانبه، وراح يهزه ، ويدلك صدره ويديه، وينظر بفزع إلى الدم المتدفق بغزارة من جرحه وناداه برجاء فلم يجب . وبدا صمته كثيفا عميقا كأنه جزء لا يتجزأ من كيانه كجموده الذى بدا غريبا عن الحى والجماد معاً، لا إحساس ولا انفعال ولا اهتمام بشئ، كأنما ألقى إلى الأرض من مكان مهول فلم يمت إليها بسبب، عرف قدرى الموت بفطرته فراح يشد شعر رأسه فى يأس، ونظر فيما حوله خائفا، ولكن لم يكن هناك من حى إلا الأغنام والحشرات وجميعا انصرفت عنه دون اكتراث سينتشر الليل ويستحكم الظلام وقام بعزم، فجاء بعصاه واتجه إلى ص71 موضع بين الصخرة الكبيرة وبين الجبل، وراح يحفر الأرض ويرفع التراب بيديه، ويواصل العمل بعناد وهو يتصبب عرقا،وترتجف منه الأوصال، وهرع نحو أخيه هزه وناداه للمرة الأخيرة دون أن يتوقع جوابا، وقبض على أسفل ساقيه وجره حتى أودعه الحفرة، وألقى نظرة وهو يتنهد، وتردد مليا، ثم أهال عليه التراب، ووقف يجفف عرق وجهه بكم جلبابه، وكلما رأى بقعة دم فى الرمال غطاها بالتراب وارتمى على الأرض من شدة الإعياء، وشعر بقوته تتخلى عنه، وبرغبة فى البكاء، ولكن الدموع استعصت عليه، وقال غلبنى الموت لم يدعه ولم يقصده ولكنه يجئ كما يحلو له، ولو أنه انقلب تيسا لغاب فى الأغنام، أو ذرة من رمال لاختفى فى الأرض . مادمت لا أستطيع أن أرد الحياة فلا يجوز أن أدعى القوة أبدا، وهيهات أن تمحى تلك النظرة من رأسى أبدا"

نقلنا الحكاية على طولها وموضع الافتراء فيها هو أن قدرى حفر الحفرة لدفن أخيه من نفسه وهو ما يخالف قوله تعالى بسورة المائدة "فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين "

وأما ما يوافق الوحى فهو ندمه على فعلته" فأصبح من النادمين "

حكاية جبل :

جبل المراد به موسى(ص) وسماه بهذا الاسم لارتباط بعض الأحداث التى عاشها بالجبال كجبل الميقات وجبل الطور والحكاية بدل فيها نجيب الأسماء ففرعون هو ناظر الوقف وزقلط هو هامان وقدرة هو قارون وأما دعبس فهو هارون(ص) والبلقيطى هو والد الفتاتين فى مدين وقد تزوج موسى(ص)إحداهما وبالقطع الرجل ارتكب كثير من الافتراءات فى سبيل تقديم الحكاية :

-"كان البيت الكبير قد أغلق أبوابه على صاحبه وخدمه المقربين، ومات أبناء الجبلاوى مبكرين فلم يبق من سلالة الذين أقاموا وماتوا فى البيت الكبير إلا الأفندى ناظر الوقف فى ذلك الوقت ص85

الافتراء الأول هو أن ناظر الوقف هو ابن الجبلاوى أى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا يعنى أن فرعون هو ابن الإله وهى نظرية فى كتب ما يسمى الفراعنة أى المصريين القدماء

-"ولما أغلق الأب بابه واعتزل الدنيا احتذى الناظر مثاله الطيب حينا، ثم لعب الطمع بقلبه فترع إلى الاستئثار بالريع، بدأ بالمغالطة فى الحساب والتقتير فى الأرزاق ثم قبض يده قبضا مطمئنا إلى حماية فتوة الحارة الذى اشتراه، ص86

هنا الناظر احتال على أهل الوقف وهو ما يوافق ما ورد فى سفر الخروج بالعهد القديم :

8ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. 9فَقَالَ لِشَعْبِهِ: «هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. 10هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، ».

-"ولم يجد الناس بدا من ممارسة أحقر الأعمال، وتكاثف عددهم فزاد فقرهم وغرقوا فى البؤس والقذارة وعمد الأقوياء إلى الإرهاب والضعفاء إلى التسول، والجميع إلى المخدرات، كان الواحد يكد ويكدح نظير لقمات يشاركه فيها فتوة، لا بالشكر، ولكن بالصفع ص86

هنا الناس عملوا فى أحقر الأعمال بسبب استضعافهم وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة القصص "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون"

كما يوافق ما أتى فى سفر الخروج بالعهد القديم فى قوله :

14وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَل فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفًا."

-"أما شعراء المقاهى المنتشرة فى حارتنا فلا يروون إلا عهود البطولات متجنبين الجهر بما يحرج مراكز السادة ويتغنون بمزايا الناظر والفتوات، بعدل لا نحظى به ورحمة لا نجدها وشهامة لا نلقاها وزهد ولا نراه ونزاهة لا نسمع عنها ص86

هنا يقتبس نجيب المعنى من سورة الشعراء حيث الشعراء يهيمون فى أودية الضلال إلا نادرا وهو قوله تعالى بسورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم فى كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات "

-"أهالى الحوارى حولنا يا لها من حارة سعيدة ! تحظى بوقف لا مثيل له، وفتوات تقشعر عند ذكرهم الأبدان، ونحن لا ننال من الوقف إلا الحسرات ومن قوة فتواتنا إلا الإهانات والأذى على ذلك كله فنحن باقون، وعلى الهم صابرون، ننتطلع إلى مستقبل لا ندرى متى يجئ ونشير إلى البيت الكبير ونقول هنا أبونا العتيد، ونومئ إلى الفتوات ونقول هؤلاء رجالنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.25ص87

مقولة بنوة بنى إسرائيل أى أهل الحارة والمراد إنهم أبناء الله "أبونا العتيد" توافق ما قصه الله عنهم فى قوله تعالى بسورة المائدة "نحن أبناء الله وأحباؤه "

-"فقال جبل جادا

"إننا أبناء أدهم ، ومازال جدنا حيا أطال الله بقاءه ص96

الافتراء هنا هو أن موسى (ص) وهو جبل يعتقد فى الأبوة المزعومة هو الأخر

-"وتتابعة نظرات الإكبار والإعجاب أينما حل، وكانت الحياة تبدو ودودة واعده بكل جميل حتى كان تمرد آل حمدان، وجد جبل أنه ليس شخصا واحد كما توهم طوال عمره، ولكنه شخصان أحدهما يؤمن بالوفاء لأمه وأخرهما يتساءل فى حيرة : وآل حمدان؟ 28 ص98

هنا يتحدث نجيب عن كون زوجة فرعون كانت أم لموسى (ص) بتبنيها وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة القصص "وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ".

ويوافق فى بعضه ما قاله سفر الخروج فى قوله :

"فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ. 10وَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ابْنًا، وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: «إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ».

-"وأصوات تهتف به من أعماق نفسه " : لن تطيب الحياة على حساب الغير " ، وكل حمدان أهله، ففيهم ولدت أمه وأبوه، وفى مقابرهم دفنا، وهم مظلومون وما أقبح الظلم، اغتصبت أموالهم ولكن من الظالم؟ إنه ولى نعمته، الرجل الذى انتشلته زوجه من الطين فرفعته إلى مصاف آل البيت الكبير، وجميع الأمور تجرى فى الحارة على سنة الإرهاب، فليس عجيبا أن يسجن سادتها فى بيتهم وحارتنا لم تعرف يوما العدالة أو السلام، هذا ما قضى به عليها زمن طرد أدهم وأميمة من البيت الكبير، ألا تعلم بذلك يا جبلاوى؟ ويبدو أن الظلم ستشتد كثافة ظلماته كلما طال بك السكوت فحتى متى تسكت يا جبلاوى؟ الرجال سجناء فى البيوت والنساء يتعرضن فى الحارة لكل سخرية، وأنا أمضغ المهانة فى صمت، ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون ! علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر "ص101

الفقرة السابقة تتحدث عن معاناة بنى إسرائيل وهم أهل الحارة رجالا ونساء وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم"

-"وأمعن النظر فعرف فى الهارب دعبس وفى المطارد قدرة فتوة حى حمدان، وفى الحال أدرك حقيقة الموقف، ومضى يراقب97 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ المطاردة التى تقترب منه بفؤاد قلق، وما لبث قدرة أن أدرك دعبس فقبض بيده على منكبه وتوقف الاثنان عن العدو وهما يلهثان من الجهد . وصاح قدرة بصوت متقطع من البهر:

كيف تجرؤ على مغادرة جحرك يا ابن الأفعى؟ لن تعدو سالمًا

فهتف دعبس وهو يحمى رأسه بذراعه

دعنى ياقدرة، أنت فتوة حينا وعليك أن تدافع عنا

فهزه قدرة هزة أطارت اللاسة عن رأسه وصاح به

أنت تعرف يا ابن اللئيمة إنى أدافع عنكم ضد أى مخلوق إلا زقلط

وحانت من دعبس نظرة نحو موقف جبل فرأه وعرفه فناداه قائلا

اغثنى يا جبل، أغثنى فأنت منا قبل أن تكون منهم

فقال قدرة بلغظة وتحدة

لا مغيث لك منى يا ابن الدايخة

ووجد جبل نفسه يتقدم منهما حتى وقف عندهما وهو يقول بهدوء

ترفق بالرجل يا معلم قدرة

فحدجة قدرة بنظرة باردة وهو يقول

إنى أعرف ما ينبغى أن أفعله-. .

لعل أمرا ضروريا دفعه إلى مغادرة بيته-.

ما دفعه إلا قضاؤه المحتوم

وشد على منكبه حتى أن دعبس أنينا مسموعا ، فقال جبل بحدة

-ترفق به ، ألا ترى أنه أكبر منك سنا وأضعف بنية؟ص103

الافتراء هنا هو أن المتشاجرين كانا من أسرة واحدة وهى حمدان أى عمران وهما اسرائيليان وهو ما يناقض كون المتشاجرين واحد إسرائيلى والأخر من قوم فرعون وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين"

وهو أيضا بفريته هذا ما فى سفر الخروج وهو :

11"وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ. 13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟».

-"رفع قدرة يده عن منكبه فصفعه على قفاه بقوة تقوس لها ظهره، ثم ضرب بركبته دبره فانكفأ على وجهه، وسرعان ما برك فوقه وراح يكيل له الضربات وهو يقول بصوت يزفر الغل والحنق:

ألم تسمع ما قال زقلط ؟

واشتغل الغضب فى دماء جبل فصاح به

اللعنة عليك وعلى زقلط اتركه يا قليل الحياء!

فكف قدرة عن ضرب دعبس ورفع رأسه إلى جبل وجها ذاهلاً ثم قال

أنت تقول هذا يا جبل؟ ألم تشهد حضرة الناظر وهو يأمر زقلط بتأديب حمدان؟ص104

هنا واحد يضرب والثاني يتلقى الضربات فقط وهوما يخالف إنهما يقتتلان فى سورة القصص فكل منهما كان يضرب الأخر

-"فالتقط حجرا ولكنه قبل أن يقذف به أصاب النبوت رأسه فصرخ، ودار حول نفسه، ثم سقط على وجهه والدم يتفجر من جبينه بغزارة، كان الليل يهبط فنظر جبل فيما حوله فلم ير أحدا إلا دعبس الذى وقف ينفض جلبابه ويتحسس المواضع التى تؤلمه من جسده، ثم اقترب من جبل وهو يقول ممتنا:

عوفيت من أخ كريم يا جبل

فلم يجبه جبل، وانحنى فوق قدرة فعدله على ظهره، ثم تمتم

-أغمى عليه!

فانحنى دعبس فوقه كذلك ثم بصق على وجهه، فجذبه جبل بعيدا عنه، وانحنى فوقه مرة أخرى، وراح يهزه برفق ولكنه لم يبد أملاً فى الإفاقة ، فتساءل:ماله ؟

فانحنى دعبس فوقه وألصق أذنه بصدره، ثم قرب وجهه من وجهه، وأشعل عودا من الثقاب، ثم وقف وهو يهمسإنه ميت!

فاقشعر بدن جبل وقال

كذبت-. !

ميت ابن ميت وحياتك-.

يا خبر أسود

فقال دعبس مهونا الأمر

كم وكم قتل فليذهب إلى الزبانية!

99 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

فقال جبل بصوت حزين وكأنه يخاطب نفسه

لكننى لم أضرب ولم أقتل-. .

كنت تدافع عن نفسك-.

لكننى لم أقصد قتله ولا أردته

فقال دعبس باهتمام

إن يدك لشديدة يا جبل، لاخوف عليك منهم، وبوسعك أن تكون فتوة لو أردت

فضرب جبل جبينه بيده وهتف

يا ويلى ، هل أنقلب قاتلا من أول ضربة؟-.

انتبه إلى نفسك وهلم ندفنه وإلا قامت القيامة-.

ستقوم القيامة دفناه أم لم ندفنه-.

لست أسفًا ، عقبى للباقى، عاونى على إخفاء هذا الحيوان

وتناول دعبس النبوت وراح يحفر فى الأرض غير بعيد من الموضع الذى حفر فيه قدرى من قبل، وما لبث جبل أن أنضم إليه بقلب كئيب. وتواصل العمل فى صمت حتى قال دعبس ليخفف عن جبل ثقل مشاعره.

لا تحزن فالقتل فى حارتنا مثل أكل الدوم ص104و105

الفرية هنا أن قتل قدرة كان سرا بين جبل ودعبس وهو ما يخالف أنه كان علنا أمام أخرين لأن الرجل الثانى الذى كان سيقتله موسى(ص) قال له كما بسورة القصص "أتريد ان تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس "

"غضب جبل فانقض عليه وقبض على عنقه بشدة وعبثا حاول دعبس أن يتخلص من قبضة جبل فقال بصوت مبحوح:

109 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

-أتريد أن تقتلنى كما قتلت قدرة ؟"ص114

الفرية هنا أن نجيب جعل دعبس هو الرجل الثانى الذى كان سيقتله موسى(ص) وليس واحد أخر من قوم فرعون كما هو فى قوله بسورة القصص :

"فأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ".

ويبدو أن نجيب أخذ تلك الفرية من قول سفر الخروج لكن مع تحويرها بجعل موسى(ص) الطرف الثانى :

13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟».

-"فدفعه جبل بقوة فارتمى على الجدار وراح يحدق فيه بحنق وغيظ وردد الرجال أبصارهم بين الرجلين، وتساءلوا أجبل حقًا الذى قتل قدرة؟ وقبله ضلمة، وصاح عتريس " : فلتحل بك البركة يا خير آل حمدان " ، وقال جبل لدعبس حانقا:

لم أقتله إلا دفاعا عنك! ص114

هنا يوافق مقولة الدفاع عن دعبس قوله تعالى بسورة القصص"فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه "

-"نعم ولكنه ليس بالنذل-!

أخاف أن يثبت عليكم التهمة بسببى

فقال ضلمة بثقة

سأدلك على طريق الهرب إذا أردته، ولكن أين تقصد ؟

الخلاء واسع لا يحيط به خاطر ص114

يوافق الحدث هنا بغض النظر عن الأسماء القرآن فى وجود رجل نصح موسى(ص) الهرب من البلدة وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين "

ويوافق سفر الخروج فى الهروب فى قوله :

15فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ الْبِئْرِ.

-"جذب سمعه ضوضاء، اشتدت حول كشك حنفية مياه عمومية، رأى الناس يتزاحمون أمامها ليملأوا أوعيتهم بالماء، وكان التزاحم كالقتال عنفا وضحايا، فارتفع الصخب وتهاوت اللعنات، ثم ندت صرخات رفيعة حادة من الوسط عن فتاتين غرقتا فى لجة الزحام وراحتا تتراجعان لتنجوا بنفسيهما حتى خرجتا من المعترك بصفيحتين فارغتين، بدتا فى جلبابين فاقعى الألوان ينسدلان على جسميهما من العنق حتى الكعبين، فلم يظهر منهما إلا وجهان يزهر فيهما الشباب، مرت عيناه بأقصرهما دون توقف ، ثم ثبتتا على الأخرى ذات العينين السوداتين فلم تتحولا عنها، أقبلتا نحو مكان خال قريب من مجلسه فتبين فى ملامحهما شبها أخويا على تميز جاذبته بقسط أوفر من الحس، فقال جبل لنفسه منتشيا " : ما أبدع هذه الملامحة، لم تقع عينى على مثلها فى حارتنا " ، وقفتا تسويان ما تشعث من شعريهما وتعيدان لخمار إلى رأسيهما، ثم وضعتا الصفيحتين مقلوبتين وجلستا عليهما، والقصيرة تقول مشتكية: كيف نملأ الصفيحة فى هذا الزحام ؟

فقالت جاذبته:

111 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

المولد أجارك الله ! وأبونا ينتظر غاضبا!

فدخل جبل فى الحديث دون وعى منه متسائلا

لماذا لم يحضر بنفسه ليملأ الصفيحتين

فالتفتتا نحوه باحتجاج، ولكن منظره المتميز لم يخل من أثر مسكن فاكتفت فتاته بأن قالت ما شأنك أنت ! هل شكونا إليك ؟

فسر جبل بخطابها وقال معتذرا

أردت أن أقول أن الرجل أقدر على اقتحام زحام المولد-. !

هذا عملنا ، وله عمل أشق

فتساءل مبتسما

ماذا يعمل أبوك ؟-.

هذا ليس من شأنك

وقام جبل غير مبال بالأعين المحدقة حوله، حتى وقف أمامهما وقال بأدب

سأملأ لكما الصفيحتين

فقالت جاذبته وهى تدير عنه وجهها ص116

لسنا فى حاجة إليك!

ولكن القصيرة قالت بجرأة -افعل ولك الشكر.

وقامت وهى تشد الأخرى لتقوم معها، فتناول جبل الصفيحتين من مقبضيهما، وسار بجسمه القوى يشق الزحام ويرتطم بالرجال ويلاقى الجهد، حتى بلغ الحنفية التى يجلس وراءها الساقى فى كشكه الخشبى، فنقده مليمين ، وملأ الصفيحتين وعاد نحو موقف الفتاتين وأزعجه أن يجد الفتاتين مشتبكتين مع بعض الشبان فى معركة كلامية بسبب معاكستهم لهما، فوضع الصفيحتين على الأرض وتصدى للشبان مهدد ا، وتحرش به أحدهم ولكنه صرعه بضربة فى صدره فتجمع الشبان للهجوم عليه وهم يسبونه، غير أن صوتا غريبا صاح بهم:

-أذهبوا يا شين الرجال.

اتجهت الأبصار نحو رجل كهل، قصير مدمج الجسم، براق العينين، يشد جلبابه على وسطه بحزام فهتفوا خجلين " : المعلم

البلقيطى " وسرعان ما تفرقوا وهم يرمقون جبل بحنق، ولاذت الفتاتان بالرجل القصير تقول:

اليوم عسير بسبب المولد وهؤلاء الأوغاد.ص117

هنا نجيب افترى عدة افتراءات فالماء وهو غالبا بئر أصبح كشك حنفية وسقى الغنم أصبح ملء ماء للبيت والزحام على سقى الغنم أصبح زحام المولد والرجل الكبير وهو العجوز أصبح حاويا وموسى(ص) الفقير تعارك ودفع رشوة للساقى حتى ملأ الصفيحتين وكل هذا يخالف قوله تعالى بسورة القصص "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"

وهو أيضا يخالف ما ورد فى سفر الخروج وهو :

16وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَاسْتَقَيْنَ وَمَلأْنَ الأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ. 17فَأَتَى الرُّعَاةُ وَطَرَدُوهُنَّ. فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ. 18فَلَمَّا أَتَيْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: «مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي الْمَجِيءِ الْيَوْمَ؟» 19فَقُلْنَ: «رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنْ أَيْدِي الرُّعَاةِ، وَإِنَّهُ اسْتَقَى لَنَا أَيْضًا وَسَقَى الْغَنَمَ». 20فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: «وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ الرَّجُلَ؟ ادْعُونَهُ لِيَأْكُلَ طَعَامًا». 21فَارْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ الرَّجُلِ، فَأَعْطَى مُوسَى صَفُّورَةَ ابْنَتَهُ. 22فَوَلَدَتِ ابْنًا فَدَعَا اسْمَهُ «جَرْشُومَ»، لأَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ».

-"وأردف البلقيطى وهو يشير إلى الحجرة المواجهة للداخل:

هذه الحجرة توجد أدوات العمل، الحى منها والجامد، لاتخش شيئا فبابها محكم الإغلاق، أوكد لك أن الثعابين أصلح-! ص119

للمعاشرة من أناس كثيرين، كالذين فررت منهم مثلا

ثم ضحك كاشفا عن فيه الخرب وقال:

الناس تخاف الثعابين، حتى الفتوات تخافها، أما أنا فأدين لها برزقى، وبفضلها أقمت هذا البيت ص120

الفرية هنا بدلا من كون الله من أعطى موسى(ص)معجزة العصا التى تنقلب ثعبان اصبح موسى(ص) متعلما سحر الثعابين على يد البلقيطى وفى هذا قال تعالى بسورة طه "وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى اتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب اخرى قال ألقها يا موسى فلما ألقاها إذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "

-"ليس عجيبا أن يهرب الإنسان

من أين أتتك هذه القدرة على معرفة الغيب ؟

فقال البلقيطى متنهدا

-معاشرة الثعابين جعلتنى أنجب حيتين!

-أتستضيفه يا أبى وأنت لا تدرى عنه شيئا ؟

لى عينان يعتمد عليهما عند الحاجة، ثم استضفه متأثرا بشهامته ولن أرجع عن-.رأيى

يا معلم ، بالحق سأقص عليك قصتى

فابتسم البلقيطى وتشاغل بتدليك ساقيه فعاد جبل يقول

إنى قاتل آما قلت، ولكن لى قصة

وقص عليه قصته، ولما فرغ قال الرجل

يا لهم من قوم ظالمين، أما أنت فرجل شهم ولم يخب نظرى فيك

واعتدل فى جلسته باعتزاز ثم قال ص125

هنا قص جبل أى موسى(ص) على الرجل حكايته وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين "،

-"من أى حى كنت ؟-.

من حى حمدان مثلك

يا للعجب

لا تعجب لشئ فى هذه الدنيا ، فكأنه تاريخ مضى من بعيد، فلا أحد يعرفنى الآن ولا تمرحنة نفسها التى تربطنى بها صلة قربى. 120اولاد حارتنا –

نجيب محفوظ ص125

الفرية هنا أن الرجل الكبير كان هو الأخر اسرائيلى ولو كان كذلك لعاد مع موسى(ص) وابنته وهو ما يخالف مضمون سورة القصص كما يخالف أقوال المؤرخين والمفسرين فمنهم من قال أنه شعيب(ص) وهو افتراء ومنهم من قال كاهن مديان كما فى سفر الخروج

-" لم يكن بطبيعة الحال يدرى شيئا عن فن الحواة ولكنه رحب به باعتباره الوسيلة التى ستلصقه بهذه الأسرة فتساءل بنبرات فضحت رضاه:ص126

هنا التصق موسى (ص)أى جبل عند نجيب بالأسرة عن طريق الزواج كما قص الله علينا فى قوله تعالى بسورة القصص "قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين"

-"وتساءل من حين إلى حين أين الجبلاوى، وإذا أشفقت شفيقة من أن يفسد عليه الماضى حياته هتف بها إلى هؤلاء ينتسب الشئ الذى فى بطنك، وآل حمدان آله، والأفندى رأس الاغتصاب كما أن زقلط رأس الإرهاب، فكيف تطيب الحياة مع أمثال أولئك ؟ص129

-رفع الحصار عنا من زمن، لم يعد أحد يسأل اليوم عن قدره أو قاتله، ويقال إن هدى هانم هى التى أنقذتنا من الموت جوعا، ولكن قضى علينا بالذل إلى الأبد، لا مقهى لنا ولا كرامة، نسعى فى أعمالنا بعيدا عن حارتنا، وإذا عدنا توارينا وراء الجدران، وإذا عثر على أحدنا فتوة عبث به صفعا أو بصقا، إن تراب حارتنا اليوم أكرم عليهم منا يا جبل .. ما أسعدك فى غربتك. ص130

هنا نجيب يبين أن الجبلاوى انشغل أو نسى قومه وعذاباتهم وهو ما يخالف تذكر الرب لهم فى سفر الخروج فى قولهم :

7فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، 8فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 9وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، 10فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ»

-"وصمت مليا ثم عاد يقول

بقدمى-.تقوداننى إلى البقعة المشرفة على حارتنا، ولم أكن دنوت منها منذ هروبى"

هنا نجد ذكر للقدم والبقعة المشرفة التى أراد بها المشرفة بفتح الشين وهو ما ورد ذكره فى قوله تعالى بسورة طه"فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إننى أنا الله لا إله أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى"

-"لكنه حدث منذ أيام معدودة أن شعرت برغبة فى المشى وحدى رغم البرد والظلام، فخرجت إلى الخلاء، وإذا تجلى الاهتمام فى العين فواصل الرجل حديثه قائلا:

-مضيت فى تجوالى فى ظلام دامس، فحتى النجوم توارت وراء السحب، وما أدرى إلا وأنا أوشك أن أصطدم بشبح هائل جبل

توهمته أول الأمر أحد الفتوات، ولكنه بدا لى شخصا ليس كمثله أحد فى حارتنا ولا فى الناس جميعا، طويلا عريضا كأنه 128 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص134

هنا الفرية كون الله وهو عند نجيب الجبلاوى شخصا ليس كمثله أحد فى حارتنا ولا فى الناس جميعا

ويوافق نجيب الوحى فى حكاية البرد وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال أهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "

-"فقال جبل

قلت له : لم أحلم أن أقابلك فى هذه الحياة فقال : ها أنت ذا تقابلنى وحددت بصرى لأتبين وجهه المرتفع فى الظلام

فقال لى : لن تستطيع رؤيتى مادام الظلام، فقلت بذهول لرؤيته محاولة رؤيتى له : لكنه ترانى فى الظلام، فقال : إنى أرى

فى الظلام منذ أعتدت التجوال بل قبل أن توجد الحارة فقلت بأعجاب : الحمد لرب السماوات على أنك ما زلت تتمتع بصحتك، فقال : أنت يا جبل ممن يركن إليك، وأية ذلك إنك هجرت النعيم غضبا لأسرتك المظلومة، وما أسرتك إلا أسرتى، ص135

الفرية هنا أن موسى (ص) قابل الله فى مكان وهنا المقابلة جرت دون رؤية بين جبل والجبلاوى أى بين موسى (ص) والله وهو ما يوافق وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وكلامى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الأخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون"

-"فقال حمدان كالمعتذر

لست أخاف على نفسى ولكنى أخاف عليكم

فقال جبل بازدراء

سأذهب إلى الناظر وحدى-. .

فقال دعبس وهو يتزحزح مقتربا من مجلسه ص136

ونحن معك ، لا تنسوا أن الجبلاوى وعده بالنجاح!

فقال جبل

سأذهب وحدى عندما أقرر الذهاب ، ولكننى أريد أن أطمئن إلى أنكم ستكونون ورائى وحدة متماسكة خليقة بمواجهة-.الشدة والصمود لها

ووثب عبدون واقفا فى حماس وهتف:

-وراءك حتى الموت! ص137

هنا الفرية هى ذهاب موسى (ص) وحده واجتماع بنى إسرائيل خلفه وهو ما يخالفه ذهابه مع اخيه هارون (ص) وفى هذا قال تعالى بسورة طه"اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قالا لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى"

"ودخل البهو فرأى فى صدره الهانم

وزوجها جالسين منتظرين، نظر إلى أمه فتلاقت نظرتاهما، وقامت المرأة لاستقباله فى تأثر شديد، فهوى على يديها يقبلها، ولثمت جبينه فى حنان، فاجتاحه فى موقفه شعور بالحب والسعادة ، والتفت رأسه إلى الناظر فرأه جالسا فى عباءته يطالعهما بعينين باردتين، فمد له يده فقام نصف قومه ليصافحه وسرعان ما جلس. ص139

هنا هذا الكلام لا وجود له فى القرآن ولا فى العهد القديم وإنما هو خيال من نجيب قد يكون قد حدث وقد لا يكون قد حدث

-"وأدرك جبل أنه أن لهذا الموقف العائلى الطيب أن ينتهى كما قدر له من أول الأمر، وأنه آن للكفاح أن يبدأ فقال

الحق يا سيدتى أنهم يعانون ذلا ألعن من الموت، وقد قتل منهم من قتل

فقبض الأفندى بشدة على مسبحته وهتف بحدة

فلوحت هدى بيدها فى رجاء وقالت

إنهم مجرمون ، وقد نالوا ما يستحقون.

فلننس الماضى كله

فقال الأفندى باصرار

ما كان يجوز أن يضيع دم قدره هدرا

فقال له جبل بثبات

المجرمون حقا هم الفتوات ص140

هنا الفرية الحديث عن الجريمة وكون المجرمون بنو إسرائيل أى بنو حمدان والفتوات وهو ما يناقض أن الكلام كان عن جريمة قتل موسى(ص) للرجل من قوم فرعون وجريمة استعباد فرعون لبنى إسرائيل وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"

-"فقال جبل دون أن يزايله هدوءه

إنك حاو بحق وجدارة، ولكنك لا

علم الله إنى ما جاوزت الحق، فلنحتكم إلى الجبلاوى نفسه إن استطعت ، أو إلى شروطه العشرة ص141

هنا الشروط العشرة هى إشارة لما فى العهد القديم من الوصايا العشر للرب

-"والتفت إلى الجالسين

قائلا : لم يكرم الجبلاوى حيا من أحياء هذه الحارة كما أكرمكم، ولو لم يكن يعتبركم أسرته الخاصة ما لقانى ولا كلمنى، ولكنه نور السبيل ووعد بالتأييد، والله لأكافحن ولو كنت وحدى، لكن بدا أنه لم يكن وحده، أيده كل رجل، أيدته كل امرأة، ص142

هنا يذكر نجيب تفضيل بنى إسرائيل من قبل الله على بقية الناس على شرط أن يفوا بعدهم فيوفى بعهده فالأفضلية متعلقه بمن ينفذ العهد وليس بخصوص ناس معينين يفضلهم سواء نفذوا أم لم ينفذوا وهو فى هذا هذا قال تعالى بسورة البقرة "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" وقال " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ"

-" هنا انقلب الحادث أحدوثة،وقال الناس فى الثعابين وأعادوا، غير أن نشاط الثعابين العجيب لم يتوقف فقد رأى بعض الصحاب فى غرزة الفتوة بركات ثعبانا بين عمد السقف، لاح نصف دقيقة ثم اختفى، فهبوا مذعورين وتقوض السقف وغطت أخبار الثعابين على حكايات الشعراء فى المقاهى، وبدا أن نشاطها قد جاوز حدود الأدب إذ ظهر ثعبان ضخم فى بيت حضرة الناظر ومع أن خدم البيت الكثيرين انتشروا فى أركانه للتفتيش عن الثعبان المختفى إلا أنهم لم يقفوا له على أثر، وركب الخوف الناظر والهانم حتى فكرت جديا فى مغادرة البيت إلى أن تطمئن إلى خلوه من الثعابين، وبينما البيت مقلوب رأسا على عقب ترامى من بيت ص143

"...غير أن أبو سريع صاح:

استطيع أن أتيكم بأحد الرفاعية ولو نبيت خارج بيوتنا يومين أو ثلاثة أيام حتى يحضر من قريته

فتساءلت الهانم

كيف الحارة بأكملها أن تبيت خارج بيوتها يومين أو ثلاثة ؟ص146

الفرية هنا هى دخول الثعابين بيوت قوم فرعون وهو ما يخالف أن العصا المتحولة كانت مع موسى(ص) وعرضها أمام فرعون ثم أعادها لعصا وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين "

"وكان الأفندى يفكر بكل قواه مغالبا ما استطاع عواطف الغضب والحقد التى تستعر فى صدره، وإذا به يقول مخاطبا جبل 139اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

-إنى معطيك كلمة الشرف التى تطلب فأبدا عملك ص146

هنا الناظر وهو فرعون أعطى جبل أو موسى(ص) وعدا ان ينفذ له ما يريد شرط أن يصرف عنه العذابات التى ارسلها الله وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل " وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون"

وهنا الحقيقة هى أن كلمة الشرف هى ارسال بنى إسرائيل مع موسى(ص) خارج مصر بينما كلمة شرف الناظر وهى الفرية إعادة الوقف لاهل الحارة وسفر الخروج يوافق القرآن فى اطلاق سراح القوم من مصر وهو قوله :

24فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: «اذْهَبُوا اعْبُدُوا الرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى. أَوْلاَدُكُمْ أَيْضًا تَذْهَبُ مَعَكُمْ»....27وَلكِنْ شَدَّدَ الرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ.

-"دارت الأسئلة برأس جبل فدعا رجال حمدان إلى الربع الذى يقيم فيه ليتدبروا الأمر معا، وكان زقلط مجتمعا فى ذات الوقت بالناظر وحرمه، وكان يقول باصرار والحنق يلتهمه:

-لن نبقى منهم على أحد . وبدأ الارتياح فى وجه الأفندى"ص147

-"غير أن الهانم تساءلت:

وكلمة الشرف التى أعطاها الناظر ؟ص147 جبل هو الذى دبر مؤامرة الثعابين ليملى علينا شروطه، كل أحد يعرف

وقال زقلط محذرا ووجه مازال متشبثا بقبحه:

تذكرى يا هانم أنه إذا نجح جبل فى استخلاص حق آل حمدان فى الوقف فلن يهدأ بال أحد فى الحارة حتى ينال حقه-.أيضا، بذلك يضيع الوقف ونضيع جميعا

وقبض الأفندى على المسبحة فى يده بشدة حتى طقطت حباتها وهتف بزقلط:

-لا تبق على أحد منهم. ص148

فقال الناظر بحماس

سيسجل حقكم على رؤوس الأشهاد

وهنا قالت هدى برجاء

ستتناول عشاءك معى الليلة ، هذه رغبة أم!

وفطن جبل إلى ما ترمى إليه من إعلان المودة بينه وبين بيت الناظر، ولم يكن فى وسعه أن ينبذ رغبتها، فقال

-لك ما تشائين يا سيدتى.42 ص154

هنا اتفق فرعون وقومه على إبادة القوم وهو ما يوافق ارساله المنادين فى الناس لتجميعهم على عداوة القوم وذبحهم وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "فأرسل فرعون فى المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون"

والفرية فيما سبق هو بقاء القوم أحياء وهو ما يخالف اغراق القوم وفى هذا قال بسورة الشعراء "وأزلفنا ثم الأخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين وفى هذا قال بسورة يونس "وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "وقال بسورة طه"فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم "وقال بسورة الأعراف "فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"

-"فصاح به ليسمع الجميع

لا فتونة فى حمدان ، ولكن ينبغى أن يكونوا فتوات جميعا على من يطمع فيهم ص155

أنهم شعروا بالاستعلاء عليهم حتى فى أيام

محنتهم وقال جبل برقة:

وصانى جدى بأهلى-. .

ولكنه جد الجميع يا جبل ص

فقال جبل دون حماس

كلا ولكن لا شأن لنا بذلك

فتساءل الرجل فى إصرار

-وكيف لا يكون لكم شأن بذلك ؟

وساءل جبل نفسه بأى حق يكلمه ذلك الرجل على هذا النحو ؟ص

هنا الفرية هو أن نجيب يوافق اليهود على العنصرية حتى جعل جبل وهو موسى(ص) عنصرى لا يأبه لحقوق غير قومه هو ما يناقض إيمان زوجة فرعون برسالته وهى ليست من الاسرائيليين وكذلك مؤمن آل فرعون وكذلك زوجته المديانية وهى ليست اسرائيلية وإن كان نجيب جعلهم بافتراءاته كلهم اسرائيليين حتى يؤكد على عنصرية اليهود ورسالة موسى(ص) هى رسالة لكل الناس حتى قال موسى فى سورة الأعراف " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"

-"كان يوما مشهودا يوم تسلم جبل حصة أله من الوقف ، واتخذ فى حوش الربع - ربع النصر - مجلسه ودعا إليه آل حمدان، وأحصى ما فى آل أسرة من أنفس ووزع الأموال بالتساوى فيما بينهم، وحتى شخصه لم يخصه بامتياز، ولعل حمدان لم يرتح إلى هذه العدالة كل الارتياح ، ولكنه عبر عن مشاعره بطريقة غير مباشرة فخاطب جبل قائلا:

ليس العدل أن تظلم نفسك يا جبل! 149 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

فقطب جبل قائلا:

أخذت نصيب اثنين، أنا وشفيقة-. .

ولكنك رئيس هذا الحى-.

فقال جبل بصوت سمعه الجميع

ما ينبغى لرئيس القوم أن يسرقهم ص157

وظلمه ولكن وجد هؤلاء دائما من يرد عليهم قولهم ويذكر بالوجه الاخر لقسوته، وهو الرحمة بالمعتدى عليهم، والرغبة الصادقة فى إقامة نظام يضمن العدل والنظام والإخاء فى آل حمدان، ووجد هذا الرأى الأخير كل يوم ما يسنده فى فعال 152 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ الرجال وأقواله حتى أنس إليه من استوحش وأمن من خاف، ومال من جفا، وحرص الجميع على النظام فلم يجاوز حدوده حد، وسادت الاستقامة والأمان فى أيامه، فلبث بينهم رمزا للعدالة والنظام حتى غادر الدنيا دون أن يحيد عن مسلكه قيد أنملة.

هذه قصة جبل..

كان أول من ثار على الظلم فى حارتنا وأول من حظى بلقيا الواقف بعد اعتزاله، وقد بلغ من القوة درجة لم ينازعه فيها منازع، ومع ذلك تعفف عن الفتونة والبلطجة وُاراء عن سبيل الاتاوة وتجارة المخدارات ولبث بين آله مثالا للعدل والقوة والنظام أجل لم يهتم بالآخرين من أبناء حارتنا ولعله كان يضمر لهم احتقارا وازدراء كسائر أهله ، لكنه لم يعتد منهم على ص160

ما سبق من عدل جبل وتوزيعه المال يتفق مع أقوال وهى أوامر لله بتوزيع الماء على الأسر الاثنى عشر بالتساوى لكل أسرة عين ماء والافتراء أن قومه لم يجازوا حدود العدل وهو ما قصه القرآن كما فى طلبهم رؤية الله وعبادتهم العجل وفضهم دخول الأرض المقدسة بالقتال ...

حكاية رفاعة:

رفاعة قصد به نجيب المسيح عيسى بن مريم(ص)وسماه رفاعة نسبة إلى رفع الله عند موته للجنة فى السماء كما قال تعالى بسورة النساء " بل رفعه الله إليه " وأما والدته مريم (ص) فاستخدم نجيب بدلا منه اسم عبدة وهو معنى اسم مريم فى العبرية كما يقولون واختار اسم شافعى ليوسف النجار المذكور فى العهد الجديد كخطيب لمريم(ص) والسبب التشابه فى كون الاثنين ولدا فى فلسطين وعاشا فى مصر ويبدو تشبث شافعى بالاقامة فى مصر بكون الشافعى عاش ومات فى مصر

-"فتساءلت:

أين سألد يا ترى ؟

فقال شافعى ساخطا

أى مكان يا عبدة خير من حارتنا اللعينة

ورفع عينيه إلى شبح الجبل الممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وقال

سنذهب إلى سوق المقطم ، إليه قصد جبل أيام محنته، وسأفتح دكان تجارة وأعمل كما كنت أعمل فى الحارة، لى-.

يدان يدران الذهب ومعى نقود للبدء لا بأس بها"ص161

هنا ولادة رفاعة فى سوق المقطم بينما فى العهد الجديد ولد فى بيت لحم فى قول سفر متى :

1وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ"

والمقطم يقع شرق القاهرة والفسطاط على حافة وادى الشرقية وهو ما يوافق القرآن فى ولادة مريم بمكان شرقى بلدتها حيث قال بسورة مريم "فحملته فانتبذت به مكانا شرقيا "

-"فبصق الرجل متأففا وقال محنقا:

أسياد الحارة ! ما نحن إلا عبيد أذلاء يا عبدة، ذهب جبل وعهده الحلو، وجاء زنفل أجحمه الله، فتوتنا وهو علينا لا لنا،-.

يلتهم أرزاقنا ويفتك بمن يشكو "ص162

وذكر زنفل اللعين وكيف أخذ بتلابيبه وهزه بعنف حتى كاد يقتلع ضلوعه، ثم مرغه فى التراب أمام الخلق لا لشئ إلا لأنه جعل مرة من الوقف حديثه ! ضرب الأرض بقدمه واستطرد قائلا:

اكرم الملعون خطف وليد سيدهم بياع لحمة الرأس ثم لم يسمع عن الوليد بعد ذلك أبدا، لم تأخذه رحمة بطفل فى-.

شهره الأول، وتتساءلين أين سألد، ستلدين بين أناس لا يقتلون الأطفال

فتنهدت عبدة وقالت برقة كأنما لتخفف من مضمون حديثها.

ليتك رضيت بما رضى به الآخرون! "ص163

هنا نجيب تحدث عن قتل الأطفال فى البلدة وهو ما ورد فى العهد الجديد ولا ذكر فى القرآن وفى هذا قال سفر متى :

" 13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».

16حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. 17حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18«صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ».

-"سيكون الغرباء جيراننا الجدد، وتستقبل أيديهم وليدها وينمو الوليد فى أرض غريبة كغصن مقطوع من شجرة وما كانت إلا قانعة فى آل جبل تحمل الطعام إلى زوجها فى الدكان وتجلس فى الليل وراء النافذة لتسمع رباب عم جواد الشاعر الضرير ، ما أحلى الرباب وما أحلى قصة جبل

ليلة التقى الجبلاوى فى الظلام فقال له ألا تخف، حياه بالعطف والتأييد حتى انتصر ، وعاد إلى حارته مجبور الخاطر، وما أحلى العودة بعد الاغتراب. "ص164

اعتمد نجيب فى هذا الجزء على العهد الجديد حيث الهجرة لمصر ثم العودة منها بعد سنوات من الإقامة فيها وهو قول سفر متى :

13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، ......15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».

........19فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ 20قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». 21فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ"

-"لماذا نسينا الجبلاوى غمغمت امرأة-.

الله يعلم بحاله-.

فصاح الرجل فى حسرة وغضب

يا جبلاوى

فردد الصوت صوته، وقام وهو يقول

توكلى على الله-. .ص165

كلام المرأة عن نسيان الجبلاوى والمراد الله لها افتراء من نجيب فالمرأة هى التى أرادات أن تكون نسيا منسيا بسبب حبلها وفى هذا قال تعالى بسورة مريم " يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا "

-"فقالت عبدة بابتهاج

نعم ، أرأيت ما حدثتك عنه؟ فيه جدك صاحب هذه الأرض كلها وما عليها الخير خيره والفضل فضله ولولا عزلته لملأ الحارة نورا.

واكمل عم شافعى ساخرا:

-وباسمه ينهب ناظر الوقف ايهاب حارتنا، ويعتدى الفتوات علينا تقدموا نحو الحارة محاذين للسور الجنوبى للبيت الكبير،ص166

الحارة تقع جنوب البيت الكبير وهو موقع بيت لحم بالنسبة لما يسمى القدس أو أورشليم

"فنور الثناء وجه عبدة وضحك عم شافعى قائلا

-لو رأيت جسده النحيل ما قلت ذلك.

حسبه ما أخذ ، أن الجبلاوى لا يتكرر ، ماذا يعمل الفتى ؟-.

قليلا ويهيم على وجهه فى الخلاء، والجبل أكثر الوقت

فقال الشاعر باسما

علمته النجارة لكنه ابن وحيد مدلل يمكث فى دكانى

لا يستقر الرجل حتى يتزوج، وأين كنت يا معلم شافعى-.ص167

هنا يقتبس نجيب من العهد الجديد مهنة والد رفاعة المزعوم وهى النجارة كما فى قول سفر متى :

54وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا:«مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ 55أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ،"

-"فغمغم قائلا " : أحم

فأذنت له بالدخول فدخل، وجدها فى جلباب بنى ذى كلفة بيضاء حول الطوق وفوق عضة النهدين، وحافية وعارية الساقين وجدها أيضا، ولبثت صامتة مليا كأنما لتمتحن أثر منظرها فى نفسه، فلما رأت صفاء عينيه لا يتغير أشارت إلى ترابيزة صغيرة قائمة على ثلاث أرجل فى ركن الصالة وقالت:

الرجل الرابعة تحت الكنبة، ركنتها وحياتك وأدهن الترابيزة من جديد ص171

هذا الجزء من تخيل نجيب فلا ذكر لتلك الحادثة لا فى القرآن بين أيدينا ولا فى العهد الجديد وهى فرية يمهد بها لفرية أعظم وهو زهد الرجل فى النساء وكأن المسيح(ص) هو من اخترع الرهبانية وليس من أتوا بعده

-"كما خرجت امى من الحارة وأنا فى بطنها اضطراب ، اللعنة على الفتوات وعلى القطط حين تلفظ الفئران أنفاسها بين أسنانها، وعلى كل نظرة ساخرة أو ضحكة باردة، وعلى من يستقبل أخاه العائد بقوله لا مهرب منى عند الغضب، وعلى صانعى الرعب وخالقة النفاق، أما أدهم فلم يبق له إلا الخلاء"ص174

اللعنة النجيبية هنا على القطط بسبب أكلها للفئران وهى فطرة الله تبدو وكأنها سخرية من لعن التينة لأنها بلا ثمار وكأنها هى من تخرج الثمار بنفسها كما فى العهد الجديد فى سفر مرقس :

20وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ، 21فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!»

-"وها هو الشاعر يغنى أغنية من أغانى إدريس المخمورة، ومال إلى أذن أبيه وقال:

أريد أن أزور المقاهى الأخرى

فقال عم شافعى متعجبا

قهوتنا خير قهوة فى الحارة.

ماذا يقول الشعراء هناك؟-.

الحكايات نفسها ولكنك تسمعها هنالك وكأنها غير الحكايات

وترامى التهامس إلى شلضم فمال نحوه رفاعة قائلا

ليس أكذب من أهل حارتنا، والشعراء أكذب الكاذبين ستسمع فى القهوة التالية أن جبل قال إنه ابن الحارة، والله ما قال-.

إلا إنه ابن حمدان

فقال عم شافعى:

الشاعر يريد إرضاء السامعين بأى ثمن "ص174

فى الفقرة السابقة يشير نجيب لكذب الشعراء فى قوله تعالى بسورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم فى كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات "

كما يشير للعهد الجديد واختلافه فى تسمية يسوع أو المسيح(ص) فهو يقول عن نفسه ابن الإنسان أى ابن الحارة بلغة نجيب كما فى سفر لوقا " وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» وأيضا " 29وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ:«هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. 30لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ "ويقول أنه عن نفسه ابن الله أى ابن حمدان كما بلغة نجيب لن حفيد الجبلاوى الذى هو الله – عالى عن ذلك علوا كبيرا - كما فى سفر يوحنا " وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» 50أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا!» وفى سفر متى " وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». 17فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ."

-"فأجابت أم بخاطرها

-الجبلاوى.

هل رأه أحد ؟

فقال جواد

كلا ، لم يره أحد من جيلنا، حتى جبل لم يتبينه فى ظلمة الخلاء .. ولكن المبيض رسمه على مثال ما يرد من أوصافه فى-.الحكايات

فتساءل رفاعة متنهدا:

لماذا أغلق أبوابه فى وجه أحفاده؟-.

يقولون الكبر، من يدرى كيف تمضى به الأيام، والله لو فتح أبوابه ما بقى أحد من أهل حارتنا فى داره القذرة-.."ص167

مقولة نجيب " لماذا أغلق أبوابه فى وجه أحفاده؟"يبدو أنها تعليق على مقولة يسوع فى العهد الجديد " إيليا لما شبقتنى "أو "إلوى لما تركتنى"

-"لا شان لى بأولئك عفاريتى الأخرون يذعنون لى كما كانت تذعن الثعابين لجبل، وعندى لهم جميع ما يحبون من بخور-.

سودانى وتعاويذ حبشية وأغان سلطانية

فسألها رفاعة باهتمام:

ومن أين أتتك هذه القدرة على العفاريت ؟

فحدجه بنظرة حذرة وقالت

هى حرفتى كما أن النجارة حرفة أبيك جائتنى من وهاب الفن "ص177

يعتمد نجيب هنا فرية العهد الجديد وهى طرد المسيح للعفاريت أى الجن من أبدان الناس وهى مقولة لا يمكن حدوثها ومن حكاياها فى العهد الجديد فى سفر متى :

28وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ، اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. 29وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ:«مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟» 30وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. 31فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ». 32فَقَالَ لَهُمُ:«امْضُوا». فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ." و"32وَفِيمَا هُمَا خَارِجَانِ، إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. 33فَلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ قَائِلِينَ:«لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هذَا فِي إِسْرَائِيلَ!» 34أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا:«بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ!».

وهنا الفرية أن المسيح أى رفاعة تعلم معجزاته على يد كودية زار –"فحدثينى عنها يا عمتى

فابتسمت المرأة وبدت كأنها سمحت بأن تهبه قليلا من علمها فقالت

-لكل إنسان عفريت هو سيده ولكن ليس آل عفريت بشر يجب أن يخرج.

وكيف نميز بين هذا وذاك؟-.

عمله يدل عليه، أنت مثلا ولد طيب فما يستحق سيدك إلا الجميل، وليس هكذا عفاريت بيومى وخنفس وبطيخة "ص177

-"أحاديث أم بخاطرها ، لكل إنسان عفريت هو سيده، وكما يكون السيد يكون العبد .. هكذا تردد أم بخاطرها وكم من ليلة ص178

هنا يبين لنا نجيب وجهة النظر الشعبية فى العفاريت عفاريت طيبة وعفاريت سيئة

-"وحض أباه يوما على رسم صورة مثلها فى بيتهم أو فى الدكان فقال له الرجل نحن أولى بنفقاتها، وهى خيال وما قيمة الخيال؟ فما كان منه إلا أن قال له : بودى لو أراه ! فضحك الرجل ضحكة عالية وقال له معاتبا اليس الأفضل أن ترى عملك ! لن أعيش لك إلى الأبد، "ص178

هنا يتخيل نجيب بداية الصور فى الديانة النصرانية وهو هنا يفترى على المسيح(ص) أو رفاعة أنه أراد صورة للجبلاوى وهو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا كالصورة التى رسمها المبيض من وحى أوصاف الحكايا

-"فبصق ثم قال

العيب عيبنا جميعا ، كان جبل قويا، وبالقوة والعنف استخلص لنا حقنا الذى أضاعه الجبن "ص186

الفرية هنا هو أن موسى(ص) هو من أحضر الحق لبنى إسرائيل وليس الله وهى مقولة يكذب فيها نجيب المعتقد الشعبى فى العالم وهو جبن وهى مسكنة وذل اليهود فى العالم

-"فقال فرحات

ما ألطف هذا الشاب ، يظنه البعض كودية زار لملازمته لأم بخاطرها ويظنه أخرون

-ويكره مجالس الحشيش كما يكره الزواج!"ص187

يعتمد نجيب فى الحكاية كلها وجهة نظر العهد الجديد وهو كراهية الزواج من قبل المسيح(ص) وهى مقولة للأسف يعتقدها بعض المحسوبين على الإسلام مع أن القرآن قال أن كل الرسل (ص)تزوجوا وأنجبوا وهى قوله تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "

-"فقال شافعى باضطراب

-الله أسأل ألا يكون أحد سمعك.

فقال رفاعة بعينين مضيئيين : جدى سمعنى ، وجاءنى صوته قائلا : ما أقبح أن يطالب شاب جده العجوز بالعمل والابن الحبيب من يعمل . فسألته : وما حيلتى حيال أولئك الفتوات أنا الضعيف؟ فأجابنى : الضعيف هو الغبى الذى لا يعرف سر قوته وأنا لا أحب الأغبياء.ص189

مقولة نجيب " يطالب شاب جده العجوز بالعمل والابن الحبيب من يعمل" تشير إلى إشكالية الجنون والتناقض فى بداية سفر يوحنا" 1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ."

فالجد يعمل وهو الله تعالى عن ذلك والشاب يعمل ترجمة لمقولة والكلمة عند الله والكلمة هو الله

-"هل قال لك جدك ذلك ؟

-قال إنه لايحب الأغبياء، وقال إن الغبى هو الذى لايعرف سر قوته، وإنى أخر من يدعو إلى قتال فى سبيل الوقف، الوقف لا شئ يا أبى وسعادة الحياة الغناء هى كل شئ ولا يحول بيننا وبين السعادة إلا العفاريت الكامنة فى أعماقنا، ولم يكن عبثا أن أشغف بطب العفاريت وأن أحسنه لعلها إرادة رب السماوات هى التى دفعتنى إليه.ص190

الفرية هنا هو أن الشرع المنزل على المسيح(ص) حرم القتال فى سبيل توزيع ريع الوقف بالعدل وهى مقولة يفندها مقولة ينسبها سفر متى للمسيح (ص)" «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. 37

-"فقال رفاعة بابتهاج

انظر إلى إقبال الرزق علينا فماذا يخبى

كل خير يا أبى ، إن شفاء المرضى لن يقلق إلا العفاريت "ص190

يشير هنا نجيب لمعجزة شفاء المرضى وهى معجزة مفتراة فالمرضى الذين كان يشفيهم هم الكمه والبرص وهو قوله تعالى بسورة آل عمران "وأبرىء الأكمه والأبرص " ونجيب هنا اعتمد وجهة نظر العهد الجديد فى قول سفر متى :

34فَلَمَّا عَبَرُوا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ، 35فَعَرَفَهُ رِجَالُ ذلِكَ الْمَكَانِ. فَأَرْسَلُوا إِلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ الْمَرْضَى، 36وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ فَقَطْ. فَجَمِيعُ الَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ."

-"184 أولاد حارتنا نجيب محفوظ

يجب أن تجلد قبل طردها

اقتلوها قتلا

وترامت صرخة ياسمينة التى كانت تنصت فى الظلام وراء النافذة واحدقت الأعين بخنفس لكن رفاعة سمع وهو يسأل أباه ص192

فتساءل رفاعة

هل يرضيكم أن أتزوج منها ؟

فاختلط صراخ الغضب بصيحات الاستهزاء، وقال زيتونة

لا يهمنا إلا أن تنال جزاءها

فاستقتل رفاعة قائلا

سيكون العقاب من شأنى أنا.

بل هو من شأن الجميع

ووجد خنفس فى اقتراح رفاعة منقذا له من ورطته، لم يكن فى قلبه مقتنعا به ولكن لم يكن عنده خير منه، وغالى فى تجهمه مداريا ضعفه، وقال:

الولد ارتبط أمامنا بزواجها فله ما يطلب ص194

ولما يتم الزواج وبكت عبدة خفية حتى أضر بها البكاء وتجهم وجه شافعى إذ تجهمته الدنيا، لكنهما حيال الشاب أنطويا على نفسيهما وتجنبا المغاضبة، ولعل ياسمينة هونت من الخطب بسلوكها عقب المظاهرة إذ هرعت إلى بيت عم شافعى وجثت أمام الرجل وزوجه باكية وسكبت على قدميهما بعض ما فاض به قلبها من الامتنان، ثم أعلنت فى حرارة وجد توبتها، ولم يكن من الممكن العدول عن الزواج بعد أن ارتبط به الشاب جهارا أمام آل جبل، فسلم عم شافعى زوجه بالأمر ووطنا النفس على تقبله وتنازع قلبى الوالدين رغبتان واحدة تود أن ترعى التقاليد فى الاحتفال بعرس رفاعة "ص196

تزوج رفاعة أى المسيح(ص) من ياسمينة الزانية يشير هنا نجيب به إلى مسح مريم شعرها بقدمى المسيح فى سفر لوقا:

36وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. 37وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ 38وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. 39فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلاً:«لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». 40فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«يَاسِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ:«قُلْ، يَامُعَلِّمُ». 41«كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. 42وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» 43فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ:«أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ:«بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». 44ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. 45قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. 46بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. 47مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً». 48ثُمَّ قَالَ لَهَا:«مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ». 49فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ:«مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟». 50فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ:«إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ"

-"فابتسم رفاعة قائلا

اليوم غير الأمس إذا ذهبنا فمنذا الذى يخلص آل جبل من العفاريت ؟

فقال شافعى محتدا

فلتركهم العفاريت إلى الأبد

ص198

أعرف ذلك ، ما أكثر الأخطاء بحارتنا

فقالت بحنق

يفاخرون دائما بأنهم من صلب أدهم، وفى نفس الوقت يباهون بالكبائرص200

وانزوى رفاعة فى ركن الدكان مكتئبا فرمقه الرجل بريبة وسأله

أحقا دعوت زوجك إلى ما تدعونا إليك ؟

فقال بأسف

-وهى مثلكم لا ترغب فى السعادة. ص202

ولما غادر الربع فاعترضت سبيله امرأة من غير آل جبل، وقالت له

باستعطاف:

صباح الخير يا معلم رفاعة

ودهش لرنة الاحترام فى صوتها وللقب الذى قرنته باسمه فسألها

ماذا تريدين؟

فقالت بضراعة

لى ابن ممسوس أرجو أن تخلصه!

وكان كآل جبل جميعا يحتقر أهل الحارة فاستنكف أن يضع نفسه فى خدمة المرأة فيضاعف من ازدراء آله له، فقال لها

ألا توجد كودية فى الحارة ؟

فقالت المرأة بصوت بالك

بلى ولكنى امرأة فقيرة

ورق لها قلبه كما آسره لجوؤها إليه هو الذى لم يلق من آله إلا الهزء والاحتقار، ونظر إليها فى تصميم وهو يقول

-إنى طوع أمرك.

194 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص204"

يعتمد هنا نجيب رواية العهد الجديد فى حكاية فتات الكلاب حيث قال سفر متى :

21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27فَقَالَتْ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.

والفرية النجيبية هى احتقار المسيح(ص) لغير بنى إسرائيل وهو كلام يخالف أن الرسل (ص) جميعا لا يحتقرون مسلما حتى ولو كان من غير قومهم

-"هنا تحتنا الحارة، أما هنالك فلم نكن نرى إلا الدهليز المعتم

فقال رفاعة بأسى

ليت الدهليز بقى لنا، إنه دهليز مبارك، إذ فيه تقرر النصر لجبل على أعدائه، ولكن لم يكن فى الإمكان مواصلة الإقامة بين-.

أناس يستهزئون بنا فى كل خطوة أما هنا فالفقراء طيبون، والطيب هو السيد لا آل جبل "ص204

الدهليز المبارك يقصد به الأرض المقدسة التى فرض على القوم دخولها ونلاحظ هنا أن نجيب استعار من العهد الجديد تعريف السيد أى العظيم حيث قال سفر متى

"19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."

-"ستكونين أجمل وأفضل عندما تقهرين الغرور، ليس آل جبل بخير حارتنا، خير الناس اطيبهم، وكنت مخطئا مثلك فخصصت آل جبل باهتمامى، ولكن السعادة لا يستحقها إلا من ينشدها مخلصا، انظرى إلى الطيبين كيف يقبلون على وكيف يبرأون من العفاريت."ص205

هنا يبتعد نجيب عن العهد الجديد وخصوصية رسالة الرجل ببنى إسرائيل فى قوله "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" وقوله ايضا فى سفر متى "6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ"

وهو يعتمد تعريف الأعظم وهو الطيب بأنه المتواضع ولا يتواضع سوى الفقراء كما جاء فى سفر متى "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."

-"فقال باسما

إنك من آل جبل وكلهم أبى أن يسلم لدوائى حتى أبى نفسه-. !

وعندما دق الباب أدركنا أن زبونا جديدا قد قدم فتهيأ رفاعة لاستقباله

والحق أن رفاعة لم يلق من عمره أسعد من هذه الأيام ، كان يدعى فى الحى الجديد بالمعلم رفاعة، وكانوا يدعونه فى اخلاص ومحبه، وعرف بأنه يخلص من العفاريت ويهب الصحة والسعادة لوجه الله وحده، وهذا سلوك نقى لم يعرف عن أحد قبله فلذلك أحبه الفقراء كما لم يحبوا أحدا قط، وطبيعى أن بطيخة فتوة الحى الجديد لم يحبه لسلوكه الطيب من ناحيته "ص205

يلجأ هنا للعهد الجديد فى تسمية المسيح(ص) رغم أنها تسمية كل الرسل (ص) بلا استثناء ومن تلك الأقوال فى سفر متى :

16وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ" و "18فَقَالَ:«اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي».

-"تاب توبة صادقة واشتغل صبى مبيض نحاس، وعويس تزوج بعد الذى كان، واصطفى رفاعة من مرضاه أربعة وهم زكى وحسين وعلى وكريم، اصطفاهم لصداقته فصاروا إخوة، لم يعرف أحد منهم الصداقة ولا الحب قبل أن يعرفه، كان زكى برمجيا ، وكان حسين مدمن أفيون لا يفيق، وعلى يتدرب على الفتونة، وكريم قواد فانقلبوا رجالا ذوى قلوب كبيرة "ص206

هنا يخالف نجيب العهد الجديد فى عدد من اختارهم رفاعة أى المسيح لصحبته فبدلا من 12 أصبحوا 4 وفى هذا قال سفر متى :

13وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً»:

-"التفت الناس إلى قوة الجبلاوى وجاهه، وتناسوا مزياه الأخريات، لذلك لم يستطع جبل أن يغير النفوس بنيله حقه فى الوقف ، ولما رحل عن الدنيا انقلب الأقوياء مغتصبين الضعفاء حاقدين وأطبق الشقاء على الجميع، أما أنا فافتح أبواب السعادة بلا وقف ولا قوة ولا جاه "ص207

الفرية من نجيب هنا هو أن رفاعة أى المسيح(ص) رسالته تغيرت عن رسالة جبل أى موسى(ص) ومن المعلوم أن الرسالة واحدة بداية من أدم (ص) وحتى أخر الأنبياء محمد(ص) وهى عبادة الله للحصول على سعادة الدارين وقد اعتمدت الرسالات كلها على العفو والقوة معا وليس على واحد منهما وقد حكى العهد الجديد المقولة التالية على لسانه فى سفر متى

17"«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ."

وهو ما يوافق قوله فى القرآن "ومصدقا لما بين يدى من التوراة "

-"فصاح الرجل

197 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

إذن امشى كما يمشى المساكين لا كعريس الزفة، أنسيت أنك طريد حى وزوج ياسمينة وكودية زار؟-.وبصق فى تحرش، وتباعد الناس وساد الوجوم لكن زغاريد الفرح غطت على كل شئ "ص208

يستعير هنا نجيب تعبير وصف رفاعة بالعريس من العهد الجديد كما فى سفر متى "15فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ"

-"الواقف ميت أو فى حكم ذلك يا أولاد الكلب.

وانزعجت ياسمينة ، خافت أن تفلت الفرصة المتاحة وأن يتعكر الجو، ومدت يدها إلى الفستان لتنزعه رويدا، وانبسطت أسارير الرجل بعد تجهز ورنا إليها بعينين متوثبتين. ص211

الفرية النجيبية هنا هو أن زوجة رفاعة زانية داعرة ومن المحال أن تكون زوجة نبى(ص) زانية حتى ولو كانت كافرة كزوجتى نوح(ص) ولوط (ص) والمصيبة أن نجيب يقول أن رفاعة كان يقرأ ما فى نفوس الناس ومن ثم فهو ديوث لأنه عرف وسكت ولم يتحرك

-"تأكد ذلك من أكثر من مصدر، إن مرضاه يؤمنون بذلك ولو أنهم يتكتمون الأمر بحرص شديد

-لعله مجنون كما كان جبل دجالا، ولكن هذه الحارة القذرة تحب المجانين والدجالين، ماذا يريد آل جبل بعدما نهبوا الوقف ص212

هنا يعتمد نجيب حكم القرآن فى أن الأقوام رمت الرسل بتهمتى الجنون والدجل وهو السحر كما جاء فى سورة الذاريات "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون "

-"فصاح مزمجرا

-أنت تكلم الآن بطيخة لا الواقف فاذهب بلا تردد.

وهم رفاعة بالكلام فلطمة الفتوة لطمة دفعته إلى جدار الربع مترنحا، ورأت امرأة الموقعة فصوتت حتى ملأ صوتها الحارة ص213

....وما لبث أن ازدحم الموقع بمحبى رفاعة من الرجال والنساء، ودهش بطيخة الذى لم يتوقع شيئا مما حدث، ورفع يده وهوى بها على وجه رفاعة فتلقاها هذا ص213 دون دفاع، ولكن الواقفين تصايحوا فى انزعاج، واعتراهم انفعال شديد، فتوسل البعض إلى بطيخة أن يترآه، وردد أخرون "ص214

يشير هنا نجيب بواقعة استسلام رفاعة للطمة على الخد الأيمن ولطمة على الخد الأيسر لمقولة يسوع فى العهد الجديد فى سفر متى "39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا."

-"وصاح رجل من وسط المظاهرة متشجعا بالزحام وبمكانه فيه

فتوتنا على العين والرأس، ولكن ماذا فعل رفاعة ؟

وصاح ثالث فى أخر المظاهرة مطمئنا إلى تواريه عن متناول عين الفتوة

رفاعة برئ والويل لمن يمد له يدا بسوءاص215

واندفع رفاعة فجأة حتى وقف أمام بطيخة ولوح الناس بيديه حتى ساد السكوت، وهتف بصوت قوى:

لم يخطئ فتوتنا وأنا الملوم "ص215

يحرف هنا نجيب ما حكته أسفار العهد الجديد عن براءة المسيح(ص) مثل قول سفر لوقا " 13فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، 14وَقَالَ لَهُمْ:«قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. 15وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. 16فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 17وَكَانَ مُضْطَرًّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِدًا، 18فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ:«خُذْ هذَا! وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!» 19وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل. 20فَنَادَاهُمْ أَيْضًا بِيلاَطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، 21فَصَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» 22فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً:«فَأَيَّ شَرّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 23فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. 24فَحَكَمَ بِيلاَطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. 25فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْل، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ."

-"كلا يا معلم ولكن فيه تنبيه بأن السعادة غير ما يملكون من قوة وجاه.

وسمعوك أيضا وأنت تؤكد أن ذلك ما يريده لهم الواقف

فتجلى الاهتمام فى العينين الصافيتين وقال

-هم يقولون ذلك ؟

وماذا تقول أنت ؟

فقال بعد تردد لأول مرة

على قدر فهمى أتكلم

ص217

فصاح بيومى

-يا ابن الماكرة ، أنت توهم الناس بأنهم مرضى، بأننا جميعا مرضى فلا صحيح غيرك فى هذه الحارة!

لماذا تكرهون السعادة وهى بين أيديكم ؟

-يا ابن الماكرة ! ملعونة السعادة التى تجئ من مثلك ! فتساءل رفاعة متنهدا

لماذا يكرهنى أناس وأنا ما كرهت أحد قط ؟ ص218

يشير هنا نجيب إلى مقولة فى العهد الجديد لرفاعة أى المسيح (ص) وهى فى سفر متى " لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيب بَلِ الْمَرْضَى. 13فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ».

-"وهنا دق الباب دقات متتابعة فى لهفة فذهبت ياسمينة تفتحه، وسمع الجالسون صوتى عم شافعى وعبدة يسألان عن

ابنهما، وقام رفاعة فتلقى والديه بالعناق وجلسوا وهما يلهثان ووجهاهما ينطقان بملا يحملان من أنباء مزعجة ، وسرعان ما قال الأب:

يا بنى تخلى عنك خنفس فحياتك فى خطر، وأخبرنى أصحابى بأن أعوان الفتوات يحومون حول بيتك ص220

فقال رفاعة متعجبا

بالأمس حاربوا جبل لمطالبته بالوقف واليوم يحاربوننى لاحتقارى الوقف

فلوح شافعى بيده جزعا وقال

قل فيهم ما تشاء فلن يغير هذا منهم شيئا، ولكن اعلم أنك هالك إن غادرت بيتك، ولست أمن عليك إن بقيت فيه-. .ص221

فصاح شافعى:

ومن هناك تهربون من الحارة ليلا

فتأوه رفاعة متسائلا

واترك بنائى يتهدم ؟

208 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص222

يشير هنا نجيب لمقولة فى العهد الجديد هى فى سفر متى :

نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ"

وبالطبع حور هنا نجيب المقولة من الهدم إلى الحفاظ على البناء

-"فتقلص فوه اشمئزازا وقال

فى الحارة كفايتها من المجانين

فنظرت إليه فى استعطاف ثم غضت بصرها وهمست وكأنما تحث نفسها

انقذنى يوما من الهلاك

فضحك فى سخرية غليظة وقال

وها أنت تسلمينه للهلاك واحدة بواحدة والبادى أظلم!ص224

هنا حرف نجيب ما جاء فى العهد الجديد من خيانة رجل هو يهوذا الاسخريوطى ليسوع فجعلها خيانة من امرأة هى الزوجة وفى هذا قال سفر متى :

"43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. 44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً:«الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً:«يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ".

-فجلست إلى جانب زوجها وهى تقول:

بيتنا مراقب، ومن الحكمة إن أمك تركت المصباح مشتعلا وراء النافذة، وسيكون الهرب ميسورا عند الفجر فقال لها زكى وهو يلحظ رفاعة فى حزن لكنه حزين، أليس المرضى فى كل مكان واليسوا هم فى حاجة ككذلك إلى الشفاء ؟

فقال رفاعة

تشتد الحاجة إلى الدواء حيث يستفحل المرض-. ."ص225

هنا يذكر نجيب ما ذكره سفر متى فى العهد الجديد وهو :

33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا»
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ر

رضا البطاوى

-"وقام كريم وهو يقول

-سأعد العشاء.

ورجع حاملا الطبلية فدعاهم إلى الجلوس فجلسوا حولها، وكان العشاء مكونا من الخبز والجبن والمش والخيار والفجل وثمة

211 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

أبريق من البوظة، وملأ كريم الأكواب وهو يقول:

ليلتنا نحتاج إلى التدفئة والتشجيع

وشربوا ، ثم قال رفاعة باسما

الخمر توقظ العفاريت، ولكنها تنعش من تخلص من عفريته ونظر نحو ياسمينة إلى جانبه فأدركت مغزى نظرته وقالت

-ستخلصنى من عفريتى غدا إن مد الله فى العمر.

فتهلل وجه رفاعة سرورا وتبادل الأصدقاء التهانى، ومضوا يتناولون العشاء، قطعت الأرغفة، وتلاقت الأيدى فوق الأطباق،وبدأوا وكأنهم تناسوا الموت المحيط بهم، وإذا برفاعة يقول:

ولكنهم أبوا ألا أن يكونوا مثل العفاريت، إنهم أغبياء، وهو لا يحب الأغبياء كما قال ص226

فقال رفاعة باسما

إن عرق عفريتك ما زال لاصقا بجوفك، فلا تنس أن غايتنا الشفاء لا القتل ، ولخير للإنسان أن يقتل من أن يقتل ص227

يحرف هنا نجيب ما جاء عن العشاء الأخير الذى حضره التلاميذ الاثنى عشر ليس فيهم امرأة ومن ذلك قول سفر متى :

17وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 18وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!»

وتحريف نجيب والعشاء الأخير كما يقولون هو تحريف لقصة المائدة التى طلبها الحواريون كمعجزة من الله فكانت عيدا وفيها قال تعالى بسورة المائدة ""إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وأخرنا وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين"

-"شجاعة أسمى وقوة أشد

وواصلوا العشاء وهم يفكرون فيما سمعوا، وبدا لأعينهم هادئا مطمئنا قويا بقدر ما بدا جميلا وديعا، وفى فترة الصمت تجلى صوت شاعر الحى وهو يحكى قائلا : ومرة جلس أدهم فى حارة الوطاويط عند الظهر ليستريح فنعس، واستيقظ على حركة فرأى غلمانا يسرقون عربته فنهض مهددا ورأه غلام فنبه أقرانه بصفير ودفع العربة ليشغله بها عن مطاردتهم ص227-"بتأثر وانفعال:

-لماذا كان غضبك كالنار تحرق بلا رحمة؟ لماذا كانت كبرياؤك أحب إليك من لحمك ودمك؟ وكيف تنعم بالحياة الرغيدة وأنت تعلم أننا نداس بالأقدام كالحشرات؟ والعفو واللين والتسامح ما شانهما فى بيتك الكبير أيها الجبار ! وقبض على يد العربة وهم بدفعها بعيدا عن الحارة اللعينة وإذا بصوت يقول متهكما:

-بكم الخيار يا عم ؟ ص228

بالطبع حكاية بيع جبل للخيار وعربته هى تحريف نجيبى خالص لا وجود له فى الوحى الإلهى ولا فى العهد القديم

ويضاف لها التحريف بترك الله لجبل ومن معه مع أن الله قال فى القرآن "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا "

ويخيل لى أن هذه المقولة مقولة الله أى الجبلاوى هى المقولة المحكية فى العهد الجديد فى سفر متى :

34وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:«إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ 3"

-"كأنما يخشى أن يفقدها فى الظلام، ثم جاء كريم فحسين ثم زكى، تسللوا من باب الشقة واحدا فى إثر أخر، ورقوا فى السلم مهتدين بالدرابزين فى الظلم

214 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

الحالكة، وبدا السطح أرق ظلمة رغم أنه لم يبد فى السماء نجم واحد، ونضحت سحابة بنور القمر المتوارى خلفها ص229

ثم جرت نحو باب السطح فلم يعترضها أحد من الفتوات، حتى قال على مخاطبا رفاعة فى ذهول:

خانتك المرأة ص229

هنا حرف نجيب ما جرى فى العهد الجديد حيث اخترع حكاية الاختباء فى بيت والقفز من على سطوح البيوت والقبض عليهم رغم ذلك بينما فى العهد الجديد كانوا فى البستان ولم يهرب الرجل وظل صامدا حتى أمسكوا به وهو قول سفر متى :

32وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ».

33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36وَقَالَ:«يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ:«يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 39وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 40ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. 41ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ:«نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 42قُومُوا لِنَذْهَبَ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!».

43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. 44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً:«الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً:«يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ. 47فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ.

والتحريف النجيبى وحكاية العهد الجديد كلاهما تحريف لما حدث فالمسيح(ص) لم يقبض عليه أحد لأن الله رفعه إليه كما قال بسورة النساء "بل رفعه الله إليه"

-"فانطلق ضحكة قصيرة ساخرة ثم التفت إلى كريم وقال

وأنت هل أجدى اخفاؤك لهم فى بيتك؟

فازدرد كريم ريقه الجاف وقال وفرائصه ترتعد

-لم أكن أعلم بشئ مما بينك وبينهم!

فلطمه بيده الأخرى على وجهه فسقط على الأرض، ولكن سرعان ما وثب قائما وركض فى رعب نحو سطح الربع الملاصق،وفجأة جرى وراءه حسين وزكى ، وانقض حندوسة على رفاعة فركله فى بطنه فتهاوى على الأرض وهو يئن من أعماقه،وفى ذات الوقت هم جابر وخالد باللحاق بالهاربين ولكن بيومى قال باستهانة:

لا خوف من هؤلاء فلن ينبس أحدهم بكلمة وإلا هلك، وقال رفاعة وقد انحنى رأسه نحو قبضة بيومى لشدة ضغطها-. :

لم يفعلوا شيئا يستحق العقاب

فهوى بيومى بكفه على وجهه وهو يقول متهكما

215 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

خبرنى ألم يسمعوا الجبلاوى كما سمعته؟

ثم دفعه أمامه وهو يقول

-سر أمامى ولا تفتح فاك.

سار مستسلما للمقادر، هبط السلم المظلم محاذرا ووقع الأقدام الثقيلة يتبعه، وغشية الظلام والحيرة والشر الذى يتهدده

230

وانضم إلى الرجال دون كلام، وظلت عينا رفاعة مرفوعتين نحو البيت، ترى هل يدرى جده بحاله؟ إن كلمة منه تستطيع أن تنقذه من مخالب هؤلاء الجبارين، وترد عنه كيدهم . إنه قادر على أن يسمعهم صوته كما أسمعه إياه فى هذا المكان، وجبل وجد نفسه فى مأزق مثل مأزقه ثم نجا وانتصر لكنه جاوز السور دون أن يسمع شيئا سوى وقع أقدام الجبارين وتردد أنفاسهم وأوغلوا فى الخلاء فثقلت خطوانهم فوق الرمال، وشعر رفاعة بالغربة فى الخلاء وذكر أن المرأة خانته وأن الأصحاب

نبوته وهتف:

معلم خنفس ؟

فرفع الرجل نبوته قائلا

معك إلى النهاية يا معلم . وتساءل رفاعة فى يأس:

لماذا تبغون قتلى ؟-!

فهوى بيومى بنبوته على رأسه بشدة فصرخ رفاعة صرخة عالية وهتف من أعماقه : يا جبلاوى

وفى اللحظة التالية كان نبوت خنفس يصيب عنقه واستبقت النبابيت.

216 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

وساد صمت لم تسمع خلاله إلا حشرجة.

وأخذت الأيدى تحفر الأرض بقوة فى الظلام.

ص231

ما سبق من القبض على المسيح(ص)أو رفاعة وضربه وقتله يوافق العهد الجديد فى بعضه كقول سفر مرقس :

16فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. 17وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، 18وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» 19وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. 21فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازًا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ.

22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ، فَلَمْ يَقْبَلْ. 24وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. 26وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوبًا: «مَلِكُ الْيَهُودِ». 27وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ:«وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ». 29وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ:«آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! 30خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» 31وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ، قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! 32لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ!». وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ.

33وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. 34وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:«إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا:«هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَّلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً:«اتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!»

37فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ."

وكلاهما يناقضان أن الرجل لم يقبض عليه ولم يقتل ولم يصلب كما قال تعالى بسورة النساء

"وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم"

-"وتشمم يده وهو يقول إن هذا هو دمه!

-"وفى ذات الوقت صاح زكى

-وهذا الموضع الهش مدفنه.

وتجمعوا حوله واخذوا يزيلون الرمال براحاتهم ولم يكن فى الأرض من هو أتعس منهم، لضياع العزيز، ولموقف العجز الذى وقفوه عند مصرعه وعبرت كريم لحظة جنون فقال فى بلاهة:

لعلنا نجده حيا!.

فقال على بازدراء ويداه لا تكفان عن العمل

اسمعوا أوهام الجبناء!

وامتلت خياشيمهم برائحة التراب والدم ص233و234

أصواتهم بالبكاء وتعاونوا على استخلاص الجثة من

الرمال وقاموا معا فى رفق وكان صياح الديكة يترامى من الحارات والأزقة حث البعض على الإسراع ولكن لفتهم على إلى وجوب ردم الحفرة فخلع جريم جلبابه وفرشه على الأرض فجروا الجثة عليه، وتعاونوا مرة أخرى على ردم الحفرة ، وخلع حسين جلبابه فغطى به الجثة ثم حملوها وساروا نحو باب النصر، وأخذ الظلام يخف فوق الجبل ويشف عن السحاب ص234

وهمس كريم والعبرات تخنقه:

-كانت حياتك حلما قصيرا، لكنها ملت قلوبنا بالحب والنقاء، وما كنا نتصور أن تغادرنا بهذه السرعة فضلا عن أن تقتل بيد أحد من الناس، أحد من أبناء حارتنا الجاحدة التى داوايتها وأحببتها ، حارتنا التى أبت إلا أن تقتل الحب والرحمة والشفاء ممثلة فى شخصك فقضت على نفسها باللعنة حتى أخر الزمن ص234

هنا حرف نجيب ما جاء فى العهد الجديد من حكاية قبر وقيامة المسيح التى قال فيها سفر مرقس :

1وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. 2وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. 3وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ:«مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟» 4فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا. 5وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. 6فَقَالَ لَهُنَّ:«لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. 7لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ». 8فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ."

وبالقطع الكل يناقض القرآن كما سبق وقلنا فى قوله تعالى بسورة النساء : "وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم"

لم يعد أحد من الاصحاب الأربعة يظهر فى حارة الجبلاوى ، وظن ذووهم أنهم غادروا الحارة خفية وراء رفاعة اتقاء لتحرش ص235

قتل وياسمينة مقيمة فى بيت بيومى، وتسلل الفتوات بالليل إلى المكان الذى قتل فيه رفاعة، وحفروا مدفنة على ضوء مشعل، ولكنهم لم يعثروا للجثة على أثر ، وتساءل بيومى:

هل أخذها شافعى؟

ولكن خنفس أجابه

كلا ، لم يعثر على شئ كما أخبرتنى العيون ص236

هنا نجيب يوافق العهد الجديد فى حكاية قيام السلطات بالبحث عن الجثة وهو قول سفر متى :

"62وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ 63قَائِلِينَ:«يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. 64فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» 65فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ». 66فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَر"

11وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. 12فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً 13قَائِلِينَ:«قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. 14وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ». 15فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.

وبالقطع الكل يناقض القرآن كما سبق وقلنا فى قوله تعالى بسورة النساء : "وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم"


-"وفى اليوم نفسه هجر عم شافعى وزوجته الحارة، وبدا أن أى أثر لرفاعة قد اختفى.ولكن ثمة أشياء كانت تذكر به على الدوام، كبيت عم شافعى بربع النصر ودكان النجارة ومسكن رفاعة فى الحى الذى أطلقوا عليه دار الشفاء، ومصرعه غربى صخرة هند، وفوق كل أولئك أصحابه المخلصون الذين واصلوا اتصالاتهم بمحبيه ص239


وتمخضت المقابلة عن عهد جديد فى الحارة، فقد اعترف بالرفاعيين كحى جديد مثل حى جبل فيما له من حقوق وامتيازات، ونصب على ناظرا على وقفهم، وبمعنى فتوة لهم، يتسلم نصيبهم فى الوقف ويوزعه عليهم على أساس المساواة الشاملة، وعاد إلى الحى الجديد جميع المهاجرين الذين فروا من الحارة فى فترات الإرهاب، وعلى رأسهم عم شافعى وزوجته وزكى وحسين وكريم، وحظى رفاعة فى موته بما لم يكن ليحلم به فى حياته من التكريم والإجلال والحب حتى سار قصة باهرة يرددها كل لسان، وتتغنى بها الرباب وبخاصة رفع الجبلاوى بجثته ودفنها فى حديقته الغناء وقد أجمع الرفاعيون على ذلك كما أجمعوا على الولاء والتقديس لوالديه، لكنهم اختلفوا فيما عدا ذلك فأصر كريم وحسين وزكى على أن رسالة رفاعة يجب أن تقتصر على مداوة المرضى واحتقار الجاه والقوة، فساروا ومن تبعهم فى الحياة مساره، وغالى منهم قوة فتجنبوا الزواج حبا فى محاكاته واستعادة لسيرته، أما على فتمسك بكافة حقوقه فى الوقف

223 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

وتزوج ودعا إلى تجديد حى رفاعة ، لم يكره الوقف لذاته ولكن ليبرهن على أن السعادة الحقة متاحة بدونه، وليقضى على الشرور التى يستثيرها الطمع ، فإذا وزع الريع بالعدل ووجه للبناء والخير فهو الخير كل الخير.

وعلى أى حال استبشر الناس خيرا ، واستقبلوا الحياة بوجوه مشرقة، وقالوا بثقة واطمئنان إن اليوم خير من الأمس، وإن الغد خير من اليوم.

فلماذا كانت أفة حارتنا النسيان ؟

224 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

ص241

فى هذا الجزء يوافق نجيب القرآن فى كون أنصار المسيح انتصروا حربا وهو قوله تعالى بسورة الصف ""يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بنى إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين "

حكاية محمد(ص) أى قاسم:

فى الحكاية غير نجيب الأسماء فأبو القاسم وهو محمد(ص) أصبح قاسم وابو طالب أصبح زكريا وعلى بن أبى طالب أصبح حسن وهو أبو الحسن وأبو بكر الصديق أصبح صادق والراهب بحيرا أصبح يحيى وخديجة أصبحت قمر رمز لكل مراحل السن وهى جميلة فى كل مراحلها كما قال نجيب " وليس أعجب منه إلا جمالها المحتشم" وعائشة أصبحت بدرية تعبيرا عن صغرها

-"مضت فترة غير قصيرة من حياة عم زكريا الزوجية دون أن يرزق بمولود ولكن أنس وحشته فى تلك الفترة صغير يتيم هو قاسم - ابن شقيق زكريا - عقب وفاة والديه ، ولم يجد الرجل فى الصغير عبئا يؤوده"ص236

نجيب هنا يستعير من السيرة النبوية كون محمد (ص)كان عمه هو الذى رباه بعد وفاة والده ووالدته ويتمه يتوافق مع قوله تعالى بسورة الضحى "ألم يجدك يتيما "

-"وازداد عليه عطفا، ولم يقل عطفه عندما رزق بابنه حسن، ونشأ قاسم شبه وحيد، إذ كان اليوم يمضى وعمه بعيد عن الحارة وزوجه عمه مشغولة بدارها ووليدها، ثم اتسع عالمه بنموه فأخذ يلعب فى حوش الربع أو فى الحارة وصادق أقرانه فى حيه وحى رفاعة وجبل"ص236

يبدو هنا نجيب وكأنه يحرف ما جاء فى السيرة النبوية فالرجل لم يصاحب يهودا ولا نصارى فى مكة فى طفولته

-"وذهب إلى الخلاء فلعب حول صخرة هند وشرق فى الصحراء وغرب ورقى فى الجبل، وكان يتطلع مع الصغار إلى البيت الكبير مفاخرا بجده ومقام جده"ص236

يشير نجيب هنا إلى ما ذكر فى السيرة عن حب النبى(ص) الخلاء والاختلاء بنفسه فى الجبال

-"رأه حضرة الناظر وهو يستحم فى الفسقية هذا العفريت يجب جلده دخل الملعون وأنا نائم لماذا لا تريحوننا من عفاريتكم؟

فقالت المرأة برجاء:

السماح يا عم عثمان الولد يتيم وحقك على

واستنقذته من يده قائلة

سأضربه عنك ولكن وحياة شيبتك إلا ما أعدت له جلبابه الوحيد"ص237

هنا يتخيل نجيب جنونا وهو استحمام الوليد فى فسقية فى بيت حضرة الناظر والناظر لا يمكن أن نعرف هل هو أبو الحكم بن هشام أو أبو لهب عمه أو أبو سفيان أو الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل أو أمية بن خلف وهم كبار الكفار

وحكاية الجلباب الوحيد هو اشارة لفقر النبى(ص) فى طفولته كما قال تعالى بسورة الضحى "ووجدك عائلا فأغنى "

-"وقال عم زكريا لقاسم وهو يرمقه باعجاب:

لم تعد طفلا يا قاسم، فأنت تقارب العاشرة وأن لك أن تعمل

فالتمعت عينا قاسم السوداوان ابتهاجا وقال

طالما رجوتك أن تأخذنى معك يا عمى"237

يشير نجيب بهذا الكلام لما ورد فى السيرة من أخذ عمه أبو طالب له فى رحلات التجارة

-"ولما بلغت العربة حارة الوطاويط نظر قاسم فيما حوله وقال لعمه:

هنا اعترض إدريس سبيل أدهم!"238

حارة الوطاويط أى حارة الظلمة او الخفافيش هى إشارة لأماكن اللهو من خمر ودعارة وإجرام والتى تكون فى الظلام غالبا

-"إلأى – لم أعرف تصحيحا للكلمة هنا -العابرين والدكاكين والجوامع حتى انتهت إلى ميدان صغير قال العم إنه سوق المقطم، فتأمله الغلام بإعجاب وقال:

أهذا سوق المقطم حقا ؟ إلى هنا هرب جبل، وهنا ولد رفاعة

فقال زكريا بلا حماس

لا هذا ولا ذاك!"ص238

يشير هنا نجيب بسوق المقطم إلى سنة هجرة الرسل (ص) فى بعض مراحل حياتهم لمكان ما

-"ونظر العجوز نحو الغلام مستطلعا فصاح به زكريا

تعال يا قاسم وقبل يد المعلم يحيى.

فاقترب الغلام من العجوز وتناول يده المعروقة فلثمها فى أدب، وراح يحيى يداعب قصة قاسم ويتأمل وجهه الوسيم ثم تساءل:

من الغلام يا زكريا ؟

فقال زكريا وهو يمد ساقيه فى الشمس

ابن المرحوم أخى

فأجلسه إلى جانبه على الفروة وهو يسأله

هل تذكر أباك يا ابنى ؟

فهز قاسم رأسه قائلا

كلا يا عمى-. .

كان أبوك صديقا لى ، وكان لطيفا

ورفع قاسم عينيه إلى البضائع يتأمل ألوانها فمد يحيى يده إلى رف قريب وتناول حجابا ، ثم علقه بعنق الغلام وهو يقول

احتفظ به فيحفظك من كل سوء

وإذا بعم زكريا يقول لقاسم

228 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

المعلم يحيى كان من حارتنا ومن حى رفاعة

فنظر قاسم إلى يحيى وتساءل

لماذا تركت حارتنا ياعمى ؟

فأجاب زكريا قائلا

غضب عليه فتوة رفاعة منذ عهد بعيد فأثر الهجرة

فقال قاسم بدهش

فعلت كما فعل عم شافعى والد رفاعة ؟

فضحك يحيى عن فم فارغ طويلا ثم قال

-أعرف ذلك يا غلام؟ ما أعرف أولاد حارتنا بالحكايات فما بالهم لا يعتبرون!"ص239

هنا يشير نجيب لما ورد فى السيرة من حكاية الراهب بحيرا النصرانى مع محمد (ص)الطفل فى رحلة الشام وعمه وهو يشير لكونه نصرانى بقوله أنه من حى رفاعة أى المسيح (ص) وأتباعه هم النصارى

ونلاحظ هنا اختراع نجيب لحكاية الحجاب المزعوم فهى حكاية لا وجود لها فيما يروى من السيرة النبوية صدقا أو كذبا

-"فقال يحيى مقطبا

رفاعة لم يمت يوم مصرعه ولكنه مات يوم انقلب خليفته فتوة!

فسأله قاسم باهتمام

أين دفن يا عمى ؟ أهله يقولون إن جدنا دفنه فى حديقته، ويقول آل جبل إن جثته ضاعت فى الخلاء

فصاح يحيى غاضبا

الملاعين الأشقياء ، مازالوا يحقدون عليه حتى اليوم"ص240

هنا نجيب يشير لمعتقد المسلمين وطائفة من النصارى فى كون المسيح (ص) لم يقتل وإنما مات عن طريق رفع الله ويشير لعداوة اليهود وهم أتباع موسى(ص)للمسيح(ص)

-"لم يكن فى الخلاء من مكان يستظل به من وقدة الشمس الغاضبة إلا صخرة هند، هنالك اقتعد قاسم الأرض ولا أنيس له إلا الغنم، بدا فى جلباب أزرق نظيف - نظيف بالقدر المتاع لراع - متلح الرأس بلاسة غليظة وقاية من الشمس"ص241

يشير نجيب هنا لما ورد فى السيرة من حب محمد(ص) للخلاء

-"ولم يكن يمر يوم دون أن يزور معلمه، كان يحبه ويسعد بأحاديثه، ووجد فيه رجلا محيطا بأخبار حارته حاضرها وماضيها، ويعرف ما يتغنى به شعراء الرباب وأكثر ، ويعرف أيضا ما يتجاهلونه أحيانا وكان يقول ليحيى : إنى أرعى أغناما من كل حى،عندى غنم لجبل وأخرى لرفاعة وثالثة للموسرين من حينا، ومن عجب أنها ترعى جميعا فى إخاء لا ينعم بمثله أصحابها القساة من أولاد حارتنا ! وقال له أيضا : كان همام راعيا ومن الذين يحتقرون الرعاة ! إنهم متسولون وعاطلون وتعساء وهم فى الوقت نفسه يحترمون الفتوات، وما الفتوات إلا لصوص فجرة وسفاكو دماء سامحكم الله يا أولاد حارتنا"ص242

هنا يفترى نجيب على السيرة النبوية والوحى بوجود معلم(ص) للنبى هو يحيى الرفاعى وهو بهذا كأنه يثبت فرية الكفار أنه كان له معلم أجنبى يعلمه الوحى وهو ما نفاه قوله تعالى بسورة النحل "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"

-"ثم ضحك العجوز واستدرك قائلا

وأنت شاب مولع بالنساء ، ترصد عند المغيب فتيات الخلاء!

فابتسم قاسم متسائلا

231 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

وهل فى ذلك من عيب يا معلمى ؟-.

أنت وشأنك، ولكن لا تقل إنك مثل رفاعة"ص242

نجيب هنا بكلامه هذا يؤكد فرية الكفار من النصارى على وجه الخصوص فى كون محمد(ص) كان زير نساء أو كان يحب النظر للنساء وهو كلام ليس صحيحا وإنما الله شرع له تشريع خاص بسبب ظروف استثنائية وهى هجرة كثير من بنات أعمامه وأخواله وخالاته وعماته معه وهن مؤمنات وكان يجمعه معهن بيت واحد فى أول الهجرة ولم يكن هناك مفر من أن يشاهد بعضهن وهن فى حالة انكشاف العورة كل يوم ومن ثم حتى يكون مستريحا فى بيته أباح الله له زواج تلك البنات المؤمنات لعدم وجود أزواج من المؤمنين لهن كما لم يكن لهن أحد ينفق عليهن سواه

-"فتساءل يحيى فى استياء

إذن فأنت تفضل جبل على رفاعة؟

فامتلأت العينان السوداوان بالحيرة، وتردد طويلا ثم قال

كلاهما كان رجلا طيبا، وما أقل الطيبين فى حارتنا أدهم وهمام وجبل ورفاعة، أولئك هم كل حظنا من الطيبة"ص243

يشير هنا نجيب إلى أن المسلمين لا يفرقون بين الرسل كما قص الله على لسانهم بسورة البقرة " لا نفرق بين أحد من رسله "

-"وشهدت أيضا جدنا العظيم وهو يجوب هذه الآفاق وحده، يمتلك ما يشاء ويرهب الأشقياء، ترى كيف حاله فى عزلته."ص243

هنا نجيب يفترى على الله بجعله يجوب الآفاق ويمتلك ما يريد ويعاقب المجرمين ومع هذا يبين أنه منعزل عن العالم وهو بهذا يشير لكون وجود الخلق وجود بمفرده ووجود الخالق وجود من نوع أخر

-"وعرج إلى الربوع بحى جبل يعيد إليها أغنامها، كذلك فعل بحى رفاعة، فلم يبق لديه إلا نعجة واحدة، تملكها ست قمر السيدة الوحيدة التى تملك مالا فى حى الجرابيع وكانت تقيم فى بيت مكون من دور واحد ذى حوش متوسط تتوسطة نخلة وفى ركنه الأقصى شجرة جوافة، ودخل الحوش سائقا أمامه " نعمة " فصادف فى طريقه الجارية سكينة بشعرها المفلفل الذى وخطه المشيب فحياها فردت تحيته بابتسامة وسألته بصوت نحاسى:

-كيف حال نعمة ؟

فأعرب لها عن إعجابه بالنعجة، وتركها لها، ومضى فى سبيله، وإذا بصاحبة البيت والنعجة تدخل الحوش عائدة من الحارة،بدت أمامه فى ملاءة لف حوت جسمها الملئ، طالعته من برقعها عينان سوداوان يندبان بالحنان، تنحى جانبا وهو يغض بصره فقالت له برقة مهذبة:

مساء الخير-. .مساء الخير يا ستى"ص244

يشير هنا نجيب لمكة بحى الجرابيع نظرا لكونها ليست فى غنى المدن الكبرى فى ذلك العصر كروما والاسكندرية والمدائن ونلاحظ أنه سمى خديجة زوج النبى(ص) قمر وسمى مالها الذى رمز له بنعجة واحدة نعمة إشارة لكون مالها حلالا كصاحب النعجة فى قصة المحراب الدادوى وسمى جاريتها سكينة إشارة لما فى بيتها من هدوء وراحة

-"وفاز بنظرة أخرى وهو يحيها مودعا ثم ذهب، ذهب شديد التأثر برقتها وعطفها كحاله كلما أسعده الحظ بلقائها وذلك عطف لم يعرف مثله إلا فيما يسمع أحيانا عن عطف الأمهات الذى لم يجربه، ولو امتد العمر بأمه لكانت اليوم فى مثل عمر هذه السيدة الأربعينية، وكم بدا هذا العطف عجيبا فى حارة التى تتباهى بالقوة والعنف، وليس أعجب منه إلا جمالها المحتشم وما ينفحه فى روحه من بهجة غامرة"ص244

يبين نجيب هنا أن محمد(ص) كان معجبا بخديجة كسيدة كأمه ومعجب فى نفس الوقت بجمالها المحتشم

-"انتهى العشاء، رفعت المرأة الطبلية وغادر عم زكريا الربع، ولبث الصديقان فى الشرفة حتى ترامى إليهما صوت من الحوش ينادى:

يا قاسم

فقام الشابان وقاسم يجيبه

-نحن قادمان يا صادق.

وتلقاهما صادق ببشر متألق وكان مقاربا لقاسم فى سنة وطوله ولكنه أنحل منه عودا، وكان يعمل مساعدا لمبيض النحاس فى أول دكان بحى الجرابيع فيما يلى الجمالية، مضى الأصدقاء إلى قهوة دنجل وطالعهم لدى دخولهم الشاعر طازة متربعا على أريكته فى الصدر، على حين جلس سوارس على كثب من مجلس دنجل عند المدخل، فاتجهوا نحو الفتوة وصافحوه فى خضوع رغم ما يعتز به قاسم وحسن من قرابته، واتخذوا مجلسهم على أريكة واحدة وسرعان ما جاء لهم صبى القهوة المألوفة، وكان قاسم مغرما بالجوزة والشاى المنعنع"ص245

نلاحظ هنا أن الفتوة سوارس كان قريب قاسم وحسن وعلى ما يبدو فهو يشير لعبد العزى بن عبد المطلب المعروف بأبى لهب

ونلاحظ الفرية التى كررها نجيب فى حكايته وهى حب قاسم أى النبى(ص) للجوزة فلا يمكن أن يكون نبى(ص) قد جرب الجوزة فالتدخين بشكله المعروف حاليا أمر كما يقولون مستحدث لم يكن موجودا إلا بعد اكتشاف الأمريكتين وتدخين الهنود الحمر وبالطبع التدخين كان موجودا منذ القديم ولكن من غير المتصور أن يكون رجل سيكون نبيا فى المستقبل من هواة الجوزة والتى غالبا ما تؤدى لشرب المخدرات

-"وتتابعت التحيات لرفعت الناظر ولهيطة الفتوة وسوارس سيد الحى"ص246

هنا يشير نجيب لكبار قريش ولكن لا يمكن تحديد شخصية سوى سوارس وهو أبو لهب وأما رفعت ولهيطة فيمكن أن يكون واحد من أمثال أبو جهل وأبو سفيان والعاص بن وائل وعتبة بن ربيعة

-"قالت سكينة الجارية:

انتظر يا قاسم ، عندى شئ لك.

فوقف قاسم حيث ربط النعجة بجذع النخلة، وقف ينتظر الجارية التى ذهبت إلى الداخل وكان قلبه يخفق وحدثته نفسه بأن الخير الذى وعد به صوت الجارية إنما يجئ من خير أنبل فى قلب صاحبة الدار، ووجد تشوقا عميقا إلى أن يرى نظرتها أو يسمع صوتها ليبرد بالبهجة جسده الذى احترق فى الخلاء طيلة النهار، وعادت سكينة بلفافة فأعطته إياها وهى تقول:

فطيرة بالهنا والشفا!

فتلقاها بيديه قائلا

إشكرى عنى السيدة الكريمة

فجاءه صوتها من وراء النافذة وهى تقول برقة

الشكر للمولى يا ابن الطيبين.

فرفع بالشكر يده دون بصره ومضى وردد قولها : يا ابن الطيبين، فى سعادة مخدرة لم يسمع راعى الغنم قولا كهذا من قبل، ومن قائلته؟ السيدة المحترمة فى حيه البائس، وألقى نظرة وردية على الحارة المسربلة بالمغيب، وقال لنفسه:

رغم تعاسة حارتنا فهى لا تخلو من أشياء تستطيع إذا شاءت أن تبعث السعادة فى القلوب المتعبة"ص246

هنا يشير نجيب لما ورد فى السيرة من مرحلة التقارب بين الزوجين المستقبليين ونلاحظ أن نجيب لم يذكر عمل النبى(ص) بالتجارة من خلال السفر كما تقول السيرة ولكنه أكد أنه راعى غنم

-"فقال قاسم بسماحة

عندى حيلة ترد النقود إلى صاحبها دون عراك!

فجرى النجاد نحوه هاتفا : أنا فى عرض دينك، فقال قاسم يخاطب الجميع

سترد النقود إلى صاحبها دون ان يفتضح أمر السارق

وساد الصمت ، وتركزت الأعين فى قاسم باهتمام شديد، فعاد فقال

-فلننتظر حتى يستحكم الظلام وهو قريب، لن تضاء شمعة واحدة فى الحارة، ثم نسير جميعا من أول الحارة إلى أخرها كيلا تنحصر الشبهة فى حى دون أخر، وفى أثناء ذلك سيجد حائز النقود فرصة للتخلص منها فى الظلام من غير أن يفتضح أمره، فنعثر على النقود وتنجو الحارة من شر العراك.

وشد النجاد على ذراع قاسم فى ضراعة يائس وهتف : نعم الحل ، اقبلوه جبرا لخاطرى، وصاح صوت : حل معقول يا جدعان!

وصاح أخر : هذه فرصة للسارق كى ينجو وينجى الحارة."ص250

حرف نجيب هنا حكاية محرفة أساسا وهى وضع الحجر الأسود فى الكعبة فجعل الحجر نقودا سرقت يجب عودتها لصاحبها كما عاد الحجر للكعبة المزعومة لأن الكعبة الحقيقية لا يمكن أن يكون فيها حجرا ولا أن يبنيها البشر ومن أمثلة ما ورد فى تلك الحكاية :

" جاء في كتب السيرة أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حين كان في الخامسة والثلاثين من عمره (أي قبل البعثة)، أرادت قريش إعادة بناء الكعبة، فحصل خلاف أيُّهم يكون له فخر وضع الحجر الأسود في مكانه، حتى كادت الحرب تنشب بينهم بسبب من ذلك. وأخيراً جاء الإتفاق على أن يحكّموا في ما بينهم أول من يدخل من باب الصَّفا، فلما رأوا محمداً أول من دخل قالوا: «هذا الأمين رضينا بحكمه». ثم إنهم قصّوا عليه قصَّتهم فقال: «هلمَّ إليّ ثوباً» فأُتي به، فنشره، وأخذ الحجر فوضعه بيده فيه ثم قال: «ليأخذ كبير كل قبيلة بطرف من أطراف هذا الثوب»، ففعلوا وحملوه جميعاً إلى ما يحاذي موضع الحجر من البناء، ثم تناول هو الحجرَ ووضعه في موضعه، وبذلك انحسم الخلاف"

-"تساقطت عليه كالورود ، وعندما ذهب قاسم وحسن وصادق إلى قهوة الجرابيع ذلك المساء استقبله سوارس بابتسامة

ترحيب وقال:

-جوزة على الحساب لقاسم."ص251

كرر نجيب حكاية الجوزة مرة اخرى

-"فقال قاسم بدهشة

وما وجه التشابه بين رفاعة العظيم وبينى أنا ؟

وعندما هم بالعودة ودعه العجوز قائلا

-احتفظ دائما بحجابى"ص253

يبدو الحجاب المزعوم وكأنه إشارة لما ذكره بحيرا من كونه سيكون صاحب شأن عظيم مستقبلا

-"فقالت بصراحة زنجية

جرب بختك واخطب سيدة حينا!

وبدا كل شئ غير نفسه وتساءل

من تعنين يا سكينة ؟-.

لا تجاهل ما أعنى ، فليس فى حينا إلا سيدة واحدة-.

ست قمر-!

دون غيرها

فقال بصوت متهدج

242 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

كان زوجها من الأكابر، ولست إلا راعى غنم-. !

لكن الحظ إذا ضحك، ضحك معه كل شئ حتى الفقر

وتساءل وكأنما يسأل نفسه

ألا يغضبها طلبى ؟

قامت سكينة وهى تقول

لا يدرى أحد متى ترضى النساء، ومتى تغضب، فتوكل على الله

ثم وهى تمضى

فتك بعافية-. ."ص254

-"وقال العم:

قل كلاما غير هذا الكلام، عرفتك مثال العقل والكرامة رغم فقرك ، رغم فقرنا فماذا انتاب عقلك ؟

وتجلى فى عينى زوجة عمه كم الاستطلاع فقال قاسم

لدى ما شجعنى فجاريتها هى التى فتحت لى الباب!

جاريتها"ص254

هنا يشير نجيب لحكاية خطبة خديجة لمحمد(ص)من خلال بعث خادمتها له وهو ما ورد فى كتب السيرة

-"وقال حسن مدفوعا بحبه لابن عمه الذى لا يخفى على أحد-.

وقاسم رجل ولا كل الرجال-."

فهز عم زكريا رأسه وغمغم " : بطاطة العمدة .. بطاطة الفرن" ص255

يشير نجيب هنا إلى أن الأقارب يمدحون قريبهم كما يقول المثل بصلة المحب خروف

-"فقالت أمه

عم عويس البقال هو عم ست قمر، أغنى رجل فى حينا سيكون نسيبنا كما كان سوارس قريبنا ، ما أجمل ذلك! ست قمر على قرابة مع أمينة هانم حرم الناظر، كان المرحوم زوجها قريبا للهانم

فقال قاسم بقلق

هذا مما يزيد الأمر عسرا-. .

وإذا بعم زكريا يقول بحماس طارئ كأنما قدر ما يعود عليهم من رفعة النسب المرتقب

تكلم كما تكلمت يوم واقعة النجاد ، إنك شجاع حكيم، وسنذهب معا إلى السيدة لنفاتحها فى الأمر ثم نكلم عويس، إذ أننا لو بدأنا بعويس لأرسلنا إلى مستشفى المجاذيب ص255

يحرف هنا نجيب ما جاء فى كتب السيرة ويحقر أسرة النبى (ص)

-"فانطلقت قمر واقفة بوجه مصفر من الغضب وهتفت

قطع لسانك ، لقد ولدت ونشأت وتزوجت وترملت فى هذه الحارة، الكل يعرفنى وسيرتى كالعطر على كل لسان-. .

-طبعا يا بنتى ! ليس إلا أنها تشير إلا ما قد يقال

عمى دعنا من الهانم فلا يجئ منها إلا وجع الدماغ، إنى أخبرك وأنت عمى بأننى قبلت الزواج من قاسم، وسيكون ذلك-. برضاك وحضورك ص257

يحرف هنا نجيب ما جاء فى كتب السيرة بذكر الهانم التى اخترعها نجيب ولا وجود لها فى كتب التاريخ

-"وتعالت الآهات من الأفواه المخمورة المخدرة والموكب يشق طريقه إلى الجمالية فبيت القاضى فالحسين ثم الدراسة،والليل ينطوى فى غفلة من السعداء، وعادت الزفة كما ذهبت فى بهجة وانشراح، فكانت أول زفة فى الحارة تمر بسلام ص259

هنا نجيب يحرف التاريخ بجعل القاهرة هى مكة وكأنه يشير بذلك للمقولة الكاذبة مصر المحروسة وهو الاسم الشعبى للقاهرة أم الدنيا بينما فى الحقيقة هى مكة أم القرى

-"وأدهم لم يحلم بالفراغ والرزق الموفور إلا باعتبارهما طريق السعادة الصافية

ولاذ ثلاثتهم بالصمت مليا حتى قال حسن فى براءة:

هذه السعادة الصافية لا يمكن أن توجد أبدا

فلاحت فى عينى قاسم نظرة حالمة وقال

إلا إذا توفرت أسبابها للجميع! ص263

يشير نجيب هنا إلى قوله تعالى بسورة فصلت " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين "

-"استقبل بيت قاسم حياة جديدة شارك فى فرحتها فقراء الحى . وسميت إحسان كأمه التى لم يرها ، ولمولدها ألف البيت ألوانا جديدة من البكار والقذارة والأرق ، ولكنه ازداد غبطة ورضى، لكن لماذا يبدو الأب أحيانا شارد اللب والنظرة كأن هموما تتناوبه؟ ص264

هنا يحرف نجيب ما جاء فى السيرة وفى الوحى من كون محمد(ص)أنجب بناتا وليس بنتا واحدة سماها على اسم أمه وهو هنا إحسان

-"كان جالسا فى الفراش، مسند الظهر إلى وسادة، ساحبا الغطاء عليه حتى أعلى الصدر، تعكس عيناه نظرة متفكرة، وكانت قمر متربعة عند قدميه، حاملة على صدرها إحسان، وهذه تحرك يديها الصغيرتين دون توقف، وتصدر أصواتا رقيقة غريبة لا يدرى أحد عن سرها شيئا، وتصاعد من مبخرة فى وسط الحجرة بخور يتلوى ثم ينكسر ثم ينتشر، نافثا عبقا كأنما

يبوح بسر لطيف، ومد الرجل يده إلى خوان قرب الفراش فتناول قدح كراوية، واحتسى منه قليلا قليلا ثم أعاده وليس به إلا ثمالة، والمرأة تناغى الطفلة وتداعبها ، ولكن نظراتها القلقة المسترقة إلى زوجها دلت على أن مناغاتها ومداعباتها ليست إلا مداراة لمشاعرها، وأخيرا سألته:

كيف أنت الآن ؟ ص267

وإذا بصوت قريب يقول

بغتة : مساء الخير ياقاسم، فارتعدت من المفاجأة التى لم يسبقها صوت أو حركة، ورفعت رأسى فرأيت شبح رجل واقفا على بعد خطوة من مجلسى لم أتبين وجهه ولكنى ميزت لاسته البيضاء والعباءة التى يتلفع بها، وقلت له وأنا أدارىغيظى : مساء الخير، من أنت؟ فأجابنى : ولكن لم تظنيه أجاب؟

فحركت قمر رأسها فى جزع وقالت:

تكلم فلم يعد لى صبر-! .

قال لى : أنا قنديل ! فعجبت لشأنه وقلت له : لا تؤاخذنى فأنا .. فقاطعنى قائلا : أنا قنديل خادم الجبلاوىص268

وهتفت المرأة

ماذا قال الرجل؟

قال أنا قنديل خادم الجبلاوى

وكان الثدى قد أفلت من ثغر إحسان أثناء اضطراب الأم فتقلص وجهها إيذانا بالبكاء، ولكن المرأة أعادته إليه، ثم قالت بوجه شاحب:

يحملها خدمه إلى البيت الكبير ليتسلمها بعض خدم الواقف فى الحديقة

قنديل خادم الوقف؟ لا يدرى أحد عن خدم الواقف شئ ، حضرة الناظر هو الذى يتولى بنفسه إعداد لوازم البيت الكبير، ثم

-نعم ، هذا ما تعرفه حارتنا، لكنه قال لى ذلك.

-وهل صدقته ؟

-وقف من فورى، تأدبا من ناحية واستعداد للدفاع عن نفسى إن لزم الأمر من ناحية أخرى، وقلت له متسائلا من أدرانى

أنه صادق فيما يقول، فقال لى بهدوء مطمئن : اتبعنى إذا شئت حتى ترانى وأنا أدخل البيت الكبير، فاطمأن قلبى ، وقلت

256 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

لنفسى فلأصدقه حتى يتبين لى أمره، ولم أخف عنه فرحى بلقياه، وسألته عن جدنا كيف حاله، وماذا يفعل.

فقاطعه صوت قمر قائلا فى ذهول:

-كل ذلك دار بينك وبينه ؟

-نعم ، بالله انصتى ، قال لى إن جدنا بخير ، ولم يزد على ذلك شيئا، فسألته هل يدرى بما يجرى فى حاراتنا؟ فأجاب بأنه يعلم كل شئ، وبأن المقيم فى البيت الكبير يستطيع أن يطلع على كل صغيرة وكبيرة مما يقع فى حارتنا، وأنه لذلك أرسله إلى.

إليك أنت!

فقطب قاسم فيما يشبه الاستياء وقال

-هكذا قال، وند عنى ما يفصح عن دهشتى ولكنه لم يبال بى وقال : لعله اختارك لحكمتك يوم السرقة ولأمانتك فى بيتك، وهو يبلغك بأن جميع أولاد الحارة أحفاده على السواء، وأن الوقف ميراثهم على قدم المساواة وأن الفتونة شر يجب أن ص269يذهب وأن الحارة يجب أن تصير امتدادا للبيت الكبير، وساد الصمت وكأنما فقد القدرة على النطق، ولمحت عيناى

المرفوعتان إلى هامته السحب وهى تنحسر عن الهلال فى رقة صافية فسألته بأدب : ولماذا يبلغنى ذلك، فأجاب : لكى تحققه بنفسك.

أنت!

بذلك هتفت قمر، فقال قاسم بصوت متهدج

-هكذا قال، وهممت بأن استوضحه ، ولكنه حيانى وذهب، فتبعته حتى خيل إلى أننى رأيته يصعد إلى أعلى السور المشرف على الخلاء على سلم خارق الطول أو شئ شبيه بذلك ص270 فتردد قليلا ثم تساءلت

من يدرينا أنه حقا خادم الواقف ورسوله إليك؟ ولماذا لا يكون مسطولا من مساطيل حارتنا وما أكثرهم!

فقال فى نبرة عناد

سور البيت الكبير

فتنهدت قائلة

رأيته وهو يصعد إلى

ليس فى حارتنا سلم يمكن أن يصل إلى نصف ارتفاع السور-. !

لكنى رأيته

بدت كفأر فى مصيدة ، لكنها أبت أن تستسلم وقال

-لست إلا أننا أخاف عليك، وأنت تعلم ما أعنى، أخاف عليك وعلى بيتنا وابنتنا وسعادتنا، وإنى اسائل نفسى لماذا قصدك أنت بالذات؟ ولماذا لا يحقق إرادته بنفسه وهو صاحب الوقف وسيد الجميع ؟

فتسائل بدوره:

ولماذا قصد جبل ورفاعة ؟

اتسعت عيناها، وتقلص ركن فمها كالطفل الموشك على البكاء وغضت بصرها فى جفول فقال

258 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

-أنت لا تصدقيننى وأنا لا أطالبك بتصديقى.

فأجهشت فى البكاء ، واسترسلت فيه كأنما تهرب من أفكارها ، فمال قاسم نحوها ثم مد يده إلى يدها يجذبها نحوه ص272

هنا حرف نجيب حكاية الوحى تحريفا قليلا فهو أشار لتزمل النبى(ص) بعد مقابلة جبريل(ص) بدخوله تحت الغطاء وأشار لعلو جبريل (ص) فى فى السماء بالسلم الطويل وأشار إلى رسالة الوحى وهى تحقيق العدل لكل الناس كما أشار إلى علم الله الواسع بالصغير والكبير

-"فقال صادق بعد توثب طويل للكلام

إنه رجل صادق ، أتحدى أى مخلوق أن يذكرنا بكذبه صدرت عنه، فهو عندى مصدق، وأقسم لكم على ذلك بتربة أمى!

وقال حسن بحماس

وأنا كذلك ، وسيجدنى دائما إلى جانبه

وابتسم قاسم لأول مرة فى امتنان وهو يرمق جسم ابن عمه القوى بإعجاب ، لكن زكريا ألقى على ابنة نظرة انتقاد ص 273

يشير هنا نجيب لكون صادق أى أبو بكر الصديق أول من صدق محمد(ص) من الرجال وعلى أى حسن هو أول من أسلم من الشباب كما يشير لعدم إيمان عمه زكريا أى أبو طالب به

-"فعاد الرجل يعبث بشاربه وقال زكريا

-وأى خير فى أن يظن نفسه كجبل أو رفاعة؟ قتل رفاعة شر قتله، وكاد جبل أن يقتل لولا انضمام أهله إليه، ومن لك أنت يا قاسم ؟ أنسيت أنهم يدعون حينا بحى الجرابيع وأن أكثره ما بين متسول وتعيس؟

قال صادق بقوة:

لا تنسوا أن الجبلاوى اختاره من دون الجميع بما فيهم الفتوات، ولا أظنه يتخلى عنه عند الشدة ص274

يشير هنا نجيب بهذا الكلام إلى أن العم ابو طالب لم يسلم خوفا من افاعيل قريش بأتباع محمد(ص)

-"وإنما قال : إن جميع أولاد الحارة أحفاده، وأن الوقف لهم على قدم المساواة، وأن الفتونة شر!

برق الحماس فى عينى صادق وحسن وذهل عويس، أما زكريا فتساءل

أتعرف ماذا يعنى هذا ؟

فقال عويس بغضب

قل له-! .

أن تتحدى قوة الناظر ونبابيت لهيطة وجلطة وحجاج وسوارس

فامتقع وجه قمر، أما قاسم فقال بهدوء كالحزن

هو ذلك!ص275

وأن عويس لا يفكر إلا فى الريع، وكيف أن الحياة لن تطيب إلا بمواجهة الأفق الملئ بالخطوب وتنهد قائلا:

عمى كان يجب أن أبدا بمشاورتكم ولكنى لن أطالبكم بشئ، فشد صادق على يده قائلا-. :

-إنى معك

وكور حسن قبضته قائلا

وأنا معك فى الخير والشر معك ص276

يشير نجيب هنا أن محمد(ص) بدأ بدعوة أقاربه الأدنين كما قال تعالى بسورة الشعراء " وأنذر عشيرتك الأقربين "

-"أين هو جدنا؟ فليخرج إلى الحارة ولو محمولا على أعناق خدمه ثم فليحقق شروط وقفه كما يشاء ، أتحسب أن

وقال زكريا مكملا:

وهل هو إذا وثب الفتوات لذبحنا سيحرك ساكنا أو يكترث لما يصيبنا؟

فقال قاسم فى وجوم شديد

-لن أطالب أحدا بتصديقى أو بتأييدى ص277

هنا يحرف نجيب رسالة الإسلام فيقول أن الرسول(ص) لم يطلب تصديقه أو تأييده وهو كلام جنونى فأى رسالة تعرض على الناس تعرض لتصديقها وتأييدها أو العكس وهو تكذيبها ومحاربتها

-"وناولته الطفلة فاحتضنها وراح يهدهدها برفق

وحنان مصغيا إلى أنغامها السماوية وبغتة قال

إذا نصرنى المولى فلن أحرم النساء من ريع الوقف

فقالت قمر بدهشة

لكن الوقف للذكور دون الإناث

فرنا إلى العينين السوداوين فى وجه الصغيرة وقال

قال جدى على لسان خادمه إن الوقف للجميع، والنساء نصف سكان حارتنا، ومن عجب أن حارتنا لا تحترم النساء ص279و280

يشير نجيب هنا إلى مساواة الله بين الذكور والإناث فى الأجر والثواب وهو قوله تعالى بسورة آل عمران "أنى لا أضيع عمل عامل منكم من من ذكر أو أنثى "

-"وأخلى الصمت لقرقرة الجوزة حتى قطعه العجوز قائلا

-أما عمك فلا فائدة منه ولا ضرر، وأما الأخر فبوسعك أن تكسبه إلى جانبك لو منيته بشئ.

بماذا أمنية؟-!

عده بنظارة الجرابيع

فقال صادق باخلاص

لديك عمك وعم زوجتك ص280

يشير نجيب هنا لما ورد فى السيرة من عروض على النبى(ص) للتخلى عن دعوته كتنصيبه ملكا أو زعيما وتزويجه الجميلات مقابل تخليه عن جزء من الرسالة ومن ذلمك قول ابن هشام فى الجزء الأول من السيرة النبوية :

"قول عتبة بن ربيعة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما دار بين عتبة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيدا ، قال يوما وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ، ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ؛ فقالوا : بلى يا أبا الوليد ، قم إليه فكلمه
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد ، أسمع ؛ قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه [ ص: 294 ] أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له .
حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ؛ قال : أفعل ؛ فقال بسم الله الرحمن الرحيم
حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه . فلما سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه"

-"فضحك يحيى قائلا

ما أعجب جدنا ، كان قوة فى جبل ، ورحمة فى رفاعة، واليوم له شأن أخر!

فقال قاسم

إنه صاحب الوقف، ومن حقه أن يغير ويبدل فى الشروط العشرة-. .

لكن مهمتك شاقة يا بنى، إنها تخص الحارة كلها لا حيا من الأحياء

264 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

هكذا أراد الواقف

وسعل يحيى سعالا متواصلا تركه كالقتيل فتطوع حسن لخدمة الجوزة محله، ومد الرجل ساقيه وهو يتنهد بعمق ص281

هنا يتكرر نفس التحريف من خلال ما يسمى الشروط العشرة والحقيقة أنه لا يوجد فى الوحى القرآنى ما يسمى بالوصايا العشر أو الشروط العشر فهو كلام اخترعه اليهود فالشريعة فى كل عصر أكبر من عشرة أحكام بكثير

ونفس الفهم الخاطىء لمراد الله حيث قال قوة فى جبل ، ورحمة فى رفاعة وعدل وحب فى قاسم فمراد الله واحد فالرسالة كانت واحدة فهى القوة وهى الرحمة وهى العدل وهى الحب فالكل فى النهاية معناه واحد كما قال تعالى بسورة الشورى " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"

ونلاحظ تكرار نجيب لفريته فى حب الرسول (ص) وحسن للجوزة وكأنهم مجموعة من السكارى فحتى لو كانا يفعلان ذلك قبل نزول الرسالة وهو أمر لا دليل عليه فبعد الرسالة لا يمكن أن يأتيا هذه الخبيثة

-"-ألا يجيئ ذلك إلا بالواقف.

بلى يا معلم بالوقف والقضاء على الفتونة، هناك تتحقق الكرامة التى أهداها جبل إلى حيه والحب الذى دعا إليه رفاعة بل والسعادة التى حلم بها أدهم "ص282

يبين نجيب هنا الطريق وهو توزيع الوقف بالعدل والقضاء على الفتونة بالقوة يأتى بالكرامة والحب والسعادة معا ولعله هنا يشير إلى مقولة خاطئة وهى كون رسالة اليهود مادية والنصارى رسالتهم روحانية والإسلام هو من جمع بينهم وهو كلام ينقضه كون الإسلام دين كل الرسل كما قال تعالى بسورة آل عمران "إن الدين عند الله الإسلام " ومن ثم فرسالات الوحى كلها واحدة لا تختلف فى شىء سوى فى أحكام قليلة جدا خاصة بالطعام أو بحد ما أو بالزواج نتيجة ظروف اضطرارية كما فى شريعة آدم (ص)

-"ونظر يحيى إلى

جسم حسن المفتول وتساءل:

هل يستطيع ابن عمك أن يهزم الفتوات؟

وإذا بقاسم يقول

إنى أفكر جادا فى مشاورة محام شرعى!

فضحك يحيى

-أى محام يقبل أن يتحدى الناظر رفعت وفتواته؟

واختلط ذهول الكيف بوجوم الفكر، ورجع الأصدقاء الثلاثة فيما يشبه القنوط وعانى قاسم فى خلواته من العذاب ، وركبه الهم والكدر ص283

نلاحظ هنا فرية المحامى الشرعى الذى سيدافع عن الوقف وحق الكل فيه ولا أجد فيما أعرفه من السيرة النبوية حكاية ترمز للفرية إلا أن يكون القصد بعض من آمن ثم ارتد أو أنه إشارة لليهود الذين بدلا من أن يقولوا للكفار أن دين المسلمين هو الدين الحق قالوا للكفار دينكم أفضل من دينهم

"-فقال بصوت دبت فيه الحياة

انتهيت من تفكيرى إلى قرار، وهو أن ننشئ ناديا للرياضة البدنية!

وعقدت الدهشة لسانيهما فابتسم وهو يقول

ستجعله فى حوش بيتى، والرياضة هواية منتشرة فى أكثر الأحياء ص283

نعم وسيجئ إلينا شبان من جبل وآخرون من رفاعة-.

وشملتهم فرحة غناء، وبدا قاسم فى مشيته وكأنه يرقص

سيجئ إلينا الشبان ، حبا فى القوة واللعب، وسيقع الاختيار على من هم أهل ص284

هنا يخترع نجيب فرية النادى الرياضى التى لا وجود لها فى السيرة النبوية ولكن فيها إشارة إلى التجمع فى دار الأرقم بن أبى الأرقم التى كانت تجمع المسلمين فى مكة للتعلم والصلاة

-"أصل اللى شبكتنى مع المحبوب عينى دى

فذكره لتوه زفته السعيدة حتى رق قلبه، وهو بجل يحب الغناء والطرب، وكم تمنى أدهم أن يتفرغ للغناء فى الحديقة الغناء ص285

نلاحظ هنا أن نجيب يفترى على الرسل حبهم للغناء والطرب ولعل تلك المقولة اسقاط نفسى من نجيب الذى كان يحب الغناء والطرب

-"قال قاسم ذلك جادا مقطبا وهو جالس تحت صخرة هند يقلب عينيه فى وجوه أصحابه المقربين من أعضاء النادى، صادق وحسن وعجرمة وشعبان وأبو فصادة وحمروش، كان جبل يلوح من ورائهم شامخا وهى يتلقى طلائع الليل الهابطة ولم يكن فى الخلاء إلا راعى غنم يقف معتمدا على عصاه فى أقصى الجنوب وبدأ عجرمة مطرقا أسيفا وهو يقول:

ليتنى مت قبل ذلك ص291

يشير نجيب هنا لمجموعة المؤمنين الأوائل صادق وهو أبو بكر وحسن هو على بن أبى طالب وشعبان هو عثمان وأبو فصادة هو أبو عبيدة وحمروش هو سعد وعجرمة هو عمار وبالقطع هذا تخمين منى ووددت لو كان نجيب حيا ليخبرنا بمن قصد

"- ووافق قاسم والآخرون على هذا الرأى كإجراء احتياطى، وقاموا من فورهم فذهبوا إلى مكتب الشنافيرى المحامى ص293

اسم الشنافيرى من شنفر وهو سيىء الخلق فى معانى اللغة ويبدو أن نجيب كان يختار الأسماء اختيارا مقصودا فاسمه يدل على فعله وهو سوء خلقه حيث خان من وكلوه للدفاع عنهم ووشى بهم لمن أرادوا شكايته

"- ومضى قاسم إلى المعلم يحيى وجالسه فى دهليز الكوخ يدخنان ويتبدلان الرأى، وبدأ المعلم أسفا على ما وقع ووصى قاسم باليقظة والحذر.

وعاد قاسم بعد ذلك إلى داره ، ولما فتحت له قمر رأى فى وجهها ما أزعجه فسألها عما وراءها فقالت:

أرسل حضرة الناظر فى طلبك!"ص293

تكرار نجيب لفريته فى حب الرسول (ص)وصحابته للتدخين وكأنهم مجموعة من السكارى فحتى لو كان يفعل ذلك قبل نزول الرسالة وهو أمر لا دليل عليه فبعد الرسالة لا يمكن أن يأتي هذه الخبيثة

"- وعجب عم سنطح مبيض النحاس من اختفاء صادق وكان كلما سعى إليه فى داره لم يجد له ولا أحد من ذويه أثرا وعبد الفتاح الفسخانى كذلك لم يجد لعالمة عجرمة أثر فى الحارة ولم يعد أبو فصاده إلى مقلى حمدون ولم ينذره بغيابه وأين حمروش ؟ قال حسونة الفران إنه اختفى كأن نيران الفرن التهمته وأخرون ذهبوا بلا عودة وانتشر الخبر فى حى الجرابيع ص301

يشير هنا نجيب لحوادث هجرات الصحابة من مكة إلى المدينة المذكورة فى الوحى

"-غير أن حسن قاطعه قائلا:

صبرك يا أبى قمر مريضة ، مريضة جدا يا أبى

وعلمت الحارة بمرض قمر حتى بيت الناظر ولازمها قاسم وهو فى غاية من الكآبة والحزن وكان يهز رأسه فى حيرة ويقول

فى لحظة واحدة ترقدين بلا حول

فقالت المرأة بصوت ضعيف

بقلبك المثقل بالمتاعب ص302

وفى الصباح ازدحم بيت قاسم والطريق أمامه بالمعزين إن لصلات القربى فى الحارة احتراما متأصلا لا تحظى بجزء منه شتى الفضائل مجتمعة، فلم يكن بد من ان يجئ سوارس معزيا وما أسرع أن أقبل وراءه الجرابيع ولم يكن بد من أن يجئ الناظر رفعت معزيا فتبعه على الأثر لهيطة وجلطة وحجاج وما اسرع أن أقبل وراءهم كل من هب ودب، فانتظمت الجنازة جموعا غفيرة لم تشهد لها الحارة مثيلا من قبل إلا فى جنازات الفتوات، وتحلى قاسم بصبر الرجل الحكيم رغم ألامه ص304

وعند ذاك ربت زآريا عضد قاسم وقال بأسى:

شد حيلك يا ابن أخى ، كان الله فى عونك

فانحنى عوده قليلا وهو يزفر من الأعماق وغمغم

قلبى دفن فى التراب يا عمى ص305

هنا يفترى نجيب فرية سير الكفار مع المسلمين فى جنازة خديجة حتى الكبار منهم وهو كلام لا يعقل فالذين ضربوا الحصار الاقتصادى بيعا وشراء وهبة حولها وحول زوجها ومن معهم ثلاث سنوات لكى يموتوا جوعا لا يمكن أن يشاركوا فى جنازتها بسبب القرابة لأن العداوة الدينية أكبر من كل قرابة ولكن الممكن أن يسير فى الجنازة أقاربها الكفار الصغار كالرجل الذى ضرب أول مسمار فى نعش الحصار حكيم بن حزام بن خويلد وأما الكبار كأبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف فلا يمكن وإن كان بعض المؤرخين تبنى وجهة نظر مقاربة لنجيب فيمن فكوا الحصار الاقتصادى حول المسلمين بسبب قراباتهم

-"قالت وهى تجلس على حافة الكنبة

أنا بدرية ، وأرسلنى إليك أخى صادق ص307

هنا يفترى نجيب فرية تخالف السيرة النبوية التاريخية وهى كون بدرية وهى عائشة أخت صادق أى أبو بكر الصديق وليست ابنته

-"إنه يقول لك أن غادر الحارة فورا فإن لهيطة وجلطة وحجاج وسوارس تأمروا على قتلك الليلة

قطب كالمنزعج على حين شهقت سكينة وسألها

كيف علم بذلك ؟ ص307

هنا يحرف نجيب التاريخ حيث يزعم أن إنسان أخبر محمدا أى قاسم (ص) بمؤامرة قريش لقتله وهو ما يخالف كون الله من أخبره فى الوحى بذلك

-"وفى ثوان تأهبت للرحيل فلثم إحسان مرات، ثم قالت له المرأة وهى تمضى نحو الباب

-استودعتك الحى الذى لا يموت ص308

يحرف نجيب هنا فى السيرة النبوية التاريخية وهو أنه ترك ابنته فى مكة مع سكينة وهاجر

-"فقال العجوز ضاحكا:

إنها الصدفة وحدها ! لكنها وقعت لتنقذ رجلا هو أول من يستحق الحياة أسرعوا إلى الجبل فالجبل خير حصن لكم وشد قاسم على يده ونظر على ضوء المصباح إلى وجهه فى مودة وامتنان فعاد العجوز يقول

-اليوم أنت كرفاعة أو كجبل وسوف أعود إلى حارتنا عندما يقيض لك النصر.ص 311

يخلط هنا نجيب بين شخصيتى بحيرا وورقة بن نوفل فى شخصية يحيى وحكاية النصر مذكورة فى صحيح مسلم :

" قالت له خديجة كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة أي عم اسمع من ابن أخيك قال ورقة بن نوفل يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم يا ليتني فيها جذعا يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم قال ورقة نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا"

-"فرفع قاسم عينيه فرأى بدرية حاملة إناء فول وأرغفة وهو ترنو إليه بعينين باسمتين فما ملك أن ابتسم قائلا

298 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

أهلا برسول الحياة إلى

فوضعت الإناء بين يديه وهى تقول

أطال الله عمرك ص313

نلاحظ هنا تعبير رسول الحياة فهو معنى عائشة ومن ثم فهو كان يختار الأسماء اختيارا رتبه فى نفسه وليس اختيارا عشوائيا

-"ثم تشجعت بابتسامته فقالت

رأيت رفاعة وأنا شابة

فسألها باهتمام

حقا ؟-.

نعم وحياتك، كان لطيفا جميلا ولكن لم يجر لى فى خاطر أنه سيكون عنوان حى وحكاية من حكايات الرباب ص314

يفترى هنا نجيب فرية لا وجود لها فى السيرة التاريخية وهى كون إحدى نساء عهده خادمة زوجته سكينة عاصرته وعاصرت المسيح (ص)

واسم سكينة فى السيرة التاريخية هو نفيسة وربما اختار لها الاسم لأنها اسكنت أى جلبت السكن وهو الراحة لمحمد (ص) من خلال زواجه بخديجة كما قال تعالى بسورة الروم"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها " وكررت الأمر هنا بتزويجه بدرية أى عائشة

-"وتبادلا نظرة خلال الظلام، أردفتها هنيهة صمت، ثم تمتمت الجارية

بدرية ! ما ألطفها من فتاة

فقال بدهشة تعدل خفقة قلبه

البنت الصغيرة!

فقالت وهى تدارى ابتسامة ماكرة

ما أنضجها وهى تقدم الطعام أو القهوة

فتحول عنها وهو يقول

-يا شيطانة ! لعنة الله على سلالتك!

وكان للخبر رنة فرح فى حارة الجبل جميعا كاد صادق أن يرقص وزغردت أمه حتى أسمعت الخلاء وانهالت التهانى على قاسم واحتفلت الحارة بالزفاف دون استدعاء لأحد من المحترفين فرقصت نساء من بينهن أم بدرية وغنى أبو فصادة بصوت مليح.

أنا كنت صياد سمك وصيد السمك غية

وسارت الزفة حول الأكواخ مستضيئة بأنوار السماوات وانتقلت سكينة بإحسان إلى كوخ حسن على حين خلا كوخ قاسم للعروسين.ص317

بالطبع هنا خالف نجيب السيرة التاريخية وتخيل زواج النبى(ص) بعائشة على طريقة الزواج فى حارات مصر حيث سكينة هى الخاطبة التى تسعى لتزويج الرجل

-"فقال حسن بحماس

اليوم يتزوج سوارس للمرة الخامسة وستسير زفته هذه فرصة لا تتكرر للقضاء عليه ص319

وأطلق نحوه ضربة هائلة لو لم يتفاد منها بوثبة جانبية لهلك ثم طعن سوارس فى أثناء وثبته برأس نبوته فأصاب عنقه ،وعطلت الطعنة سوارس لحظات عن تسديد الضربة التالية فسيطر حسن على توازنه ووجه ضربة شديدة بقوته الخارقة فأصابت جبهة سوارس وفجرت نافورة من الدم وسرعان ما تراخت قبضته عن نبوته فهوى، وتراجع خطوات مترنحة ثم سقط على ظهره دون حراك، وعلا على أصوات النبابيت المتلاطمة صياح رجل:

-سوارس قتل!ص322

نجيب هنا يفترى فرية للقضاء على سوارس وهى حكاية قتله أثناء زواجه ويجعل حسن قاتله وهى إشارة لقتل على لكبار قريش فى المبارزة فى غزوة بدر كما فى السيرة فقد أخرج أبو داود في سننه وأحمد في مسنده وغيرهما عن حارثة بن مضرب عن علي قال: تقدم يعني عتبة بن ربيعة وتبعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز فانتدب له شباب من الأنصار فقال من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة بن الحرث. فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا إلى الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة."

-"فنظر إليها بعينين مثقلتين حالمتين وقال ستشهدين النصر قريبا يا قمر وانتبه إلى هفوة اللسان إثر وقوعها ورأى تغير وجه بدريه، فجلس فى فراشه الأرضى وقال فى تودد وارتباك ما أشهى طعامك ص323 فلوت عنه وجهها وتمتمت

كانت طاعنة فى السن ولا جمال لها

فتقوضت قامته المنتصبة فى كآبه كأنه انهدم وقال فى عتاب وحزن شديدين

لا تذكريها بسوء فمثلها لاينبغى أن يذكر إلا بالرحمة-. .

فارتد إليه رأسها متوثبا لكنها رأت على صفحة وجهه حزنا مخيفا فترددت ثم لاذت بالصمت ص323

يشير نجيب بهذه الحكاية عن هفوة اللسان إلى ما روى فى السيرة التاريخية عن ذكره لخديجة بعد زواجه عدة مرات منها مرة متعلقة بطعام ففى صحيح البخارى :

" عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : " مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ , وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا , وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً , ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا ، قُلْتُ : لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ ، فَيَقُولُ : " إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ "

-"ووجد دافعا من أعماقه يدعوه إلى ان يصيح بأعلى صوته

قائلا:يا جبلاوى ، كما يفعل أهل حارته فى أحوال شتى، لكن لفت سمعه أصوات النساء المقتربة فاستدار ناظرا حوله فرأى ص325

هنا يشير نجيب إلى دعاء النبى (ص)لله يوم بدر بإلحاح وهو ما رواه كتاب اسد الغابة فى معرفة الصحابة:

" أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ السَّمِينِ ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا ، فَتَكُونُ فِيهِ وَنُنِيخُ إِلَيْكَ رَكَائِبَكَ ، وَنَلْقَى عَدُوَّنَا ، فَإِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ وَأَعَزَّنَا ، فَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَجْلِسْ عَلَى رَكَائِبِكَ ، فَتَلْحَقْ بِمَنْ وَرَاءَنَا ؟ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ ، فَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ ، فَكَانَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ ، مَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَعْدَهُ وَنَصْرَهُ ، وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لا تُعْبَدْ " , وَأَبُو بَكْرٍ , يَقُولُ : بَعْضُ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ مُوَفِّيكَ مَا وَعَدَ مِنْ نَصْرِهِ ."

-"إن الدم يسيل من أسنانك وذقنك!

فمسح فمه وذقنه براحته وبسطها فرأها حمراء قانية وقال حسن بأسف

قتل منا ثمانية وأصيب الأحياء بجروح بالغة فلن يستطيعوا حراكا

ونظرا إلى أسفل من خلال الأحجار المتهاوية فرأى أعداءه يركضون فى نهاية الممر فقال صادق

لو أتموا رحلتهم ما وجدوا مقاتلا يصمد لهم-.ص330

يشير هنا نجيب لواقعة فى غزوة أحد فقد روى كتاب أسباب النزول للواحدى التالى :

"أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كُسِرَتْ رَبَاعِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَدُمِيَ وَجْهِهِ ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ : " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ ؟ " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ سورة آل عمران آية 128 ."

"وخاطب صادق قاسم قائلا فى ثقة وطمأنينة:

انتصرت ، نصرك الله ، إن جدنا لا يخطئ فى اختياره ولن تسمع حارتنا العويل بعد اليوم-. .

فابتسم قاسم ابتسامة هادئة ثم استدار فى عزم موجها بصره نحو بيت الناظر فاتجهت الرءوس إليه ص337

يشير نجيب هنا لفتح مكة حيث البيت بيت الناظر والبيت الكبير حيث انتصر النبى النصر المبين كما قال تعالى" وينصرك الله نصرا عزيزا "

-"وبدا قاسم باسما متواضعا رقيا مهيبا معا فأشار إلى أعلى إلى البيت الكبير وقال:

هنا يقيم الجبلاوى، جدنا جميعا لا تمييز فى الانتساب إليه بين حى وحى أو فرد وفرد أو رجل وامرأة-. .ص338

يشير هنا نجيب مع التحريف إلى قوله تعالى بسورة الحجرات "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا "

-"وأردف قاسم قائلا:

وحولكم وقفه، وسيكون لكم جميعا على السواء كما وعد أدهم حين قال له : سيكون الوقف لذريتك، وعلينا أن نحسن-.

استغلاله حتى يكفى الجميع ويفيض، فنحيا كما تمنى أدهم أن يحيا فى رزق موفور وطمأنينة شاملة وسعادة صافية غناء ص338

يشير نجيب هنا لقوله تعالى بسورة فصلت "وقدر فيها أقواتها فى أربعة ايام سواء للسائلين "

-"وقلب عينيه فى الوجوه المستبشرة وقال:

وبيدكم أنتم ألا يعود الحال كما كان، راقبوا ناظركم فإذا خان اعزلوه وإذا نزع أحدكم إلى القوة اضربوه وإذا ادعى فرد أو حى-. سيادة أدبوه، بهذا وحده تضمنون ألا ينقلب الحال إلى ما كان وربنا معكم

فى ذلك اليوم تعزى قوم عن موتاهم وأخرون عن هزيمتهم ونظر الجميع إلى الغد كانما ينظرون إلى بزوغ البدر فى ليلة من ليالى الربيع.ص 339

هنا الوصية الخالدة التى ينسى العمل بها بعد مدة فيعود الظلم وهو الكفر أدراجه حيث يفترى البعض على البعض بأخذ أنصبتهم والإدعاء كذبا بأن الله خلق الناس أغنياء وفقراء مع أنهم اخوة من نفس الأب والأم أى ورثوا نفس الميراث

-"وإلى ذلك كله كان

321 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

ظريفا بشوشا أنيقا وعشيرا تطيبي مودته فضلا عن ذوقه الجميل وحبه الغناء والنكتة لم يتغير من شأنه شئ اللهم إلا أنه توسع فى حياته الزوجية كأنما جرى فيها مجراه فى تجديد الوقف وتنميته فعلى حبه بدرية تزوج حسناء من آل جبل وأخرى من آل رفاعة ، وتعشق امرأة من الجرابيع ثم تزوج منها أيضا وقال أناس فى ذلك إنه يبحث عن شئ افتقده مذ فقد زوجته الأولى قمر، وقال عمه زكريا إنه يريد أن يوثق أسبابه بأحياء الحارة جميعا، لكن حارتنا لم تكن بحاجة إلى تفسير أو تعليل ص339

هنا يحاول نجيب تفسير زيجات النبى (ص) بكونها توثيق أسبابه بكل أحياء الحارة أو بكونها بحث عما فقده فى زوجته الأولى خديجة وهو كلام يبين وجهات نظر يدافع بها عن فرية كون النبى(ص) زير نساء والحق أن الرجل تزوج فى القرآن لسبب ضرورى ولكنه لم يتزوج ممن قالت السيرة التاريخية عنهن فقد تزوج بنات أعمامه وعماته وأخواله وخالاته المؤمنات اللاتى هاجرن معه وكان هو وحده المسئول عنهم جميعا وكن يعشن معه فى بيته حيث الحجرات القليلة فى بداية الهجرة ولم يكن لهن أزواج وكان المسلمون معظمهم متزوجون ولا يملكون مالا للانفاق على زوجة ثانية لأن المهاجرين تقاسموا مال الأنصار القليل معهم ومن ثم كان الرجل يدخل دون إرادته وإرادتهن نتيجة الفقر فيرى بعض عوراتهن مكشوفة ومن أجل حل هذه المشكلة أباح الله له زواجهن فقد كان زواج ضرورة كما تزوج المرأة المؤمنة التى عرضت نفسها عليه لأنها لم يكن لها عائل يعيلها وقتها ولم يكن هناك منزل من الممكن أن يستضيفها خاصة مع اقتسام المهاجرين المنازل مع الأنصار

-"أين قاسم والحارة الواحدة والوقف المبذول لخير الجميع؟ وماذا جاء بهذا الناظر الجشع وهؤلاء الفتوات الجبارين؟ ستسمع حول الجوزة الدائرة فى الغرز بين الحسرات والضحكات أن صادق خلف قاسم على النظارة فسار سيرته، وأن قوما رأوا أن حسنأ أحق منه بالنظارة لقرابته من قاسم ولأنه الرجل الذى قتل الفتوات، وأنهم حرضوا حسن على رفع نبوته الذى لا يقاوم فأبى أن يعود بالحارة إلى عهد الفتونة لكن الحارة كانت قد انقسمت على نفسها ومضى أناس فى آل جبل وآل رفاعة يجاهرون

بما كانو يضمرون ولما رحل صادق عن الدنيا أسفرت الرغبات المكبوته عن وجهها الشائه ونظراتها العدوانية واستيقظت النبابيت بعد رقاد وسال الدم فى كل حى على حدة وبين كل حى وأخر حتى قتل الناظر نفسه فى إحدى المعارك، وأفلت الزمام ووئد الأمن والسلام فلم يجد الناس بدا من إعادة أخر ذرية الناظر رفعت إلى النظارة التى يتقاتل الطامعون عليها ص340

يشير هنا نجيب لخلافة أبو بكر الصديق بعد محمد (ص) ووجود ناس أرادوا أن يكون حسن أى على بن أبى طالب خليفة محمد(ص) بسبب القرابة وهو يشير للخلاف التاريخى المزعوم الذى أفسد حال الأمة كما يدعى المؤرخون –وهو لم يحدث – وصحابة محمد(ص)الكبار أحياء وانقسام الأمة لما يسمى السنة والشيعة وكانت نقطة خلافهم هى من الأولى بخلافة محمد(ص)

-"وبدا وكأن شيئا من القديم لم يتغير إلا أن حى الجرابيع أصبح حى آل قاسم يراسه فتوة كالفتوات الأخرين وتقوم على جانبيه الربوت مكان الأكواخ والخرائب أما أهل الحارة فانقلبوا إلى ما كانوا عليه فى الزمان الأسود بلا كرامة ولا سيادة تنهكهم الفاقة وتتهددهم النبابيت وتنهال عليهم الصفعات وانتشرت القذارة والذباب والقمل وكثر المتسولون والمشعوذون وذوو العاهات ولم يعد جبل ورفاعة وقاسم إلا أسماء، وأغانى ينشدها شعراء المقاهى المسطولون وتباهى كل فريق برجله الذى لم يبق منه شئ وتنافسوا فى ذلك إلى حد الشجار والعراك وذاعت شعارات المساطيل ص341

يشير هنا نجيب إلى نظرية تاريخية وهى تكرار دورات الظلم الطويل والعدل القصير ويبدو أن الحكاية كلها من أولها لأخرها هى تكرار للقانون وهى الظلم يعقبه عدل أساسه هو توزيع الوقف أى الثروات الأرض بالعدل فحتى الجزء القادم وهو حكاية عرفة يكرر نفس الحكاية

ويشير هنا نجيب إلى مشكلة تتعلق بالعالم وهى تصارع الأديان الثلاثة وأهلها الإسلام والنصرانية واليهودية على قيادة العالم وهى وجهة نظر غير سليمة فكل الأديان تفعل ذلك وكذلك أهلها للسيطرة على العالم

حكاية عرفة :

انتهى عصر الرسل (ص) بموت قاسم أى محمد(ص)ومن ثم لم يجد نجيب شخصية تعبر عن الحق فبدأ باختراع عرفة وعرفة ليس شخصية وإنما هو رمز لعصر العلم وقد اخترع اسم عرفة تعبيرا عن عصر كتابة الحكاية

-"فهز حنش منكبيه الضيقين كأنما يقول : الأمر لله، واعترضهما رجل مسطول فسأل عرفه:

ماذا نسميك ؟

عرفة

ولقبك ؟-!

عرفة ابن جحشة

فضج الواقفون بالضحك مسرورين فعاد المسطول يقول

طالما ساءلنا أنفسنا فى ذلك الزمان حينما حملت أمك ترى من يكون أبوه؟ فهل خبرتك بالحقيقة؟

فقال عرفة مداريا ألمه بمزيد من الضحك

ماتت هى نفسها قبل أن تعرفه"ص344

الاسم عرفة بن جحشة هو اسم مختار فعرفة معناه العلم وجحشة إشارة إلى استبداد العلم على غيره فى هذا العصر فكلمة جحش من معانيها المستبد برأيه ولو أخذنا بالمعنى العامى للكلمة فمعناه العلم بن الجهل أو ابن المستبد إن كان قصد به الاتحاد السوفيتى

-"وجعل عرفة يطيل النظر إلى الفتاة من بين القضبان ، هذا الوجه الأسمر المتلفع بخمار أسود ما ألطفه، وهذا الجلباب البنى الغامق الذى يغطيها من العنق حتى القدمين ويتجرجر منه طرف على الأرض إذا مشت بطلب أو عادت بقدح فارغ، هذا الجلباب حشمة وأدب وهذه القامة الرشيقة والعينان العسيليتان ما أجملهما لولا احمرار أشفار يسراهما لرمد أو قذارة هى ابنة العجوز كما يشهد الوجهان ويبدو أنه أنجبها فى سن متأخرة كما يقع كثيرا فى حارتنا ودون تردد صاح بها:

-يا شابة ، فنجال شاى وحياتك.ص354

يشير نجيب بصفات الفتاة المسلمة فيما يبدو لنساء مصر أو الشرق

-"ولما مر بالقهوة المتنقلة وقع بصره على الفتاة فسأل رجلا من رجاله:

من الفتاة؟

عواطف بنت عم شكرون ص354

تسمية الفتاة عواطف بنت شكرون إشارة من نجيب إلى القلب الذى سيتزوج عرفة وهو العلم أى العقل وكأن زواج العقل والقلب هو الحل لمشاكل البشرية وبالقطع هى مقولة خاطئة درج عليها الناس فالقلب هو نفسه العقل كما قال تعالى بسورة الحج " فتكون لهم قلوب يعقلون بها "

-"فقالت فى مباهاة:

لكن صحته جيدة وهى يأبى أن يقعد فى البيت رغم أن طول عمره من دواعى حزنه فى الحياة إذ أنه كان ممن شهدوا الأحداث على عهد قاسم

فتجلى الاهتمام فى وجه عرفة وسألها:

حقا ! أكان من أعوانه ؟-.

كلا ، لكنه ذاق السعادة فى أيامه ومازال يتحسر عليها-.

أريد أن أعرفه وأن استمع إليه

فبادرته قائلة

-لا تجره إلى هذا الحديث فإنى أود أن ينساه إلى الأبد حرصا على سلامته كان مرة فى خمارة يشارب بعض أصحابه ولما سكر وقف بينهم يطالب بأعلى صوته بأن تعود الحياة إلى ما كانت عليه أيام قاسم، وما أن عاد إلى حارتنا حتى وجد السنطورى أمامه فانهال عليه ضربا وصفعا ولم يتركه حتى أغمى عليه"ص356

نلاحظ هنا أن نجيب جعل الرجل المخمور ينطق بالحق الذى كان يكتمه فى صحوه وهو جنون فشرب الخمر لا يأتى بخير

واسم السنطور هو مأخوذ من آلة موسيقية تشبه آلة القانون وكأنه أراد بالسنطورى رجل القانون وهو الشرطى الذى يمثل السلطة الحاكمة التى تؤذى كل من يريد إعادة الحق لنصابه

-" وعلى صفحة وجهه الناحلة نقشت النكسة التى عدت على الحارة عقب أيام قاسم إذ أنه من سوء حظه أنه عاصر قاسم، فنعم بأيام العدل والأمانة ونال نصيبه كاملا من ريع الوقف ورأى الأبنية تشيد باسم الوقف ثم تتوقف بأمر قدرى وبالجملة هو رجل بائس طال به العمر أكثر مما ينبغى،"ص360

اسم قدرى هنا هو إشارة لقدرى الأول الذى قتل أخاه وهو إشارة للقدر المتكرر وهو تكرر دورة الظلم الطويل والعدل القصير

-"وعاد شكرون يصيح:

يا جبلاوى

يا جبلاوى .. حتى متى تلازم الصمت والاختفاء ، وصاياك مهملة وأموالك مضيعة أنت فى الواقع تسرق كما يسرق أحفادك

وهتف الصغار " هيه " وقهقة كثيرون أما العجوز فاستدرك صرخة:

يا جبلاوى ألا تسمعنى ؟ ألا تدرى بما حل بنا ؟ لماذا عاقبت إدريس وكان خيرا ألف مرة من فتوات حارتنا ؟ يا جبلاوى!

خرج عند ذاك السنطورى من المقهى وهو يصيح به

يا مخرف احتشم

فالتفت نحوه غاضبا وهتف

-عليك اللعنة يا وغد الأوغاد.ص363

هذا الموقف من شكرون هو إشارة لمعاناة المفكرين الذين بعد إيمانهم بعدل الله يكفرون بالله أو يجنون نتيجة الظلم الطاغى الذى يعجزون عن القضاء عليه ونلاحظ هنا أن الكافر السنطورى هو الذى ينهى شكرون عن الكفر من خلال العيب فى الجبلاوى

-" أولئك كلفوا بالعمل من قبل جدنا الواقف

فقال بضجر

-جدنا الواقف ! كل مغلوب على أمره يصيح كما صاح المرحوم أبوك " : يا جبلاوى " ولكن هل سمعت عن أحفاد مثلنا لا يرون جدهم وهم يعيشون حول بيته المغلق؟ وهل سمعت عن واقف يعبث العابثون بوقفه على هذا النحو وهو لا يحرك ساكنا؟

فقالت ببساطة:

إنه الكبر!

فقال بارتياب

لم أسمع عن معمر عاش طول هذا العمر-. .

كل شئ جائز "ص369

نلاحظ هنا أن نجيب يتحدث عن عدم إيمان العلم -أى عرفة- بالله وأنه مجرد مقولة يتم خداع الناس بها وأما العواطف فهى تؤمن بالله وتلتمس له الأعذار

-"فطالعها بنظرة صامتة فعادت تقول

تصور أن يقبضوا عليك فى البيت الكبير

فقال بهدوء

-ما العجب فى وجود حفيد ببيت جده!

قل إنك تمزح ، رباه ! ما لك تنظر جادا هكذا ، شئ عجيب لماذا تريد أن تذهب إليه؟-."ص370

تستطيع أن تفعل، الحق أنى أريد أن أطلع على الكتاب الذى طرد بسببه أدهم إن صدقت الحكايات

وماذا يهمك فى ذلك الكتاب ؟

لا أدرى ما الذى يجعلنى أؤمن أنه كتاب سحر وأعمال الجبلاوى فى الخلاء لا يفسرها إلا السحر لا العضلات والنبوت كما يتصورون

وما الداعى إلى هذه المخاطر وأنت سعيد ورزقك موفور بغيرها؟

لا تظنى أن السنطورى نسيا .. كلما خرجت كدت أتعثر فى نظرات رجاله المحدقة حسبك السحر ودع البيت الكبير جانبا، هناك الكتاب .. كتاب السحر الأول ..ص372

يعود هنا نجيب إلى مقولة العلم فالعلم قوال أى صاحب نظريات فمرة ينكر وجود الله ومرة يؤمن به لكن على طريقته وهى هنا الوصول للكتاب الذى طرد بسببه آدم(ص) وكأنه يقول أن سبب طرد آدم(ص) وزوجه من الجنة هو الفضول المعرفى وليس الرغبة فى الملك الخالد وفى هذا قال تعالى على لسان من أغواهما بسورة الأعراف "قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما من الناصحين "

"-وليس غريبا على مجهول الأب أن يتطلع بكل قوته إلى جده وحجرتى الخلفية علمتنى ألا أؤمن بشئ إلا أذا رأيته بعينى وجربته بيدى فلا محيد عن الوصول إلى داخل البيت الكبير، وقد أجد القوة التى أنشدها وقد لا أجد شيئا على الإطلاق ولكننى سأبلغ برا هو على أى حال خير من الحيرة التى أكابدها ولست أول من اختار المتاعب فى حارتنا، كان بوسع جبل أن يبقى فى وظيفته عند الناظر، وكان بوسع رفاعة أن يصير نجار الحارة الأول، وكان فى وسع قاسم أن يهنأ بقمر وأملاكها وأن يعيش عيشة الأعيان، ولكنهم اختاروا الطريق الآخر.

فقال حنش بأسى:

ما أكثر الذين يجرون نحو الهلاك بأرجلهم فى حارتنا

فقال عرفة بحدة

353 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

قليل منهم من عنده لذلك أسباب وجيهة

غيرأن حنش لم يتخلف عن معاونة أخيه ، تبعه كظله فى الهزيع الأخير من الليل إلى الخلاء، ص372

يبين نجيب هنا أن العلم هو علم مادى يريد شىء يبصره أو يمسكه بيده فهو لا يؤمن سوى بالمادة والعالم يريد اليقين بهذا العلم وكأنه هنا يصور فرعون عندما قال لهامان "ابن لى صرحا لعل أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه كاذبا "فالرجل استخدم العلم المادى للتحقق من شىء ليس ماديا ومن ثم فهو لم يجد شيئا فكفر ومن ثم فالرسالة النجيبية هنا أن العلم المادى لا يمكن تطبيقه على الألوهية

-"وكانت فى البدء مرتعا قفرا للحشرات حتى حل بها جدكم الواقف.

وأجفل حنش على حين بللت عواطف خرقة وهمت بوضعها على جبينه ولكنه أبعد يدها بحدة وقال:

أنا عندى ما ليس عند أحد ولا الجبلاوى نفسه عندى السحر وهو يستطيع أن يحقق لحارتنا ما عجز عنه جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين ص381

يشير نجيب محفوظ بهذه الحكاية إلى احدى النظريات التى يتبناها العلم المادى المنكر لوجود الله وهى أن العالم كان فى البدء مجرد مجموعة من الجراثيم وهو ما رمز له بالحشرات والمفارقة أن الله أى الجبلاوى كان موجودا ثم حل بهذا العالم الجرثومى وهو اعتراف بوجوده مع انكاره وهو تفسير نجيبى لحيرة العلماء الماديين

-"من أقصى الحارة مهرولا نحو الجمالية، فلما مر بهم سأله عرفة:

ماذا جرى يا عم ؟

فأجابه دون توقف

-من بعد العمر الطويل مات الجبلاوى!ص103

"لله الأمر

انقلب ثلاثتهم إلى البدروم وعرفة لا تكاد تحمله قدماه فانحط على الكنبة وهو يقول:

الرجل الذى قتلته كان خادما أسود تعيس المنظر ، وكان نائما فى الخلوة

لم ينبس أحد منهما ودفنا نظريهما فى الأرض متحاشيين عينيه الزائغتين فقال بحدة

اكراما لا تصدقان ! أقسم لكما أننى لم اقترب من فراشه ص382

"زيارة الناظر للبيت زورة قصيرة ثم عودته إلى بيته وتناقل الناس أن لصوصا سطوا على البيت الكبير من خلال نفق حفروه تحت السور الخلفى فقتلوا خادما أمينا.

ولما علم الجبلاوى بالخبر تأثر تأثرا لم تحتمله صحته الواهية فى تلك الذروة من العمر ففاضت روحه، وثار الغضب بالنفوس حتى غطى دخانه الأسود على الدموع والصراخ، وهتف عرفة لما بلغته الأنباء بزوجه وحنش:

ها هى الأنباء الصادقة

ثم ذكر من توه أنه على أى حال تسبب فى موته فلاذ بصمت الخجل والألم ولم تجد عواطف ما تقوله فغمغمت

فليرحمه الله

وقال حنش

لم يمت ناقص عمر!

ص383و384

واقترح آل جبل أن يدفن الجبلاوى فى مقبرة جبل لاعتقادهم من ناحية أنهم أقرب نسبا إليه من الآخرين ص384

يشير نجيب بحكاية مقتل الجبلاوى الكاذبة ثم موته حزنا على المقتول نتيجة حفر نفق تحت بيته إلى عصر الفضاء حيث اعتقد علماء المادة بمجرد الصعود للفضاء أنهم أنهوا خرافة الله وظهرت رواية عن جاجارين أنه لم يجد الله فى السماء ورواية أخرى اعترف فيها بالله

-"وبدا وجه عرفة الذى لم يذق طعم النوم منذ ارتكب جريمته كوجه ميت، ولم يكن للناس من حديث إلا أمجاد الجبلاوى قاهر الخلاء وسيد الرجال ورمز القوة والشجاعة صاحب الوقف والحارة والأب الأول للأجيال المتعاقبة وبدا عرفة حزينا ولكن ما كان يدور بنفسه لم يخطر لأحد على بال، ذلك الذى اقتحم البيت غير مبال بجلاله الذى لم يتاكد من وجود جده إلا عند موته الذى شذ عن الجميع ولوث يديه إلى الأبد وتساءل كيف يمكن التكفير عن هذه الجريمة ؟ إن مآثر جبل ورفاعة وقاسم مجتمعة لا تكفى القضاء على الناظر والفتوات وانقاذ الحارة من شرورهم لايكفى ص385

يشير نجيب هنا إلى الرواية الأخرى عن جاجارين أنه آمن بالله لما نظر لروعة ما فى الفضاء وأنه أراد التكفير عن وجهة النظر وهى الرواية التى أعلنها السوفيت أنه لم يجد الله

-"ما شاء الله ، كأننى الطامع وأنتما الزاهدان، إنما أنا الإيمان الذى أصبحتما به تؤمنان، وما سهرت الليالى فى الحجرة الخلفية وما عرضت نفسى للموت مرتين إلا لخير حارتنا، فإذا كنتما ترفضان ما فرض علينا دون اختيار فأشيرا على بما يجب فعله.

ونظر إليهما بتحد غاضب فلم ينبس منهما أحد، وكان الألم يعتصره والدنيا تبدو كابوسا خانقا لعينيه ودهمه شعور غريب بأن ما يعانيه ما هو إلا انتقام لتهجمه القاسى على جده، فازداد ألما وحزنا، وهمست عواطف بتوسل يائس: الهرب ص395

يبدو نجيب وكأنه يشير لمقولة المخلص أو المهدى الذى يجب الإيمان به ولكن حتى الرجل نفسه لم يعد متأكدا من شىء

-"فقال دون أن يكف يداه عن العمل

ماذا عملت رباب الشاعر؟ وجد فى الماضى رجال أمثال جبل ورفاعة وقاسم، فماذا يمنع أن يجئ أمثالهم فى المستقبل؟

فقال حنش متنهدا

كدت أحسبك فى بعض الأوقات أحدهم

فضحك عرفة ضحكة جافة مقتضبة وتساءل

وهل عدلت بك عن ذلك هزيمتى ؟

فلم يجب ، فعاد الآخر يقول

حارتنا، أما أنا فلا يفهمنى أحد

ثم وهو يضحك

374 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

لن أكون مثلهم فى ناحية واحدة على الأقل، وهى أنهم كانوا ذوى أتباع من أولاد كان فى وسع قاسم أن يكتسب تابعا قويا بكلمة حلوة، أما أنا فتلزمنى أعوام وأعوام حتى أستطيع أن أدرب رجلا على عملى وأجعل منه تابعا ص396

هنا يشير نجيب إلى أن العلم المادى يسير على طريق مخالف لطريق الرسل فهو يدرب الناس على العمل ليكونوا أتباعا له ولا يقنع الناس بالكلام ويشير نجيب إلى عجز العلم المادى عن إيجاد أتباع له سوى قلة نادرة لأنه يستغرق فى العمل أعواما كثيرة لاثبات شىء ومع هذا قد لا يثبته

-"وراحوا ينشدون:

يا يوسف يا وش القملة مين قلك تعمل دى العملة

واشتدت القلوب غلظة وسوادا ولم يؤجل وقوع الكارثة إلا أن التناحر كان يقوم بين ثلاث قوى متضادة معا"ص 397

وعند فجر اليوم التالى تجمع الرجال من آل قاسم ورفاعة فهاجموا حى جبل، فدارت معركة شديدة ، لكن يوسف وكثرة من أتباعه قتلوا وهرب الباقون وأذعن آل جبل للقوة يائسين وحدد العصر لإجراء القرعة المتفق عليها ، وعند العصر هرع القاسمية والرفاعية رجالا ونساء إلى رأس الحارة أمام البيت الكبير، وامتدت جموعهم جنوبا حتى بيت الناظر وصولا حتى بيت الفتوة الذى سيصبح ملكا للفائز بالقرعة، وجاء السنطورى وعصابته كما جاء عجاج وعصابته، فتبادلوا تحيات السلام والتعاهد، وتعانق عجاج والسنطورى أمام الجميع ، وقال عجاج بصوت ص398

يشير نجيب هنا لتصارع المسلمين والنصارى واليهود على البيت وملكيته

-"سيطر الذهول لحظة ثم انفجر الصياح والوعيد والغضب وتلاقى الحيان فى معركة دامية قاسية، لكن لم يكن يوجد فى القاسمية من يستطيع الوقوف أمام عجاج، فسرعان ما نفذت إلى قلوبهم الهزيمة وسقط من سقط وجرى من جرى ولم يجئ المساء حتى كانت الفتونة قد تقررت لعجاج، بينما ضج حى قاسم بالعويل ، انطلقت الزعاريد من حى رفاعة وراحوا يرقصون فى الطريق حول فتوتهم – فتوة الحارة - عجاج وإذا بصوت يرتفع فوق الزغاريد صائحا:

-هس ، اسمعوا ! اسمعوا يا غنم.ص399

يشير نجيب هنا إلى تغلب النصارى على المسلمين الحاليين وأشار باسم عجاج لقائد النصارى إشارة لكونهم مجموعة من الغوغاء والرعاع الذين لا يفهمون دينهم المحرف

-"وتساءل قدرى

لماذا نموت يا عرفة ؟

فرمقه بكآبة ولم ينبس فأردف الآخر

حتى الجبلاوى مات

كأن إبرة إنغرزت فى قلبه ، ولكنه قال

كلنا أموات وأبناء أموات

فقال فى ضجر

لست فى حاجة إلى تذكيرى بما قلت-. .

ليطل عمرك يا سيدى-.

طال أو قصر فالنهاية هى تلك الحفرة التى تعشقها الديدان

فقال عرفة برقة

-لا تدع الأفكار تكدر صفوك.ص411

يشير نجيب بمقولة موت الجبلاوى إلى أن موت الجبلاوى هو موت داخلى فى نفوس البشر بكفرهم به ولكنه ليس على المستوى الحقيقى

-"فقال وكأنما أفلت منه القول

أرد إلى الحياة الجبلاوى ص412

يشير هنا نجيب إلى أن العالم المادى الذى أمات الجبلاوى فى نفسه عن طريق الكفر به عاد وأحيا الجبلاوى فى قلبه عن طريق الإيمان به

-"فحدجها بنظرة غاضبة لكنه لم يحول عن وجهها عينيه تساءل أين ومتى راى ذلك الوجه، وإذا بقلبه يخفق خفقة أطارت السطل من رأسه ، هذا الوجه الذى رأه على عتبة حجرة الجبلاوى وهو مختف وراء المقعد فى الليلة المشئومة، وهذه هى خادمة الجبلاوى التى كانت تشاركه حجرته وركبه خوف تخلخلت له مفاصله فحملق فى وجهها فزعا.

وسأله أحد الخادمين:

نطردها ؟

فخاطبهما قائلا

-اذهبا إلى باب البيت وانتظرا.

انتظر حتى ذهبا فخلا لهما المكان أمام البيت الكبير وراح يتفرس فى وجهها الأسود الناحل وجبينها الضيق العالى وذقنها المدبب والتجاعيد المحدقة بفيها وجبينها ، وقال يطمئن نفسه إنها من المؤكد لم تره تلك الليلة ولكن أين كانت منذ وفاة الجبلاوى وماذا جاء بها ؟ وسألها:

نعم يا ستى ؟

فقالت بهدوء

-لا شكوى لى ، وإنما أردت أن أخلو إليك لأنفذ وصيته!

أية وصية ؟

فمال رأسها نحوه قليلا وهى تقول

كنت خادمة الجبلاوى وقد مات بين يدى-! !

أنت-.

نعم أنا فصدقنى

ولم يكن فى حاجة إلى دليل فسألها بصوت مضطرب

كيف مات جدنا ؟

فقالت المرأة بنبرة حزينة

به التأثر عقب اكتشاف جثة خادمه ، وبغتة احتضر فسارعت إليه لأسند ظهره المختلج ! ذلك الجبار الذى دان له الخلاء ص413و414

فقالت بصوت هادئ كنور القمر

قال لى قبل صعود السر الإلهى " : اذهبى إلى عرفة الساحر وأبلغية عنى أن جده مات وهو راض عنه" ص414

بعد عودة عرفة ٌ لايمانه بالله ظهر أن الله قد رضى عنه ويشير نجيب بارسال رسولة لعرفة لإخباره بأن الله رضا عن إيمانه إلى أن الوحى لا يتوقف عن طريق المبشرات فى الأحلام ولعله اختار رسولة فى الحلم إشارة للمبشرات التى هى مؤنث

-"سألت عنك أول ما جئت فقالوا لى إنك عند الناظر فلبثت انتظر-.

ألم يقولوا لك إننى قاتل الجبلاوى

فقالت بارتياع

ما قتل الجبلاوى أحد وما كان فى وسع أحد أن يقتله-. .

بل قتله الذى قتل خادمه

فهتفت بغضب

كذب وافتراء ، لقد مات الرجل بين يدى

وجد عرفة رغبة فى البكاء لكنه لم يسفح دمعة واحدة ورنا إلى المرأة بطرف منكسر فقالت ببساطة

392 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ

أفوتك بعافية ص415

-"فقال حنش وهو يهز رأسه عجبا

لم يكن من عادتك أن تتحدث عن جدنا باحترام-. .

كان ذلك فى الزمان الأول وأنا كثير الارتياب أما وقد مات فحق للميت الاحترام

الله يرحمه

تيسر لى النجاح فلن نعرف ص418

يعود هنا نجيب لعملية رمزية فالجبلاوى لا يقتل ولكنه مات وكأنه يقول أن الناس عندما كفروا به مات فى قلوبهم ولكنه حى لا يقتل ولا يموت حقيقة وكأنه يشير هنا إلى أن الموت سماه القرآن اليقين فكأنه يقول من يموت يوقن بوجود الله "كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم "

-"لكن لطمة الموت هوت على صدغه فأسكتته أمام الناظر الغاضب وقف عرفة وعواطف مقيدى اليدين إلى ظهريهما انهال الناظر لطما على وجه عرفة حتى كلت يداه وصاح به:

كنت تنادينى وأنت مبيت الغدر يا ابن الزانية ؟

فقالت عواطف بأعين دامعة

ما جاءنى إلا ليصالحنى "ص420

يشير نجيب هنا إلى معاداة الشيوعية للمؤمنين فمن يؤمن بعد كفره بالإله يجب عقابه بأى طريقة

-"ومن عجب أن تلقى الناس أكاذيب الرباب بفتور وسخرية وبلغ من العناد أن قالوا " : لا شأن لنا بالماضى، ولا أمل لنا إلا فى سحر عرفة، ولو خيرنا بين الجبلاوى والسحر لاخترنا السحر." ص425

يشير نجيب هنا إلى فتنة الشيوعية أى العلم المادى فى العالم وهى إنكار وجود الله وأن العلم سيأتى للناس بالراحة ومع هذا ذاق الناس ألوان الهوان فى ظل العلم المادى كما فى الفقرة التالية :

-"وأنه يعلمهم السحر استعدادا ليوم الخلاص الموعود، واستحوذ الخوف على الناظر ورجاله فبثوا العيون فى الأركان، وفتشوا المساكن والدكاكين، وفرضوا أقصى العقوبات على أتفه الهفوات، وانهالوا بالعصى للنظرة أو النكتة أو الضحكة حتى باتت الحارة فى جو قاتم من الخوف والحقد والإرهاب، لكن الناس تحملوا البغى فى جلد، ولاذوا بالصبر واستمسكوا بالأمل "ص436

وختم نجيب روايته بحنش وكراسة المعرفة التى أخفاها عرفة وظل يبحث عنها حنش ونلاحظ اختيار اسم حنش أى الحية وكأنه يقول لنا أن الحق لا يموت وأنه طالما هناك حياة فسيظل هناك بحث عن العدل والحق وهو ما قاله فى النهاية فى الجملة التالية :

"وكانوا كلما أضرهم العسف قالوا : لابد للظلم من أخر، ولليل من نهار، ولنرين فى حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب. ص426
 
أعلى