عزيز الحدادي - الجماع فاكهة سوق الجنة : الفصل الرابع

ل

لا أحد

الفصل الرابع : حلاوة النكاح مع نساء الأندلس


".. فمرت به امرأة من أهل إشبيلية وفيهم وفي نسائهم حلاوة وظرافة فقالت لصاحبتها تعالي يأختي نمازح هذا الرجل فإنه شكاز لا يقوم بالنساء، أي لين العضو مثل الجلد الذي يعمله.. فقالت له ما صنعتك وما حرفتك؟ فقال لها خل عنك هذا. وعلم ما تريد، فقالت له لابد من هذا فتبسم وقال لها أنا رجل أبل اليابس وألين الشديد وأنتف الشعر فولت وهي تضحك وقالت أردنا أن نرميه فرمنا".

ابن عربي، رسالة روح القدس


إذا كنا قد توسلنا بكاتب سيرة الشيخ الرئيس ابن سينا من أجل التسلل إلى أعماق حياته الخاصة، وعلاقاته الحميمية، وولعه بالنكاح والشراب، فإننا سنتوسل في هذا الفصل من الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي، مستغلين كراماته، ان يقربنا من أسرار شيوخه في فن النكاح، ومباهجه الروحية وعظمة برزخه. وخاصة وانه عرف عن ابن عربي حرصه على وصف مشاهد من حياة شيوخه والتعريف بأحوالهم ومقاماتهم، بل والاتصال بأرواحهم مباشرة من خلال إلهامات وفتوحات وتجليات، ومشاهدات غالبا ما تؤدي إلى كشف الحجاب عن طريقة نكاحهم، وولعهم بالجماع، باعتباره فاكهة من سوق الجنة. هكذا سنساير الشيخ الأكبر في وصفه لمشايخه والتنقل في فضاءات الأندلس من خلال رسالة روح القدس، كما أننا سنعيش معه زمنا يسيرا في مدينة فاس، هذه المدينة الشبقية التي تفوح أزقتها بعنف وصخب النكاح، لنكتشف سر هروبه من فاس، هل كان بسبب نكاح الممنوعات من نساء الغير، أم بمجرد ارتكابه لمعصية مد العينين إلى زوجة شيخ من مشايخه والرغبة في جماعها، ولكن بدون جدوى؟ وما هو المشترك بين ابن عربي وابن حزم وابن رشد في رؤيتهم لشهوة الجماع الحسية الحيوانية والعقلية الروحية؟، بل وما الذي يميز تجاربهم عن تجارب عوام الأندلس، هل كانت لهم نفس القوة والشغف اللذان امتلكهما الشيخ الرئيس ابن سينا في المشرق؟
ومهما بلغت أوجه الاختلاف والتعارض بين هؤلاء الرجال الثلاثة، نظرا لانتماءاتهم الروحية، المتصوف، والفقيه والفيلسوف، فإنهم يقيمون تحت سقف واحد، وبمنزل أندلسي مشع بإشراقاته وبرودته في عمق قيلولة الصيف، حيث يهدل حمام مدله، ويرتفع من بهو غير مرئي خرير فسقية، يبشر بنزول الماء على الفسيفساء، كما ينزل المني في رحم المرأة الذي يشبه الكون في غموضه وحثه على وحدة الوجود بين المتصوف والفقيه والفيلسوف. إنها وحدة وجود من نوع خاص يحكمها الانتماء المشترك إلى نفس الرحم الذي انبثقت منه، رحم المرأة الأندلسية، التي وهبت ثلاثة مواهب: الجمال، والحلاوة والظرافة. ولعل سلطة الاستيهام وحدها تمنحنا القدرة على رؤية ما لا يرى حين نقترب من تلك الطية التي تجمع بين التضاد، ولا يمكن أن تكون هذه الطية سوى المرأة الأندلسية التي تربى في حجرها ابن حزم وعلمته الكتابة والقراءة وتحكمت في قدره لكي يصبح فقيها، أو التي فر ابن عربي من شدة هذايانه بها وشعوره بارتكاب المعصية بدون عودة، ولا أن يرى الأندلس ثانية التي فجرت فاس هذه القطيعة بين الشيخ المفتون بالمكان وبين الرجل المرتكب لمعصية النكاح. وأخيرا تلك التي كانت سببا في توقف ابن رشد عن القراءة والتأليف من أجل الاستمتاع ببهجة النكاح وعنف هتك فرجها في ليلة استثنائية توقف خلالها الوادي الكبير عن الجريان لتنعم مدينة قرطبة ومعها فيلسوفها بصمت أبدي، منتظرة إنزال المني المتدفق من ما بعد الطبيعة إلى الطبيعة. إنها آفاق متباعدة في مظهرها، لكنها موحدة في ماهيتها، لان المرأة التي تربي هي نفسها التي تغري على ارتكاب المعصية، وهي نفسها التي تأمر بتوقف القراءة والكتابة بغية بهجة النكاح. فما الذي ستحيل عليه هذه القراءة الشبقية لنصوص تقع على تخوم المقدس واللاغوس؟ بل وما الذي يريده الفقيه المحب للنساء والمتصوف المفتون بجمالهن إلى حدود ارتكاب المعصية، والفيلسوف المنتشي بصخب نكاحهن، حين توقف عن عشقه للمتن الأرسطي مقابل ليلة ممتلئة بالرموز الروحية لخيمياء الجسد; أو الميتافيزيقا مقابل عنف الجماع؟

* ابن حزم والمرأة حين تتجلى في لاوعيه كالحمامة


بإمكاننا القول أننا أمام رجل غريب المزاج، لأنه بقدر ما يعتز بأنه لم يعرف غير النساء طيلة طفولته وشبابه، حيث تربى بين أيديهن وعلم أسرارهن وعاش في نعيم عطرهن وجاذبية أجسادهن المغرية على ارتكاب المعصية والكبائر مقابل جماع صامت، بقدر ما أنه يخفي علاقته الحقيقية ومغامراته الجنسية عندما تبقل وجهه، ومع ذلك لا يجالس الرجال، بل النساء فقط في رياضات الأندلس المجنونة بشهوة الجماع، من جراء اللقاء الوجودي بين الأير المشرقي القادم من الصحراء والفرج اللين الرطب والذي تكاد النار تخرج منه والمنبثق من التربة الخصبة للأندلس. إنها لعبة للخداع أراد من خلالها صاحب كتاب طوق الحمامة أن يوهمنا بان المرأة الأندلسية الفاتنة، والجواري الحسنوات هن مجرد مربيات، يعلمن القراءة والكتابة وحفظ القرآن والأشعار، لهذا الشاب، مشروع الفقيه المتزمت والذي اتهم ظلما في عصرنا الحديث من قبل البابا بمعاداته للعقل والعقلانية. الأمر الذي جعل النظر إلى طوق الحمامة في أفق "تكوين صورة دقيقة لنفسية المرأة ووضعها الاجتماعي"
ولعل هذا الانطباع الأولي هو وليد القراءة التي تتوقف عند ظاهر النص، وكأننا أمام نص برئ ومعصوم من الخطأ والمعصية، لأن كاتبه حجة في الفقه الإسلامي، ومن شيم الفقيه باعتباره مفتيا وروح الأمة أن يترفع عن المعصية التي يرتكبها العوام، وخاصة معصية النكاح التي تقوم خارج الشرع، لأن الزاني هو سارق للفرج ومفسد للنسل. نحن إذن أمام نص صامت عن الحياة الحقيقية لصاحبه الذي اعتقل مرارا بسبب مواقفه السياسية. وثورته على النظام القائم في عصره. ولكن هذا لم ينسيه من إثارة موضوع الحب أو العشق في كتابه كما تناوله أفلاطون في محاورة المأدبة، إنه حب بين الأرواح وليس بين الأجساد. يمكن القول بأنها مفارقة بين الأنا التي تحب والانا التي تحترق من عنف الرغبة، لأن الفقيه يكتب من أجل إرضاء الآخرين، وخاصة العوام، وليس بغية إرضاء نفسه، إنه يكتب بعيدا عن مقام الحقيقة، إنها كتابة مضادة للحقيقة تتم داخل نسق قاهر تذوب فيه الذات، وتتحول إلى مجرد آلة تردد ما قيل في الصدر الأول للإسلام، لان الحقيقة قيلت دفعة واحدة، فلا مجال للشك فيها. هكذا ينبغي على الفقيه أن يكون استمرارا للسيرة النبوية، مرددا للاجتهاد، مع حضور النص.
ها هنا يضعنا الفقيه ابن حزم أمام موقف محرج، فهل نكتفي بتصديق ما جاء في نص طوق الحمامة، أم نغامر في تأويل استيهامات صاحبه الذي كان شغوفا بالنساء. وبعبارة أخرى، هل كان ابن حزم الإنسان الذي كان يردد بان "ذهنه متقلب وباله مضطرب" مكرها على إخفاء طبيعة العلاقة التي تربطه بالنساء، ولم يشر ولو عرضا إلى جمالهن وفتنتهن باعتبارهما بوابة على ارتكاب معصية النكاح كما فعل ابن عربي مع المرأة زهرة الحياة؟
يقول في كتابه طوق الحمامة المحير في عنوانه والمثير لشهوة الجماع من خلال إيحائه على صدر الحمامة المرأة الذي هو مهد الإثارة لبهجة النكاح: "ولقد شاهدت من النساء وعلمت من أسرارهن مالا يكاد يعلمه غيري، لأني تربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن. ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب وحين تبقل وجهي، وهن علمنني القرآن وروينني كثيرا من الأشعار ودربنني في الخط"([17])
لو افترضنا أن الشيخ الرئيس ابن سينا كان محظوظا ووجد نفسه في بهاء رياضات الأندلس المكتظة بالجواري الإسبانيات الفاتنات، ذوات حلاوة وظرافة، مهمتهن تربية الأطفال والاستحمام وتأثيث الفضاءات الشبقية للجسد طيلة النهار، لتبدأ بهجة النكاح في الليل مكسرة بألمها وعنفها صمت الأندلس، لجماعهن بأكملهن بقوته المشرقية التي لا يزيدها لهب النكاح إلا اشتعالا وهذيانا يحث على الصمود والذهاب إلى تخوم ما بعد النكاح، وبذلك سيتجاوز المرأة الألفية التي نكحها ألف رجل ولم تحقق إشباع الرغبة، على عكس المرأة المني التي لم يكن يشبعها كل رجال عصرها إلى أن جاء العبد ميمون الذي يزداد كل يوم قوة على الهتك وقساوة النكاح مما أجبر المني على طلب النجدة من الأميرة حيث تقول المني: "يا مولاتي الشرط تعداه ولا أراه يفارقني سألتك بالله العظيم إلا ما أرحتني مما أنا فيه فقد انفكت أفخاذي ولا بقيت أقدر على الجلوس فحلف أن لا يخرج إلا بعد عشرة أيام فزادها فوق شرطها عشرة أيام أخرى"[18]
إنها حكاية من التراث الجنسي الشعبي الذي يمنح للرجل قدرة خارقة على الجماع، انطلاقا من تناوله للوصفة المقدسة عند صاحب الروض العاطر، وتتجلى في الإكثار من صفر البيض، والعسل، وحليب النوق، بالإضافة إلى البصل والحمص. مع العلم إن كاتب الروض لا يصف للمرأة طعاما يهيجها للجماع، وكأنها أخذت من الطبيعة كل قواها، وأصبحت مثل الأرض التي لا يشبعها تساقط الأمطار بكثرة، بل إنها تبتلع ذلك، كما يبتلع فرج المرأة المني من أجل ولادة جديدة للحياة.
نعم إن ابن حزم كان باردا تجاه المرأة وكأنه يصف الثلج مكتفيا ببياضه وبرودته، ولم يتناول هياجنه وذوبانه، وتحوله إلى ماء جارف يجر كل ما يجده في طريقه. إنه كان ضحية حبه لأفلاطون الذي تمكن من اغتيال الايروس في خيمياء الحب وملاحقة افروديت الجسد، ليجعل من الحب مجرد ولاع مثالي مرتبط بنبل النفس ومترفع عن اضطرابات وقلق الجسد. مع العلم أن كتاب طوق الحمام هو في الأصل رسالة كتبت إلى صديق يحتل مكانة عالية في السلطة، ويبدو ذلك واضحا من خلال عبارات التقدير والاحترام التي تطفو على سطح النص، حيث يقول في ديباجته لهذه الرسالة: "وكلفتني - أعزك الله - أن أصنف لك رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه وما وقع فيه ولو على سبيل الحقيقة، لا متزيدا ولا متفننا. لكن موردا لما يحضرني على وجهه وبحسب وقوعه، حيث انتهى حفظي وسعة باعي فيما أذكره فبدرت"([19])
الواقع أنه لا يمكن أن ننتظر أكثر مما حمله كتاب الطوق عن المرأة، لا باعتبارها جسدا مثيرا لجنون شهوة الجماع، بل إنها مجرد عاشقه مثالية تلهم النفس أكثر من الجسد، ولذلك فإنه يخبر الذي طلب منه تصنيف الكتاب بحياده التام: "لا متزيد ولا متفننا. لكن موردا لما يحضرني على وجهه وبحسب وقوعه". وكأننا أمام كتابة تتم تحت الطلب، تشبه إلى حد ما وصفة طبية وهمية لمريض يتمتع بصحة جيدة، ومع ذلك يتوهم بأنه مريض، بكل الأمراض التي يسمعها. لأنه من المستحيل أن يعرف الإنسان الحب دون الخوض في غماره، والاستمتاع بتقلباته وآلامه الناعمة. بل والاحتراق بناره. هكذا يكون الفقيه ابن حزم قد فوت علينا فرصة الاستمتاع برائحة الأجساد الساحرة لنساء الأندلس وصخب نكاحهن وعنف امتصاصهن للمني والتهامه كتلك الفسيقية التي تلتهم الماء بشكل أزلي. إذ أنه ذاب واختفى في النص، تاركا الرغبة في شوقها وعنفوانها محبطة أمام قهر الكتابة المحتشمة التي تبعث النفس على التقزز والتشنج. إنها كتابة بدون معنى، ولا حياة تقوم بقمع الليبدو، واعتقال جنون الشهوة ومنع سيلان المني وتجميده في المحرم الذي يجعل من الجنس والسياسة والدين طابوهات الإنسان العربي، لأن الكلام عنها محرم، وسيظل إلى الأبد.

* ابن رشد: حين توقف شبقية الجماع عنف الميتافيزيقا


يصف لنا بورخيس في يوم من أيام صيف قرطبة الحار، بلغة شاعرية ذات نزعة إنسانية نادرة حياة ابن رشد حيث أنه منح لهذا اليوم الرائع في حياة فيلسوف، تنكرت له الأيام، وصارت كتبه ترمى في النار، حين حل سخط الطغيان بفلاسفة الأندلس، قدسية خاصة، وكأنه يوم عيد محبة الحكمة. ذلك أن النص الميتافيزيقي أبدي، والكتابة عنه لا بد أن تكون أبدية، الأمر الذي جعل بورخيس يبدأ الكتابة عن الفيلسوف من اللابداية، أي أنه اختار السير وراء الزمان في نشوة حركته: "كان الفيلسوف يملي الفصل الحادي عشر من كتاب" تهافت التهافت". هكذا ينطلق نص الأديب العالمي. ليبرهن على أن ابن رشد لم يترك القراءة والكتابة إلا في ليلتين استثنائيتين، لكن كيف أمكن لبورخيس أن يفتتح قصته عن ابن رشد من لحظة حاسمة في حياة الفيلسوف وهو يملي كتاب يدافع فيه عن محاكمة الفلاسفة، وخاصة ابن سينا"
وتكفيرهم من قبل الغزالي، أي انه كان مشدودا بحركة الزمان، وينهيها باختفاء الفيلسوف في ليل ممتلئ بالأشباح؟، بل ما الذي جعل بورخيس يتسلل إلى كينونة الفيلسوف الذي ينام في عشق الذاكرة ويقبض بعمق على يوم خالد من حياة فيلسوف لا نعرف عن سيرته إلا بعض اللمح المتناثرة في كتب الرجال والطبقات؟
نعم إننا نوجد أمام كاتب شغوف بالالتحاق بالفيلسوف والإمساك بمعطفه ويسأله الانتظار حتى يصل، كما وقع لسقراط في بداية كتاب الجمهورية، حيث نجده يقول: "ولحقني الخادم فامسك بمعطف من الخلف قائلا: إن بوليمارخوس يود لو انتظرتم، فالتفت إليه وسألته أين سيده".([20]) ذلك أن نص بورخيس مضطرب ورائع كالبحر، لأنه اختار أن يكتب عن زمان الفيلسوف، وكيف ينساب بسرعة كنهر هيراقليط الذي تستحيل فيه السباحة مرتين. يقول بورخيس، وهو مقتنع بأن يوم واحد مع ابن رشد يضاهي العمر كله: "كان القلم يجري على الورقة. والبراهين تترابط ولا تقبل الدحض، غير أن هما طفيفا كدر سعادة ابن رشد" ([21])
لا يهمنا أن نعرف طبيعة هذا الهم ولا مصدره، بل إن ما يهمنا هو أن الفيلسوف في صراع مع الزمان، لأن القلم يجري على الورقة، كما يجري الزمان على عمره، مادام أنه يعرف أن طبيعة مشروعه: شرح أرسطو، وأفلاطون، ورد على خصوم الفلسفة، والكتابة الطبية إرضاءا للخليفة ومصدرا للعيش، والكتابة الفقهية مقابل هدنة العوام.. إنه مشروع مترامي الأطراف، لا يتحمل التوقف، ولو ليوم واحد. والواقع أن الفيلسوف هو الوحيد الذي لا يعرف مذاق الزمان خارج متعة القراءة وشهوة الكتابة، التي تنتزع الألم من النفس، وتوزعه على بياض الورق ليصبح مشتركا للإنسانية، فهو يكتب ضد مكر الزمان، وتذكر الأيام. إنه: "يكتب باطمئنان بطيء من اليمين إلى اليسار. ولم تكن ممارسة القياسات المنطقية ولا وصل طويل الفقرات مما يمنعه من أن يشعر، كما لو كان الأمر سعادة، بالمنزل البارد العميق الذي يحيط به. ففي عمق القيلولة يهدل حمام مدله.. شيء ما في جسم ابن رشد الذي جاء أجداده من الصحاري العربية. كان يسر بتدفق الماء". ([22]) لكن أي ماء، هل الماء الطبيعي الذي يتدفق من الفسقية التي توجد في بهو الرياض الأندلس الذي خصصه الخليفة لطبيبه، أم الماء/ المني الذي سيسيل في هذه الليلة التي تفوق في حسنها وجمالها شاعرية الشبق في ألف ليلة وليلة، حيث أن الفيلسوف أوقف مشروعه، وتوقف عن الكتابة والقراءة من أجل الهتك وصخب النكاح العنيف الذي يطهر خيمياء الجسد من عنف الميتافيزيقا وتطرف اللاغوس، إنها ليلة بنائه على أهله، أي زواجه؟.
يقول ابن الآبار في كتابه التكملة لكتاب الصلة: "إن ابن رشد لم يدع النظر والقراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه وليلة بنائه على أهله. وأنه سود فيما صنف وقيد وألف وهذب واختصر نحو من عشرة آلاف ورقة" لم يسجل التاريخ بصددها سوى أمور قليلة تضاهي في جمالها وشدة تأثيرها ما كرسه طبيب عربي لأفكار رجل تفصله عنه أربعة عشر قرنا([23]) بيد ان الغريب في الامر هو أن ابن الآبار يظهر لنا ابن رشد وكأنه عديم الإحساس، حين ربط إقباله على الحياة بليلة واحدة، خاصة وأن أرسطو يقول: "أنه لا فرق بين السعداء والأشقياء طوال نصف أعمارهم " ([24]) لأن الخير والشر، لا يتميزان في وقت النوم، كما أن السعيد لا ينام أفضل من الذي كدرت سعادته كما أن يوما واحدا معتدل الهواء لا يبشر بحلول فصل الربيع: "لأن خطافا بمفرده لا ينذر بقدوم الربيع"، ولذلك فإن يوما واحدا لا يمكن أن يجعل الإنسان سعيدا، وخاصة وأن السعادة في ذاتها تسهم في تجميل الوجود، والإنسان السعيد لا يمكن أن يصبح شقيا، لأنه يستحيل أن يكون خاضعا للتحول والتغير، ولذلك فإنه لا يتزعزع في حياته بسهولة، إن كان رجلا فاضلا.
حقا ان ميزاج ابن رشد كان مختلفا عن ميزاج الشيخ الرئيس بن سينا المرح والمقبل على الحياة بشغف لا يضاهيه سوى شغف النكاح والشراب، إلى درجة أن ابن سينا استهلك عمره في جرعة واحدة إسمها الحياة، ولم يكن يحب التأجيل، أو الانتظار، كما أنه لا يحب الإخلاص إلى أرسطو وتقديس مذهبه، كما فعل ابن رشد، بل انه بقدر ما كان متمردا على أرسطو والمشائية، بقدر ما كان مفرطا في إقباله على مباهج الحياة; الكتابة، والشراب، والنكاح، إنها ثلاثية ميتافيزيقية شكلت عالم الشيخ الرئيس، وأخلص إليها إلى أنه مات في صميم كينونتها. لأنه لم يكن يتحمل أن يصفه أرسطو بالإنسان المتقلب الأحوال: "سعيدا مرة شقيا مرة أخرى، جاعلين هكذا من الإنسان السعيد نوعا من الحرباء أو بيتا يتهدد بالهدم"[25]ان السعادة إما أن تؤخذ كاملة، أو تترك كاملة. إنها كالدواء الضروري لاستعادة الصحة، وأخطر مرض هو مرض الوجود، الذي يجعل الإنسان تعيسا في حياته. كان ابن رشد إذن عقلانيا محافظا ينظر إلى اللذة كشيء ثانوي يمكن أن يفجره مع امرأة واحدة، وفي ليلة واحدة، لتصبح العادة هي الإنسان فيما بعد، إذ أنه يعيش نهاره مثل الخاصة، وليله مثل العامة، إنه سيكون محط سخرية ابن سينا الذي كان يحتقر الفلاسفة الدغمائيين الذين يقومون بتصبير(Conserver) نسائهم. لأنه إذا كانت بعض الأشياء إذا أعوزت السعيد كدرت سعادته مثل جودة الحسب، وإنجاب الأولاد، والجمال،([26]) فإنه ليس سعيدا من يعيش الحياة، كما يتناول الدواء مبتهجا يحفظ صحته، وفرحا برتابة أيامه وجماعه لامرأة واحدة، وشرب أقداحه في الحلم، الذي يشترك فيه مع الأشرار والتعساء. لأن أرسطو، الذي أخلص له ابن رشد كثيرا، كان يمنع علينا أن نصف إنسانا بأنه سعيد طالما أنه لم يمنح للحياة حريتها وانتشاءها بالبهجة والفرح والسرور. لأن الحياة التعيسة تبدأ بالشعور بالاطمئنان وعدم التقلب اللذان يفقدان الإنسان قلبه، كما قال ابن عربي، ولذلك، فإن السعادة اللذيذة لا يمكن أن توجد إلا مع عمق الكتابة والإقامة في اللاغوس، وعنف النكاح الذي يفتح باب خيمياء الجسد. الذي تسعى الميتافيزيقا إلى إغلاقه، ودفعه إلى الانتشاء بلذة ذلك المخبأ الرفيع، الذي تنعدم فيه لذة الجسد، وشهوة الجماع، ونشوة الشراب. إنه دعوة للعدم، لكي يتحد مع المطلق ويقومان باغتيال السعادة والفرح في كل مفرط في الحياة، ومحب للذة، مبتهج بالجماع، منتشي برحيق الوجود الذي لا ينضب، كذلك النهر الأبدي الذي جرف كل الأحباء، وتركنا نتعقب خطاهم، عسانا نصل ذات يوم للإقامة في سر أسرارهم.
كان الفيلسوف إذن أمام لحظتان حاسمتان في حياته، أرغمته على التوقف عن الكتابة والقراءة، إنهما لحظة الموت، ولحظة الجماع، فهذه الهزة الأنطولوجية قد أحدثت جرحا عميقا في حياة الفيلسوف الذي كان مخلصا لتعاليم معلم الإنسانية، نهما لمؤلفاته إلى حدود الإغماء. هكذا جعلنا نعيش رتابة الكتابة عنه، وغياب شبقية العبارة، وبهجة الروح كما يقع للمريض الذي يكون مكرها لشرب الدواء المر من أجل استعادة صحته وتماثله للشفاء، ومع ذلك أرغمنا أنفسنا على السير معه في لحظة صمته، ولحظة كلامه، بيد أنه خاطبنا قائلا: "ولولا سفري لبسطت لك القول في هذه الأشياء على ما تعلم من كراهة التكلم فيها"([27]) هكذا سنغلق باب الحوار مع هذا الفيلسوف البارد الذي أرغمه السفر على تركنان كما أرغمته كراهية التكلم عن إخفاء كل حياته عنا، ولم يترك لنا سيرته الذاتية كما فعل أمير فلاسفة الإسلام، الشيخ الرئيس ابن سينا. الذي أدخلنا إلى مقام بهجة الحياة وتركنا هناك. نبحث عن حياة فيلسوف وطبيب آخر تشبهه، وتوسلنا بالفقيه ابن حزم وخاب أملنا، كما أننا توسلنا بالفيلسوف والطبيب ابن رشد وعدنا إلى مؤلفاته في محبة الحكمة وصناعة الطب وحفظ الصحة دون جدوى، لأننا وجدناه يناقش الاسكندر وثاميسطيوس في بهجة الجماع ويحصرها في مسألة تولد المواطئ عن المواطئ له بالاسم والحد. ويجعل من الجماع مجرد بذور ينتج عنها الجنين، وهل هي كائنة فاسدة أم لا؟. إنه يتكلم عن الجماع عند الإنسان كالجماع عند الحيوان. إذ لا فرق بينهما في حين أن سعادة الروح التي يحركها الجماع لا يمكن أن تكون إلا عند الإنسان، باعتباره الكائن الوحيد الذي وهب الالتذاذ بالسعادة لأنها شيء في غاية الشرف والجلالة: "لان غاية الغايات وما يستفاد منها يرى أنه أمر إلهي يغتبط الإنسان به([28])، ويضيف أرسطو قائلا: "وبحق لا نسمي سعيدا: الثور، ولا الفرس ولا أي حيوان آخر، لأنه لا واحد منها قادر على المشاركة في فعل من هذا القبيل، ولهذا السبب عينه فإن الطفل لا يمكن أن يكون سعيدا، لأنه ليس قادرا بعد على القيام بمثل هذه الأعمال، بسبب سنه، والأطفال الذين يوصفون بأنهم سعداء ليسو كذلك إلا من حيث الأمل. لأن السعادة كما قلنا تتطلب فضيلة كاملة وحياة تجري إلى غايتها"([29]). هكذا اختفى ابن رشد بشكل مفاجئ في نهاية قصة بورخيس، وتركنا نتأمل اختزال مسار رجل عظيم في ليلة واحدة ممتلئة بالشبق واللذة. ثم إلى عنف الميتافيزيقا التي تقودها عاشقها نحو الموت.

* ابن عربي: النكاح فاكهة سوق الجنة


أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
ترجمان الأشواق

يعترف الشيخ الأكبر في رسالة روح القدس بأن الله قد بشره بالجنة، غير أنه لم يكن يدر هل تمسه النار أم لا، بيد أن هذه البشرى قد أدخلت الفرح والسرور على قلب شيخنا: "ولا شك البتة في أني من أهل الجنة كما أنه لا شك في نبوة محمد(ص)، غير انه لا أدري أتمسني النار أم لا عافانا الله وإياكم وأرجو من كرمه أن لا يفعل([30]). هكذا يتحول تأويل الرؤيا إلى حقيقة قابلة للتصديق، خاصة وأنها مجربة من قبل الآخرين، لأنه كلما رأى رؤيا تدل على انتقال أحد شيوخه من مقام إلى مقام. ينال هذا الشيخ ذلك المقام: "رأيت له رؤيا تدل على انتقاله من مقامه إلى ما هو أعلى منه فقال لي بشرتني بشرك الله بالجنة فلم يكن إلا يسيرا ونال المقام الذي رأيت له فدخلت عليه اليوم الذي حصل فيه والسرور باد على وجهه فقام إلي وعانقني فقلت هذا تأويل رأياي من قبل".([31])
كان الشيخ إذن يفيض بالرؤية لنفسه وللآخرين، إلى درجة انه بشر بالجنة في حياته، وكان مفتونا ببريق الجنة، ومندهشا بالجمال، لأنه كان شاعرا متجولا تقتات روحه من فتنة المرأة والمكان، ذلك أن المرأة هي هيبة المكان ومصدر جماله وكشوفاته الروحية، فنساء اشبيلية يتمتعن بالحلاوة والظرافة، والمرأة المسماة نظام من الجزيرة العربية تلقت من الله ثلاثة مواهب: الجمال والمعرفة والحكمة، ونساء فاس جمالهن فتنة تغري على ارتكاب المعصية. والشاميات المدهشات مصدر للفناء والخلود.
لعل هذه الرغبة التي تسعى إلى الإقامة في تخوم ما بعد الرغبة قد حددت لنفسها مصيرا شاقا يتجلى في عشق الجمال المطلق الذي لا يوجد إلا في الجنة. بيد أن هناك أماكن في عالم الكون والفساد قد تسوقت من سوق الجنة الذي يعرفه شيخنا، أو ربما أنه يشتري منه كل أحلامه ومصدر عظمة روحه.
إن شيخنا منتشي إلى حدود الثمالة بجلالة الجمال، جمال المرأة التي تسعد في الأرض والجنة. ولذلك نجده لا يستثني نساء شيوخ المتصوفة الذين عاشرهم، بل إنه يتجرأ على القول بأن امرأته غاية في الجمال شابة أحسن منه، ربما يكون هذا الكلام صادر عن رجل يغمى عنه كلما رأت عيناه نساء حسنوات، غاية في الجمال، حيث ينسى نفسه ويقول: "عاشرته معاشرة انتفعت به. وله امرأة في غاية الجمال صغيرة السن أحسن منه وأقوى"، ([32]) ربما يكون هذا الكلام غير صادر عن اللاغوس، أو عن العقل العرفاني، بل إنه استيهام صادر عن الليبدو الذي يوجد أمام جنون الشهوة، شهوة النكاح التي تجرف بالنفس إلى لهيب المطلق، حيث تزداد رغبة وعنفا، عندما تحقق كمالها في اتحادها مع الجسد الفاتن القوي الذي يبتلع روح وجسد الشيخ المفتون والذي استسلم لقدره، وترك لمعصية الخواص الذين بشرهم الله بالجنة أن تفعل فعلها: "من أجل أن أكثر العشق آفة ولذة، ومن أجل هذا يحبون ويكفون سريعا مرارا كثيرة في يوم واحد، وينتقلون ويريدون أن يكونوا متواصلين نهارهم وحياتهم".([33])
والواقع أننا نوجد أمام شيخ ممتع، ومحير في ميزاجه، مع العلم أنه يعترف بأن المحب مطالب بالتقلب والتحول والنسيان: "لأن من لم يذق متعة الحيرة ولذة التقلب لا قلب له. ومن لا قلب له لا يعول عليه". هكذا تكون هذه الرغبة في التقلب، والعمق الوجودي للنسيان، باعتباره نسيانا للنسيان، حين يصل إلى الإقامة في تلك الثنية التي تجمع الموجود بالوجود، وتصبح الذات مطلقة كالوجود حين تلتهمه بشغف، كما تلتهم الجمال. ههنا يصبح الشيخ الأكبر مولعا بالإقامة في كل الأمكنة، وعاشقا إلى حدود الإغماء لكل النساء اللواتي وهبن الجمال، والمعرفة، والحكمة، والحلاوة والظرافة، لأنه كان يكتب، ويرحل، ويهدي قلبه المتقلب للنساء الجميلات، وليس كالشيخ الرئيس ابن سينا الذي جعله عنف النكاح وقوته أن يجامع حتى تلك الفروج التي لا خير فيها ذات الرائحة النتنة والقذارة والماء. مما كان سببا في أمراضه المتتالية، بل وتقرح أمعائه من شدة الحقن، وموته المبكر. إنه كان مفرطا في عشقه للذة وترياق الحياة، شهيدا للجماع. ومرعبا في اختياره لموته، بحقنة ساحرة تقوم على الحظ التائه بين الموت والحياة.
قد يدفعنا إغراء المقارنة بين الشيخين: الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي، والشيخ الرئيس ابن سينا إلى الاعتراف بتشابهما في حبهما لبهجة الجماع والنفاذ على كينونة هذيانه وسحر عنفه. فكلاهما محب ضعيف أمام جمال المرأة، وعاشق أسير لتعدد النساء، وجماع أكبر عدد منهن لتحقيق أسطورة المرأة الألفية التي نكحها ألف رجل، وما المانع أن يكون أحد شيوخنا نكح ألف امرأة طيلة حياته وتنقلاته المستمرة؟، بيد آن أهم ما يميز بينهما، أنه إذا كان الشيخ محي الدين ابن العربي يعاشر المحمود من النساء لأنه يهوى الجمال، ولذلك لم يصب بمرض القلنج وغيره من الأمراض الجنسية، فإن الشيخ ابن سينا كان ضحية أمراض متتالية، و ذات مقامات عالية أودت بحياته، ربما لأنه كان مهووسا بجماع المومسات اللواتي يمتلكن فروجا لا خير فيها بلغة صاحب الروض العاطر، وبعبارة أوضح، إن ما كان يهم ابن سينا الفيلسوف والطبيب هو عنف النكاح وإنزال المني وشبقية الأجساد العارية، حين يتم النظر إليها بعد الانتشاء بنشوة الشراب، في حين أن ما كان يجتذب ابن عربي هو حبه للجمال واختبار عاطفة العشق والهيام كما وقع مع نظام هذه المرأة التي وهبها الله الجمال والحكمة والمعرفة وأهداها شيخنا ديوانه الشعري ترجمان الأشواق، لأنه كان يعتبرأن الجمال يأتي من الجنة ليحفز النفس على العمل الفاضل من أجل الدخول إليها، ولو مستها النار. هكذا يكون الجماع مع نساء جئن من الجنة، يشبه من يأكل فاكهة من سوق الجنة، ومن يجامع النساء المذمومات والقبيحات الصورة والجسد، ذوات الفروج التي لا خير فيها، وكأنه يلتهم فاكهة من سوق جهنم. إلى حدود أن ابن عربي يفتخر بشيوخه الذين لهم نساء في غاية الجمال والشباب، كما أنه كان معجبا بالشيخ الشكاز الذي: "كان مولعا بالنكاح جدا لا يستغني عنه". ربما تكون هذه هي حال كل من دخل إلى هذه الطريقة.
لم تقف العلاقة مع هذا الشيخ المولع بالجماع عند حدود الإعجاب، بل إن الشيخ قد: "انتثر عاشرته من وقت دخولي في هذه الطريقة حتى مات"[34]ربما تكون هذه المعاشرة قد أثرت في شيخنا وجعلته هو الآخر مولعا بالنكاح، لأن الدروس الجيدة تأتي من الأخيار. ومما يدعم يقينية هذا الاحتمال ان الشيخ الشكاز الذي كان مولعا بالنكاح جدا لا يستغني عنه، كما كان ابن سينا من قبله، استطاع أن يحرك شهية آخر لمصاهرته، رغم كبر سنه: "فأراد شيخنا السبريلي يأخذه لابنة أخيه فمشت إليه أم الزهراء فقالت له يا أبا علي إن أبا الحجاج يحب أن يعطيك بنت أخيه وكان هذا يوم الأحد، فقال أنا كنت من أحب الناس في مصاهرته، ولكن قد تزوجت وبعد خمسة أيام من يومنا هذا أدخل بزوجتي عروسا، فقالت له بنت من تزوجت قال لها ستري ذلك الوقت وانصرف إلى منزله ولازم فراشه حتى انقضت خمسة أيام فمات"([35]). هكذا تكون الموت بمثابة عروس شرسة تقضي على طموح شيخ حبب عنف النكاح لاتباع الطريقة، ولذلك فإن رفضه للهدية الثمينة أي المرأة الشابة لم يكن نتيجة عدم قدرته على هتكها والانتشاء برائحة المني حين يمتزج بالدم، ولكن لأنه بشر بالموت والصعود إلى الجنة والاستمتاع بفواكهها، والارتواء من شرابها والجماع مع عرائسها.
وفي الحقيقة إن نص رسالة روح القدس لابن عربي يبني حقيقته على أشياء خارقة وغريبة في عجائبيتها، وكأنه نص كتب في الجنة ونزل إلى الأرض، أو بالأحرى أن كاتبه قد زاد الجنة وأراد أن يقتسم مع المتلقي اندهاشه بما رأى، ولذة مذاق النكاح الذي لا يختلف عن الجماع مع جميلات الأرض، ولذلك فإن الشيخ الشكاز لا يميز بين العروس التي عرضت عليه في آخر أيامه وبين العروس التي تنتظره لكي يدخل بها بعد خمسة أيام. لأن النكاح مشترك بين الأرض والجنة. والأحلام ممتزجة بالواقع، والحقيقة ملتبسة بالكشف والعرفان. إنها حقيقة ابن عربي التي ينبغي تصديقها بقلب محكوم بالتقلب، أي أن ما يصدقه اليوم يمكن أن يرفضه في الغد، وكأن الحقيقة خيال في خيال، تستقر هناك حيث ينعدم البرهان، بإمكانه أن يسمي الأرض والسماء بأسمائه الخاصة، ويصف الجنة كمن يملك مسكنا فيها يقضي فيه ليالي أحلامه. هاهنا تكمن مصدر قوته وانتشاره في وعي ولا وعي الآخرين. الذين عاشرهم، خاصة وأنهم مجرد تجار صغار وحرفيين، أو ممن يعيشون من الفتح ويحفظون القرآن للأطفال ويؤذنون في المساجد، أو عبارة عن متسولين، وبالجملة إنهم أناس بسطاء يشبهون قراء الروض العاطر أو رجوع الشيخ إلى صباه يصدقون معجزات النكاح، كما يصدقون الخوارق، لأن أغلبهم لم يقرأ سوى القرآن طيلة حياته، بل إن منهم من لا يعرف القراءة والكتابة فيستعين بمن يقرأ له كل يوم سورة من سور القرآن، دون أن يفهم كل معانيها ومقاصدها.
هكذا كان ابن عربي إذن محاطا ببسطاء الناس ينبهرون إلى أقواله ويقدسون أفعاله، إلى درجة أنه يبيح لنفسه ارتكاب معصية النكاح مع نسائهم. دون أن يندم على ذلك مستعملا برهان العسل الذي يجوز للخواص ارتكاب المعصية المحمودة. وسنرى مدى ارتكابه من المعصية التي ارتكبها في فاس البرزخ، وهروبه بدون عودة. فمن هذه المرأة التي كانت وراء معصية فاس وهروب ابن عربي ليلا؟ هل افتضح سره وهو إمام مسجد عين الخيل المحاط بفواكه الجنة؟ هل قاده عنف النكاح وجنون الشهوة إلى إفساد نسل الآخرين بعد إنزاله للمني في رحم المرأة الجميلة الشبقية التي أهداها شيخنا حقه في المغرب والأندلس؟.
غادر ابن عربي فاس وترك زهرة الحياة التي حصل بها نعيم النكاح غير المباح الذي تحول إلى: "مقام عرفاني راقي لم يذقه ابن عربي لحد وقته إلا في فاس". وبخاصة وأن شاعرنا المتجول كان يقدس النساء ويعتبر جمالهن عبادة وزهد وورع إلى حدود الفناء، ولذلك فإن وحدة الوجود لا يمكن لن تتحقق إلا بقوة الجمال التي تتجلى في زهرة الحياة التي يستخرج بها الحق، لأن النساء الجميلات: "فتنة يستخرج الحق بهن ما خفى عنا فينا مما هو به عالم، ولا نعلمه من نفوسنا"([36]) هكذا تتحول المرأة في برزخ الشيخ الأكبر إلى محرك أول للوجود بالقوة، الذي يقبع في كينونة الرجل، لكي يخرج إلى الفعل، إنها السر الخفي للوجود بواسطته يتذكر الرجل نسيانه للوجود، ولعل هذا الحرص، وهذا الحذر الذي اكتسبته المرأة الفتنة من الطبيعة، لأنها هي الأخرى لا تريد أن تصنع باطلا كالطبيعة. إن سرها يكمن في حفاظها على سيرورة الحياة في الطبيعة. بيد أن عصرنا الحالي قد تحولت فيه المرأة إلى آلة لصنع الباطل لأنها أصبحت تستخرج الحق من نفسها، وليس من نفس الرجل، مثال السحقيات اللواتي يؤثثن مشاهد وتجليات عالم الكون والفساد في زمننا هذا. ولسنا ندري كيف كان سيكون موقف الشيخ من هذه الظاهرة التي تمنح لزهرة الحياة منظرا بشعا يحولها إلى زهرة للموت يتم قطفها من هوامش المقابر. ألا يؤدي هذا الوجود بالقوة إلى الحكم على الوجود بالاندثار بمجرد ما يختفي الإنسان، لأنه وحده منح القدرة على فهم الوجود بامتلاكه للغة، للاغوس؟.
إن فتنة المرأة متعددة تصيب القلب، والروح وتوقظ النفس من سباتها وتهبها الانسجام والليونة وتحررها من الغضب والطبيعة الشريرة، بل إنها سر حياة النفس وسعادتها، بيد أن هذا التعدد محكوم بالأمكنة والمقامات والأحوال. فلكل نفس مذاقها الخاص لفتنة المرأة، على الرغم من أنها موجودة في كل نفس وفي كل زمان وحال من الأحوال. بيد أنها تخضع لتراتب المقامات والرؤى، إذ نجد المرأة كمادة بالنسبة للرجل الذي يحركها بقوة الصورة انطلاقا من المبدأ الطبيعي الذي يقول بأن المواطئ يلد المواطئ، وفي هذه الحالة يتم النظر إلى المرأة باعتبارها موضوعا للنكاح، وقد رأينا كيف أن الأدبيات الجنسية العربية في العصر الوسيط تدافع عن المرأة النكاح من خلال تفريغ وجودها في قوتها على الجماع وابتلاع المني. الذي يقوم بإخراج ثمرة الوجود من كينونتها. ونجد المرأة أيضا في الأفق الأكبري كزهرة تعبق بالرائحة والعطر وتحيل على الحياة في أعماقها إنها برزخ يوحد بين الجمال في سوق الجنة والجمال في سوق الأرض، لأن الجمال هو هبة من السماء إلى الأرض، من الجنة إلى الإنسان، من أجل أن يستخرج الحق الجوانب الخفية في عتمات الرجل، ولذلك: "ففي نظر ابن عربي من ينظر إلى المرأة كامرأة وحسب، وليس كزهرة تعبق بالرائحة وتدل على الثمرة باعتبارها موضوع متعة حيوانية وحسب، لن يظفر بشرف الإنسانية". لأنه ينال المرأة "بحيوانيته لا بروحه وعقله". هكذا تصبح مقامات المرأة الزهرة الفاتنة هي نفسها مقامات الرجل، فكلاهما محتاج إلى موهبة المعرفة والحكمة، لينتقل من مقام الحيوانية إلى مقام الإنسانية، ثم إلى أسس مقام وهو الافتتان بالجمال بروحه وعقله الذي يكبه الحق في النزعة الإنسانية. والحال أن شيخنا قد شيد لنا قنطرة على الهاوية لكي نجرب المشي على حافة الخطر ونستأنس بمذهب الحيرة والتقلب، حين انتقلنا من إباحة النكاح وعنفه والسماح لمن كان مولعا به، وإهدائه نساء شابات وجميلات كما وقع للشيخ الشكاز في رسالة روح القدس، إلى المشاهدة الروحية للمرأة الفتنة التي "يستخرج الحق بهن ما خفى عنا فينا مما هو به عالم، ولا نعلمه من نفوسنا" في الفتوحات المكية، ويصبح الإنسان "من أهل الأنفاس، والشهود، والأدلة" ويصل إلى نزعة رومانسية تجعل من جسد المرأة منبعا للعطر ومنتزها للبصر. وتحرير الوجود من طغيان النسيان الذي يمتلك قدرة خارقة على التجدد باستمرار. تفوق قدرة الإنسان.
يتركنا ابن عربي إذن، في مفترق للطرق فنحار أمام اختيار الطريق الذي يقودنا إلى الاستمتاع بالمرأة، هل نكتفي بتقليب النظر إلى جمالها وتقابل هزات فتنتها، من أجل القضاء على النسيان وفتح المجال أمام ملكة الإبداع والكتابة لتتحرر من سجن كسل النفس التي ترتاح في حميمية المرحلة الحسية الحيوانية، أم أن نشتهيها بعمق وعنف، وقوة شبيهة بقوة الشيخ الرئيس ابن سينا، ونتحرك إلى تجريب شبقية الجماع، وبهجة إنزال المني في عمق كينونتها، وتحريك الوجود من القوة إلى الفعل بغية استخراج ثمرتها. إن ابن عربي نفسه قد تحول من حال إلى حال، من مقام إلى مقام بعد ارتكابه لمعصية النكاح مع امرأة غامضة في فاس منحته كتابة فصل "الرؤية المحرمة "في كتابه الفتوحات المكية. وتبرير جواز هذه الرؤية عند أهل الشهود وتحريمها عند العوام.
والواقع أننا أمام رجل غريب المزاج مليح الدعابة يمزح: "ولا يقول إلا حقا وكان يعجبه المزح بالحق ويكره الكذب وأهله"[37]، بيد أنه يشبه إلى حد ما كاتب سر الأسرار الذي يبيح للملك تعدد النساء وكثرة الجماع حسب فصول السنة، ويحرم ذلك على الرعية، وإلا اتهمت بسرقة الفروج وإفساد النسل، أما شيخنا فإنه يضع أمام أهل الشهود المنتسبين إلى طريقته طابقا من فواكه سوق الجنة ينبغي الاستمتاع به روحا وجسدا، لأنهم بلغوا سمو المطل الذي يحيط بعنايته الأجزاء: "فهو كل وهي جزء، فلذا كثرت أزواجه من نفسه"[38]ويمنع على عامة الناس هذه المتعة، لأنهم لم يتجاوزوا بعد مرحلة الحيوانية، ولذلك نجده يقول بعبارة مشرقة تتسلل من أنوار العرفان الذي يطابق بين القلب والتقلب: "فإذا لم يدرك صاحب هذه الزهرة رائحتها ولا شهدها زهرة، ولا علم دلالتها التي سبق له على الخصوص، وإنما شهدها امرأة، وزوجت به، وتنعم بها، ونال منها ما نال بحيوانيته لا بروحه وعقله، فلا فرق بينه وبين سائر الحيوان، بل الحيوان خير منه".[39]
هكذا تكون الإقامة في ضيافة الشيخ الأكبر ممتعة كطلوع شمس مشرق يطهر الروح من كوابس الليل المزعجة، إنها إقامة في البرزخ الذي يجمع بين الحلال والحرام، المحمود والممنوع، الروحي، والعقلي، والحيواني، المرأة الزهرة ورائحة العطر، الولع بالنكاح وجنون الشهوة، الولع بالمشاهدة والفناء في فتنة جمال المرأة. نحن إذن أمام ثنائيات يوحد بينها برزخ ابن عربي، ويجعلها تتجه نحو أفق لا أفق له، نحو ذات تجاوزت نفسها إلى ما بعد الذات والفناء في المطلق الذي يحيط بعنايته كل الأجزاء، لأن الإنسان ملك لوحده أخطر الملكات، ومن خلالها يتم فهم سر الوجود والتوغل في غموض فتنة المرأة، لأنها كون ممتلئ بالرموز يحتجبه الغموض من الرؤية الحسية، ويظل الأمل مغلقا على الإدراك بالأنفاس والشهود والأدلة، وهذه هي وظائف أخطر الملكات التي يسميها ببراءة الشاعر النعيم هولدرلين ملكة اللغة، وحدهم الفلاسفة والشعراء يمتلكون هذه الملكة، وبإمكانهم تسمية الأرض والسماء ووصف الجمال والفناء في رؤيته، والتسوق من سوق الجنة الذي كان ابن عربي محظوظا، لأنه كان يقتات من فواكهه، ما دام أنه بشر بالجنة وحصل على تأشيرة أبدية بالدخول إليه. وربما يكون هذا هو السر وراء ترك فاس الباذخة التي اشتهرت باغتيال أهل الشهود من الشعراء والفلاسفة مثال: لسان الدين ابن الخطيب وابن الصائغ وابن باجة.
ولكنها إقامة مؤقتة، مهددة بالتوقف في كل لحظة، لأنها تستمد عمقها من جمال المرأة زهرة الحياة المتقلبة كالزمان الذي لا يؤمن بالصداقة، والمحبة والعشق، إنه مغترب يهوى الاغتراب، متوحش يتشوق إلى التوحش، متوحد في طريقه إلى التوحد. فالإذمان على الزمان وعلى الجمال، يقود الإنسان إلى الهذيان الذي يشبع رغبته بالموت. لأن سحر الجمال هو نفسه سحر الفناء، وفتنة المرأة هي نفسها فتنة الإغماء. لأن الإنسان يدمر جسده من شدة ولعه بلذة النكاح، كما وقع لابن سينا الذي خاض تجربة الفناء في جنون الشهوة واشتياقها للتوحد مع الجمال في حميمية المطلق أو كما وقع لان عربي، الذي تحولت المرأة عنده إلى: "فتنة يستخرج الحق بهن ما خفى عنا فينا"، أي أنها أصبحت هي حقيقة الوجود التي يستحيل الوصول إلى هتك الحجاب عن وجهها إلا بهتك الفرج وإنزال المني بعنف يجعله يخترق المادة الأولى للوجود، لتستمر بهجة الحياة ويتابع الوجود سيرورته نحو اللامتناهي. إن الحوار مع ابن عربي ممتعا، ولذلك سنتركه مفتوحا بشكل أبدي يشبه أبديته، لأنه كان محظوظا أكثر من ابن سينا وابن حزم وابن رشد، وحده بشر بالجنة وتسوق من سوقها أجمل النساء وأشهدهن فتنة. ولذلك استطاع أن يترك إلى الإنسانية تراثا مرحا يدخل الفرح والسرور على القلب المحاط بعناية التقلب، والذي يموت بموتها.

خاتـــــــــمة:


كانت الرحلة شيقة في كل تجلياتها، وسموها الروحي، لأنها استطاعت أن تقرأ فتنة جسد المرأة من خلال ألوان من الثقافة العربية، فمن الفلسفة إلى الفقه، والتصوف والطب الجسماني والروحي، لكن مع الحفاظ على أفق محبة الحكمة، ومحبة المرأة، لان الحكمة امرأة غاية في الجمال لا تمنح نفسها إلا لمحارب مغامر، امتلك القدرة على إهداء الوطن والحنين إل الأهل والأحباب مقابل الافتتان بجسد امرأة وبجماله، خاصة إذا كانت من مملكة المحمود من النساء والتي تستمد وجودها وسر فتنة جمالها من سوق الجنة الذي يمتاز بتنوع ألوان جماله والتي وزعت على أمكنة متعددة من العالم، كان ابن عربي متشوقا لرؤيتها بعين القلب، ولمسها بالجسد من أجل تحقيق جماع على حافة وحدة الجسد التي تبرهن على وحدة الوجود.
لقد منحنا لأنفسنا حرية الاختيار، وتلقائية الكتابة الشبقية عن بهجة النكاح وشبقية الجسد الملتبس بعطر الميتافيزيقا الذي يفصل الروح عن الجسد بعنف، كما يتم فصل المرأة عن طفولتها وبراءتها بالهتك وممارسة بشاعة العنف الذي ينتهي بالدماء، بيد إن إنزال المني يضمم الجرح، ويجعل المرأة تنساب في الاستهام باحثة عن وصايا الطبيعة، على الرغم من أن نص ابن عربي وغيره من النصوص العربية التي تناولت المرأة والجماع قد اهتمت بسلطة الرجل وقوته على النكاح ووصايته على جمال المرأة، ولم تهتم بسلطة المرأة وقدرتها على منح انطولوجيا النكاح حلاوة وظرافة وعمقا وجوديا. قد يصل إلى الاعتراف بمن يملك الحقيقة المرأة أم الرجل، ويحكي صاحب الروض حكاية غريبة الأطوار عن ادعاء النبوءة بين رجل وامرأة، ويتعلق الأمر بمن يمتلك الحقيقة، وكانت قوة العطر مصدر إغراء للاعتراف بملكية الحقيقة والسماح بالجماع كيف ما يريد، وبأي طريقة يشاء، لأنه عندما بعثت التميمية لمسيلمة برسول حتى تنكشف الحقيقة، فاقترح عليه مناظرة لتتأكد ممن هو على حق.
وعندما استشار احد الحكماء قال له "فادخل تحت المباخر المذهبة بأنواع الطيب مثل عود الأقمار والعنبر الخام والعود الرطب والعنبر والمسك.... فإذا امتزج الماء بالدخان فاجلس على كرسك وأرسل لها... فإذا اجتمعت بها وشمت تلك الرائحة ارتخى منها كل عضو وتبقى مدهوشة فإذا رأيتها في تلك الحالة راودها عن نفسها فإنها تعطيك فإذا نكحتها نجوت من شرها ومن شر قومها... وعندما أحس مسيلمة بأن المتنبئة اشتهت النكاح أنشدها قصيدة يطلب منها أن تختار وضع نكاحها فأجابته "اجمع، هكذا انزل يا نبي الله"، وبعد الجماع أعلنت لأهلها أن الحقيقة عند مسيلمة. إنه استسلام لقوة النكاح لأن الذي يمتلكها يمتلك الحقيقة ونحن نعلن بأن الحقيقة ظلت معلقة في شبقية النكاح ولم يستطيع أحد من الحكماء والفلاسفة كشف سر أسراره، ولا الوصول إلى كشف الحجاب عن لغزه الميتافيزيقي، رغم أننا توصلنا إلى لمس نعومته الحارقة والتي كانت السبب في موت ابن سينا، وصمت ابن رشد وهروب ابن عربي من فاس.النكاح إذن تجربة وجودية تفوق في عمقها تجربة الحكمة والفقه والطب والتصوف، إنها تجربة تمتلك سحرها في غموضها وقدرتها على التعجيل بموت الإنسان من شدة شغفه وولعه بالنكاح. لأن المرأة التي تمنح لذة النكاح وتفجر عنف الشهوة، وتسكن اضطراب الشبق، هي برزخ يقع بين الجنة والأرض، بين المتعة والألم. بين الحيرة والتقلب بين الحياة والموت. لأنها امرأة تجتذب بعطر جسدها، كما اجتذب مسيلمة المتيممة وتنازلت عن امتلاكها للحقيقة بعد نكاحها بالطريقة نفسها التي اخترق العطر جسدها، وجعل روحها يغمي عليها في حضرة نبي النكاح

[17] -طوق الحمامة ص155-93
[18] - ح ص11
[19] -الطوق ص75
[20] -أفلاطون، الجمهورية ص 3
[21] - بورخيس، ابن رشد ص107
[22] -بورخيس،ابن رشد ص107
[23] - بورخيس ابن رشد ص 108
[24] - الأخلاق ص62
[25] - أرسطو، م م ص66
[26] -أرسطو ص 76
[27] - جمال الدين ص 92
[28] - أرسطو، الأخلاق م م ص 73
[29] - أرسو م م ص74
[30] - ابن عربي روح القدس م م ص171
[31] - ابن عربي م م ص 171
[32] - ابن عربي وح القدس م م ص179
[33] - أرسطو الأخلاق ص 279
34 ابن عربي م م ص 175[34]
35 - ابن عربي م م ص 176[35]
36 - الفتوحات ج 4 ص 125[36]
37 رسالة روح القدس ص 176[37]
38 - الفتوحات ج4 ص 124[38]
39 - ن م ص 125[39]


.

La danse des foulards...Albert Grirard: "Divertissement dans une maison algéroise". Huile sur toile.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى