ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة ـ حميد طولست

  • بادئ الموضوع لا أحد
  • تاريخ البدء
ل

لا أحد

[SIZE=6] حميد طولست
ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة [/SIZE]


كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإنتاجات النسوية في العالم العربي الذي كعادة مثقفيه إذا هم امسكوا بقضية ولو بسيطة، إلا وأطنبوا في تحليلها إلى درجة الملل بما يحملونها من تسميات وتمظهرات وتشكلات ونتائج وعوائق، كما هو الحال بما اصطلح على تسميته بظاهرة الأدب الايروتيكي النسوي –الذي كان حكرا على الذكور مند عصور- وما دوافعه وما غاياتهوما عواقبه؟؟؟.

وقبل الخوض في عالم الكتابة الايروتيكية عند النساء، لا بأس من التعرف على هذا النوع من الكتابة في شكلها ومضمونها العامين، والتقرب منها أكثر بوضع تعريف تقريبي لها. حيث يرى بعض المهتمين، أنه "أدب ترفيهي مكشوف، وسرد شهرزادي خاص بغرف النوم"، وينظر إليه في الخطابات الشعبية على أنه معرفة محرمة اقترنت بالفضيحة والهامش، وكتابة مثيرة للغرائز وباعثة على ممارسة العادة السرية وارتكاب الفاحشة وممارسة الرذيلة وانتشار الزنا واللواط" ، وهو عند البعض الآخر أدب رفيع من حيث مكوناته البنيوية، ومن حيث موضوعاته فهو أدب مدنس.

وفي منظور غيرهم فهو أدب معاصر رفيع مرتبط بالحياة الثقافية للمجتمعات متواصل بتراثها بشكل وثيق، يستمد بعض تحريضاته مما كان يحويه (التراث) من كتابات إيروتيكية ناضجة قُمعت أو تم إخفاؤها والتنصّل منها والتي لم تكن تستهدف الإثارة الجنسية فقط، بل كانت تخدم أهدافا وأخلاقا تسمو بالإنسان ولا تهبط به إلى قبح الغرائز الحيوانية كما يتوهم دعاة التحريم، بينما يدخلها بعضهم في خانة الأدب النسائي الجنسي الترفيهي المتأرجح بين الواقعية والرومانسية.

وتتحد جميع هذه التعريفات والتصنيفات والتسميات في معنى واحد متمثل في كونها كتابة لا تخرج عن فن (الأدب). وأنها أسلوب للتعبير عن حاجة ضرورية في الحياة، لها مقومات بنيوية داخلية ولها أهداف معلنة، ولها موضوع يميزها عن باقي الأنواع المندرجة ضمن فن الأدب، ولها قراؤها ومحبوها ومشجعوها، كما لها كارهون ومعارضون.

ولهذا النوع من الأدب الايروميكي كباقي الأنواع الأدبية الأخرى خصائص ومميزات: وأهم ما يميزه عن باقي الأنواع الكتابية الأخرى، كونه كتابة خاصة بالهامش، ومحرمة اجتماعيا وأخلاقيا لاهتمامها في عمومها بالحياة الحميمة السرية التي تتحول إلى خطاب تتأسس حوله الحميمية وينتقل بها من فعل طبيعي إلى فعل ثقافي. ومن المعروف أن الحميمي(L’intime) يرتبط في أذهان الناس بالخوف والخجل بفعل ما تراكمت فوقه الرقابات المتعددة، والقوانين التي تحد من إفشاءه وسرده..

كما يقول الكاتب والمحلل النفساني إريك فروم (Eric Fromm). أنه لا غرابة في الجمع بين الحياة الحميمة الجنسية،(السر) والمعرفة "أن المعرفة مرتبطة لدى الإنسان باكتشافه لحياته الجنسية، لكن هذا الاكتشاف لم يكن بدون ثمن. لهذا كانت الخطيئة ثمنا لاكتشاف المعرفة، كما كان العقاب والتعذيب ثمنا لخطيئة بروميتيوس، خطيئة إضاءة عتمة حياة العبيد في قدم جبل الأوليمب، جبل الآلهة، كما تقول الأسطورة.

ويُعزي البعض ظهور الإيروتيكا عند العرب إلى شخص معين، ويرجعون سبب انتشارها لـ"محمد شكري" الأديب المغربي الراحل صاحب رواية "الخبز الحافى" التي حكى فيها عن تجاربه مع عاهرات وممارسته اللواط والاعتداء على الأطفال، بل وممارسة الشذوذ مع الحيوانات والطيور. والحقيقة أنه لا شكري ولا غيره ممن هم على شاكلته أو خرجوا من مدرسته مسؤولون عن ظهور هذا المذهب الأدبي الذي تبلور قبلهم بعصور كفن خاص بالنشاط الجنسي، وتطور بعد ظهور الإسلام ببضعة قرون.

و كما تقول الشاعرة والصحفية جمانة حداد في حوار لها مع جريدة "الوقت" بمناسبة صدور مجلتها الايروتيكية "جسد" التي أثارت ضجة كبيرة: "أنا لم أزعم يوماً أني اخترعت الايروتيكيا العربية. لا أنا اخترعتها، ولا اخترعها أولئك الذين يتحدثون اليوم عن «جرأة الفتح». جرأة الفتح الحقيقية في اللغة العربية، جرأة الانتهاك والبوح الصادم المنفلت من الطابوهات، قام بها كتاب عرب مند ألف سنة وأكثر" حيث نجده في الأساطير القديمة، حكايا إيزيس وأوزوريس وملحمة جلجامش ومغامرات عشتار ووصايا باخوس ورومنسيات فينوس. كما نجده في جميع الكتب السماوية والسرديات الفقهية والأحاديث الشريفة ومسارب العظة الدينية أو المعرفة الحياتية و القص التأريخي وربما العبرة والتزجية.

وقد ساهم العلماء والأدباء والشعراء والقضاة والفقهاء وعلماء الدين والشيوخ الكبار في تأسيسه كثقافة ايروتيكية عربية معمقة ومرهفة -لم تتم دراستها بعد- حيث كانوا يسمون الأشياء بأسمائها وأفعالها، ورائحتها، وحجمها، وخطها البياني وما تتركه من انفعالات على النفس والجسد. وليس أدل على ذلك من "طوق الحمامة" الذي ألفه الشيخ الجليل ابن حزم وتحدث فيه عن الحب وشجونه، و(نواضر الأيك في معرفة النيك) للإمام السيوطي المتوفى عام 911 للهجرة، و(محاضرات الأدباء) للراغب الاصفهاني، وهذه بعض من الشعر الوارد فيها:

النيك بالتمييز لا وجه له
فلا تكن تيساً شديد البله
اياك تستقذر شيئا تره
ونك ولو كلب على مزبلة

ثم هناك العقد الفريد الذي تضمن أيضا روايات ايروتيكية يتطلب الخوض فيها جهدا ومقدرة وعلما، وخلال تصفحك لمؤلفه يمكنك التقاط صور جنسية وكلمات ايروتيكية كثيرة منها، النيك، الفراش، ايلاج، كما وردت أوصاف ايروتيكية للنساء مثل ملساء القدمين، مملوءة الساقين، ناعمة الأليتين، مهضومة الخصرين، ملساء المتنين، فخمة الذراعين، ناهدة الثديين، حمراء الخدين، مكسرة البطن، افعى في فراش.

إلى جانب كل والمطبوعات النادرة والمؤلفات المفردة خصيصا لإروتيكا التي حفل بها الأدب العربي؛ هناك الكثير من والمقاطع الإيروتيكية المصقولة المتسللة إلى جل الأعمال الأدبية الشعرية والنثرية الحقوقية والتاريخية وحتى الفقهية لم تخل هي الأخرى من معالجات جريئة لمواضيع جنسية بحتة مثل آداب النكاح وأنواعه وأوضاعه، إلى درجة يصعب معها الإحاطة بها جميعا في هذا التحقيق، لكني أرى أنه من الضروري ذكر بعضها في الشعر والنثر على سبيل المثال لا الحصر، حتى يتبين لنا أن الكاتب والشاعر العربي كانا إيروتيكيان جريئان ل يكتفيا بالإيماءات والإشارات الجنسية المحتشمة، فمزقا لذلك كل حجب الحياء المفتعل، وتجاوزا كل حدود المنع وتغلغلا كثيرا في مملكة الجنس وكشفا الكثير من عوالم وخبايا الحب العفيف والشاذ وكل عمليات الوطء والشذوذ واللواط، حتى أصبح الشعر والجنس شريكين حميمين. وأضحت موضوعات الجنس سهلة مطواعة.

حتى قال أحد شعراء الجاهلية واصفا العملية الجنسية:

و لها هَنٌ رابٍ مجسته
وعر المسالك حشوه وقدُ
فإذا طعنتَ طعنتَ في لَبَدٍ
وإذا نزعت يكاد ينسد

ولا يخفى ما للشاعر أبي نواس من قصائد وقفها كلها على الجنس عامة والمثلي خاصة -اللواط و بالشذوذ الجنسي- و مدحه حتى أنه كان يصف الفتاة الجميلة ويشبهها بالغلام و ليس العكس يقوله:

غلام وإلا فالغلام شبيهها
وريحان دنيا لذة للمعانق.

ويرسم العلاقة الجسدية المباشرة مع عشيقاته موغلا في نعت تفاصيل الجسد الأنثوي وشبقيته:

فتحت حِرها عنان
ثم نادت: من ينيك؟
ثم أبدت عن مشق
مثل صحراء العتيك

فيه دُرّاجٌ وبط
ودجاجات وديك

وهذا الشاعر الإيروتيكي الشهير، امرئ القيس الجاهلي، يكشف عن مغامرة فريدة مع امرأة وعن ممارسته الجنس معها في بيتها وهي عنده "فاطم" المرأة الصغيرة السن المحجوبة المتمنعة المثيرة التي لا يمكن الوصول إليها، إلا أنه "يتمتع" بها وحده، أي يمارس معها الجنس وهي الفتاة الصغيرة التي لم يلمسها أحد قبله. وذلك في قوله (" وبيضة خدر لا يرام خباؤها") ويشير إلى تمنعها واستحالة التقرب منها، لكنه وصول إليها (" تمتّعت من لهو بها") رغم ما حف مغامرته الجنسية، من حذر واحتراس لأن المحبوبة لم تكن صبية، ولكنها كانت زوجة وأما.

ويكفي الباحث الذي يريد التحقق من كل ذلك أن يدرس الكتب والمراجع الإيروتيكية العربية الكثيرة المحفوظ –للبشرية- بالمكتبات الأوروبية (المكتبة الوطنية الفرنسية مثلا) والتي تنتظر من يحققها ويعيد نشر الممنوع منها والمغفل. وهي على سبيل المثال لا الحصر: "تحفة العروس ومتعة النفوس" لتيجاني و"عودة الشيخ إلى صباه" و" الأيك في فن النيك" و" نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" للتيفاشي و"المحاضرات" للراغب الاصبهاني، و" ديوان أبو نواس" و"الف ليلة وليلة" و"حماسة أبو تمام" و"الأغاني للأصفهاني" و" الحماسة المغربية" و" العقد الفريد"...وغيرها

كثير من ملاحم الحب والجنس والفن الإيروتيكي الشبقي الذي لم يشتهر منه عند الشعوب ذات الحضارات القديمة إلا أربعة ملاحم تمثل - حسب العرف الغربي- الطراز الرفيع الذي ارتقت إليه تلك الحضارات التي ابتدعتها في التعامل مع المسألة الجنسية التي يرى فرويد أنها الدافع الغريزي الأساسي للأفعال الإنسانية عامة. وهي على التوالي: ملحمة اوفيد ovidus، فن الهوى، والملحمة الفارسية اناتغرافيا Anagaranga، والملحمة الهندية الشهيرة كاماسوترا kamasutra ثم كتاب الشيخ النفزاوي "الروض العاطر في نزهة الخاطر" او المعروف بـThe Perfumed Gardenعند القارء الغربي.

ويبقى السؤال الذي يشغل الفكر ويقض المضجع: هو كيف تحول هذا الاختراع العربي الذي أسال من قرائح الشعراء والرواة والكتاب والفقهاء الشيء الكثير، والذي قال عنه "فسيرولنيك" أحد أهم الباحثين النفسيين والإيتولوجيين الحاليين في فرنسا (بأن تاريخ الحب الذي كتب عنه في الغرب بإسهاب كان من اختراع العرب في القرن الحادي عشر الميلادي).

وضمن أية آليات صرنا ننظر للحب والعلاقات الحميمية على أنه موضوع غير جدي بما فيه الكفاية ولا يمكن أن يُعد من الأمور الجليلة التي يمكن أن يخوض فيها رجال الفقه أو العلم أو السياسة أو الاقتصاد. وكيف تحول هذا الأدب الراقي في العقود الأخيرة إلى موضوع تحريم وقمع وتحقير ونجس يطال كل من يلامس مواضيعه المفعمة بالعشق والشبق والرغبات، إلى درجة تعرض بعض الأدباء للاتهام والمحاكمة، كالكتاب عبده وازن بلبنان، و محاكمة ليلى العثمان وعالية شعيب بالكويت واللائحة طويلة جدا وصلت في بعض البلدان المتفتحة إلى حد إلغاء التربية الجنسية من البرامج التعليمية.

مشكل الأدب الإيروتيكي في البلاد العربية والإسلامية عميق وخطير، ويطال بنية الشخصية العربية التي تقمع وتكبت كل ما يساعد على تفتحها وبلورتها، خاصة ما تعلق بالحب والجنس الذي يتم تحقيرهما واستبعادهما من مستوى التداول الطبيعي إلى الزوايا المعتمة المخجلة، حتى أصبح الإنسان العربي اليوم يقرأ الرواية الجنسية على استحياء، خشية القوانين والاعتبارات الدينية التي تقف بالمرصاد لمثل هذه الروايات. وأنه في عام 2003 طالب نواب مصريون بمساءلة وزير الثقافة المصري عن الظروف التي أحاطت إصدار كتاب (الوصايا العشر في عشق النساء)، على اعتبار انه يتضمن عبارات جنسية فاضحة وتحريف لأحاديث الرسول الكريم، واستخدام الآيات القرآنية في الاستشهاد بكلام جنسي قبيح.

ولكن رغم أن الأدب الايروتيكي لازال عندنا أسير المحددات الاجتماعية والدينية، بينما تجاوزها كلية في الأدب الغربي إلى ابعد الحدود. فقد قامت المرأة العربية بنشاط ثقافي هائل، -لم تشهد الثقافة العربية مثيلاً له-، انحصر في إنتاج الرواية الإيروتيكية، التي تفضح ما يدوربالمجتمع العربي في الخفاء، وهتك أستار الثالوث العربي المُحرّم (الجنس، الدين، الصراع الطبقي) وأصبحت سوقه مزدحمة بالإنتاجات المتعددة والمتنوعة، التي لا تأبه بالتحريم والتعزير ولا تعير للأقلام والأصوات المعتدلة أي اهتمام. ولا يرضى رواده إلا بالصدمة الحارة، والبوح الصادق، والتصوير الصادم، الذين لا يجدون فيه هم حرجا، والذي لا يرون فيه نقيصة أدبية ، كما تقول الروائية ليلى الأطرش "ليس عيبا أن تتجاوز الكاتبة المحرمات الثلاثة التي فرضتها القيود الاجتماعية والسلطة الأبوية، والقمع السياسي، والقمع الجنس الذي هو أحد المحرمات التي اتفقت عليها سلطات القمع الفكري العربي رغم أهميته في حياة الإنسان.

والملفت للنظر في الأعوام الأخيرة، أن المرأة العربية، رغم ما واجهته من عواصف النقد والاحتجاج، كانت أكثر جرأة على هذا "المحرم" من الرجل العربي، حيث تزايدت أعداد الروائيات العربيات اللائي يكتبن بجرأة في مواضيع الجنس المتقاطعة مضموناتها مع تقاليد المجتمع المحافظ ونفوذ "السلطة الذكورية"، أمثال العراقية عالية ممدوح، و ليلى العثمان، و وزينب غاصب في "ملامح"، ورجاء عالم في "سيدي وحانة" التي مزجت فيها ما هو أسطوري بالصوفي في قالب لغوي تراثي وحداتي في آن، ورجاء الصائغ في روايتها "بنات الرياض" التي ترجمت إلى اللغة الألمانية واللغة الأنجليزية، وحصلت على المركز الثامن في أكثر الكتب مبيعاً رغم ما رأي بعض المتشددين فيها على أنها "دعوة للرذيلة" وإساءة للمعتقدات الدينية". وسلوى النعيمي في «نهر العسل» التي رصدت فيه بعضا من الخجل والعقد الجنسية التي رسختها البيئة الاجتماعية والتي عالجتها بأسلوب فضائحي في صورته الصادمة الذي يصل إلى "البرونو".

والشاعرة المصرية فاطمة ناعوت التي عبرت في قصيدتها “الرعوي” عن إيروتيكية مغلفة بخجل شفاف والتي تقول في مقطع منها:

تكسِرُني و…
مثل جَوْزةٍ
تحملُ مِجسّاتِها ونبضَها وبللَ أجزائِها
وتتهيأُ للحياة.
ترفعُني
مثل توتةٍ تفتحُ مخملَها
وتهبُ عصارتِها لقرويٍّ خشنْ
يحملُ مِعولاً
وسلّةَ خوصْ.

فإذا أمعنا النظر في الكتابات النسائية عند المرأة العربية وتجرؤها على تابوهات المقدس والمحرم، نجد أن جلها لم يكن إلا حفرا في خفايا الظلم الذي لحق بها اجتماعياً من قبل الرجل الغارق في الموروث الذكوري ـ زوجاً كان أو أباً أو أخاً ـ، وهتكا لأستار الثالوث المحرم: الدين، الصراع الطبقي، والجنس الذي كان ولازال أكثر التابوهات التي تجرأت عليها المرأة العربية، ليس فقط في الأدب، وإنما في كل الفنون التعبيرية من رسم، وتشكيل، وسينما، وغناء، ورقص.

والغريب في هذه الصحوة النسوية، هو أنها خرجت جلها من البلاد العربية الأكثر محافظة.فقد شهدت السعودية طفرة في الأدب النسوي المتمرد على ثقافة مجتمعها المنغلق، وخطَّت نهجاً في الكتابة الإباحية، وتناول موضوع الجنس، بما في ذلك التناول الصريح للعلاقة "المثلية" أو "السحاقية"، ليس فقط بوصفها ظاهرة منتشرة، إنما أيضاً في الإسهاب في وصف الممارسة الجنسية المثلية، دون أي خوف من ملاحقة المجتمع المحافظ.

هذا الانفجار الروائي النسوي الإيروتيكي البركاني، لم يقتصر على السعودية التي أنجبت وحدها 65 رواية سعودية كتبت بأقلام نسائية، منها 20 رواية صدرت في عام 2006 فقط، بل عرفته معظم بلاد الوطن العربي.

حيث صدر في الأردن رواية "خارج الجسد" لعفاف البطاينة، ورواية "مرافيء الوهم" لليلى الأطرش، ورواية "أصل الهوى" لحزامة حبايب، التي منعتها الرقابة الأردنية، كما منعت قبلها الرقابة السعودية عددا من الروايات لكثير من الكاتبات السعوديات منها، وفي البحرين صدرت لهدى عواجي رواية "إغواء امرأة". أما في العراق فأصدرت منال الشيخ روايتها "قضم ظهيرة مقدّدة"، ورواية "الغلامة"، و"المحبوبات" لعالية ممدوح. ومن لبنان ظهرت رواية "أنا هي أنت" لإلهام منصور، ورواية "مريم الحكاية ودينا" لعلوية صبح، وقد مُنعت الروايتان من دخول مصر والاشتراك في معرض الكتاب السنوي القاهري.

وهناك فضيلة الفاروق ورواياتها "اكتشاف الشهوة" و"تاء الخجل"، ومن سوريا فيمكن أن نقرأ رواية "على صدري" لمنهل السراج، ورواية "برهان العسل" لسلوى النعيمي "، ومن المغرب نجد لفاطمة المرنيسي مؤلفات كثيرة، منها كتاب " الحريم السياسي: النبي والنساء " الذي نشر سنة 1987، وصادرته الرقابة آنذاك ولم الذي لم يكن الوحيد الذي امتدت إليه يد الرقابة، بل صادرت كذلك أطروحتها المعنونة "الجنس كهندسة اجتماعية"، وكذلك كتاب "الحجاب والنخبة الذكورية ".

" شهرزاد ليست مغربية " و "سلطانات منسيات " و " هل أنتم محصنون ضد الحريم" و " الجنس والإيديولوجيا والإسلام". واشتهرت في الجزائر أحلام مستغانمي برواياتها "فوضى الحواس"، و "عابر سرير"، و "ذاكرة الجسد" الذي قالت في مقطع منه:" الحبّ هو ما حدَث بيننا. والأدبُ هو كلّ ما لم يحدث. فما أجملَ الذي حدث بيننا.. ما أجملَ الذي لم يحدث..ما أجملَ الذي لن يحدث".

هذ الكلمات الايروتيكية الدافئة، الصادقة، والبسيطة، كانت كافية لإثارة الساحةُ الأدبية العربية ولتتناول الأقلامُ هذه الرواية بالنقد والتجريح، بعيدا عن التقييم الموضوعي للعمل الإبداعي، مُستكثرين عليها، كونها أنثى تأتيَ بمثل هذا العمل الروائي غير المَسبوق بجماليّته ولغته الراقية وجرأته حتى أن الصفاقةُ دفعت بواحد من الكتاب ليدّعيَ العملَ لنفسِه.

ولم تكن أحلام مستغانمي وحدها التي واجهت هذه الهجمةَ الشرسة، بل عاشت لظاها جل الروائيات العربيات وفي الكثير من البلاد العربية. وكمثال على ذلك نأخذ ما حدث للروائية اللبنانية ليلى بعلبكي يوم أصدرت روايتها "أنا أحيا" عام 1958. وشهدت -كما اسلفت- طبيبة الأسنان السعودية رجاء عبد الله الصانغ نفس المصير بسبب روايتها "بنات الرياض" والتي وصلت أريحيّة بعض الرجال الأشاوس ليرفعَوا دعوى قضائية ضدّها وضد روايتها.

وهنا يجدر القول بأن الشاعرات والكاتبات والروائيات العربيات استطعن بجرأتهن على خوض غمار الكتابة الإيروتيكية أنْ يؤكدنَ قُدرتهن على منافسة الرجل في ساحة الخَلق والإبداع، وتجريدِه منَ هالة التفرد بهما التي طالما تباهى (أو تبجح) بها..
 
التعديل الأخير:
أعلى