الجاحظ - رسالة تفضيل البطن على الظهر

مناسبة الرسالة: كتاب وارد من شخص يفضل الظهر على البطن]
فصل منه: عصمنا الله وإيّاك من الشّبهة، وأعاذنا وإيّاك من زيغ الهوى، ومضلّات المنى، ووهب لنا ولك تأديبا مؤدّيا إلى الزّيادة في إحسانه، وتوفيقا موجبا لرحمته ورضوانه.
وقد كان كتابك يا ابن أخي- وفّقك الله- ورد عليّ، تصف فيه فضيلة الظّهور وصفا يدلّ على شغفك بها، وحبّك إيّاها، وحنينك إليها وإيثارك لها، وفهمته.
فلم تمنع- أعاذك الله من عدوّك- من الإجابة عن كتابك في وقت وروده، إلا عوارض أشغال مانعة، وحوادث من التصرّف والانتقال من مكان إلى مكان عائقة.
ولم آمن أن لو تأخّر الجواب عليك أكثر ممّا تأخّر، أن يسبق إلى قلبك أنّي راض باختيارك، ومسلّم لمذهبك، وموافق لك فيه، مساعد لك عليه، ومنقاد معك فيما اعتقدت منه، ومجدّ في طلبه، ومحرّض عليه.
[2- الجاحظ يرجو الهداية لصاحب الكتاب]
فبادرت بكتابي هذا، منبّها لك من سنة رقدتك، وداعيا إلى رشدك.
فإنّك تعلم - وإن كنت لي في مذهبي مخالفا، وفي اعتقادي مباينا- أنّ اجتماع المتباينين فيما يقع بصلاحهما أولى في حكم العقل، وطريق المعرفة [منه] فيما أبادهما، وعاد بالضّرر في اختيارهما عليهما.
وأنا، وإن كنت كشفت لك قناع الخلاف، وأبديت مكنون الضّمير بالمضادّة، وجاهدتني بنصرة الرّأي والعقيدة في حبّ الظّهور، وتلفيق الفضائل لها، غير مستشعر لليأس من رجعتك، ولا شاكّ في لطائف حكمتك، وغوامض فطنتك.
وقد أعلم أنّ معك- بحمد الله- بصيرة المعتبرين، وتمييز الموفّقين وأنّك إذا أنعمت فكرا وبحثا ونظرا، رجعت إلى أصل قويّ الانقياد والموافقة، ولم تتورّط في اللّجاج فعل المعجبين، ولم يتداخلك غرّة المنتحلين؛ فإنّا رأينا قوما انتحلوا الحكمة وليسوا من أهلها، بل هم أعلام الدّعوى، وحلفاء الجهالة، وأتباع الخطأ، وشيع الضّلالة، وخول النّقص، الذين قامت عليهم الحجّة بما نحلوه أنفسهم من اسمها، وسلبوه من فهم عظيم قدرها ومعرفة جليل خطرها، ولم يجلوا الرّين عن قلوبهم والصّدأ عن أسماعهم، بالتنقير والبحث والتكشّف، ولم ينصبوا في عقولهم لأنفسهم أصلا يئلون في اعتقادهم عليه، ويرجعون عند الحيرة في اختلاف آرائهم إليه.
فضلّوا، وأصبح الجهل لهم إماما، والسّفهاء لهم قادة وأعلاما.
ونحن نسأل الله بحوله وطوله ومنّه، ألّا يجعلك من أهل هذه الصّفة، وأن يريك الحقّ حقّا فتتبعه، والباطل باطلا فتجتنبه، وأن يعمّنا ببركة هذا الدعاء، وجماعة المسلمين، وأن يأخذ [إلى] الخير بنواصينا، ويجمع على الهدى قلوبنا، ويؤلف فيه ذات بيننا، فإنّك ما علمت- وأتقلّد في ذلك أمانة القول- ممّن أحبّ موافقته ومخالطته، وأن يكون في فضله مقدّما، وعن كلّ عضيهة منزّها.
وما أعلم حالا أنا عليها في الرّغبة لك فيما أرغب لنفسي فيه، والسّرور بتكامل أحوالك، واستواء مذهبك، وما أزابن به من إرشادك ونصيحتك، وتسديدك وتوفيقك، إلّا وصدق الطويّة منّي فيها أبلغ من إسهامي في فضل صفتها. والله تعالى المعين والمؤيّد والموفّق، والمبدع، وحده لا شريك له.
والحمد لله، كما هو أهله، وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا.
[3- الشريعة تنهى عن الظهور]
يا أخي- أرشدك الله- إنّك أغرقت في مدح الظّهر من الجهة التي كان ينبغي لك أن [تذمّها، وقدّمتها من الجهة التي ينبغي لك أن] تؤخّرها.
وآثرتها وهي محقوقة بأن ترفضها.
وما رأينا هلاك الأمم الخالية، من قوم لوط، وثمود وأشياعهم وأتباعهم، وحلول الخسف والرّجفة والآيات المثلات والعذاب الأليم والرّيح العقيم، والغير والنّكير ووجوب نار السّعير، إلّا بما دانوا به من اختيار الظّهور. قال الله تعالى، في قصّة لوط: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ.
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ.
فذمّهم الله- تبارك وتعالى- كما ترى، وبلغ بهم في ذكر ما استعظم من عتوّهم إلى غاية لا تدرك صفتها، ولا يوقف على حدّها مع آي كثيرة قد أنزلها فيهم، وقصص طويلة قد أنبأ بها عنهم، وروايات كثيرة أثرها فيمن كان من طبقتهم.
وسنأتي منها بما يقع به الكفاية دون استفراغ الجميع، مما حملته الرّواة، ونقله الصالحون.
فصل منه: والحقّ بيّن لمن التمسه، والمنهج واضح لمن أراد أن يسلكه. وليس في العنود درك ولا مع الاعترام فلج. والرّجوع إلى الحقّ خير من التّمادي في الباطل، وترك الذّنب أيسر من التماس الحجة، كما كان غضّ الطّرف أهون من الحنين إلى الشّهوة. وبالله تعالى التوفيق.
[4- فضائل البطون في القرآن والسنة والحكم]
فصل منه: نبدأ الآن بذكر ما خصّ الله به البطون من الفضائل، ليرجع راجع، وينيب منيب مفكّر، وينتبه راقد، ويبصر متحيّر، ويستغفر مذنب، ويستقيل مخطىء، وينزع مصرّ، ويستقيم عاند، ويتأمّل غمر، ويرشد غويّ، ويعلم جاهل، ويزداد عالم.
قال الله عزّ وجل فيما وصف به النّحل: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خير بطون قريش.
ووجدنا الأغلب في صفة الرجل أن يقال إنّه معروف بكذا مذ خرج من بطن أمّه، ولا يقال من ظهر أبيه.
ويقال في صفات النّساء: «قبّ البطون نواعم» . ويقال: خمصانة البطن، ولا يقال: خمصانة الظّهر.
ويقال: فلان بطن بالأمور، ولا يقال: ظهر. ويقال: بطانة الرّجل وطهارته، فيبدأ بالبطانة.
وبطن القرطاس خير من ظهره، وبطن الصّحيفة موضع النّفع منها لا ظهرها، وببطن القلم يكتب لا بظهره، وببطن السّكّين يقطع لا بظهرها.
وخلق الله جلّ وعزّ آدم من طين، ونسله من بطن حوّاء.
ورأينا أكثر المنافع من الأغذية في البطون لا في الظّهور؛ فبطون البقر أطيب من ظهورها، وبطن الشّاة كذلك.
ومن أفضل صفات عليّ رضي الله عنه أن كان أخمص بطينا.
وأسمع من غنائهم:
بطني على بطنك يا جاريه ... لا نمطا نبغي ولا باريه
ولم يقل «ظهري على ظهرك» ، فجعل مماسّة البطن غانيا عن الوطاء، كافيا من الغطاء.
ولو لم يكن في البطن من الفضيلة إلّا أنّ الوجه الحسن، والمنظر الأنيق من حيّزه، وفي الظهر من العيب، إلّا أنّ الدّبر في جانبه، لكان فيها أوضح الأدلة على كرم البطن ولؤم الظهر.
ولم نرهم وصفوا الرجل بالفحولة والشّجاعة إلّا من تلقائه، وبالخبث والأبنة إلّا من ظهره.
وإذا وصفوا الشّجاع قالوا: مرّ فلان قدما، وإذا وصفوا الجبان قالوا:
ولّى مدبرا.
ولشتّان بين الوصفين: بين من يلقى الحرب بوجهه وبين من يلقاه بقفاه، وبين الناكح والمنكوح، والراكب والمركوب، والفاعل والمفعول، والآتي والمأتيّ، والأسفل والأعلى، والزائر والمزور، والقاهر والمقهور.
ولمّا رأينا الكنوز العاديّة والذّخائر النفسية، والجواهر الثّمينة مثل الدّرّ الأصفر، والياقوت الأحمر، والزّمرّد الأخضر، والمسك والعنبر والعقيان واللّجين، والزّرنيخ والزّئبق، والحديد والبورق، والنّفط والقار، وصنوف الأحجار، وجميع منافع العالم وأدواتهم وآلاتهم، لحربهم وسلمهم، وزرعهم وضرعهم، ومنافعهم ومرافقهم ومصالحهم، وسائر ما يأكلونه ويشربونه، ويلبسونه ويشمّونه، وينتفعون برائحته وطعمه، ودائع في بطون الأرض، وإنّما يستنبط منها استنباطا، ويستخرج منها استخراجا، وإنّ على ظهرها الهوامّ القاتلة، والسّباع العادية التي في أصغرها تلف النفوس ودواعي الفناء وعوارض البلاء، وأنّه قل ما يمشي على ظهرها من دابّة، إلّا وهو للمرء عدوّ، وللموت رسول، وعلى الهلكة دليل- لم يمتنع [في] عقولنا، وآرائنا ومعرفتنا من الإقرار بتفضيل البطن على الظهر في كلّ وقت، وعلى كلّ حال.
ومن فضيلة البطن على الظّهر أنّ أحدا إن ابتلي فيه بداء كان مستورا، وإن شاء أن يكتمه كتمه عن أهله، ومن لا ينطوي عنه شيء من أمره، وغابر دهره.
ومن بليّة الظّهر أنّه إن كان داء ظهر وبان، مثل الجرب والسّلع والخنازير وما أشبهها، مما سلمت منه البطون وجعل خاصّا في الظّهور.
[5- حرم الله اتيان النساء من دبرهن]
وفضّل الله تعالى البطون بأن جعل إتيان النساء، وطلب الولد، والتماس الكثرة مباحا من تلقائها، محرّما في المحاشّ من ورائها، لأنّه حرام على الأمّة إتيان النساء في أدبارهنّ، لما جاء في الحديث عن الصادق صلى الله عليه وسلم: «لا تأتوا النّساء في محاشّهنّ» .
وقد ترى بطانة الثّوب تقوم بنفسها، ولا ترى الظّهارة تستغني.
وجعل الله تعالى البطن وعاء لخير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم جعل أوّل دلائل نبوّته أن أهبط إليه ملكا حين أيفع، وهو يدرج مع غلمان الحيّ في هوازن، وهو مسترضع في بني سعد، حين شقّ عن بطنه، ثم استخرج قلبه فحشي نورا، ثم ختم بخاتم النبوّة. ولم يكن ذلك من قبل الظّهر.
فصل منه: وممّا فضلت به البطون: أنّ لحم السّرّة من الشاة أطيب اللحم، ولحم السّرّة من السّمك الموصوف، وسرّة حمار الوحش شفاء يتداوى بها، ومن سرّة الظّباء يستخرج المسك. وهذا كلّه خاصّ للبطون ليس للظّهور منه شيء.
وبدأ الله عزّ وجل في ذكر الفواحش بما ظهر منها، ولم يبدأه بما بطن فقال: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ
، فجعله ابتداء في الذم.
والظّهر في أكثر أحواله سمج، والبطن في أكثر أحواله حسن. والظّهر في كلّ الأوقات وحشة ووحش، والبطن في كلّ الأوقات سكن وأنس.
[6- محاسن المرأة من جهة البطن لا الظهر]
ولم نرهم حين بالغوا في صفات النّساء بدأوا بذكرها إلّا من جهة البطن فقالوا: مدمجة الخصر،! لذيذة العناق، طيّبة النّكهة، حلوة العينين، ساحرة الطّرف، كأنّ سرّتها مدهن، وكأنّ فاها خاتم، وكأنّ ثدييها حقّان، وكأنّ عنقها إبريق فضّة. وليس للظهور في شيء من تلك الصّفات حظّ.
[7- حد الزاني واللوطي]
وأنّى نبلغ في صفة البطون، وإن أسهبنا، وكم عسى أن نحصي من معايب الظهور وإن اجتهدنا وبالغنا. ألا ترى أنّ حدّ الزّاني ثمانون جلدة ما لم يكن محصنا، وحدّ اللّوطيّ أن يحرق. وكلاهما فجور ورجاسة، وإثم ونجاسة. إلّا أنّ أيسر المكروهين أحقّ بأن يميل إليه من ابتلي، وخير الشّرّين أحسن في الوصف من شرّ الشّرّين.
ولو أنّا رأينا رجلا في سوق من أسواق المسلمين يقبّل امرأة فسألناه عن ذلك، فقال: امرأتي. وسألوها فقالت: زوجي- لدرأنا عنهما الحدّ، لأنّ هذا حكم الإسلام. ولو رأيناه يقبّل غلاما لأدّبناه وحبسناه؛ لأنّ الحكم في هذا غير الحكم في ذاك.
ألا ترى أنّه ليس يمتنع في العقول والمعرفة أن يقبل الرجل في حبّ ما ملكت يمينه حتّى يقبّلها في الملا كما يقبّلها في الخلا، يصدق ذلك حديث ابن عمر: «وقعت في يدي جارية يوم جلولاء كأنّ عنقها إبريق فضّة فما صبرت حتّى قبّلتها والنّاس ينظرون» .
[8- تفضيل الظهر على البطن يثير الشك]
فصل منه: وقد رأيت منك أيّها الرّجل إفراطك في وصف فضيلة الظّهور، وفي محلّ الرّيبة وقعت، لأنّا روينا عن عمر أنّه قال: «من أظهر لنا خيرا ظننّا به خيرا، ومن أظهر لنا شرّا ظننا به شرّا» .
وإنّما يصف فضل الظّهر من كان مغرما بحبّ الظهور، وإلى ركوبه صبّا، وبالنّوم عليه مستهترا، وبالولوع بطلبه موكّلا، ومن كان للحلال مباينا، ولسبيله مفارقا، ولأهله قاليا، وللحرام معاودا، وبحبله مستمسكا وإلى قربه داعيا، ولأهله مواليا.
وقد اضطررتنا بتصييرك المفضول فاضلا، والعامّ خاصّا، والخسيس نفيسا، والمحمود مذموما، والمعروف منكرا، والمؤخّر مقدّما والمقدّم مؤخّرا، والحلال حراما، والحرام حلالا، والبدعة سنّة، والسّنّة بدعة، والحظر إطلاقا، والإتلاق حظرا، والحقيقة شبهة والشّبهة حقيقة، والشّين زينا والزّين شينا، والزّجر أمرا والأمر زجرا، والوهم أصلا والأصل وهما، والعلم جهلا والجهل فضلا- إلى أن أدخلنا عليك الظّنّ، وألحقناك التّهمة، ونسبناك إلى غير أصلك، ونحلناك غير عقيدتك، وقضينا عليك بغير مذهبك. و «يداك أوكنا، وفاك نفخ» . فلا يبعد الله غيرك! أوجدنا أيّها الضالّ المضلّ، المغلوب على رأيه، المسلوب فهمه، المولّي على تمييزه، النّاكص على عقبه في اختياره، المفارق لأصل عقده، المدبر بعد الإقبال في معرفته، السّاقط بعد الهوى في ورطته، المتخلّي من فهمه، الغنيّ عن إفهامه، المضيّع لحكمته، المنزوع عقله، المختلس لبّه، المستطار جنانه، المعدوم بيانه، في الظّهور بعد الفضائل التي أوجدناكها في البطون، إمّا قياسا، وإمّا اختيارا، وإمّا ضرورة، وإما اختبارا وإمّا اكتسابا، أو في كتاب منزل، أو سنّة مأثورة، أو عادة محمودة، أو صلاح على خير.
أم هل لك في مقالتك في إمام تأتمّ به، أو أستاذ تقتفي أثره، وتهتدي بهداه، وتسلك سننه.
فصل منه: وقد حضّتني عليك عند انتهائي إلى هذا الموضع رقّة، وتداخلتني لك رحمة، ووجدت لك بقيّة في نفسي؛ لأنّه إنّما يرحم أهل البلاء.
والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به، وفضّلنا على كثير من خلقه تفضيلا.
فرأيت أن أختم بأبسط الدّعاء لك كتابي، وأن أحرز به أجري وثوابي، ورجوت أن تنيب وترجع بعد الجماح واللّجاج، فإنّ للجواد استقلالا بعد الكبوة، وللشّجاع كرّة بعد الكشفة، وللحليم عطفة بعد النّبوة.
وأنا أقول: جعلنا الله وإيّاك ممن أبصر رشده، وعرف حظّه، وآثر الإنصاف واستعمله، ورفض الهوى واطّرحه؛ فإنّ الله تعالى لم يبتل بالهوى إلّا من أضلّه، ولم يبعد إلّا من استبعده.
[9- فصل في ذم اللواط [1]]
والذي يدل على ان هذه الشهوة معيبة في نفسها، قبيحة في عينها، ان الله تعالى وعز لم يعوض في الآخرة بشهوة الولدان من ترك لوجهه في الدنيا شهوة الغلمان. كما سقى في الآخرة الخمر من تركها له في الدنيا، ثم مدح خمر الجنة باقصر الكلام، فنظم به جميع المعاني المكروهة في خمر الدنيا فقال: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ
. كأنه تبارك وتعالى قال: لا سكر فيها ولا خمار.
وفي اكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء انقطاع النسل، وفي انقطاع النسل بطلان جميع الدين والدنيا. وغشيان الرجل الرجل والمرأة المرأة من المنكوس المعكوس، ومن المبدل المقلوب؛ لأن الله جل ذكره انما خلق الذكر للانثى، وجعل بينهما اسباب التحاب وعلائق الشركة، وعلل المشاكلة وجعل الذكر طبقا للانثى، وجعل الانثى سكنا للرجل. فقلب هؤلاء الأمر وعكسوه، واستقبلوا من اختار الله لهم بالرد والزهد فيه.


[1] هذه الصفحة وردت وسط كتاب المعلمين في طبعة عبد السلام هارون وهي بدون شك مقحمة على الكتاب وربما اختيرت من كتاب ذم اللواط الضائع.
ورأينا من المناسب الحاقها بكتاب تفضيل البطن على الظهر الذي يعالج الموضوع ذاته.
4- هامش تفضيل البطن على الظهر
(1) الجاحظ يعلن موقفه الجازم من الموضوع: انه ليس راض باختيار من يفضل الظهر على البطن، ولا مسلما لمذهبه، ولا موافقا فيه، او مساعدا عليه.
(2) الجاحظ ينصح ويرشد ويسدد الخطى. وكأنه ينفي عن نفسه تهمة الميل الى مذهب من يفضل الظهر على البطن.
(3) الشريعة تنهي عن اللواط. والاستشهاد بالآيات القرآنية دليل على اهتمام الجاحظ بعلم الكلام.
(4) بطون قريش: ما تتفرع اليه من عشائر.
- لاحظ استغلال اللغة في تأييد آرائه: بطن الامر خير من ظهره. بطن القرطاس خير من ظهره، بطن الصحيفة خير من ظهرها الخ..
- السلع جمع سلعة: زيادة في الجسد كالغدة.
(5) المحاش، جمع المحشة، اي الدبر.
لاحظ المعجزة النبوية: الملاك يشق بطن النبي حين ايفع ويحشو قلبه نورا ويختمه.
(6) مدهن: قارورة الدهن.
مدمجة الخصر: مستقيمة الخصر، محكمة الخصر.
(7) لاحظ كيف يستغل الفرق بين حد الزاني وحد اللوطي لتأييد رأيه وكذلك تقبيل الغلام والمرأة.
(8) لاحظ هذا القلب الممل: صيرت المؤخر مقدما والمقدم مؤخرا، والحلال حراما والحرام حلالا، والبدعة سنة والسنة بدعة ... الخ.. هل تظن ان الجاحظ كان غافلا عن هذه اللعبة البيانية؟
- يداك اوكتا، وفاك نفخ» مثل يضرب لمن يجني على نفسه.
الموضوع الصفحة
43- الخاتمة 447
فهرس الاعلام [498- 507]
 
منقول عن الوراق

تفضيل البطن على الظهر.
(المؤلف : الجاحظ)

تفضيل البطن على الظهر: رسالة لم أجد من ذكرها في مؤلفات الجاحظ. وهي في موادها أبعد ما تكون عن أدبه وأسلوبه. ويفهم من مقدمة المؤلف أنه بعث بها إلى أحد خلصائه، ممن يرى تفضيل الجماع المنهي عنه مع النساء. وهو يصف هذا الرجل بأنه ممن يتحلى ببصيرة المعتبرين وتمييز الموفقين. ويستشهد في موعظته بالحديث (لا تأتوا النساء من محاشهن). وفيها قوله: (ألا ترى أن حد الزاني ثمانون جلدة ما لم يكن محصناً) (!?). وصلتنا فصول من الرسالة عن طريق مختارات ابن حسان ، التي تكلمنا عنها في التعريف برسالته (البلاغة والإيجاز) ولم تنشر فيما نشر من هذه المجموعة على هامش (الكامل) للمبرد، فكان المرحوم عبد السلام هارون أول من نشرها ضمن نشرته لرسائل الجاحظ: (ج4 / ص155 إلى 166) القاهرة: (1979م). أما الفصل الأخير منها فكان محله في كتاب المعلمين (في نشرة هارون) وجارينا د. علي أبو ملحم في إلحاقه بهذه الرسالة، وربما كان كما يقول صفحة من كتاب الجاحظ الضائع: (ذم اللواط). ويبدو أن هذه الورقة هي المنشورة في مجموعة ريشر لرسائل الجاحظ، التي نشرها في مدينة (شتوتجارت) سنة 1931م وتضم مقتطفات وترجمات من آثار الجاحظ، إلى جانب نصوص أصلية أخرى له، لم تنشر من قبل. قال عبد السلام هارون: (ولم يتيسر لي الوقوف على هذه النشرة، لأني لم أعثر عليها في المكتبات العامة بمصر) ثم ذكر ترتيبها حسب ما استخرجه من كتاب بروكلمان، وهي (39) رسالة، وفيها (رسالة المعلمين) من ص101 حتى ص108، و(ذم اللواط) (ص108). وهذا يعني أن ريشر رجع في نشرته إلى مجموعة ابن حسان. وفي نشرة ريشر من رسائل الجاحظ التي انفرد بنشرتها (رسالة في ذم القواد) (ص533 - 550) و(رسالة في وصف العوام) ص550 و(الأخبار) ص522، ويبدو ان (الأخبار) هي القطع الواردة في كتاب (الحور العين) لنشوان
 
أعلى