أحمد بغدادي - جنس الجنة.. المكافآت والغيب!!

أحمد بغدادي
جنس الجنة.. المكافآت والغيب!!
1 / 2



إن قواعد الإسلام وشروطه منذ توضيحه وتفنيده في الرسالة الأخيرة التي أُنزلت على سيدنا محمد (ص)، كانت قواعد وركائز ثابتة لا تتغير من ناحية الفروض وأحكامها التي لا تأوّل ولا يتم الاجتهاد فيها لأنها مبتوتة ومقطوعة الحُكم غير قابلة للتعديل.

هذه أمورٌ موضحة في الإسلام حصراً لا لبسَ فيها بإجماع النص القرآني وتواتر الأحاديث في السنة عن السلف من الصحابة ومَن استخلفهم من الخلفاء وثبّتَ نقلهم من العلماء الفحول وتلامذتهم؛ إلا في أمرِ القضاء أحياناً يتم الاجتهاد على حسب القضية وملابساتها، والزمن الذي حدثت فيه القضية أي ( البراغماتية ) العمل فيما يناسب الحقبة والجيل!

نشأنا على الإسلام وعلى التعبّد للواحد الأحد غير مشركين به، وعرفنا القرآن والسنة النبوية من خلال الأسرة والعلم داخل المدارس والجوامع،واطلاعنا وفضولنا لمزيدٍ من العلمِ والإبحار كلٌ منا على حسب ميوله، وعلى حسب قوة إيمانهِ وهداه.

بدأنا نسمع من حولنا بالمكافآت التي يجنيها المسلم من عدمها يوم الحساب؛ وأخذنا ندخل في عالم الخيال والقصص التي تُروى على مسامعنا ونقرأها في أغلب الأحيان.

ـ1 نأتي هنا إلى مثال صغير فيه شقان من الأسئلة:

( آ ) ـ إن تكلمنا عن الغيب المُطْلق، فكلنا يعرف إنه مخصوصٌ لله تعالى فقط...

لكن هناك غيب آنٍ يستطيع الإنسان اكتشافه لمجرد رؤيته بأمِ عينه !

مثلاً.. إن سُئلَ أحدهم عن تواجد شيء محجوب عن النظر وراء شيء أمام ناظريه، فهو يستطيع الكشف عنه ومعرفته لمجرد الوصول إليه بعد كشف الحجاب عنه أو تواجده أمامه ليراه!

ــ فهذا من باب الاكتشاف والبحث عن الشيء المُغيّب عنه آنيّاً.

( ب ) ــ الغيبِ المنقول في النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة:

هل هو غيبٌ يختص به الله وحده ؟

وقد جاء في النصوص القرآنية أن الملائكة عندما سألوا الله تعالى عن خَلْقِهِ لآدمَ في سؤال استنكاري .. "أتجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء" ؟!

فأتاهم الجواب : ( إني أعلمُ ما لا تعلمون )! ( البقرة 30 ).

إذاً، كيف عَلمِ الملائكة أن خلقاً قبلَ آدمَ كان في الأرض ؟

هل لقّنوا هذا بالفطرة ؟!! .. أم أنّ الله عز وجلّ أراد هذا لثبات الأمر في النص القرآني الذي نزل بعد حقبٍ طويلة ! كتنويه عام عن الغيب الخاص به للمخلوقات العاقلة ؟!

وبقوله: إني أعلمُ ما لا تعلمون ) نضع هنا سؤالاً عن كيفية معرفتهم بما لا يعلمون ؟!

وهذا سؤالٌ مشروع لمن يريد التبحّر في هذه الأمور.

***

في حديثٍ يروى عن النبي(ص) كما جاء في " صحيح الجامع 1561" :

«إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخيِّرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان، وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يضعنه».


الهدايا في الجنة " الحور وغير ذلك :

في الروايات والقصص والنصوص القرآنية والأحاديث كما ذكرنا أن المؤمن الذي تُـكتب له الجنة، يُكافأ بالحواري والجنان واللذيذ من الطعام والشرابِ والمقام الجميل والعيشة الخالدة التي لا موت فيها غير الميتة الأولى في الدنيا !!

وفي سياق حديث صححه الألباني (صحيح الترغيب والترهيب: رقم (3704):

يقول (ص ) "... فينطلق يرمل في الجنة، حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة؛ فيخر ساجدًا، فيقال له: ارفع رأسك، مالك؟! فيقول: رأيت ربي، فيقال له: إنما هو منزل من منازلك! قال: ثم يلقى رجلاً، فيتهيأ للسجود له، فيُقال له: مه! مالك؟! فيقول: رأيت أنك ملك من الملائكة! فيقول: إنما أنا خازن من خزانك، وعبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه!! قال: فينطلق أمامه، حتى يفتح له القصر، قال: وهو من درة مجوفة، سقائفها، وأبوابها، وأغلاقها، ومفاتيحها منها، تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء، فيها سبعون بابًا، كل باب يفضي إلى جوهرة خضراء مبطنة، كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عيناء، عليها سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته، وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفًا عما كانت عليه قبل ذلك، وإذا أعرضت عنه إعراضة، ازداد في عينها سبعين ضعفًا عما كان قبل ذلك، فيقول لها: والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفًا، وتقول له: وأنت والله، لقد ازددت في عيني سبعين ضعفًا..»

تدور في مخيلة البعض أحياناً أسئلة بخصوص هذا الوصف والكلام الذي يسمعه عن المكافآت التي تُـمنح لأهل الجنة!

من الأسئلة ألا وهي: كيف يُـمنح الرجل سبعين حورية، ولا تُـمنح زوجته في الدنيا التي يحبها وعاش معها حتى مماتهِ ودخلت الجنة معه ما مُـنحَ أي ( غلمان أو رجال على شكل الحوريات في الجنة مكافأة لها أيضاً كما زوجها )؟!!

هل يقتصر الأمر على الرجل فقط؟! .. ونسبةِ إيمانه مع الغفران الإلهي، لربما تكون أقل من نسبةِ إيمان زوجهِ !.


يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته...

هل يرغب المُكافأ بهذا الوصف بأن يرى مخّ ساقها من وراء حللها ( لحم وعظام ساقها )؟!

وقد خلق الله الناس أمزجة ورغبات وقلوب شتى !!

ومن ثمّ الغيرة التي وضعها الله في قلبِ المرأة، والكيد ( إن كيدكن عظيم ـ يوسف 28 ). هل تتغير النفس في الجنة ــ نفس المرأة ــ لما تراه من تقلّب زوجها في النعيم وبين الحورِ والقصورِ والغلمان والخدمِ؟! .

" لهُ قصورهُ والحور والغلمان ...إلخ " فانشغاله بهذا هل يُثني قلبه عن حبيبتهِ ( الدنيوية )!.

كما نعرف أن الأديان السماوية الأخرى غير الإسلام، تؤمن بوجود الجنّة وما طُرحَ بما يشابه الدين الإسلامي من عطايا ومكافآت ونتائج إيجابية للفرد الصالح والمتعبّد لربّه والمتمسك بالفروض الدينية التي تعلّمها من خلال نبيّه أو كتابهِ السماوي.

فالحقبة التي كانت في الجاهلية تعلم بالدين الذي قبلها، فهل الناس الذين ماتوا ميتة الجاهلية كما يُقال ..لهم ذنبٌ إن لم يكن لديهم رسول وقتها ينقل لهم الهدى والفروض والتوجيهات الدينية والدنيوية الصحيحة؟!؛ فمعظمهم وجدَ دون أن يُلقّن دينه جيداً أو حتى يسمع عنه.. فما هي تلك الميتة وما حُكمها وما نتائجها في الآخرة؟!.

وهناك أحاديث وردت عن الموت والجنّة ووصف الحور والعطايا، لكن أغلبها لم يُسند وكان ضعيفاً ومشككاً فيه، أو كما يقال موضوعٌ أو مكذوب. وخاصةً في ( ضعيف الجامع ) و ( ضعيف الجامع الصغير ) ضعفها الإمام الألباني ــ 2803 ــ 2804 ــ 53 ــ 4071 ــ 5143 ــ 4133 ــ 2541 ــ وغيرها من الأحاديث الكثيرة الضعيفة كما أشار لها الألباني وغيره.

***

قال رسول الله (ص): «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك، يوشك أن يفارقك إلينا»
[صحيح الجامع: (7069).

إذاً، هو دخيلٌ عند زوجتهِ في الدنيا ( رهينة المدة )!

وعن امرأة فرعون قالت : ( رب ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ـ التحريم 11). وقد مات فرعون كافراً،

إذاً، بما تُكافأ امرأة فرعون الصالحة، غير القصور والمأكل اللذيذ والسعادة الأبدية، وهي نفسٌ كباقي النفوس مجبولة بالشهوات والرغبات؟!، وهناك الآلاف مثلها مُتنَ صالحات عفيفات وأزواجهن غير مؤمنين .

***

غادة ذات دلال ومـرح = يجد الناعت فيها ما اقترح
زانها الله بوجه جمعت = فيه أوصاف غريبات الملح
وبعينٍ كحلها من غنجها = وبخدٍ مسكهُ فيه رشــح
ناعمٌ تجري على صفحته = نضرة الملك ولألاءُ الفرح

عن رواية للخطيب والشاعر عبد الواحد بن زيد البصري في البصرة لتشويق الناس إلى غزو العدو ونيل الشهادة والظفر بالحسان وحور الجنان !. "

انظر مع الحور ـ جمع يحيى آل شلوان صفحة 27"

/

ــ هل خلقَ الله الحور والغلمان والخدم والقصور والثمار ووضع الأطايب والطيب قبل خلقِ آدم ومن ثمّ حواء ؟! وهل كانت تلك الجنة هي ذاتها التي يدخلها المؤمنون؟!

إن ما نُقل أن جنة آدمَ لم تكن إلا جنة الخلد، فحين قيل له لكَ أن لا تجوع فيها ولا تعرى، ولا يصيبكَ العطش، وغير ذلك ما يصيب الإنسان في الدنيا حتى لو كان في أفخم الأماكن وأجملها في الدنيا، فإن الجوع والظمأ سوف يأخذان منه كحال باقي البشر. وجاء عن بعض المفسرين أمثال ـ ابن نافع وإمام وابن عيينة، وابن قتيبة في كتاب المعارف، كما ذكر أسماءهم ابن قيم الجوزية: أن آدم عليه السلام خلق في الأرض وفيها سكن، وفيها نُصب له الفردوس وإنه كان في عدن.

ـ 1 فهل لآدمَ بعد عصيانهِ ومغفرةِ الله له ولحواء مكافآت مثل ذريّتهِ ؟

ـ 2 هل الجنس في الجنة جنسُ اتصال مباشر كالـ"دنيوي" ؟

ـ 3 أم هو جنس حسّي دون قذفٍ ومني أي طهارة تامة تناسب المكان الطاهر؟!

/

بعض الأسئلة الأخيرة سيتم توضيح فقرات منها في الجزء الثاني من الدراسة وباقي الفقرات والأسئلة متروكة للقارئ للتساؤل والتمحيص في الخيال بسبب تفاوت مقياس الوعي الثقافي الديني أو الفكري بين شخص وآخر.

هوامش:

ــ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح / ابن قيم الجوزية /

ـ إبراهيم محمود / جغرافية الملذات / الجنس في الجنة/

رياض الريّس الطبعة الأولى 1998



نهاية الجزء الأول



* عن ألف لحرية الكشف في الكتابة والانسان

يتبع ...



.
 
تطرقنا في الجزء الأول من الدراسة إلى عدّة أسئلة وأبواب منها الغيب المخصص في مسألة الجنة والمكافآت التي تُمنح للمؤمن يوم القيامة كجوائزَ لما زرعه في الدنيا من عبادات وإقامة الفروض ــ الصلوات والصيام ــ وغيرها من فروض شرعية سُنّت عليهِ من قبل الدين والنصوص القرآنية؛ ومن تلك الجوائز التي تكلمنا عنها، هي الحور التي تكون بانتظار المؤمن حين دخوله الجنة، وغير ذلك من المسكن الجميل والمأكل اللذيذ الذي لا يخطر على قلب إنسان!، عداك عن الخدم والغلمان والمقام الرفيع، والحياة السرمدية التي لا فناء فيها ولا كهولة ولا ضرر يمسّ داخلها والمقيم فيها!


(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) "السجدة: 17".

وعلى عكس ذلك، إن المشركين والذين لم يطيعوا الله والرسول ولم يقيموا الصلوات والصيام والفروض وكفروا في كل شيءٍ أُنزلَ من الله، وتناسوه على مرّ الحقب ومجيء الأنبياء والرسل لهم عكس ما يُمنحَ للمؤمن، نارٌ سعير وعذابٌ أليم وويلٌ وشرابٌ زقوم، ومقامٌ جحيم إلى آبد الآبدين...!


(فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) "البقرة: 24"

***


*المكافآت في الجنة غير الحور:

إن ما أتى على ذكره القرآن والأحاديث من ملذات موجودة في الجنة غير الحور والمسكن الكريم، شيء يفوق التصوّر والخيال. فالفاكهة الغريبة، ومنها بأسماء دنيوية مثال ( الرمان والنخل والأعناب ).. فأية فاكهة تكون في الدنيا هي مثلها في الجنة ؟!.

فالقصص التي تروى عن فاكهة الجنة وأنواعها وأسمائها كثيرة، منها في نصوص القرآن ذُكرت، ومنها جاءت في الأحاديث المتناقلة عن النبي(ص) والصحابة من بعده.

فما يُذكر عن ــ ابن عباس ــ يؤكده المفسرون ومن يؤيدونهم، فقولهِ عن الثمار والفواكه في الجنة " أنه لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلاّ في الأسماء ".

إذاً، هل الرغبات في الجنة تنفتح على حسب الموصوف، أم أنّ ما في الجنة من فاكهة وثمار عجيبة وغريبة، تتجاوز رغبات الراغب ـ الموجود فيها ـ وما يعرفه دنيويّاً من فاكهة أو ما جاء في وصفها في الآيات والأحاديث ؟!!.

فالمُلك الكثير ــ المشاع ــ والمأمول من قبل أهل الجنة، قد يكون أكثر بكثير من رغباتهم أو تطلعاتهم المرجوة في الدنيا وما بعدها؛ فالعين إن رأت ما هو غريب وعجيب تزدادُ نهماً وطلباً لهُ، والأنفس تُكثر في طلب الموجود لإشباع رغباتها.

ويُذكر أيضاً في أحاديث كثيرة ومنها ما يُنسب إلى " ابن عباس " أن شجر الجنّة جذورها من زمرّد، وسعفها كسوةٌ لأهل الجنة، وكربها ذهب!!.

فإن أتينا هنا إلى الأخذ بهذا الكلام، مقارنة مع النفس البشرية في الدنيا وما ألفتهُ من شجر أو ثمر، نجد أن الأصل النباتي الدنيوي الذي يملك الروح والرائحة واللون الطبيعي، يخالفه ما ذُكرَ عن شجرٍ وثمرٍ من أصلٍ صلب ــ يشابه الحجر ــ! فأية روح موجودة في تلك الأشجار والثمار؟!، فالأصل في كون الشجرة هي شجرة كما عهدها الآدمي، وليست من حجرٍ وأشياء صلبة، وفيها أجزاء تكون لباساً للمؤمنين !!.

وكما يُقال أيضاً مما ذكره ابن القيم الجوزية وقال عنه حديثاً غريباً ( إن الرجال يزورون السوق، ويرون وجه ربهم، ويحملون ما يشتهون ويدخلون في الصور التي يريدون ... إلخ ).

لنفترض أن هذا الحديث صحيح، لنرَ هنا أن الرجال في الجنة يذهبون ليحملوا ما يشتهون، هنا نأتي إلى فرضية عدم وجود الخدم والغلمان وكل شيء يكون تحت تصرف المؤمنين في الجنة !

فالمؤمن يُكافأ بكل شيء في الجنة، وهو ليس مضطراً أن يحمل ما يحمله ولديه خدمه وغلمانه وغير ذلك من أوامر إن أصدرها، يكون كل شيء أمامه دون تعب أو تكلّف عناء الذهاب والمجيء...!


( ففي روايات جاءت عن الخدم الذين يخدمون أهل الجنة حتى لو كان أسفل أهل الجنة. والأرقام تتفاوت هنا، وهي بالآلاف، ففي رواية هناك عشرة آلاف خادم لكل منهم، وفي ثانية خمسة عشر ألف خادم، وفي ثالثة ألف خازن، وفي رابعة سبعون ألف خادم، وفي خامسة ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة ).

يقول الشاعر:

أنا ما حسدتُ المترفين وقد = غدوا في أنعمٍ ومواكب وقصورِ
أنا محنتي ألا أرى بصحيفــــتي = عملاً أقدمه صداق الحــورِ


*المكافآت المادية في الجنة:


( إن الرجلَ من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير فيقع متفلقاً نضيجاً في كفه، فيأكل منه حتى تنتهي نفسه ثم يطير، ويشتهي الشراب فيقع الإبريق في يده ويشرب منه ما يريد ثم يرجع إلى مكانه ) " الطبري" ــ جامع البيان في تفسير القرآن ".


كما ذكرنا عن الشهوات التي يشتهيها المؤمن داخل الجنة، أنها تكون أمامه ولا داعٍ إلى الذهاب إليها، وهذا الحديث الصحيح المذكور أعلاه، يدحض ما جاء في بعض الأحاديث على أن أهل الجنة هم من يسعون إلى ما يشتهون ويأخذون ما يرغبون لمجرد ذهابهم إلى مكان مطلبهم.

فإن لمجرد النيّة أو الشهوة لدى المقيم في الجنة، يحضر لديه ما يريده أو ما يشتهيه.

وهنالك أحاديث كثيرة ذكرها ابن القيم الجوزية وابن كثير والطبري وغيرهم من علماء الفقه والتفسير.

ــ هل الثمار أو اللحوم وغيرها من أشياء موجودة في الجنة تؤكل كما في الدنيا؟!

أي عملية ( اللمس ) والتذوّق والاستلذاذ بالطعم والرائحة ...

منهم من أتى إلى أن ما في الجنة عبارة عن فاكهة وطعام يُقدّم للمؤمن في خاصيات غير الموجودة في الدنيا .. أي أن عملية التناول تختلف اختلافاً عن آلية تناولها في الدنيا.

فلمس الأشياء هو عملية من عمليات المباشرة للجسد، وهو مصدر معرفي للأشياء التي أمامنا، أكان عن طريق النظر أو اللمس، فإن أردنا تناول شيء ما، علينا لمسه، وتميزه، أكان ضاراً أو نافعاً، أو صالحاً أم فاسداً، أو حاراً أو بارداً.. مرّاً أو حلواً وغير ذلك؛ وعندما نشمّ رائحة هذا الشيء، نحاول لمسه وهي حركة لا إرادية أحياناً تأتي من مصدر الرغبات، فاللمس والتذوق يحدد الشيء الذي نشمه إن كان لذيذاً أم سيئاً.


ففي الجنة لا يوجد شيء كما ذُكرَ له ميزة السوء أو الفساد، كل شيء ناضج ولذيذ وممتع. إذاً، هنا نلغي أيضاً نفور النفس من الأشياء الكريهة أو الضارة؛ أي أننا محونا خاصية موجودة في النفس البشرية وهي خاصية مزروعة فيه، وهي من الأسس المعجونة في النفس المخلوقة!!.

فلكل شيء ضد .. فرغبة الإنسان في شيء يأتي ضدها عدمها، وأيضاً حبه لشيء يأتي ضده كرهه، وقس على ذلك الكثير من الأمور التي تعاكس ما يصبو إليه الإنسان وهي مجبولة في طبعهِ.


فهل الجنة هي حياة الجهة الواحدة للنفس ؟!

أي أن النفس تتوق إلى كل شيء إيجابي ولا تقع في الرفض، أي رفض ثمرٍ ما أو تفضيل شيء عن شيء آخر في الجنة؟!

فإن قُدِّمَ للمرء شيءٌ في الجنة وكان هنالك ما هو أحسن منه، هل يرفض الأول ويفضَل الآخر؟!

هنا نعود إلى طبيعة الإنسان الدنيوية وسجيته وغريزته؛

ففي الجنة هنالك مراتب ودرجات، وثمار أشهى من ثمار ولحوم كذلك، وهناك أنهار من عسل ولبن وخمر كما وردَ في الأحاديث والنصوص القرآنية..

فتفضيل أمر عن أمر ورغبة عن رغبة، تفضي إلى سلوك الإنسان الدنيوي ورغباتهِ!

فهنا إن صح القول تأتي مسألة التفاوت بين نفس ونفس في الجنة كبيرة، وتأتي مسألة الرغبات أيضاً مختلفة من شخص لآخر، رغم وجود المكافآت ذاتها والثمار ذاتها والسكن والجوائز والترف والثروات.


وهناك أبواب كثيرة وأحاديث تتطرق إلى هذه الأمور، وللتوسّع فيها نحتاج إلى دراسات مطوّلة ومكثّفة تفوق العشرات من الكتب، وقد مررنا ببعضها بشكل موجز، وسنكمل بعض الفقرات وشرحها في دراسات قادمة تتحدث بخصوصية عن أبواب يجهلها عامة الناس الذين لم يتنوّروا جيداً في هذه المسائل.


نهاية الجزء الثاني

* عن موقع ألف لحرية الكشف في الكتابة والانسان

هوامش:
ــ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح / ابن قيم الجوزية /
ـ إبراهيم محمود / جغرافية الملذات / الجنس في الجنة/ رياض الريّس الطبعة الأولى 1998


.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى