في أفق انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشرلاتحاد كتاب المغرب يومي 22 و23 يونيو/حزيران 2018 بمدينة طنجة المغربية، نقدم هذه الورق لفتح نقاش جاد ومسؤول يصبّ في خدمة الممارسة الثقافية الجادة والفاعلة، كما أن هذه الورقة مجرد وجهة نظر متواضعة؛ آمل أن تكون في مستوى المرحلة.
إن منظمة اتحاد كتاب المغرب منظمة ثقافية، غايتها خدمة الثقافة المغربية، انبثقت من صميم ثقافة الممانعة واليسار المغربي، الذي مثّل الرافد الأساس له، في مواجهة ثقافة السلطة، فكان بحق من أبرز الاتحادات استقلالية، مقارنة باتحادات الكتاب في الدول العربية التي تَخَلَّقَتْ من رحم الدولة. ومن أهداف الاتحاد الدفاع عن حقوق الكتّاب؛ مع ترشيد الممارسة الثقافية الملتزمة بآفاق قومية ووطنية، إضافة إلى دعم وتكريس استقلالية الاتحاد إلى أبعد الحدود، وتفعيل دوره كإطار يجمع مختلف التيارات والحساسيات، مما أعطى لهذه المنظمة العتيدة القدرة على تحدّي كل المعيقات والمثبطات التي تَحُولُ دون إشاعة ثقافة حداثية، في ظل شروط اجتماعية واقتصادية وسياسية تتّسم بالاحتقان والتوتّر بين الفاعل السياسي والدولة. وقد لعب اتحاد كتاب المغرب دورا مهما في تفعيل الساحة الثقافية المغربية والعربية، من خلال، المبادرات القيّمة والطروحات والمشاريع الثقافية، ما أثّر كثيرا في العديد من قرارات اتحاد كتاب العرب، بل كان الفاعل الأساس والمحرّك في كل هذه المؤتمرات. أما على المستوى المغربي فالاتحاد شكّل مدرسة لكل المثقفين والمفكرين والفاعلين الثقافيين، لكونه كان يحمل مشروعا ثقافيا للمجتمع المغربي، هَاجِسُهُ نَشْرُ ثقافة المعارضة المتنورة، من أجل السَّيْر بالمغرب قُدُماً نَحْوَ آفاق التحديث والحداثة، والعمل على خدمة الثقافية بحمولاتها الإنسانية، فشكّل قيمة مضافة للممارسة الثقافية العربية المرتبطة بالانشغالات المجتمعية. وعلى الرغم من سنوات الرصاص والاعتقالات التي شهدها المغرب في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، فالمثقف المغربي ظل متشبثا بالاتحاد الذي كان منارة يستضيء بها كل المثقفين، وفضاء للتعبير بحرية واستقلالية عن مختلف القضايا، وشاهدا على سيرورة الفعل الثقافي والتحوّل المجتمعي.
لكن اليوم، يعيش الاتحاد على إيقاع التراجع والنكوص، إذ لم يعد يمتلك ذلك الزخم السابق من العطاء والبذل، الحضور والتواجد، بقدر ما أصبح مجالا للصراعات الذاتية والحسابات الضيّقة، وتحوَّل الْهَمُّ الثقافي آخر ما يفكّر فيه، وغلبت المصالح الشخصية والحزبية على المُسيِّرين، ولم يعد محجّا للفاعلين الثقافيين، والأنكى أن غالبيتهم تبرّأَ من هذا الإطار، وهناك من قدّم استقالته منه، والبعض الآخر لزِمَ الصمت والانزواء، أو الدخول في صراعات مجانية لن تخدم الثقافة المغربية، بل ضربت المنظمة في العمق، خصوصا بعدما تحوَّل الاتحاد إلى ضيعة تسيَّر وتُدبّر بذهنية القطيع، وبالقرارات الفردية الخارجة عن منطق القانون الداخلي للاتحاد، فاتّسم الاتحاد بالفوضى والارتجالية، والغياب عن الساحة الثقافية مغربيا وعربيا . ومن ثمّ لم يعد للاتحاد ذاك الإشعاع السالف، فعرف تراجعا خطيرا بمجرّد سقوطه في التبعيّة للسلطة، مما ضيّع استقلاليته، وقيمة الانتماء إليه. هذه الأحكام لا نطلقها هنا جزافا، ولكنها ناجمة عن تتبع لمسار منظمتنا العتيدة، ولما أصابها من أعطاب وأمراض زادتها سقما، والأكثر من ذلك استفحال ممارسات لا ثقافية شاذّة؛ والمقصود ابتعاد المنظمة عن هموم الثقافة المغربية، لأن هاجس المسيّرين العمل على تجميد المكتب التنفيذي وشللية الفروع، وقتل الفعل الثقافي الجاد.
هذا الواقع الكل ينبذه وينتقده بلغة عنيفة وقاسية، بعيدة عن التعقلن والتدبّر وبحساسية مفرطة، أحيانا تُشَمُّ منها رائحة الذاتية والنرجسية المرضية، لكن هذا الوضع يحتاج إلى مراجعات وتعديلات جوهرية، سواء على مستوى القانون الداخلي وصلاحيات المكتب التنفيذي لإعادة الحياة لمنظمة قدّمت الشيء الكثير للثقافة المغربية والعربية، وهي إرث لكل المثقفين المغاربة الغيورين عليها، ومن حق الجميع أن يوجّه سهام النقد البنّاء لها حتى تستعيد عافيتها وحركيتها، وهذا الأمر يستدعي منّا جميعا لحظة للتأمل والتدّبّر للحفاظ على هذا الإرث.
وبعيدا عن هذه الأجواء المكهربة أتوجه إلى كل الفاعلين الثقافيين من أعضاء وغير أعضاء في منظمتنا العتيدة سابقا والهشة حاليا، بندائي هذا قصد التفكير في مخرج حقيقي للوضع المحرج الذي يعاني منه الاتحاد تنظيميا لتجاوز الأزمة المستفحلة بـ:
- العمل على تجديد هيكلة الاتحاد بأسماء جديدة لها غيرة على المنظمة.
ـ إحداث خلية تسهر على إنجاز أوراق لمشروع ثقافي وطني حداثي.
- تحديد مدة تحمّل المسؤولية في سنتين كحد أدنى لكل عضو من أعضاء الاتحاد.
- هيكلة الفروع بدماء جديدة وتفعيلها عبر مشاريع ثقافية تهم الفرع في ارتباط مع المركز.
- خلق مجلس وطني للثقافة المغربية يتكون من أعضاء الفروع، مع الانفتاح على أعلام الثقافة المغربية غير المنخرطين.
- إحداث القطيعة مع كل الممارسات اللاثقافية السابقة وفتح باب الحوار مع كل الفاعلين الثقافيين.
- انفتاح مجلة «آفاق» على كل التجارب الإبداعية المغربيــــة والعربـــية والعالمية بتصور جديد يتجلى في إعطاء الأولوية للنص وليس للاسم.
- تنظيم ندوات فكرية ونقدية تستجيب لنداء التحولات التي تشهدها الساحة المغربية والعربية والدولية، حتى يكون المثقف المغربي فاعلا لا منفعلا، مساهما لا مستهلكا.
- السهر على إشاعة حداثة فكرية منفتحة على المنجز المحلي والإنساني على جميع الصعد، مع الحفاظ على الخصوصية المغربية والعربية.
هذه مجرد اقتراحات متواضعة من متتبع للشأن الثقافي، وليس عضوا في الاتحاد، فالغيرة على الثقافة المغربية وعلى المنظمة لإعادة استقلاليتها بعيدا عن أي وصاية هي الدافع لكتابة هذه الورقة، إضافة إلى ضرورة بث حياة جديدة في شرايين منظمتنا التي قدمت الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على كيانها مستقلة لا تابعة. وأيضا للابتعاد عن الحسابات الضيّقة والذاتية المقيتة بغية تصحيح ما يمكن تصحيحه، ووضع الاتحاد في سكة واضحة حتى يستعيد دوره داخل النسيج الثقافي العربي.
ولابد من الإشارة إلى أن مقترحات تمّ اقتراحها من لدن العديد من المثقفين لم تؤخذ على محمل الجد، بقدر ما همّشت ولم تناقش، وهذه فرصة ثمينة لطرح تلك الأوراق للتداول والنقاش حتى تتضح الأمور، ويخرج الاتحاد من مؤتمر طنجة سليما معافى.
وأخيرا ما آمله هو عودة منظمة الاتحاد قوية بمكتب مسيّر جديد له إرادة حقيقية لخدمة الشأن الثقافي المغربي والعربي، والعمل الجاد على تفعيل الحركة الثقافية داخل المغرب بوسائل لوجستيكية جديدة تستجيب للحظة التاريخية المفصلية التي يمرّ منها العالم في ظل عولمة جشعة، وإمبريالية جديدة بلبوس مختلفة اقتصادية، اجتماعية، سياسية، فكرية مقصديتها القضاء على خصوصيات الأمم.
صالح لبريني
Jun 21, 2018
القدس العربي
إن منظمة اتحاد كتاب المغرب منظمة ثقافية، غايتها خدمة الثقافة المغربية، انبثقت من صميم ثقافة الممانعة واليسار المغربي، الذي مثّل الرافد الأساس له، في مواجهة ثقافة السلطة، فكان بحق من أبرز الاتحادات استقلالية، مقارنة باتحادات الكتاب في الدول العربية التي تَخَلَّقَتْ من رحم الدولة. ومن أهداف الاتحاد الدفاع عن حقوق الكتّاب؛ مع ترشيد الممارسة الثقافية الملتزمة بآفاق قومية ووطنية، إضافة إلى دعم وتكريس استقلالية الاتحاد إلى أبعد الحدود، وتفعيل دوره كإطار يجمع مختلف التيارات والحساسيات، مما أعطى لهذه المنظمة العتيدة القدرة على تحدّي كل المعيقات والمثبطات التي تَحُولُ دون إشاعة ثقافة حداثية، في ظل شروط اجتماعية واقتصادية وسياسية تتّسم بالاحتقان والتوتّر بين الفاعل السياسي والدولة. وقد لعب اتحاد كتاب المغرب دورا مهما في تفعيل الساحة الثقافية المغربية والعربية، من خلال، المبادرات القيّمة والطروحات والمشاريع الثقافية، ما أثّر كثيرا في العديد من قرارات اتحاد كتاب العرب، بل كان الفاعل الأساس والمحرّك في كل هذه المؤتمرات. أما على المستوى المغربي فالاتحاد شكّل مدرسة لكل المثقفين والمفكرين والفاعلين الثقافيين، لكونه كان يحمل مشروعا ثقافيا للمجتمع المغربي، هَاجِسُهُ نَشْرُ ثقافة المعارضة المتنورة، من أجل السَّيْر بالمغرب قُدُماً نَحْوَ آفاق التحديث والحداثة، والعمل على خدمة الثقافية بحمولاتها الإنسانية، فشكّل قيمة مضافة للممارسة الثقافية العربية المرتبطة بالانشغالات المجتمعية. وعلى الرغم من سنوات الرصاص والاعتقالات التي شهدها المغرب في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، فالمثقف المغربي ظل متشبثا بالاتحاد الذي كان منارة يستضيء بها كل المثقفين، وفضاء للتعبير بحرية واستقلالية عن مختلف القضايا، وشاهدا على سيرورة الفعل الثقافي والتحوّل المجتمعي.
لكن اليوم، يعيش الاتحاد على إيقاع التراجع والنكوص، إذ لم يعد يمتلك ذلك الزخم السابق من العطاء والبذل، الحضور والتواجد، بقدر ما أصبح مجالا للصراعات الذاتية والحسابات الضيّقة، وتحوَّل الْهَمُّ الثقافي آخر ما يفكّر فيه، وغلبت المصالح الشخصية والحزبية على المُسيِّرين، ولم يعد محجّا للفاعلين الثقافيين، والأنكى أن غالبيتهم تبرّأَ من هذا الإطار، وهناك من قدّم استقالته منه، والبعض الآخر لزِمَ الصمت والانزواء، أو الدخول في صراعات مجانية لن تخدم الثقافة المغربية، بل ضربت المنظمة في العمق، خصوصا بعدما تحوَّل الاتحاد إلى ضيعة تسيَّر وتُدبّر بذهنية القطيع، وبالقرارات الفردية الخارجة عن منطق القانون الداخلي للاتحاد، فاتّسم الاتحاد بالفوضى والارتجالية، والغياب عن الساحة الثقافية مغربيا وعربيا . ومن ثمّ لم يعد للاتحاد ذاك الإشعاع السالف، فعرف تراجعا خطيرا بمجرّد سقوطه في التبعيّة للسلطة، مما ضيّع استقلاليته، وقيمة الانتماء إليه. هذه الأحكام لا نطلقها هنا جزافا، ولكنها ناجمة عن تتبع لمسار منظمتنا العتيدة، ولما أصابها من أعطاب وأمراض زادتها سقما، والأكثر من ذلك استفحال ممارسات لا ثقافية شاذّة؛ والمقصود ابتعاد المنظمة عن هموم الثقافة المغربية، لأن هاجس المسيّرين العمل على تجميد المكتب التنفيذي وشللية الفروع، وقتل الفعل الثقافي الجاد.
هذا الواقع الكل ينبذه وينتقده بلغة عنيفة وقاسية، بعيدة عن التعقلن والتدبّر وبحساسية مفرطة، أحيانا تُشَمُّ منها رائحة الذاتية والنرجسية المرضية، لكن هذا الوضع يحتاج إلى مراجعات وتعديلات جوهرية، سواء على مستوى القانون الداخلي وصلاحيات المكتب التنفيذي لإعادة الحياة لمنظمة قدّمت الشيء الكثير للثقافة المغربية والعربية، وهي إرث لكل المثقفين المغاربة الغيورين عليها، ومن حق الجميع أن يوجّه سهام النقد البنّاء لها حتى تستعيد عافيتها وحركيتها، وهذا الأمر يستدعي منّا جميعا لحظة للتأمل والتدّبّر للحفاظ على هذا الإرث.
وبعيدا عن هذه الأجواء المكهربة أتوجه إلى كل الفاعلين الثقافيين من أعضاء وغير أعضاء في منظمتنا العتيدة سابقا والهشة حاليا، بندائي هذا قصد التفكير في مخرج حقيقي للوضع المحرج الذي يعاني منه الاتحاد تنظيميا لتجاوز الأزمة المستفحلة بـ:
- العمل على تجديد هيكلة الاتحاد بأسماء جديدة لها غيرة على المنظمة.
ـ إحداث خلية تسهر على إنجاز أوراق لمشروع ثقافي وطني حداثي.
- تحديد مدة تحمّل المسؤولية في سنتين كحد أدنى لكل عضو من أعضاء الاتحاد.
- هيكلة الفروع بدماء جديدة وتفعيلها عبر مشاريع ثقافية تهم الفرع في ارتباط مع المركز.
- خلق مجلس وطني للثقافة المغربية يتكون من أعضاء الفروع، مع الانفتاح على أعلام الثقافة المغربية غير المنخرطين.
- إحداث القطيعة مع كل الممارسات اللاثقافية السابقة وفتح باب الحوار مع كل الفاعلين الثقافيين.
- انفتاح مجلة «آفاق» على كل التجارب الإبداعية المغربيــــة والعربـــية والعالمية بتصور جديد يتجلى في إعطاء الأولوية للنص وليس للاسم.
- تنظيم ندوات فكرية ونقدية تستجيب لنداء التحولات التي تشهدها الساحة المغربية والعربية والدولية، حتى يكون المثقف المغربي فاعلا لا منفعلا، مساهما لا مستهلكا.
- السهر على إشاعة حداثة فكرية منفتحة على المنجز المحلي والإنساني على جميع الصعد، مع الحفاظ على الخصوصية المغربية والعربية.
هذه مجرد اقتراحات متواضعة من متتبع للشأن الثقافي، وليس عضوا في الاتحاد، فالغيرة على الثقافة المغربية وعلى المنظمة لإعادة استقلاليتها بعيدا عن أي وصاية هي الدافع لكتابة هذه الورقة، إضافة إلى ضرورة بث حياة جديدة في شرايين منظمتنا التي قدمت الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على كيانها مستقلة لا تابعة. وأيضا للابتعاد عن الحسابات الضيّقة والذاتية المقيتة بغية تصحيح ما يمكن تصحيحه، ووضع الاتحاد في سكة واضحة حتى يستعيد دوره داخل النسيج الثقافي العربي.
ولابد من الإشارة إلى أن مقترحات تمّ اقتراحها من لدن العديد من المثقفين لم تؤخذ على محمل الجد، بقدر ما همّشت ولم تناقش، وهذه فرصة ثمينة لطرح تلك الأوراق للتداول والنقاش حتى تتضح الأمور، ويخرج الاتحاد من مؤتمر طنجة سليما معافى.
وأخيرا ما آمله هو عودة منظمة الاتحاد قوية بمكتب مسيّر جديد له إرادة حقيقية لخدمة الشأن الثقافي المغربي والعربي، والعمل الجاد على تفعيل الحركة الثقافية داخل المغرب بوسائل لوجستيكية جديدة تستجيب للحظة التاريخية المفصلية التي يمرّ منها العالم في ظل عولمة جشعة، وإمبريالية جديدة بلبوس مختلفة اقتصادية، اجتماعية، سياسية، فكرية مقصديتها القضاء على خصوصيات الأمم.
صالح لبريني
Jun 21, 2018
القدس العربي