تلك المجبولة ُ من جمر ٍ سخي ّ ٍ
ومن شهوات ٍ لا تنطفئ .
صباحاً ،
وقفتْ بباب بيتنا الخشبي
المطلي ِّ بزرقة البحر
وصحو السماء .
باب بيتنا حين لامستْه أصابعُها
صار عبقًا كحديقة ِ عطر ..
باب بيتنا أضحى
غارقًا برائحة الياسمين
وشذى الحناء ..
باب بيتنا صار شجرة ً
صار حقلا ..
صار سحابة ً
صار أغنية ً مرحة...
تحمل كوزا عتيقا باردٌ شرابه
تضعه أمامنا .
ثم تضع جسدها
البض في قاروة مقابلة
وتأمرنا بغض البصر
..... تلك القارورة ..!!!
معلمنا "فقيه القرية "
حينها كان الوحيد الذي
ينظر إليها دون أن
ينهره أحد .
تمدحنا بصفات
حافية قادمة من قاموسها
اللين كأن تقول عن أحدنا
أنه" أحمر عين"
وأنه ....
وأنه ..... وأنه...
ذات عيد ٍ
ذات عصر ٍ أخضر .
كنت في بيت صديقي " إبراهيم صيادي "
ذلك الذي يقطر من أصابعه الناحلة ِ
حليبُ الموسيقى ..
ومن حنجرته شهدُ الأهلة ِ ..
وفي صوته تتبختر نرجسة ُ الماء .
كنا صِبيْة ً في نضارة الورد ِ
وفي نصاعة الياسمين .
في رقة الفراشة ِ
ووسامة ِ الجناح .
بيتُ " إبراهيم "
المشيدُ من حجر ٍ...
من أقاصي " الجزيرة " تأتي الفتاة إلى بيتنا .
في الظهيرة ِ كانت تجئ ،
غير عابئة ٍ بشراسة الصيف ِ
ولا بغلظة الشموس !
تسكن في العباءة ِ
وتطير ،
وتقول للريح : اتبعيني .
تستحيل العباءة ُ في الريح شراعا
تستحيل التي فيها بستانا مثقلا بالنفائس
بستانا داعيا للغواية ِ ، والنهب ...
العباءة ُ
تغدو ُ...
على أي ٍّ من هذه الأرائك جلستْ ؟
في أي موضع استرخت كحمامة ٍ ، أو كسحابة ٍ ، أو كقطرة ضوء ؟
وأيٌّ من هذه الكؤوس التي بقي فيها
العصير إلى النصف لامسَ أصابعَها الناحلة ؟
( ألا تزال تلك الأصابع ناحلة ً ؟ وناعمة ً كالحرير ؟ )
وأي من هذه الكؤوس القابعة على المناضد كان لها ؟
أيٌّ منها لامسَ شفتيها...
كلما سارت في ذلك البيت العتيق الواسع ،
ذي الغرف الكثيرة ،
والأبواب العديدة ،
والنوافذ التي لا تحصى ،
و المؤثث بالأحلام التي تتبرج في الشرفات كالفراشات ،
تحلق فوق ليل شعرها المطري الطويل والجميل غيمة ٌ بيضاء .
غيمة من عطر ٍ أنثوي ٍّ كريم ٍ محرض على الغواية .
كلما تلفتتْ في سهوب الذاكرة ،
أو...
تمرُّ النساءُ على القلب ِ
كما يمرُّ السحابُ
أو كما يمكثُ الضوء .
كثيرات
كثيرات
كأنهن العصافير
على عزلة ِ الغصن .
و هذا الفؤاد يميل بهن ميل العذوق .
هنا ..
سأتذكر سرب نساء ٍ
سربَ حمائم
سرب أعراس ٍ
وربما سرب عذابات ٍ شهية .
سأتذكر...
التي
جلست تحت النخيل ِ
تقضي حاجتها من الظلال والضوء.
كاشفة...