دراسة رضا البطاوى - قراءة فى مستوطنة العقاب لفرانز كافكا

  • بادئ الموضوع رضا البطاوى
  • تاريخ البدء
ر

رضا البطاوى

فرانز كافكا كاتب يحمل جنسية دولة التشيك ينتمى لعائلة يهودية يصنف بأنه كاتب كابوسى وذلك لتناوله أمور تتعلق بالعذاب والتعذيب

كتاب مستوطنة العقاب يضم بين دفتيه حكايتان الأولى هى :

مستوطنة العقاب وهى تدور حول شخص يزور مستوطنة فى أحد البلاد وفى تلك الزيارة يرى عملية عقاب لجندى دون اتخاذ الاجراءات القانونية وفى هذا قال القاضى الضابط الظالم :

"جاء النقيب إلى قبل ساعة فدونت إفادته وأرفقت الحكم به ثم أمرت بوضع الرجل فى الأغلال كان الأمر كله بسيطا "ص29

فالرجل حكم بمجرد قولة الضابط ولم يحقق ولم يستدع شهودا ولا حتى سأل الجندى عما جرى

وهذا العقاب يستخدم فيه آلة تعذيب تفنن فيها من اخترعها لقتل المعاقب فالآلة بها تروس أو مسامير تكتب على جلد المعاقب بشقه شقا وهو لا يستطيع الصراخ حيث توضع فى فمه سدادة تكتم صراخه وتأوهه والعقاب يمر بعدة مراحل أولها هين ثم بعد هذا يزداد الألم زيادة رهيبة حيث تخرج النفس بالتدريج فى غضون ست ساعات وأقصى وقت للخروج هو اثنا عشر ساعة

وقد عبر كافكا عن كون بعض العسكر يعتبر البزة الرسمية هى الوطن وهو ما يعنى أن الجيش هو الوطن نفسه فقال:

"قال المستكشف بدلا من طرح استفسار حول الآلة كما كان الضابط يتوقع هذه الأردية الرسمية أثقل من أن ترتدى فى المناطق الاستوائية قال الضابط وهو يغسل يديه اللتين لطخهما الشحم والزيت فى دلو من الماء معد لذلك بالطبع لكنها تعنى الوطن بالنسبة لنا ونحن لا نرغب فى أن ننسى الوطن "ص20

والمصيبة أن وجهة النظر هذه عند غالب الجيوش إن لم يكن كلها هى العقيدة فكل جيش يعتبر نفسه الوطن بينما الشعوب لا قيمة لها ومن ثم فالقيادات هى من تقرر مصير تلك الشعوب لأن الشعوب تعتبر القيادة غالبا هى الوطن خاصة الشعوب الجاهلة

الزائر أو المستكشف كما سمته الحكاية يعترض على العقاب بتلك الآلة وعلى المحاكمة غير القانونية والغرض من الحكاية فيما يبدو هو أمرين :

الأول أن المحاكمات العسكرية هى غالبا ضرب من الظلم الفاجر للجنود عندما يكون من اتهمهم هو ضابط فلمجرد كونه فى رتبة أكبر فإن الجندى حتى ولو كان مظلوما فهو من يعاقب وقد عبر عن ذلك قول الضابط القاضى :

"حيث إن على الجندى أن يكون حارسا كذلك إلى جانب كونه خادما ويتعين أن يكون يقظا فى أدائه واجباته"ص28

فالجنود فى رأى الضباط مجرد خدم وحراس

الثانى تحريم التعذيب بتلك الآلات التى اخترعها البعض وقد وصف الكاتب الظلم فقال :

"فقد كان ظلم هذا الإجراء ولا إنسانية التنفيذ أمرين لا يمكن إنكارهما ما من أحد كان بوسعه أن يفترض أنه لديه اهتمام أنانى بالأمر كان المحكوم غريبا تماما عنه لم يكن من مواطنيه كما أنه لم يكن يتعاطف معه على الإطلاق "ص38

وقد عبر كافكا عن استهجانه واعتراضه للتعذيب بتلك الطريقة من خلال القاضى الضابط الظالم نفسه حيث قال:

"قال الضابط عن هذا الإجراء وتلك الطريقة فى التنفيذ اللذين تبدى الإعجاب بهما الآن لم يعد لهما فى الوقت الحالى أنصار فى مستعمرتنا إننى نصيرهما الوحيد"ص40

وكافكا بهذا القول يعبر عن أن المعذبين هم قلة من الناس هم من يؤمنون بمقولة التعذيب كما عبر كافكا عن وجهة نظر المعترضين على عقوبة الإعدام من خلال نقل القاضى لوجهة نظرهم :

"ربما كنت تعترض من حيث المبدأ على عقوبة الإعدام بصورة عامة ومثل أجهزة الموت الميكانيكية بصفة خاصة وإلى جوار ذلك فسوف تدرك أن تنفيذ حكم الإعدام لا يلقى تأييدا من الجمهور"ص44

وقد انتهت الحكاية بانتحار القاضى الضابط بإدخال نفسه آلة التعذيب بعد أن فشلت الآلة فى تعذيب الجندى نتيجة خطأ والانتحار جاء نتيجة إيمان القاضى بأن قائد المستوطنة ومن معه يريدون التخلص من آلة التعذيب ومن ذلك العقاب غير القانونى وأنه لا يوجد نصير للتعذيب عبر تلك الآلة الرهيبة سواه وأن القائد السابق الذى اخترع الآلة وكان القاضى هو مساعده مات ومن آمنوا بمقولة التعذيب ماتوا أو فقدوا الايمان بفوائد التعذيب

ويبدو أن كافكا يقول :

أن كل من ارتكب ظلما لابد أن ينتهى نهاية سيئة

ونلاحظ فى الحكاية تعبير متناقض هو :

" بدا المحكوم عليه على أية حال شديد الشبه بكلب خاضع بحيث أن المرء قد يعتقد أن بالوسع تركه ينطلق حرا فى التلال المحيطة بالمكان"ص19

التناقض هو وصف الجندى بكلب خاضع ومع هذا يستطيع الانطلاق حرا فى تلال المكان

الحكاية الثانية: بنات آوى:

تدور الحكاية حول الصراع بين اليهود الذين وصفهم ببنات آوى وبين العرب وهذه الحكاية اختلف النقاد فى المراد بما فيها فبعضهم اعتبر كافكا مناصر لليهود والبعض الأخر اعتبره مناصر للعرب والحق هو أن الرجل يسب الطرفين فهو جعل العرب لا يفهمون كالشماليين على لسان اليهود فى قولهم :

"إننا نعرف أنك جئت من الشمال وهذا هو على وجه الدقة ما نعلق آمالنا عليه فأنتم معشر الشماليين تتمتعون بذلك الفهم الذى لا نظير له فى صفوف العرب وأصدقك القول إنه ما من شرارة واحدة من الفهم يمكن أن تقدح من صلفهم ص68 البارد إنهم يذبحون الحيوانات ليصنعوا طعاما منها ويدرون الجيف ص69

كما أنه وصفهم بالصلف وهو التكبر

ومن يتمعن فى العبارة السابقة يجد الرجل يدين العرب فى ذبحهم الحيوانات لأكلها وهو أمر يبدو أن له علاقة بكون الرجل نباتى

والرجل يعتبر وجود اليهود فى فلسطين من قبل الشماليين هو عملية نفى سيئة فى قوله :

"إنك غريب هنا حتما و لعرفت أنه لم يحدث قط فى تاريخ العالم أن خافت بنات آوى من عربى لماذا ينبغى أن نخشاهم ليس فى نفينا بين ظهرانى مثل تلك المخلوقات ما يكفى من سوء الطالع ص69

ومن ثم فهو بتلك العبارة يعتبر هجرة اليهود لفلسطين الحالية هو عقاب لليهود

ونلاحظ أن الرجل يبين وجهة نظر اليهود فى وجوب وجود أرض خالية من العرب أى أرض مطهرة منهم يسكنون فيها وهو قوله على لسان بنات آوى:

"سيدى إنا نريدك أن تنهى هذا العراك الذى يقسم العالم فأنت بالضبط الرجل الذى تنبأ أسلافنا بأنه سيولد للقيام بهذه المهمة ونحن لا نريد بعد اليوم أن يكون العرب مصدر ضيق لنا نريد مجالا لالتقاط الأنفاس أفقا تم تطهيره منهم لا مزيد من ثغاء الخراف التى يذبحها العربى "ص72

وبعد أن بين وجهة نظر اليهود بين وجهة نظر العرب فاليهود اعتبروا الشمالى سيدا وكذلك اعتبره العربى ومن ثم فيبدو أن الطرفين ليس فيهما منتصرا والحل ليس بيدهم وإنما بيد هذا السيد الشمالى الذى اخترع قومه المشكلة وفى هذا قال :

"قال العربى ضاحكا بقدر ما يسمح له تحفظ أبناء جلدته بالمرح هكذا فقد دعيت لشهود هذه التسلية أيضا أيها السيد تساءلت إذن فإننا على علم بما تسعى إليه هذه الحيوانات"ص73

ونلاحظ وصف العربى لليهود بالحيوانات كما نلاحظ وصف كافكا لليهود بالحمق الشديد فى قوله

"وطالما بقى العرب على قيد الوجود فإن هذه المقص سيجوب الصحراء..فهاته المخلوقات الحيوانية وهن لسن إلا حمقاوات شديدات الحمق ذلك هو سبب حبنا لهن فهن كلابنا ويفضلهن خير كلابكم "ص74

كما نلاحظ أن كافكا وصف اليهود بأنهم لا يجتمعون إلا على الجيف وهو سب لليهود والعرب معا فى قوله :

"أقبل الرجال بجيفة ثقيلة وألقوا بها أمامنا فلك تكد تمس الأرض حتى عوت بنات آوى .. وزحفن على بطن البعير النافق كن قد نسين العرب نسين مقتهن لهم وسحرهن الحضور الذى يجب ما عداه والنابع من الجيفة كريهة الرائحة" ص74

كما بين الكراهية بين الطرفين فى قوله :

"إنك على حق أيها السيد لسوف نتركهن عاكفات على عملهن إضافة إلى هذا فقد حان وقت الرحيل طيب لقد رأيتهن أنهن مخلوقات عجيبة ألسن كذلك ولشد ما يمقتننا "ص75

ومن ثم فكافكا يبدو فى الحكاية كارها للطرفين اليهود والعرب معا وهو يرى أن الشماليين وهو يقصد دول أوربا هى من خلقت تلك المشكلة من خلال بث كراهية اليهود بين سكان القارة الأوربية ومن خلال وعد بلفور كما يرى أن حل مشكلة اليهود والعرب فى فلسطين لن تحل إلا عن طريق الشماليين ومن خلال تقديمه حل ما يسمى التطهير وهو اخلاء منطقة من العرب تماما لتكون فيها دولة اليهود وهو بذلك يقترح حل الدولتين وهو حل تبنته كل القرارات الدولية ولكنه يرى وجوب وجود دولة خالصة لليهود فى قطعة من فلسطين وهو أمر لم يتحقق حتى الآن رغم مرور ما يزيد من قرن على نشأة المشكلة
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى