دعوة الحق - علاقة المغرب بالشرق في العصر المريني الأول والثاني -1-

-1-
مقدمــة
من التقاليد التي انبعثت في العهد المريني ربط العلاقات -على الصعيد الحكومي- بين المغرب والشرق، وفي صدد هذه العلاقات مع مصر بالخصوص يقول ابن خلدون(1)
"... ولم يزل ملوك المغرب على القدم ولهذا العهد، يعرفون لملوك الترك بمصر حقهم، ويوجبون لهم الفضل والمزية، بما خصهم الله من ضخامة الملك وشرف الولاية بالمساجد المعظمة، وخدمة الحرمين الشريفين، وكانت المهاداة بينهم تتصل بعض الأحيان، ثم تنقطع بما يعرض في الدولتين من الأحوال".
والمعروف أن العلاقات المرينية المملوكية إنما ابتدأت في عهد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحين، الذي كان يعاصره بالمغرب - لأول دولته- أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني كما سيذكر، ولكنا نجد إشارة عابرة تفيد قيام هذه العلاقات أيام المنصور قلاوون الصالحي والد الملك الناصر، فقد أورد ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري (2)القصة التالية:
" أنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين ابن الصائغ الدمشقي قال: حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال: أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية، فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها..."
فملك الغرب الوارد في هذه القصة، هو اللقب الذي كان عدد من مؤرخي الشرق الأوسط في هذه الفترة يستعملونه في حق الملوك المرينيين(3)، وهكذا يكون أحد هؤلاء هو المعني بالأمر هنا، وبالتالي يتضح أن العلاقات المرينية المملوكية ابتدأت من أيام المنصور قلاوون الذي استقل بالسلطة على مصر والشام والحجاز من سنة 678هـ1280م إلى سنة 689هـ 1290م(4)
وحسب هذا التاريخ فقد عاصره من الملوك المرينين اثنان:
الأول أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني الذي صار ملكا للمغرب من سنة 656هـ 1258م إلى سنة 685هـ 1286م.
والثاني: ابنه يوسف آتي الذكر.
ولسنا نستطيع أن نعرف -بالضبط- أحد الملكين المغربيين المعني بالأمر في هذه السفارة، مادام النص الذي يوردها لا يحدد لها تاريخا، وسيبقى الأمر مترددا بين الاثنين حتى يتسنى الوقوف على نص توضيحي في الموضوع.
أما هدف السفارة فقد يكون هو توسيط ملك المغرب في حل مشكلة تهم الجانب المصري، وتتصل بعلاقاته مع ملك الفرنج الذي يعني به ملك قشتالة (5) وقد يدل لهذا قول رواية فتح الباري: فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها.
في عهد يوسف بن يعقوب:
ازدهرت العلاقات المغربية المصرية إبتداءا من أيام يوسف ابن يعقوب الذي بويع سنة 685هـ 1286م وتوفي سنة 706هـ 1307م، وكان يعاصره في مصر الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحين الذي كانت دولته الثانية من سنة 698هـ 1299م إلى سنة 741هـ1341م.
وكثيرا ما كانت مهمة هذه السفارات حمل الهدايا الملكية إلى سلاطين مصر مع رسائله مرينية في شأن هدايا البقاع المقدسة وفي التوصية بالحجاج، وفي هذه الحالة كانت تذهب في رفقة واحدة مع ركاب الحجاج، وهناك بعض سفارات كانت تذهب في أغراض أخرى، ونذكر هنا ثلاث سفارات ذهبت على عهد يوسف، مع سفارة شرقية زارت المغرب في هذا العهد، وسنتحدث ضمن هذه السفارات المغربية عن الركاب التي رافقت بعضها، بما أن الحديث عنها يتمم خبر السفارة.

سفارة سنة 700هـ:
هذه أول سفارة ذهبت من المغرب المريني لمصر الملوكية، وكان الذي قام بها وزير مغربي لم يذكر اسمه ولا موضوع سفارته، والمصدر الوحيد الذي أشار لها، هو العبر (6) في الكلمة التالية ( حضر في سنة سبعمائة، وزير من المغرب في غرض الرسالة).

سفارة سنة 703هـ:
توجهت مع ركب هذه السنة وكانت غايتها التوصية بحاج المغرب(7) ولم يرد ذكر اسم السفير القائم بها، أما الركب الذي سار معها فقد كان أول ركب جهزه المرينيون، بعد ما انقطع ذهابه مدة، بسبب الفتن التي صاحبت نقل الحكم من الموحدين إلى المرينيين، وقد تحدث عن هذا التوقف مصدران معاصران تقريبا: أحدهما شرقي، وهو "السلوك"(8) للمقريزي والثاني مغربي وهو "العبر"(9) لابن خلدون الذي يسجل هذه الظاهرة هكذا: "... واستجد أهل المغرب عزما في قضاء فرضهم، ورغبوا من السلطان إذنه في السفر إلى مكة، فقد كان عهدها يعد بمثلها".
وتفيدنا هذه الفترة أيضا أن إحياء هذا التقليد كان مبعثه الأول رغبة شعبه، وهو أحد مظاهر شعبية السياسة المرينية(10).
وبما أن هذا الركب أول ما بعثه المرينيون، فقد كان يكتسي أهمية خاصة، ولهذا نظمه يوسف تنظيما اعتمد نموذجا أول للركاب بعده: فعين له قاضيا هو محمد بن زغبوش أحد أعلام المغرب، وبعث معه فرقة عسكرية لحمايته تناهز 500 من أبطال زناتة(11)، كما بعث معه أموالا كثيرة يرسم توزيعها على سكان الحرمين الشريفين: مكة المكرمة والمدينة المنورة(12)
وكان في الركب -أيضا- جماعة من رجالات الصلاح والعلم، برسم حمل المصحف الشريف الذي أهداه يوسف للحرم المكي، ومن هؤلاء أبو عبد الله القصار كبير علماء المغرب(13) وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري دفين مراكش، ويظهر أنه كان المكلف الرئيسي بحمل الربعة القرآنية، فقد ذكر عنه في النفح(14): أنه قدم إلى مصر ومعه مصحف قرآن حمل بغل، بعثه ملك المغرب ليوقف بمكة، وقد تحدث في العبر(15) عن هذا المصحف كما يلي.
"... فأمر يوسف بانتساخ مصحف رائق الصنعة، كتبه ونمقه أحمد بن الحسن الكاتب المحسن، واستوسع في جرمه، وعمل غشاءه من بديع الصنعة، واستكثر فيه من مغالق الذهب المنظم بخرزات الدر والياقوت، وجعل منها حصاة وسط المغلق تفوق الحصيات مقدارا وشكلا وحسنا، واستكثر من الأصونة عليه".
وقد وصل هذا المصحف للحرم المكي وهناك وقف عليه ابن مرزوق حسب المسند الصحيح الحسن(16) وقال عنه: " وقد رأيت بمكة شرفها الله المصحف الذي بعثه المولى أبو يعقوب بخط ابن حسن، وكان وجهه محلى بالذهب المنظوم بالجواهر النفيسة، فانتزع ما عليه وبقي في قبة الشراب يقرأ فيه احتسابا، وقد قرأت فيه في أعوام".
أما كاتب هذا المصحف فيظهر أنه أحمد بن حسن البلياني التلمساني وقد ورد ذكره في "المسند الصحيح الحسن".
هذا ومن المفيد أن ننبه إلى وهمين اثنين وقعا في شأن هذا المصحف، الأول ما ذكره المقريزي في السلوك(17) من أن يوسف بعثه مع ركب سنة 704هـ وهو سبق قلم، فإن ابن(18) الوردي(19) الذي هو أقرب لهذا التاريخ من المقريزي لم يذكر هذا في سنة 704هـ لما تحدث عن ركب المغرب الوافد في هذه السنة، وابن خلدون (20) إنما ذكر هذا المصحف في سنة 703هـ، وأقوى من هذا كله وثيقة معاصرة عن المصحف المعني بالأمر، وهي رسالة(21) صادرة عن يوسف المريني إلى كبير أشراف آل أمغار، يلتمس منه فيها أن يعين ثلاثة رجال من بينهم ليتوجهوا إلى بلاد الحجاز المشرفة، مع من يتوجه برسم حمل الربعة القرآنية، وكسوة البيت الكريم، وقد كتبت هذه الرسالة في 11 صفر الخير عام 703هـ.
وتفيد هذه الرسالة- أيضا- أن يوسف أعلن عن توجيه الكسوة للكعبة المشرفة، وهو شئ انفردت به هذه الوثيقة.
الثاني: جاء في الترجمان المغرب للزياني: أن يوسف هو الذي تولى بيده كتابة المصحف وتنسيقه وهو سبق قلم أيضا، ومخالف لما ذكره ابن خلدون وابن مرزوق، وقد عاين هذا الأخير مصحف يوسف، وقرأ فيه بنفسه، وأكد أنه بخط ابن الحسن.
وبعد هذا نذكر أن من مظاهر علاقات المغرب بشريف مكة في هذا العهد، أنه لما عاد هذا الركب في ربيع الأخير سنة 704هـ وفد معهم على السلطان المريني الشريف لبيدة بن صاحب مكة أبي تمي نازعا عن الملك الناصر، لما كان تقبض على أخويه حميصة ورميثة إثر مهلك أبيهم سنة 702هـ.
وقد استبلغ يوسف في تكريمه، وسرحه إلى المغرب ليتجول في أقطاره ويطوف على معالم الملك وقصوره، وأوعز إلى العمال بتكريمه وإتحافه كل على شاكلته، ثم رجع إلى حضرة السلطان سنة 705هـ وفصل منها إلى المشرق صحبة أحد أعلام المغرب(22)
سفارة سنة 704هـ:
لم نعرف بالضبط غاية هذه السفارة، وقد امتازت بالهدية الجليلة التي بعث بها السلطان يوسف للناصر بن قلاوون، وكان السفير الحامل لها هو ايدغدي الشهرزوري علاء الدين، من حاشية يوسف المقربين لديه(23).
أما الهدية فكانت حافلة، فيها عدد من الخيل والبغال والإبل، وكثير من ماعون المغرب وسائر طرفه، مع جملة من الذهب العين(24) وقد بلغ عدد الخيل أربعمائة جواد من العتاق بجهازاتها برسم الجهاد(25) كما أن عدد البغال الفارهة كان أربعمائة أيضا(26) وممن ذهب مع هذه الهدية أبو الحسن التنسي، كبير أهل الفتيا بتلمسان(27)
وتوجهت هذه السفارة في رفقة ركب عظيم، عقد السلطان على دلالتهم لأبي زيد الغفائري، وفصلوا من تلمسان الجديدة -مقر الملك إذ ذاك- في شهر ربيع الأول سنة 704هـ(28)
وقد أكرم الملك الناصر السفير المغربي، وأنزل بالميدان، وأجريت عليه الرواتب(29) كما قابل ركب الحجاج بأبلغ وجوه التكرمة، وبعث معهم أميرا لإكرامهم وقراهم في طريقهم حتى قضوا فرضهم(30)، ومن صدى هذه السفارة والركب في الأوساط المصرية ما كتبه عنها ابن الــــــوردي(31):
"... تم دخلت سنة أربع وسبعمائة: فيها وصل من المغرب كثير، "كذا" صحبتهم رسول أبي يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ملك المغرب، إلى مصر بهدية عظيمة: خيل وبغال نحو خمسمائة، بسروج ولجم ملبسة بالذهب المصري".
ثم في شعبان من سنة 705هـ عاد الركب ومعه الدليل أبو زيد الغفاري، وتأخر السفير إيدغدي بمصر حتى يأتي مع وفد الهدية الناصرية، ولم تخل هذه العودة من مفاجأة بشأن علاقات المغرب مع مكة المكرمة، فقد كان دليل الركب يحمل معه بيعة أشراف مكة ليوسف المريني، لما أسفهم الملك الناصر بالتقبض على إخوانهم، وأهدوا لسلطان المغرب مع البيعة ثوبا من كسوة الكعبة، شغف به واتخذ منه ثوبا للباسه في الجمع والأعياد، يستبطنه بين ثيابه تبركا به(32)، وإن هذه البيعة، مع وفادة لبيدة بن أبي تمي على مالك المغرب قبل هذا، ليدلان على مدى الصيت الذي صار للمغرب المريني في الشرق العربي حينئذ.
هذا ويحسن أن ننبه هنا إلى أن ابن خلدون وهم في تاريخ هذه السفارة في موضعين من العبر، فجعله في ترجمة يوسف سنة 703هـ وفي ترجمته التي ذيل بها الكتاب سنة 700هـ، وكلا التاريخين سبق قلم، ومخالف لما سجله هو نفسه في ترجمة الملك الناصر من "العبر"، من أن تاريخ السفارة هو سنة 704هـ، وهو الذي أثبته كل من ابن الوردي في "تتمة المختصر" ثم المقريزي في "السلوك".
السفارة الناصرية سنة 705هـ :
حسن موقع السفارة والهدية لدى الملك الناصر، فبعث للسلطان يوسف المريني بهدية عين لحملها من عظماء دولته علاء الدين ايدغدي التليلي الشمسي، والأمير علاء الدين ايدغدي الخوارزمي، ومعهما ايدغدي الشهرزوري سفير ملك المغرب(33)
وكانت الهدية جميلة، فيها من طرف بلاد الشرق ما يستغرب جنسه وشكله من الثياب والحيوان ونحو ذلك مثل الفيل والزرافة ونحوهما(34) ولما كان الملك الناصر حديث العهد بالانتصار الذي أحرزه ضد التتر في المصاف الثاني ظاهر دمشق سنة 702هـ(35) فقد جعل في الهدية الناصرية أشياء من مغانم هؤلاء إشهارا لأمر هذا الفتح بالمغرب، ولذلك كان صحبة الهدية عشرون أكديشا من أكاديش التتر، وعشرون أسيرا منهم، وشيء من طبولهم وقسيهم(36)
وقد فصلت السفارة من القاهرة أخريات سنة 705هـ ثم وصلت إلى تونس في ربيع الثاني من سنة 706هـ وفي جمادى الأخرى من نفس العام كان وصولها إلى تلمسان الجديدة حيث السلطان المريني. (37)
وقد أكبر مقدم هذا الوفد فأركب الناس إلى لقاءه، واحتفل للقاء أفراد السفارة، وبر وفادتهم، واستبلغ في تكريمهم نزلا وقرى ثم بعثهم إلى ممالكه بفاس ومراكش ليتطوفوا بها ويعاينوا محاسنها.
وفي أثناء هذا مات السلطان أبو يعقوب يوم الأربعاء 7 قعدة سنة 706هـ، وبعد ذلك انطلق السفيران إلى فاس راجعين من رسالتهما، فجهزهما أبو ثابت الملك بعد يوسف، وبالغ في التكرمة والإحسان، وبعث معهما للملك الناصر بهدية أخرى من الخيل والبغال والإبل، تم شيعهما إلى مصر في ركب عظيم من حجاج المغاربة(38)
هذا سياق"العبر" لهذه الهدية ومرسلها، وفي "الاعلام" (39) لابن الخطيب تحدث عنها كما يلي:
"وجرت بين الملك المنصور قلاوون [الصواب الناصر محمد بن قلاوون] وبين الملوك الكرام بن بني مرين- قدسهم الله - المهادات، فبعث إليه أمير المسلمين أبو يعقوب هدية مشتملة على خيل عديدة، وبغال رومية وغير ذلك من الأمتعة، زعموا أن الدواب بين فرس وبغل وجمل بلغت سبعمائة دابة، وكان الذي تولى إيصالها رسول الملك المنصور [الصواب الناصر] عند قفوله بجواب رسالته إليه... ولما بلغت الهدية إلى المدية من أحواز تلمسان اتصل بهم خبر مهلك السلطان أبي يعقوب، فسلبتها العرب بذلك الموطن، ولحق الرسول بالمشرق بعد مشقة"(40)


(1) العبر ج5 ص479.
(2) ج1 ص 42 ط مصر سنة1300هـ ونقله في التراتيب الإدارية ج1ص157
(3) انظر عن هذا " تتمة المختصر في أخبار البشر" لابن الوردي ج2 ص253، والنجوم الزاهرة ج 8ص225وج9 ص290وج10ص251/329، مع السلوك للمقريزي ج 2 ق1ص5
(4) هذا التفسير مأخوذ من التراتيب الإدارية ج1 ص162
(5) الأعلام للزركلي ص50
(6) ج5ص416
(7) ج7ص226
(8) الجزء الثاني- القسم الأول-ص9
(9) ج7 ص226
(10) انظر عن هذه الظاهرة الشعبية ( نظم الدولة المرينية) مجلة البحث العلمي العدد الثاني – السنة الأولى،ص213.
(11) العبر ج7 ص226
(12) روض القرطاس ص284
(13) ( الترجمان المعرب) للزياني- نسخة خاصة-
(14) ج1ص353ط مصر سنة 1279هـ وانظر الديباج المذهب ص 322/323.
(15) ج7 ص225
(16) الباب 55- الفصل السابع.
(17) الجزء الثاني- القسم الأول ص9
(18)
(19) " تتمة المختصر في أخبار البشر"ج 2ص253 مصر المطبعة الوهبية سنة 1285هـ
(20) العبر ج7ص226
(21) ورد نص الرسالة في ( بهجة الناظر في مناقب أهل عين الفطر) آل أمغار- نسخة خاصة لدى بعض الأشراف الأمغاريين بمكناس.
(22) العبر7 ص226
(23) قال المقريزي في ( السلوك) الجزء الثاني، القسم الأول ص9 : ( وكان ايدغدي هذا لما قبض على يعقوب في الأيام الظاهرية- أيام الظاهر بيبرس- فر في جماعة من الأكراد إلى برقة، وقدم على أبي يعقوب بهدية، ففر به وقدمه حتى صار في منزلة وزير وحسنت سيرته عندهم إلى أن بعثه أبو يعقوب بالهدية ليحج).
(24) العبر5 ص420
(25) روض القرطاس ص285
(26) التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا، تحقيق الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي ص 337
(27) المصدر الأخير ص337، هذا وفي بغية الرواد ج1 ص48 توجد ترجمة محمد بن يخلف بن عبد السلام التنسي من أكابر العلماء، وجاء في ترجمته أنه تصرف في الرسالة بين ملوك المغرب والمشرق ، وأنه كان محترما لدى أبي يعقوب ملك المغرب ، فهل هذا هو الذي عناه ابن خلدون؟
(28) العبر7 ص226
(29) السلوك للمقزيزي- الجزء الثاني- القسم الأول ص9.
(30) العبر ج5 ص420
(31) تتمة المختصر في أخبار البشر ج2ص253
(32) السلوك للمقريزي الجزء الثاني – القسم الأول ص15
(33) العبر ج7ص227، الإستقصا ج2ص41
(34) انظر عن هذه الموقعة العبر ج2 ص 417/418.
(35) السلوك للمقريزي الجزء الثاني – القسم الأول ص15
(36) ان تحديد تواريخ هذه السفارة مأخوذ من العبر ج5 ص227، ومن رحلة التجاني، نسخة خاصة، وفي روض القرطاس ص 298. تحديد تاريخ مقدم السفارة المصرية على يوسف سنة 705هـ، وهو سبق قلم لمخالفته لمن ذكر وبالخصوص التجاني التونسي، الذي مر وفد الهدية على تونس قيد حياته، وسجل ذلك أوائل رحلته، محددا التاريخ بالعام والشهر
(37) العبر ج5 ص421مع ج7 ص227
(38) نسخة الخزانة العامة بالرباط-رقم د1552نورقة 93.
(39) أنظر العبر ج5 ص421ص227 والسلوك للمقريزي، الجزء الثاني، القسم الأول، ص49
(40)

دعوة الحق
العدد77


55.jpg
 
إن أول ميزة لهذه الفترة، ارتفاع عدد السلوك الذين كانت لهم علاقات مع الشرق الإسلامي بالنسبة لعددهم في العصر المريني، وقد بلغ عددهم في هذا العصر الثاني ستة وهم :
1) أبو عنان فارس بن أبي الحسن 749 هـ 1348 م – 759 / 1358.
2) أبو فارس عبد العزيز الأول بن أبي الحسن 767 / 1366 = 744 / 1372.
3) أبو العباس أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن – الدولة الأولى : 775 / 1373 / 786 / 1384 – الدولة الثانية : 789 / 1387 = 796 / 1393.
4) أبو عامر عبد الله بن أبي العباس بن أبي سالم 799 / 1397 = 800 / 1398.
5) أبو سعيد عثمان الثاني بن أبي العباس بن أبي سالم 800 / 1398 = 823 / 1420.
6) عبد الحق بن أبي سعيد بن أبي العباس بن أبي سلم 823 / 1420 = 869 / 1465.*

أبو عنان :

ابتداء من أبي عنان نواجه الميزة الثانية لهذه الفترة، والتي تبدو في انعدام تفصيلات وافية عن علاقات المغرب مع الشرق في هذا الدور. وأولى ظاهرة لهذه الميزة بالنسبة لأبي عنان، أنه لا توجد إلا إشارة عابرة ومقتضبة، تفيد وجود سفارة بعثها هذا العاهل المغربي إلى مصر، وقد جاءت هذه الإشارة في "التعريف بابن خلدون" الذي أوردها هكذا :
"وحضر صاحبنا قاضي العسكر بفاس، الفقيه الكاتب أبو القاسم البرجي بمجلس السلطان أبي عنان، منصرفه من السفارة عنه إلى ملوك مصر، وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم، سنة ست وخمسين وسبعمائة…".
فهذه الفقرة تكشف عن قيام علاقات بين المغرب ومصر أيام أبي عنان، وعن وجود سفارة توجهت من المغرب المريني إلى مصر المملوكية سنة 756 هـ - 1355 م.
وقد كان ملك مصر وما والاها في هذا التاريخ، هو السلطان حسن الناصر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي في ولايته الثانية التي كان فيها تحت استبداد اثنين من أمراء المماليك، ويظهر أن هذا الوضع هو الذي دفع ابن خلدون أن يجعل السفارة لملوك مصر بدل ملك مصر، وهو يقصد السلطان حسن مع الأميرين المستبدين عليه، في دولته الثانية التي استمرت من سنة 755 هـ - 1354 م إلى سنة 762 هـ - 1361 م.
ولا شك أن هذه السفارة هي التي ذكرها ابن الخطيب في ترجمة البرجي لما قال : "واستعمل في السفارة إلى ملك مصر". كما أنه لا يبعد أن تكون هذه السفارة هي التي أشار لها ابن أبي حجلة لما قال في كتابه "منطق الطير ". وقلت في غراب أبي عنان القادم في الوسيلة "كذا" إلى إسكندرية :
أتتنا من جواريه فتاة ومسبل قلعها مثل الإزار
غراب طائر بجناح قلع فما أخطأ بأنعمه مطاري".
وقد يكون هذا الغراب هو الذي تحدث عنه ابن الخطيب في "نفاضة الجراب" التي أوردت الفقرة التاليد أثناء كلام :
(.. واتفق تفنة ذلك أن وصل سبتة الغراب الموجه إلى الاسكندرية أخريات الأمير أبي عنان ... بما جد له شراؤه من متاع الشرق وطيبه وطرفه فحط بسبتة). وهذا يفيد وجود علاقات تجارية بين المغرب ومصر في هذه الفترة.

وبعد هذا نذكر أن هناك شيئا آخر ورد في فقرة "التعريف بابن خلدون" السالفة الذكر حيث قال : (وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم).
وهذا يفيد أن البرجي كان مكلفا –من طرف أبي عنان- بمهمة ثانية إلى جانب السفارة إلى مصر، وهي إيصال رسالة نبوية كتبها هذا الملك إلى المقام النبوي الكريم بالمدينة المنورة.
وقد كانت هذه الرسالة النبوية عبارة عن رسالة من إنشاء أبي عنان، متصلة بقصيدة من نظمه، وكلاهما – على حد تعبير ابن الخطيب – يعلن – في الخفاء – ببعد شاوه، ورسوخ قدم علمه، وعراقة البلاغة في نسب خصله، وحسب "تحفة النظار " فقد دبجهما أبو عنان بخط يده الذي يخجل الروض حسنا.
واشتهرت هذه الرسالة بالشرق بعد المغرب، حتى أوردها "يكشف الظنون " في العبارة التالية : "الدرة السنية والرسالة النبوية" – (رسالة لأبي عنان ملك الغرب).
هذا، ويظهر أن أبا عنان حبس على خصوص القصيدة –المكتوبة مع الرسالة- أوقافا لاستمرار قراءتها بالمقام النبوي الكريم، فقد جاء في "نصح ملوك الإسلام " التصريح بأن القصيدة العنانية تقرأ بطيبة المشرفة زمن تأليف هذا الكتاب نحو سنة 800 / 1398.
ولا يبعد أن يكون هذا الوقف من أغراض سفارة البرجي إلى ملك مصر الذي كان يتولى أمر الحرمين الشريفين أيضا. وهكذا تقدم لنا هذه الرسالة النبوية لونا آخر من علاقات أبي عنان الذي كان صيته قد شاع بالحجاز والعراق .
أما السفير البرجي فهو أبو القاسم محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم الغساني البرجي الغرناطي نزيل فاس، المتوفى سنة 786 / 1384 .

أبو فارس عبد العزيز الأول :
يؤخذ من "صبح الأعشى " وجود علاقات بينه وبين ملك مصر وما إليها لعهده : الإشراف شعبان بن الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، فقد نقل عن مؤلف "التثقيف" أن مكاتبة هذا إلى أبي فارس عبد العزيز الأول كانت تقع في قطع النصف "حجم خاص من الرسائل".
وقد استمرت دولة الإشراف من سنة 764 / 1363 إلى سنة 778 / 1377 .
وكصنيع أبي عنان فإن عبد العزيز الأول بعث –هو الآخر- برسالة إلى المقام النبوي الكريم تحدث عنها ابن أبي حجلة في "منطق الطير" الذي ضمنه تقريظا ضافيا –منثورا ومنظوما- وصف في ثناياه الرسالة الفارسية. وبين أنها مفتتحة بأبيات دالية، ومكتوبة بخط أبي فارس نفسه، ومما جاء في هذا التقريظ :
(... فقد وقف المملوك .. على الرسالة الملكية السلطانية الفارسية العزيزية، المجهزة إلى الحضرة النبوية، المفتتحة بالأبيات الدالية .. وانتهى إلى ما أنجز في ذيلها من الضراعة والظمأ، إلى صاحب الحوض والشفاعة .. فقد بلغ برسالته التي قرئت بحضرة الرسول، وهبت عليها نسمة القبول .. ثم وصف خطها في هذه القطعة :

فكم همزة تبدو على "ألف" بها
كناجعة من فوق غصن تغرد
أغازل منها كل "عين" كأنما
يلوح بها من أسود النقش أثمد
وانظر من نفث القوافي بطرسها
محارب "دالات" بها الحر يسجد

وهناك –في نفس المصدر- قصيدة مطولة لابن أبي حجلة مدح بها أبا فارس الأول، وقال عن رسالته النبوية :
له في النبي الهاشمي رسالة
يكرر فيها شوقه ويعيد
وأنشدها بالحج في كل مشهد
يطيب بها للسمع منه نشيد
وأم بها من طيبة طيب روضة
بها يقطف الجاني الرضى ويزيد

أبو العباس أحمد بن أبي سالم :
أبو عامر بن أبي العباس بن أبي سالم :
وقد كان يعاصرهما في مصر وما إليها الملك الظاهر برقوق فاتح دولة الشراكة. والذي امتدت ولايته من سنة 784/1382 إلى سنة 801/1398 .
وفي عهده وقعت مهاداة بينه وبين ملكي المغرب أبي العباس أحمد بن أبي سالم وابنه أبي عامر وتحدث عن هذه المهادات ابن خلدون في موضعين من "العبر "، ثم فصل حديثها تفصيلا في الخاتمة المعروفة ب "التعريف بابن خلدون " والتي سنقتطف منها هذه الصفحة المطولة فيما يلي:
(... ثم وصل إلينا "إلى مصر" عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة "شيخ الأعراب" : "المعقل" بالمغرب، يوسف بن علي بن غانم، كبير أولاد حسين ناجيا من سخط السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم، من ملوك بني مرين بفاس، يروم قضاء فرضه، ويتوصل بذلك لرضى سلطانه، فوجد السلطان غائبا في فتنة منطاش فعرضته لصاحب المحمل، فلما عاد من قضاء فرضه. وكان السلطان قد عاد من الشام، فوصلته به، وحضر بين يديه، وشكا به، فكتب الظاهر فيه شفاعة لسلطان وطنه بالمغرب، وحمله مع ذلك هدية إليه من قماش، وطيب، وقسي، وأوصاه بانتقاء الخيل له من قطر المغرب، وانصرف، فقبل سلطانه فيه شفاعة الظاهر، وأعاده إلى منزلته، وانتقى الخيول الرائعة لمهادات الملك الظاهر، وأحسن في انتقاء أصناف الهدية، فعاجلته المنية دون ذلك، وولي ابنه أبو فارس، وبقي أياما ثم هلك، وولى أخوه أبو عامر، فاستكمل الهدية، وبعثها صحبة يوسف بن علي الوارد الأول.
وكان السلطان الملك الظاهر، لما أبطا عليه وصول الخيل من المغرب، أراد أن يبعث من أمرائه من ينتقي له ما يشاء بالشراء، فعين لذلك مملوكا من مماليكه منسوبا إلى تربيع الخليلي، اسمه "قطلوبغا ".
وبعث عني، فحضرت بين يديه، وشاورني في ذلك فوافقته وسألني كيف يكون طريقه، فأشرت بالكتاب في ذلك إلى سلطان تونس من الموحدين، وسلطان تلمسان من بني عبد الواد، وسلطان فاس والمغرب من بني مرين، وحمله لكل واحد منهم هدية خفيفة من القماش، والطيب، والقسي، وانصرف عام تسعة وتعسين إلى المغرب، وشيعه كل واحد نم ملوكه إلى مأمنه، وبالغ في إكرامه بما يتعين، ووصل إلى فاس، فوجد الهدية قد استكملت، ويوسف بن علي على المسير بها عن سلطانه أبي عامر من ولدا السلطان أبي العباس المخاطب أولا، وأظلهم عيد الأضحى بفاس، وخرجوا متوجهين إلى مصر وقد أفاض السلطان من إحسانه، وعطائه، على الرسول قطلوبغا ومن في جملته بما أقر عيونهم، وأطلق بالشكر ألسنتهم، وملأ بالثناء ضمائرهم... وكانت هدية صاحب المغرب تشتمل على خمسة وثلاثين من عتاق الخيل بالسروج واللجم الذهبية، والسيوف المحلاة، وخمسة وثلاثين حملا من أقمشة الحرير والكتان والصوف والجلد، منتقاة نم أحسن هذه الأصناف.
وهدية صحب تلمسان تشتمل على ثلاثين من الجياد بمراكبها المموهة، وأحمال من الأقمشة.

وهدية صاحب تونس تشتمل على ثلاثين من الجياد مغشاة ببراقع الثياب من غير مراكب، وكلها أنيق في صنعه، مستطرف في نوعه.
وجلس السلطان يوم عرضها جلوسا فخما في إيوائه، وحضر الرسول وأدوا ما يجب عن ملوكهم، وعاملهم السلطان بالبر والقبول، وانصرفوا إلى منازلهم للجرايات الواسعة، والأحوال الضخمة، ثم حضر وقت خروج الحاج، فاستأذنوا في الحجج مع محمل السلطان، فأذن لهم، وأرغد أزودتهم، وقضوا حجهم، ورجعوا إلى حضرة السلطان ومعهود مسرته، ثم انصرفوا إلى مواطنهم، وشيعهم من بر السلطان وإحسانه، ما ملأ حقائبهم، وأسنى ذخيرتهم، وحصل لي أنا من بين ذلك في الفخر ذكر جميل بما تناولت بين هؤلاء الملوك من السعي في الوصلة الباقية على الأبد، فحمدت الله على ذلك).
هذا حديث "التعريف بابن خلدون" عن تلك المهادات، وما كان فيها من تمتين للعلاقات بين المغرب والشرق، وهو يفيد أن روابط الإخاء بين المغرب ومصر، بلغت إلى حد التدخل الودي في علاقات ملك المغرب مع موظفيه، حيث رأينا الظاهر برقوق يتقدم بالشفاعة في شيخ عرب المعقل لدى أبي العباس بن أبي سالم، الذي يتقبل الشفاعة الشرقية، ويعيد الشيخ العربي إلى منزلته.
هذا وقد ساق خبر هذه المهادات ابن حجر في "أنباء الغمر بأنباء العمر " في شيء من المخالفة لما تقدم، فقد ذكر في حوادث سنة 800 ما يلي:
(وفيها –في رمضان- وصل قطلوبغا الخليلي من بلاد المغرب وصحبته الخيول التي كان توجه لمشتراها للسلطان، وهي مائة وعشرون رأسا وحضر صحبته رسول صاحب فاس، ورسول صاحب تلمسان، ورسول صاحب تونس، والأمير يوسف بن علي مير عرب تلك البلاد، وقدموا هداياهم، فقبلت وخلع عليهم وتوجهوا إلى الحج).

أبو سعيد عثمان الثاني :
وقد ارتبط بعلاقات مع ملك مصر وما إليها الناصر فرج ابن الظاهر برقوق الذي استمرت ولايته من سنة 801 / 1390 إلى سنة 815 / 1412 .
ويحتفظ "صبح الأعشى " بنص الرسالتين المتبادلتين في هذا الصدد، ومنهما –مع "الصبح"- تستفيد أن سفارة مغربية توجهت برسالة من فاس للقاهرة سنة 804 / 1402، لتهنئة الناصر فرج بما تسنى له من إيقاف الزحف التتري ضد الشام بقيادة "تيمورلنك"، ومن الرسالة المغربية بالخصوص، نستفيد اسم القائم بهذه السفارة، مع الإشعار بما كان قر عليه العزم المريني من المساهمة في صد العدوان التتري لو استمر في زحفه، وقد قدم "الصبح" هذه الرسالة المغربية هكذا :
"نسخة كتاب عن السلطان عثمان بن أبي العباس المريني في العشر الأوسط من شعبان سنة أربع وثمانمائة". وهذا يفيد أن هذه الرسالة صدرت عن أبي سعيد الثاني أيام حجابة فارح بن مهد 802 / 806 هـ . وفيما يلي خلاصة الرسالة المغربية :
(...فإنا كتبنا إليكم من حضرتنا العلية بالمدينة البيضاء... وكتابنا هذا يقرر لكم من ودادنا ما شاع وذاع، ويؤكد من إخلاصنا أليكم ما تتحدث به السمار فتوعيه جميع الأسماع.
وقد كان انتهى إلينا حركة عدو الله وعدو الإسلام –تقصد الرسالة تيمورلنك- وتعرفنا أنه كان يعلق أمله الخائب بالوصول إلى أطراف بلادكم المصرية، وانتهاز الفرصة على حين غفلة من خلافتكم العلية، والحمد لله الذي كفى –بفضله- شره، ودفع نقمته وضره، وانصرف ناكصا على عقبه، خائبا من نيل إربه. وقد كنا حين سمعنا بسوء رأيه الذي غلبه الله عليه، وما أضمر لخلق الله من الشر الذي يجده في أخراه، ظله يسعى بين يديه – عزمنا على أن نمدكم من عساكرنا المظفرة بما يضيق عنه الفضا، ونجهز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى، فالحمد لله تعالى على أن كفى المؤمنين القتال، وأذهب عنهم الأوجال، ويسر لهم الأعمال، وهيأ لخلافتكم السنية وللمسلمين هناء يتضمن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسنين.
وبحسب ما لنا فيكم من الود الذي أسست المصافاة بنيانه، والحب الذي أوضح الإخلاص برهانه، وقع تخيرنا – فيمن بتوجه من بابنا الكريم لتفصيل مجمله، وتقرير ما لدينا فيه على أتم وجه الاعتقاد وأكمله – على الشيخ الأجل، الشريف.. أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل.. المقدس المرحوم أبي عبد الله ابن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي ، وصل الله تعالى سعادته، وأحمد على حضرتكم السنية وفادته، حسب ما يفي بشرح ما حملناه نقله، ويكمل بإيضاحه لديكم يقظته ونبله...".
وبعد الرسالة المرينية تبين أن جواب الناصر فرح عنها كان من إنشاء القلقشندي مؤلف "صبح الأعشى" الذي أثبت فيه نص هذا الجواب، وفيما يلي خلاصته :
(.. فإنه ورد علينا كتاب كريم طاب وروده.. وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشغاف، وبوارح الشوق الذي عندنا من مثله أضعاف أضعاف، وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتداء وما كان من الواقعة التي كاد خبرها –لفظاعته- يكون كالمبتدا.
ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضح له أن ما وقع من هذه القصة لم يكن عن سوء تدبير، ونورد عليه من بيان السبب ما يحقق عنده أن ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير.. وذلك أنه لما اتصل بمسامعنا الشريفة قصد العدو إلى جهتنا.. بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب.. وتحركنا من الديار المصرية في جيوش لا يأخذها حصر.. حتة وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها.. وانضم إلينا من عساكر الشام وعرباتها، وتركمانها، الزائدة على العدو وعشرانها، ما لا ينقطع له مدد.. وأقبل القوم في لفيف كالجرد المنتشر، وأمواج البحر التي لا تنحصر.. وترامى الجمعان في أفسح مكان.. ولم يبق إلا المبارزة، إذ ورد وارد من جهتهم يطلب الصلح والموادعة.. فأجبناهم بإجابة.. فبينما نحن على ذلك واقفون.. إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضل سعيهم. توجهوا إلى الديار المصرية للاستيلاء على تخت ملكنا الشريف في الغيبة.. ف لم يسع إلا الإسراع في طلبهم، للقبض عليهم وإيقاع النكال بهم، وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهم ، وظن العدو أن قصدنا الديار المصرية إنما كان لخوف أو فشل، فأخذ في خداع أهل البلد حتى سلموه إليه وفعل فعلته التي فعل.. ثم لم نزل نداب في تحصين البلاد وترويج أعمالها.. فاستقرت بعد الاضطراب، وتوطنت بعد الاغتراب، وفي خلال ذلك ترددت الرسل إلينا في عقد الصلح وإمضائه... فلم يسعنا التلكؤ عن المصالحة، بل سعينا سعيها... فعقدنا لهم عقد الصلح وأمضيناه .. والله تعالى يجنب أخاكم الكريم مواقع الغير، ويقرن مودته الصادقة بصفاء لا يشوبه –على ممر الزمان- كدر...).
عبد الحق بن أبي سعيد الثاني :
ورد في "دائرة المعارف" الوجدية أنه لما فتحت القسطنطينية العظمى عام 857 / 1453 – كان سلطان المغرب من جملة من أرسل بالتهاني إلى السلطان الفاتح محمد الثاني .
ولا شك أن سلطان المغرب في هذا التاريخ هو عبد الحق بن أبي سعيد الثاني آخر ملوك الدولة المرينية، وبهذا يكون عبد الحق المريني هو فاتح علاقات المغرب مع الدولة التركية العثمانية.

* لأجل أن تتصل حلقات البحث ينبغي أن يرجع إلى :
- (علاقات المغرب بالشرق في العصر المريني الأول) مجلة دعوة الحق العدد 5 السنة الثامنة.
- (علاقات المغرب بالشرق أيام السلطان أبي الحسن المريني) مجلة "تطوان" العدد الأول السنة الأولى من 109/151.
1نشر الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي – القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة النشر 1370/1951 ص 248.
2انظر عن السلطان حسن في دولته الثانية : "العبر" ج 5 ص 450/452 ط مصر سنة 1284 هـ.
3مختصر الإحاطة المطبوع باسم "الإحاطة" ج 2 ص 221 ط مطبعة الموسوعات، مصر 1319 هـ.
4نسخة المكتبة الملكية بالرباط رقم 1910.
5مصورة معهد مولاي الحسن بتطوان رقم 27 – ج 2 لوحة 91 ب.
6مختصر الإحاطة السابق الذكر ج 2 ص 215.
7ج 2 ص 183 ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر 1377 هـ.
8ج 1 ص 484 ط الاستانة 1311 هـ.
9ص 31 ط المطبعة الجديدة بفاس 1316 هـ.
10"تصح ملوك الإسلام" ص 31.
11من مراجع ترجمته مختصر الإحاطة المطبوع باسم "الإحاطة" ج 2 ص 215 / 221 والتعريف بابن خلدون ص 64 / 65 ونيق ابتهاج ص 266 / 267 وجذوة الاقتباس ص 197.
12ج 7 ص 388.
13انظر عن دولة الإشراف "العبر" ج 5 ص 453 / 465.
14انظر عن دولة الظاهر برقوق العبر ج 5 ص 473 / 508 مع "الأعلام" للزركلي ج 2 ص 18 / 19.
15ج 7 ص 148 / 363.
16ص 339 / 346.
17انظر عن هذه الفتنة "العبر" ج 5 ص 487 / 505.
18توجد ترجمته في "الضوء اللامع" ج 6 ص 223.
19نسخة المكتبة الملكية باالرباط رقم 1248 – ج 1.
20توجد ترجمته ومراجعتها في "الأعلام" للزركلي ج 5 ص 340 / 341.
21الرسالة المغربية ج 8 ص 103 / 106 والرسالة الشرقية ج 7 ص 407 / 411.
22انظر عن فارح بن مهدي "الجذوة" ص 316 / 317 مع "الاستقصا" ج 2 ص 146.
23في "التعريف بابن خلدون" ص 380 أورد المؤلف فصلا من رسالة كتبها إلى أبي سعيد الثاني حيث عرفه بشأن تيمورلنك.
24لا شك أن هذا أحد أعيان الشعبة العراقية الشريفة الموجود أكثر فروعها بفاس، وهم حسينيون بالتصغير وما هنا من "الحسني" سبق قلم : انظر –مثلا- "الدرر البهية" للفضيلي ج 2 ص 236 / 239 ط فاس.
25أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري المتوفى سنة 821 / 1418 توجد ترجمته وبعض مراجعها في الأعلام للزركلي ج 1 ص 172.
26توجد إشارة لهذه الثورة في "التعريف بابن خلدون" ص 367.
27في المصدر الأخير ص 365 / 357 / 380 حديث عن هذا الزحف التتري إلى الشام.
28ج 2 ص 567.
29انظر عن ترجمته وعصره "تاريخ ابن خلدون" ملحق الجزء الأول ص 132 / 158 ط المطبعة الرحمانية بمصر 1355 / 1936.

دعوة الحق

العددان 78 و79
 
أعلى