إبراهيم المصري - فن الباه.. بالعربي الفصيح

إبراهيم المصري
فن الباه .. بالعربي الفصيح



( ... حتى مَرَّت به جارية صفراء كأنما أشربت براية الذهب ، حسنة الشعر ، حسنة القوام ، مجدولة تتثنى ، لم أرَ .. جارية .. أشهى منها خـَلقاً ، فلمَّـا رآها أدامَ النظرَ إليها ، ثم جمع ثيابها .. بالخيزرانة .. إلى ثغرة نحرها ، فإذا بطنٌ خميص وسُرَّة قوراء ، ورُكبٌ ضخمٌ ، فنزل عن فراشهِ وقام إليها ، فنهضت وراء .. السِتر .. فسَمِعتها تقول : قتلتني يا أمير المؤمنين ، فقال أنا ذاك القتـَّال ، فما رُفِعت إلا مَيـِّتة ... )
أبطال هذه القصة : الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك وأم عُبيد الكندية وهي امرأة ( قوَّادة ) .. كانت تعرض على الخليفة مجموعة من الجواري أرسلهن إليه عامله على العراق يزيد بن المهلب .
يروى الإمام جلال الدين السيوطي القصة في مُصنَّفهِ أو كتابه ( الوشاح في فوائد النكاح ) وقد نقلها كعادةِ القدماء في الثرثرة عن كتاب ( نزهة المذاكرة وأنس المحاضرة ) .. وإنْ كانت القصة حقيقية فهي توضع بامتياز الأخلاقَ التي كان عليها هؤلاء القدماء في علاقتهم بالمرأة والجنس .. فالخليفة ـ أعزه الله ـ يقلبُ الجواري بخيزرانة ولمَّا كانت المرأة جارية فهي تتساوى و.. شيء .. ولا تعني إنساناً في كرامته .. ثمَّ إنَّ الخليفة ـ أعزه الله ـ يُعجَب ( بالجارية ـ الشيء ) وتهيج غريزته .. فيعتلي الجارية خلف .. السِتر .. حتى تـُرفع المسكينة من تحته جثة هامدة حقيقة أم مجازاً ، فالجارية لم تكن طرفاً في علاقة متكافئة بل كانت .. مفعولاً به .. حتى الموت .
كان الخليفة هارون الرشيد ـ أعزه الله ـ أيضاً له .. سِتر .. على ما تقول قصة أخرى في هذا الكتاب وإنْ كان هارون لم يقتل الجارية .
عن ابن الجوزي في كتابه ( الأذكياء ) يَروي السيوطي قصة المُفضَّـل الذي قال :
( ... دخلتُ على الرشيد وبين يديهِ طبقُ وردٍ وعنده .. جارية .. لم أرَ أحسنَ منها وجهاً .. فقال لي قلْ في الورد شيئاً تشبِّه به فقلت :
كأنه خدُّ موموقٍ يُقبِّـلهُ
فمُ الحبيبِ فقد أبقى به خجلا .
فقالت الجارية :
كأنه لون خدي حين تدفعني
كفُّ الرشيد لأمر يوجبُ الغسلا .
فقال لي : يا مُفضَّـل قم .. فهذه الماجنة قد هيَّجتني ، فقمتُ وأرخيتُ .. الِستر ... )
ويمكن أن نخمَّن أنَّ هؤلاء الخلفاء ـ أعزهم الله ـ كان لهم مجالس يستقبلون فيها رعاياهم وإلى جوارها مباشرة .. ما يُرخي عليه السِتر .. لكي يقضي أحدهم شهوته حينما تستبد به .
وللقصة رواية أخرى تقول : إنَّ المُفضَّـل أبى أنْ ينصرف إلا بعد أن .. يجزيه .. الرشيد .
يقول المُفضَّـل :
( ... فقلتُ والله يا أمير المؤمنين لا أقوم إلا بجائزة فإنني كنتُ سبباً لقيام .. ؟؟؟؟ .. فضحك الرشيد حتى استلقى على .. قفاه .. وأمر لي بجائزة فأخذتها وخرجت وأرخيت عليه .. السِتر ... )
وهناك من الخلفاء ـ أعزهم الله ـ من كان شفوقاً برعيته ، فكان يزوج أحدهم إلى إحداهن .. وهذه قصة الخليفة المأمون الذي زوَّج الجارية عريب إلى محمد بن حامد لمعرفة المأمون أنَّ عشقاً بينهما .. لكن بن حامد لم يتعفف عن وصف لحظته الحميمة معها .. يقول :
( قاتل الله عريـبا .. فعلت فعلاً عجيبا
ركبت والليل داج .. مركباً صعباً مهيبا
وتدلت لمحبٍّ .. فتلقاها مجيبا
وعريبٌ رطبة الشفرين قد ؟؟؟ ضروبا ) .
ويَقصد برطبة الشفرين عضوها الأنثوي وقد استخدمَ مكان علامات الاستفهام فعلاً مبنياً للمجهول نتعفف الآن عن لفظه ويُستخدم كشتيمة .
ثم إنَّ رجال العرب على ما يقول الكتاب في قصصه كانوا يعشقون السمينات من النساء موفورات الشحم واللحم .. وهذه صورة تتنافى مع غصن النقا المكلل بالذهب الذي تدعونا فيروز إلى أن نفديه من الردى بالأم والأب .
يقول السيوطي :
( ... في الأغاني عن أبي بردة عن أبي موسى قال : وجَّهني الحجاج لأخطب له هند بنت إسماعيل بن خارجة .. فرأيتها وقد دخل مطرفها بين ظهرها وعجيزتها .. ولم تستقل قائمة حتى انثنت ومالت لأحد شقـِّيها من شحمها ... )
وهذه صورة امرأة ـ خرتيت ، مع احترامنا لكليهما وهي توضح دلالة مَا في أنَّ الشعراء الذين طالما تغنوا بالغزلان وأغصان والبان قد ضللوا مشاعرنا ، فالواقع كان للسمينات حتى أنَّ إحداهن كانت تحتاج إلى أربعٍ من جواريها كي يرفعنها للوقوف على ما تقول إحدى قصص الوشاح في فوائد النكاح .
والكتاب مُصنفٌ في الباه وله نظائر مثل الروض العاطر في نزهة الخاطر للنفزاوي وكلاهما كتبه فقيه ورجل دين ، ويعني هذا أنَّ أولئك الناس كانوا مُترفي الفكر ولم تكن عقدهم بهذه الضخامة التي نحن عليها الآن ، حتى أنَّ كلمة نهد في قصيدة لشاعر معاصر تمنع نشرها في الكثير من الصحف والمجلات .
يبدأ الكتاب بمقدمة سيوطية تبرر النكاح دينياً وهي مقدمة ظريفة مكتوبة بسجع يتفاوت بين الناقص والكامل مثل :
( ... سبحان الله خالق المفارش والمراشف والمشافر ، فاتق المشاعر للأشاعر والمشاعر ، رب المغارب والمشارق ، مُذلل الضياغم بالمراشق ... )
ثم يُورد المؤلف أم نقول المُصَنِّف ما قاله العرب في أسماء الجماع والذكر والفرج وهي أسماء ( حوشية ) إن جاز التعبير وتعبر عن ذائقة خشنة للغاية .
ومن أسماء الجماع التي رتبها السيوطي هجائياً : التفشح .. التكشح .. التـَّمدهام .. التجليف .. الخجخجة .. الهكهكة ، وهي أسماء كما يوضح الإمام تظهر ممارسات معينة في الجماع ويقول إنه أحصى ما بين مائة إلى ألف اسم للجماع ويظن في يقينه أنها أربعمائة اسم ويروي عن مؤلفٍ آخر أنها تصل إلى نحو ألف وأربعمائة اسم .. وما أغزر خيال العربي في فنون الباه ـ البورنو إلى حد أن يكون قد توصل إلى ألف وأربعمائة وضع لممارسة أو أشكال الجنس .
ومن هذه الأسماء أيضاً ولعلـَّه أصدقها .. الكِفاح .. بكسر الكاف .. وربما يذكرنا هذا بجميل الذي قال :
يقولون جاهد يا جميل بغزوةٍ
وأي جهادٍ غيرهنَّ أريدُ .
ثم يذكر السيوطي ما قاله العرب من أسماء عضو الرجل وعضو المرأة وسوف نحتاج إلى قدر هائل من الصبر لقراءة هذه الأسماء .
( ... الخدرنق ـ الزلنقطة ـ السمهدر ـ الطرطب ـ الأرعب ـ الجعثوم ـ والمكرهف ... ) وهذه من أسماء عضو الرجل .
ومن أسماء عضو المرأة ( ... الجميش .. الحضون ... ) ، ويُفرد فصلاً لأسماء بقية أجزاء عضو المرأة حتى لا يفوتنا درس التشريح اللغوي ، كأن يقول عن مخرج البول عند المرأة ( الكِظامة ) .
لقد كان مثقفونا الأوائل مغرمين بالتصنيفات والتفريعات الأمر الذي يطرح سؤالاً عمَّا إذا كان تراثهم ثرثرةً لا متناهية تفضي إلى ضيق نفس يصل حدَّ الاختناق من قراءته ، كما أن كل هذه الأسماء التي أوردها السيوطي عن العملية الجنسية وأعضائها تخفي عنفاً لفظياً وصوتياً وسلوكياً وكأن الجنس عند العرب عِراك وليس شغفاً وحبَّا واتصالاً .
ولا يكشف كتاب السيوطي عن ظرفٍ كبير قدر ما يكشف عن عقلية تضع المرأة في مرتبة : الشيء لا الإنسان وتعاملها كأداة ، وتسرف مثل هذه الكتب حدَّ القرف في وصف وتشريح سلوك إنساني رائع وممتع مثل الجنس وهو أيضاً سلوك في الطبيعة للنبات وللحيوان وللطيور وقد التفت إلى ذلك مثقفونا العظام فكتبوا أيضاً عن أسماء الذكر وأسماء الفرج عند الحيوان ، وهذه أمثلة لأسماء الذكر عند الحيوان وعلى ذمة السيوطي يقال لعضو التيس : القضيب ، وللفيل : العسيل ، وللحمار : الجُردان ، وللذباب : المتـُكُ .. وقد كان لمثقفينا العظام بالطبع عين لغوية تشريحية تراقب سائر الكائنات حتى يمكنها أن تؤلف مُصنفاً في الطرافة لا أظن أنه يمت للعلم أو للطرافة بصلة كبيرة إلا إذا قبلنا هذه الكتب على علاتها واعتبرناها كتباً تضع العقلَ بين الساقين وتسرف حدَّ تفخيخ اللغة بمفردات فجة وقاسية ، تجاوزها بالطبع الزمن الراهن في سياق التطور الإنساني واللغوي .
ورغم أن كتاب السيوطي عن الجنس بطرفيه الرجل والمرأة إلا أنه يركز كثيراً على المرأة كاملة الأوصاف ، فماذا عن أفضل النساء من وجهة نظر شيوخنا العظام ؟
يقول السيوطي :
( ... في كتاب " الكنز المدفون " قال بعض العرب : أفضل النساء أطولهن إذا قامت وأعظمهن إذا نامت ... )
( ... وفي تحفة العروس جلس أعرابي في حلقة يونس بن حبيب فتذاكروا النساء فقالوا للأعرابي أي النساء أفضل عندك ، فقال : البيضاء العطرة ، اللينة الخفرة ، العظيمة القاع ، المشهية للجماع ، التي إذا ضوجعت أنـَّت ، وإذا تركت حنـَّت ... )
أي ببساطة آلة للجنس وهذه هي أفضل النساء عند العرب أو الأعرابي وهذه أيضاً سمة حياة تقوم على الخراج .. فطالما يأتي من الأمصار والرزق موفور والجواري موفورات من كل شعوب الأرض حينها ، فما الحاجة إلا للأكل والجنس .. وتذاكر النساء .. ولتكن أفضلهن إذن من إذا قامت كانت الأطول وإذا نامت كانت الأعظم بشحمها ولحمها ، ولا مكان هنا للمرأة الإنسان .. بل للمرأة الجارية التي أوقعها سوء حظها في أسر نخاس والجواري كما هو معروف كن في أدوارهن من الغناء إلى الرقص إلى حفظ الشعر وتأليفه والمجالسة والمداعبة والمواقعة .. فأين مكان المرأة الحرة في عالم الرجل المشبَّع بالباه هذا ؟
يجيب السيوطي نقلا كالعادة عن آخرين :
( ... قال بعض الخلفاء ، الإماء ألذ مجامعة وأغلب شهوة وأحسن في التبذل وأرق في التدلل ، فقال جليس له : لبَرد ماءُ الحياءِ في وجه الحرة أحسن من تبذل الأمَة ... )
ويدل النص المُقتبس على أن الأخلاق ومنها الحياء كانت محجوزة في العقلية هذه للحرائر فقط بينما الجواري " بنات ليل " .
فهل كانت ( الحرَّة ) تتصف بالحياء فعلا ؟
لنقرأ قصة عائشة بنت طلحة ...
( ... في الأغاني من طريق المدني عن فلانة قالت : كنت عند عائشة بنت طلحة ، فدخل زوجها ، فتنحيت ، فوقع عليها ، فشخرَت ونخرت وأتت بالعجائب من الرهز، وأنا أسمع ، فلمَّا خرَجت قلت لها : أنتِ في نسبك وشرفك وموضعك تفعلين هذا ، فقالت عائشة إنـَّا نتشهى لهذه الفحول بكل ما نقدر عليه ... )
( ... وفي كتاب نثر الدر للآبي لمَّا زفـَّت عائشة بنت طلحة إلى زوجها مصعب بن الزبير ، سمعت امرأة بينها وبينه ، وهو يجامعها شخيراً وغطيطاً في الجماع، لم يُسمْع مثله ، فقالت لها في ذلك ، فقالت لها عائشة : إن الخيلَ العتاق لا تشرب إلا بالصَّفير ... )
أمَّا الجواري فيصمتن ، ويتركن الصَّفير والنخير للحرائر .
على أنَّ ثالثة الأثافي على ما يقول العرب .. في هذه العبارة التي وردت في كتاب السيوطي :
( ... تزين المرأة أحسن ما فيها ليُرى أقبح ما فيها ... )
وماذا يكون الأحسن إن لم يكن الوجه وماذا يكون الأقبح من وجهة نظر هؤلاء إن لم يكن .. الفرج .. وهذه وجهة نظر بغيضة تقسم جسد المرأة جغرافيا وتهبط به إلى عنصرية مهينة لجسدها الذي كان ولا يزال في العقلية العربية مجرد أداة للمتعة ولا بأس من أن يكون وعاءً للنسل .
وفي حكاية النسل هذه يُفرد السيوطي .. على طريقة القدماء في الشمولية المَعيبة .. فصلاً للحديث عن ماء الرجل وماء المرأة ويقول إن في الماء حبة غليظة منها يكون الحمل :
( ... ألا ترى أنَّ الرجل ينكح المرأة مراراً فلا تحبل وينكحها مرة واحدة فتحبل بإذن الله ... )
الرجل إذن هو الأساس في هذه العملية وإن كانت المرأة في سياق مهانتها التاريخي في حضارتنا هي المسؤولة عن نوع المولود .. وحتى اليوم يظلمون المرأة لإنجابها البنات ، رغم أن الرجال هم المسؤولون علمياً عن نوع الجنين .
وسوف يكون من الصعب تغطية كل ما قاله السيوطي في فن الباه العربي ، وللمزيد يمكن الرجوع إلى الكتاب الصادر عن دار تالة للطباعة والنشر ـ ليبيا ، الطبعة الأولى عام 2002 .
غير أنني أريد أن أنهي بإغاظة الرجل العربي الآن بقصة المتوكل وحوض الزئبق :
يقول السيوطي :
( ... وفي كتاب الجماهر في الجواهر لأبي الريحان البيروني أنَّ المتوكل كان يحب كثرة الجماع وضعف عن الحركة فجـُعلَ له حوض ومُلئَ من الزئبق وبُسطت عليه الفـُرش ، فكان يجامع عليه وكان الزئبق ,, يحركه .. دون أن .. يتحرك ... )
ذكرتني هذه القصة بقصيدة للشاعر المصري الشاب عماد فؤاد ( تقاعد زير نساء عجوز ) .. المتوكل ـ أعزه الله ـ لم يتقاعد .



.
 
أعلى